يحيى محمد
لماذا تغيّرت عناوين الكتب المنشورة لاحقاً مع بقاء مضامينها دون اختلاف؟!
يتضمن مشروع (المنهج في فهم الاسلام) خمسة مجلدات هي: علم الطريقة ونُظم التراث والنظام الوجودي والنظام المعياري والنظام الواقعي. وتمت الاشارة الى هذه الاجزاء لدى تصديرنا للمجلد الأول من المشروع، ثم اعقبنا ذلك بالقول: «لقد عملنا على انجاز هذا المشروع الخماسي مدة أعوام طويلة.. وخلالها تمّ نشر القسم الأعظم منه بعناوين مستقلة مختلفة، رغم أن بعضها مرتبط بالبعض الآخر، وهي كل من: مدخل إلى فهم الإسلام، ومنطق فهم النص، والفلسفة والعرفان والإشكاليات الدينية، والعقل والبيان والإشكاليات الدينية، وجدلية الخطاب والواقع، وفهم الدين والواقع».
فالعبارة صريحة في أن المشروع سبق أن نُشرت أغلب مواده بهيئة كتب مستقلة وبعناوين مختلفة طيلة أكثر من عقدين من الزمن. لكن حصل بعض الالتباس لمن قرأ اجزاءاً من المشروع او اقتنى بعضها وصادف ان وجدها ذات المنشورة سلفاً بعناوين مغايرة.. فقد جاءت حلقة (علم الطريقة) وهي تتضمن كتاب منطق فهم النص مع اضافات أخرى، وبعضها واردة في كتاب مدخل الى فهم الاسلام. كما جاءت حلقة (نظم التراث) وهي ذات كتاب المدخل مع بعض الاضافة من جهة والحذف من جهة ثانية.. كذلك جاءت حلقة (النظام الوجودي) وهي ذات كتاب الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية مع بعض التنقيحات.. وهكذا مع حلقة (النظام المعياري) وهي ذات كتاب العقل والبيان والاشكاليات الدينية مع بعض الاضافات. وأخيراً حلقة (النظام الواقعي) التي دمجت كتابي جدلية الخطاب والواقع وفهم الدين والواقع مع بعض الاضافات والترتيبات المناسبة..
كل هذه التغيرات قد أشرنا الى اجمالها في صدارة المجلد الأول. وتفاصيل الحال يأتي من خلال عرض التطورات التي حلّت بالمشروع والتي اضطرتنا الى تغيير العناوين، كما نوضحها أدناه:
تعود الفكرة الأولية للمشروع الى (عام 1986)، فقد قدّمتُ اقتراحاً الى احدى المؤسسات العلمية بأن أقوم بإعداد سلسلة لمناهج الفكر الاسلامي في خمسة مناهج او اجزاء، وتمت الموافقة على ذلك، فاستعرضت أربعة مناهج للتراث الاسلامي، وكان يفترض ان اضيف لها منهجاً جديداً يتعلق بالمنهج الواقعي، لكن الظروف حالت دون ذلك. وخلال السنوات الاولى من تسعينات القرن الماضي قمت بتطوير الفكرة الى مشروع تحت عنوان (المنهج في فهم الاسلام)، إذ بدت لي ملامح جديدة مختلفة عما كانت عليه في السابق، فقد رأيت ان المناهج الاربعة للتراث قابلة لأن تنضوي تحت نظامين مختلفين، يتضمن كل منهما منهجين للمعرفة والفهم الديني، كما ان هذه المناهج وغيرها تحتاج الى علم جديد يتولى القيام بدراستها ضمن معايير محددة، وسميته (علم الطريقة)، يضاف الى ان المشروع بدأ يتخذ خارطة جديدة مختلفة عما كانت عليه الفكرة الاولية.. هكذا بدت لي الحاجة الى كتابة سلسلة من خمسة اجزاء، يكون فيها الاول مدخلاً ممهداً للفهم الديني ولما سيأتي من بحوث، وهو ما تم انجازه (عام 1994) بهيئة كتاب (مدخل الى فهم الاسلام) الصادر لدى مؤسسة الرافد بلندن (عام 1997)، وذلك ضمن عنوان عام مشار اليه في الصفحة الاولى من الكتاب: المنهج في فهم الاسلام (1)، والذي اعيد طبعه لدى مؤسسة الانتشار العربي ببيروت مرتين (عام 1999 و2012).
ويتضمن كتاب المدخل ثلاثة اقسام مع خاتمة، والقسم الاول كان عبارة عن تمهيد للقسمين الاخرين، فقد تناول موضوعاً يتعلق بالتعريف بعلم الطريقة الذي يختص بدراسة نظم ومناهج الفهم الديني، وعلى رأسها مناهج تراثنا المعرفي، لذلك جاء القسمان الاخران من الكتاب كتطبيق لعلم الطريقة عبر دراسة الأدوات المعرفية لتلك المناهج واصولها المولدة. حيث قسّمت نظم التراث الى نظامين اساسيين سميتهما النظام الوجودي والنظام المعياري، ولكل منهما منهجان مختلفان. وحيث لم يكن حجم الكتاب يسمح بتناول علاقة هذه النظم والمناهج التراثية بفهم الاسلام او النص الديني، لذلك اشرت الى تفاصيل هذه القضية ضمن مجلدين مخصصين لهذا الغرض، احدهما يتناول النظام الوجودي، والاخر النظام المعياري، وكان يفترض بعد ذلك ان يتناول المجلد الرابع طبيعة العلاقة الدائرة بين هذين النظامين وفق مجراهما التاريخي، أما المجلد الاخير فيختص بالنظام الواقعي.
ومن الناحية الزمنية لم يتم انجاز هذه الاجزاء المفترضة على التوالي، فبعد نشر كتاب مدخل الى فهم الاسلام بدأت اهتم بالنظام الواقعي باعتباره الثمرة الاهم في الموضوع، واول ما انجزته هو كتاب (جدلية الخطاب والواقع) عام 1999، وتم نشره لدى مؤسسة الانتشار العربي (عام 2002)، ثم اعيد طبعه مع اضافات لدى افريقيا الشرق (عام 2012)، وهو يمثل الجزء الاول من النظام الواقعي الكائن في جزئين. وبطبيعة الحال لم يكن بالامكان تسميته بالنظام الواقعي لعدم اتمام السلسلة ولا حتى ما تبقى من جزء اخر متمم لهذا النظام.. وقد تم انجاز ما تبقى (عام 2001) ومن ثم نشر لدى دار الهادي ببيروت (عام 2005)، وكان العنوان الذي اخترته له هو (مقاصد التشريع والواقع) لكن الناشر رجّح عنواناً اخر بحجة وجود عناوين كثيرة تشير الى لفظة المقاصد، لذلك استبدلته بسمة (فهم الدين والواقع)، والذي اعيد طبعه لدى افريقيا الشرق (عام 2011). وفي هذا العام ايضاً تم نشر المجلد الثاني للمشروع الخماسي لدى نفس دار الهادي، وقد تم الانتهاء منه (عام 2003)، وهو يتعلق بالنظام الوجودي، لكن حيث ان الاسم غير متداول ولا معروف، وبالتالي سيلقى اعتراضاً من قبل الناشر، لذا اضطررت الى ان اسميه (الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية)، وهو الكتاب الذي تجدد طبعه لدى مؤسسة الانتشار العربي (عام 2008). ثم بعد ذلك اتممت انجاز المجلد الثالث (عام 2007)، ومن ثم نشرته لدى مؤسسة الانتشار العربي (عام 2010)، وهو يتعلق بالنظام المعياري، فسميته (العقل والبيان والاشكاليات الدينية) لتسهيل طبعه بدل سمة (النظام المعياري).
هكذا اصبحت اربعة اجزاء للمشروع تم نشرها بشكل مستقل وموزعة لدى اكثر من دار نشر وبعناوين تتناسب مع السماح بطبعها. وخلال سنين طويلة كان يشغلني التفكير في علم الطريقة، فكتبت بعض الابحاث حوله، وجمعتها ضمن كتاب مستقل بعنوان منطق فهم النص (عام 2008) والذي تم نشره لدى دار اخرى هي افريقيا الشرق بالمغرب (عام 2010). وهكذا اصبحت مباحث علم الطريقة مشتتة بين هذا الكتاب وبين القسم الاول من كتاب (مدخل الى فهم الاسلام)، وادركت خلالها انه لا بد من وضع علم الطريقة كجزء اول من اجزاء المشروع، خاصة وان هناك ابحاثاً اخرى تتعلق بالموضوع كنت بحاجة الى انجازها، وعلى رأسها ادراج بحث يتعلق بالمقارنة بين مناهج الفهم الديني ومناهج العلم الطبيعي، لكن هذا البحث توسع الى كتاب منجز (عام 2013)، وتم طبعه بعد عام لدى الانتشار العربي بعنوان (منهج العلم والفهم الديني).
وعند انجاز (منهج العلم والفهم الديني)، مع اضافات كثيرة هنا وهناك، اصبح كتاب (علم الطريقة) جاهزاً ليرى النور بشكل تام، وذلك (عام 2014)، كما ان اجزاء المشروع الاخرى قد تم نشرها بعناوين مستقلة، باستثناء ما يتعلق بالبحث الخاص حول العلاقة التاريخية للنظامين الوجودي والمعياري، حيث صرفت النظر عنه كلياً بعد ان كرست جهدي لانجاز الجزء الاهم من المشروع وهو علم الطريقة. وهنا اصبحت المشكلة في ترتيب الاجزاء واختيار عناوينها ضمن سلسلة (المنهج في فهم الاسلام) والتي مازالت تُطبع تباعاً منذ (عام 2016) لدى دار العارف ببيروت، فالمجلد الاول هو )علم الطريقة( الذي جُمعت أجزاؤه مما جاء في القسم الاول من كتاب المدخل، وكتاب منطق فهم النص، وبعض الخلاصات مما ورد في كتاب منهج العلم والفهم الديني، فضلاً عن اضافات كثيرة ومتنوعة هنا وهناك. اما الثاني فهو ما تبقى من كتاب المدخل، اي القسمين الثاني والثالث بالاضافة الى الخاتمة، وهو يتعلق بنظم التراث الاسلامي، لذلك تم نشره مع بعض الاضافات بعنوان (نظم التراث)، اذ لم يكن عنوان )مدخل الى فهم الاسلام( مناسباً له، بعد ان حلّ )علم الطريقة( محله، اما المجلد الثالث فقد اخذ عنوان )النظام الوجودي(، وتحته عنوان تعريفي: نظام الفلسفة والعرفان، وذلك عوض التسمية السابقة لكتاب (الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية)، والتي لم تعد صالحة ضمن نسق المشروع. كذلك كان عنوان المجلد الرابع هو )النظام المعياري(، وتحته عنوان تعريفي: نظام العقل والبيان، وهو عوض التسمية السابقة لكتاب (العقل والبيان والاشكاليات الدينية)، مع بعض الاضافات، وهو عنوان لم يعد صالحاً ضمن نسق المشروع كسابقه. يبقى المجلد الخامس وهو )النظام الواقعي(، ويمثل دمجاً لكتابي جدلية الخطاب والواقع وفهم الدين والواقع، مع بعض الاضافات والترتيبات المختلفة. وقد اقتصر مخرج الكتاب (او الناشر) على ذكر اقسام الاجزاء وفصولها من دون تفاصيل، خلافاً لما كانت عليه الطبعات السابقة.
ويتبين للقارئ ان مشروع (المنهج في فهم الاسلام) قد مرّ بمخاضات من التطور عبر ما يقارب ثلاثة عقود، لذلك كان من الطبيعي ان يجرى عليه شيء من التغير والتطور في مضامينه وعناوينه بما يناسب ما يطمح اليه الكاتب وما يتطلبه الناشر من عمل، ولكل منهما غرضه المختلف عن الاخر، وعليه ظهر الالتباس في العناوين. فالعناوين المتأخرة جاءت ضمن سلسلة صريحة لدى اغلفة المجلدات بعنوان المنهج في فهم الاسلام، ففي كل مجلد رقمه ضمن السلسلة الخماسية. لذلك كانت تسمياتها مختلفة عن تلك الكتب التي تم نشرها ككتب مستقلة ودون ترقيم باستثناء المدخل في طبعته الاولى والثانية. وليس من الممكن وضع ذات العناوين، فلا الناشر سيقبل ان تدرج عناوين غير معروفة لدى الكتب الاولية المستقلة، ولا ان عناوين الكتب المستقلة مناسبة للسلسلة الخماسية، بل ولا ان الناشر سيرضى ان يشار بشكل ظاهر - في الغلاف الخلفي مثلاً - بان الكتاب قد سبق نشره من دون تغيير في دار اخرى. هذا بالاضافة الى ان المدة الفاصلة بين العنوان الاول لاي كتاب وما انتهى اليه من تغيير ليست قصيرة، وهي تتجاوز حد الاتفاق على نشر الطبعة، والمتوقع انتهاء النسخ إن لم يكن هناك تجاوز في هذا المجال. ومن ذلك مثلاً ان كتاب (الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية) تم نشره عام 2005، واعيد طبعه عام 2008، في حين طُبع بعنوان (النظام الوجودي) ضمن سلسلة المنهج في فهم السلام (3) عام 2017، فالفارق بين العنوان الاخير والطبعة الاولى 12 سنة، ومع الطبع الثانية 9 سنوات.
وبعد الكشف عن الملابسات التي احاطت بسيرة مشروع (المنهج في فهم الاسلام)، وتبيان الأسباب الموضوعية التي اضطرتنا الى اعادة صياغته بعناوين جديدة، نشير الى ان تغيير العناوين هو امر شائع لدى الكثير من المفكرين والعلماء والكتّاب، ولأسباب مختلفة، وبعضها تتكرر ذات المضامين من دون تغيير، او تغيير طفيف مع ان العنوان مختلف. وهناك عشرات المواقع الاجنبية التي تشير الى طباعة الكثير من الكتب الاصلية ذاتها مع تغيير عناوينها لأسباب مختلفة، ومنها لكون العنوان الجديد هو اكثر جاذبية، خاصة في مجال القصص والروايات، او لأسباب اخرى غير واضحة[1]..
ومما يشار بهذا الصدد ان كارل بوبر نشر أول أعماله الكبيرة بعنوان (منطق البحث) عام 1934، ثم ترجمه الى الانجليزية ونشره بعنوان اخر هو (منطق الكشف العلمي) عام 1959. كما ان ستيفن هوكنج قام بنشر كتاب له بعنوان (موجز تاريخ الزمن) عام 1988، فحقق نجاحاً منقطع النظير، اذ بحسب بعض الاحصاءات كانت مبيعات الكتاب طيلة مدة (237 اسبوعاً) حوالي نسخة واحدة لكل 750 شخصاً بما فيهم الاطفال لدى جميع انحاء العالم. وفي عام 2005 اصدر طبعة جديدة لتلبية حاجة القرّاء في توسعة بعض المحتويات الاساسية، وقام بحذف مفاهيم تقنية بحتة كي يقارب الحجم الاول، واستبدله بعنوان جديد هو (تاريخ أكثر ايجازاً للزمن).
[1] انظر مثلاً: https://www.librarything.com/topic/112243كذلك: https://www.rifflebooks.com/list/170553
.