يتصور الكثير خطأً أن التقليد متسالم عليه في الوسط الشيعي..
والحال ان من القدماء من ذهب الى تحريمه صراحة، مثل فقهاء حلب، يضاف الى الاخبارية مثل مؤسس المذهب محمد أمين الإسترابادي، وتابعه آخرون على رأسهم الحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة). ومما قاله ابن زهرة في تحريمه: «لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي، لأن التقليد قبيح، ولأن الطائفة مجمعة على أنه لا يجوز العمل إلا بعلم. وليس لأحد أن يقول قيام الدليل وهو إجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي إلى المفتي والعمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الإقدام على القبيح ويقتضي إسناد عمله إلى علم؛ لأنا لا نسلم إجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه، وهو موضوع الخلاف. بل إنما أمروا برجوع العامي إلى المفتي فقط، فأما ليعمل بقوله تقليداً فلا. فإن قيل: فما الفائدة في رجوعه إليه إذا لم يجز له العمل بقوله؟ قلنا: الفائدة في ذلك أن يصير له بفتياه وفتيا غيره من علماء الإمامية سبيل إلى العلم بإجماعهم فيعمل بالحكم على يقين»([1]).
وجاء عن الشيخ الطوسي - المعد أول من فتح باب الإجتهاد المطلق - ما ظاهره تحريم التقليد، كما في كتابه (تلخيص الشافي)، فبعد تقريره بأن القياس وأخبار الآحاد والإجتهاد لا يجوز التعبد بها؛ عاد فقال: «إن العامي لا يجوز أن يقلّد غيره، بل يلزمه أن يطلب العلم من الجهة التي تؤدي إلى العلم»([2]). وإن كان نصّه هذا لا يدل على التحريم المطلق، فربما كان مراده أن الأصل لا يجوز التقليد فيه، وهو متفق عليه وإلا دار الأمر أو تسلسل، كما قد يكون مراده ما يخص العقائد بقرينة أن بحثه كان يتعلق بالإمامة.
واقوال القدماء حول التقليد ليست صريحة لكنها على ما يبدو لا تميل اليه باعتبارها ممن يعول على القطع في الاحكام.. فالمسلك العام للقدماء كان يؤيد منحى القطعية، حتى أن منهم من كان يدعي: «أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كل حكم شرعي دليلاً واضحاً مادام الإنسان مكلفاً والشريعة باقية» . وهو على عكس حال المتأخرين الى يومنا هذا، حيث غابت النزعة القطعية فحلّ التقليد محلها..
[1] إبن زهرة: الغنية، ضمن الجوامع الفقهية، منشورات مكتبة المرعشي النجفي في قم، 1404هـ، ص485ـ486 .
[2] الطوسي، أبو جعفر: تلخيص الشافي، قدم له حسين بحر العلوم، دار الكتب الإسلامية في قم، الطبعة الثالثة، 1394هـ ـ1974م، ج1، ص240 .