يحيى محمد
تتأسس نظرية دوركايم في التفسير الإجتماعي على وجود كيان حقيقي مستقل هو ما يعبّر عنه بالعقل الجمعي. فما يُعرف بالضغوط الإجتماعية انما هو نتاج تأثير هذا العقل.
فهذا العالم يرى ان شخصية الإنسان ذات طابع إجتماعي بحت، باعتباره نتاج المجتمع، فما يجعله إنساناً بأبعاده الأخلاقية والروحية والعقلية انما المجتمع ذاته. وبالتالي فكل سلوك فردي لا بد ان يتضمن الدافع الإجتماعي وتأثيره، بوعي وبغير وعي. ولولا هذا التأثير لما ظهر الإبداع والنشاط الإنساني للفرد. فالعالم والفنان والأديب والمفكر والمخترع والعامل والمزارع وغيرهم مدينون في انشطتهم وابداعاتهم إلى التأثير الإجتماعي من دون وعي ولا شعور عادة.
فمثلاً بالنسبة إلى نشأة الظاهرة الدينية في حياة الفرد يرى دوركايم أن القبائل في قديم الزمان كانت تجتمع خلال الحفلات والمواسم التوتمية المتضمنة لمراسيم العبادة، وخلالها يزداد الحماس والتهيج الإجتماعي حين أدائهم الشعائر العبادية، ولكن حين ينصرف كل فرد إلى حاله - بعد الإنتهاء - يشعر وكأنه جاء من عالم له طابع التوتر والقوة والتهيج إلى عالمه الخاص الضعيف. ويشابه هذا الحال ما يحصل لدى المجالس الحسينية خلال أيام عاشوراء.
ويحلل دوركايم الحالة السابقة وفق العقل الجمعي وتأثيره على الأفراد، فخلال الظاهرة الإجتماعية يبرز هذا العقل ويقوم بإشعاع قهره وتأثيره على عقول الأفراد الخاصة كما يتبين حين انفصالها وانصرافها عن بعضها البعض.
وكمثال آخر، ينسب دوركايم الإنتحار بجميع أصنافه إلى التأثير الإجتماعي. فهو يقسمه إلى ثلاثة أنواع، هي الإنتحار الاناني والايثاري وذلك الناشئ عن انهيار قيم المجتمع في شخصية الفرد.
فالإنتحار الأناني ينشأ بسبب العزلة الشديدة للفرد عن المجتمع، حيث تتحلل رابطة الفرد بالجماعة، مما يشجعه على الإنتحار. والإنتحار الايثاري ينشأ نتيجة دفع الجماعة للفرد في تحقيق مصالحها العامة تطوعاً. أما الإنتحار الناشئ عن الانهيار المفاجئ للمعايير والقيم الإجتماعية في نفس الفرد فيحصل في حالة خروج الفرد عن التزامات الجماعة بالمعايير الثابتة، لذا فهو يفقد توازنه عندما يخسر البعد الإجتماعي مما قد يؤدي به الحال إلى الإنتحار.
ويعترف دوركايم بالشيء اليسير من التأثير الفردي على الظواهر والنظم الإجتماعية. فكما أشار في هامش مقدمته الثانية لكتابه القيم (قواعد المنهج في علم الإجتماع) إلى ان للفرد مساهمة بشيء من النصيب في تكوين الظواهر الإجتماعية، وقال بأنه لا يترتب على ذلك بأن المعتقدات والعادات الإجتماعية تقتحم شعورنا من الخارج، فعلى هذا النحو اننا نتقبلها قبولاً سلبياً دون ان ندخل عليها بعض التعديل، ذلك لأننا نطبع النظم الإجتماعية بطابعنا الشخصي حينما نفكر فيها وحينما نجعلها جزءاً من شعورنا. وهذا مثيل بما يحدث بالنسبة إلى الصور التي نكونها لأنفسنا عن العالم الحسي، فإن كل مرء منّا يلوّن هذا العالم بلونه الخاص حين يفكر فيه. كذلك انه من الممكن ان يتكيف عدة أفراد مختلفين فيما بينهم ببيئة طبيعية واحدة، وهذا هو السبب في ان كل فرد منا يستطيع إلى حد ما اختيار مذهبه الخلقي أو الديني أو مشربه في السلوك. وليست هناك ظاهرة إجتماعية ما إلا وتحتمل طائفة كبيرة من الفروق اليسيرة لدى الأفراد. ولكن هذه الفروق تظل محصورة في دائرة ضيقة للغاية، وهي معدومة أو ضعيفة جداً فيما يتعلق بالظواهر الدينية والخلقية، إذ الإنحراف في هذه الظواهر يدعو المجتمع إلى اعتباره جريمة نكراء[1].
كما أشار في محل آخر من كتابه إلى انه لا يريد نفي تأثير الميول والرغبات والحاجات الفردية في التطور الإجتماعي، لكنه يرى في الوقت ذاته ان تأثيرها لا يتم ما لم يعتمد في ذلك على أسباب فعالة، فلا يمكن لأي ميل فردي ان يساهم في خلق ظاهرة جديدة ما لم يكن هذا الميل جديداً أيضاً، بأن يتركب من عناصر جديدة بالكلية أو يكون نتيجة لتطور بعض الميول السابقة[2].
على ان ما يقوله دوركايم يخالفه التغير الإجتماعي، فهو تغير ينبعث من الأفراد ولو خالف بعض قيم المجتمع ومعاييره، وبتراكم التغير يتحوّل المجتمع، وهو ما يفسر تطور المجتمعات والحضارات عبر التاريخ.
لقد افترض دوركايم العقل الجمعي كشيء موضوعي ناتج عن دمج وتجاذب النفوس الفردية بعضها بالبعض الآخر، فهو كائن نفسي جديد، أو ان له شخصية نفسية من جنس جديد. وبذلك يتميز الشعور الجمعي عن الشعور الفردي كلياً، وان قوانين الأول تختلف عما لدى الثاني، فالكل هنا لا يمثل مجموع الأجزاء، بل شيئاً آخر تختلف خواصه عن الخواص التي تحمله أجزاؤه الداخلية. ويمكن تشبيه ذلك بالمركبات الكيميائية مقارنة بعناصرها الأساسية، كعلاقة الماء بعناصره المؤلفة من الأوكسجين والهايدروجين، فأقل ما يقال هو أن الأوكسجين يساعد على الاشتعال والهايدروجين يشتعل، لذا فالمناسب من التفاعل بينهما هو أن يفضي الأول منهما إلى إشعال الأخير، لكن ما يحدث هو شيء آخر مناقض لهذا بالتمام، ففي نسبة محددة - ذرتا هايدروجين لكل ذرة أوكسجين - يتكون الماء الذي خاصيته هو أنه لا يشتعل ولا يساعد على الإشتعال، بل يفعل العكس في إخماده للإشتعال، وبالتالي فخاصية الماء تخالف خاصية كل من الهايدروجين والأوكسجين[3]. وقد قدّم دوركايم بعض الأمثلة المقربة للمعنى الذي يريده، مثل تشبيه الأمر بالخلية الحية مقارنة بعناصرها الضمنية، فهي لا تمثل مجموعة هذه العناصر، وانما الكل الذي يتميز عن أجزائه، وكذا الحال فيما يخص المركب الإجتماعي مقارنة بعناصره الضمنية من النفوس الفردية. لذلك كان علم الإجتماع علماً مستقلاً عن علم النفس[4].
هذه هي نظرية دوركايم حول شيئية العقل الجمعي، مع ان الأمثلة المذكورة لا تفي بالموضوع، فالعناصر في حالة المركبات الكيميائية تفقد شخصيتها داخل المركب أو حين الاتحاد، وليس هو الحال في حالة الروح الجمعية، إذ لا تفقد الأرواح الفردية كامل شخصيتها عند الذوبان والانصهار. ومثل ذلك يحصل في حالة الخلية، إذ يلاحظ ان هناك عنصراً جديداً مختلفاً جذراً عن العناصر المكونة له، وهو ما يحمل سمة (الحياة) وان لم نعرف حقيقتها، في حين لا يظهر في حالة الروح الجمعية عنصر جديد خارج إطار الأرواح الفردية المتفاعلة، وبالتالي كان الفارق بين الحالتين عظيماً. فعناصر المجتمع تمتلك ذات الممكنات السلوكية للفعل وهي متشابهة، الأمر الذي يجعلها تتقبل التفاعل والتأثير المتبادل فيما بينها، فتظهر حالة القوة والتوتر العاطفي مقارنة بحالة الإنفصال والإنفراد[5]. وخلالها ينشأ ما نعبّر عنه باللاشعور الإجتماعي.
وهناك من المفكرين المسلمين من مال إلى الإعتقاد بأصالة الروح الجمعية التي جاء بها دوركايم وإن أضاف إليها أصالة الفرد في الوقت ذاته، كما هو الحال مع المرحوم مرتضى مطهري في كتابه (المجتمع والتاريخ). فقد جنح إلى القول بأصالة الطرفين وكون أصالة المجتمع غير مستقلة عن أصالة الفرد، فالروح الجمعية هي تركيب عيني حقيقي بين الأرواح الفردية؛ من غير أن تفقد هذه الأرواح كامل شخصيتها، بل جزء منها يذوب وينصهر لتكوين تلك الروح، مثلما يتكون الماء من عناصره. فمثلما للفرد الروح والشعور والوجدان والإرادة والتطلعات، فكذا حاصل لدى الروح الجمعية. لذلك كان للمجتمع قوانين وسنن مستقلة عن أفراده، طالما أن حياته مستقلة عن حياتهم نسبياً. فالأفراد بحسب هذه النظرية يفقدون هويتهم الفردية المستقلة في الإطار الإجتماعي، ولو بشكل نسبي. وقد اعتبر مطهري أن أصالة المجتمع تجد لها تأييداً من قبل النصوص القرآنية التي تتحدث عن الأمة بوصفها جماعة تمتلك روحاً حقيقية لها شعور واحد ومصير واحد وصحيفة أعمال واحدة وما إلى ذلك[6]. الأمر الذي يعني ان هناك واقعاً حقيقياً عينياً للمجتمع، فتكون لهذا المجتمع حياة وموت حقيقيان وفق ما يمتلكه من روح جمعية عينية[7].
مع ذلك لسنا مضطرين لافتراض وجود عقل موضوعي شبحي هو ما يعبر عنه بالعقل الجمعي، فقد يكفي تحليل الظاهرة الاجتماعية منطقياً وفق التأثير الوظيفي، فهو يبعث على النمو والقوة حين الحشد والإجتماع من دون وعي الإفراد المتفاعلين بذلك، وبالتالي لا حاجة لإفتراض العقل الجمعي كما جاء به دوركايم. حتى أن سبب شعور الفرد بقوة التأثير حين انصرافه عن الجماعة وعدم شعوره بها حال الإجتماع يعود إلى كونه لا يتنبَّه للمواقف الآنيِّة عند التفاعل خلالها بسرعة، ويخيم اللاشعور وسط هذا التفاعل واشتداد التوتر، الأمر الذي لا يتيح له فرصة الوعي بها، في حين انه عند الإنصراف والخروج عن دائرة التفاعل يشعر بالقوة الغريبة التي آسرته. وبالتالي فشعور الفرد بالغربة لا يرجع إلى مدّ العقل الجمعي الذي افترضه دوركايم لتفسير الموقف، بل يعود إلى تنبّه الإنسان للتأثيرات الإجتماعية خارج دائرة التفاعل.
وقد يكفي من منظور مبدأ البساطة العلمي أن لا نفترض وجود شيء جديد إذا ما أمكن تفسير الظاهرة بشكل معقول مكافئ. خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار ان الروح الجمعية قد لا تكون واحدة في الجماعة، بل أرواح متعددة ومتداخلة، فالظواهر الإجتماعية متعددة كالظاهرة الدينية والسياسية والإقتصادية وغيرها، وان الجماعة قد تتوزع رؤاها ومعتقداتها وسط هذا التعدد للظواهر الإنسانية، مما يخلق مزيجاً من الأرواح المتداخلة للجماعة الواحدة، الأمر الذي لا يتسق مع مبدأ البساطة والإقتصاد في التفكير[8].
وعموماً نجد أنفسنا تتحمل ضغوطاً خارجية توجِّه أفعالنا نحو مسالك محددة نتيجة القهر الإجتماعي، ومع ذلك فنحن في أغلب الأحيان لا نشعر بهذا القهر حال التفاعل، فهو يعود إلى اللاشعور الإجتماعي. وكثيراً ما يكون هذا القهر ناعماً فيتنامى ويتحول مما هو شكلي إلى جوهري، أو العكس، عبر التقليد والإيحاء والتلقين. فكما اننا اذا أُعجبنا بأفكار شخص أو طريقة تفكيره أو شخصيته العامة نميل إلى تقليد مظهره العام وحركاته ولو بصورة غير واعية، فكذا يحصل العكس أيضاً، فاننا عندما نقلد الآخرين في مظهرهم العام فقد يدعونا ذلك إلى تقليد أفكارهم أو طريقة حياتهم العامة بلا شعور[9].
وعليه إذا أردتَ أن تكون عالم دين فعليك أن تضع العمامة على رأسك، وإذا أردتَ أن تكون ممن يدير رأسه إلى الوراء فعليك إرتداء الطربوش لتتسلى بالماضي، ولو أردتَ أن تكون ممن يدعو إلى التحرر التام فعليك إرتداء الأزياء الغربية كالذي كان يدعو إليه كمال اتاتورك عند نشأة تركيا الحديثة، ولو أردتَ أن تكون ممن ليس في ذهنه إلا التفكر في الله فعليك أن تردد كلمة الله على الدوام.
ويبتدأ القهر الجمعي منذ نشأة الفرد الإجتماعية، ويساعده في ذلك حالة اللاوعي القصوى التي يتميز بها الفرد خلال مرحلة الطفولة، ولهذا يصطبغ بقالب الصبغة الإجتماعية التي تحدد كينونته.
فللاشعور أهمية خاصة في بناء الطابع الإنساني والإجتماعي بفعل الضغط الذي يمارسه المجتمع على الفرد منذ نشأته الاولى فصاعداً، حيث التلقين والتقليد.
قيل انه كان هناك طفل هندي تربى وسط حرش للحيوانات، وقد تم اكتشافه (سنة 1954)، وتبين انه لم يكن يمشي على قدميه فقط، بل على أربعة أقدام، وكان يصدر أصواتاً شبيهة بأصوات الحيوانات الشرسة، بل ويخشى رؤية الناس، ويأكل اللحم النيء لأنه تربى على ما قيل وسط كلاب مسعورة في احدى أحراش الهند[10].
ان الاختلاف الأساسي فيما يتأثر به الفرد ويتطبع عليه حين وجوده وسط مجتمع بشري عن غيره من الكائنات الأخرى هو انه يكتسب أشياء تناسب طبيعته وفطرته الأصلية، فتبرز لديه الخصائص الإنسانية المفطور عليها. فالوجود الإجتماعي شرط لظهور الامكانات الإنسانية، وليس علة لها كما يظن دوركايم.. بمعنى ان الغياب الإجتماعي لا يعدم فطرة الفرد الإنسانية، وإن لم تظهر مكنوناتها الذاتية.
ولعل في قصة ايزابيل ما يكشف عن هذه الحالة، فقد وُلدت بصورة غير شرعية وحُبست مع أمها الخرساء في حجرة مظلمة معزولة عن العالم الخارجي. وخلال هذه العزلة الشديدة كانت الطفلة تتفاهم مع أمها بالإشارة، وقد تمّ اكتشافها وهي في عمر يقارب الستة أعوام ونصف، وقد لوحظ انها كانت تصدر أصواتاً غريبة، كما كانت شديدة الخوف من الغرباء. وقد تعرضت الطفلة في أحد معاهد الاصلاح لبرنامج تربوي منظم، وكانت النتيجة مشجعة وباهرة، فبعد مرور عامين من اكتشافها – أي بعد ان بلغت من العمر ثمان سنوات ونصف – تمكنت ايزابيل من ان تصل إلى المستوى التعليمي لعمرها، أي إنها استوعبت خلال سنتين ما يتقبله الطفل العادي في ست سنوات[11].
[1] اميل دوركايم: قواعد المنهج في علم الإجتماع، ترجمه وقدم له محمود قاسم، راجعه السيد محمد بدوي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1988م، ص44، عن مكتبة الموقع الالكتروني: www.4shared.com.
[2] قواعد المنهج في علم الإجتماع، ص195ـ196 .
[3] يحيى محمد: مدخل إلى فهم الإسلام، مؤسسة الإنتشار العربي، الطبعة الثالثة، 2012م.
[4] دوركايم: قواعد المنهج في علم الإجتماع، ص212ـ215.
[5] يحيى محمد: التصوير الإسلامي للمجتمع، مؤسسة اهل البيت، بيروت، 1981م، ص90.
[6] من قبيل قوله تعالى: ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)) الأعراف /34.. ((كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) الجاثية /28.. ((كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)) الأنعام/108.. ((وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)) غافر/ 5.
[7] مرتضى مطهري: المجتمع والتأريخ، اصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1402هـ، ص23 وما بعدها.
[8] انظر حول مبدأ البساطة: يحيى محمد: منهج العلم والفهم الديني، مؤسسة الإنتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2014م.
[9] روى الحر العاملي في (وسائل الشيعة) عن الامام الصادق بأن الله أوحى إلى أحد انبيائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي.. فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
[10] المفتتح في علم الإجتماع، ص128.
[11] المفتتح في علم الإجتماع، ص128ـ129.