يحيى محمد
لو بعدنا عن أجواء تاريخ العقل ضمن تحديدات علم الكلام، وأردنا أن نطلع على ما يقابله من بداية للتفكير «البياني»، وذلك لدى ما يطلق عليهم (السلف الصالح)، فسنرى أنهم من جهة يحملون في بعض الجوانب بصمات الموقف التنظيري العام لفهم الشريعة والخطاب الديني، لكنهم من جهة أخرى لا يميلون بالفعل إلى التفكير العقلي المجرد كالذي مارسه غيرهم من المعتزلة والجهمية، بدليل ذمهم لعلم الكلام ونبذه. بل زيادة على ذلك هو أنهم لا يملكون التحليل المعرفي إزاء العقل كـ «آخر» مثلما حصل الحال في ما بعد. وبالتالي فهم لم يشيّدوا - في الغالب - الجدل المعرفي مع «العقل» الذي ظهر منذ بداية التفكير المعياري، خلافاً لما حصل لدى المتأخرين من أتباع «البيان»، إذ تحول البيان من مستوى التنظير الذاتي المتعلق ببعض جوانب فهم الخطاب الديني، كما هو الحال مع الفروع، إلى تنظير مركب وشامل، فهو من جهة شامل لكل من الفروع والأصول، كما أنه تنظير يعي ذاته إبستمولوجياً في قبال ما سبقه من التنظير المضاد للعقل المعياري. علاوة على أن له موقفاً محدداً إزاء قضايا تأسيس النظر القبلي وعلاقتها بتأسيس فهم الخطاب، وهو ما لم يتعرض له أهل السلف بشيء من التحليل المعرفي؛ بإعتباره يعود بهم إلى علم الكلام «المذموم».
لكن مع ذلك واجه السلف مشكلتين لهما علاقة بالعقل، إحداهما على صعيد الفروع، وتتحدد بالرأي كإنتاج معرفي يطلق عليه الإجتهاد في ما لا نص فيه، كما مارسته المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها. فقد كان علماء السلف مضطرين للعمل بالإجتهاد وإعمال الرأي حين وجدوا أنفسهم أمام حوادث لا تدخل ضمن عناوين النص. فهم في الأساس يتحركون طبقاً لبيان النص، دون السماح للإجتهاد أو الرأي أن يحتل موقع التشريع إلا عند غياب النص أو ما يكشف عنه. ومع ذلك لم تعالج مشكلة الإجتهاد التي واجهها العلماء آنذاك طبقاً للإعتبارات العقلية الصرفة. ففي الغالب حُدد الإجتهاد تبعاً لما يستند إلى النص، فهو يحمل شيئاً من بصماته، كالحال مع القياس، إذ لم يكن قضية عقلية منفصلة عن النص، بل هو «ظل النص» والقائم على فهمه. كذلك فمن الإجتهادات التي عوّل عليها علماء السلف هي تلك التي تأخذ بمصالح الناس وحاجاتهم، كما في المصالح المرسلة والإستحسان، وهي أيضاً تخرج عن الإعتبارات العقلية الصرفة. مما يعني أن السلف لم يواجهوا في هذا الحد عنوان «العقل» كعنصر مستقل، أو كـ «آخر».
أما المشكلة الأخرى التي واجهها السلف فهي على صعيد الأصول، وبالتحديد حول ما ورد بشأن النعوت الإلهية التي أثارها الخطاب. فلثقل هذه المشكلة عاملها السلف معاملة لا تخلو أحياناً من الممارسة العقلية، وأحياناً أخرى أدركوا أنها تشكل مشكلاً عقلياً، ومع ذلك لم يجيزوا لعقولهم الإنفتاح عليها بالتحليل والمعالجة، فضلاً عن أن يسمحوا لأنفسهم التورط في أجواء الصراع المعرفي العقلي البياني، وهو الصراع المنظّر الذي تأخر ظهوره بعد الإعلان عن التقنين الكلامي للعلاقة بين العقل والنص. فمشكلة الصفات، كمشكلة عقلية أو نقلية، ظهرت قبل الوعي بوجود كيانين يبديان نوعاً من التعارض والتنافس للإستحواذ على «النص» وتوظيفه. فقد برز الصراع المعرفي - على أوجّه - عند تمنطق الدائرة البيانية التي وجدت نفسها تنظّر لتأسيس الأصول معرفياً ولم تقنع بأن تكون حبيسة التنظير للفروع كطريقة علماء السلف، وهي الطريقة التي لم تمنح «البيان» الهيبة والسطوة إزاء منافسها من الدائرة العقلية المشحونة بحمولة التحليل المعرفي.
لقد دعت المنافسة التي أظهرتها الدائرة العقلية قبال النشاط التشريعي المعتمد على «نص الخطاب» إلى أن تقوم الدائرة البيانية بممارسة التنظير والتمنطق كمنافس ضد غريمتها العقلية. فقد قامت الدائرة البيانية المنظّرة كرد فعل على التقنين العقلي (النهائي)؛ بعد أن وصل العقل إلى أوج منافسته لنص الخطاب في السطوة والإنتاج المعرفي؛ عبر آلياته وقبلياته المعرفية الخاصة بالفهم. فلأجل هذا ظهرت الدائرة البيانية رافعة شعار الدفاع عن منطق الخطاب وبيان النص، لتدخل الصراع الإبستمولوجي الممنطق ضد الحركة العقلية. وبذلك أصبحت النزعة البيانية دائرة مستقلة قائمة بذاتها على الصعيد الإبستمولوجي الشمولي، إذ دخلت المنافسة مع الدائرة العقلية حول كل من تأسيس النظر وإنتاج المعرفة وفهم الخطاب، طبقاً لأسس معرفية سنتعرف عليها لاحقاً.
أما في زمن الحركة السلفية فإن عملية التقنين العقلي لم تكن كافية لظهور دائرة البيان بشكلها المنظر الكامل. فقد كانت هذه الحركة تعبّر عن ممارسة تلقائية لفهم النص على صعيد الأصول، وهي وإن تعرضت أحياناً إلى أجواء الصراع مع الدائرة العقلية، إلا أن طبيعة الصراع الذي خاضته معها لم يستكمل شروطه الإبستمولوجية من النقد والتحليل الممنطق، بل غالباً ما انسابت إلى التعلق بتلقائية النص بلا تمنطق ولا تنظير، كما يتضح مما يشير إليه الشهرستاني من أنه «كانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان إختلافات في الصفات، وكان السلف يناظرونهم عليها، لا على قانون كلامي، بل على قول اقناعي، ويسمون الصفاتية: فمن مثبت صفات الباري تعالى معاني قائمة بذاته، ومن مشبه صفاته بصفات الخلق، وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة، ويناظرون المعتزلة في قِدم العالم على قول ظاهر»[1].
هذا بالرغم من أن البعض قد باشر «الكلام» لتأييد مقالات السلف والرد على خصومهم العقليين، كما هو الحال مع كل من عبد الله بن سعيد الكلابي (المتوفى سنة 240هـ) والحارث بن أسد المحاسبي (المتوفى سنة 243هـ) وأبي العباس القلانسي (المتوفى سنة 255هـ)، وقد كان لهم الفضل الكبير على ظهور الأشعري بنزعته الإزدواجية من البيان والعقل، إلا أنهم كما يبدو لم يمارسوا عملية التنظير المطلوبة للبيان مثلما حصل في ما بعد[2].
***
لقد تعددت إتجاهات السلف حول الموقف من القضايا التي كانوا يشعرون بأنها تثير مشكلاً عقلياً، وبالتحديد قضايا النعوت الإلهية. فهناك الكثير من النصوص، سواء في القرآن أو الحديث، تلوّح إلى صفات التشبيه، كالوجه والعينين واليدين والقدمين والأصابع والحزن والفرح والضحك والغضب والغيرة والاستهزاء والتقرب والنزول والهرولة وغيرها[3]، وقد تشعبت آراء السلف حولها وإفترقوا إلى إتجاهات ثلاثة، فبعضهم أقرّها على ما هي عليه من تشبيه، وبعض آخر أوّلها كتأويل المتأخرين، في حين ذهب أغلب السلف إلى الإيمان بخبرها مفوضاً معناها أو حقيقتها إلى علم الله؛ طلباً للسلامة والاحتياط، وإن جرى ذلك أحياناً بعد نفي الظاهر من المعنى، أو على الأقل أنهم تحفظوا من ذكر المعنى ومالوا إلى إمرار النصوص الخاصة بها كما جاءت من دون بحث ولا تنقيب. ويبدو أن هذا الإتجاه ينقسم إلى فرقتين، لإختلاف معنى التفويض لدى السلف، فتارة يُقصد به تفويض المعنى والتفسير، وأخرى تفويض الحقيقة والكيفية الخارجية لا المعنى. فقد ورد هذان المعنيان للتفويض عن السلف، مثلما ورد التأويل، وقد تجد العالم السلفي يعمل بالتأويل في صفة من الصفات، وبتفويض المعنى في غيرها، أو بتفويض حقيقتها دون المعنى. وبحسب الآثار فإن تأويل الصفات سابق على التفويض، ومن ذلك أن الصحابة مارسوا تأويل بعض الصفات دون أن يُؤْثَر عنهم شيء من التفويض[4].
وبذلك تكون الإتجاهات السابقة أربعة، وقد انعكس ظهورها والخلاف فيما بينها على رؤى المتأخرين من الدائرة البيانية. ويمكن إجمال إتجاهات السلف الأربعة بحسب النقاط الثلاث التالية:
1ـ جاء حول أصحاب الإتجاه الأول، وهم المشبهة، أنهم أثبتوا لله تعالى صورة كصورة الآدمي في أبعاضها، فله وجه وفم ولهوات وأضراس ويدان واصبعان وكف وخنصر وابهام وصدر وفخذ وساقان ورجلان، وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس. وحُكي عن داود الجواربي أنه اعتبر معبوده جسماً ولحماً ودماً، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين، ومع ذلك فهو جسم لا كالأجسام، ولحم لا كاللحوم، ودم لا كالدماء، وكذا سائر الصفات، وهو لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء، وهو أجوف من أعلاه إلى صدره، مصمت ما سوى ذلك، وأن له وفرة سوداء، وله شعر قطط. ونقل عنه أنه قال: «اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك»[5]. والبعض نسب هذا القول الأخير إلى القاضي أبي يعلى الحنبلي (المتوفى سنة 458هـ)، إذ كان إذا ذُكر الله سبحانه يقول في ما ورد من ظواهر في صفاته: «الزموني ما شئتم، فإني التزمه إلا اللحية والعورة»[6]. وهو ما حفّز أبا الفرج بن الجوزي (المتوفى سنة 597هـ) لأن يؤلف كتابه (دفع شبه التشبيه) للرد على مثل هذه الآراء[7].
ولا شك أن هذا الموقف للمشبهة الحشويين لا يعبّر عن وجود مشكلة ما في النص. فعلى ضوئه يكون النص واضحاً وكامل الدلالة لا يحتاج إلى توجيه، ولا إلى عرضه على معيار آخر.
2ـ وحول أصحاب الإتجاه الثاني، فقد مارس بعض من علماء السلف عملية التأويل شبيهاً – أحياناً - بذلك الذي كان يجري على يد الخلف. فحتى أولئك المعروفين بالتفويض كإبن حنبل ومالك وغيرهما مارسوا التأويل لبعض الآيات أحياناً، كما هو الحال مع آيات المعية وال إستواء وغيرها. فقد أوّل إبن حنبل قوله تعالى: ((وهو الله في السماوات وفي الأرض)) (الانعام/ 3)، معتبراً أن الله هو «إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط بجميع ما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان..». كما أوّل آية ((ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم)) (الكهف/ 22)، حيث وجّهها إلى معنى الإحاطة العلمية. وكذا قوله تعالى: ((ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم))، بمعنى علمه تعالى فيهم، ولما كانت هذه الآية تنتهي بقوله تعالى: ((ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)) (المجادلة/ 7)؛ لذا اعتبر هذه الخاتمة ختم الخبر بالعلم، كما استفتح الخبر بعلمه أيضاً. فكل ذلك أوّله لأنه يعتقد بأن الله في السماء العليا وليس في كل مكان[8]. وهو مع هذا لم يأوّل هذه الآيات بدافع معيار آخر خارج حدود النص، بل أوّلها بدافع آيات أخرى ولصالحها. فإيمانه بأن الله في السماء مستمد من عدد من ظواهر الآيات، كقوله تعالى: ((أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً)) (الملك/ 17).. ((وإليه يصعد الكلم الطيب)) (فاطر/ 10).. ((إني متوفيك ورافعك إلي)) (آل عمران/ 55).. ((بل رفعه الله إليه)) (النساء/ 158).. ((وله من في السماوات والأرض ومن عنده)) (الأنبياء/ 19).. ((يخافون ربهم من فوقهم)) (النحل/ 50).. ((ذي المعارج)) (المعارج/ 3).. ((وهو القاهر فوق عباده)) (الانعام/ 18).. ((وهو العلي العظيم)) (البقرة/ 255، الشورى/ 4).. وما إليها من الآيات الكريمة، وهي ذات الآيات التي إستند إليها أبو الحسن الأشعري في اتباعه لمسلك الإمام إبن حنبل[9].
وقد نُسب مثل ذلك التأويل لآيات المعية إلى تفسير إبن عباس والضحاك وسفيان الثوري فضلاً عن إبن حنبل، فنُقل أنهم يقولون بأن الله معهم بعلمه[10]. وأخرج البيهقي في (الأسماء والصفات) تأويل السلف للمعية، ومن ذلك ما روي عن الثوري بأنه سُئل عن قوله تعالى: ((وهو معكم أينما كنتم))، فقال: علمه، ومثله ما روي عن إبن عباس بأنه سُئل عن تلك الآية فقال: «عالم بكم أينما كنتم»، كالذي نقله الشيخ الشنقيطي في (إستحالة المعية)، وروي على شاكلة هذا المعنى عن كل من الضحاك ومقاتل بن حيان[11].
كما أوّل إبن حنبل الحديث القائل: «إن القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب، فيأتي صاحبه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أظمأت نهارك، وأسهرت ليلك، قال: فيأتي به الله؛ فيقول: يارب»، حيث أوّله إلى أن القرآن لا يجيئ إلا بمعنى أن من قرأ آية فإن له كذا من الثواب، لا أن تأتيه الآية ذاتها، بل يأتيه ثوابها، حيث أن القرآن لا يجيء، ولا يتغير من حال إلى حال، بل يأتي ثوابه، وهو المخلوق من العمل[12].
وربما كان هذا التأويل هو الآخر لا يستند إلى معيار يتجاوز حدود الطريقة البيانية. فعلى الأقل أن إبن حنبل يؤمن بأن القرآن هو كلام الله الثابت وغير المخلوق تعويلاً على كثير ممن سبقه من السلف[13]، فكيف يمكن أن يجيء ويذهب؟!
ومن التأويلات الأخرى التي تُنقل عن هذا الإمام المحدّث، تأويله لآية ((إنما المسيح عيسى إبن مريم رسول الله وكلمته)) (النساء/ 171)، حيث اعتبر (كلمته) بمعنى أن عيسى بالكلمة كان، لا أنه هو الكلمة ذاتها، وذلك لأن عيسى مخلوق بكلمة (كن)، فلا يمكن أن يكون هو نفس الكلمة. كما أوّل آية ((وروح منه)) (النساء/ 171) معتبراً أن معنى (روح الله) هو روح بكلمة الله، إذ بأمره تكون الروح التي يخلقها «كما يقال عبد الله وسماء الله»[14]. وأوّل أيضاً آية المجيئ ((وجاء ربك والملك صفاً صفاً)) (الفجر/ 22)، بمعنى ظهور آيات قدرته أو ثواب قدرته التي يريد إظهارها يومئذ، معتبراً أن القرآن في تعبيراته تلك إنما هو أمثال ومواعظ[15]. كما ونُقل أنه سُئل عن حديث النزول إلى السماء الدنيا، أينزل بعلمه أم بماذا؟ فزجر السائل وقال: «اسكت عن هذا، ما لكَ ولهذا، امض الحديث كما روي بلا كيف ولا حد، قال الله تعالى ((فلا تضربوا لله الأمثال))، ينزل كيف شاء بعلمه وبقدرته وعظمته أحاط بكل شيء علماً»[16].
مع هذا فقد ذكر الغزالي بأنه سمع «الثقات من أئمة الحنابلة ببغداد يقولون أن أحمد بن حنبل رحمه الله صرح بتأويل ثلاثة أحاديث فقط. أحدها قوله (ص): (الحجر الأسود يمين الله في أرضه). والثاني قوله (ص): (قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن). والثالث قوله (ص): (اني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن)».
وقد فسّر الغزالي اقتصار إبن حنبل على تأويل هذا العدد الضيق من الأحاديث هو لأنه لم يكن ممعناً في النظر العقلي، وبرأيه أنه لو كان من ذوي العقول الممعنة لقام بتأويل الكثير من الأحاديث[17]. مع أن إبن حنبل يمتعض من الطرق التي تتجاوز حدود ما يقره السلف والخطاب الديني. لذلك غلّط إبن تيمية فيما نقله الغزالي من تأويل الأحاديث الثلاث عن إبن حنبل، واعتبر الرواية عنه لا تصح[18].
لكن حتى على فرض صحة ما ينقل عن إبن حنبل فذلك لا يدل على كونه يستخدم أداة يتجاوز بها حدود دائرة النص أو من سبقه من السلف، سيما وهو معروف بمواقفه السلفية إلى الحد الذي يرى الكلام المحمود هو فقط ما كان في كتاب الله أو في حديث النبي أو عن الصحابة أو التابعين، وهو القائل: «إنما الأمر في التسليم والإنتهاء إلى ما في كتاب الله لا تعدُ ذلك»[19]، والقائل أيضاً: «لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصف به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث»[20]. لذلك فربما إستند في التأويلات المنسوبة إليه إلى سند من النص أو السلف المتقدم عليه، سيما وأنه جاء عن بعض الصحابة والتابعين ما له دلالة على هذا الشأن من التأويل.
ونفس الحال ينطبق على الإمام مالك، إذ يُنقل عنه بأنه أوّل حديث نزول الله إلى السماء الدنيا بمعنى تنزّل رحمته أو أمره أو ملائكته، معللاً بأن الله دائم لا يزول، كالذي نقله الذهبي[21]، ومن قبله عبد الله اليافعي الشافعي ليدعم بذلك طريقته العقلية في التأويل[22]. لهذا ذكر اليافعي تأويلاً سلفياً آخر للحديث وهو أنه كان على سبيل الإستعارة، فمعنى النزول في الحديث هو الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف. وهو على العموم يرى بأن الإمام مالكاً والأوزاعي وغيرهما من السلف كلهم يتأولون بحسب ما يليق بالله تعالى[23]، كما هو الحال لدى الخلف من أصحاب الطريقة العقلية الأشعرية. لكن جاء في (الصواعق المرسلة) لإبن القيم (المتوفى سنة 751هـ) بأن مالكاً قال بصدد حديث النزول: «أمضِ الحديث كما ورد بلا كيف ولا تحديد إلا بما جاءت به الآثار، وبما جاء به الكتاب. قال الله تعالى ((فلا تضربوا لله الأمثال))، ينزل كيف شاء بقدرته وعلمه، أحاط علمه كل شيء»[24].
ويتكرر مثل هذا التضارب المنقول مع الإمام أبي حنيفة (المتوفى سنة 150هـ)، إذ نقل أنه يعتبر القصد من «وجه الله وحق الله» هو بمعنى الذات الإلهية، كما رأى أنه يمكن أن يراد بـ «وجه الله» هو ثوابه، ويراد بـ «حق الله» هو طاعته، والثواب والطاعة غير الله. في حين جاء في الكتاب المنسوب إليه (الفقه الأكبر) بأن لله يداً ووجهاً ونفساً كما مذكور في القرآن، وهي صفات له بلا كيف، فلا يقال «أن يده قدرته لأن فيه إبطالاً لصفة من صفات الله.. فيده صفته بلا كيف، وغضبه صفته بلا كيف، ورضاه صفته بلا كيف..»[25].
كذلك أوّل بعض السلف آية ال إستواء على العرش بأنها تعني قصد الإله إلى أمر العرش، مثلما هو الحال مع سفيان الثوري الذي استشهد على هذا المعنى بقوله تعالى ((ثم إستوى إلى السماء وهي دخان)) (فصلت/11)، إذ المعنى أنه قصد إليها، وهو تفسير لم يستبعده بعض المتأخرين من الأشاعرة مثلما هو الحال مع إمام الحرمين الجويني في كتابه (الإرشاد) [26].
وهناك من يردّ تأويل آية ال إستواء إلى بعض الصحابة والتابعين، كما هو الحال مع ما نقله الإمام ربيع بن حبيب في مسنده (الجامع الصحيح)، إذ صرح بأن السلف ذكروا معاني تليق بذات الله تعالى، كما في قوله تعالى: ((الرحمن على العرش إستوى))، ومن هذه المعاني التوجيهية ما نقله عن جابر بن يزيد عن إبن عباس بأنه سُئل عن هذه الآية فقال: «ارتفع ذكره وثناؤه على خلقه لا على ما قال المنددون أن له أشباهاً وأنداداً، تعالى الله عن ذلك». كما ونقل سنداً يتصل أخيراً بعبد الله بن عمر الذي قال في ما قال: «إن الله أعظم وأجل من أن يوصف بصفات المخلوقين، هذا كلام اليهود أعداء الله. إنما يقول ((الرحمن على العرش إستوى)) أي إستوى أمره وقدرته فوق بريته». كما نقل عن الحسن قوله في آية ((ثم إستوى إلى السماء وهي دخان)) بأنها تعني إستوى أمره وقدرته إلى السماء، كذلك قوله في آية ((ثم إستوى على العرش))، فذكر أنها بمعنى « إستوى أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه ولا يوصف الله بصفات الخلق ولا يقع عليه الوصف كما يقع على الخلق..». كما ونقل عن إبن مسعود والضحاك بن مزاحم أنهما قالا في تفسير آية (ال إستواء على العرش) أنها تعني « إستوى عليه وعلى الأشياء كلها، فخضعت ودانت. وقد تقول العرب استوت لفلان دنياه، أي أتته دنياه على ما يريد، و إستوى بشر على العراق والحجاز، و إستوى لنا الأمر، و إستوى فلان على مال فلان؛ يريد أنه احتوى عليه وحازه، ونحو ذلك..» [27].
ويميل المفسر السلفي مجاهد المكي (المتوفى سنة 102ـ103هـ) إلى تأويل جملة من الايات، كآيات الرؤية مثل قوله تعالى: ((إلى ربها ناظرة)) (القيامة/ 23).. معتبراً ذلك تعبيراً عن الرغبة إلى الله أو الرغبة في إنتظار جزائه، إذ ينفي أن يكون هناك أحد يراه من خلقه[28]. وهو يفعل الشيء نفسه مع آيات المسخ كما في قوله تعالى: ((ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)) (البقرة/ 65)، مشيراً إلى أن المسخ لم يحصل في أجسادهم، بل في قلوبهم، واعتبر ذلك تمثيلاً كما مثّل الله تعالى عن الذين حملوا التوراة بمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً، في قوله: ((مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين))[29].
3ـ يبقى الإتجاه التفويضي، وهو الإتجاه الغالب على السلف، فقد شعر أغلبهم بوجود مشكلة ما تتعلق بالنص، وهو ما يبرر تفويضهم الأمر إلى العلم الإلهي. ومن هؤلاء مقاتل بن سليمان ومالك بن أنس والشافعي وإبن حنبل وداود الأصفهاني وغيرهم. فهم على ما يقول الشهرستاني قد «سلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة، ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعاً أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدره. وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا من حرّك يده عند قراءة قوله تعالى: ((خلقت بيدي)) أو أشار باصبعيه عند روايته (قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن) وجب قطع يده وقلع اصبعيه. وقالوا: إنما توقفنا في تفسير الآيات وتأويلها لأمرين: أحدهما: المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى: ((فأما الذين في قلوبهم زيْغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا اللهُ والراسخون في العلمِ يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب)) فنحن نحترز عن الزيغ. والثاني: أن التأويل أمر مظنون بالإتفاق، والقول في صفات الباري بالظن غير جائز، فربما أوّلنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ، بل نقول كما قال الراسخون في العلم: ((كلٌّ من عند ربنا)) آمنا بظاهره، وصدقنا بباطنه، ووكلنا علمه إلى الله تعالى ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك، إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه. واحتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم يقرأ اليد بالفارسية، ولا الوجه، ولا ال إستواء، ولا ما ورد من جنس ذلك، بل إن احتاج في ذكره إلى عبارة عبّر عنها بما ورد لفظاً بلفظ فهذا هو طريق السلامة، وليس هو من التشبيه في شيء»[30].
وهو ما يؤكده إبن خلدون، إذ اعتبر أهل السلف آمنوا بما ورد من كلام الله في المتشابهات دون أن يتعرضوا لمعناها، لا ببحث ولا تأويل، كل ذلك لإعتقادهم بجواز أن تكون محل ابتلاء يقتضي الوقف والإذعان[31].
إلا أن للغزالي رأياً مخالفاً لما سبق. فهو يرى أن التفويض في مذهب السلف يقصد منه عوام الخلق لا خواصه. ونسب هذا الحال إلى السلف في حق العوام متجسداً بسبعة أمور متتالية: التقديس، ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة. وأوضح كل واحد منها كالتالي:
التقديس هو تنزيه الرب عن الجسمية وتوابعها. والتصديق هو الإيمان بما قاله النبي وأن ما ذكره حق وصادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده. وأما الإعتراف بالعجز فهو الإقرار بأن مراد قول النبي ليس على قدر طاقة العوام ولا من شأنهم ولا من حرفتهم. وأما السكوت فهو أن لا يسأل العوام عن المعنى المراد، ولا يخوضوا فيه، فسؤالهم بدعة، وخوضهم فيه مخاطر بدينهم، فكل من يخوض فيه يوشك أن يقع في الكفر وهو لا يشعر. وأما الإمساك فهو أن لا يتصرفوا بألفاظ النص من حيث التغيير والتبديل والزيادة والنقصان والجمع والتفريق والتحويل، بل ولا ينطقوا إلا بتلك الألفاظ وعلى هيأتها من الإيراد والإعراب والتصريف. وأما الكف فهو كف الباطن عن البحث والتفكر بالمراد. وأما التسليم لأهله فالمقصود به أن لا يعتقد العوام بأن المراد قد خفي على الأنبياء والصديقين والأولياء مثلما خفي عليهم.
فهذه هي الوظائف السبع التي أوجبها الغزالي على العوام ونسب الإعتقاد بها إلى السف[32]، وذلك ليمرر من خلالهم عقيدته الوجودية حسب الطريقة العرفانية.
***
وحول التفصيل في موقف السلف المفوضين، فقد سُئل كل من الإمام مالك والشافعي وإبن حنبل عن معنى إستواء الله على العرش كما في قوله تعالى: ((الرحمن على العرش إستوى)) فأجاب مالك: «ال إستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة»[33]. وقال سفيان بن عيينة: سُئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن: كيف إستوى؟ فقال: ال إستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق[34]. كما أجاب الشافعي قائلاً: «آمنت بلا تشبيه، وصدقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي في الإدراك، وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك». وأجاب إبن حنبل قائلاً: « إستوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر». كما ونقل عن إبن حنبل أنه قال بشأن مختلف النعوت الإلهية: «التشبيه أن تقول يد كيد أو وجه كوجه، فأما يد ليست كالأيدي ووجه ليس كالوجوه فهو إثبات ذات ليست كالذوات وحياة ليست كغيرها من الحياة وسمع وبصر ليس كالأسماع والأبصار..»[35]. كذلك الحال مع المحدث إبن خزيمة، فهو يعتقد بكل ما جاء به الشرع من غير تأويل، إذ يرى أن الله لا شبيه له ولا نظير، مع أن له صفات كصفة الوجه والعينين واليدين وأنه مستو على العرش وفوق السماوات السبع، وأن يديه يمينان لا شمال فيها كما أخبر النبي[36]. كما جاء عن عثمان بن سعيد الدارمي قوله: «لا نكيف هذه الصفات، ولا نكذب بها، ولا نفسّرها»[37]، وعنه أيضاً أنه قال: «ما خاض في هذا الباب أحد ممن يذكر إلا سقط ، فذكر الكرابيسي فسقط حتى لا يذكر ، وكان معنا رجل حافظ بصير، وكان سليمان بن حرب والمشايخ بالبصرة يكرمونه، وكان صاحبي ورفيقي - يعني فتكلم فيه - فسقط »[38]. كما قال: «على تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا لا ينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها حتى ظهرت هذه العصابة فعارضت آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم برد وتشمروا لدفعها بجد فقالوا كيف نزوله هذا؟ قلنا لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا ولا تعقله قلوبنا وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلا أو صفة بفعالهم وصفتهم، ولكن ينزل بقدرته ولطف ربوبيته كيف يشاء، فالكيف منه غير معقول والإيمان بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزوله واجب ولا يسأل الرب عما يفعل كيف يفعل وهم يسألون»[39]. وجاء عن أبي عثمان النيسابوري الصابوني أنه قال: «ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى اللّه، وكذلك يثبتون ما أنزل اللّه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان في ظلل من الغمام والملائكة..»[40].
ويلاحظ من النصوص التي ذكرناها أن بعض السلف كان يميل إلى الإيمان بما ورد بشأن الصفات دون تفسير ولا تكييف، فهو موقف تفويضي بحت، كما هو واضح مما نقلناه عن الشافعي والدارمي. أما البعض الآخر فقد التزم بتفويض أمر تكييفها وإن لم يتوقف عن تفسيرها أو فهمها على النحو العام، والذي إستند إليه إبن تيمية متذرعاً بأنه لو صحّ الرأي الأول كما نسبه إليهم المتأخرون من أهل الكلام لكان الأنبياء – ومنهم نبينا محمد (ص) - وأتباعهم وحتى جبريل جهالاً لا يعرفون مراد الله تعالى؛ وفقاً لآية ((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا))[41]، كما سنبين ذلك لاحقاً[42].
وهناك محاولة لبعض العلماء تجعل من موقف السلف التفويضي لا يختلف جذراً عن موقف الخلف من أصحاب الدائرة العقلية، والمقصود بهم الأشاعرة. فهما بحسب هذه الوجهة من النظر «متفقان على التأويل، وأن الخلاف بينهما لفظي لإجماعهم على صرف اللفظ عن ظاهره. ولكن تأويل السلف إجمالي لتفويضهم إلى الله تعالى في المعنى المراد من اللفظ الذي هو غير ظاهره المنزّه عنه تعالى. وتأويل الخلف تفصيلي لاضطرارهم إليه لكثرة المبتدعين فلم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح، معاذ الله أن يظن بهم ذلك. وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من أهل الضلال واستيلائهم على عقول العامة فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقال: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمانهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك، وقد جاء التأويل التفصيلي عن السلف في بعض المواضع وجاء عن كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ويكلون تعيين المراد بها إلى علمه تعالى»[43].
وشبيه بهذا ما جاء عن الكوثري في تعليقه على (تبيين كذب المفتري) لإبن عساكر، حيث هو الآخر صرح بوجود الإتفاق بين السلف المفوضين والممسكين عن تعيين المراد وبين الخلف الذين رجحوا أحد المعاني المحتملة مما يوافق التنزيه طبقاً لقرائن النص واستعمال أهل اللسان، فعلى حد قوله: «فالسلف والخلف متفقان في صرف المتشابه عن ظاهره الموهم للتشبيه. فالفريق الأول يكتفي بالتأويل الإجمالي، ويتورع عن الخوض في تعيين المراد»، بينما اضطر الفريق الثاني إلى ممارسة التأويل وتحديد المراد «دفعاً لتمويهات المشبهة»[44].
لكن على ما يبدو هو أن للسلف موقفين من التفويض كما رأينا، وكل منهما يختلف عن موقف الخلف من أصحاب الدائرة العقلية. فصحيح أن موقف بعض السلف لا يختلف عن موقف الخلف حول نفي الظاهر من التشبيه، لكن مع هذا لم تحتمل الذهنية الأولى أن تضع في الإعتبار وجود معيار آخر خارج حدود النص. فالذي جعلها تركن إلى التنزيه من غير تشبيه هو كما يقول إبن خلدون لكثرة موارد التنزيه ووضوح دلالتها خلافاً لما هو الحال في أدلة التشبيه[45]. مما يعني أن هذه الذهنية تدور مدار النص، منه وإليه. فتوقّف السلف عن تحديد المراد وتعيينه، له دلالة على تمسكهم بما فهموه مما تأمرهم به آية المتشابهات ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربنا وما يذّكّر إلا أولوا الألباب))[46]. وقد سبق أن ذكرنا نصاً للشهرستاني يفيد هذه الدلالة من السلوك السلفي.
أما بخصوص الموقف الثاني للسلف من التفويض، فمن الواضح أنه يختلف تماماً عما آل إليه المتأخرون من الأشاعرة. فبحسب هذا الموقف أنه رغم نفي بعض علماء السلف للتشبيه لكنهم احتفظوا بالمعنى العام لظواهر النصوص، مما له دلالة واضحة على التحرك ضمن أجواء النص، ولعلهم بهذا السلوك يجمعون بين قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء)) وبين سائر النصوص الأخرى الدالة على تعيين الصفات، وهو ما التزم به إبن تيمية كتنظير لطريقة السلف على ما سنرى. بل وفوق كل ذلك هو أن السلف كانوا لا يتكلمون بشيء يتجاوز حدود النص، بخلاف ما هو متعارف عليه في علم الكلام، فكما يُنقل عن الإمام إبن حنبل قوله: «.. لستُ بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله أو في حديث عن النبي (ص) أو عن أصحابه أو عن التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود»[47].
ولا شك أن هذا السلوك للسلف يعارض ممارسات الخلف، بل وسلوك الدائرة العقلية عموماً، ذلك أن هذه الطريقة لا تدور حول النص حيثما دار، بل ولا تتوقف توقف ما فهمه السلف من آية المتشابهات، فهي تفهم هذه الآية بدلالة أخرى، وتعدد معنى المراد من النص المتشابه خلافاً للمعنى العام الذي ذهب إليه السلف، إعتماداً على معيار آخر هو معيار الدليل العقلي الذي ترجحه على دلالة النص، بما في ذلك تلك الدلالة العامة التي يعوّل عليها السلف.
***
والذي نخلص إليه مما سبق هو أن طريقة السلف – عموماً - تبتعد إبتعاداً حاداً وكبيراً عن أي ممارسة يخرجها عن النص والظلال التي تدور خلفه، فهي وإن كانت تمارس عملية التأويل أحياناً إلا أنها غالباً ما تلجأ في هذه العملية إلى أثر من آثار النص وظلاله، أو أنها تمارس ذلك طبقاً لطريقة البيان اللغوي بما تتضمنه من مجاز، لكنها على العموم تجعل سلوكها غير السلوك الذي تلجأ إليه الممارسة العقلية، بل حتى في الحالات القليلة التي تمارس فيها التأويل طبقاً للإعتبارات العقلية، كما فعل مجاهد وغيره، فإنها تفعل ذلك بصورة تلقائية بلا تقنين ولا تمذهب ممنطق، خلافاً لما هو معروف داخل الدائرة العقلية، سيما في مراحلها المتأخرة.
وفي جميع الأحوال لم يكن لطريقة السلف تنظير ممذهب على صعيد التحليل الإبستمولوجي المستقل من الناحية الكلية في الأصول، وهي بالتالي ليست دائرة ممذهبة معرفياً كما هو الحال مع دائرة العقل المنافسة. لذلك لم يصدر عنها صراع معرفي معتد ضد هذه الدائرة التي تنافسها، رغم نفورها منها ومعاداتها لها. وقد تجسّد هذا النفور بالموقف السلبي الحاد من علم الكلام، وهو موقف لا يعبّر عن وجود صراع معرفي ممذهب مع العقل نصرة للنص ودفاعاً عنه كما حصل لدى المتأخرين بعد شيوع عملية التقنين بين العقل والنص داخل الدائرة العقلية. فالسلاح الذي استخدمه السلف هو سلاح جاهز ومستعار من مصدر آخر يعد في حد ذاته موضوعاً للفهم والخلاف. فهم قد رفضوا علم الكلام جملة وتفصيلاً بحجة أنه لم يحظ برضى الشارع المقدس، لوجود الأحاديث الناهية عن الخوض بما لم يخض الشرع فيه[48]، وهو رفض لا يمت إلى التحليل المعرفي للممارسة العقلية بصلة، إنما يرتبط في الصميم بوجود الدافع المعياري المحض، وهو المتمثل بنهي الشارع المقدس. فالذم الذي استوحاه السلف عن الأخير، لكل ما هو خارج عن دائرة النص وظلاله، جعلهم يتمسكون بموقف الاحتياط والرفض. وهو رفض ينقصه التحليل المعرفي، ربما لأن هذا التحليل هو في النتيجة يعد خارج دائرة النص، مما يسقطه في حكم النهي الشرعي. لذلك رفضوا علم الكلام، سواء كان حسناً أو سيئاً، صحيحاً أو خطأً، إذ كان شعارهم هو : «فر من الكلام في أي صورة يكون، كما تفر من الأسد»، فالكلام بنظرهم هو علم «إن أصاب المرء فيه لم يؤجر وإن أخطأ فيه كفر»[49]، لأن الجدل في قضاياه هو جدل بين الإيمان والكفر، وهنا مصدر خطورته، بخلاف ما هو الحال في الفقه، إذ الجدل فيه وإن كان قد يؤدي إلى الخطأ لكنه لا يُلقي بصاحبه في الكفر، فضلاً عن أن الجدل فيه مستحسن ومطلوب لأنه مما تحتاجه الأمة عملياً.
والأهم من ذلك هو أن السلف اعتبروا علم الكلام من البدع، حتى احتج طائفة من الحنابلة، كما ذكر الأشعري، فقالوا أن النبي وأصحابه لم يتكلموا بشأن (الكلام) فعلمنا أنه بدعة، إذ لو كان فيه رشاد وخير لتكلم به النبي وخلفاؤه وأصحابه، مع أنه لم يمت حتى استوفى كل ما تحتاج إليه الأمة من أمور الدين، فالنبي وأصحابه «إما أن يكونوا علموه فسكتوا عنه، أو لم يعلموه بل جهلوه»، وفي كلا الحالين يقتضي السكوت كما سكتوا عنه، إذ لو كان من الدين ما جهلوه ولا وسعهم السكوت عنه. الأمر الذي جعل الأشعري ينقل حجتهم هذه ليرد عليها، كما في رسالته المسماة (إستحسان الخوض في علم الكلام)[50].
ومن دلالات النفور المعياري للسلف إزاء علم الكلام ما نقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان قوله: «كنت رجلاً أعطيت جدلاً في الكلام فمضى دهر كنت فيه أتردد، وبه أخاصم، وعنه أناضل، وكنت قد نازعت الخوارج من الاباضية والصفرية وغيرهم، وكنت أعد الكلام أفضل العلوم، ثم علمت أنه لو كان فيه خير لتعاطاه السلف فهجرته»[51].
كذلك كان أبو يوسف يقول: «من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غرائب الحديث كُذّب»[52].
كما نُسب إلى مالك بن أنس قوله: «الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه، وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا في ما تحته عمل». وقوله: «أرأيت إن جاء من هو أجدل منه، أيدع دينه كل يوم لدين جديد؟». كذلك قوله: «إنما أهلك الناس تأويل ما لا يعلمون»[53].
ونُسب إلى الشافعي قوله: «حكمي على رجال علم الكلام أنهم يجب أن يضربوا بالسياط والنعال، وأن يطاف بهم مشهّرين في المجامع والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ينبذ علم القرآن والسنة في ناحية وينكبّ على علم الكلام»[54]. وقوله أيضاً: «من خاض في علم الكلام فإنه دخل البحر في حال هيجانه. فقيل له يا أبا عبد الله أنه في علم التوحيد، فقال: قد سألتُ مالكاً عن التوحيد فقال: ما دخل به الرجل الإسلام وعصم به دمه وماله هو قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله».
وجاء عن إبن حنبل أنه قال: «لا يفلح صاحب كلام أبداً، ولا نكاد نرى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل»[55]. وقال أيضاً: «إنما الأمر في التسليم والإنتهاء إلى ما في كتاب الله.. ولا تعد ذلك. ولم يزل الناس يكرهون كل محدث من وضع كتاب وجلوس مع مبتدع ليورد عليه بعض ما يلبس عليه في دينه»[56]. كذلك قال: «لا تجالسوا أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة»[57].
وذكر الغزالي أن إبن حنبل بالغ في هذا الأمر حتى هجر الحارث المحاسبي، رغم زهده وورعه، بسبب تصنيفه كتاباً للرد على المبتدعة، إذ قال للمحاسبي: ويحك ألست تحكي بدعتهم أولاً ثم ترد عليهم؟ ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث؟
لكن إبن تيمية علل هجران أحمد للمحاسبي لسبب آخر غير ما ذكره الغزالي، وهو لأن المحاسبي كان على قول إبن كلاب الموافق للمعتزلة حول بعض القضايا الخاصة بالصفات الإلهية[58].
ومع ذلك فإنه ينسب لبعض أولئك النافرين من علم الكلام بعض الكتب الكلامية التي يغلب عليها منطق الدفاع عن الشريعة بالشريعة. فلأبي حنيفة (المتوفى سنة 150هـ) كتاب (الفقه الأكبر)، حتى اعتبره البعض أقدم من الّف في علم الكلام[59]، رغم أن هناك من عاصره وربما سبقه في التأليف في ذلك العلم، مثل واصل بن عطاء (المتوفى سنة 131هـ) والذي عُرفت له مؤلفات متداولة آنذاك في علم الكلام. كذلك ظهر للحسن بن محمد بن الحنفية رسالة في علم الكلام تسبق غيرها من المؤلفات. كما للشافعي كتابان أحدهما في تصحيح النبوة والرد على البراهمة، والثاني في الرد على أهل الأهواء. كما نُسب لإبن حنبل رسالة خطّ فيها عقيدته السلفية عنوانها (الرد على الزنادقة والجهمية في ما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله) وهي منشورة ضمن مجموعة الرسائل الكبرى لإبن تيمية[60]. لكن الذهبي اعتبر هذه الرسالة موضوعة على إبن حنبل[61]. ولبعض هؤلاء الأئمة مواقف جدلية جاءت لمواجهة أصحاب علم الكلام. فإبن حنبل يرى أن نفس العقل يدل ويقرر بأن مقولة كون الله شيئاً لا كالأشياء إنما تعني بأنه لا شيء على الإطلاق، ناكراً أن يكون مدبر هذا الخلق مجهولاً لا يعرف بصفة[62]. وهو يريد بذلك الرد على الجهمية والمعتزلة.
هكذا يتبين لنا بأن مواقف السلف السلبية من علم الكلام لا تعبّر عن وجود صراع معرفي منظر، فهو صراع معياري لم يدخل حيز التحليل المعرفي الإبستمولوجي، وبالتالي فإنه يقع خارج حلبة الصراع المنهجي الخاص بمشكل العلاقة التقنينية بين العقل والنص كما حدث في ما بعد، سيما وأن الإهتمام لم يكن آنذاك دائراً حول الشكل المنهجي من المعرفة، إذ لم يهتم السلف إلا بالطروحات العقدية وعلى رأسها مشكلة الصفات الإلهية، بإعتبار أن لها ذكراً في النصوص الدينية، ولكونها أصبحت هدفاً للتأويل وتمرير الدلالات العقلية عبرها. وهذا ما ينطبق حتى على الدائرة العقلية، فهي وإن بدأت بعملية التقنين بشكل مبكر، إلا أنها لم تولِ إهتماماً كبيراً لهذه القضية مثلما تطور عليه الحال في ما بعد.
أما النزعة السلفية فقد تجنبت التورط في بحث العلاقة الخاصة بين العقل والنص، وذلك لرفضها الممارسة العقلية جملة وتفصيلاً؛ إستناداً إلى الدعاوى المعيارية البعيدة عن التحليل المعرفي، وهو أمر مغاير لما استقر عليه المتأخرون من أتباع السلف. فقد جاء ما قام به المتأخرون كردّ فعل على التنظير الذي حققته الدائرة العقلية، سيما عند تقنينها لعلاقة العقل بالنص، كالذي بشّر به الفخر الرازي أواخر القرن السادس، إذ تحولت النزعة السلفية قبال هذا التطور لعلاقة العقل بالنص إلى نزعة بيانية ممنطقة وممذهبة؛ بعد أن حققت الوعي المعرفي المضاد للدائرة العقلية وما أفرزته من تقنين على الصعيد الإبستمولوجي المنهجي.
وبهذا تحولت الطريقة البيانية مما اقتصرت عليه من الحمولة المعيارية، سواء في تكوينها الذاتي أو في رفضها للطريقة العقلية، إلى حمولة ذات شحنة معرفية منظّرة كمحاولة لتأصيل حركة السلف الأولى من جديد، ولإزاحة الدائرة العقلية من موقعها المترسم، كما حدث على يد الشيخ إبن تيمية خلال القرن الثامن الهجري. وبذلك أصبحت الدائرة البيانية بمثابة الإتجاه الحسي التجريبي في قبال الإتجاه العقلي لدى البحث الفلسفي الانطولوجي (الوجودي).
[1] الملل والنحل، ص10.
[2] المصدر السابق، ص10 و39ـ40.
[3] من الأحاديث ذات الدلالة التشبيهية ما جاء ذكره في كتاب (الأربعين) لعبد الله الأنصاري الهروي، والتي منها المرويات التالية:
عن عمرو بن أوس أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله (ص): إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً.
وعن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله (ص): ما من نبي إلا وقد حذّر أمته الأعور الكذاب، إلا أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه: ك، ف، ر.
وعن عائشة قالت: دعوة كان رسول الله يكثر أن يدعو بها «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، قالت عائشة يا رسول الله دعوة أراك تكثر أن تدعو بها، قال: ما من آدمي إلا وقلبه بين اصبعين من أصابع الرحمن، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه.
وعن أبي هريرة قال: ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه ثم دخلا الجنة.
وعن أنس قال: قال رسول الله (ص): يلقى في النار فتقول هل من مزيد حتى يضع رب العالمين فيها قدمه، فتقول قط قط.
وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: قال الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني، إن تقرّب مني شبراً تقرّبت منه ذراعاً، وإن تقرّب مني ذراعاً تقرّبت منه باعاً، وإن جاءني يمشي جئته هرولة.
وعن رفاعة بن عرابة قال: قال رسول الله (ص): إذا مضى شطر الليل أو قال ثلثاه ينزل الله إلى سماء الدنيا.
وعن جرير قال كنّا مع النبي في سفر فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا.
وعن إبن عباس أنه قال: إن الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدّر أحد قدره.
وعن إبن عباس: إن آدم كان يسبح بتسبيح الملائكة ويصلي بصلاتهم حين هبط إلى الأرض لطوله وقربه إلى السماء فوضع الله يده عليه فطأطأت إلى الأرض سبعين ذراعاً.
وعن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع أمرأتي لضربته بالسيف غيرة مني، فبلغ ذلك رسول الله (ص)، فقال: أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرته حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه الموحد من الله.
وعن إبن عباس قال: جاء رجل إلى النبي (ص) ومعه جارية أعجمية سوداء فقال: عليّ رقبة فهل تجزي هذه عني؟ فقال: أين الله؟ فأشارت بيدها إلى السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
وعن أبي موسى أن النبي قال: حجابه تعالى النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره.
(ابو اسماعيل عبد الله الهروي: كتاب الأربعين في دلائل التوحيد، حققه وعلق عليه وأخرج أحاديثه علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، الطبعة الأولى، 1404هـ ـ 1984م، ص52ـ84).
[4] نستثني من ذلك ما روي عن أم سلمة في التفويض على شاكلة ما نُقل عن علماء القرن الثاني للهجرة حول مسألة ال إستواء، وهو المأثور عنهم لكثرة الرواية كالذي ينقل عن مالك وربيعة (انظر: جلال الدين السيوطي: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، بيروت، عن مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ج3، ص91. وإبن حجر العسقلاني: فتح الباري، دار المعرفة، بيروت، مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ج13، ص342، وج3، ص91. كذلك: الذهبي: سير أعلام النبلاء، شبكة المشكاة الإسلامية، ج8، فقرة 100ـ101 و106ـ107. والدر المنثور، ج3، ص91).
[5] الملل والنحل، ص45.
[6] أبو محمد اليافعي الشافعي: مرهم العلل المعضلة في رفع الشبه والرد على المعتزلة (لم يكتب مكان طبعه ولا سنة نشره)، ص260 ـ261.
[7] إبن الجوزي: دفع شبه التشبيه، مطبعة الترقي، 1345هـ، ص10 وما بعدها.
[8] انظر حول ذلك المصادر التالية: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص290ـ292. وأبو الحسن محمد بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، دار المعرفة ببيروت، ج1، مادة (أحمد بن جعفر بن يعقوب الاصطخري). ودفع شبه التشبيه، ص141. والبداية والنهاية، ج10، ص361. والكوثري: تكملة الرد على نونية إبن القيم، نشر ضمن: السيف الصقيل في الرد على إبن زفيل، تقديم لجنة من علماء الازهر، مكتبة زهران، عن مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ص138. وكتابنا: العقل والبيان والإشكاليات الدينية، الفصل التاسع.
[9] أبو الحسن الأشعري: الإبانة، دار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الأولى، 1985م ـ 1405هـ، ص69ـ70.
[10] إبن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص96.
[11] أبو بكر البيهقي: الأسماء والصفات، تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، موقع قلوب الإيمان الإلكتروني www.imanhearts.com، باب ما جاء في قول الله عز وجل: وهو معكم أين ما كنتم. ومنصور محمد عويس: إبن تيمية ليس سلفياً، دار النهضة العربية في القاهرة، الطبعة الأولى، 1970م، ص106.
[12] مجموع فتاوى إبن تيمية، شبكة المشكاة الإلكترونية، ج8، باب: ما ادعت الجهمية أن القرآن مخلوق (لم تذكر أرقام صفحاته). ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص287. وانظر على هذه الشاكلة: الكوثري: تكملة الرد على نونية إبن القيم، منشور ضمن: السيف الصقيل في الرد على إبن زفيل، مصدر سابق، ص138.
[13] إبن حنبل: السنة، تحقيق أبي هاجر بن بسيوني زعلول، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ ـ1985م، ص18 وما بعدها.
[14] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج8، نفس الباب السابق. ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص285ـ286.
[15] مرهم العلل المعضلة، ص262. كذلك: محمد بن الموصلي: مختصر الصواعق المرسلة لإبن القيم، تصحيح زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام 13 بمصر ، ص402.
[16] مرهم العلل المعضلة، ص263. كذلك: مختصر الصواعق المرسلة، ص400.
[17] الغزالي: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، تحقيق سليمان دنيا، دار احياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1961م ـ1381هـ، ص184ـ185.
[18] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج5، فصل في تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث.
[19] عبد الله بن عبد المحسن التركي: أصول مذهب الإمام أحمد، دراسة أصولية مقارنة، مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الثانية، 1397هـ ـ 1977م، ص40.
[20] أصول مذهب الإمام أحمد، ص78.
[21] سير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 105.
[22] مرهم العلل المعضلة، ص251
[23] مرهم العلل المعضلة، ص251.
[24] مختصر الصواعق المرسلة، ص400. والشاطبي: الاعتصام، دار الكتب الخديوية بمصر، تقديم محمد رشيد رضا، 1332هـ ـ 1913م، ج3، ص242.
[25] أبو المنتهى المغنيساوي: شرح الفقه الأكبر، ضمن الرسائل السبعة في العقائد، دار المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الطبعة الثالثة، 1400هـ ـ1980م، ص13ـ14. كذلك: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص265.
[26] مرهم العلل المعضلة، ص245.
[27] عن: إبن تيمية ليس سلفياً، ص102.
[28] تفسير مجاهد، تقديم وتحقيق وتعليق عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، المنشورات العلمية ببيروت، ج2، ص708.
[29] الجمعة/ 5. المصدر السابق، ج1، ص77ـ78. وانظر أيضاً: جولد تسيهر: مذاهب التفسير الإسلامي، ص129ـ130.
[30] الملل والنحل، ص44ـ45.
[31] تاريخ إبن خلدون، ج1، ص849 ما بعدها.
[32] الغزالي: إلجام العوام عن علم الكلام، ضمن القصور العوالي، دار الطباعة المحمدية بالأزهر، الطبعة الثانية، 1390هـ ـ 1970م، ج2، ص63.
[33] محمد بن أحمد الذهبي: تذكرة الحفاظ، دراسة وتحقيق زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ ـ 1998م، عن شبكة المشكاة الإلكترونية، ج1، ص155. والجويني: الشامل في أصول الدين، تحقيق علي سامي النشار وفيصل بدير عون وسهير محمد مختار، ص551.
[34] تذكرة الحفاظ، ج1، ص119.
[35] مختصر الصواعق المرسلة، ص19.
[36] محمد بن سحق بن خزيمة: التوحيد وإثبات صفات الرب، مراجعة وتعليق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، 1387هـ ـ 1968م، ص7 و16 و19 و35.
[37] سير أعلام النبلاء، ج13، فقرة 324 .
[38] سير أعلام النبلاء، ج13، فقرة 325 .
[39] عثمان بن سعيد الدارمي: الرد على الجهمية، دار إبن الأثير، تحقيق بدر عبد الله البدر، الكويت، الطبعة الثانية، 1416هـ، عن برنامج مكتبة العقائد والملل، الاصدار الثالث، فقرة 147، ص49. ومحمد سعيد عبد المجيد سعيد الافغاني: شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري، دار الكتب الحديثة في مصر، ص207ـ208.
[40] إبن تيمية الحراني: شرح العقيدة الأصفهانية، تحقيق إبراهيم سعيداي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ، عن الموقع العربي الإسلامي الإلكتروني: http://arabic.islamicweb.com، ص50. ومجموعة رسائل إبن تيمية، ج5، ضمن فقرة: (سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش).
[41] آل عمران\ 7.
[42] درء تعارض العقل والنقل، شبكة المشكاة الإلكترونية، ج1، ضمن الفصل الأول (لم تذكر أرقام صفحاته ولا فقراته).
[43] إستحالة المعية للشنقيطي، ص76، عن: إبن تيمية ليس سلفياً، ص105ـ106.
[44] عن: أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس: رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري، منشورة خلف الاربعين في دلائل التوحيد، حققها وعلق عليها وأخرج أحاديثها الفقيهي، حاشية، ص120.
[45] تاريخ إبن خلدون، ج1، ص831.
[46] آل عمران/ 7.
[47] إبن الجوزي: مناقب الإمام أحمد بن حنبل، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى، ص156. كذلك: أصول مذهب الإمام أحمد، ص73. وسير أعلام النبلاء، ج11، فقرة 286ـ287.
[48] هناك أقوال وأخبار متضافرة تروى عن النبي والصحابة والتابعين في ذم الرأي والكلام، كما جاء في كتاب (ذم الكلام وأهله) للشيخ عبد الله الأنصاري الهروي والذي تضمّن ما يأتي:
قال إبن عباس عن قوله تعالى: ((وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا)) بأن هؤلاء هم أصحاب الخصومات والمراء في دين الله.
وعن عكرمة أن نجدة بن عامر الحروري (المقتول سنة 68هـ) قال لإبن عباس كيف معرفتك بربك لأن من قبلنا اختلفوا علينا؟ فقال: إن من ينصب دينه للقياس لا يزال الدهر في إلتباس مائلاً عن المنهاج طاعناً في الاعوجاج، اعرفه بما عرف به نفسه من غير روية وأصفه بما وصف نفسه.
وعن عائشة كان الرسول إذا لم يعلم الشيء لم يقل برأيه ولم يتكلفه.
وعن إبن عمر قال: إن القدرية حملوا ضعف رأيهم على مقدرة الله وقالوا لمَ؟ ولا ينبغي أن يقال لله لِمَ، لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وعن مالك قال: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم باحسان.
وعن جعفر الصادق أنه قال: إذا بلغ الكلام إلى الله فامسكوا. وعنه أيضاً: تكلموا في ما دون العرش ولا تكلموا في ما فوق العرش، فإن قوماً تكلموا في الله فتاهوا.
وعن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
وعن سعيد بن المسيب قال: قام عمر بن الخطاب في الناس فقال: أيها الناس ألا أن أصحاب الرأي أعداء السنة أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتضلت منهم أن يعوها فعاندوا السنن برأيهم، فضلوا واضلوا كثيراً، والذي نفس عمر بيده ما قبض الله نبيه ولا رفع الوحي عنه، حتى اغناهم عن الرأي، ولو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان أسفل الخف أحق بالمسح من ظاهره، فاياكم واياهم ثم اياكم واياهم.
وعن أنس أن رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن قوله تعالى: ((وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)) ما الأب؟ فقال نُهينا عن التعمق والتكلف.
وعن معاذ بن جبل قال: اياك والبدع والتبدع والتنطع، وعليك بالأمر العتيق.
وعن مجاهد بن جبير قال: جاء يهودي إلى النبي فقال: يا محمد من أي شيء ربك؟ أمن لؤلؤ هو؟ فارسل الله عليه صاعقة فقتلته، ونزلت: ((وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)).
وعن أبي هريرة أنه قال: جاءوا إلى النبي فسألوه عن شيء من أمر الرب فلعنهم.
وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله (ص): إنما يهلكون بعد البينات بالمحدثات المخلفات، وتزيين الضالات المضلات وبالأهواء المغريات، وتحريف المحكمات.
وعن مجاهد أن رسول الله قال: إن الله لم يبعث نبياً إلا مبلغاً، وأن تشقيق الكلام من الشيطان.
وعن إبن عمر قال: قال رسول الله: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
وعن جابر أن الرسول قال: أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وأخرج الشيخان عن النبي أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وعن أبي هريرة مرفوعاً: إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم وإختلافهم على أنبيائهم.
ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله (ص) على أصحابه ذات يوم وهم يتراجعون في القدر، فخرج مغضباً حتى وقف عليهم، فقال: يا قوم بهذا ضلّت الأمم قبلكم بإختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض، وأن القرآن لم ينزل لنضرب بعضه ببعض، ولكن نزل القرآن فصدق بعضه بعضاً، ما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فامنوا به.
وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى أحمر وجهه، ثم قال: أبهذا أُمرتم أم بهذا أُرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم أن لا تنازعوا.
وعن أبي الدرداء وأبي امامة وأنس بن مالك ووائلة بن الأسقع، قالوا: خرج إلينا رسول الله ونحن نتنازع في شيء من الدين، فغضب غضباً شديداً لم يغضب مثله، وقال: يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم وضح النهار، ثم قال: أبهذا أمرتكم أو ليس عن هذا نهيتكم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ثم قال: ذروا المراء لقلة خيره، ذروا المراء فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الإخوان.. ذروا المراء فإن المراء يورث الشك ويحبط العمل.
(ذم الكلام وأهله عن: شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري، ص185 وما بعدها).
[49] رسالة العقيدة الحموية الكبرى ضمن رسائل إبن تيمية، المطبعة العامرة الشريفة بمصر، الطبعة الأولى، 1323هـ، ج1، ص468.
[50] أبو الحسن الأشعري: رسالة إستحسان الخوض في علم الكلام، طبع مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند، الطبعة الثانية، 1344هـ، ص3.
[51] عبد الله بن سعد الرويشد: قادة الفكر الإسلامي، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، ص4.
[52] تأويل مختلف الحديث، ص74.
[53] الاعتصام، ج3، ص236.
[54] العقيدة الحموية الكبرى، ضمن رسائل إبن تيمية، ج1، ص468.
[55] الاعتصام، ج3، ص237.
[56] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الاصفياء، دار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الثانية، 1387هـ ـ 1967م، ج9، ص183.
[57] مناقب الإمام أحمد، ص156.
[58] درء تعارض العقل والنقل، مصدر سابق، ج7.
[59] تاريخ اداب اللغة العربية، ج2، ص241.
[60] ينقد النشار أن تكون هذه الرسالة لإبن حنبل، سواء من حيث السند الخارجي أو المتن الداخلي، موضحاً أنه كان يلتزم بعدم ذكر أقوال الخصوم، وعليه هجر الحارث المحاسبي بإعتباره كان ينقل آراء الخصوم رغم أنه يذكرها ليرد عليها (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، 247 ـ249).
[61] سير اعلام النبلاء ج11، فقرة 286ـ287.
[62] عن: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص281.