يحيى محمد
هناك خطان مختلفان حول الموقف من العلاقة بين النص الديني والقبليات الوجودية، الأول منهما يمتاز بالاتساق، وهو ما يمثل خط الفلاسفة الذين رأوا ان النص الديني لا يرقى إلى البرهان واليقين، ومن ثم حكموا عليه بالتبعية للقبليات الوجودية، وأخضعوه تحت الممارسة التأويلية. وهذا هو المقصود من المصالحة بين الظاهر والباطن، حيث اللجوء إلى هذا الأخير لتأويل الأول. أما الخط الآخر فهو على خلاف سابقه يمتاز بعدم الاتساق، فهناك مفارقة بين الممارسة التطبيقية والنظرية المعلن عنها. وهو الخط المتمثل بالعرفاء ومن تأثر بهم من الإشراقيين. فنظرياً يعترف هذا الخط بمرجعية النص الديني وتقديمه على غيره من المرجعيات بما فيها تلك التي تستند إلى الإعتبارات الكشفية والعقلية. لكن من حيث الممارسة التطبيقية لا يلتزم هذا الخط عادة بالمبدأ النظري المزعوم. والأسوء من ذلك انه يمعن بالمباطنة الرمزية لأدنى مناسبة، شبيه بتلك التي لجأت إليها الإسماعيلية، خاصة عند أولئك الذين امتازوا بموسوعة الديانة الوجودية وعلى رأسهم الشيخ إبن عربي.
صحيح ان من العرفاء من لا يقر بمرجعية النص صراحة، بل ويرى ان من الواجب ترجيح الحالة الكشفية عليه، كالذي يشير إليه محمد بن عبد الجبار النفري (المتوفى سنة 354هـ)، إذ يؤكد بأن ‹‹الشريعة لم تُجعل إلا للمحجوبين››، وان ‹‹فراسة العارف الباطنة تحدد له أي مظاهر الدين اليق به››. وما يراه النفري هو ان الدين يصور الحقائق متعددة في الخارج، في حين إن الذوق العرفاني يكشف عن وحدة الحقيقة[1]. لكن مع هذا فإن عدداً غير قليل من العرفاء البارزين لا يقرون هذا المبدأ الذي يؤكد عليه النفري، وان كان أغلبهم ينساق إليه عملياً.
فمبدئياً يقرّ العرفاء بأنهم يتمسكون بحبل النص وهجر كل ما يتعارض معه، سواء كان فكراً أو كشفاً. ومن ذلك ما قاله الجنيد (المتوفى سنة 297هـ): إن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة[2]. وإن ‹‹علمنا مشّيد بحديث رسول الله (ص)››. وإن ‹‹كل الطرق مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه››. وقال آخر: كل فتح لا يشهد له الكتاب والسنة فليس بشيء[3]. كما قال النوري: ‹‹من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربنّ منه››. وقال أبو حمزة الخراساني: ‹‹لا دليل على الطريق إلى الله إلا بمتابعة الرسول (ص) في أحواله وأقواله وأفعاله››[4]. وقال أبو الحسين الوراق الملامتي (المتوفى سنة 320هـ): ‹‹لا يصل العبد إلى الله إلا بالله وبموافقة حبيبه (ص) في شرائعه››. والصدق عنده هو ‹‹استقامة الطريقة في الدين واتباع السنة في الشرع››[5]. وقال القشيري: ‹‹الشريعة أمر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فأمرها غير محصول. والشريعة جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقة انباء عن تصريف الحق، فالشريعة ان تعبده، والحقيقة ان تشهده. والشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قضى وقدّر، وأخفى وأظهر››[6]. وقال أبو الحسن الشاذلي (المتوفى سنة 656هـ): كل علم يسبق اليك فيه الخواطر وتميل إليه النفس وتلذ به الطبيعة فارمِ به وإن كان حقاً، وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله واقتدِ به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده وبالائمة الهداة المبرئين عن الهوى، وبمتابعته تسلم من الشكوك والظنون والأوهام والدعاوي الكاذبة المضلة عن الهوى.. وإذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك ان الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف والالهام والمشاهدة››[7]. وقال عبد القادر الجيلاني (المتوفى سنة 561هـ): ارجع إلى حكم الشرع والزمه، ودع عنك الهوى، لأن كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي باطلة أو زندقة[8]. وقال إبن عربي: ‹‹طريقنا طريق السلف، جعلنا الله لهم خلفاً بمنّه››[9]. وقال: ‹‹لا وصول إلى حقيقة إلا بعد تحصيل الطريقة، ولا طريق لنا إلى الله إلا ما شرعه، فمن قال بأن ثم طريقاً إلى الله خلاف ما شرع فقوله زور، فلا يقتدى بشيخ لا ادب له وإن كان صادقاً في حاله››[10]. وقال: ‹‹كل علم من طريق الكشف والالقاء أو اللقاء والكناية بحقيقة تخالف شريعة متواترة لا يعول عليه››. وقال: ‹‹كل علم حقيقة لا حكم للشريعة فيها بالرد فهو صحيح، وإلا فلا يعول عليه››[11]. وقال: ‹‹تخيل من لا يعرف؛ ان الشريعة تخالف الحقيقة وهيهات لما تخيلوه، بل الحقيقة عين الشريعة، فإن الشريعة جسم وروح، فجسمها علم الأحكام وروحها الحقيقة، فما ثم إلا شرع››[12]. وقال: إن ورد على أحد من أهل الكشف أمر إلهي يحل له ما ثبت تحريمه في الشرع المحمدي؛ وجب عليه جزماً ترك هذا الأمر أو الوارد لأنه تلبيس، ووجب عليه الرجوع إلى حكم الشرع الثابت. وقد ثبت عند أهل الكشف جميعاً انه لا تحليل ولا تحريم لأحد بعد انقطاع الرسالة والنبوة[13]. وان الأولياء والعرفاء الوارثين لا يحدثون شريعة ولا ينسخون حكماً. أو على حد تعبير إبن عربي: ‹‹ان الوارث لا يحدث شريعة ولا ينسخ حكماً مقرراً، لكن يبين فإنه على بينة من ربه وبصيرة في علمه››[14].
تلك كانت جملة من نصوص العرفاء التي تستنكر التأويل ولا ترضى بتعطيل النص الديني واهماله، بل وترفض ترجيح بعض الدلالات عليه، مثل الدلالة الكشفية. لكن كما قلنا ان هذا المبدأ الذي يعلنه العرفاء لا يجد اتساقاً مع الكثير من الممارسات التطبيقية لدى بعضهم، فهم لا يقومون بتأويل النصوص الدينية فحسب، بل يضيفون إليه ما هو أسوء من ذلك، حيث الممارسة الإستبطانية التي تحول النصوص إلى رموز كاشفة لأمور أخرى لا يدل عليها ظاهر هذه النصوص. كل ذلك ليتيح للعارف ان يقول كل شيء يريده من النص بلا حدود.
ولقد كان إبن عربي شديد اللهجة بالانكار على المتأولين - خاصة العقليين - رغم ان ممارساته تدل على كونه يمارس التأويل، بل ويعمل على شاكلة ما تفعله الباطنية من قلب الظاهر وتحوير مجال النص لأدنى مناسبة. فقد أبدى هذا العارف موقفاً صارماً اتجاه التأويل العقلي للآيات، خاصة فيما يتعلق بالتشبيه، حيث وصم هذا الاسلوب بأنه انكار للنبوة ورد مبطن لها. ذلك ان علة اضطرار العقليين إليه هو منعهم الطعن في الأدلة العقلية المعارضة؛ لحاجتهم إلى مثل هذه الأدلة في إثبات الرسالة. وقد توخى إبن عربي ابقاء النصوص الدينية، وعلى رأسها الآيات القرآنية، على حالها من دون تأويل. كما عمل على الأخذ بما وصف الله نفسه من دون ان يُطلق على ذاته تعالى الصفات الاجنبية، مثلما فعل الفلاسفة وأهل الكلام، فأولئك وصفوه بعلة الكائنات، وهؤلاء وصفوه بالذات التي لا يمكن ان تكون جسماً أو عرضاً أو جوهراً[15].
بل قد عجب إبن عربي من طائفة المؤولين بحسب النظر العقلي كيف انهم هربوا من التشبيه فوقعوا في التشبيه، فهم عدلوا من التشبيه بأنفسهم إلى التشبيه بالمعاني المحدثة القائمة في هذه الأنفس[16]. لهذا فإنه يخاطب هؤلاء بضمير المخاطب المفرد قائلاً: أنت ‹‹تركتَ التشبيه بالمخلوق المركب واثبته بالمخلوق المعقول، وأنّى للممكن ان يجتمع مع الواجب بالذات في حكم أبداً››[17]. وعليه نهى عما يقوم به هؤلاء، والتزم لنفسه طريق الكشف في معرفة مراد النص، فقال: ‹‹اترك تأويل الأخبار الواردة بالتشبيه لمن وصف بها نفسه إذا لم تكن من أهل الكشف والتحقيق››[18]. وعلى رأيه ان الله قد وصف نفسه بما لا مزيد عليه، وأقرّ بأن الفرقة الناجية هي تلك التي آمنت بما جاء به الوحي مع نفي المماثلة بين العبد والرب، فنسبت إلى الله العين واليد والسمع والبصر والغضب والتردد والتعجب وما إلى ذلك من أوصاف، حيث لأسماء الله حقائق ورقائق، وانه بامتداد هذه الرقائق المعنوية المنزهة يظهر في الناس سلطانها[19]. وهو يرى ان للحق سرياناً بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية بحيث لا تبقى صورة إلا ويرى الحق عينها، وهذه هي المعرفة التامة الكاملة التي جاءت بها الشرائع السماوية، والتي تبرر التشبيه مثلما يصدق التنزيه بها أيضاً[20].
لكن رغم ان إبن عربي كان شديد الانكار على المتأولين للنصوص الدينية؛ إلا انه قد تقبل - أحياناً - الممارسة التأويلية وأقرّها ضمناً؛ دفاعاً عن الكشف المعارض لبعض الظواهر القرآنية[21]. ناهيك عن ان هذا العارف كان يمارس ألواناً عديدة من القراءات الرمزية التي لا تبقي للظاهر من دور ولا معنى إلا بالقدر الذي تريده له الباطنية، كالذي سنطلع عليه.
وقد سلك صدر المتألهين سبيلاً مشابهاً لموقف إبن عربي، فذم التأويلات العقلية وأقّر ابقاء ظواهر النصوص الدينية على حالها، وذكر يقول ‹‹ان الدين والديانة ابقاء الظواهر على حالها، وان لا يأول شيئاً من الأعيان نطق به القرآن والحديث إلا بصورتها وهيئتها التي جاءت من عند الله ورسوله، فإن كان الإنسان ممن خصه الله بكشف الحقايق والمعاني والأسرار واشارات التنزيل ورموز التأويل، فإذا كوشف بمعنى خاص أو اشارة وتحقيق، قرر ذلك المعنى من غير ان يبطل ظاهره فحواه، ويناقض باطنه مبناه، وتخالف صورته معناه، لأن ذلك من شرائط المكاشفة وهذه من علامات الزيغ والاحتجاب››[22].
وفي صدد رده على الصوفية والباطنية إعتبر التأويل حراماً فقال: ‹‹وأما كونه حراماً في الشرع، فلأن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع، ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالالفاظ. كيف ولو جاز صرف الألفاظ الفرعية من مفهوماتها الأولى مطلقاً من غير داع عقلي لسقطت منفعة كلام الله وكلام رسوله (ص). فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به››[23]. وفي محل آخر أقرّ بأنه إذا لم يكن هناك داع شرعي أو عقلي فلا يجوز تأويل ظاهر الآيات، كما هو الحال في قضية المعاد[24]. بل أكثر من هذا إعتبر ان من تأول من غير داع فهو إما ان يكون كافراً أو مبتدعاً[25].
وواقعاً لا يوجد فيلسوف أعظم اهتماماً من صدر المتألهين في محاولاته التوفيقية بين العينتين الوجودية والدينية. ومبرره في هذا الجمع هو ان كلا العينتين تمثل الحقيقة، فالحقيقة لا تعارض الحقيقة الأخرى، وبالتالي فإن ما يأتي عن طريق العقل البرهاني أو الكشف الذوقي لا يمكنه ان يعارض ما يأتي عن طريق البيان الديني. فكلاهما يبعثان على القطع واليقين، وكلاهما ينبعان من مصدر واحد هو العقل الأول أو الحقيقة المحمدية، وبالتالي فانهما ينبعان من المبدأ الحق. لكن رغم ان صدر المتألهين لا يفتأ عن التذكير بمثل هذه المبررات التي تجعل المصدرين المعرفيين يبعثان على تطابق الحقيقة ووحدتها، إلا ان ما قدّمه في محاولاته التوفيقية لا يخلو من تلفيق ومفارقة أحياناً، وتأويل ومباطنة أحياناً أخرى.
ومن ذلك موقفه من المعاد الجسماني، فقد ألبسه شكلاً صورياً عينياً، فكأنه بهذا وافق العينة الدينية في كون المعاد عين الموجود في الدنيا، كما وافق القبليات الوجودية في احتفاظه بالشكل الصوري مع نفيه للعنصر المادي. فهذا الاتجاه لصدر المتألهين قد احتل وضعاً وسطاً بين ما أملته عليه نزعته الوجودية القبلية وما أظهرته النصوص الدينية من بيان في بعض المواقف. فهو قد خالف جمهور الفلاسفة واتباع المشائين في نفيهم للمعاد الجسماني ونكرانهم لظواهر الآيات، كما خالف الإشراقيين القائلين بعالم المُثل الخارجية، وصرح بوجود بدن أخروي هو بعينه المشخص في الدنيا وبجميع أجزائه وأعضائه، متماشياً بذلك مع ظواهر الآيات، لا بمثله على ما آل إليه الإشراقيون. ومع ذلك لم يكن البدن الذي تحدث عنه هذا العارف الحكيم بدناً عنصرياً كالذي ذهب إليه الغزالي في بعض كتبه، بل انه بدن صوري مثالي يتصف بالثبات والفعلية والبقاء وليس فيه الاستعدادات والمواد والحركات، مثلما اطلعنا على ذلك من قبل.
إذاً، رغم ان صدر المتألهين توسط فعلاً بين الرؤية الوجودية الموروثة وبين ما عليه النصوص الدينية، وانه بهذا قد اقترب من مضمون هذه النصوص، لكنه لم يصب كبد الظاهر الذي تبديه، وهو الظاهر الدال على ان المبعوث من الأبدان هو الشكل العنصري الطبيعي، كالذي ذهب إليه جمهور المسلمين، كعلماء السلف وأصحاب الحديث والكلاميين، وليس في الآيات القرآنية ما يشير إلى المعنى الصوري الذي تحدث عنه ذلك الحكيم تبعاً لمنطق السنخية والقبليات الوجودية التي توجب رجوع كل شيء إلى أصله.
كذلك الحال مع مسألة حدوث العالم ككل، إذ خالف الفلاسفة حول قدم الأفلاك والأنواع الكلية للحوادث، مؤيداً النص الديني في حدوثها جميعاً، ومن ذلك قوله تعالى: ((خلق السماوات والأرض وما بينهما))[26]، وأيضاً قوله تعالى: ((خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام))[27]. لكنه رغم قوله بالحدوث فإنه لم يأذن باعطاء بداية محددة للخلق والابداع، وأصر على أزلية الصنع والحدوث، وكذلك إثبات أفلاك سماوية أخرى أزلية. إذ عدّ للسماوات والأرض نوعين، أحدهما حسي والآخر عقلي، وإعتبر النوع الأول حادثاً ومفتقراً إلى الزمان، وهو الذي دلّت عليه العديد من النصوص والآيات، بخلاف الثاني الذي حسبه قديماً يفتقر إليه كل من النوع الأول والزمان والحركة[28]. أي انه لأجل التوفيق بين العينتين الدينية والوجودية صرح بوجود سمائين وأرضين، إحداهما عقلية قديمة وهي السابقة على الزمان، فوافق بها الفلاسفة، وأخرى حسية مبدعة ومتأخرة عنه، وهي محل اتفاقه مع النص، وخلافه مع من تقدمه من جمهور الفلاسفة.
وهو مع هذا التحوير للرؤية الوجودية التي ورثها ممن سبقه من الفلاسفة، فإنه لم يخرج عن روح التفكير الوجودي وأصله المولّد، فما قدّمه هو أيضاً ما يناسب منهج القبليات الوجودية في تناسق طبقات الوجود وتشاكلها تبعاً لمنطق السنخية، كما انه يتفق مع نظرية المشاكلة في الفهم الديني.
لكن رغم ذلك ترد بعض الاستفهامات حول موقفه الجديد هذا، فهو في تفسيره لسورة الحديد وفي بعض كتبه قام بتحديد المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض وفقاً لنص الآية ((خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام))، فإعتبر ان خلقهما هو خلق تدريجي الوجود، لا يختلفان في ذلك عن بقية الأجسام الطبيعية، وقد استغرقت العملية مدة ستة آلاف سنة، إذ بدأت منذ زمن خلقة آدم إلى زمن البعثة النبوية ونزول القرآن، وحيث ان ((يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدّون))[29]، فإن عدد السنين التي استغرقه خلقهما وما فيهما هو ستة آلاف سنة[30].
والاستفهام الذي يرد بهذا الصدد هو: ما طبيعة الوجود قبل تلك المدة الزمنية؟ فما يتسق مع منهج التوليد الوجودي هو إثبات ان تكون هناك دورات أزلية وأبدية غير منتهية من خلق السماوات والأرضين، وكذا بالنسبة للآدميين والبعثات النبوية المحمدية، إذ ان انقطاع هذه الدورات لا يتسق مع ثبات أربابها من العقول المفارقة، وبالتالي كان لا بد من التواصل والاستمرار أبد الدهر من غير تغيير. كذلك يلاحظ ان هذا العارف الحكيم ذكر في تفسيره لتلك السورة مكاشفة تحدد المقصود من خلق السماوات والأرض، وهو بمعنى حجب الحق، أي ان الحق اختفى بهما واظهرهما وبطن، فكان ظهورهما بالأسماء، اتباعاً لما جاء ذكره في التفسير المنسوب لإبن عربي[31]، من دون ان ينافي ما أكد عليه من الخلق التدريجي لهما، إذ طالت مدته ستة الاف سنة حتى البعثة النبوية، وانه بقي من الأمر ألف سنة لينكشف الحجاب وتقع الواقعة[32]. وهذان الموقفان ليسا متعارضين عنده، حيث فيهما الإقرار بالخلق التدريجي، وكذلك القول بالاحتجاب. الأمر الذي لا يتناقض مع ما اعترض عليه - في محل آخر - حول ما جاء في التفسير المنسوب لإبن عربي من تأويل قوله تعالى: ((خلق السماوات والأرض وما بينهما))، إذ ورد فيه ان الخلق بمعنى الاحتجاب، لذا اعترض عليه صدر المتألهين بقوله: ‹‹وأنت خبير بأن خروج الألفاظ القرآنية عن معانيها المتعارفة المشهورة توجب تحير الناظرين فيها، والقرآن نازل لهداية العباد وتعليمهم وتسهيل الأمر عليهم مهما أمكن، لا للتعقيد والإشكال، فيجب ان تكون اللغات محمولة على معانيها الوضعية المشهورة بين الناس، لئلا يوجب عليهم الالتباس››[33].
مع هذا فقد أورد صدر المتألهين بعض التصريحات التي لا تتفق مع منهجه الوجودي، مثل اقراره بأن الله كان قادراً على خلق السماوات والأرض في لحظة واحدة، ولم تكن المدة الزمنية التي خلقها إلا لكونها أصلح وأليق بحال الكائنات، وكذا أنسب بنظام المخلوقات[34]. وكذا تصريحه بأن لله القدرة والإرادة على ان يفني السماوات والأرض متى شاء وفي أي وقت أراد[35]. بل تصل المفارقة معه انه أدان غيره من العرفاء في اتباعهم ذات المسلك الذي سلكه، حيث انتقد الممارسة الإستبطانية ووصفها بأنها تفضي إلى هدم الدين أو الشريعة، وكما قال: ان ‹‹الباطن لا ضبط له، بل تتعارض فيه الخواطر، ويمكن تنزيله على وجوه شتى وانحاء تترى. وهذا أيضاً من المفاسد العظيمة الضرر والبدع الشايعة عند المتسمين بالصوفية. وبهذا الطريق توسلت الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم››[36]. بل وأبدى ندمه على تضييع شطراً من عمره في تتبع آراء الفلاسفة وعلماء الكلام عوض اتباع النص الديني وهديه، وكما قال: ‹‹واني لاستغفر الله كثيراً مما ضيعت شطراً من عمري في تتبع آراء المتفلسفة والمجادلين أهل الكلام، وتدقيقاتهم وتعلم جربزتهم في القول وتفننهم في البحث حتى تبين لي آخر الأمر بنور الايمان، وتأييد الله المنان ان قياسهم عقيم، وصراطهم غير مستقيم، فالقينا زمام أمرنا إليه وإلى رسول الله النذير المنذر، فكل ما بلغنا منه آمنا به وصدقناه، ولم نحتل ان نخيل له وجهاً عقلياً ومسلكاً بحثياً، بل اقتدينا بهداه، وانتهينا بهديه امتثالاً لقوله تعالى: ((ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))[37]، حتى فتح الله على قلبنا ما فتح فأفلح ببركة متابعته وأنجح››[38].
ورغم هذه النصوص المتحفظة لصدر المتألهين، إلا ان ممارساته الفعلية قد كَثُرَ فيها الدور الطليق للإستبطان والتأويل، حيث تحولت عنده عملية الجمع والتوفيق بين ظاهر النص وباطنه إلى فنون عديدة من المباطنة التي هي أخطر من التأويلات العقلية الشائعة.
وكما سنرى ان قاعدة الإعتبار المعمول بها والتي تأسست عليها نظرية المشاكلة؛ قد تحولت إلى ذريعة للمباطنة الرمزية السليبة الضوابط. فما من لفظة دينية تشير إلى جانب حسي إلا ويمكن حملها على ما يناسب الاعتقاد الصوفي من القضايا العقلية والمصادرات الغيبية، ولكن على تأويل بعيد لا يتفق مع السياق. وقد امتد ذراع التأويل والإستبطان حتى إلى الحروف ومطلق الكلمات من دون تقييد.
وبذلك فإن صدر المتألهين لم يفِ بالمبدأ الذي تعهد به في التفسير. بل رغم انه كان ينكر التأويل على ما اطلعنا عليه من قبل، وانه قد نقد أحد العارفين الكبار في بعض المواقف لكونه لم يلتزم الأخذ بظاهر الألفاظ في النصوص القرآنية، إلا انه رغم ذلك اضطر في بعض المناسبات إلى الاعتراف بضرورة ممارسة هذا النهج، عندما استشكلت أمامه بعض القضايا الدينية. فقد اضطر إلى تأويل معنى كلمة (العذاب) في قوله تعالى: ((لا يخفف عنهم العذاب))[39]، معتبراً انها تفيد معنى (النار)، اعتماداً على رأيه في انقطاع العذاب، قبل ان يعود مرة أخرى إلى القول بالعذاب المؤبد الدائم في رسالته (العرشية)، مخالفاً ما كان عليه في كتبه الفلسفية الأخرى[40]، مثلما سبق لإبن عربي ان حوّل كلمة (العذاب) في الآية إلى معنى (العذوبة)[41]. ورغم ان صدر المتألهين قد أدرك خطورة هذا العمل، وانه يعود به إلى ذلك الاتجاه التقليدي الذي عد ظاهر الشرع ليس بحجة، لكنه مع هذا اعتذر بما رجحه من ‹‹كشف صريح وبرهان صحيح››، وذكر يبرر داعي هذا التأويل بنفيه ان يكون هناك نص قاطع الدلالة، وكما قال: ‹‹أما النص: فما من لفظ إلا ويمكن حمله على معنى آخر ما هو الموضوع له بأحد الدلالات، وان كان الأصل والمعتبر هو المعنى المطابقي، لكن الكلام هنا ليس في الأصل والترجيح، كما في الفروعات الظنية التي يكفي للعمل بها مجرد الأصل والرجحان، بل في اليقينيات التي لا ينجح فيها إلا العلم بالبرهان والشهود بالعيان››[42]. وقال أيضاً: ‹‹ان (العذاب) كما قد يراد منه المعنى المصدري - أي التعذب - كذا يراد منه إسم ما يتعذب به كالنار مثلاً، وهذا غير مستلزم لذاك، فالنصوص الواردة في الخلود في العذاب لو كانت مثل قوله تعالى: ((لا يخفف عنهم العذاب)) يمكن ان يأول فيها (العذاب) بالمعنى الاسمي لا المصدري، وان كان الثاني أظهر بحسب اللفظ››[43].
وعلى هذه الشاكلة اضطر أحياناً إلى حمل النص على المجاز شبيهاً بذلك المبدأ الذي اتخذه أصحاب نظرية التمثيل من الفلاسفة التقليديين. فمثلاً انه لم يتقبل ظاهر النصوص التي تتحدث عن خطيئة آدم وعلة اخراجه من الجنة، لمعارضتها لمفاهيم القبليات الوجودية. فقد أنكر ان يكون آدم قد عصى ربه، كما وأنكر ان تكون النفس قد أخطأت، إذ لا يوجد في ذلك العالم - وهو عالم العقل المقدس - سنوح لخطيئة واقتراف معصية، بل المقصود هو ان هناك جهة إمكان النفس وحصولها عن مبدئها ونقصها الموجب لتعلقها بالبدن. وبالتالي فقد إعتبر ان ما ورد في نصوص القرآن والحديث حول آدم انما هو من التجوزات والرموز، مداراة لضعفاء العقول[44]. مع ان هذا الكلام لصدر المتألهين يناقض ما سبق ان أدان الفلاسفة التقليديين عليه، فإعتبر نهجهم في حمل النص على المجاز وانه لا حجة له وانما جاء لمداراة عوام الناس، كل ذلك يفضي برأيه إلى ان يكون الدين جاء لايهام الناس، مما قد يؤدي إلى اضلال الصالحين والدفع بهم إلى النار والعذاب، نتيجة الجهل بالحقيقة، كالذي مرّ علينا من قبل.
***
ولو عدنا إلى طريقة العرفاء في التعامل مع النص الديني، فالملاحظ ان الكثير منهم يدعي بأنه لا ينكر ظاهر النص، رغم ان لهم ممارسات باطنية في إستنباط ما يريدونه من النص بلا ضوابط ولا حدود. وقد وظفوا لتبرير هذا العمل العديد من الروايات والأحاديث التي تشير إلى تلك الأبعاد. ومن ذلك ما يروى عن النبي (ص) من ان لكل آية ظاهراً وباطناً ومطلعاً إلى سبعة أبطن أو سبعين. ويروى عن الأئمة ان للقرآن بطناً وللبطن بطناً، وكذا ظهراً وللظهر ظهراً. ومثل ذلك في القرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع، فالظاهر هو التلاوة، والباطن هو الفهم، والحد هو الأحكام، والمطلع هو مراد الله من العبد. كما يروى عن الإمام الصادق انه قال: ‹‹كتاب الله على أربعة اشياء: العبارة والإشارة واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء››[45]. وكذا يروى عن الصادق أيضاً: ‹‹إنا نتكلم في الكلمة الواحدة سبعة أوجه، فقال البعض متفكراً: سبعة يا إبن رسول الله؟ فقال: نعم.. وسبعين››[46].
فبمثل هذه النصوص فتح العرفاء لأنفسهم المجال لايجاد كل ما يمكن من المعاني التي يريدونها في النص لأدنى مناسبة، ومن ذلك ما قاله إبن عربي وهو يصف علمه الموهوب: ‹‹وأنا استمد علمي من كلمات الله التي لا تنفد ((قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي))[47].. ((ولو ان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله))››[48]. ومثله ما قاله حيدر الآملي: ‹‹والله ثم والله لو صارت أطباق السماوات أوراقاً، وأشجار الأرضين أقلاماً، والبحور السبعة مع المحيط مداداً، والجن والإنس والملك كتّاباً، لا يمكنهم شرح عشر من عشير ما شاهدتُ من المعارف الإلهية والحقائق الربانية الموصوفة في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، والمذكورة في القرآن: ((فلا تعلم نفس ما اخفي لهم قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون))››[49]. وعلى هذه الشاكلة قال البعض: ‹‹لكل آية ستون ألف فهم، وما بقى من فهمها أكثر››. وقال آخر: ‹‹القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع››[50]. ويحكي الشعراني عن استاذه علي الخواص انه قال عن نفسه: انه يستطيع ان يستخرج من سورة الفاتحة وحدها ما لا يقل عن (240999) علم[51].
ومن الناحية المبدئية قد يقال ان علم العرفاء إما ان يكون مأخوذاً عبر الكشوف الذوقية التي يتحدثون عنها، أو مأخوذاً من النص، لكن الأخير في حد ذاته لا يفضي إلى مثل هذه الكثرة التي يتحدث عنها العرفاء، ولا إلى الاختلاف الحاصل في تحصيل المعاني الباطنية فيما بينهم. وإذا قلنا ان معارفهم الدينية موقوفة على علومهم الكشفية، فكيف يدّعى انهم مقيدون بحدود ما عليه الوحي والنص؟ بل وكيف يسوغ لهم ادعاء ترجيح النص على الكشف، رغم ان الأول متوقف على الآخر؟
وواقع الحال ان المعرفة الدينية لدى العرفاء متلبسة بالقبليات الوجودية، فهم يجعلون تلك المعرفة خاضعة لمنهج التوليد الوجودي. فالكشف المدعى هو كشف وجودي موروث، سواء على صعيد الآليات والأصول المولدة، أو على صعيد المضامين والتفاصيل. وعليه يمكن فهم الممارسات المتنوعة للمباطنة والتأويل لأدنى مناسبة، ومنها المباطنة التي تتوخى اشتقاق الفكرة الباطنية من مفردات اللفظ حتى لو كان ذلك معارضاً لسياق النص ومجاله.
مبدأ الإعتبار والتشعبات الإستبطانية
لمبدأ الإعتبار أهمية خاصة في تنويع أنماط الممارسة الإستبطانية مع النص.
المقصود بهذا المبدأ هو ذلك المنهج الداعي إلى العبور من ظاهر النص إلى باطنه لقرينة مناسبة دالة على هذا العبور أو منبهة عليه، فهو لا يلغي الظاهر، كما انه لا يتوقف عنده. إذ يمثل الظاهر اشارة لما يناسبه. وسمي بالإعتبار تبعاً لقوله تعالى: ((فإعتبروا يا أُولي الأبصار))[52]، أو قوله: ((ان في ذلك لعبرة لأُولي الأبصار))[53]. ومن الناحية التاريخية يبدو ان الغزالي هو أول من قدم لهذا المبدأ قوة تنظيرية، ليبرر من خلاله بعض الممارسات الإستبطانية في التعامل مع النص، بما في ذلك تبريره لنظرية المشاكلات الوجودية التي عرضناها سابقاً. أما قبل الغزالي فقد كانت قراءة النص الديني تعتمد أحياناً على هذا المبدأ عملياً، وذلك من حيث الانتقال من النظير إلى النظير، أو من الشيء إلى شبيهه أو إلى ما يناسبه، كالقياس التمثيلي والقياس بالاولى. فمثلاً سئل الشبلي عن قوله تعالى: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم))[54]، فقال: ‹‹ابصار الرؤوس عن محارم الله تعالى وأبصار القلوب عما سوى الله تعالى››. كما علّق الشاه كرماني على الآية القرآنية ((الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين))[55]، فقال: ‹‹الذي خلقني فهو يهديني إليه لا إلى غيره، وهو الذي يطعمني الرضا ويسقيني المحبة، وإذا مرضت بمشاهدة نفسي فهو يشفيني››[56]. كذلك أضاف إبن حيون الإسماعيلي لظاهر قوله تعالى: ((وثيابك فطهر))[57]، معنى باطناً هو تطهير النفس من الذنوب التي كنى عنها بالثياب[58].
لكن قد نتساءل: هل كانت مثل تلك الممارسات الانتقالية قبل الغزالي تشكل ظاهرة تفسيرية للنص لدى العرفاء - من غير الإسماعيلية - أم انها مجرد استنتاجات ذاتية تدخل في مدار الكشوف والاسترسالات الوجدانية؟
فهناك من يرى ان الموثوق به من الصوفية عندما يذكرون النظائر للمعاني القرآنية لا يريدون بها التفسير، كالذي أشار إليه إبن الصلاح الشهرزوري وهو بصدد تعليقه على كتاب أبي عبد الرحمن السلمي (حقائق التفسير)[59].
وقد يكون لعنوان الكتاب الآنف الذكر دلالة على ان المراد هو التفسير الباطني كما دعا إليه الغزالي ومن جاراه من العرفاء. فالغزالي لا ينكر ضرورة الاعتماد على هذا المنهج في التفسير، خلافاً للحشوية الذين يتوقفون على الظاهر فحسب، وكذا الباطنية الذين ينكرون حقيقة الظاهر. ومبدأ الإعتبار عنده هو الجمع بين الأمرين معاً. فمثلاً انه بصدد تفسير قول النبي (ص): ‹‹لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب››، ذكر يقول: ‹‹القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط اثرهم ومحل إستقرارهم. والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب واخواتها كلاب نابحة فأنى تدخله الملائكة، وهو مشحون بالكلاب، ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة.. ولست أقول المراد بلفظ البيت هو القلب وبالكلب هو الغضب والصفات المذمومة، ولكني أقول هو تنبيه عليه وفرق بين تعبير الظواهر إلى البواطن وبين التنبيه للبواطن من ذكر الظواهر مع تقرير الظواهر. ففارق الباطنية بهذه الدقيقة، فإن هذه طريق الإعتبار وهو مسلك العلماء والأبرار، إذ معنى الإعتبار ان يعبر ما ذكر إلى غيره فلا يقتصر عليه››[60]. وعلى شاكلة هذا النموذج ما ذكره الغزالي بالنسبة إلى قوله تعالى في حق موسى: ((اخلع نعليك))[61]، فقد رفض أبو حامد إبطال الظواهر كالذي عليه الباطنية، كما رفض إبطال الأسرار الباطنية كالذي تذهب إليه الحشوية، وإعتبر ان من يجمع بين الظاهر والباطن هو الكامل ذو العينين، فيكون المعنى بحسب الظاهر عبارة عن خلع النعلين، وبحسب الباطن هو طرح الكونين أو العالمين. وبالتالي فإن المثال في الظاهر حق، وأداؤه إلى السر الباطن حقيقة، ولكل حق حقيقة، فهذا هو الإعتبار أو العبور من الظاهر إلى السر الباطن، أو من الشيء إلى غيره[62].
ويشابه هذا النهج طريقة الفلسفة اليهودية الهلنستية، فكما يعبر الفيلسوف اليهودي فيلون الاسكندراني (المتوفى سنة 40م) عن هذه الطريقة بقوله: ‹‹هي في الوقت الذي تذهب فيه إلى جعل المأثورات الجافة سائغة مقبولة عن طريق الرمزية والتأويل؛ تتمسك مع ذلك بالحقائق والأوامر على ظواهرها››[63].
ورغم ان العرفاء يعدون الباطن أهم من الظاهر فإنهم مع هذا لا يبطلون الأخير، خاصة وان ذلك يفضي إلى اسقاط الأحكام الشرعية، كالذي ينقله الغزالي من ان البعض قد يترك الصلاة ويزعم انه دائم الصلاة بسره[64].
لذلك هناك مَن يفرّق بين العرفاء والباطنية اعتماداً على منطق الظاهر وعدمه، فالعرفاء يعولون على الظاهر والباطن معاً بخلاف ما تتهم عليه الباطنية من انها تعول على الباطن فحسب. لكن هذه التفرقة التي ذكرها الغزالي وأصبحت رائجة لدى غيره من العرفاء هي تفرقة غير صحيحة. ذلك ان العديد من المحسوبين على الباطنية يتقبلون الظاهر ويضيفون إليه الباطن كالذي يصنعه العرفاء قدماً بقدم. فهناك جماعة من الإسماعيلية اعترفت صراحة بضرورة الاستناد إلى كل من الظاهر والباطن، فكلاهما حق عندها[65]، بل وأقرّت عدم جواز مخالفة الظاهر بالباطن[66]، وعولت على آيات ضرب الأمثال لتبرير معتقداتها الباطنية، ومن ذلك قوله تعالى: ((ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون))[67]، إذ اعتقدت ان الله جعل للناس مثلاً دالاً على ممثوله فعرفوا الممثول بمثله[68]. ومن ذلك ما قاله ناصر الدين خسرو، وهو من إسماعيلية القرن الخامس الهجري: ‹‹تفسير النص بالظاهر هو بدن العقيدة، بيد ان التفسير الأعمق يحل منه محل الروح، وأين يحيا بدن بلا روح››[69]. وقال أيضاً: ‹‹الشريعة هي المظهر الخارجي للحقيقة، والحقيقة هي الوجه الداخلي للشريعة.. انها الرمز (او المثال)، والحقيقة هي المرموز إليه (الممثول). والمظهر الخارجي في تقلب مستمر مع حقب وادوار العالم، وأما الوجه الباطن فطاقة إلهية غير خاضعة للصيرورة››[70].
إذاً، من الناحية المبدئية، إن هؤلاء لا ينكرون ظاهر النص ولا يعولون على الباطن فحسب، بل يعترفون بأن للنص ظاهراً وباطناً، وانه لا يجوز عندهم مخالفة الظاهر للباطن، فكلاهما حق، وإن اختلف المطلب، إذ الظاهر وإن كان حقيقة، إلا ان حقيقته لا تنبعث من ذاته، فهو مثال يشير إلى ما هو أعمق منه، أي الباطن. مع هذا فهم من حيث التطبيق ليسوا من أصحاب الظاهر ولا من أصحاب نظرية المثال والمشاكلة عادة، فتفسيراتهم الباطنية من نوع آخر لا تختلف في جوهرها عن تلك التي تعود إلى العرفاء الذين هم أيضاً يعولون على كل من الظاهر والباطن تبعاً لمبدأ الإعتبار.
ورغم ان مبدأ الإعتبار قد شكّل الغطاء الشرعي لما قام به الغزالي من الممارسة الإستبطانية، إلا انه لم يتوغل في تطبيقه مثلما فعل مَن جاء بعده من العرفاء. ولعل إبن عربي هو أول من بسط تطبيقات هذا المبدأ المأخوذ عن الغزالي، فقد جعله غطاءً لتشكيل موسوعة دينية لا يعرف لها أول ولا آخر، ولا قيد ولا ضابط. فقد علّق على آية الإعتبار ((فإعتبروا يا أولي الأبصار))؛ معتبراً انها تعني: ‹‹جوّزوا مما رأيتموه من الصور بأبصاركم إلى ما تعطيه تلك الصور من المعاني والأرواح في بواطنكم فتدركونها ببصائركم ››. وهو الباب الذي أغفله العلماء، لا سيما من وصفهم بأهل الجمود على الظاهر. وأكد بأن المبرر في ذلك هو ان الله ‹‹قد ربط بكل صورة حسية روحاً معنوياً، بتوجه إلهي عن حكم إسم رباني››، الأمر الذي برر له إعتبار خطاب الشارع في الباطن على حكم ما هو في الظاهر قدماً بقدم، فالظاهر في الخطاب هو صورته الحسية، أما الباطن فهو الروح الإلهي المعنوي لتلك الصورة الحسية، والانتقال من الظاهر إلى الباطن، أو من الصورة الحسية إلى الروح المعنوي، هو ما يطلق عليه الإعتبار[71].
وهذا هو لب نظرية المشاكلة التي تعترف بوجود المطابقة بين الكتابين التدويني والوجودي، فالتدويني يعبر تعبيراً مطابقاً لما هو عليه الوجود الخارجي. والعبور الذي يتحدث عنه العرفاء هو مجاوزة الظاهر إلى الباطن عبر الاشتراك بينهما في روح المعنى، أي ان للمعنى ظاهراً وباطناً، وإن كان في حد ذاته عبارة عن أمر واحد متفاوت القيمة والدرجة. فمثلاً ان التطهير واحد للثياب من حيث الظاهر وللنفس بحسب الباطن، وكذا الاطعام بالطعام وبالرضا، والسقاية بالشراب والمحبة، ومحاربة الكفر، سواء كانت المحاربة للعدو الخارجي، أو للنفس بإعتبارها الأمّارة بالسوء... الخ. مما يعني ان هناك خيط صلة بين نظرية المشاكلة التي استخدمها العرفاء في التفسير، وبين منهج الإعتبار.
مع هذا لا يمكن ان نعد كل ما اعتمده العرفاء في مبدأ الإعتبار هو مما يتفق ونظرية المشاكلة، بل ظهرت أنماط مختلفة من الممارسات الإستبطانية في التعامل مع النص، كتلك التي نجدها لدى إبن عربي، فهو قد أجاز ان يفهم العارف من النص الديني كل ما يريده، وحيث ان المريد لا يريد غير القبليات الوجودية، لذا يكون النص تابعاً ومنقاداً إلى هذه القبليات؛ بغض النظر إن كانت هناك مناسبة وقرينة دالة على المطلوب أم لا. فكما يذكر في (الفتوحات المكية) كيف ان الله ينزل كلامه ‹‹على قلوب أولياء الله تلاوة فينظر الولي ما تلي عليه مثل ما ينظر النبي فيما انزل عليه، فيعلم ما أريد به في تلك التلاوة كما يعلم النبي ما أنزل عليه، فيحكم بحسب ما يقتضيه الأمر››[72]. وهو يرى ان من ينزل على قلبه القرآن فإنه يفهم ما ينزل وان كان بغير لسانه ولغته فيعرف معاني ما يقرأ، رغم ان هذه الألفاظ لا يعرف معانيها في غير القرآن بإعتبارها ليست بلغته. وبالتالي فإن كل موجود يمكنه ان يجد فيه ما يريد. وهو يستشهد بقول الشيخ أبي مدين: ‹‹لا يكون المريد مريداً حتى يجد في القرآن كل ما يريد، وكل كلام لا يكون له هذا العموم فليس بقرآن››[73]. وبالتالي يقرر بأن نزول القرآن على القلب، وهو صفة إلهية لا تفارق موصوفها، يعني نزول الحق في القلب، وفي الحديث ان الحق وسعه قلب عبد مؤمن، وبذا ان الحق يكلم هذا العبد من سره في سره، وهو قولهم حدثني قلبي عن ربي من غير واسطة[74].
ولا شك ان هذا الذي ذكره إبن عربي يبرر فتح باب الرمزية والإستبطان على مصراعيه، كما هو حاصل بالفعل؛ سواء بالنسبة إلى هذا العارف أو غيره في تعاملهم مع النص. حيث كل مريد يريد من النص كل ما يبتغيه من التعبير عن القبليات الوجودية. وبذا يصبح القرآن كتاباً وجودياً حاكياً لما عليه الوجود، تبعاً لمبدأ الإعتبار، وهو الأداة الموظفة لتطبيق الرؤية الوجودية واسقاطها على النصوص الدينية بدعوى العبور من الظاهر إلى الباطن. لكن يظل ان كل عارف إنما يعبّر عما يصل إليه خياله من استرسال يتعلق بالوجود، وهو بهذا الاسترسال لا يضمن الاتفاق والمطابقة مع غيره من العرفاء، رغم ان المفاهيم التي يدلون بها هي مفاهيم متقاربة بإعتبارها محكومة بنفس المنطق من القبليات الوجودية وأصلها المولّد.
وتجدر الإشارة إلى ان البعض أطلق على هذه العملية من الإعتبار أو اسقاط الرؤية الوجودية على فهم النص (التطبيق)، كما جاء في التفسير المنسوب إلى إبن عربي، حيث رأى المعاني الباطنية لفهم النصوص إن هي إلا تطبيقات الرؤية الوجودية منزلة على هذا الفهم. ومع ان لفظة (التطبيق) كانت تستخدم قبل العرفاء لدى الكيسانية إلا انها لم تأخذ هذا المعنى، بل كانت مقيدة باجراء التماثل وسحب الرؤية المستمدة من الوجود الخارجي واسقاطها على الأنفس البشرية، تبعاً لمنطق السنخية والمشاكلة بين العالمين. مع هذا فالنص الذي ورد عن الكيسانية بهذا الخصوص يحمل تشابهاً مع ما استهدفه العرفاء من اسقاط الرؤية الوجودية وتطبيقها على مختلف المجالات، ومنها مجال النص والتنزيل. فهم يؤمنون بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل شخص روحاً، ولكل تنزيل تأويلاً، ولكل مثال في هذا العالم حقيقة في ذلك العالم، والمنتشر في الآفاق من الحكم والأسرار مجتمع في الشخص الإنساني، لذلك دعوا إلى تطبيق الآفاق على الأنفس، وتقدير التنزيل على التأويل، وتصوير الظاهر على الباطن[75]. ولا شك ان هذا التصوير المجمل جاء على شاكلة المزاعم المفصلة لكل من الفلاسفة والعرفاء والباطنية الإسماعيلية.
[1] الفلسفة الصوفية في الإسلام، ص391.
[2] الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج3، ص56. والخوانساري: روضات الجنات، ج2، ص243.
[3] الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج3، ص56. وروضات الجنات، ج2، ص244.
[4] القونوي: اعجاز البيان في تأويل ام القرآن، دراسة وتحقيق عبد القدار احمد عطا، ص38.
[5] الفلسفة الصوفية في الإسلام، ص197.
[6] القشيري: الرسالة القشيرية، تحقيق واعداد معروف زريق وعلي عبد الحميد بلطه جي، دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م، ص82-83.
[7] الشعراني: الطبقات الكبرى، طبعة قديمة، ج2، ص5. والفلسفة الصوفية في الإسلام، ص286 و287.
[8] يُذكر انه حكى عبد القادر الجيلاني عن نفسه فقال: تراءى لي نور عظيم ملأ الافق، ثم تدلى فيه صورة تناديني: يا عبد القادر؛ انا ربك وقد حللت لك المحرمات، فقلت إخسأ يا لعين، فإذا النور ظلام، وتلك الصورة دخان. ثم خاطبني يا عبد القادر نجوت مني بعملك بأمر ربك وفقهك في أحوال منازلاتك، ولقد اضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق. فقلت له: الفضل لله. فقيل له: كيف علمت انه شيطان؟ قال بقوله: قد حللت المحرمات (احمد توفيق عياد: التصوف الإسلامي/تاريخه ومدارسه وطبيعته وأثره، مكتبة الانجلو المصرية، 1970م، ص280-281. كذلك: الفلسفة الصوفية في الإسلام، ص284).
[9] الشيخ الاكبر محي الدين بن العربي، مصدر سابق، ص196.
[10] الشيخ الاكبر محي الدين بن العربي، ص69.
[11] رسالة لا يعول عليه، من رسائل إبن عربي، ج1، ص2.
[12] كتاب التراجم، من رسائل إبن عربي، ج1، ص28.
[13] الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج2، باب 146، ص231.
[14] الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج1، ص319.
[15] محمد قاسم: دراسات في الفلسفة الإسلامية، الطبعة الثالثة، ص274-282.
[16] كتاب المسائل، من رسائل إبن عربي، ج1، ص17.
[17] كتاب المسائل، مصدر سابق، ص19. ويقول إبن عربي في هذا الصدد: ‹‹تحفظوا من مكر الله في التأويل واستدراجه، واسألوه الثبات والاستقامة على منهاجه، وطهروا قلوبكم بماء التقديس والتنزيه من التجسيم والتشبيه، فإنه ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) ويستوي ويجيء وينزل وهو في السماء وفي الارض، وعلى المعنى الذي أراده من غير تشبيه وتكييف›› (لطائف الأسرار، ص137).
[18] كتاب المسائل، مصدر سابق، ص19.
[19] إبن عربي: لطائف الأسرار، مصدر سابق، ص137.
[20] شرح الفصوص، ص594-595.
[21] تفسير صدر المتألهين، ج4، ص314.
[22] مفاتيح الغيب، ص87-88.
[23] كسر اصنام الجاهلية، ص30.
[24] المبدأ والمعاد، ص407.
[25] المبدأ والمعاد، ص412.
[26] السجدة/ 4.
[27] الفرقان/59.
[28] الشواهد الربوبية، ص164. وتفسير صدر المتألهين، ج6، ص32.
[29] الحج/47.
[30] الشواهد الربوبية، ص92. وتفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص185 وما بعدها.
[31] تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، هامش ص 40. وتفسير محي الدين بن عربي، ج2، ص273. علماً ان العديد من الباحثين يعتقدون ان هذا التفسير يعود إلى أحد تلامذة إبن عربي المشاهير، وهو عبد الرزاق القاشاني. وبالفعل فإن اسلوب النص في التفسير يختلف عن اسلوب الكتابة لدى إبن عربي.
[32] ذكر إبن عربي ان عدد السماوات سبع على مقتضى أئمة الأسماء السبعة، وهي الصفات الإلهية السبع، ومنه كان مقدار الدنيا سبعة ايام، وان ظهور النبي (ص) كان في اليوم الأخير، وهو الجمعة، حيث ان الله خلق السماوات والأرض في ستة ايام، وذلك حتى نزول الوحي الذي جاء فيه تحديد مدة الخلق، فلم يبقَ لقيام الساعة من نزول الوحي الا هذا اليوم (الجمعة)، وحيث ان اليوم الواحد هو كألف سنة، فإن قيام الساعة لا يزيد على ألف سنة، وكما جاء في الحديث النبوي: ‹‹ان استقامت فلها يوم، وان لم تستقم فلها نصف يوم››. وقد استبشر إبن عربي باستقامتها حيث كان زمانه قد تجاوز نصف اليوم (خمسمائة سنة) منذ البعثة النبوية، فكانت سنة ولادته (560هـ). لكن هذا التقدير لا يتفق مع حقيقة الواقع، حيث انتهى اليوم السابع، ونحن نقترب من منتصف اليوم الثامن، فمنذ البعثة النبوية مضت علينا أكثر من ألف وأربعمائة سنة خالية (لاحظ: رسالة في أسرار الذات الإلهية، ضمن رسائل إبن عربي، ص202-203). ولا يختلف الامر عما ذكره صدر المتألهين الذي عدّ البعثة النبوية هي بمثابة طلوع فجر يوم القيامة، مع انه ولد سنة (980هـ) وتوفي سنة (1050هـ)، ولم يشر إلى ان عصره هو ذات العصر الذي ينبغي ان تقوم فيه الساعة، بل وظهور المهدي (لاحظ: تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص186).
[33] تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص40 و185.
[34] تفسير صدر المتألهين، نفس المصدر، ج8، ص181.
[35] تفسير صدر المتألهين، المصدر السابق، ج6، ص123.
[36] كسر اصنام الجاهلية، ص30. كما جاء في نقد صدر المتألهين لطرق الفلاسفة والعرفاء قوله: ‹‹ولا تشتغل بترهات المتصوفة ولا تركن إلى أقاويل المتفلسفة، وهم الذين اذا جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن، وقانا الله واياك خليلي من شر هاتين الطائفتين، ولا جمع بيننا وبينهم طرفة عين، هم قوم يشقى بهم جليسهم، ولا يزال في الوحشة انيسهم، وافرغ قلبك عن كلماتهم، مهاجراً إلى سماع كلام الله ومشاهدة آياته الكبرى›› (مفاتيح الغيب، ص164. كذلك تفسير صدر المتألهين، ج6، ص32).
[37] الحشر/ 7.
[38] الأسفار، ج1، ص11-12.
[39] البقرة/162.
[40] صدر المتألهين: عرشيه، ص382. والشواهد الربوبية، حاشية ص 317 و778.
[41] شرح الفصوص، ص390.
[42] تفسير صدر المتألهين، ج4، ص315-316.
[43] المصدر السابق، ج4، ص315.
[44] الأسفار، ج8، ص364 و359.
[45] راجع النصوص السابقة في: الفيض الكاشاني: الصافي في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، تصحيح وتقديم وتعليق حسين الاعلمي، بيروت، الطبعة الأولى، 1399هـ - 1979م، ج1، المقدمة الرابعة، ص27-29.
[46] النعمان بن حيون: أساس التأويل، تحقيق وتقديم عارف تامر، دار الثقافة، بيروت، ص27.
[47] الكهف/109.
[48] لطائف الأسرار، ص16.
[49] الآملي: جامع الأسرار، ص6.
[50] احياء علوم الدين، ج1، ص289.
[51] عن: اجنتس جولدتسهر: مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي في مصر ومكتبة المثنى في بغداد، 1374هـ ـ 1955م، ص280.
[52] الحشر/ 2.
[53] آل عمران/13.
[54] النور/30.
[55] الشعراء 78ـ80.
[56] التصوف الإسلامي، ص317.
[57] المدثر/ 4.
[58] النعمان بن حيون المغربي: تأويل دعائم الإسلام، أو تربيـة الـمؤمنين، ضمن منتـخبات إسماعيلية، تحقيق عادل العوا، مطبعة الجامعة السورية، 1378هـ ـ 1958م، ص36.
[59] الزركشي: البرهان في علوم القرآن، دار الفكر، 1408هـ - 1988م، ج2، ص187.
[60] احياء علوم الدين، مصدر سابق، ج1، ص49.
[61] طه/12.
[62] مشكاة الانوار، ضمن مجموعة رسائل الامام الغزالي (4)، مصدر سابق، ص21-22.
[63] مذاهب التفسير الإسلامي، ص259.
[64] مشكاة الانوار، ضمن مجموعة رسائل الامام الغزالي (4)، ص22.
[65] محمد حسن الأعظمي: الحقائق الـخفية عن الـشيعة الـفاطمية والإثنى عشرية، أعداد وتقديم الأعظمي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970م، ص29-30.
[66] أساس التأويل، مصدر سابق، ص9 و23.
[67] الزمر/27.
[68] الحقائق الخفية، ص1 3. وايضاً: تربية المؤمنين أو تأويل دعائم الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص11.
[69] مذاهب التفسير الإسلامي، ص203.
[70] كوربين: تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصدر سابق، ج1، ص42.
[71] الفتوحات، مصدر سابق، ج1، ص668.
[72] عن: الفصوص والتعليقات عليه، ج1، ص225.
[73] مضمون هذا النص نقله الغزالي عن البعض في كتابه (احياء علوم الدين، ج1، ص284).
[74] الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج3، ص93.
[75] عبد الكريم الشهرستاني: الملل والنحل، مصدر سابق، ص64.