الاسس المنطقية للفهم الديني (10)
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ
خلاصة الدرس
أصناف القبليات:
القبليات: صورية وتصديقية
في الفهم يتعامل الذهن مع معنى النص بعنوانين؛ احدهما «تصور المعنى» والاخر «حكم المعنى». فللمعنى تصور وحكم (تصديق)، ولكل منهما قبلياته، كالذي يجري مع الادراك والعلم. فلا يخلو الحال - في الجميع - من وجود قبليات بعضها صورية بسيطة، والبعض الاخر تصديقية، كما يتضح أدناه:
اعتاد المناطقة تقسيم الادراك الى تصور وتصديق. فالتصور هو ادراك بسيط لا يتضمن في حد ذاته حكماً او تصديقاً، كإحساسنا وتصورنا للاشياء الخارجية مثل الطاولة والقلم والناس وغيرها. وقد تكون بعض تصوراتنا خيالية او وهمية ومع ذلك نتصورها وكأنها موجودة، مثل تصورنا لجسم نصفه انسان ونصفه الاخر سمكة، او تصورنا للحيوانات وهي تتكلم... الخ. أما التصديق فهو تصور يجري عليه ما يجري على التصور البسيط، لكنه ينطوي على حكم او تصديق بخلاف الادراك السابق.
والعملية الادراكية سواء في حالة التصور او التصديق لا تتحقق من غير قبليات. فرؤيتنا للعالم وادراكنا للاشياء وكذا الحكم عليها، كل ذلك انما يتم بمساعدة القبليات. وللذهن البشري نوعان منها؛ هما: القبليات الصورية، والقبليات التصديقية.
القبليات الصورية:
وللقبليات الصورية شكلان، كما يلي:
الشكل الاول:
ويعبر عن الحساسية الصورية كما تتمثل بقالبي الزمان والمكان، اذ لا يمكن ادراك الحوادث الخارجية بلا زمان ومكان. وبالتالي فهما من القبليات الصورية، لان اي تصور للحوادث لا يتم الا من خلال تضمنهما، كالذي تحدّث عنه (كانت) معتبراً الزمان والمكان صورتين قبليتين دون ان ينتزعهما الذهن البشري من الاشياء الخارجية.
الشكل الثاني:
ويعبر عن الاطار العام للجهاز الصوري الذي يتم به تشكيل الصور المدركة بهيئة معينة دون اخرى، سواء تم تشكيل هذه الصور ابتداءً عبر المعطيات الحسية المتفرقة، او بعد تجميعها وتشكيلها وفق صورة شخصية واحدة. اذ يستلم هذا الجهاز معطيات حسية متفرقة عبر الحواس، فبحاسة البصر يستلم عن الشيء الخارجي إشارة يحولها الى صورة لونية وشكلية، وبحاسة اللمس يستلم عن هذا الشيء إشارة اخرى يحولها الى صورة لمسية، وهكذا مع سائر الحواس، حيث يحول كل ما يستلمه من اشارات الى صور مناسبة، ثم يعمل على التوفيق بين هذه الصور في صورة شخصية واحدة تعبر عن الشيء الخارجي، كإن يكون المدرَك تفاحة مثلاً، فادراكنا لها يتم عبر احساسات متفرقة ومختلفة، لكن الجهاز الصوري يعمل على تجميع هذه الاحساسات بعد اضفاء الصور الخاصة عليها، ومن ثم يجعلنا نتصورها كجوهر واحد يعبر عن التفاحة. بل إنه يعمل على توحيد الصورة حتى في حالة ما يحصل من تفرق واختلاف في الحاسة الواحدة، كما في البصر، اذ ما تراه إحدى العينين لا يطابق تماماً ما تراه العين الاخرى، لذا تتكون الرؤية البصرية وفق حالة من التوفيق بين رؤيتي العينين، ومن الطبيعي إن ذلك يدعم فكرة الاختلاف الحاصل بين الإحساس بالرؤية وبين الموضوع الخارجي كشيء في ذاته.
وبهذا فنحن لا ندرك الشيء الخارجي ابتداءً الا ادراكاً مشتتاً تبعاً للاحساسات المتفرقة، لكن الجهاز الصوري هو الذي يعمل على جمع هذا الشتات في صورة جوهرية واحدة، فيبدو لنا الشيء الخارجي جوهراً واحداً.
ونشبّه ما يقوم به هذا الجهاز في تشكيله للصور الذهنية بالمرآة التي تُشاهد فيها صورة الشيء، اذ تظهر الصورة بالشكل الذي تظهر فيه اعتماداً على الشيء الخارجي وعلى هيئة المرآة؛ إن كانت مستوية او محدبة او مقعرة او مكبّرة او مصغّرة او زرقاء او حمراء... الخ. لذا فالصورة لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الشيء الخارجي، حيث يعتمد كل ذلك على طبيعة الجهاز الصوري للذهن. ولو ان هذا الجهاز تعرض الى بعض التغيير لأدى ذلك الى تغير هيئة الصور المدركة، آخذين بنظر الاعتبار التباين النسبي لهذا الجهاز بين فرد واخر، مما يجعل الاحساس بالصور الذهنية بين الافراد مختلفاً بعض الشيء، كالاختلاف الحاصل في الدرجة التي نتصور بها لوناً معيناً، كاللون الاحمر مثلاً.
على ان الصورة التي نتصورها للشيء الخارجي قد لا تكون الوحيدة عند ادراكنا له. فقد تظهر لنا صورة وتتوارى اخرى، بدليل انه قد تظهر هذه الصورة المختبئة - في بعض الحالات - عند تركيزنا على المختبئ او تغييرنا لزاوية الادراك، كالذي يُشاهد في الصور التي تعرضها مدرسة علم النفس الجشطالتي. اذ يظهر المشاهَد بأكثر من صورة، استناداً الى زاوية الادراك والتركيز، فتظهر بعض الصور عندما يركز عليها الادراك، او لكونها الظاهرة ابتداءاً، وإن توارت خلفها صورة اخرى لا تدرك تفاصيلها، بل تُدرك الأخيرة عندما تتغير زاوية الادراك بنحو مناسب فيتبادل الظهور والاختباء، كما يبدو من تبادل الظهور في الشكل الفوتوغرافي لكل من الكأس والوجهين، والبطة والارنب، وغيرهما من الاشكال التي تعرضها تلك المدرسة.
وقد استخدمت هذه الظاهرة في الصراع السياسي احياناً. فمثلاً في الثمانينيات من القرن المنصرم كانت هناك عملة ورقية لدى احد البلدان الاسلامية وهي تحتوي على صورة لرجل ملتحي، لكن عند النظر الدقيق تختفي اللحية لتحل محلها شبكة متداخلة كبيرة من مختلف الضباع والافاعي ومختلف الحيوانات الاخرى. ويبدو ان المصمم وضع هذه الصورة نكاية بالنظام القائم.
وقد تعبّر رؤيتنا للعالم عن تلك الظاهرة من تبادل الظهور والاختباء للصور. فالصور الحسية التي ندرك فيها العالم لا تفسرها الأشياء الخارجية وحدها، اذ كثيراً ما يكون الشيء ذاته مشاهد من عدة اشخاص لكن رؤيتهم له تكون مختلفة حتى وان كانت الظروف الطبيعية لهم متماثلة. وعلى ما يقوله البعض: >من الاشياء التي تراها العين اكثر مما يصل الى كرة العين<. فالعين هنا لا يمكن مقارنتها بالكاميرا التي تلقط صور الاشياء دون زيادة او نقصان. فما يحصل في الرؤية ان الصورة المرسومة على الشبكية لا تفسر لدى الذهن كما هي، او ان الذهن يقوم بعملية تأويل لهذه الصورة بما يتفق مع القبليات والتجارب السابقة والتوقعات التي ينتظرها الفرد عند الرؤية. وان الاشياء تظل قابلة لاكثر من رؤية محددة وفقاً للصيغة الجشطالتية. ولا يقتصر الامر على حاسة البصر، بل بقية الحواس تخضع الى ذات النتيجة، ومن ذلك ان احد الباحثين أعد بحثاً تجريبياً حول اللمس الخالص بعنوان (في البحث عن احساس لمسي خالص)، وقد توصل من خلاله ان الادراك اللمس يأتي بفعل نتاج مشترك لكل من المؤثر الخارجي وأفكار الشخص نفسه، وليس من الممكن الحصول على اثر منعزل خالص للعامل الاول او المؤثر الخارجي. وبالتالي فقد يكون لشخصين مختلفين ادراكين مختلفين ايضاً لنفس المؤثر اللمسي.
ولعل العرفاء هم ابرز من أكد هذا المنحى، كالذي صرح به ابن عربي، اذ اعتقد ان الناس يشاهدون العالم ويؤمنون بالله غيباً، خلافاً للعرفاء الذين يشاهدون الله ويؤمنون بالعالم غيباً. فكل منهما يمتثل صورة غير الاخرى، او ان كلاً منهما يتعامل مع إحدى الصورتين كظاهر، ومع الأخرى كمختبئ.
القبليات التصديقية:
أما القبليات التصديقية للاشياء فتأتي بعد أن ينتهي عمل القبليات الصورية من صنع الصور والمعاني، ولا يمكن ان تقوم بدورها ما لم تعتمد اساساً على القبليات الصورية، وعلى نحو الدقة والتحديد انها تعتمد على الصور والمعاني التي تجهزها القبليات الاولى (الصورية).
وتنقسم القبليات التصديقية الى قسمين: قبليات منطقية محايدة، وقبليات مضمونية (غير محايدة). فالاولى تعبر عن جهاز مركب للادراك بعضه موظف للكشف عن العالم الخارجي دون تحديد مسبق، اذ تتصف الممارسة الكشفية بالمنطقية والحياد، كما هو الحال مع مبدأ الاستقراء واعتباراته الاحتمالية، فهو كاشف عن الاشياء دون تحديد مسبق، لهذا يعد من المبادئ المنطقية. في حين تتصف القبليات المضمونية بكونها كاشفة عن غيرها، لكنها ليست من المبادئ المنطقية، باعتبارها تحمل مضامين خاصة قبلية دون حياد، ومن ابرز نماذجها مبدأ السببية العامة، اذ ان هذا المبدأ يفترض سلفاً وجود تضايف بين السبب والمسبب، فاذا ما رأينا مسبباً فإن ذلك يدعو الى الاعتقاد بأن له سبباً ما. كذلك فيما يتعلق بالكشف الوجداني، مثل الكشف الخاص بالعالم الموضوعي ككل، اذ انه مفترض سلفاً، ولم يستنتج بالدليل من الخارج، وبالتالي فانه يعد من القبليات المضمونية غير المحايدة.
وبالتالي يمكن ان نستكشف من ذلك وجود نوعين من التدخلات العقلية، سواء في الادراك او العلم او الفهم، احدهما بسيط، وهو لا غنى عنه في المعرفة مطلقاً، فهو كاشف وان كان له شيء من التأثير البسيط، مثلما يتمثل في القبليات الصورية التي تتداخل فيها الذات مع الموضوع، ومثل ذلك بعض القبليات التصديقية غير المحايدة كمبدأ السببية العامة. اما الثاني فمركب لكونه يخضع لعوامل اضافية من القبليات المختلفة غير الضرورية للمعرفة بنحو الاطلاق، كالقبليات المنظومية والايديولوجية والحدسية وما اليها.
وبذلك يتضح ان القبليات الصورية هي غير القبليات التصديقية، وان الأخيرة عبارة عن صور تنطوي على احكام قبلية. في حين ان الاولى بعضها يعبر عن قوالب صورية يتحقق من خلالها تصورنا للأشياء الحسية، كقالبي الزمان والمكان، في حين ان البعض الاخر عبارة عن جهاز صوري تتأثر به احساساتنا الحسية؛ فتظهر بالشكل الذي نتصورها، وكان من الممكن ان تظهر بشكل اخر لو ان هذا الجهاز طرأ عليه بعض التغير.
وينطبق ما ذكرناه على العلم جملة، اذ له قبليات صورية ينتجها العقل العلمي، ولو لم يكن لها مقابل في الخارج، حيث الواقع مجهول، وكأنه «الشيء في ذاته» العصي عن الادراك. فالنظريات العلمية العالية التعميم هي نظريات صورية لا يفترض مطابقتها للواقع الموضوعي، بل انها اصطلاحية وذات صياغة عقلية محضة، وعلى حد قول فتجنشتاين: «نحن نصنع لأنفسنا صوراً للحقائق، فالصورة هي التي تظهر الحقائق في شكل منطقي». وعلى هذه الشاكلة صرح الاستاذ (تريكر) بأن الصورة هي نموذج للواقع، ونحن الذين نصنع هذه الصورة كنموذج نألفه لنطبقه على الواقع، وإن كنّا لا نعرف عن هذا الأخير شيئاً، انما نكيف انفسنا مع الخبرات الجديدة بتصويرها عبر مساعدة الخبرات الماضية التي نألفها.
هذا فيما يتعلق بقبليات العلم الصورية، أما قبلياته التصديقية فتستند الى مبدأ الاستقراء واعتباراته الاحتمالية، كما تستند الى السببية العامة وافتراض ان هناك واقعاً موضوعياً يُجرى عليه البحث، الى غير ذلك من القبليات التي تساعد على الكشف العلمي. ويلاحظ انه ليس هناك اختلاف بين القبليات التصديقية للعلم عن تلك الجارية في الادراك، ذلك انه في كلا الحالين توجد قبليات منطقية محايدة واخرى مضمونية، وكلاهما يعد من القبليات الكاشفة.
قبليات الفهم الصورية والتصديقية:
كما ينطبق الحال السابق على الفهم الديني، فله قبليات صورية واخرى تصديقية، وان هذه الأخيرة لا تختلف عما عليه الحال في الادراك والعلم، اذ تنقسم الى قبليات منطقية محايدة، واخرى مضمونية. وإن كانت هذه الأخيرة تتلون بالوان مختلفة بحسب المشارب الفكرية والمنظومات المعرفية. بل يمكن القول ان القبليات التصديقية المضمونية، سواء في الفهم او العلم او الادراك، تتخذ شكلين بارزين، احدهما منضبط والاخر غير منضبط، كما سنعرف. أما القبليات التصديقية المحايدة فتتخذ الشكل المنضبط، ويعد مبدأ الاحتمالات العقلية او الاستقراء ابرز ما يمثلها، وهو مبدأ عام يستفاد منه في العمليات الذهنية الثلاث: الفهم والعلم والادراك.
لكن مع الاخذ بعين الاعتبار ان موضوع الفهم الديني هو امر معرفي معبر عنه بلغة النص، وهو بذلك يختلف عن موضوع الادراك والعلم، اذ في كلا الحالين الأخيرين يكون الموضوع ذاتاً وكينونة وليس معرفة كما هو الحال مع موضوع الفهم الديني. لذلك يرد السؤال بصدد الفهم: كيف نتعرف على المعرفة التي يتضمنها النص من وراء حجاب اللغة؟ كما كيف نكشف عن محددات الذهن لهذه المعرفة؟
اذ نواجه - هنا - امرين يتعلقان بالقبليات الصورية والتصديقية. فالمعرفة التي ينطوي عليها النص تتحدد بفعل هذين النوعين من القبليات. وإذا كنّا قد تعرفنا مجملاً على أشكال القبليات التصديقية التي تؤدي دورها في تحديد المعرفة التي ينطوي عليها النص اللغوي؛ بقي ان نتعرف على ما يتعلق بالقبليات الصورية، فهي تحدد المعنى الديني بغض النظر عن الاحكام التصديقية، لأنها مجرد تصورات لمعنى النص، سواء جرى التصديق بها ام لم يجر.
فأول ما يلاحظ ان تصوراتنا لمعاني النص كتبادر اولي متأثرة سلفاً بثقافة العصر والاستخدام الحي للغة، وهي لا تتشكل بمعزل عن ذلك، طالما اننا نتعامل مع نص قد تجرّد عن واقعه الخاص. فحيث ان العرف اللغوي يتغير بفعل تغير الظروف، فسوف يرسم لنا ذلك تصورات نسبية للمعنى، شبيه بتصوراتنا الحسية عن الشيء الخارجي، لأنه واقع بين تأثيرين: الموضوع الخارجي والذات الكاشفة. فمثلاً نحن معتادين على استخدام لفظ (سيارة) في عصرنا الحالي، وعندما نقرأ لأول مرة النص القرآني ((وجاءت سيارة)) منقطعاً عن الاعتبارات الاخرى، فقد يتبادر الى اذهاننا المعنى المتداول حديثاً لهذا اللفظ، فهو ناشئ بفعل القبليات الصورية، لكن لاعتبارات الواقع التاريخي، او ما نسميه (القبليات التاريخية)، فاننا نمنع ان يكون المقصود محمولاً على المعنى السابق.
ان تصور المعنى يبقى اسير عوامل عديدة؛ منها الاعتبارات الحسية والثقافة العصرية، آخذين بنظر الاعتبار صور المعاني المختلفة نسبياً لدى الاذهان، حيث ان معنى اللفظ الذي يظهر في ذهن البعض وان كان له مثيل في ذهن البعض الاخر، لكن درجة ذلك لا تتطابق، إذ لا بد من حدوث تفاوت في المعنى عند التبادر والتصور، فقد يتبادر للبعض زيادة في المعنى دون البعض الاخر، كما ان اللفظ لا يخلو من التأثير النفسي على الذهن، فتبادر المعاني يخلق حالة نفسية مؤثرة على الاذهان؛ طبقاً لاختلاف العوامل البيئية والثقافية والنفسية والبايولجية، وكل ذلك يخلق في الذهن صورة للمعنى لا تتطابق مع ما يحدث في سائر الاذهان الاخرى.
كما قد يتبادر للذهن صور للمعنى ما لا يتبادر للاخر، كالذي تحدّث عنه علماء النفس الجشطالتي بخصوص ادراك الاشياء. فقد يتبادر للقارئ القديم معنى بحسب ثقافة عصره ما لا يتبادر للقارئ المعاصر، والعكس صحيح ايضاً، وقد لا يتنافى التصوران فيظهر احدهما ويختبئ الاخر لاعتبارات الثقافة العصرية او لاعتبارات اخرى؛ كاختلاف القبليات المنظومية وما اليها كما سنعرف.
ومن الامثلة المفيدة في هذا التباين (الجشطالتي) - سواء على نحو التصور او التصديق - ما ورد في تصور معنى قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ))، فالبعض يتصور ان معناه كما يبدو ظاهراً من غير توجيه، وهو ان كل شيء هالك حقيقة لا ان مآله الهلاك، خلافاً لما يراه البعض الاخر من معنى يشير الى المآل. وكلا المعنيين يستبطنان الظهور رغم تضادهما طبقاً لتعارض المنظومتين المعتمد عليهما في الفهم.
تبقى ان وظيفة القبليات الصورية للنص هي اظهار معنى النص في الذهن على شاكلة ما يحدث في حالة ادراك الاشياء الخارجية، وسبق ان اطلقنا على هذا المعنى بالظهور المعنوي للنص. وهو ظهور ذاتي غير متوقف على الارادة التصورية للذهن، وإن كان بامكان هذه الارادة ان تدرّب نفسها لإحضار معاني صورية جديدة كالذي يحصل في حالة ادراك الواقع والتدرب على رؤيته رؤية جديدة مختلفة. في حين ان وظيفة القبليات التصديقية هي الحكم الذي من ابرز مصاديقه الفهم والقراءة، اذ تعتمد على ما يتحقق من الظهور المعنوي للنص. ويمتاز الحكم في هذه الوظيفة بانه متوقف على الارادة التصورية للذهن خلافاً لما يجري في الظهور المعنوي للنص.
وفي النتيجة يتوقف الظهور المعنوي للنص ولنرمز له (ن ع) على كل من القبليات الصورية (ق ص) والنص المجهول (ن)، اي كما هو في ذاته. وبحسب التعبير الرياضي فان:
ق ص + ن ← ن ع
أما الفهم (ف) او القراءة فانه يعتمد على هذه النتيجة المتمثلة بالظهور المعنوي للنص (ن ع) مضافاً الى القبليات التصديقية والتي نرمز لها بـ (ق ت). وبحسب التعبير الرياضي المجمل فان:
ق ت + ن ع ← ف
لكن الفهم (ف) او القراءة هو إما اشارة (ش) او تفسير (س) لذا فبحسب التعبير الرياضي فان:
ق ت ش + ن ع ← ش
أما التفسير (س) فانه يزيد على علاقة الاشارة السابقة بقبليات جديدة هي القبليات التفسيرية، وبالتالي فالعلاقة التفسيرية تكون كالتالي:
ق ت ش + ق ت س + ن ع ← س
واذا كان هناك نوع من الاندماج او الاتحاد بين الاشارة والتفسير كالذي لاحظناه في السابق؛ فان قبلياتهما تكون غير متمايزة، الامر الذي تنطبق عليه العلاقة الرياضية التالية:
2ق ت + ن ع ← س