الاسس المنطقية للفهم
الديني (1)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
خلاصة الدرس الاول:
تناول هذا الدرس عدداً من المحاور، من بينها ما يلي:
1- التمييز بين الاتجاهات المعرفية الابستمولوجية والهرمنوطيقية
فالمقصود من الابستمولوجيا - هنا – هو الدقة المعرفية كما تتمثل في العلوم الطبيعية. اما الهرمنوطقيا فهي فن التأويل كما تتمثل في العلوم الدينية. ومصطلح الهرمنوطيقا مشتق من لفظ يوناني قديم له علاقة بتفسير النصوص، كالذي جرى استخدامه على يد ارسطو. ويتضمن المصطلح إشارة لها دلالة خاصة، وهي الإشارة المتعلقة بهرمس Hermes.
2- نشأة علم هرمنوطيقا النصوص وما طرأ عليها من تغيرات.
لقد بدأ هذا العلم على يد الالماني شلايرماخر خلال القرن التاسع عشر. ومن اهم مميزات شلايرماخر لفهم النصوص الدينية او الادبية هو اهتمامه بالمؤلف من حيث التعرف على مقاصده وسيرته. لكن الامر تحول فيما بعد الى تغييب مقاصد صاحب النص وسيرته كلياً.
تغييب المؤلف والمتلقي الاصلي
لقد تغيرت الصورة السابقة في فترة ما بعد الحداثة، حيث ظهرت فكرة تغييب المؤلف والمتلقي الاصلي كلياً، ونجد ذلك عند الغالب الاعظم من اصحاب القراءات الحديثة. وقد عبّر الناقد الفرنسي رولان بارت عن ذلك بمقولته الشهيرة "موت المؤلف" اي ان المؤلف لا فائدة منه في التعامل مع النص، وليس هذا فقط بل حتى تغيب المتلقي الاصلي وذلك لكي تكون عملية القراءة متجددة دائماً. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: " ما دام النص يفلت من مؤلفه ومن سياقه فإنه يفلت أيضاً من متلقيه الأصلي، وهكذا يهب نفسه قراءً جدداً باستمرار" .
3- مقارنة بين قراءة النص الادبي والنص الديني
لقد تعرض الدرس الى تحديد الغرض من القراءات الحديثة لما بعد الحداثة، فهو يتمثل بالحصول على الثراء المعرفي واقصى حد ممكن من الخصوبة المعنوية او المعرفية للنص. اي يكون النص عرضة لذاتيات القراء. وعليه فاشكالية القراءة الادبية هي اشكالية براجماتية، فالغرض منها هو البحث عن الثراء والعمق وعدم التقيد بقيود مقاصد الكاتب وصاحب العمل الفني؛ طبقاً للاعتبارات النفعية (البراجماتية). في حين يتمثل غرض واشكالية القراءة الدينية بالتطابق، الامر الذي يستدعي معرفة مقاصد صاحب النص الديني.
وبالتالي فمثلما يناسب القراءة الاولى (الادبية) تحقيق الحد الاقصى من الفهم والتأويل للوصول الى الخصوبة وثراء المعنى، فان ما يناسب القراءة الثانية (الدينية) الحد الادنى من الفهم التأويل، وهو الحد الذي يمكن بلوغه عند المستوى الافقي للنص لا العمودي اعتماداً على قرائن الاحتمال.
4- افتراضات الفهم ومسلماته
فهناك مسلمتنان اساسيتان للفهم:
الاولى: الفهم مختلف عن النص
فالفهم هو تعبير عن النص، وان هذا التعبير ليس بالضرورة يطابق النص، فمن الممكن ان يختلف او ينقص او يزيد عليه.
الثانية: يساهم في انتاج الفهم عنصران: الذات البشرية والنص
وبالتالي فالفهم ذو طبيعة اجتهادية.