-
ع
+

تطور الإجتهاد الفقهي

 يحيى محمد

حدث لمفهوم الإجتهاد تطورات عديدة، منذ بداية تأسيسه التنظيري إلى يومنا هذا. ففي البداية لم يكن معنى الإجتهاد يخرج عن القياس أو ما يقابله من الممارسات الإجتهادية الأُخرى المطروحة حول القضايا غير المنصوص فيها؛ مثل الاستحسان والمصالح المرسلة وما على شاكلتها، وبالتالي فإن مفهومه لم يكن دالاً على بذل الجهد لإستنباط الأحكام من النص وفي النص ذاته، كما هو واضح عند المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من المذاهب التي سادت خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة. فقد عُدّ الإجتهاد مصدراً من مصادر التشريع، وبالتالي فهو يقع في نفس القائمة التي تضم المصادر الأساسية للإستنباط، كالكتاب والسنة والإجماع. مما يعني أن آلية إستنباط الأحكام من المصادر الثلاثة لم تفهم بأنها من الإجتهاد. فالإجتهاد لم يصح إلا مع غياب الحكم الشرعي من هذه المصادر.

فمن الناحية المبدئية تتمتع المصادر الثلاثة بدلالة القطع والبيان أو ما يردّ إليهما من ظنون، كتلك المؤسسة على البيان ذاته، مثل حجية الظهور وخبر الواحد، بينما لا يفيد الإجتهاد إلا الظن والرأي. وعليه كان العمل به من موقع الإضطرار طالما ليس هناك حكم للنص أو الإجماع على الواقعة. وكما قال الشافعي - الذي يرادف بين الإجتهاد والقياس -: «ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا، ولكنه منزلة ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود»[1]. فالإجتهاد إنما يباح للمضطر كما تباح الميتة والدم عند الضرورة فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[2]

لذلك تحفّظ السلف الأوائل من الفتوى وفقاً لما يُنقل عنهم، ومن الشواهد المنقولة أن البراء قال: «لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم من أحد إلا وهو يحب ان يكفيه صاحبه الفتيا». وقال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الانصار من أصحاب رسول الله (ص) يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها الى هذا، وهذا الى هذا، حتى ترجع الى الأول، وما منهم من أحد يحدّث بحديث، أو يسأل عن شيء إلا ودّ أخاه لو كفاه؟ وجاء عن ابن عباس انه قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي. وقال عطاء بن السائب: ادركت اقواماً إن كان احدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وانه ليرعد. وكان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي، ولا يقول إلا قال: اللهم سلمني، وسلم مني. وقال أبو حصين الأسدي: «إن احدهم يفتي في المسألة لو عرضت على عمر لجمع لها اهل بدر». وقال عقبة بن مسلم: «صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يُسأل، فيقول: لا أدري !». وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالكاً سُئل عن ثمان واربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا ادرى. وقيل ربما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها. وقال أبو نعيم: ما رأيت عالماً أكثر قولاً لا أدري من مالك بن انس. وكان مالك يقول: «من سُئل عن مسألة، فينبغي له قبل ان يجيب فيها ان يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها». وقال ابن القاسم: «سمعت مالكاً يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي الى الان». وقال سفيان بن عيينة وسحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا اقلهم علماً[3].

كما كان العديد من السلف لا يحرم ولا يحلل الا بنص صريح، وانما يقول أكره واستحسن. وروي ان هذا الوصف ينطبق على سيرة مالك بن انس الذي يعقب على ما يفتي به بقبس من القرآن: ((إنْ نظنُّ الا ظناً، وما نحن بمستيقنين)) الجاثية/32([4]) . فهو يقول: ما من شيء أشد عليّ من أن أُسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كان الموت أشرف عليه. وقال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا الذين يقتضى بهم ومعول الإسلام عليهم أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ولكن يقول أنا أكره كذا وأرى كذا، وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله أما سمعت قول الله تعالى: ((قل أرأيتُم ما أنزلَ اللهُ لكم من رزقٍ فجعلتم منه حراماً وحلالاً، قل أاللهُ أذنَ لكم أم على الله تفترون)) يونس/59، لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه([5]).

ويؤيد هذا ما ورد في صحيح مسلم في رواية عن النبي (ص) انه اذا أمّر أميراً على جيش او سرية أوصاه ومن معه بأن يجتهد في الحكم برأيه - على من حاصرهم - دون ان ينسب ذلك الى الله، ومما جاء في وصيته: «واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فانك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا»([6]). وعلى هذه الشاكلة روى ابو يوسف عن أبي وائل، قال: أتانا كتاب عمر (بن الخطاب) ونحن بخانقين: وفيه قوله: «واذا حاصرتم حصناً فأرادوكم أن ينزلوا على حكم الله، فلا تنزلوا فانكم لا تدرون أتصيبون فيهم حكم الله أم لا، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا بعد فيهم بما شئتم»([7]) .

وجاء عن بعض السلف قوله: ليتق أحدكم أن يقول أحلّ الله كذا وحرم كذا؛ خشية أن يقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا([8]).

هكذا لم يُقحم الفقهاء الأوائل (الاجتهاد) في دائرة النص، خصوصاً وانهم أخذوا على عاتقهم مبدأ عدم التكثير في السؤال وتشقيق النصوص، وهو مبدأ طالما أكدت عليه بعض المرويات النبوية، ومن ذلك ما رواه البخاري ضمن باب (ما يكره من كثرة السؤال) عن النبي (ص): «إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرّم من أجل مسألته»([9]). وقد جرت على ذلك سيرة الصحابة كما يطلعنا عن ذلك ابن عباس في قوله: ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله (ص) ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلّهن في القرآن، منهن: يسألونك عن الشهر الحرام...الخ([10]). لهذا قال بعض السلف وهو يخاطب معاصريه: انكم تسألون عن أشياء ما كنّا نسأل عنها، وتنقّرون عن أشياء ما كنّا ننقّر عنها، وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي. وعن عمر بن اسحاق انه قال: لمن أدركت من أصحاب رسول الله (ص) أكثر ممن سبقني منهم فما رأيت قوماً أيسر سيرة ولا أقل تشديداً منهم([11]). وقال مالك: ادركت اهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فاذا نزلت نازلة جمع الامير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه انفذه، وانتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله([12]).

وعلى العموم كان السلف الأوائل يخشون كثرة السؤال وهم يدركون ما يترتب عليه من زجّ النص في حبائل الاجتهاد. حتى جاء عن الكثير من العلماء قولهم: التكثير من السؤال في المسائل الفقهية هو تكلف وتنطع فيما لم ينزل، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف([13]).

بداية التنظير

إن أول صورة منظّرة وصلتنا عن مبدأ الإجتهاد الفقهي هي تلك التي رسمها مؤسس علم الأُصول الشافعي (المتوفى سنة 204هـ). أما قبل هذا الامام فلم يردنا شيء بخصوص التنظير، انما كانت هناك قواعد معتمدة للاجتهاد يمارسها الفقهاء؛ كتلك التي اعتمد عليها ابو حنيفة مثل مبدأ الاستحسان([14])، او تلك التي استند اليها مالك مثل المصلحة المرسلة او الاستصلاح([15]). وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي. وقال الجويني في شرح الرسالة: لم يسبق الشافعي أحد في تصانيف الأصول ومعرفتها([16]).

ومن حيث التنظير يرادف الشافعي بين الإجتهاد والقياس؛ في الوقت الذي لا يجد لهذا الإجتهاد،  أو القياس منه بالذات، أساساً منصوصاً عليه من قبل الشرع، لهذا فهو يثير تساؤلاً بهذا الشأن ليجيب عليه فيقول: «فمن أين قلتَ يقال بالقياس فيما لا كتاب فيه ولا سنة ولا إجماع؟ أفبالقياس نص خبر لازم؟ قلتُ: لو كان القياس نص كتاب أو سنة قيل في كل ما كان نص كتاب (هذا حكم الله)، وفي كل ما كان نص السنة (هذا حكم رسول الله)، ولم نقل له قياس. قال: فما القياس؟ أهو الإجتهاد؟ أم هما مفترقان؟ قلت: هما إسمان لمعنى واحد...» ([17]).

ومع ذلك فقد استدل الشافعي على صحة القياس جملة من النص ولكن بصورة غير مباشرة، فتساءل ليجيب قائلاً: «أفتجد تجويز ما قلتَ من الإجتهاد، فتذكره؟ قلتُ نعم إستدلالاً بقول الله: ((ومن حيث خرجتَ فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره)). قال: فما (شطره)؟ قلت: تلقاءه... فالعلم يحيط أن من توجّه تلقاء المسجد الحرام ممن نأتْ داره عنه على صواب بالإجتهاد للتوجه إلى البيت بالدلائل عليه، لأن الذي كُلّف التوجه إليه، وهو لا يدري أصاب بتوجهه قصد المسجد الحرام أم أخطأه، وقد يرى دلائل يعرفها فيتوجه بقدر ما يعرفه، ويعرف غيره دلائل غيرها بقدر ما يعرف وإن إختلف توجههما...» ([18]).

هكذا نفهم بأن الشافعي لا يرد القياس إلى النص مباشرة، وهو وإن استدل على الاجتهاد من خلال نص الحديث، لكن ذلك كان بصدد القضاء، لا بمعناه المصطلح عليه، ولا بمعنى القياس الذي حاول الشافعي أن يستدل عليه بالقرآن. وهو في طريقته في الإستدلال على القياس إنما استند إلى القياس ذاته، وبالتالي فإنه يصادر على المطلوب. حيث كيف يصح له أن يستدل على القياس من خلال فهم طلب التوجه إلى المسجد الحرام في الآية لولا أنه قاس هذه القضية على غيرها؟!

مهما يكن فقد كثر الجدل حول مسند القياس وغيره من موارد الإجتهاد الأُخرى. وموقف الشافعي بهذا الخصوص ربما لا يختلف عما ينسب إلى مواقف المذاهب الثلاثة الأُخرى (الحنفي والمالكي والحنبلي)، سيما ان القائمة التي تضم مبدأ الاجتهاد هي نفسها التي يُذكر فيها النص كمصدر للتشريع. فحينما يعدد أتباع المذاهب الأربعة مصادر التشريع يضعون أنواع الإجتهاد مع أنواع النص وملحقاته جنباً إلى جنب، رغم أنهم يميزون بينهما من حيث الرتبة والدرجة.

فالقرافي المالكي يُحصي في (تنقيح الأُصول) أُصول مذهب مالك ويعددها كالآتي: القرآن والسنة والإجماع، وإجماع أهل المدينة وقول الصحابي، والقياس والمصالح المرسلة والعرف والعادات والإستحسان وسد الذرائع والإستصحاب([19]).

كما أن الشاطبي في (الموافقات) حاول أن يرد أدلة المذهب المالكي إلى أربعة؛ جامعاً فيها النص والإجتهاد معاً. فهو يرى أن هذه الأدلة عبارة عن الكتاب والسنة والإجماع والرأي، معتقداً أن مالكاً كان يرى (السنة) متضمنة لكلٍّ من عمل أهل المدينة وقول الصحابي، وأن لفظة (الرأي) تتضمن كلاً من المصالح المرسلة والإستحسان والإستصحاب وسد الذرائع والعادات([20]).

وأيضاً فإن الطوفي الحنبلي - ومن قبله القرافي - قد أحصى الأدلة بين العلماء عموماً فوجدها لا تزيد على تسعة عشر دليلاً، وهي كلٌّ من النص والإجتهاد معاً، حيث حددها بكل من: الكتاب والسنة وإجماع الأُمة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والإستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد أو العادات والإستقراء وسد الذرائع والإستدلال والإستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العترة وإجماع الخلفاء الأربعة([21]).

كل ذلك يتسق مع الفهم الخاص للإجتهاد من كونه ليس مستلهماً من النص مباشرة، ولا أنه موضوع حول فهمه بالذات، بل بالعرض. فهذا هو حال ما كان عليه العصر الذي ضمّ أئمة المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها.

تغير مفهوم الإجتهاد وإتساعه

مع مرور الزمن أخذ مفهوم الإجتهاد يتسع ويتغير، فقد كسب هذا المفهوم معنى شمل فيه حالة الإجتهاد في النص، ولم يبقَ حبيساً وموقوفاً على ما لا نص فيه كما عهدناه في السابق. كما ظهرت محاولات واسعة للإستدلال بالنص على قضايا الإجتهاد، سيما القياس منه. ومن ذلك شاع الإستدلال على جواز العمل بالإجتهاد بدعوى الإجماع وذكر بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتضمن عدم الممانعة من العمل به حين عدم توفر النص، كالاستدلال بحديث معاذ بن جبل. ويبدو ان الشافعي لم يعول على هذا الحديث باعتباره مرسلاً، فكما نصّ الآمدي ان المرسل عند الشافعي ليس بحجة([22])، ومعلوم أن الشافعي لا يأخذ بالمرسل الا بشروط([23]). لكنه مع هذا استدل على الاجتهاد برواية اخرى تتعلق بالقضاء، اذ روى عن عمرو بن العاص - وكذا عن أبي هريرة - أنه سمع رسول الله (ص) يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»([24])، وهي الرواية التي يوردها البخاري ومسلم في صحيحيهما عن هذين الصحابيين([25]). لكن العلماء الذين جاءوا بعد الشافعي لم يكتفوا بالقدر الضيق الذي اعتمده الشافعي في الاستدلال على الاجتهاد، بل وسّعوا من هذه الدائرة؛ فاستدلوا عليه بمختلف الأدلة، سواء من حيث النصوص القرآنية، او الأحاديث الكثيرة، او دعوى الاجماع، او سيرة الصحابة واقوال الخلفاء الراشدين، مثلما يُنقل عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

أما من حيث إتساع مفهوم الإجتهاد، فقد ذكر العلماء المتأخرون ان الاجتهاد ينطبق على قضايا النص ولا يقتصر على الوقائع غير المنصوص فيها، كالذي يوضحه ما قاله أبو الحسين البصري (المتوفى سنة 436هـ): «وأعلم أن الفقهاء يعدّون من مسائل الإجتهاد ما يستدل عليه بالكتاب كالنية في الوضوء والترتيب وأن (الواو) للترتيب أو للجمع..»([26]).

وذكر أبو اسحاق الشيرازي بأن الإجتهاد هو «بذل الوسع وبذل المجهود في طلب الحكم الشرعي ممن هو من أهله»([27]). كما ذكر القاضي ابو بكر بن العربي بأن الإجتهاد هو بذل الجهد واستنفاذ الوسع في طلب الصواب او الحكم بحسب الظن([28]). ومثل ذلك ما صرح به ابن رشد، حيث عرّفه بأنه بذل المجتهد وسعه قي الطلب بالآلات التي  تشترط فيه، بحسب الظن([29]). وكذا ما قاله البيضاوي والسبكي وهو أن الاجتهاد عبارة عن استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية([30]). وعلى هذه الشاكلة صرح تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي وشارح كتابه (جمع الجوامع) شمس الدين المحلي بأن الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي([31]). كما عرّفه البعض بأنه «بذل الجهد وغاية الوسع إما في إستنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، وإما في تطبيقها»([32]).

ومن جهته صرح الغزالي في كتابه (المستصفى) بأن الاجتهاد هو «بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة»)[33](. بل أكثر من ذلك فإن هذا الإمام لم يعتبر دائرة الإجتهاد خارجة عن دائرة النص، بدلالة أنه يعد أُصول الأدلة أربعة، هي: الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل والإستصحاب الدالين على براءة الذمة في الأفعال قبل ورود السمع)[34](. ومثل ذلك وقبله نجد تعريف الإجتهاد عند إبن حزم (المتوفى سنة 456هـ) مقيداً بما هو منصوص باعتباره ينكر قضايا الإجتهاد فيما لا نص فيه. إذ يعرفه بأنه «بلوغ الغاية وإستنفاد الجهد في المواضع التي يرجى وجوده فيها في طلب الحق فمصيب موفق أو محروم»)[35](. او انه عبارة عن: انفاد الجهد في طلب الحكم في الدين في القرآن والسنة والإجماع)[36].(

وعلى هذه الوتيرة ظهر مفهوم الإجتهاد لدى الآمدي والفتوحي والشنقيطي ومحب الله بن عبد الشكور وعلاء الدين البخاري وغيرهم من المتأخرين)[37](. وبعضهم بسطه على ساحة العقليات، كما هو الحال مع الشيخ ابي محمد السالمي (المتوفى سنة 1332هـ) الذي عرفه بأنه «استفراغ الفقيه الوسع في استحصال حادثة بشرع أو عقل، وانما قلت كذلك ليشمل العقليات فان فيها الاجتهاد ايضاً»)[38].(

هكذا يلاحظ أن معظم تعاريف الإجتهاد، كالتي ذكرناها، لها صفة الاطلاق والعموم، أو أنها تجعل موضوعها الأساس هو النص وليس قضايا ما لا نص فيه. فشتان بين المفهوم القديم للإجتهاد كما حدده الشافعي وبين ما استحدثه الأتباع فيما بعد. إذ كان التحديد الأول ينحصر ضمن (الإنتاج المعرفي) الخاص بالإجتهاد فيما لا نص فيه، بينما شمل التحديد الأخير مجال «فهم النص» ووضع تفاوتاً بيّناً بين الفهم والشريعة.

نهاية الإجتهاد عند السنة

إختلف الباحثون في تحديد السبب الذي جعل الفقه ينقلب من كونه مادة للإجتهاد إلى شكل من أشكال التقليد. وهو المعروف بسد باب الإجتهاد كما حدث منذ القرن الرابع الهجري. إذ حُصرت المذاهب الفقهية بالاربعة المعروفة مع عدد قليل غيرها، ونقل القاضي عياض (المتوفى سنة 544هـ) ان الناس اجمعوا على جواز تقليد المذاهب الاربعة والسفيانية والاوزاعية والداودية دون غيرهم. لكن الى زمانه لم يبق من المذاهب المذكورة غير المذاهب الاربعة ومذهب داود)[39](. واستمر العمل بهذه المذاهب حتى نهاية القرن الثامن الهجري، فكما صرح ابن فرحون (المتوفى سنة 799هـ) بقوله: صار الناس اليوم في أقطار الأرض على خمسة مذاهب: مالكية وحنبلية وشافعية وحنفية وداودية، وهؤلاء الاخيرون هم المعروفون بالظاهرية)[40](. ثم بعد ذلك آل الامر الى بقاء المذاهب الاربعة دون غيرها.

ونُقل ان المجتهد المطلق - سواء المستقل أو المنتسب - قد فُقد منذ عهد قريب من عصر الشافعي. ونقل ابن الصلاح عن بعض الأصوليين أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل)[41](. ونصّ على انعدامه بعد عصر الائمة الفخر الرازي ثم الرافعي والنووي؛ معولين على ان الناس «كالمجمعين اليوم على انه لا مجتهد». وقبلهم أشار الغزالي في (الإحياء) الى أن حكم كل أهل العصر عدم بلوغ رتبة الاجتهاد، وانما يفتي الفقيه فيما يُسأل عنه نقلاً عن مذهب إمامه. وعلل سبب ذلك بأن الاجتهاد متوقف على تأسيس قواعد اصولية وحديثية وغيرهما يستنبط منها المجتهد استنباطاته وتفريعاته، وهذا التأسيس هو الذي أعجز الناس عن بلوغ مرتبة الاجتهاد المطلق)[42](. ونقل إبن عابدين الحنفي عن بعض رسائل إبن نجيم قوله: «إن القياس بعد الأربعمائة منقطع»)[43].(

فهذا هو موقف جمهور الفقهاء، وهو أن شروط الاجتهاد المطلق لم تتحقق في شخص من علماء القرن الرابع فما بعده، وان من ادعى منهم لا تسلم له دعواه، ضرورة ان بلوغها لا يثبت بمجرد الدعوى)[44](. حتى قيل ان الطبري صاحب التفسير والتاريخ ادعى لنفسه بلوغ رتبة الاجتهاد المطلق؛ الا ان فقهاء عصره لم يتقبلوا دعواه، فما بالك بغيره ممن هو في العصور البعيدة)[45](. وقد ذكر السيوطي في تعريفه للطبري (المتوفى سنة 310هـ) بأنه أحد الأئمة، اذ جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. وله كتاب (أحكام شرائع الإسلام) وهو مذهبه الذي اختاره واحتج له، وكان أولاً شافعياً ثم انفرد بمذهب مستقل وأقاويل واختيارات، وله أتباع ومقلدون، وله في الأصول والفروع كتب كثيرة. ويقال إن المكتفي أراد أن يوقف وقفاً تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف، فأجمع علماء عصره بأن الطبري هو الوحيد القادر على مثل هذه المهمة، وبالفعل انه أملى كتاباً بهذا الشأن، فأُخرجت له جائزة سنية لكنه أبى أن يقبلها)[46].(

وعليه قام الفقهاء بمنع أهل العصور التالية من الاستنباط من الايات والاحاديث، واوجبوا عليهم الأخذ بأقوال الائمة واتباعهم في كل ما يقولون من الأحكام الفقهية وتفسير الايات القرآنية والاحاديث النبوية، معتبرين انه بدون ذلك يلزم الضلال والالحاد في الدين، لأن كثيراً من الايات والاحاديث يعارضها مثلها من النصوص، ولا اطلاع لغير المجتهدين على ذلك الا بالنقل عنهم، وبعضها منسوخ وبعضها مخصوص ومجمل ومتشابه وغير ذلك. فهذا هو معنى قول الأكثرين بجواز خلو الزمان حتى عن مجتهد المذهب)[47].(

وقد لاقى هذا المنع رواجاً كبيراً في المذهبين الحنفي والشافعي وأقل منهما في المذهب المالكي)[48](. لكن الأقلين رفضوه، كالحنابلة الذين أوجبوا ان لا يخلو عصر من العصور عن المجتهد ليتمكن من استنباط الأحكام، وإن سلّموا بخلو الزمان عن المجتهد المستقل، فبنظرهم ان المجتهد يتبع الدليل، وهم ينتسبون الى ابن حنبل لميلهم لعموم أقواله كما أفاد ذلك ابن الجوزي)[49].(

وقد نصّ السيوطي وغيره على تعذر إمكان إحداث المجتهد المستقل بعد القرون الثلاثة، فذكر بأن «هذا القسم قد فُقد من دهر، بل لو أراده الانسان اليوم لامتنع عليه ولم يجز له، نصّ عليه غير واحد». وقال ابن برهان من الشافعية بأن «اصول المذاهب وقواعد الأدلة منقولة عن السلف فلا يجوز ان يحدث في الأعصار خلافها». وقال ابن المنير من المالكية بأن «أتباع الائمة الان الذين حازوا شروط الاجتهاد مجتهدون ملتزمون ان لا يحدثوا مذهباً، أما كونهم مجتهدين فلأن الاوصاف قائمة بهم، وأما كونهم ملتزمين ان لا يحدثوا مذهباً، فلأن إحداث مذهب زائد بحيث يكون لفروعه اصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين متعذر الوجود لاستيعاب المتقدمين سائر الاساليب»)[50].(

واوضح السيوطي في رده على جمهور الفقهاء بأن المجتهد المطلق أعم من المجتهد المستقل، واذا كان المستقل قد تعذر وجوده بعد عصر الائمة فان المجتهد المنتسب او غير المستقل باقي أبد الدهر، مستدلاً على ذلك بقول النبي (ص): «يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الامة امر دينها»، مانعاً الاستدلال بأن المراد بمن يجدد أمر الدين هو من يقرر الشرائع والاحكام لا المجتهد المطلق)[51].(

وقريب من الموقف العام لجمهور الفقهاء ذهب إبن خلدون الى ان سبب اغلاق باب الاجتهاد يعود إلى كثرة ما تشعب من الإصطلاحات والمعارف في العلوم مع تباعد الزمن، إذ صار من الصعب الوصول إلى مرتبة الإجتهاد، لذا خشي أن يمتد من هو غير أهل لذلك ممن لا يوثق برأيه ولا دينه، الأمر الذي حدا بالفقهاء الى اظهار عجزهم عن الوصول إلى تلك المرتبة وأوصوا الناس بتقليد أئمة المذاهب)[52](. ومثله ما ذهب اليه حديثاً الشيخ علي الطنطاوي، حيث اعتبر الفقهاء هم الذين أمروا باتباع أحد المذاهب المعروفة وذلك «لما رأوا غلبة العجز على الناس، ولئلا يصير الأمر فوضى، فيدعي كل واحد انه صار ابا حنيفة او الشافعي كما هو الان»)[53].(

لكن الشاه ولي الله دهلوي عزا السبب في ذلك إلى ما ظهر من كثرة الجدل والخلاف بين الفقهاء مع إزدياد جور القضاة، مما جعل إنقطاع ذلك لا يكون إلا بإتباع تصريح رجل من المتقدمين في المسائل المختلف حولها، أو في حالة القضاء كان الناس لا يأمنون إلا بوجود شيء قد قيل من قبل. الأمر الذي جعلهم يطمئنون بالتقليد الذي دبّ في صدورهم دبيب النمل وهم لا يشعرون)[54].(

ويميل الشيخ محمد جواد مغنية إلى أن السبب الوحيد لسد باب الإجتهاد هو تخوف بعض حكام ذلك الزمان من حرية الرأي والقول على نفسه وعرشه، فاحتال وتذرّع «كي ينكّل بكل حر يأبى التعاون مع دولته على الفسق والفجور»)[55].(

وعلى خلاف هذا الرأي هناك من يقول بأن الفقهاء قد ضاقوا ذرعاً بما كان يطلبه منهم الأُمراء من فتاوى تحلل لهم ما يريدون، فاضطرهم الأمر إلى أن يجتمعوا ويصمموا على إغلاقه ليسدوا الباب في وجه أهواء الأُمراء)[56].(

مع هذا قد يتساءل المرء عن علة حصر المذاهب بالاربعة المعروفة دون غيرها على كثرتها؟

فبحسب تعليل المتأخرين انه يرجع الى كونها قد دُونت وانتشرت بخلاف غيرها. لهذا رأى الشيخ تقي الدين بن الصلاح - كما ينقل القرافي - ان التقليد يتعين بالائمة الاربعة دون غيرهم باعتبار ان مذاهبهم قد انتشرت وانبسطت دون غيرها، وهو ما يبرر البقاء عليها لكمالها من هذه الجهة)[57].(

بل ادعى البعض الاجماع على ذلك كما هو قول ابن الهمام)[58](. ومثل ذلك ما ذكره الراعي وهو يتساءل عن علة وجوب اتباع الائمة الاربعة دون غيرهم فقال: «سمعت شيخنا وسيدنا قاضي القضاة بغرناطه ابا القاسم محمد بن سراج أعزه الله يقول: انما ذلك لكثرة أتباعهم عرفت مذاهبهم وتحققت، وتواترت أقوالهم عند ارباب مذاههم، وانعقد الاجماع على اتباعهم والاقتداء بهم فلا يجوز لأحد اليوم ان يخرج عن المذاهب الاربعة»)[59].(

لكن من وجهة نظر تاريخية سياسية نرى ياقوت الحموي يعتقد بأن القادر العباسي المتخلف (سنة 381هـ) أمر أربعة من علماء الإسلام أن يصنف كل واحد منهم مختصراً على مذهبه، فصنف الماوردي الشافعي (الإقناع)، وصنف أبو الحسين القدوري مختصراً على مذهب أبي حنيفة، كما صنف أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن نصر المالكي مختصراً على مذهب مالك، إلا أنه لم يعرف من صنف على مذهب أحمد بن حنبل. ولما عُرضت هذه المصنفات على القادر قَبِلها وأمضى العمل عليها)[60].(

وعند الشيخ (أبو زهرة) أن العلة في ذلك تتشعب إلى عدة دواعي: منها ما يعود إلى التعصب المذهبي، كذلك بسبب تدوين المذاهب ووفرة الثروة الفقهية الجاهزة، حيث به أصبح تناول الأحكام سهلاً، وأيضاً بسبب ولاية القضاء، إذ كان تقليد القاضي بمذهب يرتضيه الخليفة سبباً في اكتفاء الناس به وإقبالهم عليه)[61].(

وأخيراً فإن هناك من رأى أن السبب في السد وحصر المذاهب هو لكثرة تشتت المذاهب في الفروع وإختلاف الآراء، الأمر الذي جعل الدولة تلجأ إلى تقليلها في مذاهب محصورة، وذلك من خلال دفع قيمة مالية باهضة على كل مذهب يريد لنفسه الإعتراف به رسمياً. فقد جاء في كتاب (رياض العلماء) للإصفهاني نقلاً عن كتاب (تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب) لبعض المؤلفين من بني أعمام الشريف المرتضى ما ملخصه: أنه إشتهر على ألسنة علماء الشيعة الرأي القائل بأنه لما رأى أهل السنة - في زمن الخلفاء - تشتت المذاهب في الفروع وإختلاف الآراء، بحيث لا يمكن ضبطها، اذ كان لكل واحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم مذهب برأسه في المسائل الشرعية والأحكام الدينية، لذا لجأوا إلى تقليلها وجعلها محصورة في عدد من المذاهب. كذلك انه لما اضطرب الحال لدى أهل السنة فيما بعد، لجأ رؤساؤهم وإتفقت كلماتهم وعقيدة عقلائهم على فرض مبلغ كبير من المال على أصحاب كل مذهب، والتمسوا آلاف الدراهم والدنانير من أرباب الآراء في ذلك المقال. فالحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية لوفور عدّتهم جاؤوا بما طلبوه، فقرروهم على عقائدهم. وكلفوا الشيعة المعروفة في ذلك العصر بالجعفرية لتقديم ذلك المال، ولما لم يكن لهم كثرة مال توانوا في الإعطاء ولم يمكنهم ذلك. وكان ذلك في عصر السيد المرتضى الذي كان رأسهم ورئيسهم، وقد بذل جهده في تحصيل المال وجمعه من الشيعة فلم يتيسر له، حتى أنه كلفهم بأن يأتوا بنصف ما طلبوه ويعطي النصف الآخر من خاصة ماله، فما أمكن للشيعة هذا العطاء، فلذلك لم يدخلوا مذهب الشيعة ضمن تلك المذاهب، وأجمعوا على صحة خصوص المذاهب الأربعة وبطلان غيرها)[62](. وقد نقل الخوانساري ذلك وعلّق عليه بقوله: «يؤيد هذا التفصيل ما ذكره صاحب (حدائق المقربين) بأن السيد المرتضى (ره) واطأ الخليفة - وكأنه القادر بالله - على أن يأخذ من الشيعة مائة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد تلك المذاهب وترفع التقية والمؤاخذة على الإنتساب إليهم، فتقبّل الخليفة، ثم أنه بذل لذلك من عين ماله ثمانين ألفاً، وطلب من الشيعة بقية المال فلم يفوا به»)[63].(

مهما يكن فعلى الرغم من أن التقليد ساد قروناً طويلة إلى يومنا هذا بسبب إغلاق باب الإجتهاد، إلا أن هناك العديد من الفقهاء الكبار لم يستجيبوا إلى حكم ذلك الإغلاق، فدعوا إلى الإجتهاد لكل من يقدر عليه، وإن بحدود ما أُطلق عليه المنتسب، وكان منهم إبن تيمية وتلميذه إبن القيم الجوزية، وإبن حجر العسقلاني وتلميذه جلال الدين السيوطي، فضلاً عن بعض الحركات الحديثة التي سادت في العالم الإسلامي كحركة الوهابية في الحجاز والحركة السنوسية في ليبيا والمهدية في السودان، مضافاً إلى بعض المصلحين كالشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا وشيخ الأزهر المراغي وغيرهم.

مفهوم الإجتهاد في الدائرة الشيعية

كان ذلك بخصوص الدائرة السنية، أما بخصوص الدائرة الشيعية فالمقرر مبدئياً هو أن الإجتهاد ليس إنتاجاً للمعرفة كما في القياس والإستحسان والمصالح المرسلة، بل هو فهم للنص طبقاً لشروطه الخارجية والداخلية، أي شروط السند والمتن، حيث وُضع الإجتهاد أساساً لهذه الإعتبارات؛ من حيث أنه يعني إفراغ الجهد والوسع لإستنباط الحكم من النصوص، كما تقرر صراحة لدى المحقق الحلي (المتوفى سنة 676هـ أو 726هـ)، مما يعبر عن إمتداد لما آل إليه النظر السني. فقد كان المحقق الحلي يقول: إن الإجتهاد «هو في عرف الفقهاء بذل الجهد في إستخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الإعتبار يكون إستخراج الأحكام من أدلة الشرع إجتهاداً على إعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر، سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره، فيكون على هذا التقرير أحد أقسام الإجتهاد. فإن قيل: يلزم ـ على هذا ـ أن يكون الإمامية من أهل الإجتهاد. قلنا: الأمر كذلك، لكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الإجتهاد، فإذا استثني القياس كنّا من أهل الإجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس»)[64].(

وبالفعل يعترف بعض المعاصرين من فقهاء الشيعة بهذا الامتداد. فقد كسب مفهوم الإجتهاد لدى السنة معنىً جديداً، كما عند الغزالي (المتوفى سنة 505هـ)، وأخذ الإستعمال بمعنى الرأي والقياس يقل ويضعف منذ ذلك الحين ليتجه أكثر إلى المجاهدة العلمية في طلب الأحكام، فحينها وبعد «هذا التحول والإنقلاب بدأت الكلمة تأخذ طريقها إلى فقه الشيعة أيضاً»)[65].(

لكن مفهوم الإجتهاد في الدائرة الشيعية لا يعطي مدلول الإمتداد لما آل اليه النظر السني فحسب، وإنما هناك جانب الإنفصال عنه في الوقت نفسه. فقد كانت آلية إستنباط الحكم من النص مقررة منذ بداية التنظير لدى الإتجاه الشيعي، بالرغم من وجود تحفظ على لفظة (الإجتهاد)، حيث في تلك الفترة كان هذا الإصطلاح حاملاً للمعنى الذي يتعامل به الإتجاه السني، كمرادف للقياس وما على شاكلته، والذي يخص القضايا غير المنصوص فيها. لهذا كانت عبارات المنظّرين من قدماء الشيعة تفوح برفض الإجتهاد وتحريم العمل به، كما هو الحال عند المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي)[66].(

مع ذلك فهناك إختلاف فيما تفضي إليه آلية فهم النص في عملية إستنباط الحكم الشرعي. فبعض العلماء يعتقد بأن هذه الآلية تفضي إلى القطع أو العلم، بما يجعل التطابق بين الفهم والنص تامة، كما هو الحال مع رأي الشريف المرتضى وابن ادريس الحلي وإبن زهرة والمحدث محمد أمين الإسترابادي وأتباعه ([67]). بل لا يستبعد القول ان هذا هو مسلك جميع المتقدمين من الامامية حتى مجيء المحقق الحلي، او ابن اخته الملقب بالعلامة الحلي، خلال القرنين السابع والثامن الهجريين، باستثناء البعض كالشيخ الطوسي.

ويؤيده ان الامدي الشافعي (المتوفى سنة 631هـ) كان يضع الامامية ضمن الاتجاهات التي لا ترى للمخطئ في الاجتهاد عذراً يسامح عليه، بتبرير مفاده انه ما من مسألة الا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق، وهو الرأي المنسوب الى بعض المعتزلة مثل بشر المريسي وابن عُليه وابي بكر الاصم، كذلك نفاة القياس كالظاهرية والامامية([68]).

لكن على خلافهم ذهب الإتجاه العام من الشيعة، كما هو الحال مع المتأخرين، حيث تقرر بأن آلية الفهم غالباً ما تفضي إلى الظن بالحكم الشرعي، وبالتالي فهم لا يمانعون من الإقرار بوجود خلخلة واسعة في علاقة التطابق بين الفهم والخطاب الديني.

تطور الإجتهاد عند الشيعة

لقد كانت الخلخلة في العلاقة بين الفهم والخطاب لدى المحقق الحلي مقتصرة على كل ما هو نظري وغير ظاهر من النص المباشر في الغالب، لكن الأمر عند المتأخرين إمتد إلى أكثر من هذا. فهو قد لاح ظاهر النص ولم يتوقف عند حدود الإطارات النظرية للنصوص. وتجاوز الأمر عند البعض فأخذ أبعاداً أوسع من ذلك؛ كالذي تحدثنا عنه في بعض الدراسات المستقلة([69]).

تبقى القضايا غير المنصوص فيها، أو التي يعجز إستنباطها بواسطة فهم الخطاب، وهي ما يتضمنها الإنتاج المعرفي، وقد تعامل معها فقهاء الامامية باعتبارات مختلفة. فاذا غضضنا الطرف عن الاتجاه الذي يتوقف دون ابداء رأي فيها، كما هو حال الاخباريين، سواء القدماء منهم او المتأخرين الذين نظّروا للطريقة الاخبارية، فان هناك ثلاثة مواقف مختلفة كالاتي:

الأول: وهو الموقف الذي عالج تلك القضايا وفق قاعدة القياس. ويعد أول المواقف الثلاثة من الناحية التاريخية، بل اكثر من هذا يعد اول ممارسة اجتهادية لدى الشيعة، كالذي ظهر لدى ابن الجنيد وابن أبي عقيل العماني. ومن الغرابة حقاً ان يحصل ذلك في وسط معبأ بكثرة الرواية والاخبار ونقد القياس والرأي والاستحسان وسائر صور الاجتهاد. واغرب من ذلك ان جماعة من أصحاب الائمة كانوا يعملون بذلك النوع من الاجتهاد، ومنهم من عُرف بقوة الوثاقة والجلالة، كالذي يطلعنا عليه الشريف المرتضى، وهو ان في رواة الشيعة من يقول بالقياس ويذهب اليه في الشريعة، كالفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن وجماعة معروفين([70]). ويؤيده اتهام الشيخ الصدوق للفضل بن شاذان بانه كان يعمل بالقياس([71]).

الثاني: وهو الموقف الذي اعتبر تلك القضايا عائدة الى قطعيات العقل، كالذي ظهر لدى المنظرين للفكر الشيعي في عصر الغيبة، وهم المفيد والمرتضى والطوسي، واستمر قروناً طويلة، اذ ساد الاعتقاد بجعل تلك القضايا عائدة إلى أحكام العقل كالبراءة والإستصحاب... الخ. ففي البداية كان المعتقد بأن هذه الأحكام هي احكام الهية قطعية، ثم مع مرور الزمن ظهر من يقول بأنها ظنية.

 

الثالث: انه بفعل الصراع الأُصولي الإخباري، وربما قبل ذلك بفترة، ظهر موقف ثالث، يعتبر تلك القضايا تدخل ضمن المعالجة العملية. وهو الموقف الذي ظهر في عصر وحيد الدين البهبهاني (المتوفى سنة 1206هـ) واستمر حتى يومنا هذا، إذ لم تعد هذه المدركات تمثل أحكاماً عقلية، بل عُدّت مجرد وظائف عملية أُطلق عليها (الأُصول العملية)([72])، حيث ليس من مهامها معرفة الحكم الشرعي وإدراكه على حقيقته، بل تنحصر وظيفتها في تعيين السلوك العملي للمكلف كي تبرأ ذمته من التكليف، أما الحكم الشرعي فيظل معلّقاً ومجهول الحال.

وبهذا الكشف أصبح الجهد الإجتهادي للشيعة مكرساً بدرجة واسعة نحو بحث هذه الأُصول الوظيفية، فتميزت بذلك عن الإتجاه السني لكونه قيّد الجهد بالكشف عن الحكم الشرعي فحسب، لذلك قال الإمام محمد باقر صدر بهذا الصدد: «إن منهج الإستنباط في الفقه الإمامي قد إعتمد على إفتراض مرحلتين للإستنباط يطلب في أُولاهما الدليل على الحكم الشرعي، ويطلب في الثانية تشخيص الوظيفة العملية تجاهه تنجيزاً أو تعذيراً. والقواعد التي تقرر في المرحلة الثانية هي التي تسمى بالأُصول العملية لأنها تشخص الموقف العملي إتجاه التشريع من دون أن تشخص الحكم الواقعي نفسه، وهذه المنهجة يتميز به الفقه الإمامي عن فقه العامة - أهل السنة - الذي يتجه إلى إثبات الحكم الشرعي دائماً - المرحلة الأُولى - فإن لم يكن إثباته بالدلالة القطعية أو المفروغ عن دليليتها شرعاً تحول إلى طرق أضعف في مقام الإثبات من الأمارات والظنون القائمة على أساس إعتبارات ومناسبات وإستحسانات، فهو يتوسل بكل وسيلة إلى إثبات الحكم الشرعي مهما أمكن، بينما في الفقه الإمامي كلما لم تقم عند الفقيه الأدلة القطعية أو الشرعية المفروغ عنها؛ إنتقل إلى المرحلة الثانية وهي تشخيص الوظيفة المقررة عند الشك ولو عقلاً دون أن يتجه إلى إلتماس الأدلة والأمارات الناقصة لإثبات الحكم الشرعي الواقعي. ومن هنا نجد أن الفقه الإمامي توسع في بحث الأُصول العملية وأقسامها وشرائط كل منها، بينما فقه العامة لم يتعرض لتلك البحوث، بل على العكس من ذلك نجد أن للبحث عن الأمارات والظنون ومحاولات إثبات الحكم الشرعي على أساسها مجالاً واسعاً في أُصول الفقه، في الوقت الذي يكون البحث عنها محصوراً في حدود ما هو في معرض قيام دليل شرعي على حجيته»([73]). وإن كان بعض المتأخرين من أهل السنة يؤكد بأن الأصل في الدليل الشرعي هو القطع، بما لا يختلف في ذلك عن الإتجاه الشيعي، فكما قال الشاطبي: «قد تقدم أن كل دليل شرعي فإما مقطوع به او راجع الى مقطوع به»([74]). وقال الأبياري في (شرح البرهان): >مسائل الأصول قطعية ولا يكفي فيها الظن ومدركها قطعي ولكنه ليس المسطور في الكتب، بل معنى قول العلماء أنها قطعية أن من كثر أستقراؤه وإطلاعه على أقضية الصحابة ومناظراتهم وفتاواهم وموارد النصوص الشرعية ومصادرها حصل له القطع بقواعد الأصول، ومن قصر عن ذلك لا يحصل له الا الظن. وإنما وضع العلماء هذه الظواهر في كتبهم ليبينوا أصل المدرك، لا أنها مدرك القطع ، فلا تنافي بين كون هذه المسائل قطعية وبين كون هذه النصوص لا تفيد الا الظن<([75]).

الإجتهاد والعامل الزمني

عرفنا كيف أن مفهوم الإجتهاد أخذ يتسع ويتمدد على حساب إفتراض التطابق بين الفهم والخطاب الديني. فكلما إمتد الظرف التاريخي كلما عمل الإجتهاد على توسعة رقعة التفاوت بين الشيئين (في ذاته) و(لذاتنا) من الخطاب. فإذا كان عصر النص يحفل بالتصور القائم على التطابق؛ فان ما بعد هذا العصر، منذ العمل الفقهي المتواضع عليه سيما بعد عملية التنظير، بدأ التصور الآنف الذكر يهتز ويختل، حيث الإعلان عن تأسيس الإجتهاد ـ المفضي إلى الظن ـ فيما لا نص فيه، وهي أُولى مراحل إهتزاز تلك العلاقة بين الفهم والخطاب، وذلك ضمن حدود آلية الإنتاج المعرفي. لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع مرور الزمن أخذت ظاهرة الإهتزاز والخلخلة تتسرب إلى فهم الخطاب مباشرة بعد أن كانت مقتصرة على الإنتاج المعرفي.

أما في الدائرة الشيعية فقد ساد الاعتراف بأن ما يفهم من الخطاب الديني في الفقه لا يتجاوز الظن غالباً، اذ ادرك الفقهاء انهم عاجزون عن تحصيل العلم أو القطع في الموارد الجزئية للفقه باستثناء القليل منها، فاكتفوا بالظن المعتبر، إذ الأصل في الظن هو عدم الحجية إلا ما خرج بدليل قطعي. ويقدر المفكر الصدر ان الاحكام القطعية لا تتجاوز الخمسة بالمائة من مجموع الاحكام الكلية([76]). كما قد اتسعت دائرة القضايا التي يجهلها الفقهاء في فهمهم للخطاب وتلك التي تدخل ضمن نطاق القضايا التي لا نص فيها، وهذا ما جعل علم الاصول يستغرق البحث - عندهم - فيما اطلقوا عليه (الأُصول العملية)، وهي التي لا تعنى بالكشف عن الحكم الشرعي، بل بابراء الذمة فحسب، فكثرت بذلك الفتاوى التي تعمل بالبراءة او الاحتياط.

كما ظهرت مناقشات إيبستمولوجية هامة جرت حول إفتراض ما يعرف بدليل الإنسداد؛ كالذي ذهب إليه عدد كبير من المتأخرين، وهو لا يقتصر على إنسداد باب العلم بالأحكام، بل يفترض أيضاً إنسداد باب الظن المعتبر شرعاً، وهو المعبر عنه تارة بالإنسداد العلمي، وأُخرى بالظن الخاص، والمقصود به بالدرجة الرئيسية الإنسداد المتعلق بحجية خبر الآحاد، لما أُثير حولها من شكوك ومشاكل معرفية، سيما أن مدار أغلبية موارد الأحكام  الفقهية يتوقف على هذا الخبر.

وكما ذكر الإمام الصدر أن الأُصوليين منذ العصر الثالث المتمثل بعصر الوحيد البهبهاني بدأوا «يتساءلون: هل يمكننا أن نظفر بدليل شرعي على حجية الخبر الظني أو لا؟ وعلى هذا الأساس وجد في مستهل العصر الثالث إتجاه يدعي إنسداد باب العلم، لأن الأخبار ليست قطعية وإنسداد باب الحجة لأنه لا دليل شرعي على حجية الأخبار الظنية، ويدعو إلى إقامة علم الأُصول على أساس الاعتراف بهذا الإنسداد، كما يدعو إلى جعل الظن بالحكم الشرعي ـ أيّ ظن ـ أساساً للعمل، دون فرق بين الظن الحاصل من الخبر وغيره ما دمنا لا نملك دليلاً شرعياً خاصاً على حجية الخبر يميزه عن سائر الظنون. وقد أخذ بهذا الإتجاه عدد كبير من رواد العصر الثالث ورجالات المدرسة التي إفتتحت هذا العصر كالاستاذ البهبهاني وتلميذه المحقق القمي وتلميذه صاحب الرياض وغيرهما، وبقي هذا الإتجاه قيد الدرس والبحث العلمي حتى يومنا هذا. وبالرغم من أن لهذا الإتجاه الإنسدادي بوادره في أواخر العصر الثاني فقد صرح المحقق الشيخ محمد باقر بن صاحب الحاشية على المعالم بإن الإلتزام بهذا الإتجاه لم يُعرف عن أحد قبل الاستاذ الوحيد البهبهاني وتلامذته، كما أكد أبوه المحقق الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم أن الأسئلة التي يطرحها هذا الإتجاه حديثة ولم تدخل الفكر العلمي قبل عصره»([77]).

كما أن الشيخ الانصاري رأى في بعض كلمات الشيخ الطوسي ما يشير الى هذا الإتجاه من دليل الإنسداد، اذ كان الطوسي يقول وهو بصدد الاستدلال على حجية خبر الآحاد الفاقد للقرآئن الدالة على صحته: «القرائنُ التي تقترنُ بالخبر وتدلّ على صحّته اشياء مخصوصة نذكرها فيما بعد من الكتاب والسنة والاجماع والتواتر، ونحن نعلم انه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك، لأنّها اكثر من ان تحصى، لوجودها في كتبهم وتصانيفهم وفتاواهم، وليس في جميعها يمكن الاستدلال بالقرائن، لعدم ذكر ذلك في صريحه وفحواه او دليله ومعناه، ولا في السنّة المتواترة، لعدم ذكر ذلك في اكثر الاحكام، بل وجودها في مسائل معدودة، ولا في اجماع، لوجود الاختلاف في ذلك. فعلم أنّ دعوى القرائن في جميع ذلك دعوى محالة. ومن ادّعى القرائن في جميع ما ذكرنا كان السبرُ بيننا وبينه، بل كان معولاً على ما يُعلمُ ضرورةً خلافُه ومدّعياً لما يعلم من نفسه ضدّه ونقيضه. ومن قال عند ذلك: إنّي متى عَدِمتُ شيئاً من القرائن حكمتُ بما كان يقتضيه العقل، يلزمه ان يترك اكثر الاخبار واكثر الاحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به. وهذا حدّ يرغب اهل العلم عنه، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته، لأنّه يكون معوّلاً على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه»([78]).

وقد نقّح بعض المتأخرين من علماء الأُصول دليل الإنسداد بخمس مقدمات، لو أنها صدقت لكان يكفي العمل بمطلق الظن؛ طبقاً لأغلب القائلين بهذا الدليل، وهي كالتالي:

المقدمة الأُولى: حصول العلم الإجمالي بوجود الكثير من التكاليف في الشريعة.

المقدمة الثانية: إنسداد باب العلم والظن الخاص المعتبر شرعاً ـ باب العلمي ـ في أغلب هذه التكاليف.

المقدمة الثالثة: عدم جواز إهمال هذه التكاليف ولا ترك إمتثالها.

المقدمة الرابعة: عدم وجوب العمل بجميع تلك التكاليف الملتبسة بطريقة الإحتياط، بل عدم جواز ذلك، وأيضاً عدم جواز الرجوع في ذلك إلى الأُصول العملية ولا إلى فتوى العالم بحكمها.

المقدمة الخامسة: يعتبر ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً، وبالتالي لا يجوز ترجيح المشكوك والموهوم على المظنون([79]).

وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على المدى الذي آل اليه علم الأُصول من الكشف عن حدة إهتزاز علاقة التطابق وخلخلتها، وبالتالي التفاوت بين ما هو (في ذاته) وما هو (لذاتنا) من الخطاب.

فشتان بين الفهم الذي شيّده قدماء الفقهاء حول الخطاب وبين الفهم الذي إنتهى إليه المتأخرون. فبينما كان أولئك يبنون فهمهم على الوضوح والبيان وبالتالي التطابق مع الخطاب؛ نجد المتأخرين على العكس يقيمون التباعد بين الفهم والخطاب كلما إمتد بهم الزمان. وإذا كان مآل هؤلاء هو الوقوع في خندق (الإنسداد) والإعتراف بغياب الطريق الموصلة إلى البيان في الخطاب، أو اللجوء إلى الوظيفة العملية بعد اليأس من تحصيل صور البيان؛ فإن الأمر عند القدماء يختلف تماماً، إذ إن قرب عهدهم بعصر النص ومحدودية ما يحتاجون إليه من المسائل نسبياً جعلهم يتصورون أن تحصيل البيان والوضوح حالة مطلقة ثابتة، فادعى علماء الشيعة القدماء طبقاً لهذا «أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كل حكم شرعي دليلاً واضحاً مادام الإنسان مكلفاً والشريعة باقية»([80]). وهو أمر يتشابه كثيراً مع ما حصل من تطور في علوم الطبيعة، إذ ساد الإعتقاد بالتطابق بين العقل والطبيعة قروناً طويلة، منذ اليونان وبعدها الحضارة الإسلامية، ومن ثم النهضة الحديثة، حتى بدأت أركان هذا الإعتقاد تتزعزع وتنهار شيئاً فشيئاً، منذ عصر التنوير، ومن ثم تفاقم الأمر وإتخذ منحىً علمياً ومنطقياً خلال عصرنا الحالي. 

الإجتهاد والدلالة الظنية بالحكم الشرعي

مع أن التنظير للإجتهاد والتطورات التي لحقت به كانت تؤكد أنه عملية فكرية تفضي إلى الظن؛ إلا أن التعاريف التي دارت حوله لم يكن جميعها يؤكد هذه الناحية. فبعضها ذو دلالة عامة، وبعض آخر اشتمل على قيد السعي في تحصيل العلم، كما أن بعضاً ثالثاً اكتفى بقيد تحصيل الظن فحسب. في حين ظهرت تعاريف اخرى تتضمن القيدين العلم والظن حسب الاستطاعة.

فالعديد من التعاريف التي مرت معنا تعطي دلالة عامة غير مقيدة بعلم أو ظن. لكن بعضها كان مقيداً بالعلم كتعريف الغزالي الآنف الذكر، كذلك تعريف علاء الدين البخاري الذي عبّر عنه بأنه بذل المجهود في طلب العلم بأحكام الشرع([81]). وربما كان قيد العلم في التعريف - هنا - ليس مشروطاً في الإجتهاد، لكنه يظل غاية يسعى إليها الفقيه ما أمكنه ذلك.

فمن تعاريف الإجتهاد المؤسسة طبقاً لقيد الظن ما عرفه الآمدي من أنه «إستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية»([82]). كما عرفه محب الله بن عبد الشكور بأنه بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني([83]). وعرفه الحاجبي بأنه إستفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. ومثل ذلك ما عرفه العلامة الحلي والشيخ حسن بن زين الدين العاملي وغيرهما من علماء الشيعة([84]).

أما تعريف الإجتهاد المنبني على أخذ إعتبار قيد العلم أو الظن فنجد مثلاً ما عرفه الشنقيطي من أنه بذل الفقيه وسعه بالنظر في الأدلة لأجل أن يحصل له الظن أو القطع بأن حكم الله في المسألة كذا([85]).

على أن الخلاف بين هذا التعريف وما قبله يعود إلى أن القائل بقيد الظن فقط لا يعتبر تحصيل القطع بالحكم الشرعي داخلاً ضمن مفهوم الإجتهاد؛ كما هو صريح رأي الآمدي الذي نصّ على أن القطعي ليس محلاً للإجتهاد([86]). وعلى ذلك سار احمد بن حمدان الحنبلي الحراني صاحب (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي) معتبراً «كل حكم يثبت بدليل ظني فهو اجتهادي، اذ لا اجتهاد مع القطع»([87]). فهذا الشرط في الاجتهاد يقيد تعريفه القائل بأنه «بذل الجهد والطاقة في طلب الحكم الشرعي بدليله»([88]).

لذلك فقد وجد هذا الضرب من المفهوم نقداً من قبل الإخباريين في الوسط الشيعي رداً على ما قام به غرماؤهم الأُصوليون من تبني ذلك القيد في التعريف، وهو أمر يعود إلى الخلاف بين الجانبين حول طبيعة الأحكام التي يدركها الفقيه، هل أنها تحمل صفة العلم أم الظن؟ فمن المعلوم ان الإخباريين بخلاف الأُصوليين (المتأخرين) إعتبروا الطريق إلى العلم بالأحكام الشرعية مفتوحاً دائماً.

ولا شك أن هذا الخلاف قد أثّر على المتأخرين من الأُصوليين. فبعضهم حاول المصالحة بينهم وبين الإخباريين فإعتبر أن من الأولى تبديل قيد (الظن بالحكم الشرعي) بقيد آخر هو (الحجة على الحكم الشرعي)([89])، فيكون التعريف عبارة عن بذل الفقيه وسعه في طلب الحجة على الحكم الشرعي، أو هو كما عرفه السيد الخوئي عبارة عن تحصيل الحجة على الحكم الشرعي([90]). علماً بأن البعض لم يوافق على تعريف الإجتهاد طبقاً لتحصيل الحجة، كما هو الحال مع الشيخ راضي النجفي الذي عرفه بأنه: «ليس هو تحصيل الحجة بل هو تشخيص وترجيح فيما هي الحجة، فاللازم لمن يتمكن من الإحراز فهم مراد الشارع وكشف مرامه أو الترجيح إن كان فيهما إجمال أو تعارض»([91]).

فهذا المعنى يجعل أساس الظن قائماً على العلم. لهذا يذكر الخوئي بأن المقرر لدى الإمامية هو عدم إعتبار الظن في شيء، بل العبرة بما جُعلت له الحجية شرعاً؛ سواء كان هو الظن أو غيره. لذلك فقد اعتبر الحق مع الإخباريين؛ لأنهم أنكروا جواز العمل بالإجتهاد المفسر باستفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي، وبرأيه أن الإجتهاد بهذا المعنى هو بدعة لا يجوز العمل على طبقه، حيث وجود النهي عن إتباع الظن كما في جملة من الآيات الكريمة([92]). مع هذا يمكن القول أن علاقة الإجتهاد بالظن تظل وطيدة ومؤكدة، وهذا لا يمنع من أن تكون عليه الحجة القاطعة، كما لا يمنع من أن يفضي إلى العلم ـ بنظر المجتهد ـ أحياناً.

وقد اشتهر لدى الاصوليين أن علم المجتهد مبني على مقدمتين صغرى وجدانية وكبرى برهانية. فالصغرى هي عبارة عن «هذا ما ادى اليه ظني». أما الكبرى البرهانية فهي: «كل ما أدى اليه ظني فهو حكم الله في  حقي». والحكم المعلوم منهما هو الحكم الظاهري([93]).


[1]           الشافعي: الرسالة، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979م، ص599. كذلك: إبن القيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، راجعه وقدم له وعلق عليه طه عبد الرؤوف، دار الجيل ببيروت، 1973م، ج2، ص284.

[2]           أعلام الموقعين، ج2، ص284.

[3]           لاحظ النصوص السابقة في: اعلام الموقعين، ج1، ص34ـ35، وج4، ص217ـ219. والشاطبي: الموافقات في أُصول الشريعة، مع حواشي وتعليقات عبد الله دراز، دار المعرفة ببيروت، الطبعة الثانية، 1395هـ ـ1975م، ج4، ص286 وما بعدها. والخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقه، تحقيق عادل الغرازي، دار ابن الجوزي، السعودية، 1421هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية www.almeshkat.net، ج2، ص427. والنووي، يحيى بن شرف: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، تحقيق عبد الوهاب الجابي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الاولى، 1408هـ، عن الموسوعة الشاملة الالكترونية  islamport.com، ص15. والحراني، احمد بن حمدان الحنبلي: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، خرّج أحاديثه وعلق عليه محمد ناصر الدين الالباني، المكتب الاسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1404هـ ـ1984م، ص7ـ10.

[4] ابن عبد البر النمري: جامع بيان العلم وفضله، موقع أم الكتاب للأبحاث والدراسات الإلكترونية، عن شبكة المشكاة الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته) باب معرفة أصول العلم وحقيقته. واعلام الموقعين، ج1، ص44. والموافقات، ج4، ص286 . وأبو زهرة: تاريخ المذاهب الاسلامية، دار الفكر العربي، ص407.

[5] الموافقات، ج4، ص286. واعلام الموقعين، ج1، ص39. ومحمد أمين الشنقيطي: القول السديد في كشف حقيقة التقليد، دار الصحوة، القاهرة، الطبعة الاولى، 1405هـ ـ1985م، ص69.

[6] صحيح مسلم، شبكة المشكاة الالكترونية، حديث 1731. كذلك: ابن القيم الجوزية: أحكام أهل الذمة، حققه وعلّق عليه صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ ـ1981م، ج1، ص4ـ5. واعلام الموقعين، ج1، ص39. والقول السديد في كشف حقيقة التقليد، ص68.

[7] ابو يوسف: الخراج، تحقيق محمود الباجي، دار بو سلامة، تونس، 1984م، ص194 و205.

[8] أعلام الموقعين، ج1، ص39. كذلك: القول السديد، ص69. وموسوعة الفقه الاسلامي المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر، أصدرها المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، القاهرة، ج17، ص242ـ243. وقال بعض العلماء في انكاره للذين يحللون ويحرمون تقليداً لأقوال أئمتهم ما نصه: «الذين يقولون من الجهلة المقلدين: هذا حلال وهذا حرام وهذا حكم الله؛ ظناً منهم أن اقوال الامام الذي قلدوه تقوم مقام الكتاب والسنة وتغني عنهما، وأن ترك الكتاب والسنة والاكتفاء بأقوال من قلدوه أسلم لدينه، أعمتهم ظلمات الجهل المتراكمة عن الحقائق حتى صاروا يقولون هذا. فهم كما ترى، مع أن الامام الذي قلدوه، ما كان يتجرأ على مثل الذي تجرأوا عليه، لأن علمه يمنعه من ذلك» (القول السديد، ص71).

[9] البخاري، محمد بن اسماعيل: صحيح البخاري، ضبطه، ورقمه، وذكر تكرار مواضعه، وشرح ألفاظه وجمله وخرج أحاديثه في صحيح مسلم، ووضع فهارسه مصطفى ديب البغا، شبكة المشكاة الالكترونية، حديث 6859. والعسقلاني، محمد بن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية www.yasoob.com، ج13، ص226ـ227.

[10] اعلام الموقعين، ج1، ص71. والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن، تصحيح احمد عبد العليم البردوني، دار الكاتب العربي، مصر، الطبعة الثالثة، 1387هـ ـ1967م، ج6، ص333. والمكي، محمد علي المالكي: تهذيب الفروق، مطبوع في هامش الفروق للقرافي، نشر عالم الكتب، بيروت، ج1، ص180.

[11] دهلوي، ولي الله: رسالة الانصاف في بيان سبب الاختلاف، طبعة حجرية، ص2. وحجة الله البالغة، دار التراث بالقاهرة، 1355هـ، ج1، ص141.

[12] الجامع للقرطبي، ج6، ص332.

[13] الجامع، ج6، ص332.

[14] الاستحسان هو جعل الدليل الاجتهادي حاكماً على دليل العموم في النص ومقدماً على غيره من الأدلة الاجتهادية الاخرى سواء بالترجيح او بالعدول والتحكيم (التخصيص). اذ له ثلاثة أدوار، الاول: ترجيح دليل اجتهادي على اخر مثله، كترجيح القياس الخفي على الظاهر. والثاني: استثناء لقاعدة عامة اجتهادية بدليل اجتهادي اخر، فيعمل على تخصيص هذه القاعدة او الحاكمية عليها، كتخصيص القياس بالمصلحة او العرف، اي حاكمية احد هذين الاخيرين للاول. وهو ما يعرف بالعدول بحكم المسألة عن نظائرها. والثالث: استثناء لعموم النص بدليل اجتهادي، فيكون الدليل مخصصاً لهذا العموم او حاكماً ومقدماً عليه (انظر كتابنا: فهم الدين والواقع، دار افريقيا الشرق، الفصل الثاني).

[15] المقصود بالمصلحة المرسلة بوجه عام هي كل ما يجلب نفعاً ويدفع ضرراً. وبعض التعاريف قيدها بالمحافظة على مقاصد الشرع كي تكون مقبولة. وسميت المصلحة المرسلة او المطلقة باعتبار ان وظيفتها تتحدد بالقضايا التي لم يرد فيها حكم نص، لا بالاعتبار ولا بالالغاء، او انها مما لم يشهد لها شاهد معين من الشريعة بالاعتبار. وقد اطلق عليها الغزالي في كتابه (المستصفى) الاستصلاح (انظر: فهم الدين والواقع، الفصل الثاني).

[16] بدر الدين الزركشي: البحر المحيط، شبكة المشكاة الالكترونية، فقرة 3 (لم تذكر ارقام صفحاته).

[17] الرسالة، ص476ـ477.

[18] المصدر السابق، ص487ـ488.

[19] أبو زهرة: مالك، دار الفكر العربي، ص276.

[20] المصدر السابق، حاشية ص276.

[21] الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، نشرت خلف كتاب مصادر التشريع الإسلامي لعبد الوهاب خلاف، ص109ـ110. والقرافي: تنقيح الفصول في علم الاصول، شبكة المشكاة الالكترونية، ضمن الفصل الاول من الباب العشرين، وهو بعنوان (في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين)، لم تذكر ارقام صفحاته.

[22] انظر: الآمدي، سيف الدين علي: الإحكام في أُصول الأحكام، كتب هوامشه الشيخ إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأُولى، 1405هـ ـ1985م، ج4، ص296.

[23] انظر بهذا الصدد كلاً من: ابن كثير: اختصار علوم الحديث، شبكة المشكاة الالكترونية، فقرة النوع التاسع (لم تذكر ارقام صفحاته). والبحر المحيط، فقرة 1163. والقاسمي، جمال الدين: قواعد التحديث، شبكة المشكاة الالكترونية، ص169. وحجة الله البالغة، ج1، ص146. وتاريخ المذاهب الاسلامية، ص270. وكتابنا: مشكلة الحديث، مؤسسة الانتشار العربي، ص63.

[24] الرسالة، ص494.

[25] صحيح البخاري، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث 6919. وصحيح مسلم، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث 1716 . والعسقلاني، ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، ص271ـ272. كما روى هذه الرواية كل من الحاكم والدارقطني عن عقبة بن نافع (الإحكام للآمدي، ج4، هامش ص416).

[26] البصري، أبو الحسين: المعتمد في أُصول الفقه، تحقيق محمد حميد الله، طبعة دمشق، 1964م، ص766.

[27] الشيرازي، أبو اسحاق: شرح اللمع، تحقيق وتقديم عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1408هـ ـ1988م، ج2، ص1043.

[28] أبو بكر بن العربي: أصول الفقه، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ص78.

[29] ابن رشد الحفيد: الضروري في أصول الفقه، أو مختصر المستصفى، تقديم وتحقيق جمال الدين العلوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، عن شبكة المشكاة الالكترونية، الفصل الاول، الفقرة 231 و237.

[30] السبكي، علي بن عبد الكافي: الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، الكتاب السابع (في الاجتهاد)، لم تذكر ارقام صفحاته .

[31] المحلي، محمد بن أحمد: شرح جمع الجوامع، عن شبكة المشكاة الالكترونية، الكتاب السابع (في الاجتهاد)، لم تذكر ارقام صفحاته.

[32] أبو زهرة: الغزالي الفقيه، بحث منشور في: أبو حامد الغزالي، في الذكرى المئوية التاسعة لميلاده، مهرجان الغرالي في دمشق، 1961م، ص561. كذلك: تاريخ المذاهب الاسلامية، ص321.

[33] الغزالي، أبو حامد: المستصفى من علم الأُصول، وبذيله (فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت في أُصول الفقه)، المطبعة الأميرية في مصر، الطبعة الأُولى، 1322هـ، ج2، ص350.

[34] المصدر السابق، ج1، ص100 و217ـ218.

[35] انظر لإبن حزم: الإحكام في أُصول الأحكام، مطبعة السعادة، ج1، ص45، ج5، ص126 وما بعدها. والمحلى، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام في القلعة بمصر، ج1، ص60.

[36] ابن حزم: النبذ في أصول الفقه، شبكة المشكاة الالكترونية، ص74.

[37] انظر بهذا الصدد: الآمدي: الإحكام في اصول الأحكام، ج4، ص396. والأنصاري، عبد العلي محمد بن نظام الدين: فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، وهو مطبوع في ذيل كتاب المستصفى، ج2، ص362. والمرعي، حسن أحمد: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية، ضمن كتاب الإجتهاد في الشريعة الإسلامية وبحوث أُخرى، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (القسم الأول)، ص12ـ13.

[38] السالمي، عبد الله بن حميد: مشارق أنوار العقول، صححه وعلق عليه احمد بن حمد الخليلي، منشورات العقيدة بسلطنة عمان، الطبعة الثانية، 1398هـ ـ1978م، ص70.

[39] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج8، فقرة 92.

[40] الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ج1، ضمن باب في ترجيح مذهب مالك.

[41] مقدمة الجامع الصغير، ضمن الفصل الاول.

[42] المليباري: هداية الموفقين الى الصراط المستقيم، مكتبة ايشيق، استانبول، 1399هـ ـ1979م، ص44.

[43] ابن عابدين، محمد أمين: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، كتاب الصلاة، باب الامامة، الشبكة الاسلامية www.islamweb.net . كذلك: وافي، علي عبد الواحد: حقوق الإنسان في الإسلام، دار نهضة مصر، الطبعة الرابعة، 1387هـ ـ1967م، ص228.

[44] تهذيب الفروق، ج2، ص121.

[45] تهذيب الفروق، ج2، ص117. ومقدمة الجامع الصغير، الفصل الاول.

[46] جلال الدين السيوطي: طبقات المفسرين، دار الكتب العلمية، بيروت، عن مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ص82ـ83.

[47] تهذيب الفروق، ج2، ص122ـ123.

[48] تاريخ المذاهب الاسلامية، ص303.

[49] انتصار الفقير السالك، مقدمة المحقق، ص96 .

[50] تهذيب الفروق، ج2، ص120 .

[51] تهذيب الفروق، ج2، ص121.

[52] ابن خلدون: المقدمة، طبعة مؤسسة الأعلمي في لبنان، ص448 .

[53] الغزالي، محمد: مشكلات في طريق الحياة الاسلامية، سلسلة كتاب الأمة، مطابع الدوحة الحديثة، 1402هـ، ص145 .

[54] حجة الله البالغة، ج1، ص153.

[55] مغنية: الفقه على المذاهب الخمسة، دار الجواد ببيروت، الطبعة السابعة، 1982م، ص9ـ8.

[56] يعود هذا الرأي إلى الدكتور عبد العزيز كامل، نقله عنه الدكتور يحيى الجمل، ندوة التراث وتحديات العصر في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، الطبعة الثانية، 1987م، ص651ـ652.

[57] الحطاب: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1398هـ ـ1978م، ص30.   

[58] هداية الموفقين، ص66 .

[59] انتصار الفقير السالك، ص126.

[60] ياقوت الحموي: معجم الادباء، شبكة المشكاة الالكترونية، الجزء الخامس عشر، فقرة الماوردي البصري (لم تذكر ارقام صفحاته). ومقدمة المقرم لكتاب الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص م ـ ن.

[61] تاريخ المذاهب الاسلامية، ص302ـ303 . والفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ج1، ص188ـ190.

[62] الإصفهاني، الميرزا عبد الله الأفندي: رياض العلماء وحياض الفضلاء، تحقيق أحمد الحسيني، مطبعة الخيام في قم، 1401هـ، ج4، ص33ـ34.

[63] الخوانساري: روضات الجنات، ج4، ص306ـ308.

[64] الحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن: معارج الأُصول، إعداد محمد حسين الرضوي، نشر مؤسسة آل البيت، الطبعة الأُولى، 1403هـ، ص179ـ180. كذلك: الصدر، محمد باقر: المعالم الجديدة للأُصول، مكتبة النجاح بطهران، الطبعة الثانية، 1395هـ ـ1975م، ص26.

[65] مطهري، مرتضى: مبدأ الإجتهاد في الإسلام، ترجمة جعفر صادق الخليلي، مؤسسة البعثة في طهران، الطبعة الأُولى، 1047هـ، ص24.

[66] انظر بهذا الصدد المصادر التالية: المرتضى، علم الهدى: رسائل الشريف المرتضى، إعداد مهدي رجائي، تقديم وإشراف أحمد الحسيني، نشر دار القرآن الكريم في قم، 1405هـ، ج1، ص77. والإنتصار، مطبعة الحيدرية في النجف، 1391هـ ـ1971م، ص27. والطوسي، أبو جعفر: تمهيد الأُصول في علم الكلام، إنتشارات دانشكاه طهران، 1362هـ .ش، ص354. كذلك الطوسي: عدة الأُصول، تحقيق محمد مهدي نجف، مؤسسة آل البيت، الطبعة الأُولى، 1403هـ، ج1، ص39. أما الشيخ المفيد فله كتاب بعنوان (النقض على إبن جنيد في إجتهاد الرأي(.

[67]  لم نذكر الشيخ أبا جعفر الطوسي (المتوفى سنة 460هـ) مع هؤلاء رغم ما نُقل تصريحه في كتابه (عدة الأُصول) بأنه لا يجيز العمل بالإجتهاد ولا بالظن في الشريعة، وكثيراً ما يقول في كتابه (التهذيب) حين يتعرض لتأويل الأخبار ولا يعمل بها: هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً (انظر: العاملي، الحر: وسائل الشيعة،ج20، ص64ـ65). والسبب في إغفالنا لذكر الطوسي إنما يعود إلى نصوصه الأُخرى الدالة على جواز العمل بالظن، حتى أن الشيخ الأنصاري إعتبر بعض كلامه الوارد في (عدة الأُصول)؛ يشير إلى دليل الإنسداد الذي مال إليه الكثير من المتأخرين (انظر: الأنصاري، مرتضى: فرائد الأُصول، تحقيق وتقديم عبد الله النوراني، مؤسسة النشر الإسلامي في قم، الطبعة الثالثة، 1411هـ، ج1، ص150. وعدة الأُصول، ج1، ص338 وما بعدها). لذلك لا يُستبعد أن تكون نصوصه في هذا المجال داخلة ضمن ما عُرف به من كثرة التناقض في الرأي (نُحيل القارئ بشأن ما لوحظ على الشيخ من تلك التناقضات إلى المصادر التالية: البحراني، يوسف: لؤلؤة البحرين، حققه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم، مطبعة النعمان في النجف الأشرف، ص297ـ298. والكركي، حسن بن شهاب الدين العاملي: هداية الأبرار، الطبعة الأُولى، 1396هـ، ص36. والخوانساري، محمد باقر: روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، الدار الاسلامية، بيروت، الطبعة الاولى، 1411هـ ـ1991م، ج6، ص217ـ218 و245ـ246. كما انظر كتابنا: مشكلة الحديث، ص238).

[68] الامدي: الإحكام في اصول الأحكام، ج4، ص182. والبيانوني، محمد أبو الفتح: دراسات في الاختلافات الفقهية، مكتبة الهدى، حلب، الطبعة الاولى، 1395هـ ـ1975م، ص137.

[69] أنظر بهذا الصدد كتابنا: مدخل إلى فهم الإسلام، مؤسسة الانتشار العربي، 1999م، ص49 وما بعدها.

[70] مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص311. ومحمد مهدي بحر العلوم: الفوائد الرجالية، حققه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، نشر مكتبة الصادق، طهران، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج3، ص219. وانظر ايضاً كتابنا: العقل والبيان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، الفصل الخامس.

[71] الصدوق: من لا يحضره الفقيه، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، الطبعة الثانية، 1404هـ، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج4، ص270.

[72] الصدر، محمد باقر: بحوث في علم الأُصول، تحرير محمود الهاشمي، المجمع العلمي للإمام الصدر، الطبعة الأُولى، 1405هـ، ج5، ص11.

[73] انظر: بحوث في علم الأُصول، ج5، ص9ـ10.

[74] محمد جمال الدين القاسمي: محاسن التأويل، ضبطه وصححه محمد باسل عيون السود، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1424هـ ـ2003م، ج1، ص85.

[75] محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الاردن، الطبعة الثانية، 1421هـ ـ 2001م، ص234.

[76] اقتصادنا، الطبعة الحادية عشرة، دار التعارف، 1399هـ ــ1979م، ص417.

[77] المعالم الجديدة للأُصول، ص93ـ94.

                                      انظر: عدة الأصول، ج1، ص355. كذلك: فرائد الأصول للأنصاري، ج1، ص149ـ150[78]

[79] انظر حول ذلك: فرائد الأُصول، ج1، ص183 وما بعدها. والخراساني، محمد كاظم: كفاية الأُصول، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين في قم، الطبعة الأُولى، 1412هـ، ص356 وما بعدها. والجزائري، محمد جعفر المروج: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، مطبعة الخيام في قم، ج4، ص575 وما بعدها. والنائيني، محمد حسين الغروي: فوائد الأُصول، حرره محمد علي الكاظمي الخراساني، تعليق ضياء الدين العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي في قم، 1406هـ، ج3، ص225 وما بعدها. والبجنوردي، حسن الموسوي: منتهى الأُصول، مكتبة بصيرتي في قم، الطبعة الثانية، ج2، ص120 وما بعدها. والحكيم، محسن الطباطبائي: حقائق الأُصول، نشر مؤسسة آل البيت في قم. والمظفر، محمد رضا: أُصول الفقه، دار النعمان في النجف، الطبعة الثانية، 1386هـ ـ1966م، ج3، ص29.

[80] المعالم الجديدة للأُصول، ص92ـ93.

[81] الإجتهاد في الاسلام للمرعي، نفس المعطيات السابقة، ص13.

[82] الإحكام للآمدي، ج4، ص396.

[83] فواتح الرحموت، ج2، ص362.

[84] الحلي، الحسن بن يوسف: مبادئ الوصول الى علم الاصول، ضمن نصوص الدراسة في الحوزة العلمية، تقديم وتحقيق محمد حسين الحسيني الجلالي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الاولى، 1408هـ ـ1988م، ص495. والعاملي، حسن بن زين الدين: معالم الدين وملاذ المجتهدين، إخراج وتحقيق وتعليق عبد الحسين محمد علي بقال، منشورات مكتبة الداوري في قم، ص381. والخراساني: كفاية الأُصول، ص528. والخوئي، أبو القاسم: التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الإجتهاد والتقليد، تحرير الميرزا علي الغروي التبريزي، مقدمة عبد الرزاق الموسوي المقرم، مطبعة الآداب في النجف، ص20.

[85] الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للمرعي، ص12ـ13.

[86] الإحكام للآمدي، ج 4، ص398.

[87] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص53.

[88] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص14.

[89] أنظر: الكفاية، ص529. كذلك: الفيروز آبادي، مرتضى الحسيني: عناية الأُصول في شرح كفاية الأُصول، إنتشارات فيروز آبادي في قم، الطبعة الثالثة، 1400هـ، ج6، ص166ـ167.

[90] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص22.

[91] انظر: النجفي، راضي بن محمد حسين: تحليل العروة، بحث الإجتهاد والتقليد، إنتشارات بصيرتي، قم، 1362هـ، ص222.

[92] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص22ـ24.

[93] فرائد الأصول، ج1، ص310.

comments powered by Disqus