-
ع
+

حجج الإجتهاد الفقهي لدى السنة

 يحيى محمد

ليس هناك دليل أصدق من الدليل الواقعي القائل بظهور الحاجة الماسة إلى الإجتهاد بعد مرحلة نص الخطاب، وذلك لعدم البيان الكافي المفصل في النص كما هو منقول إلينا من جهة، ولتجدد الحوادث من جهة أُخرى، ناهيك عما طرأ من إضافات وغشاوات أفرزها الذهن البشري على النص، الأمر الذي إستدعى تصفيته منها عبر آلية الإجتهاد. بل لا نرى هناك دليلاً واضحاً يمكن أن يُقدّم بصدد إثبات مشروعية الإجتهاد ـ بما هو عملية إستنباط للحكم الشرعي تفضي إلى الظن ـ غير ما ذكرنا. ولكي نثبت هذا الزعم علينا أن نبحث في أدلة الإجتهاد لدى ما طرحه أهل السنة كالتالي..

يعد الشافعي أول من نظّر للإجتهاد، ورغم ذلك فإنه لم يجد دلالة مباشرة على حجيته، سواء من حيث النص او الإجماع، بل حاول الاستدلال على جواز العمل به بطريقة هي في حد ذاتها تستند إلى دليل الإجتهاد، والقياس منه بالخصوص. الأمر الذي جعله يصادر على المطلوب. أما بعد عصر الشافعي فقد ظهرت محاولات عديدة للإستدلال على حجيته، تارة بدعوى الإجماع وأُخرى من الكتاب وثالثة من السنة. وطالت محاولات الإستدلال فشملت حتى تلك التي تتعلق بإجتهاد النبي (ص) فضلاً عن الصحابة، كما سيتضح لنا كالاتي:

الأدلة العامة على حجية الإجتهاد

الاستدلال بالآيات القرآنية

هناك أدلة عامة إستدل بها المتأخرون في الإتجاه السني بكل من الكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿فاعتبروا يا أُولي الأبصار))([1])، حيث إستفاد الفقهاء من ذلك بأن لفظة (فاعتبروا) لها دلالة على القياس، من حيث أن هذا الأخير عبارة عن عبور من الأصل إلى الفرع، مما يعني أن الأمر الوارد في الآية بصيغة تلك اللفظة هو أمر يتعلق بالحث على القياس ومن ثم الإجتهاد([2]). مع أن سياق الآية ليس بصدد الإجتهاد ولا القياس المصطلح عليه، فهو دال على أخذ العبرة، خاصة أن العبرة أو (العبور) في الآية ليس معنياً باستنباط معنى النص ومن ثم تطبيق حكمه على مشابهاته كما في القياس والإجتهاد، بل معني بلحاظ واقع خارجي وتأمله ولو من خلال ما صوّره القرآن وحكاه لأجل الإفادة منه في الحياة بأخذ العبرة منه. وهذا المعنى هو غير الإجتهاد المصطلح عليه. فهو لا يربط حادثة بنص كما هو شأن الإجتهاد والقياس، بل يربط مصيراً بواقع لم يبق منه إلا الأثر وما خلّفه من درس وعبرة كما تنص على ذلك بداية الآية: ((هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أُولي الأبصار)).

ويؤيد هذا المعنى ما ذهب اليه ابن حزم من أن المراد بالاعتبار التعجب بدليل سياق الآية، ووافقه على ذلك ابن عبد السلام فقال في (القواعد): «من العجيب استدلالهم بهذه الآية على جواز القياس مع أن الاعتبار في الآية يراد به الاتعاظ والازدجار، والمطلق إذا عمل به في صورة خرج عن أن يكون حجة في غيرها بالاتفاق». ثم قال: «وهذا تحريف لكلام الله عز وجل عن مراده إلى غير مراده، ثم كيف ينتظم الكلام مع كونه واعظاً بما أصاب بني النضير من الجلاء أن يقرن ذلك الأمر بقياس الدخن على البر والحمص على الشعير، فإنه لو صرح بهذا لكان من ركيك الكلام وإدراجاً له في غير موضعه وقراناً بين المنافرات».

بيد ان الزركشي عجب من ابن عبد السلام، وطبق على الاية مفهوم العبرة بعموم اللفظ، وارجع المسألة الى  قياس العلة، لأن إخراجهم من ديارهم وتعذيبهم قد ترتب على المعصية، فالمعصية علة لوقوع العذاب، فكأنه قال: تقعوا في المعصية فيقع بكم العذاب، قياساً على أولئك، فهو قياس نهي على نهي، بعلة العذاب المترتبة على المخالفة. قال الماوردي: وفي الاعتبار وجهان: أحدهما أنه مأخوذ من العبور، وهو يجاوز المذكور إلى غير المذكور، وهذا هو القياس. والثاني: من العبرة وهو اعتبار الشيء بمثله، ومنه عبر الخراج أي قياس خراج عام بخراج غيره في المماثلة. وفي كلا الوجهين دليل القياس لأنه أمر استدلال بالشيء على نظيره، وبالشاهد على الغائب([3]).

لكن كما قلنا ان الاية بعيدة كل البعد عن القياس المتواضع عليه، وهو الحاق مسكوت عنه بمنصوص عليه، ففي مسألتنا لا نجد الاشارة الى الرجوع الى النص كما يشترطه القياس. كذلك ان الاستدلال بالاية على القياس انما يفيد - على فرض صحته - القياس الخاص بالموضع الذي طرحته الاية، ولا دليل منها يتعدى ذلك الموضع. مما يعني ان التعدي قائم على قياس مصادر على المطلوب.

كما إستدل المتأخرون بقوله تعالى: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أُمُّ الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أُولوا الألباب))([4])، مع أن الآية إذا حُملت على وجود الوقف بعد قوله ((وما يعلم تأويله إلا الله)) كما هو رأي الكثير من المفسرين القدماء فإنه لا دلالة لها على الإجتهاد مطلقاً، إذ يكون الراسخون في العلم على هذا الإعتبار لا علم لهم بتأويله([5]). أما لو حُملت الآية على الوصل فمن الواضح أيضاً أنها لا دلالة لها على الإجتهاد المفضي إلى الظن، إذ هي صريحة الدلالة على العلم، خاصة وأنها عطفت علم العلماء على علم الله تعالى وجمعت بينهما في سياق واحد. يضاف إلى احتمال كون الآية واردة بخصوص المسائل العقائدية لا الفقهية،  وبالتالي فهي ليست بصدد الإجتهاد في الأحكام الشرعية.

كذلك إستدل المتأخرون بقوله تعالى: ((وإذا جاءهم الأمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم))([6])، مع أن الآية لا تدل على الإجتهاد المفضي إلى الظن لمجرد ذكر لفظة (يستنبطونه). فظاهرها دال على إستخراج المطلوب بالعلم لا الظن. هذا على فرض أن المقصود بأُولي الأمر هم العلماء في الحديث والفقه. لذلك أن البعض لا يتقبل هذا الفهم ويرى أن مورد الآية جاء بخصوص  إذاعة الأخبار التي لها أعراق سياسية ترتبط بأطراف شتى([7]).

وأيضاً إستدلوا بقوله تعالى: ((فإسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))([8])، وقوله تعالى: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون))([9])، وهما آيتان سيمر علينا ذكرهما ومناقشة ما قيل عنهما عند تعرضنا للأدلة التي قدمها الإتجاه الشيعي بهذا الصدد.

الاستدلال بالأحاديث النبوية

أما الاستدلال بالأحاديث النبوية، فقد روى الطبراني عن إبن عباس عن النبي (ص) قوله: «إجتهدوا فكل ميسر لما خُلق له». لكن دلالة هذه الرواية مجملة لا تؤكد المعنى المتواضع عليه من مفهوم الإجتهاد، وهي فوق ذلك ليست ثابتة الصحة والإعتبار. انما جاء عن عمران بن حصين وهو صحيح بلفظ: «إعملوا فكل ميسر لما خُلق له»([10]).

كما روى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص عن النبي (ص) قوله: «إذا حكم الحاكم فإجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فإجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد»([11]). ومثل ذلك روي أن الرسول (ص) طلب يوماً من عمرو بن العاص أن يحكم في مسألة، فقال: أجتهد وأنت حاضر يا رسول الله؟ قال: نعم إن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر([12]). وقال لعقبة وعمرو بن العاص: إجتهدا فإن أصبتما فلكما عشر حسنات وإن أخطأتما فلكما حسنة واحدة([13]). وإجتهد سعد بن معاذ في بني قريظة حينما رضي النبي بتحكيمه، فحكم بقتل الرجال وسبي النساء والذراري بالرأي([14]).

وبغض النظر عن سند هذه الروايات فالملاحظ أنها لا تدل على المعنى المصطلح عليه من الإجتهاد، ذلك أن موردها محدد بأُمور الحكم والقضاء، وهي أُمور تتعلق بتقدير الأحكام وتطبيقها على المصاديق، الأمر الذي قد يجعل الحاكم أو القاضي مخطئاً في حكمه لا من جهة معرفة الحكم الكلي، بل من حيث عدم تشخيص الواقع كما هو.

كما استدل العلماء على حجية الإجتهاد - خاصة القياس – بالإجماع([15]). وهي مجرد دعوى لا يستفاد منها علم. بل يمكن القول أنها باطلة للعلم بأن العديد من السلف قد نهوا عن العمل بالرأي والقياس، كما هو الحال مع الإمام الصادق وداود الأصبهاني وإبنه وغيرهم..

 إجتهاد النبي

ذهب أغلب رجال أهل السنة إلى أن النبي كان متعبداً بالعمل بالإجتهاد، فإما أن يكون مأموراً به، أو أنه مما يجوز عليه ذلك. وفي القبال مال البعض إلى منع هذه الآلية في حقه، كما هو المنسوب إلى بعض الشافعية، وكذا ما يُنسب إلى بعض المعتزلة، كأبي علي الجبائي وإبنه أبي هاشم. بينما إتجه فريق ثالث إلى التوقف أو عدم القطع لتعارض أدلة الطرفين وعدم وضوح الترجيح بينها، فكل منها عليه إعتراضات يجعلها غير قاطعة، كما هو رأي القاضي عبد الجبار الهمداني وأبي الحسين البصري والإمام الغزالي. وإن كان الغزالي قد استبعد وقوع الإجتهاد من النبي في القضايا الدينية، واستظهر أنه كان يعمل طبقاً للوحي الصريح من غير إجتهاد([16]).

أدلة منع إجتهاد النبي

أهم الأدلة التي ذُكرت بهذا الصدد ما يلي([17]):

1ـ لما كان النبي (ص) قادراً على كشف اليقين بالأخذ عن الوحي؛ لذا فلا مجال للقول بإجتهاده، باعتبار أن الإجتهاد عمل بالظن، ومن القبح العمل بهذا وترك الوحي واليقين.

مع أنه قد يقال إن عمل النبي (ص) بالإجتهاد ينحصر في حالة الإضطرار من حيث عدم نزول الوحي عند ترقبه له، ولا مجال للإنتظار خشية فوات الحادثة من غير حكم. وبالتالي فليس في هذا الحال مقابلة بين الظن من جهة واليقين أو الوحي من جهة أُخرى، مادام اليقين والوحي منقطعين، خاصة إذا ما علم النبي جواز ذلك وحياً، أو أنه مأمور به ولو أدى إلى الخطأ.

2ـ لو جاز للنبي الإجتهاد لكان يجوز مخالفته بإجتهاد غيره، مع أن هذا يبطل الغرض من بعثته الى الناس، وهو واضح البطلان.

لكن أُجيب على ذلك بأن إجتهاد النبي إما أنه لا يحتمل الخطأ باعتباره مسدداً من قبل الله تعالى كما هو مذهب قوم، أو أنه يحتمل الخطأ ولكن لا يقرّ عليه، بخلاف غيره لأنه يحتمل الخطأ ويقر عليه، وبالتالي يصبح إجتهاد النبي  كالنص  أو اليقين فلا يجوز مخالفته على هذا الحال.

3ـ جاء في قوله تعالى: ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى))([18])، وحيث لا يقال للاجتهاد إنه صادر عن وحي أو إنه وحي، لذا لم يصدر عن النبي إجتهاد قط.

لكن يجاب على ذلك بلزوم تخصيص العموم الوارد في الآية، وإلا لكان كل ما ينطق به النبي، حتى لو كان تعبيراً عن حاجاته الشخصية، هو من الوحي. ايضاً لكان الوحي لا ينقطع عنه حتى وفاته وهو خلاف ما عُلم إنقطاعه عنه. لذلك فقد يكون المراد من الآية هو كل ما نطق به من القرآن الكريم. كما قد يجاب بأن القول بالإجتهاد ليس تعبيراً عن الهوى، فإذا ما كان مأموراً به وحياً فسيصبح النطق به صادراً عن الوحي، ولو بشكل غير مباشر.

وبهذا الجواب يمكن أن يجاب على ما أُستدل به من القرآن؛ كقوله تعالى: ((قل ما يكون لي أن أُبدّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي...))([19])، وقوله: ((ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين))([20]). ذلك إن مثل هذه الآيات مسوقة ومحمولة على القرآن الكريم، خاصة الآية الأُولى، فبدايتها صريحة بهذا الصدد: ((وإذا تُتلى عليهم  آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إئتِ بقرآن غير هذا أو بدّله، قل ما يكون لي أن أُبدّله من تلقاء نفسي)).

وكذا هو الحال فيما يتعلق بالآيات الأُخرى، فهي أيضاً مسوقة بشأن التأكيد على أحقية القرآن.

أدلة جواز إجتهاد النبي

أما المجوزون لإجتهاد النبي (ص) فقد إختلفوا في حدود ذلك وشروطه. فمنهم من أشرط جوازه في حدود المصالح الدنيوية من الحرب والسياسة ومعرفة الوقائع الجزئية ليطبق عليها الكليات كما هو الحال في القضاء. كما منهم من جوّز الاجتهاد على النبي (ص) مطلقاً، اي بما في ذلك الاجتهاد في القضايا الدينية والعبادات، كما سيتبين لنا كالتالي..

 إجتهاد النبي في المصالح الدنيوية

يستفاد من بعض الآيات القرآنية أن النبي تعرض إلى أكثر من عتاب من قبل المولى تعالى لإتخاذه بعض المواقف الادارية والسياسية، مما يدل على اجتهاده في مثل هذه القضايا. وحيث أن العتاب لم يكن موجهاً إلى إجتهاده بالخصوص، بل إلى ما أفضى إليه من نتائج، فذلك يعني جواز إجتهاده بدلالة الإمضاء الحاصل من قبل الله تعالى. أما العتاب على النتائج فيحمل بأنه إرشادي، إذ بعضها - على الأقل - لا يدل على مخالفة النبي لأمر المولى، أما البعض الآخر فإن كان فيه ما يدل على المخالفة فهو محمول على الخطأ الذي لا يقرّ عليه؛ كالذي جاء بخصوص ما عوتب عليه - مع المؤمنين - بعدم قتل أسرى بدر، كما في قوله تعالى: ((ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم))([21]). ومثله عتاب النبي على ما أذن للأعراب بالتخلف عن غزوة تبوك، كما في قوله تعالى: ((عفا الله عنك لِمَ أذنتَ لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين))([22]).

كما كان النبي مأموراً بالشورى في قوله تعالى: ((وشاورهم في الأمر))([23]). وهي تستلزم الإجتهاد لأن نتائجها قد تخطئ الواقع في كل ما يتعلق بالمصالح الدنيوية.

ويؤيد ذلك ما ورد في الأحاديث والسيرة، وهو ان النبي كان يجتهد في قضايا تشخيص الواقع التي ينبني عليها تطبيق الأحكام وتنفيذها([24]). فهو بالتالي إما مصيب وإما مخطئ، دون أن تكون له عصمة مطلقة شاملة. ومن ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما في مسائل القضاء كقوله (ص): «إنما أنا بشر مثلكم  وإنكم تختصمون  إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو يتركها»([25]). وجاء ذكر هذه الرواية في المصادر الشيعية ويطلق عليها صحيحة هشام بن الحكم عن الإمام الصادق عن النبي([26]).

كذلك ما رواه مسلم من أن النبي (ص) قال: إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر([27]). وفي رواية اخرى عن أنس بن مالك أن النبي (ص) مرّ بقوم يلقحون النخل، فقال (ص): لو لم تفعلوا لصلح، فخرج شيصاً، فمر بهم النبي فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم([28]).

إجتهاد النبي في الأحكام الدينية

في قبال ما سبق هناك من جوّز الإجتهاد على النبي مطلقاً، سواء ما تعلق بالمصالح الدنيوية أو ما إرتبط بالأحكام العامة من القضايا الدينية والعبادات مما لم يرد فيها نص. وقد ذكر الكمال بن الهمام في كتابه (التحرير) أن أكثر الأقوال الفقهية ترى النبي (ص) مأموراً بالإجتهاد مطلقاً؛ سواء في القضايا السياسية والحربية، او  في الأحكام الشرعية والأُمور الدينية، من غير تقييد شيء منها، معتبراً أن ذلك مذهب عامة الأُصوليين، كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وكذلك عامة أهل الحديث([29]).

وقد زعم بعض المعاصرين أن النبي (ص) جعل الإجتهاد أصلاً ثالثاً للأحكام في عصره([30]). وصرح بعض آخر بأن النبي كان أول المجتهدين وإمام المفتين([31]).

وبخصوص الأدلة التي قدمها العلماء في هذا الصدد؛ منها ما كان من الكتاب، ومنها ما كان من الأخبار والأحاديث، وذلك كالآتي:            

دليل الكتاب

بصدد الأدلة التي قُدمت بشأن إجتهاد النبي من الكتاب؛ استدل العلماء بقوله تعالى: ((فاعتبروا يا أُولي الأبصار))([32])، اذ رأوا أنها دالة على القياس والإجتهاد، وهي عامة في حق أُولي الأبصار أو البصائر، والنبي أعظمهم بصيرة([33]). لكن عرفنا أنه ليس لهذه الآية دلالة على المقصود من الإجتهاد أو القياس.

 كما استدلوا على ذلك بآية: ((ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم))([34]). فوجه الدلالة هو أن الله تعالى عطف أُولي الأمر على الرسول في وجوب الرد إليهم ورتب على ذلك العلم بحكم الشرع عن طريق الإستنباط الذي هو الإجتهاد، وبالتالي فكما يجوز الإستنباط أو الإجتهاد لأُولي الأمر فكذا يجوز ذلك للرسول([35]).

لكن إبن حزم اعترض على هذه الافادة من المعنى، فإعتبر الضمير في لفظة (منهم) لا يرجع إلى الرسول وأُولي الأمر، بل يرجع إلى الرادين، وبالتالي يكون المستنبطون منهم ليس هم أُولي الأمر والرسول([36])، وهو الظاهر من الآية على ما يبدو. لكن حتى مع إعتبار المستنبطين هم أُولي الأمر والرسول؛ فإن الآية لا تدل على الإجتهاد المفضي إلى الظن، بل تدل على تحصيل العلم، سواء أُعتبر ذلك إجتهاداً، أو إستخراجاً للمعنى. ومن المؤكد أن الحال في ذلك يختلف كلياً عن الحال الذي يمارسه المجتهدون في طرقهم الإجتهادية.

كما استدل العلماء على إجتهاد النبي بآية: ((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم))([37])، اذ قالوا بأن النبي هو أولى رسوخاً في العلم من غيره. لكن عرفنا - سابقاً - أنه ليس للآية أيّ دلالة واضحة على الإجتهاد والمقاصد الفقهية، ومن المحتمل أنها وردت بخصوص العقائد.

وأيضاً استدلوا على إجتهاد النبي بآية: ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله))([38])، إذ قيل إن اللفظ بعمومه يتناول الحكم بالنص وبالإستنباط من النص، إذ الحكم بكل منهما حكم بما أراه الله، أو أن الحكم الذي يستنبط من المنزّل هو حكم بالمنزّل لأنه حكم بمعناه([39]).

بيد إنه إذا حملنا آلية الإستنباط على إحتمال أنها تفضي إلى الخطأ باعتبارها عملية إجتهاد؛ فإنه لا يصح أن نعتبر الحكم الذي يستنبط من المنزّل هو حكم بالمنزّل أو بمعناه، وذلك لأنه يحتمل أن يكون خطأً، وظاهر الآية بعيد عن إرادة الإجتهاد المفضي إلى الظن أو الذي يحتمل الخطأ، أو على الأقل إنه لا يدل عليه. أما لو قيل أن العموم في الآية يمكن أن يشمل الإستنباط من النص  فيما لو كان مفضياً إلى القطع واليقين؛ فلا مانع من ذلك باعتباره لا يختلف عن الحكم بالنص.

أخيراً استدلوا على إجتهاد النبي بآية سليمان في قوله تعالى: ((وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان))([40]). ووجه الإحتجاج بهذه الآية هو أن الله خصّ سليمان بفهم الحق في الواقعة؛ مما يدل على عدم فهم داود له، ومن ثم فقد كانا يجتهدان في الحكم على الواقعة بدلالة إصابة أحدهما للحق دون الآخر، فإذا ثبت هذا في حق بعض الأنبياء فما المانع من أن يصدق ذلك على نبينا (ص) ايضاً([41])؟!

وقد قيل في الجواب أن غاية ما في الآية تخصيص سليمان بالفهم، وهذا لا يدل على عدم فهم داود له إلا بالمفهوم وهو غير حجة. وحتى لو سُلم بأنه حجة فقد روي أن هذين النبيين حكما في تلك القضية حكماً واحداً، ثم نسخ الله الحكم؛ فعلم سليمان بالنص  الناسخ دون داود، لذلك أتمّت الآية قولها: ((وكلاً آتينا حكماً وعلماً))، فلو كان أحدهما مخطئاً لما أُوتي في تلك الواقعة حكماً وعلماً([42]).

كما قيل في الجواب أنهما قد حكما بحكم واحد بدلالة قوله تعالى: ((وكنا لحكمهم شاهدين))، وأن هذا الحكم لهما كان صحيحاً بدلالة قوله تعالى: ((وكلاً آتينا حكماً وعلماً))، أما الإختلاف بينهما فليس في أصل الحكم وإنما في الإجراء، من حيث أن حكم سليمان كان أوفق وأرفق، ورويت حول ذلك روايات من الشيعة والسنة تفيد أن داود حكم لصاحب الحرث برقاب الغنم، وحكم سليمان له بمنافعها في تلك السنة من ضرع وصوف ونتاج، لضمان ما أفسدته الغنم من الحرث على صاحبها، واحتُمل أن ذلك كان مساوياً لقيمة رقاب الغنم([43]).

دليل الأخبار

أما من حيث الأحاديث فقد نقل العلماء عن النبي (ص) قوله: «لولا أن أشق على أُمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (وفي رواية: عند كل صلاة)»([44]). مما يعني أن الأمر بالسواك متروك إلى إجتهاد النبي وتقديره، لذلك منعه خوف المشقة على الناس.

وهذا الحديث - على فرض صحته - لا يدل دلالة صريحة على إجتهاد النبي (ص) بالمعنى المتواضع عليه، فمن الجائز أن الله فوض له الأمر في ذلك مثلما فوض إليه إرث الجد أو الجدة. وقد قيل ان الله فوض الى النبي بعض ما جاء في الصلاة، فقد أوجب الله تعالى الركعتين الأُولتين، وفوّض غيرهما الى النبي (ص)، فأوجب النبي الركعتين الأخيرتين([45]). كذلك فوّض الله الى بعض أنبيائه في قوله تعالى: ((هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب))([46]).

ومن الجائز أيضاً أن يدل الحديث السابق على الأمر الإرشادي لا المولوي، اذ لا علاقة للسواك بالأحكام العبادية، بل كل ما يمكن أن يقال هو أن له علاقة بنظافة الفم والصحة.

كما استدل العلماء بقول النبي (ص) في حرم مكة: لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها، فقال العباس: إلا الأذخر، فقال النبي: إلا الأذخر. فقد نهى النبي في هذا النص عن قطع حشيش حرم مكة وشجره، وأن موافقته للعباس على استثناء نبات الأذخر - ربما كما قيل لطيب رائحته –([47])، تدل على اجتهاده في أمر النهي والاستثناء، اذ من المستبعد ان يطابق كلام العباس ما أراد النبي (ص) قوله بالوحي([48]).

وتدل هذه الحادثة - على فرض صدقها - على المصالح الدنيوية التي يجوز فيها الإجتهاد من جهة تشخيص الواقع الموافق للمصلحة وليس لها علاقة بالأحكام الكلية.

كما استدل العلماء بما روي عن عمر بن الخطاب من أنه سأل النبي فقال: إني اليوم - وهو يوم صيام - أتيت أمراً عظيماً. فقال (ص): وما ذاك؟ فقال: هششت إلى أمرأتي فقبّلتها. فقال (ص): أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان عليك جناح؟ قال: لا. قال (ص): فلِمَ إذن؟! إذ قيل إن في هذا النص دلالة على القياس، حيث قاس النبي مقدمة الجماع على مقدمة الشرب، فمثلما أن المضمضة لا تفسد الصوم، كذلك فإن القبلة لا تفسده أيضاً([49]).

لكن ليس في هذا الحديث - على فرض صحته - دلالة تقضي بارجاع حكم النبي إلى القياس. فربما شابه النبي بين الأمرين للإيضاح لا التشريع. مع ذلك، حتى لو فرضنا القصد من الحديث هو القياس، لا يحق لنا تعميم هذه الجزئية على الحالات الأُخرى إلا بقياس، وهو ما يفضي إلى الدور أو التسلسل الباطل.

ومثل ذلك ما روي عن النبي أنه قال في حديث طويل: وفي بضع أحدكم صدقة. فقال أصحابه: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال (ص): أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر([50]). ومثله ما رواه إبن عباس من أن الجارية الخثعمية سألتْ النبي وقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج شيخاً زمِناً لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها: أرأيتِ لو كان على أبيك ديْن فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم. قال (ص): فدين الله أحق بالقضاء([51]).

وواضح أنه ليس في مثل هذه الرواية وما قبلها ـ على فرض صحتهما ـ دلالة تفيد الافتاء بالقياس، إذ كل ما يمكن أن يقال إن النبي شابه بين قضيتين ربما للتوضيح وتقريب المعنى لا التشريع. وحتى لو فرضنا ان النبي عمل في الحالات القليلة السابقة بالقياس؛ فذلك لا يبرر العمل بمختلف حالات القياس كما عوّل عليها الأُصوليون. فالتعميم مبني على قياس سابق أو مفترض، وهو ما يفضي إلى المصادرة على المطلوب.

وبأضعف من ذلك استدل العلماء على قياس النبي (ص) بما روي من أن رجلاً أنكر  ولداً وضعته زوجته أسود، فقال (ص): هل لك من إبل حمر فيها أورق - أسود -؟ قال: نعم. قال (ص): وهذا لعله نزعة عرق([52]).

كما استدل العلماء على إجتهاد النبي بما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن رجل أتى النبي (ص) فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه ذلك([53]).

وليس في هذه الرواية - على فرض صحتها - دلالة على الإجتهاد. فقد يكون هذا القبول صادراً عن الوحي لترغيب المشركين في الإسلام وتأليف قلوبهم. كما قد يكون النبي مفوَّضاً له الامر - وحياً - في أن يقبل أو لا يقبل. وهو أمر يختلف عن الإجتهاد المصطلح عليه. وقد قال الشيخ أحمد الأنصاري الحنفي النقشبندي في شرحه (بذل المجهود في شرح سنن أبي داود)، تعليقاً على تلك الرواية: «فظهر بهذا أنه (ص) أسقط عنه ثلاث صلوات، فكان من خصائصه أن يخص من شاء بما شاء من الأحكام، ويسقط عمن شاء ما شاء من الواجبات»([54]).

واستدل العلماء أيضاً بما روي عن النبي (ص) أنه قال في حجة الوداع: «لو إستقبلت من أمري ما إستدبرت لما سقت الهدي». فقيل أن سوق الهدي على ذلك كان بالرأي.

لكن أُجيب على ذلك بأن معنى النص هو ان النبي لو علم سابقاً ما علمه الآن من الحرج الذي وُجد في السوق لما فعل.

كما قيل في الرد بأن هذا الحديث وقع في حجة الوداع حين أمر النبي القوم بالتحلل عن إحرام الحج بالعمرة، لكن النبي نفسه لم يتحلل لمّا ساق الهدي، فتحرّج القوم عن التحلل وأرادوا أن يهتدوا بهدي الرسول (ص)، لذلك إعتبر النبي أن سوق الهدي مانع له من التحلل قبل أن يبلغ محله، ولو علم أنهم لا تطيب أنفسهم إلا بالإتباع في فعله لما ساق الهدي وتحلل. وهذا الحال لم يأتِ عن إجتهاد ورأي في الحكم الشرعي، كما هو واضح([55]).

***

هكذا لا توجد دلالة قاطعة على الإجتهاد المطلق للنبي، إذ الروايات التي إستند إليها العلماء في الأدلة المتقدمة هي من الآحاد التي لا تفيد القطع، وبعضها لا تعد من الاحاديث الصحاح كما اصطلح عليها العلماء. وهي بالاضافة الى ذلك ليس فيها الدلالة الواضحة على الإجتهاد بالمعنى المتواضع عليه. لكن من المؤكد أن النبي قد تعامل مع القضايا التي لا نص فيها من الحوادث ومجريات الواقع بالرأي والإجتهاد. فهذا ما أكده القرآن الكريم بدلالات واضحة يعززها ما نقل عنه من سيرة في العديد من الوقائع. إلا أن هذا النوع من الإجتهاد يختلف عن المفهوم الذي صاغه الفقهاء بعنوان إستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الأصلية، أو هو القياس وما شاكله.

 إجتهاد الصحابة

 إختلف العلماء حول جواز وشروط الإجتهاد بين الصحابة. فمنهم من منع ذلك في حياة النبي وأجازه بعده، وهو المحكي عن أبي علي الجبائي وإبنه أبي هاشم، وإن كان أبو الحسين البصري قد نقل عنهما التوقف. وذكر البعض أن أبا علي توقف في الغائب من الصحابة، وقطع هو وإبنه بالمنع في الحاضر إذا أمكنه سؤال النبي (ص)، وفي الغائب إذا أمكنه مراسلته([56]). وممن توقف ما نُسب إلى القاضي عبد الجبار الهمداني الذي سلّم بوقوع الإجتهاد في الغيبة عن النبي وتوقف في حضرته، وهو الذي ذهب إليه الإمام الغزالي إستناداً إلى حديث معاذ بن جبل؛ رغم أنه من أخبار الآحاد، لكنه عوّل عليه لما قيل فيه إنه تلقته الأُمة بالقبول([57]). أما السبب في توقف هؤلاء العلماء فيعود إلى تعارض الأدلة وعدم القطع بها.

ومن العلماء من منع الإجتهاد عن الصحابة إلا في حدود القضاء دون غيره، وبشرط الغيبة عن النبي لا حضوره، وهو ما نقله الآمدي عن قوم([58]). ومنهم من منع ذلك باستثناء الحالة التي لا يتمكن فيها الصحابي أن يكون على إتصال بالنبي، كالغائب البعيد، أو في حالة إذن النبي له بالحكم، كالذي ذهب اليه صاحب (مسلم الثبوت). وهناك من أجازه مطلقاً في الغائب دون الحاضر. كما هناك من أجازه بشرط الإذن الخاص. والبعض توسع في هذا الإذن فشمل عنده الصريح والضمني. كذلك فهناك من أجازه بغياب النبي وحضوره بعد إذنه إذا ما خاف فوت الحادثة من دون حكم أو ضاق عليه الوقت([59]).

وذهب بعض آخر إلى إعتبار الإجتهاد جائزاً في كل ما ليس فيه أمر ولا نهي، كما هو مذهب إبن حزم الأندلسي الذي أجاز الإجتهاد على الجميع سواء كانوا صحابة أو غيرهم إلى يوم القيامة، حتى لو كان الأمر في حضرة النبي (ص)؛ طالما كان الإجتهاد في دائرة المباح لا الواجب ولا الحرام، كإجتهاد الصحابة فيما يجعلونه علماً للدعاء إلى الصلاة، وكإجتهادهم في تشخيص السبعين ألف الذين يدخلون الجنة ووجوههم كالقمر ليلة البدر، فقد أخطأوا ولم يعنفهم النبي على إجتهادهم هذا([60]).

هكذا تتعدد الأقوال التي تجيز للصحابة الإجتهاد في حياة النبي وبعده ضمن شروط وإعتبارات مختلفة. أما الأدلة التي قُدمت بهذا الصدد فسنتناولها كالتالي:

  أدلة منع إجتهاد الصحابة

إستدل المانعون لإجتهاد الصحابة في حياة النبي بعدة أدلة، منها:

 1 ـ يمكن للصحابي معرفة الحكم الشرعي - في حياة النبي - على وجه اليقين والعلم، وبالتالي لا معنى لأن يمارس الإجتهاد المفضي إلى الظن.

 2 ـ إن الحكم بالإجتهاد في حياة النبي يعد إفتياتاً على مقام النبوة فلا يقع.

 3 ـ قد ثبت أن الصحابة كانوا يرجعون عند وقوع الحوادث إلى النبي، وعليه لو جاز لهم الإجتهاد لإجتهدوا دون مراجعة حضرته (ص)([61]).

أدلة جواز إجتهاد الصحابة

 

إجتهاد الصحابة في حياة النبي

بدءاً، لا مانع من إجتهاد الصحابة بخصوص القضاء وما شاكله إن كان يتعلق بالتطبيق وتشخيص الواقع، بل لا غنى عنه في أيّ وقت من الأوقات، سواء في حياة النبي (ص) أو بعدها، وسواء في غيبته أو عند حضوره بعد أخذ الإذن منه.

ومن الوقائع المنقولة بهذا الصدد أن النبي طلب من عمرو بن العاص أن يحكم في مسألة، فقال أجتهد وأنت حاضر يا رسول الله؟ قال: نعم، إن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر واحد([62]).

كما روي أن النبي بعث علياً إلى اليمن قاضياً وقال له: إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلام الآخر. فقال علي: فما شككت في قضاء بعد([63]). كما نُقل أن النبي أرسل حذيفة اليماني للقضاء بين جارين إختصما في جدار بينهما وإدعى كل منهما أنه له([64]).

وروي أيضاً أن النبي أَذِنَ لسعد بن معاذ أن يحكم في شأن يهود بني قريظة، فحكم بقتلهم وسبي نسائهم وذراريهم، فقال له النبي: لقد حكمتَ بحكم الله من فوق سبعة أرقعة([65]).

مع هذا يلاحظ أنه لا علاقة لمثل هذه المنقولات بالإجتهاد المتواضع عليه، فليس فيها إستنباط لحكم من الأحكام الشرعية كما هو واضح.

كما هناك منقولات تعبر عن مواقف عملية متعلقة بالتكليف، وقد إتخذها الصحابة إضطراراً لعدم تمكنهم من الإتصال بالنبي مع خوفهم من فوات الحادثة أو ضيق الوقت، وهي أيضاً لا تدل على أنهم كانوا يجتهدون بالمعنى المتواضع عليه، فهي حالات جزئية ووقتية تقتضي الاضطرار الى  إتخاذ الموقف العملي منها.

فمن هذه المنقولات جاء أنه خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما ثم صليا وبعد ذلك وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي (ص) فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: لك الأجر مرتين([66]).

كما نُقل أن النبي قال لأصحابه بعد إنصرافه عن الأحزاب: «ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، لكن بعضاً من الصحابة صلوا صلاة العصر قبل الوصول إلى مكان وجود يهود بني قريظة خشية فوات الوقت، بينما أخرها البعض الآخر حتى وصل إلى محل بني قريظة عملاً بقول الرسول، ومع ذلك فان النبي (ص) لم يوبخ ايّاً منهما([67]).

وروي أن جماعة من الصحابة كانوا في سفر وفيهم عمر ومعاذ، فأصبح كلاهما بحاجة إلى الغسل ولا ماء معهما، فعمل كل واحد منهما على ما ظن ورجى أنه الصواب. فأما معاذ فقد تمرغ وتوضأ بالتراب وصلى، لكن عمر لم يرد ذلك وأخّر الصلاة، فلما رجعا إلى الرسول بيّن لهما الصواب في قوله تعالى: ((فامسحوا بوجوهكم وأيديكم))، وقال يكفيكما أن تفعلا هكذا، مشيراً إلى كيفية التيمم([68]).

وهناك منقولات تبدي أن بعض الصحابة كان يحكم في حضور النبي دون إذنه. فمن ذلك جاء أنه لما قتل أبو قتادة الإنصاري مشركاً، وقال رسول الله (ص): من قتل قتيلاً فله سلبه، فقام أبو قتادة وقال: قتلت قتيلاً، فقال رجل: صدق وسلبه عندي، فإرضه يا رسول الله، عندها قال أبو بكر: لا ها الله ذا لا يعمد إلى أسد من اسود الله يقاتل عن الله تعالى ورسوله فيعطيك سلبه([69]).

وعلى فرض صحة هذه الرواية فانها لا تدل على إجتهاد أبي بكر، فما قاله مستمد مما صرح به النبي (ص) في قوله الآنف الذكر. كل ما في الأمر أن أبا بكر قد تعجل وحكم من نفسه دون إذن النبي، وكان الأولى أن يدع النبي يحكم أو يستأذن منه ذلك.

لكن أهم المنقولات التي لها دلالة على الإجتهاد بالرأي في حياة النبي هي منقولة معاذ بن جبل حينما بعثه النبي إلى اليمن قاضياً، إذ قال له النبي: بمَ تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: بما في كتاب الله، قال (ص): فإن لم تجد؟ قال: بما في سنة رسول الله، قال (ص): فإن لم تجد؟ قال: أجتهد ولا آلو. فسُرَّ بذلك رسول الله وقال: الحمد لله أن وفق رسول الله لما يرضي الله ورسوله.

فهذه الحادثة لها دلالة على الإجتهاد باستنفاد الجهد فيما لا نص فيه. لكنها من جهة وردت بخصوص القضاء وهو يحتاج إلى فض المنازعات والفصل فيها؛ سواء بالإستناد إلى النص أو إلى غير ذلك إن لم يتمكن القاضي من إيجاد الحكم في النص، وهو خلاف الحال في الفتوى، إذ قد لا يترتب على الفتوى أثر من المشاكل إن توقف المفتي وإمتنع عن الإفتاء أو قال بالإحتياط أو أيّ وظيفة عملية أُخرى، وذلك فيما لو عجز عن تحصيل الحكم الشرعي من النصوص. لهذا فإن قياس الإجتهاد في القضاء على الفتوى يعني إلغاء الخصوصية في الأول، وهو ما يحتاج إلى دليل منفصل يسمح بمثل هذا التعدي.

هذا من جهة، أما من جهة أُخرى فإن منقولة معاذ هي كغيرها من المنقولات - التي ذكرناها - تُعد من أخبار الآحاد التي لا تنفع في إثبات مثل هذا المطلب الكبير، ذلك أن الإجتهاد هو أصل أساس تتوقف عليه مختلف الفروع الفقهية، ومن غير المنطقي أن يتم إثباته بمجرد خبر الآحاد؛ وإن كان ظني الثبوت. وقد سبق لأبي حنيفة أن إعتبر خبر الآحاد إذا كان مما تعم به البلوى ليس بحجة([70])، فكيف الحال والخبر مرسل ؟! اذ روى الحديث أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي وإبن عدي والطبراني والبيهقي؛ عن أحّد أصحاب معاذ، وهو مرسل([71]). وقد نصّ الترمذي عليه بقوله: ليس إسناده عندي بمتصل. وعقّب عليه إبن العربي بقوله: هو حديث مشهور([72]). ناهيك عن أن هناك من عدّه من الموضوعات، كالجوزجاني الذي علّق عليه بقوله: «هذا حديث باطل جاء بإسناد لا يعتمد عليه في أصل من أُصول الشريعة»([73]). كما اعتبره ابن حزم حديثاً باطلاً لم يروه أحد إلا الحارث بن عمرو عن رجال من أهل حمص لم يسمهم، وهو ذاته رجل مجهول لا يعرف من هو. وعلى رأي ابن حزم ان هذا الحديث يتصادم مع عدد من الايات القرآنية، مثل قوله تعالى: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) وقوله: ((اليوم أكملت لكم دينكم))([74]).

هكذا يتضح انه لا دليل على إجتهاد الصحابة في حياة النبي (ص) بالمعنى المتعارف عليه. والعجيب ما زعمه الزركشي في (البحر المحيط) من «أن الصحابة تكلموا في زمن النبي (ص) في العلل». واحتج على ذلك بما رواه البخاري من حالات جزئية محدودة، كالذي روي حول حادثة نهي النبي عن أكل لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، اذ قال الصحابي عبد اللّه بن أبي أوفى انه تحدثنا عن ذلك وقلنا ان النبي نهى عنها لأنّها لم تخمّس، وقال بعضهم نهى عنها ألبتّة لأنّها كانت تأكل العذرة([75]).

مع هذا فقد قام الصحابة بتعليل عدد من الاحكام، خاصة بعد النبي، وبنوا على ذلك احكامهم، كما هو الحال في تعليل عمر بن الخطاب لحكم سهم المؤلفة قلوبهم. لكن ما ذكره الزركشي يوحي بأن مسألة العلل مركوزة في اذهان الصحابة مثلما هي مركوزة في اذهان الفقهاء، وهو أمر بعيد عن الصواب.

 

إجتهاد الصحابة بعد النبي

أما إجتهاد الصحابة بعد وفاة النبي فقد كثر النقل عنه حتى أصبح لا يقبل الشك، خاصة أن الحاجة والضرورة قاضية به عند تجدد الحوادث التي لم ينص عليها الشرع بشكل صريح وواضح. وقد قيل أن الذين حُفظت عنهم الفتوى من الصحابة بلغوا مائة ونيفاً وثلاثين ما بين رجل وإمرأة؛ منهم المكثرون ومنهم المتوسطون ومنهم المقلون([76]). لذلك إختلفوا في مسائل عديدة؛ من بينها ما أُطلق عليه: الجد والأخوة والخرقاء والمشتركة أو المشرّكة والحرام والخيار والخلية والبرية والبائن والمدبر والمكاتب والكلالة وغيرها([77]).

ومن بين ما نُقل أن بعض الصحابة أشار في كلماته إلى دليل القياس فيما لا نص فيه، كما هو الحال مع الخليفة عمر بن الخطاب، حيث جاء في رسالة مطوّلة له بعثها إلى أبي موسى الأشعري قال فيها: «.. ثم الفهم الفهم فيما أدى إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس بين الأُمور عند ذلك، وأعرف الأمثال، ثم أعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق». وقد ضعّف ابن حزم هذه الرسالة من حيث السند وكذبها([78]). كما توصل الاستاذ محمود بن محمد عرنوس في كتابه (تاريخ القضاء في الإسلام) إلى تأييد ابن حزم واعتبار تلك الرسالة موضوعة بالإستناد إلى دليل تاريخي، وهو ان أبا موسى الأشعري لم يتولَّ الكوفة في عهد عمر، بل كان قاضيها آنذاك شريح، أما أبو موسى فقد تولاها في عهد عثمان([79]).

وقد اعتبر بعض المتأخرين ان القياس دليل مستقل لعمل الصحابة وإجماعهم عليه، اذ قال إبن خلدون: «ثم نظرنا في طرق إستدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة؛ فإذا هم يقيسون الأشباه منها بالأشباه، ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم، وتسليم بعضهم لبعض في ذلك الإلحاق. فإن كثيراً من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما ثبت، وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق؛ تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين، حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد، وصار ذلك دليلاً شرعياً بإجماعهم عليه، وهو القياس وهو رابع الأدلة»([80]).

ويُعدّ مثل هذا الرأي من المجازفات. فكون الصحابة إجتهدوا في الكثير من القضايا وأقاموا الشورى كي يحددوا الموقف العملي لمسائل لم ينزل فيها تشريع؛ لا يعني أنهم عملوا بالقياس كدليل مميز ومستقل، وما روي في هذا الشأن يعد من القليل لا يصح أن يُصور كأنه مركوز في أذهان الصحابة مثلما هو الحال عند المجتهدين عبر العصور.

مع أنه يُنقل في القبال عن الصحابة والتابعين الكثير من النقد والإعتراض على الرأي والقياس، ولو بصورة مجملة، فمن ذلك ما روي عن أبي بكر قوله: «أيّ سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي». وعن الإمام علي قوله: «لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره»([81]). وسبق لابن حزم إنكار ان يكون أحد من الصحابة أباح القول بالقياس، باستثناء الرسالة الموضوعة عن عمر بن الخطاب، وهي عنده لا تصح، اذ رواها رجلان متروكان([82]).

أما ما جاء عن التابعين في ذم الرأي والقياس فهو كثير، ومن ذلك ما جاء عن إبن سيرين قوله: «أول من قاس إبليس، وما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس». وعن مسروق صاحب إبن مسعود قوله: «إني لا أقيس شيئاً بشيء إني أخاف أن تزلّ قدمي». وعن الشعبي أنه قال: لعن الله أرأيت. وعنه في جوابه لصالح بن مسلم في مسألة عن النكاح، إذ قال له: إن أخبرتك برأيي فَبُل عليه. وعنه أنه قال: ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله (ص) فخذوه، وما كان رأيهم فاطرحوه في الحش. ونُقل إنه قيل لجابر بن زيد: إنهم يكتبون ما يسمعون منك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يكتبونه وأنا أرجع عنه غداً. وعن سفيان بن عيينة أنه قال: إجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم، لا أن يقول هو برأيه. وعن أبي سلمة أنه قال للحسن البصري: بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تفت برأيك إلا أن يكون سنة عن رسول الله (ص). وعن أبي وائل شقيق إبن سلمة إنه قال: إياك ومجالسة من يقول أرأيت أرأيت. وعن إبن شهاب إنه قال: دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي. وعن عروة بن الزبير إنه قال: ما زال أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأُمم، فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوهم. وعن إبن شهاب إنه قال، وهو يذكر ما وقع فيه الناس من هذا الرأي وتركهم السنن، فقال: إن اليهود والنصارى إنما إنسلخوا من العلم الذي بأيديهم حين إتبعوا الرأي وأخذوا فيه. وعن إبن وهب إنه قال: حدثني إبن طيعة أن رجلاً سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء، فقال: لم أسمع في هذا شيئاً: فقال له الرجل: فأخبرني أصلحك الله برأيك، فقال: لا، ثم عاد عليه، فقال: إني أرضى برأيك، فقال سالم: لعلّي إن أخبرتك برأيي ثم تذهب فأرى بعد ذلك رأياً غيره فلا أجدك. وعن ربيعة إنه قال لإبن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك، أنا أقول برأيي من شاء أخذه وعمل به، ومن شاء تركه. وعن حماد بن زيد إنه قال: قيل لأيوب السخنياني: ما لك لا تنظر في الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار ما لك لا تجترّ؟ قال: أكره مضغ الباطل. وعن الأوزاعي إنه قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول. وعن سعيد بن عبد العزيز إنه كان إذا سُئل لا يجيب حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأي والرأي يخطئ ويصيب([83]).

كذلك فمن المعروف أن الأئمة الأربعة كانوا لا يعولون على الرأي والإجتهاد إلا للضرورة. وقد نقل الحافظ ابن عبد البر والعارف الشعراني عن كل من الأئمة الأربعة أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي([84]). ومن ذلك قول أبي حنيفة: «عجباً للناس يقولون إني أفتي بالرأي، ما أفتي إلا بالأثر». وقوله «إذا صح الحديث فهو مذهبي»([85]). كذلك قوله: «كذب والله وإفترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى القياس»([86]). وقوله أيضاً: «نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة، وذلك إننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ مسكوتاً عنه على منطوق به»)[87]( . وقد كان هناك من يتهم أبا حنيفة بتقديم الرأي والقياس على الخبر، حتى كان الاوزاعي يقول: «أنا لا ننقم على ابي حنيفة انه رأى، كلنا يرى، ولكننا ننقم عليه انه يجيئه الحديث عن النبي (ص) فيخالفه الى غيره»)[88](، كذلك يتهمه سفيان بن عينية فيقول: ما زال أمر الناس معتدلاً حتى غيّر ذلك ابو حنيفة بالكوفة والبتي بالبصرة وربيعة بالمدينة)[89](.

كما كان الإمام مالك يقول هو الآخر ما معناه: إنما أنا بشر أُصيب وأُخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة)[90](. وقال القعنبي: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبد الله، ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا إبن قعنب، ومالي لا أبكي؟! ومن أحق بالبكاء مني؟! والله لوددت أني ضُربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطاً، وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أُفتِ بالرأي)[91].(

ونُقل عن مالك العديد من الأقوال التي يبدي فيها توقفه دون ابداء رأي خشية من الفتوى. ومن ذلك انه قال: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن. وكان إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر فيها، فينصرف ويردد فيها، فقيل له حول ذلك، فبكى وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم، وأي يوم. وكان إذا جلس نكّس رأسه وحرك شفتيه يذكر الله ولم يلتفت يميناً ولا شمالاً فإذا سئل عن مسألة تغير لونه وكان أحمر فيصفر وينكّس رأسه ويحرّك شفتيه ثم يقول: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فربما سئل عن خمسين مسألة فلا يجيب منها في واحدة. وكان يقول من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه، قبل أن يجيب، على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب؟! وقال بعضهم لكأنما مالك إذا سئل عن مسألة والله واقف بين الجنة والنار. وسأل رجل مالكاً عن مسألة وذكر أنه أرسل فيها من مسيرة ستة أشهر من المغرب، فقال له: أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها. فقال السائل: ومن يعلمها؟ قال مالك: من علمه الله. وسأله رجل عن مسألة استودعه إياها أهل المغرب، فقال: ما أدري ما ابتلينا بهذه المسألة ببلدنا ولا سمعنا أحداً من أشياخنا تكلم فيها. وعاد اليه الرجل في اليوم التالي يسأله عن المسألة، فقال له مالك: ما أدري ما هي. فقال الرجل: يا أبا عبد الله تركت خلفي من يقول ليس على وجه الأرض أعلم منك، فقال مالك: إذا رجعت فأخبرهم أني لا أحسن. وسأله آخر فلم يجبه، فقال له يا أبا عبد الله أجبني. فقال: ويحك تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله، فأحتاج أنا أولاً أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك. وسئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري. وسئل من العراق عن أربعين مسألة فما أجاب منها إلا في خمس. وسئل مرة عن نيف وعشرين مسألة فما أجاب منها إلا في واحدة، وربما سئل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي لا أدري. ونقل عن ابن هرمز انه يقول: ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري، وكان يقول في أكثر ما يسأل عنه لا أدري، فذُكر ذلك لمالك فقال: يرجع أهل الشام إلى شامهم، وأهل العراق إلى عراقهم، وأهل مصر إلى مصرهم، ثم لعليّ أرجع عما أرجع أفتيهم به. وسئل عن مسألة أجاب فيها ثم قال مكانه لا أدري إنما هو الرأي وأنا أخطئ وأرجع وكل ما أقول يُكتب. وقال مالك عندما رأى أشهب يكتب جوابه في مسألة: لا تكتبها فإني لا أدري أثبت عليها أم لا. قال ابن وهب سمعته يعيب كثرة الجواب من العالم حين يسأل، وقال وسمعته عندما يكثر عليه من السؤال يكف ويقول: حسبكم من أكثر أخطأ. وذكر الشاطبي بأن الروايات عن مالك في لا أدري، ولا أحسن، كثيرة حتى قيل: لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك لا أدري لفعل قبل أن يجيب في مسألة. وقيل له إذا قلت أنت يا أبا عبد الله لا أدري فمن يدري، قال: ويحك أعرفتني ومن أنا وإيش منزلتي حتى أدري ما لا تدرون، ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر وقال هذا ابن عمر يقول لا أدري فمن أنا وإنما أهلك الناس العجب وطلب الرياسة)[92].(

أما الشافعي فهو معروف بموقفه المتشدد من الرأي في قبال النص، إذ إنه يعد الرأي أو القياس للضرورة صراحة، وقد نصّ في رسالته على ذلك، حيث يقول: «ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا، ولكنه منزلة ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود»)[93](. وقد نُقلتْ عنه أقوال عديدة بهذا الشأن؛ منها قوله: «القياس إنما يصار إليه عند الضرورة»)[94](، وقوله: «إذا وجدتم لي مذهباً، ووجدتم خبراً على خلاف مذهبي، فأعلموا أن مذهبي ذلك الخبر»)[95](، وقوله: «إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط». كذلك قوله: «إذا رويت عن رسول الله (ص) حديثاً ولم آخذ به فأعلموا أن عقلي قد ذهب». وقوله: «لا قول لأحد مع سنة رسول الله (ص)»)[96].( وقوله: كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. وقوله: ما قلتُ وقد كان النبي قد قال بخلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى، لا تقلدوني. وقيل أن رجلاً سأل الشافعي عن مسألة فأفتاه وقال: قال النبي (ص) كذا، فقال الرجل: أتقول بهذا؟ قال: أرأيت في وسطي زُنّاراً؟ أتراني خرجت من الكنيسة؟ أقول قال النبي (ص) وتقول لي: أتقول بهذا)[97](؟!

أما إبن حنبل فهو أشد الأئمة الأربعة بعداً عن الرأي وأقربهم تمسكاً بالخبر ولو كان ضعيفاً، وهو السبب الذي جعل مقلديه قلة، كما نصّ على ذلك إبن خلدون)[98](. فمن الواضح إنه لا يستخدم القياس الا بدافع الضرورة، كوقوع حادثة تقتضي حكماً ما لدفع مضرة أو جلب مصلحة وليس هناك من نص ولا أثر، لذلك إنه ينفر من الإفتاء في القضايا المفترضة على خلاف توجهات الإمام أبي حنيفة)[99](. وكان يقول ما معناه: لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري ولا الاوزاعي، وتعلموا كما تعلمنا. كما يقول: لا تقلد دينك الرجال فانهم لن يسلموا أن يغلطوا)[100](. ويقول ايضاً: لا تكاد ترى احداً نظر في الرأي الا وفي قلبه دغل (فساد) )[101](. واكثر من ذلك نُقل انه كان يعد الرأي والقياس من الباطل في الدين، حتى اتهم القائلين بهما من المبتدعة الضلال)[102].(

***

يبقى القول المعقول هو أن الصحابة مارسوا الإجتهاد عند الحاجة والإضطرار، وكان في الغالب ممزوجاً بالشورى. ومن ذلك ما ذكره ميمون بن مهران من أن أبا بكر كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله (ص) في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين إن كان الرسول قد قضى في ذلك بقضاء؟ فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله (ص) جمع رؤوس الناس وخيارهم فإستشارهم؛ فإذا إجتمع رأيهم على أمر قضى به)[103](. وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه قائلاً: إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله فانظر ما إجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أيّ الأمرين شئت، إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك)[104].(

وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى علينا زمان لسنا نقضي، وإن الله قد قدر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون، فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله ولم يقض به رسول الله (ص) فليقض بما قضى به الصالحون ولا يقل إني أخاف وإني أرى «فإن الحرام بيّن والحلال بيّن، وبين ذلك أُمور مشتبهة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك»)[105].(

لقد جاء إجتهاد الصحابة رحمة للذين أتوا من بعدهم. فبفضله فتح الفقهاء باب الرأي والاستنباط على مصراعيه، ولولاه لكان التفكير خارج صريح النص مشكلاً. لهذا يؤثر عن عمر بن عبد العزيز قوله: «ما أحب أن أصحاب رسول الله (ص) لم يختلفوا؛ لأنه لو كانوا قولاً واحداً كان الناس في ضيق، وانهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة»[106].

مع هذا كان النهج الإجتهادي الذي سلكه الصحابة يختلف عن الأساليب الإستدلالية كما زاولها المجتهدون من بعدهم عبر العصور، اذ كان تلقائياً ذا طبيعة وجدانية تعمل على اقتناص المطلوب مباشرة بعد التأمل ومشاورة الرأي عادة. وقد إستمر العمل بهذا النهج حتى ظهر الإحتياج إلى الإجتهاد المعتمد على سبل الإستدلال ضمن قواعد محددة.

فقد أشار العديد من العلماء الى ان مبرر العمل بالاجتهاد انما جاء وفقاً لتناهي النصوص قبال تجددات الواقع غير المتناهية. وقد ظهر الاجتهاد في فترة مبكرة أوائل القرن الثاني للهجرة، وربما قبل ذلك بقليل، وكان يراد منه اول الامر معالجة القضايا التي لا نص فيها. وظل هذا المعنى مستحكماً لدى المذاهب الفقهية التي ظهرت خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة، ومن ثم اخذ يتوسع فشمل القضايا المنصوص فيها.

ففي بادئ الامر طُرح الاجتهاد كمرتبة بعد مرتبة النص، وكان يعبر عنه بصور وقواعد متعددة لم تثر خلافاً بين الفقهاء القائلين به، وكان القياس على رأس هذه القواعد. ويُعد الشافعي اول من اثار الخلاف في الاجتهاد، وذلك عند ضبطه والتنظير له، حيث قصره على القياس فخالف سابقيه الاخذين بالمصالح المرسلة والاستحسان وغيرهما.

وتعد المذاهب الاربعة المعروفة ابرز من عمل بمبدأ الاجتهاد وان لم يتفق اصحابها على القواعد التي يصح العمل بها، لكنهم اتفقوا على العمل بالقياس واختلفوا في غيره من القواعد. وليس من سبب يجعلهم يتفقون على القياس الا لانه اقرب صور الاجتهاد الى النص، اذ هو قائم عليه كمثال سابق. اما بقية قواعد الاجتهاد فلم تكن لها هذه الخصوصية من الاعتماد على النص الخاص، لذلك كانت موضعاً للرد والقبول، او كان يُلجأ اليها للحاجة والضرورة كاستثناء للقياس، مثلما اتخذ القياس كاستثناء للنص، باعتبار ان العمل به كان للضرورة والاضطرار، وان اصبح فيما بعد اصلاً يعتمد عليه)[107].(

وقد إستمر العمل بالاجتهاد وفق الاصول المختلف حولها حتى القرن الرابع الهجري، ومنه ظهر الجدل وكثرة الخلاف في علم الفقه، إذ تكاثرت الآراء والمذاهب وأصبح بعضها يضرب البعض الآخر حتى إنتهى الأمر أخيراً إلى سد باب الرأي والإجتهاد المطلقين، فركن الفقهاء وغيرهم من الناس قروناً طويلة إلى التقليد غير عابئين بوجود الحاجة المستمرة إلى الإجتهاد)[108](. أما الدواعي الحقيقية لغلق باب الإجتهاد فما زالت لم تعرف بعد. فكل ما طُرح بهذا الصدد يعد من التكهنات والظنون التي لا ترقى إلى مستوى العلم واليقين..


[1] الحشر/ 2.

[2] المعتمد، ج2، ص766. والمستصفى، ج2، ص254. والإحكام للآمدي، ج4، ص291.

[3] البحر المحيط، شبكة المشكاة الالكترونية، فقرة 1260.

[4] آل عمران/ 7. انظر: الإحكام للآمدي، ج 4، ص415.

[5] إبن كثير: تفسير القرآن العظيم، قدم له يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة ببيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ ـ1987م، ج1، ص352.

[6] النساء/ 83. انظر: المستصفى، ج2، ص254. والإحكام للآمدي، ج4، ص289. كذلك: فخر الدين الرازي: التفسير الكبير، مكتب الإعلام الإسلامي في قم، الطبعة الثالثة، 1411هـ، ج10، ص199 وما بعدها.

[7] الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، ج5، ص25.

[8] النحل/ 43، والأنبياء / 7.

[9] التوبة/ 122.

[10] الإحكام للآمدي، ج4، حاشية، ص434.

[11] صحيح البخاري، حديث 6919. وصحيح مسلم، حديث 1716. كذلك: الجصاص، أحمد بن علي الرازي: الفصول في أُصول الفقه، دراسة وتحقيق عجيل جاسم النشمي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، الطبعة الثانية، 1414هـ ـ1994م، ج4، ص45. والشيرازي، أبو إسحاق: التبصرة في أُصول الفقه، شرحه وحققه محمد حسن هنيتو، دار الفكر بدمشق، 1400هـ ـ1980م، ص499. والمستصفى، ج2، ص255. والإحكام للآمدي، ج4، ص416.

[12] الفصول في الأُصول، ج4، ص45. والمستصفى، ج2، ص355.

[13] المستصفى، ج2، ص355. والإحكام للآمدي، ج4، ص408.

[14] المستصفى، ج2، ص255.

[15] شرح اللمع، ج2، ص760 و774.

[16] المعتمد، ج2، ص761 وما بعدها. والإحكام للآمدي، ج4، ص398ـ407. والمستصفى، ج2، ص356ـ357.

[17] انظر حول ذلك المصادر التالية: المعتمد، ج2، ص763. والتبصرة للشيرازي، ص522ـ523.  والمستصفى، ج2، ص355 وما بعدها. والإحكام للآمدي، ج4، ص402ـ403.

[18] النجم/ 3ـ4.

[19] يونس/ 15.

[20] الحاقة/ 44ـ46.

[21] الأنفال/ 67ـ68.

[22] آل عمران/ 159.

[23] آل عمران/ 159.

[24] انظر بصدد العصمة دراستنا المعنونة: العصمة وكتاب الألفين والمنهج الإستقرائي، مجلة الموسم، العددان23ـ24 ، 1416هـ ـ1995م، ص405ـ420.

[25] صحيح البخاري، باب من أمر بإنجاز الوعد، حديث 2534. وصحيح مسلم، ج3، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث 1713 . كما روى هذا الحديث ابن حنبل في مسنده وأبو داود والنسائي والترمذي عن مالك (الإحكام للآمدي، ج4، هامش ص406. وانظر ايضاً: الشافعي: الأم، مع مختصر المزني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ، ج8، ص542. وابن فرج القرطبي:  أقضية رسول الله، مطابع قطر الوطنية، ص82).

[26] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص390.

[27] صحيح مسلم، حديث 2362.

[28] صحيح مسلم، حديث 2363.

[29] عيسى، عبد الجليل: إجتهاد الرسول، دار البيان في الكويت، 1389هـ ـ 1969م، ص57.

[30] مناهج الإجتهاد في الإسلام، هامش ص356.

[31] الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للزحيلي، ص72.

[32] الحشر/ 2.

[33] الفصول في الأُصول، ج3، ص240، وج4، ص30. والإحكام للآمدي، ج4، ص399.

[34] النساء/ 83.

[35] الفصول في الأُصول، ج3، ص240، ج4، ص30. والإحكام للآمدي، ج4، ص289. والتفسير الكبير للرازي، ج10، ص200.  

[36] إبن حزم: الإحكام في أُصول الأحكام، حققه وراجعه لجنة من العلماء، دار الجيل ببيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ ـ1987م، ج6، ص197ـ198.

[37] آل عمران/ 7.

[38] النساء/105.

[39] فواتح الرحموت، ج2، ص368.

[40] الأنبياء/78.

[41] الفصول في الأُصول، ج3، ص240، وج4، ص30 و329ـ330.

[42] الإحكام للآمدي، ج4، ص415.

[43] الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص311ـ 312.

[44] التبصرة للشيرازي، ص29. والإحكام للآمدي، ج4، ص435. 

[45] الجزائري، نعمة الله: الأنوار النعمانية، طبعة تبريز، إيران، ج2، ص367.

[46] ص/39.

[47] الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للزحيلي، ص172

[48] المعتمد، ج2، ص762. والمستصفى، ج2، ص356. والإحكام للآمدي، ج4، ص400.

[49] إبن حزم: ملخص إبطال القياس والرأي والإستحسان والتقليد والتعليل، تحقيق سعيد الأفغاني، مطبعة جامعة دمشق، 1379هــ1960م، ص26. كذلك: الفصول في الأُصول، ج4، ص49. والمعتمد، ج2، ص73. والمستصفى، ج2، ص254. والإحكام للآمدي، ج3، ص228.

[50] مجموع فتاوى ابن تيمية، مكتبة النهضة الحديثة، مكة، 1404هـ، ج28 ، ص369. واعلام الموقعين، ج1، ص199 . والإجتهاد في الشريعة الإسلامية للمرعي، ص53.

[51] ملخص إبطال القياس، ص25 . والمعتمد، ج2، ص735ـ736 . والمستصفى، ج2، ص255.  والإحكام للآمدي، ج4، ص294 . وقد روي عن إبن عباس شبيه بتلك الرواية من أن إمرأة من جهينة جاءت إلى النبي (ص) فقالت إن أُمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال (ص): نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أُمك دين أكنت قاضيته؟ إقضوا الله فالله أحق بالوفاء (اعلام الموقعين، ج1، ص200 . والإجتهاد في الشريعة الإسلامية للمرعي، ص54).

[52] ملخص إبطال القياس، ص25. والفصول في الأُصول، ج4، ص49. واعلام الموقعين، ج1، ص199.

[53] مسند الإمام أحمد، عن مكتبة الايمان الالكترونية www.aleman.com، ج5، فقرة (أحاديث رجال من أصحاب النبي). كذلك: الشوكاني: نيل الاوطار، الموسوعة الشاملة الالكترونية  islamport.com، ج8، ص5. وإجتهاد الرسول، ص122.

[54] إجتهاد الرسول، ص122.

[55] فواتح الرحموت، ج2، ص368.

[56] المعتمد، ج2 ، ص765. والإحكام للآمدي، ج4، ص407 . وفواتح الرحموت، ج2، ص375 .

[57] المعتمد، ج2 ، ص765 . والمستصفى، ج2 ، ص355. والإحكام للآمدي، ج4، ص407 .

[58] المستصفى، ج2، ص354 . والإحكام للآمدي، ج4، ص407.

[59] فواتح الرحموت، ج2، ص375 .

[60] الإحكام لإبن حزم، طبعة دار الجيل، ج5، ص122. والبحر المحيط، ج6، ص220 – 221 .

[61] الإحكام للآمدي، ج4، ص408.

[62] التبصرة، ص519 . والمستصفى، ج2، ص355.

[63] ابو جعفر الطحاوي: مشكل الآثار، شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، ص7. والماوردي: الأحكام السلطانية، دار الكتب العلمية، الطبعة الاولى، 1985م، ص86. ومناهج الإجتهاد في الإسلام، ص42.

[64] مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص42.

[65] الإحكام للآمدي، ج4، ص294 و408. وفواتح الرحموت، ج2، ص375. وابن سلام: الأموال، مؤسسة ناصر للثقافة، الطبعة الاولى، 1981م، ص63 . واعلام الموقعين، ج1 ، ص204 .

[66] ابو داود السجستاني: سنن ابي داود، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص85ـ86. واعلام الموقعين، ج1، ص204. والمرعي: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص74.

[67] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، ج2، ص375. والبحر المحيط، ج6، ص224.

[68] الهمذاني: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، تعليق وتصحيح راتب حاكمي، مطبعة الاندلس، حمص، الطبعة الاولى، 1386هـ ـ1966م، ص61.

[69] الإحكام للآمدي، ج4، ص408 . وفواتح الرحموت، ج2، ص296  .

[70] الإحكام للآمدي، ج4، ص296. وفقه أهل العراق وحديثهم، فقرة بعنوان (شروط قبول الأخبار).

[71] الإحكام للآمدي، ج4، ص296، وهامش ص293.

[72] السباعي، مصطفى: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ ـ1982م، ص377.

[73] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص378 .

[74] ابن حزم: النبذ في أصول الفقه، شبكة المشكاة الالكترونية، ص60.

[75] البحر المحيط، فقرة 1260. وعلي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1977م، ج1، ص34. ونص ما ذكره البخاري عن ابن أبي أوفى قوله: أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإن القدور لتغلي، وبعضها نضجت، فجاء منادي النبي (ص): لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وأهرقوها. قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمّس، وقال بعضهم: نهى عنها ألبتة لأنها كانت تأكل العذرة (صحيح البخاري، حديث 3983).

[76] الإحكام لإبن حزم، طبعة دار الجيل، ج5، ص87 وما بعدها. وأعلام الموقعين، ج1، ص12.

[77] الفصول في الأُصول، ج4، ص53 . والتبصرة، ص428 .

[78] المحلى، ج1، ص55ـ56. وأعلام الموقعين، ج1، ص86. وابن أبي الوفا: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، شبكة مشكاة الالكترونية، ص620.

[79] عرنوس: تاريخ القضاء في الاسلام، المطبعة المصرية، القاهرة، ص15.

[80] تاريخ إبن خلدون، ج1، ص813 . كما انظر بهذا الصدد: أعلام الموقعين، ج1، ص203  وما بعدها.

[81] ملخص إبطال القياس، ص57 وما بعدها. والتبصرة، ص429. والإحكام للآمدي، ج4، ص304. ورسالة القول المفيد، ص33.

[82] النبذ في أصول الفقه، مصدر سابق، ص69.

[83] الإحكام في أُصول الأحكام، طبعة السعادة، ج6، ص49ـ59. وأعلام الموقعين، ج1، ص73ـ75. والإعتصام، ج3، ص241ـ249.

[84] ابن عابدين: حاشية رد المختار على الدر المختار، دار الفكر، 1421هـ ـ 2000م، بيروت، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، ص385.

[85] أبو حنيفة، ص455.

[86] أبو حنيفة، ص273.

[87] أبو حنيفة، ص273. وأعلام الموقعين، ج1، ص77.

[88] ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، مطبعة كردستان العلمية بمصر، الطبعة الأولى، 1326هـ، ص63.

[89] الإحكام لإبن حزم، ج6، ص56.

[90] ملخص إبطال القياس، ص66. والإحكام، ج6، ص56. وأعلام الموقعين، ج1، ص75. والإعتصام، ج3، ص256. والموافقات، ج4، ص289.

[91] الإحكام لإبن حزم، ج6، ص57. وأعلام الموقعين، ج1، ص76.

[92] الموافقات، ج4، ص 285 وما بعدها. وابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، شبكة المشكاة الالكترونية، فصل في تحريه في الفتيا (لم تذكر أرقام صفحاته).

[93] الرسالة، ص599.

[94] أعلام الموقعين، ج2، ص284.

[95] الملل والنحل، ص89. والإعتصام، ج3، ص256.

[96] أعلام الموقعين، ج2، ص282.

[97] أعلام الموقعين، ج2، ص285,

[98] تاريخ ابن خلدون، ج1، ص803.

[99] أعلام الموقعين، ج2، ص201. كذلك: الرويشد: قادة الفكر الإسلامي عبر القرون، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، ص83.

[100] قادة الفكر الاسلامي، ص152.

[101] أعلام الموقعين، ج1، ص76.

[102] ابن ابي يعلى الحنبلي، ابو الحسين: طبقات الحنابلة، شبكة المشكاة الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته)، ج1، مادة (أحمد بن جعفر بن يعقوب الاصطخري). ايضاً: العقل والبيان والاشكاليات الدينية، الفصل الخامس.

[103] حجة الله البالغة، ج1، ص149.

[104] الإحكام للآمدي، ج4، ص304 . وحجة الله البالغة، ج1، ص149 .

[105] حجة الله البالغة، ج1، ص149ـ150 .

[106]         جامع بيان العلم وفضله، باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء. كذلك: تاريخ المذاهب الاسلامية، ص255.

 [107]انظر كتابنا: العقل والبيان والاشكاليات الدينية، الفصل الخامس

[108] علماً بأن هذا الأمر كاد يحدث لدى الاتجاه الشيعي بعد الشيخ الطوسي منذ القرن الخامس الهجري؛ لولا الحركة النقدية المضادة لابن ادريس الحلي. وستأتي الاشارة الى ذلك فيما بعد.

comments powered by Disqus