-
ع
+

حجج الإجتهاد الفقهي لدى الشيعة ومناقشتها

يحيى محمد

إستدل المتأخرون في الإتجاه الشيعي على مشروعية الإجتهاد بعدد من نصوص القرآن والحديث. ومع ذلك فالأدلة التي قدموها ضعيفة لا ترقى إلى مستوى العلم والإطمئنان، كما يتبين لنا كالآتي:


دليل الكتاب

فمن القرآن الكريم إستدل المتأخرون بآية الإنذار: ((وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)))[1](. إذ قيل ان الآية تدل على الإجتهاد لأنها تتضمن وجوب التفقه في الدين ومن ثم الإنذار الذي ليس هو «إلا الإخبار عن حرمة شيء أو وجوبه حسبما أدى إليه رأي المنذر»)[2].(

لكن لا دليل في الآية على الرأي والإجتهاد بما يفضي إليه من ظنون وإعتبارات عقلية، فمراد الآية بحسب الظاهر هو طلب التفقه المبني على العلم أو اليقين ولو كان عادياً مما يتناسب مع ما كان عليه الحال في عصر النص. لأنا نعتقد بأن الإجتهاد المصطلح عليه لدى المتأخرين لا عين له ولا أثر في ذلك العصر. إذ لا تجد هناك من يخصص ويقيد ويضيف الإعتبارات العقلية والتحليلات اللغوية من هنا وهناك، بل كان نقل الرواية والأخذ بمضمون النص والخبر هو الجاري دون غيره. ولو أن هناك من فعل غير ذلك من دون ضرورة وإضطرار لكان مذموماً باعتباره يعول على ما هو مظنون رغم وجود النص المفيد للعلم والإطمئنان. لهذا فإن الإختلاف بين الإجتهاد الذي مارسه العلماء المتأخرون وبين الآلية التي زاولها السلف في عصر النص ليس مجرد إختلاف عائد إلى شدة وخفة المؤونة، أو الصعوبة والسهولة، كما يرى بعض الفقهاء)[3](، بل هناك فارق نوعي يكمن في كون الممارسة السلفية وقت عصر النص لم تكن مضطرة لطريقة الإجتهاد المصطلح عليه؛ طالما تجد ضالتها المنشودة قريبة منها، سواء من خلال السؤال المباشر للمعصوم أو من خلال الأطراف الناقلة التي تثق بها. وعليه فما الذي يدعوها إلى المغامرة والاجتهاد؛ بأن تخصص أو تقيد أو ترجح بعض المعاني على بعض أو تفتي فيما لا تجد فيه نصاً أو غير ذلك من الممارسات الإجتهادية المتداولة لدى المتأخرين؟!

كما استدل المتأخرون على حجية الإجتهاد بآية الذكر: ((فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)))[4](، فاعتبروا اهل الذكر او العلماء حجة على غيرهم ومن ذلك فتاواهم.

مع أن ظاهر الآية ليس بصدد الفتوى، فالمذكور في سورة النحل، ومثله سورة الانبياء، هو قوله تعالى: ((وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر)). فسياق الاية كما هو واضح متعلق بعلماء أهل الكتاب، وهو المنقول عن إبن عباس ومجاهد والحسن وقتادة)[5](. كما أنه لا دلالة في الآية على حجية الفتوى المتضمنة للظن، خاصة وقد ذمّ القرآن الكريم إتباع الظن في كثير من المواضع.

وقد يُستدل على حجية الإجتهاد بآية الكتمان: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)))[6](، وذلك بأن يقال بأن حرمة كتمان ما أنزله الله تعالى من البينات والهدى دالة على حجية ما يتلقاه المتفقه من تلك البينات، والتي منها ما يتلقاه المجتهد في طلبه لعلم الفقه بمعرفة الحلال والحرام، حيث أنهما يدخلان ضمن البينات والهدى.

لكن التعويل على هذه الآية ضعيف. فظاهرها دال على حالة العلم بالبينات والهدى لا الظن. يضاف إلى أن مورد نزول الآية لا علاقة له بالفقه، إذ نزلت بصدد كتمان اليهود لعلامات النبي (ص) بعد تبيانها لهم في التوراة)[7].(


دليل الأخبار والسيرة


الإجتهاد والتوقيع والمقبولة

من الأحاديث استدل بعض الفقهاء على الاجتهاد بتوقيع الحجة (الإمام المهدي)، إذ جاء فيه قوله: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله...»)[8](، اذ اعتبر أن مرجعية راوي الحديث في الحوادث الواقعة ليست لكونه راوياً للحديث من دون إستنباط وإجتهاد؛ لوضوح أن الراوي لا يمكنه أن يكون بهذا الشكل مرجعاً في الحوادث الواقعة ولا أن يكون عارفاً بأحكام الأئمة (ع) التي فيها الناسخ والمنسوخ والحاكم والمحكوم والوارد والمورود والعام والخاص والمطلق والمقيد والمزاحم والمعارض، والتي تقتضي كافة المرجحات السندية والدلالية والمضمونية كي يتميز الحديث الصحيح عن السقيم)[9].(

وعلى هذه الشاكلة ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة التي وردت في مسألة القضاء، إذ سُئل الإمام الصادق (ع) عن رجلين تنازعا في حكم فماذا يفعلان، فأجاب بقوله: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه - أيّ واحد منهما - فإنما إستخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله..»)[10](. فقد يقال إن ظاهر هذه المقبولة مع توقيع الحجة دالان على لزوم الأخذ عن المجتهدين وحجية فتاواهم؛ من حيث أنهم مطلعون على الأحكام الشرعية عبر الروايات المأثورة عن الأئمة والنظر في مداليلها ورفع معارضاتها أو الجمع بينها، وهو ما يعبر عنه في الإصطلاح بالإجتهاد)[11].(

ومن حيث النقد يلاحظ ان الروايتين السابقتين ضعيفتان، حيث يُجهل حال عمر بن حنظلة)[12](، ولم تثبت وثاقة كل من إسحاق بن يعقوب ومحمد بن عصام الواردين في سند التوقيع)[13](. ناهيك عن الفرق الواضح بين (الراوي) الذي له النظر والتمييز في مسائل الحلال والحرام مما يرويه من روايات ويطبقه على القضايا؛ وبين (المجتهد) بحسب الإصطلاح كما عرفنا.

لهذا فقد اعترف السيد الخوئي معتبراً أن إطلاق الرواة على المجتهدين هو «إطلاق مسامحي»، ومن ثم ذهب إلى أن ظاهر الحديثين الآمرين بالرجوع إلى رواة الحديث دال على الإرجاع إليهم بما هم رواة لا بما هم مجتهدون)[14](. ورأى بالتالي أن أخذ معالم الدين، كما أنه يتحقق بالرجوع إلى فتوى الفقيه، فانه يتحقق بالرجوع إلى رواة الحديث)[15](. وإن قرر في محل آخر بأن المستفاد من الآيات والروايات هو الرجوع إلى المجتهد لما يمتلك من خبرة وإطلاع «وأن لنظره دخلاً في جواز الرجوع إليه لا أنه من جهة كونه راوي الحديث»، مشيراً بذلك إلى ما لآية الانذار من دلالة على حجية إنذار الفقيه لأنه ناظر في الأخبار وجامع لمتعارضاتها ومخصص لعموماتها ومقيد لمطلقاتها)[16](. لذلك فقد دلل على مفهوم الاجتهاد بما ورد في التوقيع من لفظة (الحوادث الواقعة)، رغم أن اشارة النص إلى الرجوع للرواة صريحة. فبرأيه أن الحوادث الواقعة قد لا تكون منصوصة، مما يبرر الاجابة عليها بالإجتهاد وإعمال النظر. كما أنه استدرك واحتمل ان السر في التعبير برواة الحديث دون العلماء او الفقهاء يعود الى أن علماء الشيعة «ليس لهم رأي من عند أنفسهم في قبال الأئمة عليهم السلام، فإنهم لا يستندون إلى القياس والإستحسان والإستقراء الناقص وغير ذلك مما يعتمد عليه المخالفون، وإنما يفتون بالروايات المأثورة عنهم عليهم السلام، فهم - في الحقيقة - ليسوا إلا رواة حديثهم»)[17].(

والواقع أن كون الراوي له خبرة في معرفة المعاني والنظر والتمييز في القضايا؛ لا يرفعه إلى مستوى المجتهد كما هو مصطلح عليه. فعلى ما عرفنا أن محاولات الجمع بين المتعارضات وتخصيص العمومات وتقييد المطلقات وتطبيق القواعد العامة على ما لا نص فيه؛ كل ذلك من خصائص المجتهد الذي يمارس عملية الفهم والإستنباط بطريقة كلية تشمل النظر في شتى الأخبار والكلمات التي ترد في النصوص ويكون لها علاقة بالموضوع، كما يستفيد من القواعد الفقهية والأُصولية ليطبقها على بحثه، حتى ينتهي في الأخير إلى إبداء رأيه الظني في الحكم. أما الراوي المميز فهو لا يمارس المعالجات الكلية، بل يتعامل مع النصوص تعاملاً جزئياً بحسب ما يطمئن له منها، فيفتي بمنطوقاتها الواضحة ومدلولاتها الصريحة أو الظاهرة على الأقل، ويستخدم صور الترجيح المنصوص عليها فيما لو وجد تعارضاً في النصوص، أو أنه يتوقف إذا ما رأى حاله لم يبلغ مرتبة العلم بالمسألة، وذلك عملاً بالأخبار الكثيرة التي تعول على ذلك وتأمر به. وبالتالي فإنه لا يجازف بالعمل على الجمع بين المتعارضات ما لم يكن مستنداً إلى حجة قاطعة أو أنه على يقين من ذلك.

ويهمنا في هذا الصدد ما ذكره السيد الخوئي من مناقشة هذا الامر، فقد دلل على شيوع الاجتهاد في عصر الائمة لدى اصحابهم وانه لا يختلف جوهراً عن الاجتهاد في زماننا، سوى التفاوت في السهولة والصعوبة «حيث أن التفقه في الصدر الأول إنما كان بسماع الحديث ولم تكن معرفتهم للأحكام متوقفة على تعلم اللغة لكونهم من أهل اللسان، أو لو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللغة كانوا يسألونها عن الإمام (ع) فلم يكن إجتهادهم متوقفاً على مقدمات؛ أما اللغة فلما عرفت، وأما حجية الظهور وإعتبارالخبر الواحد ـ وهما الركنان الركينان في الإجتهاد ـ فلأجل أنهما كانتا عندهم من المسلمات. وهذا بخلاف الأعصار المتأخرة لتوقف الإجتهاد فيها على مقدمات كثيرة، إلا أن مجرد ذلك لا يوجب التغير في معنى الإجتهاد، فإن المهم مما يتوقف عليه التفقه في العصور المتأخرة إنما هو مسألة تعارض الروايات، إلا أن التعارض بين الأخبار كان يتحقق في تلك العصور أيضاً، ومن هنا كانوا يسألونهم - ع - إذا ورد عنهم خبران متعارضان. إذاً التفقه والإجتهاد بمعنى إعمال النظر متساويان في الأعصار السابقة واللاحقة وقد كانا متحققين في الصدر الأول أيضاً ومن هنا ورد في مقبولة عمر بن حنظلة: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا... وفي بعض الأخبار ورد الأمر بالإفتاء صريحاً، فدعوى أن الفقاهة والإجتهاد ـ بالمعنى المصطلح عليه ـ لا عين ولا أثر له في الأعصار السالفة مما لا وجه له»)[18].(

كما ذكر بأن الأخبار الخاصة بإرجاع الناس إلى أشخاص معينين أو إلى عنوان من العناوين المنطبقة عليهم، كالروايات التي تأمر بالإرجاع إلى رواة حديثهم عموماً، او الإرجاع إلى أشخاص محددين؛ مثل العمري وإبنه، ويونس بن عبد الرحمن، وزكريا بن آدم، ويونس مولى آل يقطين، وغيرهم.. كل ذلك له دلالة مطلقة فتشمل حالتين مختلفتين: إحداهما ما يؤديه هؤلاء الرجال في مقام الجواب بما وصل إليه نظرهم من الجمع بين الروايتين المتعارضتين، أو حمل المطلق على المقيد، أو المسك بالعام عند الشك في التخصيص، أو غير ذلك من أنحاء الإجتهاد والإستنباط. والحالة الاخرى جواب هؤلاء بنقل الألفاظ التي سمعوها عن الأئمة عليهم السلام)[19].(

لكن هذا غير صحيح، اذ لا يعقل أن الأصحاب كانوا يمارسون الإجتهاد من الجمع بين الروايتين المتعارضتين أو حمل المطلق على المقيد أو التمسك بالعام عند الشك في التخصيص أو غير ذلك من أنحاء الإجتهاد والإستنباط. ذلك لأن هناك نصوصاً كثيرة تنهى عن ممارسة مثل هذا النحو من الإجتهاد المفضي إلى الظن. اذ كيف يترك الرجوع إلى الإمام نفسه ويعمل بحسب ما يتصوره الذهن؟ وما الفارق بين هذا العمل وبين القياس المنهي عنه؟ لذلك فإن معنى الإرجاع إلى أُولئك الأصحاب هو تخويلهم نقل الفتوى، إما بصورة نقل الألفاظ المسموعة عن الإمام، أو نقل المعنى الحاصل منها. وبذلك نستنتج ايضاً أن الناس - في القبال - لم يمارسوا التقليد للأصحاب ما دام أن هؤلاء ليسوا من أهل الرأي والإجتهاد، بل هم نقلة ألفاظ أو معاني، والناس كانوا يتبعونهم في ذلك.. ففرق كبير بين التقليد والإتباع.

على أن إعمال النظر والتمييز لا يدل في ذاته على الإجتهاد المتواضع عليه. إنما المهم في ذلك أن يكون هناك دليل قاطع بأن العلماء ورواة عصر النص المعول عليهم يفتون بطريقة الترجيح في المعاني والجمع بين الأحاديث وإستخلاص كليات مستنتجة نظرية وتطبيقها على جزئيات النصوص وغير ذلك مما هو لب الإجتهاد المصطلح عليه، ولهذا السبب انه يفضي إلى الظن. فالفارق بين إعمال النظر في عصر النص وبين الإجتهاد في عصورنا المتأخرة؛ هو ذاته عبارة عن الفارق بين العلم والظن، أو بين المحكم والمتشابه، إذ الإحتمال الآخر في الإجتهاد المتواضع عليه غالباً ما يكون قائماً برأسه في ذهن المجتهد، خلافاً لما هو الحال مع إعمال النظر أو التمييز في عصر النص. أما عن صور الترجيح بين النصوص التي يمارسها الراوي أو الفقيه عند التعارض في ذلك العصر؛ فهي وإن كانت تفضي إلى الظن في الغالب، لكن هذا الظن ليس مقطوع الصلة عن الحجة القاطعة والعلم المبين من خلال التوجيهات الصريحة والواضحة التي قام بها الأئمة تسهيلاً لأصحابهم، وهو أمر يختلف جوهراً عن الممارسة الإجتهادية، اذ ليس هناك دلالة قاطعة تسمح بها، بل على العكس يمكن القول بلا تردد إن المنع والنهي لها هو الحاصل، فهو الأصل.

ويؤيد ذلك أن العلماء في عصر الأئمة، وحتى بعد عصر الغيبة، كانوا لا يرجحون الفتوى على الرواية. فمثلاً كان القدماء يعملون برسالة الشيخ أبي حسن علي بن بابويه عند حاجتهم للنصوص؛ بناءاً على ترجيح النص المنقول بلفظه على الفتوى التي يُحتمل خطأ نقلها بالمعنى)[20](. مع أن الفتوى - آنذاك - لم تحمل في الغالب جذور الإجتهاد كما هو عند المتأخرين، فكيف الحال عند المعاصرين للنص؟!

ويشهد على ذلك وصف الشيخ الطوسي لرجال الطائفة، وهو أنهم كانوا يمتعضون ويستوحشون من كل ما يخرج عن حدود اللفظ في الرواية والخبر؛ الى حدّ لا يسعهم حتى تبديل لفظ بلفظ)[21](. كما سبق للشيخ المفيد أن وصف رجال الحديث من الشيعة بأنهم ليسوا من أصحاب النظر والفهم)[22](. وإتبعه في ذلك الشريف المرتضى؛ معتبراً أصحاب الحديث ممن يعولون على التقليد والتسليم والتفويض من غير نظر ولا إجتهاد)[23].(

ويمكن ملاحظة طريقة كل من الشيخين الكليني والصدوق في تلقيهما الأحكام وكيف أنهما لم يخرجا عن نقل الرواية والعمل بمنطوقها الصريح أو الظاهر مع أنهما عاشا في عصر الغيبة، ومع ذلك فمن الجزاف القول أنهما قد مارسا طريقة الإجتهاد بشكل لا يختلف جوهراً عن طريقة المتأخرين.

وكدلالة على ذلك أن الشيخ الصدوق كان ينكر الممارسة الإجتهادية بوعي، فمثلاً أنه يقول وهو يعقب على قصة موسى والخضر: «إن موسى ـ مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ـ لم يدرك بإستنباطه وإستدلاله معنى أفعال الخضر حتى إشتبه عليه وجه الأمر به، فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله القياس والإستدلال والإستخراج كان من دونهم من الأُمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك.. فإذا لم يصلح موسى للإختيار - مع فضله ومحله - فكيف تصلح الأُمة لإختيار الإمام، وكيف يصلحون لإستنباط الأحكام الشرعية وإستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة»)[24](

وقد يقال بأن الشيخ الصدوق كان يحمل بذور الإجتهاد. فأحياناً أنه لا يتقبل الحديث من العدل الثقة إذا ما وجد عنده معارضاً له. لذلك لم يتقبل ما رواه الشيخ الكليني بخلاف ما عنده من توقيع بخط الإمام الحسن العسكري في باب (الرجل يوصي إلى رجلين)، إذ قال: «هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن علي (ع)، وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رواية خلاف ذلك التوقيع عن الصادق (ع)، بل أُفتي بما عندي بخط الحسن بن علي (ع)» )[25].(

لكن الحقيقة هي أن هذه الطريقة غير ما أُستحدث من الإجتهاد، فممارسة قبول الحديث ورفضه من حيث السند، أو من حيث وجود ما هو أقوى منه؛ كانت شائعة مستساغة، بل ومقررة من قبل الأئمة في العديد من النصوص الصريحة الخاصة في الترجيح، وهي غير طريقة التركيب بين مختلف الأحاديث ومحاولة الجمع بين معانيها أو إنتزاع بعض المفاهيم منها لتشكيل معاني جديدة غير صريحة ومقصودة في النص، كما هي طريقة المجتهدين.

والأهم من ذلك ما قد يقال، كدلالة على النزعة الإجتهادية للشيخ الصدوق، هو أنه كان يفتي فيما لو لم يجد نصاً على الحادثة تعويلاً على أصل البراءة. فمثلاً إنه ذكر عبارة بعد نقله لخبرٍ يجيز القنوت باللغة الفارسية، فقال: «ولو لم يرد هذا الخبر لكنت أُجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق (ع) أنه قال: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي، والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود». وقد خضع هذا البيان إلى لون من التوجيه لدى بعض الإخباريين كالإسترابادي والحر العاملي؛ من أن مراد الصدوق في عبارة «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» هو ما يتعلق بخصوص الخطابات الشرعية، فيكون كل شيء من الخطابات الشرعية مطلقاً حتى يرد فيه نهي عن بعض الأفراد يقيده ويخصصه، فيصبح التوجيه بأن الصدوق يريد القول بأن أحاديث القنوت عامة مطلقة لم يرد فيها نهي عن القنوت بالفارسية يقيدها ويخصصها)[26].(

ولا شك أن هذا التوجيه نافع لولا ما أكده الصدوق في كتابه (الإعتقادات، باب الحظر والإباحة)، حيث قال: «إن الأشياء كلها مطلقة حتى يرد فيها نهي»)[27].(

والواقع إنه لا يوجد تبرير يُخرّج الشيخ الصدوق من عمله بالإجتهاد في هذه القضية بالذات، وذلك لوجود عدد كبير من الروايات التي تدعو الى التثليث في الأحكام والتوقف في الحكم في كل ما لا نص فيه، فهو بالتالي إما أن يكون قد رجح روايات التثنية على روايات التثليث، أو أنه فهم كل مجموعة على معنى خاص بها. وفي جميع الأحوال لا يخلو الأمر من إجتهاد، وقد يكون الشيخ الصدوق قاطعاً بما توصل إليه من فهم وما رجحه من إعتبارات التثنية في الأحكام على التثليث، الأمر الذي يجعل ممارسته مختلفة عن إجتهاد المجتهدين. ومع هذا فمن الناحية المبدئية أن الشيخ الصدوق لا يقر العملية الإجتهادية، كما تبين لنا عند تعقيبه على قصة موسى والخضر.


الإجتهاد وحديث التفريع عن الأُصول

ومن الإستدلالات الأُخرى على حجية الإجتهاد ما نُقل عن الإمام الصادق قوله: «إنما علينا أن نُلقي إليكم الأُصول وعليكم أن تفرعوا». ومثله ما نُقل عن الإمام الرضا قوله: «علينا إلقاء الأُصول وعليكم التفريع».

والروايتان مرسلتان، وكلتاهما منقولتان عن كتاب (السرائر) لإبن إدريس الحلي (المتوفى سنة 598هـ)، فالأُولى نقلها إبن إدريس عن كتاب هشام بن سالم عن الإمام الصادق، والأخرى نقلها عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الإمام الرضا([28]). والقولان اللذان تتضمنهما الروايتان مجملان، فالتفريع على الأُصول لا يعني بالضرورة الإجتهاد بحسب الإصطلاح، فقد يكون تفريعاً بسيطاً من قبيل التفريع المستمد من قول الإمام (ع): «الشك يُنقض باليقين ولا يُنقض اليقين بالشك». فهذا القول أصل يمكن التفريع عليه مختلف حالات التطبيق في العبادات.


الإجتهاد وإفتاء أصحاب الأئمة

كما استدل بعض العلماء على حجية الإجتهاد بما جاء عن الأئمة من أمر لأصحابهم بالإفتاء، كما في أمر الإمام (ع) لأبان بن تغلب بقوله: «إجلس في مسجد المدينة وإفتِ الناس فإني أُحب أن يُرى في شيعتي مثلك»([29]). وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي: بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس، قلتُ: نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج: إني أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا فأُدخِل قولكم فيما بين ذلك. فقال (ع) لي: إصنع كذا فإني كذا أصنع([30]).

فطبقاً لمثل هذه النصوص إعتبر الخوئي أن لفظة (الإفتاء) لها دلالة على الإجتهاد([31])، مع أن الظاهر منها العكس. بل من غير المتوقع أن يأمر الإمام أصحابه بالإجتهاد بما يفضي إلى الظن وهم في غنى عنه لتوفر النصوص لديهم، سيما انه توجد نصوص كثيرة منقولة عن الأئمة تنهى عن إتباع الطرق الظنية التي تفضي إليها الإجتهادات. وعليه لا يحمل الإفتاء في الأخبار المنقولة إلا بمعنى نقل الحكم، سواء كان عن طريق الرواية أو بالمضمون، وهو غير الإجتهاد المصطلح عليه عند المتأخرين.


 الإجتهاد وأحاديث الترجيح

كما إستدل الشيخ الأنصاري على حجية الإجتهاد بروايتين، إحداهما تتعلق برد المتشابه إلى المحكم، إذ جاء في كتاب (الكافي في الأصول والفروع) للكليني عن أبي حيون مولى الإمام الرضا قوله: «إن في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن  ومتشابهاً كمتشابه القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا»([32]). كذلك جاء في (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق عن داود بن فرقد قال إنه سمع الإمام الصادق يقول: «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا. إن الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»([33]).

وقد إعتبر الأنصاري أن هاتين الروايتين دالتان على وجوب الترجيح بحسب قوة الدلالة، وكذلك على وجوب الجمع بين الأقوال الصادرة عن الأئمة برد المتشابه إلى المحكم. والغرض منهما عنده هو الحث على الإجتهاد وإستفراغ الوسع في معاني الروايات وعدم المبادرة إلى طرح الخبر بمجرد وجود مرجح لغيره عليه([34]).

ومع أن هناك الكثير من الأخبار التي تفرض قاعدة الترجيح والرد الى القرآن الكريم أو العمل بالتساقط أو إتباع مخالفة ما يوافق العامة أو الأخذ بالمشهور وبأصدق الحديثين أو غير ذلك من المرجحات المنصوصة.. لكن يمكن القول أن تلك الأخبار لا تعارض الحديثين، حيث يمكن العمل بالحديثين إن أمكن، وإلا فبالترجيح كما ذهب الأنصاري([35]). مع أن من الواضح أن هذا السلوك هو سلوك ينبني على الإجتهاد الظني، فكيف يكون دالاً عليه وهو يصادره؟!

وبغض النظر عن روايات الترجيح فإن هناك روايات كثيرة تؤكد على التوقف في كل ما لا ينبني على علم أو إطمئنان ويقين، منها ما روي عن الرسول (ص) قوله: «الأمور ثلاثة، أمر بيّن لك رشده فخذه، وأمر بيّن لك غيّه فاجتنبه، وأمر أُختلف فيه فردّه إلى الله عز وجل». وما روي عن الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: «إذا إشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا». وما جاء عن الإمام الصادق في رواية زرارة بن أعين، إذ قال: «حق الله على خلقه أن يقولوا بما يعلمون ويكفّوا عما لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إليه حقه». وقول الإمام الرضا (ع) في رواية المسمعي الواردة في إختلاف الحديثين: «وما لم تجدوا في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم الكف والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا».. وغير ذلك من الروايات التي ظاهرها وجوب التوقف([36]). وعليه إذا فرضنا أن الروايتين المبحوثتين يفضيان إلى نوع من الظن بحسب تفاوت قوة الدلالة، وهو ما يعنيه الإجتهاد، فإن ذلك سيصطدم مع ما ذكرنا من روايات التوقف والرد إلى الله تعالى. أما إذا أمكن التوفيق بين المجموعتين من الروايات فإن ذلك لا يكون إلا عن إجتهاد؛ فنكون قد صادرنا على المطلوب من جديد.

على أن الروايتين المبحوثتين لا يخلوان من إجمال، إذ أن رواية رد المتشابه إلى المحكم قد يراد منها ما يتعلق بالعقائد، وعلى فرض جريانها في الأحكام فإن ظاهرها لا يفيد الإجتهاد المصطلح عليه، وذلك باعتبار أن فحواها يفيد الأمر برد المتشابه إلى المحكم على وجه العلم لا الظن. أما الرواية الأُخرى فمن الصعب تصور ورودها في العبادات، إلا إذا كان القصد هو فهم كلمات الأئمة بشرط العلم لا الظن.

ومع هذا وذاك فالروايتان ضعيفتان، حيث الرواية الأُولى «أنتم أفقه الناس..» مرسلة([37]). أما رواية المحكم والمتشابه فقد ورد في سندها أبو حيون مولى الإمام الرضا، وهو لم يوثق عند علماء الرجال([38]).

أخيراً فهناك الكثير من الروايات التي تبدي النهي عن الإجتهاد والرأي، منها ما روي عن أبي بصير قوله: قلت لأبي جعفر (ع): ترد علينا أشياء لا نجدها في الكتاب والسنة فنقول فيها برأينا، فقال (ع): أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله. وعن أبي بصير أيضاً قوله: قلت لأبي عبد الله (ع): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله. وعن الإمام علي (ع) إنه قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في إلتباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في إرتماس. وغير ذلك من الأحاديث([39]).


خلاصة القول

يظل أن العمدة في مشروعية العمل بالإجتهاد هو الحاجة والضرورة مع فقد قرائن العلم واليقين، خاصة مع تجدد الحوادث التي لم يسبق لها وجود في عهد النص. فلولا ذلك ما كنّا نجد دلالة واضحة على حليته. وقد سبق لابراهيم القطيفي المعاصر للمحقق الكركي (المتوفى سنة 940هـ) أن أشار الى هذا المعنى بقوله: إن «الاجتهاد في مذهب الامامية ليس طريقاً جائزاً بالاصالة، وانما جاز للضرورة الحاصلة من غيبة الامام، وبعده أُجيز للمجتهد مادام قائماً بالمحافظة على الأدلة... والاجتهاد مقول بالتشكيك كما لا يخفى، ويتجزأ على المذهب المختار للاصوليين»([40]).

فمعاني الأخبار والأحاديث تعطي دلالة مخالفة للاجتهاد. فهي تنهى عن العمل بكل ما يفضي إلى الظن؛ سواء سُمي إجتهاداً أم قياساً أو رأياً أو غير ذلك من المسميات. والعجيب رغم أن الأُصوليين من الشيعة وجدوا نهياً واضحاً للأخبار على كل من الرأي والقياس والإجتهاد لكونها تفضي إلى الظن؛ فقد حملوها على بعض صور الإجتهاد التي يعمل بها الإتجاه السني؛ خاصة القياس، وكان أول من صرح بذلك المحقق نجم الدين الحلي([41])، وعاضده ابن اخته العلامة الحلي اذ يقول: «واما العلماء فيجوز لهم الاجتهاد باستنباط الاحكام من العمومات في القرآن والسنة وترجيح الاخبار المتعارضة، أما أخذ الحكم من القياس والاستحسان فلا»([42])، رغم أن دلالة الأخبار واضحة في النهي عن جميع أنواع الإجتهاد المفضية إلى الظن.

بل حتى المحقق الحلي أبدى في بعض كتبه شيئاً من التحفظ إزاء الاجتهاد والفتوى، كما في مطلع الفصل الاول من كتابه (المعتبر)، اذ ابدى عدم رضاه بالفتوى غير القطعية، فقال في وصيته: «انك في حال فتواك مخبر عن ربك وناطق بلسان شرعه، فما اسعدك ان أخذت بالجزم، وما أخيبك ان بنيت على الوهم، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى: ((وان تقولوا على الله ما لا تعلمون)) وانظر الى قوله تعالى: ((قل أرأيتُم ما أنزلَ اللهُ لكم من رزقٍ فجعلتم منه حراماً وحلالاً، قل أاللهُ أذنَ لكم أم على الله تفترون)) وتفطن كيف قسّم الله مستند الحكم الى القسمين، فما لم يتحقق الإذن فانت مفتر»([43]).

وقد يدل هذا الكلام على عدم تقبل المحقق الحلي للفتوى ما لم تكن قطعية تنطق بلسان الشرع مما يطلق عليه الحكم الواقعي. كما قد يحمل كلامه الأخير على ان الفتوى غير مقيدة بالقطع، بل تتوقف على الاذن الشرعي فحسب، أي على القطع في الحجة ولو كانت الفتوى ظنية كما هو مسلك من جاء بعده من الفقهاء. حتى ذكر القمي في (قوانين الاصول) ان اثبات حجية ظن المجتهد يعتمد على الدليل القطعي وانه من الاصول الكلامية لا الاصول الفقهية، اذ اعتبر ان اغلب ما نطق به الشرع لا يفيد اليقين، ومع هذا قبل به الشرع، لذلك كان حجة([44]).

وزاد جماعة من الفقهاء في الطين بلّة، وادعوا أن الإجتهاد كان معمولاً به في عصر النص بتوجيه من قبل الأئمة، وذلك ليبرروا ما اضطروا إليه من ضرورة العمل به مادامت قرائن العلم والوضوح ذهبت مع ذهاب عصر النص. لذلك نجد موقفهم هذا يخالف تماماً موقف القدماء منهم؛ الذين «إدعوا أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كل حكم شرعي دليلاً واضحاً مادام الإنسان مكلفاً والشريعة باقية»([45]).

من هنا نقول: كان الأولى بالأُصوليين أن لا يقفوا مثل ذلك الموقف المتناقض، وعليهم أن يتقبلوا جميع صور الإجتهاد المفضية إلى الظن من باب الضرورة والإضطرار وأن يرجحوا بعضها على البعض الآخر بحسب قوة الظن كما هي طريقة أغلب أصحاب دليل الإنسداد، وكما فعل بعضهم حين وجد ما يبرر العمل بالقياس؛ معتبراً أن النهي عنه إنما إقترن مع وجود النص والوضوح، أما مع غياب ذلك فلا فرق بينه وبين     صور الإجتهاد الأُخرى المفضية إلى الظن. فقد وجّه الأنصاري ما مال إليه بعض العلماء من الشيعة في الأخذ بدليل القياس في مثل هذه الأزمنة المتأخرة عن عصر النص. وتحرير هذا الرأي يأتي من أن الدليل على حرمة القياس إن كان هو الأخبار المتواترة معنى في الحرمة؛ فلا ريب أن بعضها جاء في الرد على المخالفين في عصر الأئمة؛ باعتبارهم تركوا نصوص أهل البيت ورجعوا إلى إجتهاداتهم وآرائهم الخاصة. كما أن بعضاً منها يدل على حرمة القياس من حيث أنه ظن لا يغني عن الحق شيئاً. وبعض آخر يدل على الحرمة من حيث إستلزامه لإبطال الدين ومحق السنة؛ لإستلزامه الوقوع غالباً في خلاف واقع الحكم الإلهي. كذلك أن بعضاً آخر يدل على الحرمة ووجوب التوقف إن لم يوجد ما عداه، ولازمه الإختصاص بصورة التمكن من إزالة التوقف لأجل العمل بالرجوع إلى الائمة. لكن جميع تلك الوجوه من دلالات الأخبار لا تدل على حرمة العمل بالقياس عند عدم التمكن من العلم بالحكم ولا الطريق الشرعي إليه؛ بسبب الإنسداد الحاصل ببعد زماننا عن زمن النص. مما يعني أن العمل به جاء للضرورة والإضطرار إن كانت ظنيته أقوى من ظنية غيره من الطرق الكاشفة عن الحكم([46]).













[1] التوبة/ 122.

[2] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص315 .

[3] المصدر السابق، ص186.

[4] النحل/ 43، والأنبياء/ 7.

[5] تفسير القرآن العظيم لإبن كثير، ج2، ص591 . وفرائد الأُصول، ج1، ص132 .

[6] البقرة/ 159.

[7] تفسير إبن كثير، ج1، ص206 . وفرائد الأُصول، ج1، ص132 .

[8] العاملي، محمد بن الحسن الحر: وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث العربي ببيروت، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 11، حديث 9، ص101 .

[9] الشيرازي، مرتضى: شورى الفقهاء، مؤسسة الفكر الإسلامي في بيروت، الطبعة الأُولى، 1411هـ، ج1، ص189 .

[10] الكليني: الأُصول من الكافي، دار صعب ـ دار التعارف، بيروت، الطبعة الرابعة، 1401هـ، ج1، ص67ـ68 . كذلك: وسائل الشيعة، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 11، حديث 1، ص99 ، وباب 9، حديث 1، ص75ـ76.

[11] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص357 .

[12] وُصفت رواية عمر بن حنظلة بالمقبولة لأنها متلقاة من قبل الأصحاب بالقبول. ومع أنه وردت رواية أُخرى توثّق إبن حنظلة، إلا أنها ضعيفة هي الأُخرى، حيث جاء في (المواقيت) عن يزيد بن خليفة إنه قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق): إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال الإمام: إذاً لا يكذب علينا. بيد أن هذه الرواية ضعيفة، لأن حال يزيد غير معروف كعمر بن حنظلة (انظر: الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص143ـ144). لكن جعفر العاملي ذكر بأن رواية إبن حنظلة معتبرة جداً، باعتبار أن هذا الراوي كان شيخاً كبيراً روى عنه عدد كبير من الثقات الكبار والأعيان «بل لم يروِ عنه ضعيف إلا رجل واحد. ومن بين من روى عنه من لا يروي إلا عن ثقة كما قيل، كإبن بكير وصفوان الجمال» (العاملي، جعفر مرتضى: الصحيح من سيرة النبي الأعظم، طبع في قم، 1400هـ، ج4، هامش ص185).

[13] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص358 .

[14] المصدر السابق، ص358 .

[15] المصدر السابق، ص220 .

[16] المصدر السابق، ص98 .

[17] المصدر السابق، ص93 .

[18] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص87ـ88.

[19] الإجتهاد والتقليد، ص91ـ93.

[20] فرائد الأُصول، ج1، ص528 .  

[21] الطوسي، أبو جعفر: المبسوط في فقه الإمامية، صححه وعلق عليه محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية بطهران، الطبعة الثانية، 1387هـ، ج1، ص2 .

[22] المفيد، أبو عبد الله محمد العكبري: شرح عقائد الصدوق، أو (تصحيح الإعتقاد)، ملحق خلف كتابه (أوائل المقالات)، مكتبة الداوري في قم، ص64ـ65 .

[23] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص211ـ212، وج2 ، ص18 ، وج3 ، ص310ـ311 .

[24] الصدوق: علل الشرائع، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص63. كذلك: الجزائري: النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص334. والمعالم الجديدة للأُصول، ص25.

[25] الإسترابادي: الفوائد المدنية، طبعة حجرية، ص51. والوسائل، ج20، ص108.

[26] انظر: الحر العاملي: الفوائد الطوسية، المطبعة العلمية في قم، 1403هـ، ص488. والبحراني، يوسف: الدرر النجفية، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ص89.

[27] انظر: شرح عقائد الصدوق للمفيد، ص244. والدرر النجفية، ص89.

[28] الحلي، محمد بن إدريس: السرائر، طبعة حجرية (لم يكتب عنها شيء)، ص473 . كذلك: الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 6، حديث 51 و52، ص41 .

[29] النجاشي، أبو العباس: رجال النجاشي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1403هـ، ص10.

[30] الوسائل، ج18 ، أبواب صفات القاضي، باب 11، حديث 36، ص108.

[31] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص88 .

[32] الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 9، حديث 22، ص82 .

[33] الصدوق، أبو جعفر القمي: معاني الأخبار، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، مؤسسة الأعلمي ببيروت، الطبعة الأُولى، 1410هـ ـ1990م، ص1. كذلك: الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 9، حديث 27، ص84.

[34] فرائد الأُصول، ج2، ص776 و778.

[35] المصدر السابق،  ج1، ص341ـ342 و347.

[36] انظر ذلك في باب (وجوب التوقف والإحتياط في القضاء والفتوى)، ضمن: الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 12، ص111. كما انظر: النوري، حسين الطبرسي: مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق وطبع مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في بيروت، الطبعة الثالثة، 1412هـ ـ1991م، ج17، باب حكم التوقف والإحتياط في القضاء والفتوى والعمل، ص321 وما بعدها.

[37] فقد رواها الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه وغيره عن... عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن حسان الواسطي عمن ذكره عن داود بن فرقد عن الإمام الصادق. ولا شك أن جملة «عمن ذكره» تفيد الإرسال.

[38]  قال النجاشي في رجاله عن أبي حيون بأنه لا يُعرف بغير هذه الكنية، وله كتاب في الملاحم. وذكره الطوسي في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمة. أما السيد الخوئي فقد إعتبر أن «طريق الشيخ إليه صحيح على الأظهر»، وربما يقصد بذلك أنه لم يروِ عن الأئمة. وفي جميع الأحوال إنه لم يُذكر عن أبي حيون غير ما ذكرنا (انظر حول ذلك المصادر التالية: رجال النجاشي، ص458. والطوسي، أبو جعفر: رجال الطوسي، حققه وعلق عليه وقدم له محمد صادق آل بحر العلوم، دار الذخائر في قم، الطبعة الثانية، 1411هـ، ص519 . والخوئي، أبو القاسم: معجم رجال الحديث، منشورات مدينة العلم في قم، الطبعة الثالثة، 1403هـ ـ1983م، ج21 ، ص138.

[39] انظر باب (عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والإجتهاد والمقاييس ونحوها من الإستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية)؛ ضمن: الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 6، ص21 وما بعدها. كذلك: المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء ببيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ ـ1983م، ج2، باب 16، بعنوان (النهي عن القول بغير علم، والإفتاء بالرأي وبيان شرائطه). كما انظر: مستدرك الوسائل، ج17 ، باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والإجتهاد والمقاييس، ص252  وما بعدها.

[40] روضات الجنات، طبعة الدار الاسلامية، ج1، ص38ـ39 .

[41] انظر عبارته التي نقلناها خلال الفصل الأول من كتابنا هذا.

[42] مبادئ الوصول الى علم الاصول، نفس المعطيات السابقة، ص496 .

[43] الحلي، نجم الدين: المعتبر في شرح المختصر، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، مقدمة المؤلف. والمختصر النافع في فقه الامامية، تقديم محمد تقي القمي، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405هـ ـ1985م، مقدمة محمد تقي القمي، ص ي.

[44] المحقق القمي: قوانين الاصول، طبعة حجرية، ص373 و450 .

[45] المعالم الجديدة للأُصول، ص93.

[46] فرائد الأُصول، ج1، ص253ـ254.

comments powered by Disqus