يحيى محمد
لقد حفّز القانون الكلي في التأويل الذي بشّر به الفخر الرازي، والذي حمل معه نهاية تطور علاقة العقل بالنص لدى الدائرة العقلية، حفّز على ظهور الدائرة البيانية ككيان منظّر وممنطق، كما جسّده إبن تيمية الحراني (المتوفى سنة 728هـ) وتلميذه إبن القيم الجوزية (المتوفى سنة 751هـ).
إلا أن للدائرة البيانية جذورها التنظيرية التي تبدأ فعلاً قبل ظهور إبن تيمية بثلاثة قرون، وذلك على يد إبن حزم الاندلسي (المتوفى سنة 456هـ). فقد أسس إبن حزم منهجه البياني على عنصرين هامين، هما الظاهر والمنطق، فعمل على توظيف الأخير لخدمة الظاهر من النص، سواء تعلق بمجال الفقه، أو بعلم العقيدة. لذا اختلف مذهبه عن المذهب الظاهري في الفقه لداود الأصبهاني (المتوفى سنة 270هـ) وإبنه. فالمذهب الظاهري لدى الأخير قائم على الظاهر فحسب، أما لدى إبن حزم فهو قائم على الظاهر والمنطق، كما اشرنا.
ويقصد إبن حزم بالظاهر، هو كل ما ورد من نصوص الشريعة محمولة على حقيقتها الظاهرة كبيان. فهو يرى الخطاب الديني بيّناً وشاملاً لجميع ما يحتاج إليه البشر. وفي مقالته عن «الظاهر» دلالات متعددة للرد على الخصوم.
فمن جهة اعتبر إبن حزم طريقته في «الظاهر» تقع على الضد من طريقة أهل السر والباطن الذين ينقّبون تحت رموز الألفاظ وظواهرها للبحث عن بواطن الشريعة وأسرارها، كما هو الحال مع الإسماعيلية ومن على شاكلتها من الإتجاهات الوجودية. ومن جهة ثانية أن مقالته في «الظاهر» جعلته يرفض مظاهر التأويل التي يمارسها المتكلمون. كما من جهة ثالثة رأى بأن طريقته السابقة لا تحتاج إلى قواعد الإجتهاد المتعارف عليها فيما لا نص فيه، كما في القياس وغيره من القواعد. أما من جهة رابعة فقد اعتبر طريقته لا تحتاج إلى التقليد بكافة أنواعه وأصنافه، بل ولا تحتاج إلى إتباع أحد لفهم الدين سوى صاحب الشرع.
فمن حيث الرد على أهل السر والباطن، صرح إبن حزم قائلاً: «اعلموا أن دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه، وجهر لا سر تحته، كله برهان لا مسامحة فيه. واتهموا كل من يدعو أن يُتّبع بلا برهان، وكل من ادعى للديانة سراً وباطناً، فهي دعاوى ومخارق، واعلموا أن رسول الله (ص) لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها، ولا اطْلَعَ أخص الناس به من زوجة أو ابنة أو عم أو إبن عم أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه على الأحمر والاسود ورعاة الغنم، ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن، غير ما دعا الناس كلهم إليه، ولو كتمهم شيئاً لما بلّغ ما أُمِر. فإيّاكم وكل قول لم يَبِنْ سبيله ولا وضح دليله، ولا تعوجوا عما مضى عليه نبيكم وأصحابه»[1]. كما ردّ على من يقول بالالهام بقوله: «ما الفرق بينك وبين من ادعى أنه أُلهم بطلان قولك فلا سبيل له إلى الانفصال عنه؟..»[2].
ومن حيث الرد على منهج المتكلمين العقلي، رأى إبن حزم أن طريقته تختلف عن هذا المنهج بأنها لا تحمل تشريعات قبلية تفرضها على البيان الشرعي، وبالتالي فهي تحرص على عدم ممارسة تأويل النص إتساقاً مع مقالته في «الظاهر البياني». فهو وإن لم يرفض علم الكلام؛ إلا أنه جعل الغرض منه موظفاً لأجل البيان، كما يظهر من كتابه البسيط والموسوم بـ (علم الكلام)، إذ بثّ فيه نظرته البيانية، كما أبرز فيه ممارسته العقلية ليثبت من خلالها جملة من القضايا العقائدية المتعلقة بالتأسيس الخارجي للخطاب، كحدوث العالم وابتداء الزمان ووحدانية الله وخلقه للعالم بغير علة، وغيرها من الإعتبارات العقلية[3].
ومن حيث الردّ على القواعد الإجتهادية فيما لا نص فيه، فقد أنكر إبن حزم ذلك على أهل الفقه لأنهم يتبعون الظن في العملية الإجتهادية، واعتبر أن الخالق قد أحكم شريعته بالبيان والكمال بمنطق الظاهر نفسه، بدلالة قوله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي))[4]، وقوله أيضاً: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء))[5]، لذا «صحّ بنص القرآن أنه لا شيء من الدين وجميع أحكامه إلا وقد نصّ عليه، فلا حاجة بأحد إلى القياس»، سيما وقد أمر الله تعالى بالرد إليه والى رسوله عند الإختلاف والتنازع[6].
هكذا فإن هذه الطريقة لا تتجاوز ما ثبتّه الفقهاء من مبدأ القياس وغيره من المبادئ الفقهية الظنية فحسب، بل وتختلف كذلك عن الطريقة الظاهرية لداود الأصبهاني، لا لكونها أشمل منها فحسب، بل والأهم من ذلك هو تأسيسها البياني في توظيف المنطق، وهو تأسيس إبستمولوجي منظّر لا يقوم على مجرد الإعتبارات المعيارية.
أما من حيث الرد على دعاوى التقليد وما شاكلها من الالتزام بالامام «المعصوم»، فقد ردّ إبن حزم عليها وأبطلها من منطلق عقلي منطقي، فردّ على من يلتزم بالامام متسائلاً: «بأي شيء عرفت صحة قول الامام، أببرهان، أم بمعجزة، أم بالالهام، أم بقوله مجرداً؟ فإن قال ببرهان كلف بأن يأتي به ولا سبيل له إليه، وإن قال بمعجزة ادعى البهتان لا سيما الآن وهم يقرون أنه قد خفي عنهم موضعه منذ مائة وسبعين عاماً، وأن قالوا بالالهام سئلوا بما ذكرنا في إبطال الإلهام، وإن قالوا بقوله مجرداً سئلوا عن الفرق بين قوله وقول خصومهم في إبطال مذهبهم دون دليل ولا سبيل إلى وجه خامس أصلاً». كما ردّ على من يتمسك بالتقليد بقوله: «ما الفرق بينك وبين من قلّد غير الذي قلدت أنت، بل كفّر من قلدته أنت أو جهّله، فإن أخذ يستدل في فضل من قلده كان قد ترك التقليد وسلك في طريق الاستدلال من غير تقليد..»[7].
ثم أنه رد على أصحاب تلك النزعات بطرح جملة من التساؤلات عليهم كالتالي: «بأي شيء عرفتم صحة ما تدعون إليه وصحة التوحيد والنبوة ودينك الذي أنت عليه؟ أبعقل دلّك على صحة كل ذلك أم بغير عقل؟ وبأي شيء عرفت فضل من قلدت أو صحة ما ادعيت انك ألهمته بعد إن لم تكن ملهماً إليه ولا مقلداً له برهة من دهرك، وبأي شيء عرفت صحة ما بلغك من الأخبار بعد إن لم تكن بلغتك، وهل لك عقل أم لا عقل لك؟ فإن قال: عرفت كل ذلك بلا عقل ولا عقل لي فقد كفانا مؤونته وبلغنا من نفسه أكثر مما رغبنا منه، فاننا إنما رغبنا من الإعتراف بالخطأ فقد زادنا في نفسه منزلة لم نرغبها منه، وسقط الكلام معه ولزمنا السكوت عنه، وإلا كنّا في نصاب من يكلم السكارى الطافحين والمجانين المتعرين على الطرق. فإن قال لي عقل وبعقلي عرفت ما عرفت فقد أثبت حجة العقل وترك مذهبه الفاسد ضرورة»[8].
وهو قد شدد على إبطال التقليد بما في ذلك تقليد المجتهد في الفقه، فرفض تقليد الأئمة والمذاهب جميعاً، ولم يرَ فرقاً بين من قلد هذا الإمام أو المذهب أو ذاك، بل جعل الإجتهاد نصيب الكل، وواجباً على الجميع، كل بحسب طاقته، ولو أدى ذلك إلى الخطأ في الإجتهاد، فهو يفضله على التقليد مع الإصابة[9]. ومعنى الإجتهاد عنده إنفاد الجهد في طلب الحكم الديني من القرآن والسنة والإجماع، إذ أمر الله تعالى بأخذ أحكامه من هذه الوجوه فقط، فمن أصاب في ذلك فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد ولا إثم عليه[10]. وهو يرى أن هذا الإجتهاد ملزم لكل من العامي والعالم، ولكل منهما حظه من الإجتهاد، إذ لم يخص الله تعالى عامياً من عالم ((وما كان ربك نسياً))[11]. لذلك اعتبر بأن «من ادعى وجوب تقليد العامي للمفتي فقد ادعى الباطل وقال قولاً لم يأتِ به قط نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس، وما كان هكذا فهو باطل لأنه قول بلا دليل»[12]. وبالتالي رأى بأن «التقليد كله حرام في جميع الشرائع أولها عن آخرها، من التوحيد والنبوة والقدر والإيمان والوعيد والامامة والمفاضلة وجميع العبادات والأحكام»[13]. ومن ذلك أنه حرم تقليد أئمة المذاهب الأربعة والصحابة ومن على شاكلتهم، معتبراً «أن كل من قلد من صاحب أو تابع أو مالكاً وأبا حنيفة والشافعي وسفيان والأوزاعي وأحمد - إبن حنبل - وداوود - الأصبهاني - رضي الله عنهم، أنهم متبرأون منه في الدنيا والآخرة»[14]. وارتكز في هذا النكران والتحريم للتقليد إلى أولئك الأئمة. فمثلاً أنه روى عن الإمام مالك بعض الأقوال التي تفيد هذا المعنى، منها أنه حين قال إبن القاسم للامام مالك: ليس أحد بعد أهل المدينة أعلم بالبيوع من أهل مصر، قال له مالك من أين علموا ذلك؟ قال: منك يا أبا عبد الله، قال مالك: ما أعلمها أنا فكيف يعلمونها هم؟!
كما روى عنه كلاماً آخر وهو قوله: «انما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه»[15].
ورأى إبن حزم قبال ذلك بأن لكل فرد ما تيسر من طاقة وقدرة على فهم الخطاب الديني طبقاً لمنطق الظاهر. بل كل شيء له علاقة بالدين يفضي عنده إلى اليقين حتى خبر الآحاد، إذ يرى أن النقل إذا كان عن ثقة فثقة حتى يبلغ عن النبي (ص) فإنه «داخل في باب ما تيقن ضرورة بالمقدمات المذكورة»[16]. وعليه فقد اعتبر خبر الواحد أصلاً من أصول الدين، وهو يوجب العلم والعمل معاً، مؤيداً بذلك كلاً من أبي سليمان والحسين بن علي الكرابيسي والمحاسبي وغيرهم[17]. وهذا ما جعله يعتقد بأن الله قد حرّم التعبد بالظن مهما كان. فبرأيه لا يحل الحكم بالظن أصلاً لقوله تعالى: ((إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني عن الحق شيئاً))[18]، ولقول الرسول (ص): «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»[19].
على أن رفض إبن حزم للتقليد والالهام وسائر الإعتبارات الأخرى يتسق مع نظريته في البيان الظاهري للخطاب. بل لولا هذا المتبنى ما كان يمكن أن نجد تفسيراً منطقياً لذلك الرفض. وهو ذات الأمر الذي جعله ليس بحاجة إلى إتخاذ أي قبليات عقلية لفهم الخطاب سوى ما تفرضه بديهة العقل وضرورة الحس. فالعقل الذي يوظفه إبن حزم لفهم الخطاب لا يزيد عن كونه كاشفاً عن البيان الديني وليس مؤسساً له، مما جعل البيان المستنبط من الخطاب عين المعقول، فـ «كل ما قاله الله تعالى فحق ليس منه شيء منافياً للمعقول، بل هو كله قبل أن يخبرنا به تعالى في حد الإمكان عندنا، ثم إذا أخبر به عزّ وجل صار واجباً حقاً يقيناً»[20].
وبذلك يتضح بأن طريقة إبن حزم تختلف أساساً عن كل من الطرق السابقة التي تعتمد على الباطن والعقل والظن والتقليد. فهي تختلف عن الفلسفة والعرفان، وعن علم الكلام والفقه، وعن الإتجاهات الداعية للتقليد وإتّباع الأئمة.
والذي يصل إليه إبن حزم هو أن دين الله كامل لا يُنقص منه ولا يبدل ولا يحتاج إلى ما يزيد عليه بدلالة قوله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً))[21]، وهو يتحدد بكلام الله تعالى الذي بيّنه النبي الكريم، وبلّغه إلينا أولو الأمر منّا. فما عدا ذلك ليس من الدين بشيء[22]. وفي جميع الأحوال يظل الدين عنده عبارة عن «الظاهر» بلا مزيد. فكما يقرر بأنه «لا يحل لأحد أن يحيل آية عن ظاهرها ولا خبراً عن ظاهره، لأن الله تعالى يقول: ((بلسان عربي مبين))، وقال تعالى ذاماً لقوم: ((يحرفون الكلم عن مواضعه))، ومن حال نصاً عن ظاهره في اللغة بغير برهان من آخر أو إجماع فقد ادعى أن النص لا بيان فيه، وقد حرّف كلام الله تعالى ووحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم عن موضعه، وهذا عظيم جداً مع أنه لو سلم من هذه الكبائر لكان مدعياً بلا دليل. وبرهان ما قلنا من حمل الألفاظ على مفهومها من ظاهرها قول الله تعالى في القرآن: ((بلسان عربي مبين))، وقوله تعالى: ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم))، فصح أن البيان لنا إنما هو حمل لفظ القرآن والسنة على ظاهرهما وموضوعهما، فمن أراد صرف شيء من ذلك إلى تأويل بلا نص ولا إجماع فقد افترى على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وخالف القرآن وحصل في الدعاوى وحرّف الكلم عن مواضعه»[23].
لكن رغم تأسيس إبن حزم للدين أو البيان على الظاهر، ورغم أنه يعده كاملاً لا يحتاج إلى أي تعديل أو مزيد، فإنه لا يمنع من أن تتدخل عناصر أخرى تقوم بعملية التأسيس والتوجيه من الخارج والداخل، وهي تتحدد بكل من بداهة العقل وضرورة الحس، وكل ما يستنتج عنهما بالبرهان المنطقي الأرسطي. وبذلك فقد جعل طريقته العامة بعيدة عن متاهات أهل الكلام الذين يمارسون جميع صنوف الاستدلال العقلي. فقد اعتبر أنه لا طريق إلى العلم أصلاً إلا من وجهين: أحدهما ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس، والثاني مقدمات راجعة إلى هذه الأوائل وتلك البديهة[24]، وكما يقول: «وحد العلم بالشيء وهو المعرفة به أن نقول: العلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد، وهو إعتقاد الشيء على ما هو عليه وتيقنه به وارتفاع الشكوك عنه، ويكون إما شهادة الحواس وأُول العقل، وإما ببرهان راجع من قرب، أو من بعد إلى شهادة الحواس أو أُول العقل، وإما بإتفاق وقع له في مصادفة إعتقاد الحق خاصة بتصديق ما افترض الله عز وجل عليه اتباعه خاصة دون استدلال»[25].
فهو من منطلق الإستناد إلى أولوية العقل وضرورة الحس قام بتأسيس الخطاب الديني من الخارج، فاعتبر الخطاب يتوقف على إثبات الخالق وصدق الرسالة، وهو يتوقف على مقدمات العقل والحس. وقد أدرك إبن حزم أنه لا مجال لإثبات هذه القضايا بواسطة نفس الخطاب، وإلا لأفضى إلى الدور والمصادرة على المطلوب، فاعتبر الخطاب منبهاً على طريقة الاستدلال لمن كان جاهلاً أو غافلاً عنها، وكما قال: «وجب علينا تفهم القرآن والأخذ بما فيه فوجدنا فيه التنبيه على صحة ما كنا متوصلين به إلى معرفة الأشياء على ما هي عليه من مدارك العقل والحواس، ولسنا نعني بذلك أننا نصحح بالقرآن شيئاً كنا نشك فيه من صحة ما أدركه العقل والحواس، ولو فعلنا ذلك لكنا مبطلين للحقائق ولسلكنا برهان الدور الذي لا يثبت به شيء أصلاً. وذلك أننا كنا نسأل فيقال لنا بم عرفتم أن القرآن حق؟ فلا بد أن نقول بمقدمات صحاح يشهد لها العقل والحس. ثم يقال لنا: بماذا عرفتم صحة العقل والحس المصححين لتلك المقدمات؟ فكنا نقول بالقرآن فهذا الاستدلال فاسد مبطل للحقائق، ولكنا قلنا: أن في القرآن التنبيه لأهل الجهل والغفلة وحسم شغب أهل العناد. وبذلك أن قوماً من أهل ملتنا يبطلون حجج العقول، ويصححون حجج القرآن. فأريناهم أن في القرآن ابطال قولهم، وافساد مذاهبهم»[26].
ولجأ إبن حزم في تأسيسه للخطاب من الخارج إلى مفهومه الخاص عن السببية. فهو بقدر ما يبتعد عن المفهوم الأشعري، يبتعد كذلك عن المفهوم الفلسفي لها. فإذا كان الأول لا يعترف بوجود الطبايع والصفات الثابتة للأشياء، فإن الثاني ينكر أن يكون هناك مجال لاختراق هذه الطبايع وتلك الصفات، بإعتبارها قائمة على الضرورة والحتمية. لهذا فإن لإبن حزم مسلكاً وسطاً بين الإتجاهين، فهو يتقبل فكرة الطبايع والصفات الثابتة للأشياء، لكن ليس لكونها تتصف بالضرورة والحتمية للأشياء، بل لأن الله جعلها هكذا، فهي بالتالي رهينة أمره في البقاء والخرق. ومنه يتبين صدق النبوة حين تظهر المعجزة، إذ هي دالة على أن الله أراد تجاوز وخرق ما جعله ثابتاً من قبل، ليكون علامة يستدل بها على صدق النبي وصحة رسالته[27]. وهو ما التزم به إبن القيم الجوزية من معنى، معتقداً بأن ما جاءت به الرسل ودل عليه الحس والعقل والفطرة هو إثبات الأسباب وجواز - بل وقوع - سلب السببية عن الأشياء إذا شاء الله ودفعها بأمور أخرى نظيرها أو اقوى منها، بل أن ذلك قد وقع مع بقاء مقتضى السببية فيها[28]. وهو المعنى الذي لا يختلف كثيراً عن المعنى الذي أراده المعتزلة للسببية تبعاً لمنطق ما اطلقوا عليه (الإعتماد والتوليد)[29].
أما بخصوص تأسيس الخطاب من الداخل فيكاد إبن حزم يقتصر على حصر الممارسة العقلية الاستدلالية بالشكل الصوري من البرهان المنطقي، ليوظفه في توسعة صور البيان الظاهري للخطاب.
وبهذه الطريقة يتوسط إبن حزم بين أولئك الذين يعولون على العقل في الكشف عن أمور الخطاب، وبين الذين يبطلون حجج العقل كلياً بذريعة الاكتفاء بالبيان. فهو يرى أن وظيفة العقل هي تمييز الأشياء المدركة بالحواس ومعرفة صفاتها والتي تُعرف بها قضايا التأسيس الخارجي للخطاب، كإيجاب حدوث العالم ووحدانية الخالق وصحة النبوة.. أما ما عدا ذلك مما يدخل ضمن فهم الخطاب فليس للعقل قدرة على إدراكه، فليس بمقدوره أن يعرف كم ينبغي أن تكون ركع الصلوات أو كيفية الوضوء أو الحدود والقصاص وغير ذلك مما يدخل ضمن عنوان الحرمة والحلية. وفي هذه الحالة ليس للعقل إلا فهم ما جاء به البيان الديني[30]، والوقوف عند جميع ما قاله الرسول، إلى درجة أنه ينفي التعليل العقلي في الدين التزاماً بطريقة البيان الظاهري للفهم. فهو يرى أنه «لا علة في شيء من الدين أصلاً، والقول بها في الدين بدعة وباطل»[31].. «وبالجملة فليس في الشرائع علة أصلاً بوجه من الوجوه ولا شيء يوجبها إلا الأوامر الواردة من الله عز وجل فقط، إذ ليس في العقل ما يوجب تحريم شيء مما في العالم وتحليل آخر، ولا إيجاب عمل وترك إيجاب آخر. فالأوامر أسباب موجبة لما وردت به. فإذا لم ترد فلا سبب يوجب شيئاً أصلاً ولا يمنعه. وإذا لم تكن العلة إلا التي لم توجد قط إلا وموجبها معها فليس ذلك إلا في الطبيعيات فقط، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يوقع إسم علة على غير هذا المعنى فيقع التلبيس بايقاع إسم واحد على معنيين مختلفين، وهذه أقوى سبيل لأهل المخرقة»[32].
وهو بهذا يعد نهاية العقل عند بداية البيان، فهو يخالف أصحاب الدائرة العقلية الذين يشرّعون للعقل لفهم الخطاب ويرجحونه على البيان، ويبررون ذلك تعويلاً على حاجة الخطاب للعقل في التأسيس الخارجي، ويرون أن الطعن في النتائج التي تسفر عن تأويل العقل للخطاب؛ يبرر- في حد ذاته - الطعن في نتائج العقل عند ذلك التأسيس، كالذي صرح به الغزالي والفخر الرازي. بينما الحال عند إبن حزم مختلف تماماً، إذ برأيه أن العقل لما أوجب بالبرهان صحة تأسيس المسألة الدينية من الخارج؛ لذا ليس له أن يحرّف ما تتضمنه هذه المسألة من «بيان». وربما رأى إبن حزم أن العقل لو تدخل في تأويل «البيان» لكان فعله متناقضاً، بإعتباره أوجب صحة الخطاب كـ «بيان»؛ لكنه في الوقت ذاته قام بتحويل هذا البيان إلى متشابه كما يفعل أصحاب الدائرة العقلية. ودفعاً لمثل هذا التناقض فقد كبح إبن حزم جماح العقل عند حدّه، فألزمه بحدود التأسيس الخارجي للخطاب وألجمه عن التدخل في الفهم. وكما قال: «وانما ننكر الإقدام في الدين بغير برهان من قرآن أو سنة أو إجماع بعد أن أوجبه برهان الحس وأُول بديهة العقل والنتائج الثابتة من مقدماته الصحيحة من صحة التوحيد والنبوة، فإذا ثبتا بما ذكرناه فضرورة العقل توجب الوقوف عند جميع ما قاله لنا الرسول..»[33].
ولم يكتف إبن حزم بهذه الحدود من الترسيم بين العقل والبيان، بل طمح إلى توسعة دائرة البيان ليطابقها مع «البرهان العقلي» إلى حد المغالاة، معتبراً أن كل ما صحّ ببرهان فإن عليه شاهداً من البيان، وكما قال: «كل ما صح ببرهان، أي شيء كان، فهو في القرآن وكلام النبي (ص) منصوص مسطور، يعلمه كل من أحكم النظر وأيده الله تعالى بفهم. وأما كل ما عدا ذلك، مما لا يصح، إنما هو اقناع أو شغب، فالقرآن وكلام النبي (ص) منه خاليان... ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام نبيه (ص) بما يبطله عيان أو برهان. إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في ابطالهما»[34].
لذلك فما فعله إبن حزم من مطابقة بين البيان والبرهان؛ جعله يرفض «المشاغبات العقلية» الساعية لتحويل البيان الديني إلى «متشابه»، كالحال مع علم الكلام بصيغته العقلية.
هكذا فالأساس العقلي الذي أراد إبن حزم توظيفه هو ما يتمثل بالشكل الصوري من القياس الأرسطي البرهاني. فمن خلاله تتحقق عملية التوسعة للبيان، سواء في الفقه أو العقيدة، بلا حاجة للإنشغال بالقضايا القبلية أو «المشاغبات العقلية» التي تسقط منطق «التشابه» على النص بدل البيان. لهذا فقد أنكر أن يكون «المنطق» بدعة كما يشاع عنه وسط النظام المعياري. فعلى العكس أنه أوجب تعلمه وإتخاذه في كل من الفقه والعقائد، حتى اعتبر كتب أرسطو في المنطق «كلها كتب سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز وجل وقدرته، عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم. وعظم منفعة الكتب - التي ذكرنا - في الحدود أمر واضح. ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يتعرف كيف التوصل إلى الإستنباط، وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها، وكيف يعرف الخاص من العام، والمجمل من المفسر، وبناء الألفاظ بعضها على بعض، وكيفية تقديم المقدمات وإنتاج النتائج، وما يصح من ذلك صحّة ضرورية أبداً وما يصحّ مرة، وما يبطل أخرى ولا يصح البتة، وضروب الحدود التي من شذّ عنها كان خارجاً عن أصله، ودليل الخطاب ودليل الإستقراء، وغير ذلك مما لا غناء بالفقيه المجتهد لنفسه ولأهل ملته عنه»[35].
لذلك اعتبر أن مَن جهل المنطق فسيخفى عليه فهم الخطاب والإنتاج المعرفي من الكتاب والسنة بترتيب المقدمات والنتائج وتمييزها عن بعضها البعض. ورأى بأن مَن لا يعرف المنطق «لم يجز له أن يفتي بين إثنين لجهله بحدود الكلام وبناء بعضه على بعض وتقديم المقدمات وإنتاجها النتائج التي يقوم بها البرهان وتصدق أبداً، ويميزها من المقدمات التي تصدق مرة وتكذب مرة أخرى»[36]. لكنه مع ذلك عذر السلف في جهلهم له لعدم حاجتهم إليه آنذاك، سيما وانهم قضوا فترة تتصف بصفاء الذهن من المشاغبات والتشويشات التي ظهرت في ما بعد، والتي اختلط فيها الحق بالباطل[37].
لقد اتخذت عملية توظيف المنطق البرهاني لخدمة البيان صورة ما اطلق عليه إبن حزم (الدليل)، إذ اعتبر الأصول أربعة، هي القرآن والسنة والإجماع والدليل. وعنده أن الإجماع كاشف عن النص لا في قباله، مما يعني اختزال هذه الأصول إلى النص والدليل. ولما كان الدليل ليس مادة أو موضوعاً في قبال النص، بل مجرد إجراء يطبق لغرض فهم الموضوع دون أن يضيف إليه أمراً آخر خارجاً عنه، لذا فالموضوع الوحيد في تلك الأصول هو النص بما يحمل من ظاهر أو يكشف عن بيان. وعليه فبعد أن يعدد هذه الأصول الأربعة يعود فيعتبر أنه «لا سبيل إلى معرفة شيء من أحكام الديانة أصلاً إلا من أحد هذه الوجوه الأربعة، وهي كلها راجعة إلى النص، والنص معلوم وجوبه، ومفهوم معناه بالعقل على التدريج الذي ذكرناه»[38].
هكذا يكون المنطق قد وُظف لتوسعة البيان لا لتضييقه، خلافاً للعقل الكلامي الذي عمل على تضييق البيان وتحويله إلى «متشابه» طبقاً للتشريعات القبلية المنافسة للبيان. فنحن مع طريقة إبن حزم المنطقية قلما نجد تشريعات قبلية مثل تلك التي يمارسها الكلاميون والفلاسفة وغيرهم، كما لا نجد عناصر أجنبية تعمل على توجيه النص وتحرفه عن بيانه وظاهريته من الناحية الإبستمولوجية. فإدخال المنطق في توظيفه للظاهر لم يزد البيان إلا بياناً، فالبيان كما عرّفه هو «كون الشيء في ذاته ممكناً أن تعرف حقيقته لمن أراد علمه»[39]، وهو متحقق – بنظره - في نص الخطاب، فقد ورد اللفظ في النص الديني في غاية الوضوح والبيان بحيث لا يحتمل إلا معنىً واحداً. لذلك منع أن يمارس في حق هذا اللفظ التوجيهات اللغوية بما فيها المعاني التي كانت مألوفة في العصر الجاهلي قبل الإسلام[40]. فالتوجيه الذي وافق عليه هو فقط ذلك الذي ينحصر بالنص ذاته، فيكون الأخير بعضه مفسراً للبعض الآخر، أو ببديهة العقل وضرورة الحس، وكما صرح بأن الشريعة وردت بـ «الفاظ عربية معروفة المعاني في اللغة التي نزل بها القرآن، فلا يحل لأحد صرف لفظة معروفة المعنى في اللغة عن معناها الذي وضعت له في اللغة التي بها خاطبنا الله تعالى في القرآن، إلى معنى غير ما وضعت له، إلا أن يأتي نص قرآن أو كلام عن رسول الله (ص) أو إجماع من علماء الأمة كلها على أنها مصروفة عن ذلك المعنى إلى غيره، أو يوجب ضرورة حس أو بديهة عقل، فيوقف حينئذ عند ما جاء من ذلك»[41].
لكن مع كل ما سبق فإن إبن حزم لم يلتزم بالمبدأ الذي دعا إليه من البيان الظاهر أحياناً، فهو قد مارس التأويل بشأن الصفات الإلهية كما مارسها علماء الكلام من الدائرة العقلية، كالذي كشفنا عنه في (العقل والبيان والإشكاليات الدينية)[42]. كما أن من المؤاخذات التي نؤاخذ بها هذه النظرية هو أنها تتعالى على الواقع وتتنافى مع مقاصد الشريعة العامة، كالذتي فصلنا الحديث عنها في (جدلية الخطاب والواقع) و(فهم الدين والواقع).
التنظير السلفي للبيان
إذا كان إبن حزم هو المنظر الأول للبيان عبر توظيفه للعقل والمنطق، فإن ما قام به إبن تيمية بعده بعدة قرون يعد أعمق صورة رأتها الدائرة البيانية في الساحة السنية، رغم أنها تختلف عما لجأ إليه إبن حزم من إعتبارات الظاهر والمنطق الأرسطي. فقد جاء التنظير البياني لإبن تيمية كرد فعل صارخ على التضخّم الذي شهدته الشحنة العقلية لدى أصحابها، سيما فيما يخص القانون الكلي للتأويل كما أعلنه الفخر الرازي. وهو ما حدا بابن تيمية إلى أن يؤلف كتابه الكبير (درء تعارض العقل والنقل) ليرد فيه على قانون الرازي بأربع وأربعين وجهاً، ناقضاً الزعم القائل بتقديم الأدلة العقلية مطلقاً بما يفضي إلى التأويل عند المعارضة، بل وكاشفاً عن إنتفاء المعارض العقلي القطعي[43]. فهدف الكتاب بالتحديد هو «بيان إنتفاء المعارض العقلي - القطعي - وإبطال قول من زعم تقديم الأدلة العقلية مطلقاً»[44].
والى هذا الإتجاه سار إبن القيم الجوزية الذي يعد أبرز تلامذة إبن تيمية، كما في كتابه (الصواعق المرسلة). فقد سخّر كتابه للرد على قانون الفخر الرازي، فنقد مقالة تقديم العقل على النص في ما لو تعارضا، وذلك بأكثر من خمسين وجهاً[45]. كما اعترض على مبدأ كون «الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين» على ما صرح به الفخر الرازي في قانونه الكلي، وذلك بسبع وخمسين وجهاً[46].
ويدور التنظير البياني لدى إبن تيمية حول تجاوز الخلاف بين العقل والبيان كحدين مطلقين، وذلك بتحويله إلى خلاف قائم على القيمة المعرفية كمعطى (منطقي)، رغم أنه قام بالردّ على طريقة المناطقة وسخّف آراءهم ومقولاتهم، كما في كتابه (الرد على المنطقيين)، فهو لا يرفض ما يتأسس عليه المنطق من مسلمات عقلية صورية عامة، والتي منها أخذ إعتبار تمايز القيمة بين القطع والظن، أياً كان موضوع هذا الظن أو ذلك القطع. فهو لا يرجح الدلالة النصية على العقلية بنحو مطلق، كما لا يرجح العكس، بل يأخذ بما هو قطعي منهما. وبالتالي رأى بأن التعارض ليس بين العقل والنص، وإنما بين القطع والظن. فمثلما يمكن أن نجد القطع في العقل حيناً، والظن حيناً آخر، فكذلك هو الحال في النص.
فمن هذا المنطلق (المنطقي) خطّأ إبن تيمية الدائرة العقلية التي رجحت الدلالة العقلية على النصية مطلقاً، بل وجعلت الدلالة الأخيرة تفتقر إلى القطع واليقين خلافاً لما هو الحال في الدلالة الأولى. فما شغل إبن تيمية أساساً هو العمل على قلب ما افتعلته الدائرة العقلية، فعمل على ترجيح القضايا النصية بتبيان ما تفيده من بيان ويقين يتناسب مع بعض الإعتبارات العقلية التي أضفى عليها طابع اليقين لكونها تتفق مع تلك القضايا، في الوقت الذي كشف عن زيف القضايا العقلية التي تمسك بها الإتجاه العقلي عموماً.
أما من الناحية المبدئية فهو يحيل التعارض بين العقل والنص في ما لو كانا قطعيين، لذلك أصرّ على التفصيل، بالتمسك بما هو قطعي وترجيحه على ما هو ظني، مهما كان موضوع القطع والظن[47]. لهذا رأى أن الدليل العقلي إما أن يكون ظنياً راجحاً أو مرجوحاً أو قاطعاً، فإذا كان هذا هو الأخير يؤخذ به لا لكونه عقلياً، بل لأنه قطعي[48]. وبالتالي فهو يسلّم بأن القدح في بعض القضايا العقلية لا يعني القدح في جميعها[49].
وهو بإعترافه بوجود قطع في بعض القضايا العقلية، تمكّن من أن يؤسس الخطاب من الخارج. فهو يعي بأنه لا بد من أن يتوقف إثبات صدق الرسالة على بعض القضايا العقلية. لكن لا يعني ذلك أن مساحة الخطاب الداخلية هي الأخرى متوقفة على هذه القضايا كما هو رأي الدائرة العقلية. وبعبارة أخرى أنه إذا كان الشرع متوقفاً على العقل من جهة تأسيس الخطاب من الخارج، فإن عملية الفهم المنتسبة إلى الخطاب من الداخل لا تتوقف بالضرورة على القضايا العقلية[50]، وهو محل النزاع مع الدائرة العقلية.
فمن هذا المنفذ اعترف إبن تيمية بأن الدليل العقلي يمثل أساس العلم بصدق الرسول، لكنه نفى في الوقت نفسه أن يكون هناك مبرر لتقديم ذلك الدليل على غيره من الأدلة بشكل مطلق. فالقضية التي يصدّق بها العقل حول إثبات الرسالة هي غير القضايا الأخرى، كتلك التي تتعلق ببحث المسائل الفرعية من الشرع[51].
أما إبن القيم الجوزية، فقد كان أشد جرأة وصراحة، إذ اعتبر النص متوقفاً فقط على صدق الرسول من العقليات دون غيره[52]. مما يعني أن الخطاب من الداخل ليس بحاجة مطلقاً إلى أي دليل عقلي، وهو ما تروم إليه دائرة البيان بشكل عام.
والمهم في طبيعة التنظير الذي مارسه إبن تيمية للدائرة البيانية هو أنه عمل على بسط حقل البيان ليلوح حتى القضايا المتوقفة على العقل، فقلب بذلك السلوك الذي نهجه أصحاب الدائرة العقلية. فهم قد بسطوا دائرة العقل على «البيان» وحولوه إلى «متشابه»، فأنكر عليهم إبن تيمية ذلك وعكس المسألة، إذ بسط حقل البيان على الساحة العقلية، وبالتالي عدّ العقل «متشابهاً» يحتاج إلى بيان «الآخر». وبذلك عمل على تغطية مختلف حقول العقل ومجالاته بالبيان الذي دعا إليه، بما فيها الحقل الخاص بأصول الدين وتأسيس الخطاب من الخارج، إذ كتب يقول: «بيّنا أن دلالة الكتاب والسنّة على أصول الدين ليست بمجرد الخبر، كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم، بل الكتاب والسنة دلاّ الخلق وهدياهم إلى الآيات والبراهين والأدلة المبينة لأصول الدين، وهؤلاء الغالطون الذين اعرضوا عما في القرآن من الدلائل العقلية والبراهين اليقينية صاروا إذا صنفوا في أصول الدين أحزاباً»[53].
وعلى هذه الشاكلة صرح إبن القيم الجوزية فعدّ القرآن الكريم «هو المرشد إلى الطرق العقلية والمعارف اليقينية»[54].
هكذا أن ما تريده الدائرة البيانية عموماً هو تكريس البيان على حساب العقل، فهي عند التعارض بين العقل والنص تعمل على ترجيح الأخير على الأول، خلافاً لما تفعله الدائرة العقلية. وتأكيداً لهذا الموقف قام إبن أبي العز في شرحه لكتاب (العقيدة الطحاوية) بالردّ على سلوك الدائرة العقلية وقلب القضية عليها، بقوله: «إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع. لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول (ص)، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضاً للنقل، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه فلا يجوز تقديمه. وهذا بين واضح، فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحاً لم يجز أن يتبع بحال، فضلاً عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل»[55].
إذاً فالدائرة البيانية عند إبن تيمية وأتباعه، تفرض البيان على العقل في كلا التأسيسين: الخارجي والداخلي، دون تمييز. فقد اعتبر إبن تيمية أن بيان الخطاب هو في حد ذاته يفيد اليقين والبرهان، مما جعله يؤسس المسألة الدينية عليه، كمصدر للهداية إلى الطرق التي ينبغي تأسيسها بالعقل، مثلما هو مخول لأن يكون مصدراً حقيقياً للفهم والإنتاج المعرفي.
ويتمثل «البيان» الذي أراد إبن تيمية أن ينظّر له بكل من الكتاب والسنة والإجماع. والإجماع عنده كاشف عما في النص[56]. وهو يعد النص، سواء في الكتاب أو السنة، واضحاً ومبيناً غاية البيان، وهذا ما جعله يفصّل العلاقة بينه وبين العقل بأربعة موارد هامة، كما في (درء تعارض العقل والنقل)، وهي:
1 ـ كشفه بأن في الكتاب والسنة الهدى والبيان.
2 ـ تنبيهه على أن ما يقدّره الذهن من إحتمالات في قبال مراد المتكلم يعتبر باطلاً، لكون الدليل قد دلّ على معرفة مراد المتكلم بغير تلك الإحتمالات المقدرة. ومن ذلك تبيانه بأن آية (ال إستواء على العرش) تدل على معنى واحد لا يحتمل آخر بنحو عشرين دليل.
3 ـ بيان بطلان ما يدعى بأن العقل يعارض بعض الظواهر الشرعية من الكتاب والسنة.
4 ـ بيان أن العقل موافق ومعاضد لتلك الظواهر، لا معارض ومناقض لها[57].
التنظير البياني والبيان السلفي
سبق لنا في بعض الدراسات أن عرفنا بأن النزعة البيانية لدى أغلب أهل السلف تقوم على مبدأ التفويض وعدم البحث في حقيقة أمر المتشابه، ومن ذلك تفويضهم للصفات الإلهية إلى علم الله طبقاً لما تبديه آية المتشابهات. أما مع المتأخرين فقد ظهر التنظير البياني حاملاً لموقفين مختلفين، أحدهما تجاوز نزعة البيان السلفي كلياً، في حين حاول الآخر التنظير لها وفق معطيات أصيلة.
فلو عدنا إلى إبن حزم الاندلسي لوجدنا أنه يحمل الموقف التجاوزي لنظرية السلف، فهو لا يرى أي متشابه في القرآن سوى الحروف المقطعة في أوائل بعض السور، والأقسام الواردة في مثل هذه الأوائل. وما عدا هذين النوعين الذين يعود بهما إلى علم الله دون الإنسان، لا يرى في القرآن شيئاً غير محكم وبيّن وظاهر، وبالتالي قابل للفهم والتحديد والتفسير[58]. لذلك فهو يرفض ما يقوله بعض المتكلمين من أن معنى المتشابه في النص هو كل ما يحمل تعارضاً وتقابلاً في الأدلة، إذ الشريعة لما كانت بينة وكاملة فهي منزهة عن مثل ذلك التعارض والتقابل، فالحق فيها لا يعارض نفسه، وبالتالي فما يقوله أولئك عن المتشابه هو عند إبن حزم خطأ عظيم ودعوى بلا برهان[59].
ويفرّق إبن حزم بين متشابه القرآن ومتشابه الأحكام. فمتشابه القرآن لا يخرج عن النوعين الآنفي الذكر، وهو يعبّر عما يعلمه الله دون الإنسان، لذلك جاء في الشرع تحذير من إتّباعه كما في رواية أم المؤمنين عائشة عن الرسول (ص)، إذ قال بعد أن تلى آية المتشابهات: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله تعالى فاحذروهم».
لكن إذا كان إتباع هذا المتشابه محظوراً شرعاً كما يقول إبن حزم، فإن الحال مع متشابه الأحكام غير ذلك، إذ لم يرد فيه أي تحذير شرعي من السعي لتتبعه ومعرفته، إنما ورد التحذير في إتباعه سلوكاً لا معرفة، كما في الحديث النبوي القائل: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه»، وهو غير ما ورد من النهي في إتباع معرفة المتشابهات في القرآن الكريم[60].
كما يختلف إبن حزم عن موقف السلف من الممارسة الكلامية والجدلية، فهو ليس كالسلف الذين يكتفون بالتسليم بما ورد في الخطاب وتفويض ما لا يسعهم إدراكه من المتشابهات إلى علم الله تعالى. بل أنه يقر الممارسة الكلامية والجدلية، لهذا فهو ينقد تلك الطريقة قائلاً: «ولا قول لمن قال أو كلّما جاء رجل هو أجدل من رجل تركنا ما نحن عليه أو كلاماً هذا معناه»، وبيّن أن هذه الطريقة تجعل الملحدين وأهل الكتاب وغيرهم يتمسكون بما هم عليه دون حجة[61].
***
هكذا يتضح أن إبن حزم قد تجاوز فعلاً النزعة السلفية، سواء من حيث طريقة فهمه للخطاب الديني، أو من حيث موقفه من علم الكلام. لكن مع هذا فهناك موقف آخر يختلف تماماً عما لدى إبن حزم، فقد جاء لينظّر لطريقة السلف محاولاً عدم تجاوزها، كما يظهر لدى إبن تيمية وتلميذه إبن القيم، إذ حوّلا نظرية التفويض السلفي للمتشابهات إلى نوع من البيان الخاص. فابتداءً اعتبر إبن تيمية الشريعة بيّنة ومفهومة لدى السلف، وبالتحديد فترة القرون الثلاثة الأولى، كما تتمثل بالصحابة ثم تابعيهم ثم تابعي هؤلاء، لذلك رأى أن سيرة السلف كاشفة عن بيان الشرع وهداه، مما جعله يستدل نفياً وإثباتاً تبعاً لما ينكشف له من سيرة الصحابة والتابعين، كما كان يردّ على الفلاسفة والصوفية طبقاً لفهمه لسلوك الصحابة من السابقين الأولين ومَن إتّبعهم بإحسان. ففي إحدى المناسبات قال: «ومعلوم أن أصحاب النبي (ص) من السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان... كانوا أعلم بالدين وأتبع له ممن بعدهم. وليس لأحد أن يخالفهم في ما كانوا عليه... وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم إلا وقد نقل عن غيره من هو أعلم منه وأفضل أنه خالف سبيل هذا المخالف..»[62].
فقد اعتقد بأن أصل الخطاب الديني المتمثل بالقرآن قد فُسّر على يد النبي (ص)، وعنه تعلمه الصحابة، ثم نُقل ذلك إلى التابعين. وقيل أنه لا يتبع رأياً بعد النبي إلا الصحابة، كما أنه يستأنس بأقوال التابعين، ويحتج بها أحياناً عند المناظرة[63].
وهو من هذا المنطلق اعتبر حقل البيان منبسطاً على كل من دائرة النص المحكم والمتشابه، رغم أنه أحال معرفة حقيقة الموضوع الذي يثيره النص المتشابه، خلافاً لما هو الحال في النص المحكم، زاعماً ومؤكداً بأن طريقته هذه ليست مبتدعة وإنما هي عين طريقة السلف، جاعلاً من نفسه إمتداداً لما ذهب إليه هؤلاء. ففي تنظيره البياني للمتشابه إستند إلى منفذ سلفي متعلق بآية المتشابهات: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وآخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربنا وما يذكَّر إلا أولوا الألباب))[64]، فهو يعترف بأن جمهور سلف الأمة وخلفها يعتقدون بوجود وقف في قوله تعالى ((وما يعلم تأويله إلا الله)) ناصاً على أن هذا هو المأثور عن أبي بن كعب وإبن مسعود وإبن عباس وغيرهم[65].
وروى بصدد هذه القضية عن إبن عباس خبرين متعارضين، أحدهما نُسب إليه أنه قال: التفسير على أربعة أوجه، تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب. أما الخبر الآخر، فهو أنه روى عن مجاهد وطائفة من المفسرين أنهم قالوا بأن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، حتى قال مجاهد: «عرضت المصحف على إبن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها»[66].
والذي استنتجه إبن تيمية من هذين الخبرين المتعارضين هو أنهما غير متنافيين. لذا فقد سلك مسلكاً توفيقياً هو ذاته الذي نظّر إليه ونسبه إلى السلف. فذكر بأن لفظ «التأويل» قد أُستخدم في ثلاثة معان مختلفة:
الأول: بمعنى صرف اللفظ في النص مما هو ظاهر وراجح إلى ما هو غير ظاهر أو مرجوح، وذلك لدليل يقترن به. وهو إصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين وعلماء الفقه وأصوله.
الثاني: بمعنى التفسير، وهو الغالب على إصطلاح المفسرين للقرآن الكريم.
الثالث: بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما في قوله تعالى ((هل ينظرون إلى تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق))[67]. فبحسب هذا المعنى أن تأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار وما إلى ذلك، مثلما هو الحال في قوله تعالى في قصة يوسف عندما سجد أبواه واخوته، حيث قال: ((يا أبتِ هذا تأويل رؤياي من قبل))[68]، فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا[69].
وعليه فالفارق بين المعنيين الثاني والثالث لإصطلاح «التأويل» هو أن المعنى الثاني يشير إلى تفسير الكلام، أي: «هو الكلام الذي يفسر به اللفظ حتى يفهم معناه أو تعرف علته أو دليله». أما المعنى الثالث فيقصد به عين ما هو موجود في الخارج وحقيقته. وهو المعنى الذي دلل عليه ببعض أقوال السلف، كما جاء في قول سفيان بن عيينة: «السنة هي تأويل الأمر والنهي» من حيث «أن نفس الفعل المأمور به هو تأويل الأمر به، ونفس الموجود المخبر عنه هو تأويل الخبر». كذلك ما قاله أبو عبيد وغيره من أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة، وذلك بإعتبار أن الفقهاء يعلمون تفسير ما أمر ونهي عنه، لعلمهم بمقاصد الرسول (ص)، مثلما يعلم أتباع بقراط وسيبويه ونحوهما من مقاصدهما ما لا يعلم بمجرد اللغة[70].
ويطبق إبن تيمية هذا المعنى (الأخير) للتأويل على مفاد ما تعنيه تلك اللفظة في آية المتشابهات ((وما يعلم تأويله إلا الله))، كي يصل إلى تنظيره البياني للمتشابه، فيرى أن تأويل ما أخبر الله به عن نفسه من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة لنفسه المقدسة، وكذلك في ما أخبر به من الوعد والوعيد، فهو أيضاً نفس ما يكون من الوعد والوعيد. فهذه الأخبار الإلهية فيها «ألفاظ متشابهة يشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا»، كما هو الحال في ما أخبره الله بأن في الجنة لحماً ولبناً وعسلاً وخمراً ونحو ذلك، حيث أن «هذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى، ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته»[71]. وعلى ذلك فقد كان إبن عباس يقول: «ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء»، فحقائق الدنيا ليست مماثلة لحقائق الآخرة في الجنة «بل بينهما تباين عظيم، مع التشابه كما في قوله تعالى ((وأتوا به متشابهاً))[72]، على أحد القولين، أنه يشبه ما في الدنيا وليس مثله، فأشبه إسم تلك الحقائق أسماء هذه الحقائق كما أشبهت الحقائق الحقائق من بعض الوجوه. فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا ولا سبيل إلى إدراكنا لها لعدم إدراك عينها أو نظيرها من كل وجه. وتلك الحقائق على ما هي عليه هي تأويل ما أخبر الله به»[73].
وكذا الحال في ما يخص أسماء الله وصفاته، فهي وإن كان بينهما وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه، لكن لا يقتضي ذلك تماثلهما ولا أن حقيقة هذا الشاهد كحقيقة ذلك الغائب[74]. فهذا ما حرص إبن تيمية على أن ينسبه للسلف، معتبراً طريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات لله تعالى مع نفي مماثلة المخلوقات له، فهو إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، كما في قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))، إذ في قوله ((ليس كمثله شيء)) رد للتشبيه والتمثيل، وقوله ((وهو السميع البصير)) رد للإلحاد والتعطيل[75]. لكن هذه النتائج المتمخضة عن طريقة إبن تيمية والإتجاه السلفي عموماً تلتقي - تقريباً - مع النتائج التي أكد عليها العقل الفلسفي في النظام الوجودي، سيما الإتجاه الإشراقي المتمثل بالغزالي وصدر المتألهين، كالذي كشفنا عنه في (العقل والبيان والإشكاليات الدينية).
وننتهي إلى أن إبن تيمية اعتبر المتشابه بيّناً من حيث التفسير طبقاً للمعنى الثاني للتأويل، لكنه أحال معرفة حقيقة موضوع التشابه خارجاً، فهو عنده من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله طبقاً لآية المتشابهات كما مرّ علينا. وهو في جميع الأحوال ينكر تأويل المتشابه طبقاً للمعنى الأول الذي يمارسه أصحاب الدائرة العقلية والذي تتحول فيه دلالة البيان إلى المتشابه، خلافاً لما عليه طريقة إبن تيمية من تحويل المتشابه إلى بيان، كما هو واضح. رغم أن هذه الطريقة لإبن تيمية تخالف دعوة السلف إلى إمرار نصوص الصفات، كما هي، دون تفسير ولا بحث ولا تنقيب، كما أخطأت فيما نسبته إلى السلف من معرفتهم التامة بالتفسير، يضاف إلى أنها مارست التأويل أحياناً شبيهاً بما فعلته الدائرة العقلية، كالذي فصلنا الحديث عنه في (العقل والبيان والإشكاليات الدينية).
[1] إبن حزم: الفصل، ج2، ص91ـ92.
[2] إبن حزم: الأحكام في أصول الأحكام، مطبعة السعادة في مصر، الطبعة الأولى، 1345هـ، ج1، ص17.
[3] إبن حزم: علم الكلام على مذهب أهل السنة والجماعة، تحقيق أحمد حجازي السقا، نشر المكتب الثقافي في الأزهر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1989م.
[4] المائدة/3.
[5] الانعام/38.
[6] إبن حزم: النبذ في أصول الفقه، شبكة المشكاة الإلكترونية، ص16. والأحكام في أصول الأحكام، ج8، ص2ـ3. والمحلى، ج1، ص52.
[7] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص18.
[8] المصدر السابق، ج1، ص19.
[9] إبن حزم: الأحكام في أصول الأحكام، ج5، ص121 و124 و140، وج2، ص120، وج6، ص151ـ152. والمحلى، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام في القلعة بمصر، ج1، ص59. كذلك: سالم يفوت: إبن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والاندلس، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1986م، ص159.
[10] إبن حزم: النبذ في أصول الفقه، ص74.
[11] النبذ في أصول الفقه، ص72.
[12] المحلى، ج1، ص 60.
[13] الأحكام في أصول الأحكام، ج6، ص 150.
[14] المصدر السابق، ج1، ص 99ـ100.
[15] المصدر السابق، ج6، ص56 و123 و149ـ150، وج2، ص122ـ123. كما لاحظ: الموافقات للشاطبي، ص289.
[16] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص 42.
[17] نفس المصدر، ج1، ص117 و119.
[18] النجم/28.
[19] نفس المصدر السابق، ج1، ص126. كذلك: المحلى، ج1، ص64.
[20] الفصل، ج2، ص98.
[21] سورة المائدة/ 3.
[22] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص10.
[23] النبذ في أصول الفقه، ص36ـ38.
[24] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص65 و77.
[25] الفصل، ج5، ص68ـ69.
[26] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص66.
[27] إبن حزم الأندلسي: علم الكلام على مذهب أهل السنة والجماعة، ص26ـ27. كذلك: إبن حزم: رسالة التقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم الأندلسي، تحقيق احسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1983م، ص197. ورسالة مراتب العلوم، ضمن رسائل إبن حزم الأندلسي، ج4، ص62. والمحلى، ج1، ص32.
[28] اعلام الموقعين، ج2، ص299.
[29] شرح الأصول الخمسة، مصدر سابق، ص571. كما لاحظ: الفصل السابع من كتابنا العقل والبيان والإشكاليات الدينية.
[30] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص28ـ29. والفصل، ج2، ص 135.
[31] المصدر السابق، ج1، ص 44، وج8، ص77 و98ـ99 و102ـ103.
[32] رسالة التقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم الاندلسي، ج4، ص303.
[33] الفصل لإبن حزم، ج2، ص135 و177.
[34] الفصل، ج2، ص77. وإبن حزم، ص438.
[35] الفصل، ج2، ص77. والتقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم، ج4، ص98 وما بعدها.
[36] رسالة التقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم، ج 4، ص102 و95.
[37] المصدر السابق، ص94ـ95.
[38] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص69.
[39] المصدر السابق، ج1، ص 40
[40] الفصل، ج3، ص109 وما بعدها. كذلك: إبن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والاندلس، ص120.
[41] الفصل، ج3، ص30.
[42] انظر الفصل الأخير من الكتاب.
[43] درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص20.
[44] المصدر السابق، ص22.
[45] مختصر الصواعق المرسلة، ص84ـ187.
[46] المصدر السابق، ص60ـ83.
[47] درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص80 وما بعدها. ومختصر الصواعق المرسلة، ص 84 وما بعدها.
[48] درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص 86ـ87.
[49] مختصر الصواعق المرسلة، ص85.
[50] درء تعرض العقل والنقل، ج1، ص89ـ90.
[51] المصدر السابق، ص134ـ137.
[52] مختصر الصواعق المرسلة، ص85.
[53] إبن تيمية: معارج الوصول، عن شبكة المشكاة الإلكترونية، ضمن: فصل في أن رسول الله بيّن جميع الدين أصوله وفروعه (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). وابو زهرة: إبن تيمية، دار الفكر العربي، ص 214.
[54] مختصر الصواعق المرسلة، ص61.
[55] شرح العقيدة الطحاوية، فقرة قوله: والرؤية حق لأهل الجنة. كذلك: أصول مذهب الإمام أحمد، ص73ـ74.
[56] درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص244.
[57] المصدر السابق، ص279.
[58] النبذ في أصول الفقه، ص55. والإحكام في أصول الأحكام، ج1، ص48.
[59] الإحكام في أصول الأحكام، ج3، ص124ـ125.
[60] الأحكام في أصول الأحكام، ج3، ص122 وما بعدها.
[61] الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص24.
[62] إبن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، مكتبة الرياض الحديثة، ص438.
[63] إبن تيمية، ص217ـ218.
[64] آل عمران/7.
[65] إبن تيمية: الرسالة التدمرية، المكتب الإسلامي في بيروت، الطبعة الثانية، ص58.
[66] المصدر السابق، ص59.
[67] الأعراف/53.
[68] يوسف/100.
[69] الرسالة التدمرية، ص59ـ60.
[70] المصدر السابق، ص60ـ61.
[71] المصدر السابق، ص61.
[72] البقرة/25.
[73] إبن تيمية: الإكليل في المتشابه والتأويل، مكتبة الموسوعة الشاملة الإلكترونية، ج1، ص8ـ9. كذلك: إبن تيمية وجهوده في التفسير، ابراهيم خليل بركة، المكتب الإسلامي (بيروت ـ دمشق)، الطبعة الأولى، 1405هـ ـ1984م، ص159.
[74] الرسالة التدمرية، ص61.
[75] المصدر السابق، ص8.