-
ع
+

الحديث السني ومشكلة الكثرة والتوثيق

يحيى محمد 

هناك عدد من الاشكالات التي تلوح عصر الانشغال بالحديث تبعاً لما أجراه من تغيير وتبديل للسلوك الذي عهده كبار الصحابة والتابعون. ويمكن تحديد هذه الاشكالات وفق الفقرات التالية:

 

1ـ تنامي الحديث

لقد شهد العصر الذي تلا عصر الصحابة وحتى القرن الثاني للهجرة كثرة المراسيل والمنقطعات، في حين كانت المدونات الحديثية خلال القرن الثالث للهجرة غارقة بالاسناد المتصل وتجريد الحديث الصحيح. فما حدث في القرن الاخير وما بعده لم يكن معهوداً من قبل. ومن ذلك ان ابن عبد البر صنف كتاباً خلال القرن الرابع للهجرة في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل[1]، معتبراً ان عدداً من الحفاظ المتأخرين حسبوا ان ما في الموطأ من المراسيل حجة، وذلك لان كل حديث مرسل في الموطأ له ما يعضده بعاضد واحد او اكثر[2]. والسؤال الذي يرد بهذا الشأن: من أين أتت هذه الكثرة من الإسناد المتصل، ولماذا لم يطلع عليها التابعون وعلماء القرن الثاني للهجرة؟ وبعبارة اخرى كيف يمكن ان تكون مثل هذه الاسانيد مجهولة وغائبة عن السلف والتابعين مع قربهم من عصر الصحابة؟ ويؤيد ذلك ما قاله احمد بن حنبل: ثلاثة أمور ليس لها اصل او اسناد: التفسير والملاحم والمغازي. فالغالب عليها المراسيل[3]. فأغلب روايات هذه القضايا لا تتمتع بالصحة جراء غياب الإسناد المتصل، والقليل منها يحمل الإسناد المتصل الصحيح، مع ان كتب الصحاح حفلت بالكثير منها، خاصة في مجال التفسير.

وعلى هذه الشاكلة ان الاحاديث المتداولة قبل القرن الثالث للهجرة لم تكن كثيرة مثلما هي عليه في هذا القرن، وهو قرن المدونات الكبرى للحديث. فبدلاً من ضياع الكثير من الحديث بسبب موت الحفاظ وذهاب الذاكرة؛ فإن الحال شهد العكس من ذلك. فقد نقل عن احمد بن حنبل قوله: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر. مع الأخذ بنظر الاعتبار ما اعتبره بعض الحفاظ من ان مراده بذلك هو عدد الطرق وليس المتون[4]. وجاء ان ابن حنبل قال وهو يخاطب جماعة من الحضور: إن هذا الكتاب (المسند) قد جمعته وانتقيته من اكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله (ص) فارجعوا إليه؛ فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة[5]. كما قيل ان في مسند احمد اكثر من (40 ألف) حديث[6]، ولم يلتزم الصحة فيه، وانما اخرج فيه من لم يجتمع الناس على تركه. وقيل ان في مسنده (30 ألف) حديث سوى المكرر وغير ما الحق به ابنه عبد الله[7].

وجاء عن يحيى بن معين أنه قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث، فعلق أحمد بن عقبة على ذلك وقال: وإني أظن ان المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف وستمائة الف[8]. كما سئل ابن معين: أيفتي الرجل من مائة ألف حديث؟ قال: لا، وتكرر السؤال: من مائتي الف.. من ثلاثمائة الف؟ قال لا، فسئل: من خمسمائة ألف؟ فقال: أرجو[9]. كما جاء عن علي بن المديني انه قال: تركت من حديثي مائة ألف حديث فيها ثلاثون ألفاً لعباد بن صهيب[10] . وجاء عن ابي اسامة انه كتب بيده مائة ألف حديث[11]. وجاء عن ابي زرعة انه قال: كتبت عن ابراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث[12]. كما جاء عن ابن حنبل انه قال بأن هذا الفتى، يعني أبا زرعة، قد حفظ ستمائة ألف حديث[13].

وقال ابن عقدة ان اقل شيخ سمعت منه له عندي مائة ألف حديث، فقال له بعض الحاضرين: أيها الشيخ نحن اخوة اربعة قد كتب كل واحد منا عنك مائة ألف حديث[14]. وقيل انه ظهر لابي كريب بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث[15]. وان البعض سمع من عبد الله ابن عمر القواريري مائة ألف حديث[16].

كما جاء عن أبي بكر بن أبي دارم انه كتب عن أبي جعفر الحضرمي مطين مائة ألف حديث[17]. وجاء عن محمد بن المسيب انه قال: كنت أمشي بمصر وفي كمي مائة جزء وفي كل جزء ألف حديث. وقال: كتب في عصرنا جماعة بلغ المسند المصنف على تراجم الرجال لكل واحد منهم ألف جزء، منهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصفهاني وأبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الماسرجسي[18].

وكان من العلماء من يحفظ خمسمائة ألف حديث. وجاء عن محمد بن إسحاق بن راهويه انه املى سبعين ألف حديث حفظاً[19]. كما روي عن ابي زرعة انه يحفظ اكثر من مائة ألف حديث[20].

وجاء عن إسحاق بن راهويه أنه قال: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي، فقال له البخاري: أو تعجب من هذا القول لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألف من كتابه. وعلق ابن حجر العسقلاني على ذلك بأنه عنى نفسه[21]. وقد علمنا ان البخاري قد اخرج صحيحه من  ستمائة ألف حديث، وكان يقول بانه يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح. ونقل عن البخاري انه قال: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الحديث فإذا نحو مائتي ألف حديث. وقال أيضاً لو قيل لي تمنّ لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة[22]. كما قيل انه عمل كتاباً في الهبة فيه ما يقارب (500) حديث، مع انه ليس في كتاب وكيع في الهبة إلا حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب عبد الله بن المبارك خمسة أو نحوها[23].

***

لا شك ان هذه الاعداد الضخمة من وفرة الحديث وحفظه تبعث المرء على التفكير والتأمل، اذ كيف غابت هذه الاحاديث عن القرن الثاني؟ فقد علمنا ان مالكاً رغم تحريه فانه لم يكن يملك من الحديث اعشار اعشار ما ذكر من اكداس الحديث، وحتى ان الحديث الذي استطاع تحصيله انما حفل بكثرة المراسيل والمنقطعات، وكان مع ذلك متشككاً غاية التشكك فيما جمعه من الحديث[24]، وكان ينقص منه شيئاً فشيئاً طوال حياته، رغم قرب عهده بالصحابة مقارنة مع علماء القرن الثالث للهجرة. فكيف انقلب الموقف وتحول الحال الى التفاخر بكثرة ما يوجد من الحديث وحفظه؟ فمن أين جاءت هذه الاكداس من الاحاديث الموصولة المتصلة والصحيحة السند؟

وقد يقال في الجواب عما سبق ان هذه الكثرة جاءت بفعل البحث عن المزيد من الحفاظ في مختلف البلاد الاسلامية دون التوقف عند حدود منطقة ما، كالمدينة والحجاز التي اكتفى بها مالك في جمع حديثه. وقد صنف أبو داود السجستاني كتاباً في مفاريد أهل الأمصار من السنن بيّن فيه ما اختص به أهل كل مصر من الأمصار من السنن التي لا توجد مسندة عند غيرهم؛ مثل المدينة ومكة والطائف ودمشق وحمص والكوفة والبصرة وغيرها[25]. وقد طاف البخاري مختلف البقاع الاسلامية بحثاً عن حفظة الحديث الثقاة، واستطاع ان يجمع ما امكنه من الحديث، حتى قال فيما جمعه من البصرة: ما تركت بالبصرة حديثاً الا كتبته[26]. وعليه لو فعل مالك او غيره من علماء القرن الثاني مثل ما فعل البخاري وغيره لتوصل الى نفس النتيجة التي توصل اليها هذا الاخير تقريباً. لذلك قال الدهلوي: ‹‹ان بعض الاحاديث الصحيحة لم يبلغ علماء التابعين ممن وسد اليهم الفتوى فاجتهدوا بارائهم او اتبعوا العمومات او اقتدوا بمن مضى من الصحابة فافتوا حسب ذلك›› ثم ظهرت هذه الاحاديث بعد ذلك في الطبقة التي بعد اولئك التابعين ‹‹فلم يعملوا بها ظناً منهم انها تخالف عمل اهل مدينتهم وسنتهم التي لا اختلاف لهم فيها، وذلك قادح في الحديث وعلة مسقطة له... وانما ظهرت بعد ذلك عندما امعن اهل الحديث في جمع طرق الحديث ورحلوا الى اقطار الارض وبحثوا عن حملة العلم فكثرت الاحاديث.. وخفي على اهل الفقه، وظهر في عصر الحفاظ الجامعين لطرق الحديث كثير من الاحاديث، رواه اهل البصرة مثلاً وسائر الاقطار في غفلة منه.. مثاله حديث القلتين فانه حديث صحيح روي بطرق كثيرة معظمها ترجع الى ابي الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله - او محمد بن عباد بن جعفر - عن عبيد الله بن عبد الله كلاهما عن ابن عمر، ثم تشعبت الطرق بعد ذلك، وهذان وان كانا من الثقات لكنهما ليس ممن وسد اليهم الفتوى وعول الناس عليهم فلم يظهر الحديث في عصر سعيد بن المسيب ولا في عصر الزهري، ولم يمش عليه المالكية ولا الحنفية فلم يعملوا به وعمل به الشافعي. وكحديث خيار المجلس فانه حديث صحيح روي بطرق كثيرة وعمل به ابن عمر وابو هريرة من الصحابة، ولم يظهر على الفقهاء السبعة ومعاصريهم، فلم يكونوا يقولون به، فرأى مالك وابو حنيفة هذه علة قادحة في الحديث وعمل به الشافعي››[27].

مع هذا فالجواب السابق غير كاف، وذلك لعلمنا ان الكثير من علماء السلف قد شككوا في الاحاديث التي لم يكن لها اصل في الحجاز. وسبق ان عرفنا كيف ان الزهري علل اضطراره الى كتابة الحديث بسبب ما ورد من الاحاديث غير المعروفة من قبل المشرق. وكان هشام بن عروة يقول: إذا حدثك العراقي بألف حديث فالق تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك[28]. كما ان الشافعي كان يقول: كل حديث لا يوجد له اصل في حديث الحجازيين فهو واه وإن تداولته الثقات[29]. وذهب الكثير من الحجازيين الى المنع من الاحتجاج بحديث عراقي أو شامي إن لم يكن له أصل بالحجاز، حتى قال قائلهم - وهو مالك بن انس -: نزلوا أحاديث أهل العراق بمنزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم. وقيل لآخر: سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله حجة، قال إن لم يكن له أصل بالحجاز فلا[30]. وقد كان مالك يقول: والله ما استوحش سعيد بن المسيب ولا غيره من اهل المدينة لقول قائل من الناس، ولولا ان عمر بن عبد العزيز اخذ هذا العلم بالمدينة لشككه كثير من الناس[31].

وواضح ان مثل هذه النصوص صريحة في عدم التعويل على الحديث المتداول خارج ارض الحجاز باعتبارها المحط الرئيس للصحابة والتابعين. وقد علل بعض العلماء ذلك بأن أهل الحجاز ضبطوا السنة فلم يشذ عنهم منها شيء، وأن أحاديث العراقيين وقع فيها اضطراب أوجب التوقف فيها[32]. وقال الخطيب: ‹‹أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة، فإن التدليس عنهم قليل، والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز، ولأهل اليمن روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضاً، ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم من إكثارهم، والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل، وحديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ››[33]. وجاء عن ابن تيمية انه قال: اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام[34]. ومع ذلك فقد كان مالك لا يعول على الكثير من مشايخ المدينة ولا يأخذ الحديث منهم، اذ جاء عنه يقول: لقد أدركت سبعين عند هذه الأساطين - وأشار الى مسجد الرسول (ص) - يقولون قال رسول الله (ص) فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أميناً، الا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب وهو شاب فنزدحم على بابه[35]. كما جاء عن أبي الزناد انه قال: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون لا يؤخذ عنهم العلم؛ كان يقال ليس هم من أهله[36].

ومما يلفت النظر انه رغم ارتباط تلك الفترة وما قبلها بعصر الصحابة فانها مع ذلك لم تسلم من الاختلاف والشكوك حتى بالنسبة للسنن والممارسات التي يتم مزاولتها يومياً، ومنها تلك التي لها علاقة بالصلاة. فكما ذُكر ان ابن عمر وهو عميد أهل المدينة كان يرى إفراد الأذان، وكذا القول فيه: حي على خير العمل، وكان بلال يكرر عبارة: قد قامت الصلاة، مع ان مالكاً لم يرَ ذلك. كما ان الزهري كان يرى الزكاة في الخضراوات، في حين ان مالكاً لا يراها. وقد قال الصيرفي في كتابه (الأعلام): ‹‹قد تصفحنا قول من قال: العمل على كذا، فوجدنا اهل بلده في عصره يخالفونه، كذلك الفقهاء السبعة من قبله فانه مخالفهم، ولو كان العمل على ما وصفه لما جاز له خلافهم››. وقيل ان مالكاً كان لا يدع في موطئه إجماع أهل المدينة إلا في ثمان وأربعين مسألة فقط. وهناك من تتبع هذه الاجماعات المزعومة فوجد منها ما هو إجماع، ومنها ما لم يكن اجماعاً لاختلاف علماء المدينة، وذكر من ذلك الكثير من التناقضات على شاكلة ما سبق[37].

فهذا حال السنن والعمل المزاول يومياً؛ فكيف الحال بغيرها من الاحاديث القولية؟!

كذلك قد يقال انه لو كان تعليل الكثرة التي شهدناها للحديث في القرن الثالث يعود الى اسباب الكذب والوضع؛ لكنا نتوقع ان نجد العدد الاكبر من الإسناد موصولاً بكبار الصحابة عوض صغارهم، وذلك بغية تقوية الحديث الموضوع، مع ان الواقع خلاف هذا الامر.

والجواب على هذا الاشكال هو ان المتأخرين كانوا يدركون بأن صغار الصحابة هم مصدر الاكثار في الرواية بخلاف ما كان عليه الكبار منهم، وهذا في حد ذاته يمكن ان يكون دافعاً في جعل الاسانيد الموضوعة موصولة بهم فلا يتميز عندئذ الصحيح من الاحاديث من غير الصحيح.

 

2ـ تشكيك القدماء

هناك مظاهر لعصر التابعين وتابعيهم هي على الضد مما شهده القرن الثالث وما بعده. فقد شهد العصر الاول شكوى من الزمان وكثرة الجهال، الى درجة قيل أنه تمّ فيه تبديل الكثير من الاحكام والسنن بفعل اهل البدع والاهواء. ومن ذلك ما رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) حيث ذكر عدداً من الروايات التي تبدي هذا المعنى الذي جعل بعض السلف في حيرة من امره. ومن ذلك ما نقله عن الزهري انه قال: دخلنا على أنس بن مالك بدمشق وهو وحده يبكي، قلت ما يبكيك؟ قال لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت[38]. ومثل ذلك روى البخاري عن أم الدرداء انها قالت: دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد (ص) شيئاً، إلا أنهم يصلون جميعاً[39]. وجاء عن الحسن البصري انه قال: لو خرج عليكم أصحاب رسول الله (ص) ما عرفوا منكم إلا قبلتكم[40]. كما جاء عن عروة بن الزبير انه خاطب البعض: ألم أخبر أن الناس يضربون إذا صلوا على الجنائز في المسجد؟ فقيل له نعم، قال: فوالله ما صلى على أبي بكر الصديق إلا في المسجد[41]. كما ذكر مالك انه لما قدم ابن شهاب الزهري من الشام قلت له: طلبت العلم حتى إذا كنت وعاء من أوعيته تركت المدينة ونزلت إداماً، فقال: كنت أسكن المدينة والناس ناس فلما تغير الناس تركتهم[42]. وجاء عن ابي الدرداء انه قال: مالي أرى علماءكم يموتون وجهالكم لا يتعلمون، لقد خشيت أن يذهب الأول ولا يتعلم الآخر، ولو أن العالم طلب العلم لازداد علماً، ولو أن الجاهل طلب العلم لوجد العلم قائماً، مالي أراكم شباعاً من الطعام جياعاً من العلم[43]. وقال أبو حزم: صار الناس في زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم، يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويزهى عن متن هو دونه، فذهب العلم وهلك الناس[44]. وعن الداروردي انه قال: إذا قال مالك على هذا أدركت أهل العلم ببلدنا، أو الأمر المجتمع عليه عندنا، فإنه يريد ربيعة وابن هرمز[45].

فهذه الشكوى التي يصفها لنا عدد من حفاظ القرنين الاول والثاني من السلف؛ لا نجد مثلها لدى حفاظ القرن الثالث الذين ابدوا اعتدادهم بما حملوه من العلم وضبطوه من السنة والحديث الصحيح. وقد ابدى التابعون وتابعوهم كراهة الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، واظهر بعضهم الندامة فيما شغلوا انفسهم به، الى حدٍّ اعتبروا فيه التعامل بالحديث من الشر. والغريب ان تعليلهم للشر في الحديث هو تزايده، باعتبار ان الخير ينقص والشر يزداد. وهذا يعني انهم لو ادركوا المسلك الذي سلكه خلفهم من اصحاب المساند والصحاح؛ لوصموه بابلغ حالات الشر والكراهة.

وقد اورد ابن عبد البر نصوصاً مستفيضة عنهم تعلن صراحة كراهة الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، واعتبار ذلك من الشر المتزايد، وبعض هذه النصوص يعلل هذه الكراهة بكثرة الكذب في الحديث، واخر يعللها بانها تأتي على حساب الانشغال بالقرآن وذكر الله. لذلك ظهر لدى الكثير منهم الندم والرغبة في سد باب هذا ‹‹الشر المستطير››.

ومن ذلك ما قاله سفيان الثوري: لو كان في هذا الحديث خير لنقص كما ينقص الخير، ولكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر[46]. وقال ايضاً: ليس طلب الحديث من عدد الموت ولكنه علة يتشاغل به الرجل[47]. وقال الشعبي: ليتني انفلت من علمي كفافاً لا لي ولا عليّ[48]. وقال سفيان بن عيينة وهو يخاطب أصحاب الحديث: ما أدري الذي تطلبونه من الخير ولو كان من الخير لنقص كما ينقص الخير[49]. وخاطب فضيل بن عياض أصحاب الحديث قائلاً: لِمَ تكرهوني على أمر تعلمون إني كاره له، ولو أعلم إني لو دفعت إليكم ردائي هذا ذهبتم عني لدفعته إليكم[50]. وقال مسعر: من أبغضه الله جعله محدثاً، وددت أن هذا العلم كان محل قوارير حملته على رأسي فوقع فتكسر فاسترحت من طلابه[51]. وقال شعبة: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون[52]. وقيل انه عرض هذا الكلام لشعبة على احمد بن حنبل، فاطرق احمد ساعة ثم قال: أما نحن فلا نعرف هذا من أنفسنا فإن كان شعبة يعرف من نفسه شيئاً فهو أعلم[53]. وقال الضحاك بن مزاحم: يأتي على الناس زمان يعلق فيه المصحف حتى يعشعش عليه العنكوت لا ينتفع بما فيه ويكون أعمال الناس بالروايات والأحاديث[54]. وقال ابو خالد الأحمر: يأتي على الناس زمان تعطل فيه المصاحف لا يقرأ فيها يطلبون الحديث والرأي، ثم قال: إياكم وذلك فإنه يصفق الوجه ويكثر الكلام ويشغل القلب[55]. وجاء انه قيل لداود الطائي ألا تحدث، قال ما راحتي في ذلك أكون مستملياً على الصبيان فيأخذون على سقطي؛ فإذا قاموا من عندي يقول قائل منهم أخطأ في كذا، ويقول آخر غلط في كذا، ما راحتي في ذلك ترى عندي شيئاً ليس عند غيري[56]. وعن أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري انه قال لابي بكر بن عياش: حدثنا، فأجابه ابن عياش: دعونا من الحديث فإنا قد كبرنا ونسينا الحديث؛ جيئونا بذكر المعاد والمقابر، إن أردتم الحديث فأذهبوا إلى هذا الذي في بني داواس - يعني وكيعاً - فقال له احمد بن عبد الله: تقصد رجل من أهل الشام، قال ذاك أهون لك عندي[57]. وجاء ان إياس بن معاوية قال لسفيان بن حسين: أراك تطلب الأحاديث والتفسير؛ فإياك والشناعة فإن صاحبها لن يسلم من العيب[58]. وقال عمار بن رزيق لابنه حين رآه يطلب الحديث: يا بني اعمل بقليله تزهد في كثيره[59].

وجاء في ذم الرواة واصحاب الحديث اقوال كثيرة، ومن ذلك ما خاطبهم به سفيان الثوري بقوله: تقدموا يا معشر الضعفاء[60]. ومثل ذلك قال سفيان بن عيينة وهو ينظر اليهم: أنتم سخنة عين لو أدركنا وأياكم عمر بن الخطاب لاوجعنا ضرباً[61]. وخاطبهم الاعمش فقال: لقد رددتموه حتى صار في حلقي أمر من العلقم، ما عطفتم على أحد ألا حملتموه على الكذب[62]. وقال مغيرة الضبي: والله لأنا أشد خوفاً منهم من الفساق، وهو يعني أصحاب الحديث[63]. وقال شعبة: كنت إذا رأيت رجلاً من أهل الحديث يجيء أفرح به فصرت اليوم ليس شيء أبغض إلي من أن أرى واحداً منهم[64]. واتهمهم عدد من العلماء بالجهل، ومن ذلك ما قاله عمر الكلبي: إن الرواة على جهل بما حملوا مثل الجمال عليها يحمل الودع؛ لا الودع ينفعه حمل الجمال له، ولا الجمال بحمل الودع تنتفع[65]. كما شنّع عليهم بعض المتكلمين واصفاً اياهم بالقول: ‹‹قد قنعوا من العلم برسمه ومن الحديث باسمه ورضوا بأن يقولوا فلان عارف بالطرق وراوية للحديث وزهدوا في أن يقال عالم بما كتب أو عامل بما علم››. وقال: ‹‹وما ظنكم برجل منهم يحمل عنه العلم وتضرب إليه أعناق المطي خمسين سنة أو نحوها سئل في ملأ من الناس عن فأرة وقعت في بئر؟ فقال البئر جبار، وآخر سئل عن قوله تعالى ((ريح فيها صرصر))، فقال هو هذا الصرصر، يعني صراصر الليل، وآخر حدثهم عن سبعة وسبعين ويريد شعبة وسفين، وآخر روى لهم يستر المصلي مثل آجرة الرجل، يريد مثل آخرة الرحل، وسئل آخر متى يرتفع هذا الأجل؟ فقال إلى قمرين، يريد إلى شهري هلال، وقال آخر يدخل يده في فيه فيقضمها قضم الفجل، يريد قضم الفحل، وقال آخر أجد في كتابي الرسول ولا أجد الله، يعني رسول الله (ص)، فقال المستملي اكتبوا وشك في الله تعالى››. وقال: ‹‹وكلما كان المحدث أموق كان عندهم أنفق، وإذا كان كثير اللحن والتصحيف كانوا به أوثق، وإذا ساء خلقه وكثر غضبه واشتد حدة وعسرة في الحديث تهافتوا عليه، ولذلك كان الأعمش يقلب الفرو ويلبسه ويطرح على عاتقه منديل الخوان، وسأله رجل عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده إلى الحائط، وقال هذا إسناده، وقال إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه››[66].

وتكرر مثل هذا النقد لدى المتأخرين كالذي صرح به الحافظ الذهبي خلال القرن الثامن للهجرة، ذلك انه نقد المحدثين المتأخرين وقال: ان ‹‹غالبهم لا يفقهون، ولا همة لهم في معرفة الحديث ولا في التدين به، بل الصحيح والموضوع عندهم بنسبة، إنما همتهم في السماع على جهلة الشيوخ وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث ولا يستفيقون من سكرة السماع... معذور سفيان الثوري إذ يقول: لو كان الحديث خيراً لذهب كما ذهب الخير. صدق والله واي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه! وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه ولا تدين الله به... بالله خلونا! فقد بقينا ضحكة لأولي المعقولات يطنزون بنا: هؤلاء هم أهل الحديث؟ نعم ماذا يضر ولو لم يبق إلا تكرار الصلاة على النبي (ص) لكان خيراً من تلك الأقاويل التي تضاد الدين وتطرد الإيمان واليقين وتردي في أسفل السافلين››[67].

فذلك ما رآه التابعون وتابعوهم في الحديث، وهو انه من الشر المتزايد، وأوصوا بالابتعاد عنه وعدم الانشغال به والاشتغال فيه، الامر الذي لم يلتزم به اصحاب الصحاح، اذ رأوا الخير في الاشتغال به والعمل على تكثيره.

كما يلاحظ ان الحديث ما إن دخل التدوين والتبويب في ارض الحجاز حتى بدت فيه علامات الشك والتردد من قبل مدونيه. فرغم ان منبته اصح منبت باعتراف العلماء، ورغم قرب العهد بالصحابة مقارنة بما بعده من العهود؛ فمع ذلك كانت الشكوك تراود اولئك الذين نذروا انفسهم لنقله وتدوينه، معترفين بالجهل وقلة البضاعة، حتى جعلوا من لفظة (لا ادري) اصلاً يفزعون اليه، فقد قال الهيثم بن جميل سمعت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بلا أدري، وعن خالد بن خداش قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة فما أجابني منها إلا في خمس مسائل. وعن مالك انه سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول لا أدري حتى يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه. وذكر ابن عبد البر انه صح عن أبي الدرداء قوله: لا أدري نصف العلم[68].

وكل ذلك خلاف ما شعر به حفاظ القرن الثالث الهجري وما بعده، حيث ابدوا الثقة التامة في الحديث، كما فخروا بالعلم به والاكثار منه، رغم تباعد الزمان والمكان عن مصدر الحديث ومنبته. فالمقارنة بين ما سلكه مالك وما سلكه اصحاب الصحاح في الموقف من الحديث يكشف عن هذه الحقيقة. فبينهما تفاوت بالقرب والبعد عن مصدر الحديث ومنبته، كما بينهما تفاوت في قلة الحديث وكثرته، وكذا التردد به والثقة فيه. فرغم ان مالكاً عاش في منبت الحديث وانه كان اقرب نسبياً عن مصدره فان ذلك لم يمنعه عن التردد فيه والاقلال منه باستمرار. وقد فخر بعض المالكية بما كان يسقطه مالك من موطئه كل سنة، وانه لم يحدّث بكثير مما كان عنده[69]، على عكس ما فعله اصحاب الصحاح رغم بعدهم عن المنبت والمصدر، اذ لم يمنعهم ذلك من الثقة في الحديث والاكثار منه دون ان يصيبهم التردد والشك جراء هذه الكثرة والبعد عن المصدر، وكذا التعويل على الاماكن البعيدة عن المنبت؛ كالبصرة والشام ومصر وغيرها. يضاف الى ان مالكاً كان يعترف - في كثير من الاحيان - بعدم اغتراره بالحديث واعتبار الكثير منه ضلالة، ومن ثم ندامته على ما رواه منه، ومن ذلك قوله: كثير من هذه الأحاديث ضلالة، لقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سوطين وأني لم أحدث به[70]. وهو على خلاف ما صرّح به اصحاب الصحاح من الاعتزاز بعلمهم وتباهيهم بكثرة حفظهم، واعتدادهم بأنفسهم احياناً، كالذي يبديه البخاري في عدد من المناسبات، ومن ذلك انه قال يوماً: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. فعلق هذا الاخير على قوله عندما بلغه ذلك فقال: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه[71].

ومما له دلالة في الامر ان جماعة من التابعين قد تركوا الكثير من الحديث عندما وجدوا عمل الناس في المدينة على خلافها، وقد التزم مالك وغيره بهذا المسلك، وهو ان عمل اهل المدينة عنده اقوى من الحديث. فقد قال بهذا الصدد: ‹‹كان رجال من اهل العلم من التابعين يحدثون بالاحاديث، وتبلغهم عن غيرهم فيقولون: ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على غيره››[72]. وقال ايضاً: رأيت محمد بن ابي بكر بن عمرو بن حزم - قاضي المدينة - اذا قضى بالقضية خلاف ما جاء في الحديث؛ عاتبه اخوه عبد الله قائلاً: ألم يأت في هذه حديث كذا؟ فيجيب: بلى، فيقول عبد الله: فما لك لا تقضي به؟ فيقول: فأين الناس منه؟ اي ما اجمع عليه اهل المدينة من العمل[73]. وجاء ان عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء ويسألهم عن السنن والاقضية المعمول بها في المدينة فيثبتها، وما كان منها لا يعمل به الناس القاه وإن كان مخرجه من الثقاة[74]. كما نقل ابن ابي حازم ان ابا الدرداء كان يسأل فيجيب، فيقال له: انه قد بلغنا كذا وكذا بخلاف ما قال، فيقول: وانا سمعت، ولكن ادركت العمل على غير ذلك[75]. كذلك قال ابن مهدي: ليكون عندي في الباب الاحاديث الكثيرة فأجد اهل العصبة على خلافه فتضعف عندي[76].

 

3ـ الاعتماد على المكثرين

لقد اعتمد اصحاب الصحاح وغيرهم من المهتمين بالحديث على المكثرين في الرواية من الصحابة، وهو خلاف السيرة التي عليها كبارهم، حيث كانوا من المقلين في الحديث لخوفهم من الكذب على النبي والانشغال بما سوى القرآن، كالذي مر علينا من قبل. فقد عرف من صغار الصحابة سبعة بلغت روايات كل منهم اكثر من ألف حديث، وليس في غيرهم من زاد على الالف[77]، وهم عبارة عن: ابي هريرة الذي بلغت أحاديثه المنسوبة اليه عن النبي (5374) وعبد الله بن عمر (2630) وانس بن مالك (2286) وعائشة (2210) وعبد الله بن عباس (1660) وجابر بن عبد الله (1540) وأبي سعيد الخدري (1170)[78]، وجاءت أحاديث الامام علي (586) قيل انه لم يصح منها الا خمسون[79]، اما عمر فاحاديثه قد قدرت بـ (537) حديث لم يصح منها كما قيل الا خمسون[80]، في حين كانت أحاديث ابي بكر (142) حديثاً[81].

وقد علل الشيخ محمد بن عمر الأسلمي ما سلكه كبار الصحابة من الاقلال في الرواية هو ان هؤلاء ماتوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب لأنهما وليا فسئلا وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول الله كانوا أئمة يقتدى بهم ويحفظ عنهم ما كانوا يفعلون ويستفتون فيفتون وسمعوا أحاديث فأدوها، فكان الأكابر من أصحاب رسول الله أقل حديثاً من غيرهم، مثل أبي بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بن كعب وسعد بن عبادة وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير ومعاذ بن جبل ونظرائهم، فلم يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله، مثل جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وانس بن مالك والبراء بن عازب ونظرائهم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم في الناس فاحتاج الناس إليهم[82].

لكن هذا التعليل لو اخذناه على محمل الجد لكان من المتوقع ان تكون روايات عثمان اكثر من روايات عمر وابي بكر حيث ولي بعدهما وكان الناس اكثر حاجة للحديث في عهده؛ لان الكثير منهم لم يدرك السماع عن النبي. والاهم من ذلك هو ان هذا التعليل لا يبرر معاقبة بعض كبار الصحابة لمكثري الحديث وتكذيبهم احياناً، وذلك على خلاف المسلك الذي سار عليه المتأخرون من الحفاظ في التشبث بهؤلاء المكثرين من صغار الصحابة، وعلى رأسهم اصحاب المساند والصحاح.

ويعد ابو هريرة ابرز من يصدق عليه هذا الامر من المكثرين[83]، حيث اعتمد عليه اصحاب الصحاح وغيرهم بما ليس له نظير، وقد عرّفه الشافعي بأنه أحفظ من روى الحديث في دهره[84]، وجاء انه روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، وذكر البخاري انه روى عنه ما قد يزيد على الثمانمائة رجل[85]. واخرج له البخاري من المتون المستقلة (446) حديث على التحرير[86]، وانه لا يوجد من يناظره في كثرة الرواية، حيث بلغت أحاديثه اكثر من خمسة الاف حديث، بالرغم من انه لم يصحب النبي باكثر من ثلاث سنين فقط[87].

وورد عنه ما يدفع الشبهة في اكثاره للرواية، حيث يقول: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله، وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرئاً مسكيناً من مساكين الصفة ألزم رسول الله (ص) على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله (ص) في حديث يحدثه يوماً إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول، فبسطت نمرة عليّ حتى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله (ص) تلك من شيء[88].

ولو صحت هذه الرواية لكانت تفيد امرين غير عاديين، احدهما ان العلم او الحفظ يؤخذ من خلال الثوب، فهو امر ‹‹معجز›› لا يفهم معناه. اما الثاني فيدل على انه لم يكن بين صحابة النبي من يهتم بمقالة النبي وحفظها غير ابي هريرة، وهو اشد غرابة من الاول. وما يهون هو ان هذه الرواية لم ترو الا عنه فحسب، ومضمونها يفيد مصلحة شخصية في تبرير اكثاره للحديث.

كما جاء ان ابا هريرة شهد لنفسه بانه اكثر الصحابة حديثاً عن النبي باستثناء عبد الله بن عمرو بن العاص، وكما قال: انه كان يكتب وكنت لا أكتب[89]. وقيل ان هناك نسخة عند آل عبد الله بن عمرو كان قد كتبها عن النبي[90].

مع هذا يلاحظ - وحسب ما ينقل - ان بعض كبار الصحابة وقف من ابي هريرة موقفاً معارضاً للطريقة التي نهجها، تارة بتهديده على اكثاره الحديث، واخرى بنقده على ما سلكه من طريقة سردية، وثالثة بتكذيبه. وجاء عن عمر بن الخطاب انه هدده بالقول: لتتركن الحديث عن رسول الله (ص) أو لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة[91]. وكان ابو هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله (ص) حتى قبض عمر رضي الله عنه؛ كنا نخاف السياط[92]. ومثل ذلك جاء عن أبي سلمة انه قال لابي هريرة: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فرد عليه الاخير قائلاً: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته او بالدرة[93]. وجاء عن السيدة عائشة انها نقدت طريقة ابي هريرة السردية في الحديث، اذ تقول: ألا يعجبك أبو هريرة جاء يجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله (ص) يسمعني وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، أن رسول الله (ص) لم يكن يسرد الحديث كسردكم[94]. وجرى لهذه السيدة ان كذبت ابا هريرة فيما يرويه احياناً من أحاديث، ومن ذلك جاء أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله (ص) أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار، فطارت عائشة شفقاً ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله (ص) إنما قال رسول الله (ص) كان أهل الجاهلية يقولون إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار، ثم قرأت: ((ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها))[95].

كما اتهم عدد من الصحابة ابا هريرة بالكذب لكثرة ما روى من الحديث بما لم يأت مثله احد، وكان منهم عمر وعثمان وعلي وغيرهم، اذ انكروا عليه اشياء عديدة. ومن ذلك ان ابا هريرة كان يقول: حدثني خليلي وقال خليلي ورأيت خليلي، فقال له علي: متى كان النبي خليلك يا أبا هريرة[96]؟! وروى ابو هريرة انه من أصبح جنباً فلا صيام له، فأرسل مروان في ذلك إلى عائشة وحفصة يسألهما، فقالتا: كان النبي (ص) يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم، فقال للرسول اذهب إلى أبي هريرة حتى تعلمه، فقال أبو هريرة إنما حدثني بذلك الفضل بن العباس. وكان الفضل الذي استشهد به ابو هريرة ميتاً انذاك، وقد أوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله (ص) ولم يسمعه[97]، وهو التدليس الذي تقبله الحفاظ عن الصحابة كما سنعرف.

وروي ان ابا هريرة قد اعترف في بعض المناسبات ان القوم كانوا يكذبونه، فكما جاء في صحيح مسلم عن أبي رزين انه قال: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله (ص) لتهتدوا وأضل، ألا وإني أشهد لسمعت رسول الله (ص) يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها[98].

وجاء ان ابا هريرة كان يحدث احياناً لكنه قد ينكر ما حدثه في السابق، ومن ذلك ما رواه البخاري عنه ان النبي قال: لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله (ص) فمن أعدى الأول؟! لكن ابا سلمة سمع أبا هريرة ينكر ذلك الحديث الذي رواه من قبل ويروي عن النبي حديثاً اخر، وهو قول النبي (ص): لا يوردن ممرض على مصح، فقيل له: ألم تحدث أنه لا عدوى؟ فرطن بالحبشية، قال أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثاً غيره[99].

ولمثل هذه الاسباب منع جماعة من التابعين اخذ الحديث عن هذا الصحابي، ومن ذلك ما جاء عن إبراهيم النخعي انه قال: كان أصحابنا يدعون حديث أبي هريرة. وقال ايضاً: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار[100]. وهذه كانت صفة العلماء حيث يشددون في قضايا الاحكام من الحلال والحرام ويتسامحون في غيرها، وكما جاء عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: اذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الإسناد وسمحنا في الرجال، وإذا روينا الحلال والحرام والاحكام تشددنا في الاسانيد وانتقدنا الرجال[101].

والغرض من كل ما سبق هو ان اصحاب الصحاح والمكثرين من الحديث قد غايروا سيرة كبار الصحابة في عدة امور؛ اهمها الاكثار من الحديث والاشتغال فيه، وانهم استعانوا في الغالب بمن كان متروكاً لدى الصحابة رغم ان الأخيرين عايشوا النبي وعرفوا حال حديثه. حتى ان الحافظ الذهبي شعر بهذا المأزق، ولو ضمن الحدود التي سمحت له ذلك، اذ روى عن ابي هريرة قوله: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي، وعلق عليه فقال: ‹‹هكذا كان عمر رضي الله عنه يقول أقلوا الحديث عن رسول الله (ص) وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره، فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غض لم يشب، فما ظنك بالاكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه فياليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف بل يروون والله الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد، نسأل الله العافية››[102].

وهذا الذي ذكره الذهبي لا يعفي اصحاب التكثير في الحديث من القدماء، مع علمهم انه لو كان عمر حياً بينهم لما سامحهم في ذلك، خاصة ان غالب تعويلهم على اولئك الذين منعهم عمر من الرواية، مثل ابي هريرة الذي كانت بينه وبين كعب صحبة وشراكة في بث الاساطير والاسرائيليات[103]، وفي رواية ان ابا هريرة لقي كعباً فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة[104]. وقد كان يحصل بعض الالتباس من الطريقة التي سلكها هذان الشريكان من الحديث المختلط، الى الدرجة التي قد يتوهم البعض ان ابا هريرة يحدث عن النبي (ص) بينما هو يحدث عن كعب واساطيره، ومن ذلك ما جاء عن بسر بن سعيد انه قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله (ص) ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله (ص)[105].

هكذا لو اجرينا مقارنة بين موقف كبار الصحابة من الحديث وبين مرحلة التكامل لدى الصحاح؛ لوجدنا فروقاً كبيرة في عدد من النقاط، حيث جرى لاصحاب الصحاح من العمل ما هو ضد المسلك الذي سار عليه كبار الصحابة رغم قرب عهدهم من النبي. اذ كان الصحابة يخافون من الخطأ والكذب على النبي، وانهم لاجل ذلك منعوا التدوين واقلوا الرواية وتثبتوا من الحديث غير المعروف، وجعلوا كفايتهم الرئيسة بالقرآن والسيرة العملية للنبي، ولم يعتنوا بالاسناد والرجال، ومنعوا من الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، وعاقبوا من خالف ذلك. لكن هذه الامور انقلبت الى الضد إبان عهد الصحاح وقبله.

ومن العجب ان يعترف الحفاظ بما كانت عليه سيرة الصحابة من التحفظ في الحديث والنهي عن الاكثار منه؛ خشية الخطأ والكذب على النبي، او لغرض عدم الانشغال بسوى القرآن. فهذا الاعتراف لم يمنع اصحاب الصحاح والموسوعات الحديثية من العمل بعكس ما كان عليه كبار الصحابة، رغم الفاصلة الزمنية الطويلة التي تفصلهم عن زمن النبي. وقد نقل عن عثمان بن عفان انه كان يمنع الرواية التي لم تسمع في عهدي الخليفتين قبله لبعد زمانه عن زمن الحديث، فماذا يقال عن البعد الذي يفصل بين عصر الصحاح والزمن المذكور؟! اذ جاء عن عثمان قوله: لا يحل لاحد ان يروي حديثاً لم يسمع به في عهد ابي بكر ولا عهد عمر، فاني لم يمنعني ان احدث عن رسول الله (ص) ان لا اكون اوعى اصحابه عنده، الا اني سمعته يقول: من قال عليّ ما لم اقل فقد تبوأ مقعده من النار[106].

 

4ـ تسامح العلماء في تعديل الصحابة

قيل ان عدد الذين رووا عن النبي من الصحابة هم أربعة آلاف رجل وامرأة[107]. كما قيل ان عددهم كبير غير قابل للضبط، وقد سئل ابو زرعة الرازي عن ذلك فقال: من يضبط هذا، شهد مع النبي (ص) حجة الوداع أربعون الفاً، وشهد معه تبوك سبعون الفاً[108]. وعلى رأي ابن حزم ان عدد الصحابة يفوق العشرين ألف انسان، وأن الفتيا لم ترو إلا عن مائة وثمانية وثلاثين منهم فقط[109].

لكن رغم العدد الكبير للصحابة ورغم ان الكثير منهم روى عن النبي؛ الا ان علماء الحديث طبقوا عليهم مبدأ التسامح والتعديل وحملوهم على الاخلاص والتقوى، فغضوا الطرف عما وقع بينهم من خلافات افضت في كثير من الاحيان الى الاقتتال واتهام بعضهم البعض الاخر، كما غضوا الطرف عما كان لبعضهم من مواقف سياسية ومصلحية هي ابعد ما تكون عن روح الاسلام وقيمه. فالمشكلة هي أن العلماء حينما افترضوا العدالة لجميع الصحابة؛ اخذوا يتقبلون كل رواية ترد عنهم، سواء كانوا كباراً او صغاراً، وسواء كانوا ممن تمسك بهدي الاسلام وقيمه، او ممن فتنوا بفتنة السياسة والمصالح الشخصية.

واول ما يتبادر لنا من سؤال بهذا الصدد هو معنى الصحابي لدى علماء الحديث والسنة؟

فالمشهور لدى العلماء هو اعتبار الصحابي كل من صحب النبي من المسلمين قلّ الوقت أم كثر. فقد قال ابن عمرو: رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله (ص) وقد أدرك الحلم وأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي (ص) ولو ساعة من نهار.. وكذا اعتبر أحمد بن حنبل ان الصحابي هو كل من رأى النبي او صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة. ومثل ذلك ذكر البخاري ان الصحابي هو من صحب النبي (ص) أو رآه من المسلمين.

لكن من القدماء من ذهب الى غير هذا المذهب المشهور. فمن التابعين - مثلاً - كان سعيد بن المسيب يرى انه لا يعد من الصحابة الا من أقام مع رسول الله (ص) سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. وجاء عن بعض العلماء انه عد الصحابي في اللغة هو غيره في الاستخدام والاصطلاح، فاعتبر انه لا خلاف بين أهل اللغة بان لفظ الصحابي مشتق من الصحبة، وانه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً، اذ يقال صحبت فلاناً حولاً ودهراً وسنة وشهراً ويوماً وساعة فيوقع اسم المصاحبة، وذلك يوجب في حكم اللغة اجراء هذا على من صحب النبي (ص) ولو ساعة من نهار، وهذا هو الأصل في اشتقاق الاسم، ومع ذلك فقد تقرر للامة عرف بانهم لا يستعملون هذه التسمية الا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه حديثاً[110].

وقد استلزم معنى الصحابي لدى علماء الحديث والسنة مفهوم العدالة. فهم عندما يقررون ان هذا صحابي فانهم يقصدون بذلك ما يتضمن صفة العدل والتقوى، واصبح من المقرر ان من ثبتت صحبته ثبتت عدالته، وان من ظهر منه خلاف العدالة لم يقع عليه اسم الصحبة[111]. لهذا تقبل العلماء التدليس الذي يرد عن صغار الصحابة ورفعهم للحديث[112]. وقيل انه اذا اطلق الصحابي قوله: قال رسول الله؛ كان ذلك منه مقبولاً وإن احتمل الارسال، لان من ثبتت صحبته لم يحمل حديثه الا على سماعه بنفسه ما لم يصرح بالرواية عن غيره[113]. مما يعني انه لو كان الصحابة كلهم عدولاً لما كان ارسالهم وتدليسهم مضراً، في حين لو كان حالهم كحال غيرهم من الناس فان ذلك يعني اسقاط اكثر الروايات التي جاءت عنهم، حيث لم تشر في الغالب الى السماع المباشر عن النبي، وانما رويت بصيغة قال رسول الله.

وهناك تسويغ لتعميم هذا الموقف على ارسال التابعي الثقة عندما اسقط اسم الصحابي بقوله قال رسول الله. فلو اعتبرنا الصحابة كلهم عدولاً لكان ارسال التابعي لا يضر، وذلك على عكس ما لو اعتبرنا الصحابة كغيرهم من الناس في العدالة وعدمها، حيث في هذه الحالة لابد من ذكر الصحابي ومعرفة درجة صحبته ومكانته في الاسلام.

على ذلك أورد شهاب الدين القرافي (المتوفى سنة 684هـ) سؤالاً مفاده ان الإرسال هو إسقاط الصحابي من السند، وان الصحابة كلهم عدول فلا فرق بين ذكره والسكوت عنه، لكن كيف جرى الخلاف في ذلك؟ وكان جوابه ان الصحابة عدول ما لم يثبت العكس، واعتبر ان المسكوت عنه فيهم يجرى في حقه التوقف ولا يقبل حديثه حتى تعلم سلامته عن القادح. وهو بهذا تقبل الارسال عند التابعين، واعترض على المخالف بحجة ان الصحابة عدول لا يبحث عن حالهم. في حين كان مبرر الذين لم يتقبلوا الارسال عند التابعين هو اعتبارهم الصحابة كغيرهم من الناس من حيث العدالة وعدمها[114]. وهذا يعني ان قبول المرسل لدى التابعي وعدم قبوله متوقف على الرأي الخاص في عدالة الصحابة، كالذي ذكرناه بخصوص تدليس الصحابي ورفعه للحديث.

ومن الناحية النظرية اختلف العلماء في عدالة الصحابة. فبينما كان النووي في (التقريب) يقول: ‹‹الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به››، ذهب بعض اخر الى نفي ذلك، وهو انه يجب  البحث عن عدالة الصحابة مطلقاً. والاهم من ذلك ما طرقه المازري في (شرح البرهان) من باب لتحديد معنى العدالة وفق معنى الصحابة، فقال: لسنا نعني بقولنا (الصحابة عدول) كل من رآه يوماً ما أو زاره أو أجتمع به لغرض وانصرف، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه، فإذا قال الراوي عن رجل من الصحابة ولم يسمه كان ذلك حجة، ولا تضر الجهالة لثبوت عدالتهم على العموم[115].

أما من الناحية العملية والتطبيق فقد اعتبر الحفاظ جميع الصحابة عدولاً؛ كبارهم وصغارهم، سواء صاحبوا النبي مدة طويلة او قصيرة. وكما قال الحافظ الذهبي: ‹‹وأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات، فما يكاد يسلم من الغلط أحد، لكنه غلط نادر لا يضر أبداً، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوا العمل وبه ندين الله تعالى. وأما التابعون فيكاد يعدم فيهم من يكذب عمداً لكن لهم غلط وأوهام، فما ندر غلطه في جنب ما قد حمل احتمل، ومن تعدد غلطه وكان من أوعية العلم اغتفر له أيضاً››[116]. وكذا اعتقد الخطيب البغدادي بعدم الحاجة الى السؤال عن الصحابة، حيث عدالتهم ثابتة ومعلومة، وانما يجب فيمن دونهم، فكل راو للحديث يجب النظر في حاله سوى الصحابي الذي يرفع الحديث الى النبي[117].

وقد استدل الخطيب البغدادي على عدالتهم بتعديل الله لهم واخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن، كقوله تعالى: ((وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)) (البقرة/143) وقوله: ((يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)) (الأنفال/64)[118]. كما جاءت الاخبار في هذا المعنى مطابقة لما شهد عليه النص القرآني، مثل الحديث الذي روي عن عبد الله بن مسعود أن النبي (ص) قال: خير امتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق ايمانهم شهادتهم ويشهدون قبل ان يستشهدوا[119]. وكذا الحديث الذي روي عن ابي سعيد الخدري ان النبي قال: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه[120].

وعلى رأي البغدادي ان جميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع بعدالتهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم الى تعديل الخلق لهم مادام الله ابلغ بعدالتهم جميعاً وبرأهم عن المعاصي ورفع اقدارهم ومنازلهم، اذ كانوا من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والاموال وقتل الآباء والاولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، ما يقطع بعدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم وانهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين من بعدهم ابد الآبدين. واعتبر ان هذا هو مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء[121]،

لكن البغدادي لم يتعرض الى ما ورد في الصحاح من سوء عاقبة ناس من الصحابة لما فعلوه من تبديل وتغيير، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس ان النبي (ص) قال: إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ: ((كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين)) وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي؟ فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: ((وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم))[122]. كما روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد انه سمع النبي يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم. وجاء ان ابا سعيد الخدري زاد على ذلك بقول النبي: إنهم مني، فيقال إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي[123] . كما روى هذان الشيخان روايات اخرى فيها تحذير لقتال المسلم اخاه المسلم واعتباره من الكفر، وقد تكرر هذا الامر بين الصحابة، ومن ذلك ما روي عن عبد الله ان النبي (ص) قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر[124]. وفي رواية اخرى عن ابي بكرة انه قال: خطبنا النبي (ص) يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، وقال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، وقال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض[125]. يضاف الى ما ورد في القرآن من ايات دالة على وجود الكثير من المنافقين والمتربصين بالنبي ممن اظهروا الاسلام وتظاهروا بالايمان، خاصة تلك التي تضمنتها سورة التوبة.

على ان ما قدره العلماء بحق الصحابة هو حكم صحيح، لكنه مضيق - في الاعم الاغلب - بحدود الذين صبروا مع النبي ولاقوا معه المصاعب والمتاعب طيلة سني البعثة والهجرة، ويشهد على هذا الامر ما نصت عليه الكثير من الايات القرآنية. وليس هناك ما يدل على توسعة الحكم - كالذي افاده العلماء - ليشمل جميع الصحابة، حيث منهم الصغار الذين لم يتميز فيهم العدل  عن غيره، كما ان منهم من اسلم بعد الفتح، وقد يكون اغلب هؤلاء دخلوا الاسلام ملجئين لا خيار لهم بعد الفتح العظيم، او بعدما خيروا بين الاسلام والقتل.

ومن الاهمية بمكان التمييز بين مفهومين عامين للصحابة، احدهما مجرد وبريء لا يتضمن ولا يستلزم اي معنى قيمي اخر كالعدالة وما اليها. فعندما نقرر - حسب هذا المفهوم - ان فلاناً صحابي؛ فذلك لا يقتضي حكماً معيناً او صفة اخرى ترفع من شأنه لمجرد حمله سمة الصحبة. فقد يكون الانسان كثير الصحبة والاقتران مع النبي او غيره، لكن لا يلزم عن ذلك ان يكون تقياً وعادلاً، وكذا العكس صحيح ايضاً. وبالتالي لا شأن للصحبة حسب هذا المفهوم باي حكم قيمي يخص العدالة وما اليها، سواء كان معنى الصحبة من طالت مدة رؤيته للنبي وسماعه عنه، او قصرت هذه المدة. أما المفهوم الاخر للصحابة فيتميز بانه غير بريء ولا مجرد، بل يتضمن حكماً ومعنى قيمياً من العدالة والتقوى والطهارة والايمان وما الى ذلك. وخطورة هذا المفهوم هو ان تحديد معنى الصحبة يستلزم معه حكماً ومعنى اخر كتلك التي ذكرناها. فلو اعتبرنا الصحابي هو كل من رأى النبي وسمعه ولو لساعة واحدة؛ لكان هذا يعني ان من يصدق عليه هذا الوصف هو عادل وتقي باللزوم او التضمن.

ويمكن ان يستند علماء الحديث والسيرة فيما يقولونه عن عدالة جميع الصحابة الى كلا المفهومين السابقين باعتبارين مختلفين. ولتصوير هذا الامر علينا لحاظ كيف يمكن انتزاع حكم عدالة جميع الصحابة وفق نوعين من المغالطة حسب القياسين التاليين:

الاول: ان مفهوم الصحابة هو مفهوم بريء ومجرد، وان الصحابة الذين لازموا النبي في ايام العسرة وناصروه وصدقوه واطاعوه هم ممن يجب التعويل عليهم في العدالة والتقوى والطهارة. لكن لمفهوم الصحبة معنى عاماً يشمل كل من رأى النبي وسمعه ولو لساعة واحدة، وبالتالي فان الحكم الذي يصدق على الصحابة الاولين ممن لازم النبي مدة طويلة في الطاعة والنصرة والجهاد سوف يصدق على غيرهم ممن رآه وسمعه ولو لساعة واحدة، وهذا يعني ان حكم العدالة على الجماعة الاولى يصدق ذاته على الجماعة الاخيرة. وبعبارة اخرى، ان للصحابة معنى عاماً يصدق على كل من رأى النبي طالت مدة ذلك أم قصرت، وان من طالت مدة لزومه للنبي ايام العسرة والشدة يتصف بحكم العدالة والتقوى، لذا فان هذا الحكم يصدق ايضاً على من قصرت مدة رؤيته للنبي باعتباره ممن يشمله مفهوم الصحبة كالاول.

الثاني: ان مفهوم الصحبة مفهوم يستلزم ويتضمن المعنى القيمي للعدالة والتقوى، وان الصحابي على ذلك يكون عادلاً لا يبحث فيه بسبب فضل الصحبة. وبالتالي اذا كان معنى الصحبة يصدق فعلاً على اولئك الذين لازموا النبي وتابعوه مدة طويلة كالمهاجرين والانصار مثلما تشير الى ذلك النصوص الدينية، فكذا يمكن توسعة هذا المعنى بحسب الامر اللغوي لمفهوم الصحبة كي يشمل كل من رأى النبي ولو لساعة واحدة، وبالتالي يمكن القول ان هؤلاء الرجال الذين عممنا عليهم سمة الصحبة هم ممن يصدق عليهم حكم العدالة والتقوى للتلازم بين تلك الصحبة وهذا الحكم. وهذا يعني ان كل الرجال الذين رأوا النبي وسمعوه هم عدول، سواء طالت مدة ملازمتهم للنبي أم قصرت، وذلك لاقتضاء الصحبة للعدالة.

ومن حيث المقارنة بين القياسين يلاحظ ان التوسعة بحسب قياس المفهوم الاول تجري في الحكم لا الموضوع، اي في العدالة لا الصحبة. حيث بحسب هذا المفهوم ان كل من رأى النبي فهو صحابي طالت مدة ذلك أم قصرت، وهو امر لا يتضمن معنى العدالة والتقوى، وكل ما فعله العلماء هو انهم عمموا حكم العدالة الذي يصدق فعلاً على الصحابة الاولين من المهاجرين والانصار كما تشير الى ذلك الكثير من الايات على غيرهم من ‹‹الصحابة›› الاخرين بمن فيهم صغار الصحابة والذين اسلموا بعد فتح مكة. في حين ان التوسعة حسب قياس المفهوم الثاني تصدق على الموضوع لا الحكم، اي ان التوسعة قد اصابت الصحبة مباشرة فافضت الى النتيجة ذاتها من الاخذ بعدالة الصحابة جميعاً لافتراض ان الصحبة تتضمن العدالة.

ومن الواضح ان كشف المغالطة في القياس والتوسعة حسب المفهومين السابقين يجعل اكثر الاحاديث التي رويت عن النبي موضع بحث ونقد لعلاقتها المباشرة بالعدالة، وذلك لانها رويت في غالبها عن صغار الصحابة الذين اكثروا من التدليس ورفع الحديث. فاذا كانت العدالة ثابتة مبدئياً فيما يخص كبار الصحابة الذين لازموا النبي على الدوام؛ فان ذلك لا يمكن تعميمه وبسطه على الصغار منهم كلية . مع ان علماء الحديث واصحاب الصحاح اجروا هذه التوسعة والقياس المغالط حسب احد المفهومين السابقين، وقد سوغ لهم ذلك الاعتماد على المكثرين من صغار الصحابة في جمع الحديث، وكان منهم من عاصر النبي وهو مازال حدث السن، فرغم هذه الحداثة للعديد من هؤلاء الصغار فقد روي عنهم الكثير من الاحاديث. وممن كثرت الرواية عنه وكان سماعه في الصغر: أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري[126]، ومن بين هؤلاء من جاء فيه انه لم يدرك حديث النبي لصغره، لكن مع ذلك روي عنه الكثير من الحديث المنسوب الى النبي مباشرة، فكما جاء عن السيدة عائشة انها قالت: ما علم أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري بحديث رسول الله وإنما كانا غلامين صغيرين[127]. وهذه الرواية تتنافى مع ما ورد عنهما انهما سمعا عن النبي العديد من الحديث، ومنها تلك التي لها علاقة بكراهة التدوين كما عرفنا. وقد نقل عن كل واحد من هؤلاء الصغار ما يفوق الالف رواية مسندة الى النبي، وبعضهم فاقت روايته الالفين، فما الذي يبرر قبول مثل هذه الروايات؟

يعود بنا هذا التساؤل الى ما قرره علماء الحديث والسيرة بشأن عدالة جميع الصحابة وقبول ما يصدر عنهم من التدليس ورفع الحديث، ومن ذلك تعليق الذهبي على ما ذكره شعبة من ان أبا هريرة كان يدلس، حيث قال: ان تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه، فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدول[128]. وكذا كان يقول ابن قتيبة قبله، وهو ان ابا هريرة يقول قال رسول الله (ص) كذا، وإنما سمعه من الثقة عنده فحكاه، ومثله كان ابن عباس يفعل وغيره من الصحابة، معتبراً ذلك ليس بالكذب[129].

مع ان هذا المنطق يفضي الى التناقض وعدم الاتساق، ذلك انه اذا كانت صفة الرفع والتدليس مقبولة عن الصحابة لعدالتهم، فكيف لا تقبل عن غيرهم من الرواة العدول؟ وبعبارة اخرى، لماذا شدد اصحاب الصحاح على الشرط الخاص بالاسناد المتصل والسماع المباشر؛ بلا ارسال ولا تدليس، رغم افتراضهم العدالة في الرواة مثل تلك التي افترضوها في الصحابة؟

فالاتساق يدعو إما الى الاخذ بالمرسل والمدلس عن جميع الرواة العدول صحابة وغير صحابة، او الترك عنهم جميعاً بلا تمييز ولا استثناء. هذا اذا كان الامر يرتبط بالعدالة، اما لو اخذنا بحساب عناصر اخرى فاعلة كقرب الإسناد وما اليه فسيكون الامر مختلفاً، حيث تصبح علة الاخذ عن الصحابة لا لكونهم عدولاً فحسب، بل لقربهم من عصر النبي. لكن ذلك سوف يفضي الى قبول المرسل والمدلس العائدين الى التابعي؛ لذات العلة المذكورة من العدالة والقرب، وهو ما لم يراعه الحفاظ واصحاب الصحاح.

اخيراً يمكن القول ان اصحاب الصحاح والجوامع الحديثية قد بلغوا غايتهم في الافادة من المبدأ القائل بعدالة جميع الصحابة، اذ به تمكنوا من توسعة رواياتهم عبر الاخذ عن المكثرين من صغار الصحابة، ولسان حالهم يقول: كلما كثر العدول كثرت الرواية، وكلما عم العدول سادت الرواية وشاعت!

 

5ـ تسامح العلماء في توثيق الرواة

مثلما اقتضى مبدأ التكثير في الرواية التعويل على عدالة الصحابة، فانه اقتضى التسامح ايضاً في توثيق الرواة. وقيل ان علماء الجرح والتعديل منقسمون الى ثلاثة اقسام، فمنهم من نفسه حاد في الجرح، ومنهم من هو معتدل، ومنهم من هو متساهل. فالحاد فيهم : يحيى بن سعيد وابن معين وأبو حاتم وابن خراش وغيرهم . والمعتدل فيهم : أحمد بن حنبل والبخاري وأبو زرعة. والمتساهل كالترمذي والحاكم والدارقطني في بعض الأوقات[130]. كما ذكر ان اسلوب التحقيق في عدالة الراوي يختلف بين عالم واخر، ومن ذلك ما جاء بان أهل العراق اعتبروا عدالة الراوي لا تتعدى إظهار الإسلام وسلامة المسلم من الفسق الظاهر. في حين ذهب البغدادي الى ان غلبة الظن بالعدالة لا تعرف الا باختبار احوال الراوي وافعاله[131].

وهذا الذي يقوله البغدادي هو رأي سليم، لكنه يواجه مشكلة في التطبيق على الرواة الماضين، فليس من السهل التدقيق في احوالهم واختبار افعالهم. لذلك تجد كتب الجرح والتعديل مشحونة بالكلمات القليلة في التعريف بالراوي، كأن يقال عنه ضعيف او ثقة او ليس بشيء او غير ذلك، كما هو حال ما فعله البخاري في تاريخه الكبير، اذ لا يذكر تفاصيل حول الرواة، فالغالب في عباراته عنهم لا تتعدى القول: روى عنه فلان، او سمع منه فلان، او روى عن او سمع من... الخ. وهو لم يسود لكل راو في الغالب اكثر من سطر او سطرين او ثلاثة، واحياناً يضمّن ترجمة الراوي بحكاية تروى عنه، كما احياناً لا يذكر عن الراوي سوى اسمه فقط، او يزيد عليه انه مات سنة كذا، او ان له صحبة، او انه يعد في الكوفيين او المصريين او البصريين او الشاميين، واحياناً يقول فيه لفظة او اكثر قليلاً للتعبير عن موقفه منه او من حديثه، كإن يقول حديثه مرسل، او عنده مراسيل، او كان فاضلاً، او سكتوا عنه، او يرمى بالكذب، او تكلموا فيه، او ترك احمد حديثه، او كان يحيى بن معين يتكلم فيه، او قال يحيى ليس بشيء، او قال عنه فلان كان ثقة، او كذبه بعضهم فيه نظر، او فيه نظر لا يعرف بكبير حديث، او هذا غريب الحديث ليس له كبير حديث، او ذهب حديثه، او يخالف في بعض حديثه، او لا يتبع في حديثه، او لم يصح حديثه، او حديثه منقطع، او حديثه مناكير، او عنده مناكير، او منكر الحديث، او منكر الحديث لا يكذب حديثه، او ليس بالقوي، او لم يصح اسناده، او اسناده مجهول، او اسناده ليس بقوي... الخ[132]. وواضح ان هذه العبارات البسيطة لا تفيد شيئاً في البحث الدقيق عن احوال الرجال، ومع ذلك فان البخاري قد خرّج للكثير منهم في صحيحه.

وتتعقد المشكلة اكثر عندما نعلم ان القدماء من الحفاظ والعلماء كثيراً ما كانوا يتبادلون التهم والتسقيط والتكذيب. لكنها لم تؤثر على مجرى التوثيق الذي سلكه اصحاب الصحاح. وللاطلاع على تلك الحالات من التهم والتجريح بين علماء السلف نتبع ما جاء في عدد من كتب الحفاظ والمؤرخين؛ ابرزها كتاب (جامع بيان العلم وفضله) لابي عمر بن عبد البر الذي ضمّنه فصلاً بهذا الخصوص، وذلك كالاتي:

مما يذكر ان مالك بن انس قد تبادل التهم مع الكثير من العلماء، ومن ذلك انه وصف عبد الله بن يزيد بن سمعان بالكذاب[133]، ووصف محمد بن اسحاق بدجال الدجاجلة[134]. وقال في أهل العراق: انزلوهم منكم منزلة أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ((وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد))[135]. كما انه حط من منزلة علماء الشام وكذا علماء الكوفة، وهؤلاء بادلوا ذلك بعلماء المدينة، حيث تحامل بعضهم على البعض الاخر[136]. وجاء عن عبد الله بن المبارك انه لم ير في مالك صاحب علم[137]. كما تكلم ابن أبي ذئب في مالك بكلام فيه جفاء وخشونة، قاله إنكاراً منه لقول مالك في حديث البيعين بالخيار، حيث قال عنه: يستتاب في الخيار؛ فإن تاب وإلا ضربت عنقه[138]. وكان ابراهيم بن سعد يطعن في نسبه ويتكلم فيه ويدعو عليه[139]. وتكلم فيه أيضاً كل من عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن اسحاق وابن أبي يحيى وابن أبي الزناد وعابوا أشياء من مذهبه. وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن ابراهيم وروايته عن داود بن الحصين وثور بن زيد. وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه. واعتبر ابن عبد البر ان ذلك كان حسداً لموضوع إمامته. كما عابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر وفي كلامه في علي وعثمان[140]، وفي فتياه باتيان النساء في الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله، ونسبوه بذلك - كما يقول ابن عبد البر -  إلى ما لا يحسن ذكره[141].

وقال حماد بن أبي سليمان في كل من عطاء وطاوس ومجاهد بان الصبيان اعلم منهم[142]. وذم ابن شهاب الزهري ربيعة وابا الزناد[143].

وجاء عن ابي حنيفة انه لم ير احداً أكذب من جابر الجعفي. وقال ابو حنيفة في الاعمش تحقيراً له بانه لم يصم رمضان قط ولم يغتسل من جنابة[144]. في حين تعرض ابو حنيفة الى التجريح من قبل الكثير من العلماء والحفاظ، فقال عنه سفيان الثوري عندما علم بموته: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه؛ لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه[145]، وقال الثوري ايضاً: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين[146] . وجاء عن سفيان بن عيينة انه قال فيه: ما ولد في الاسلام مولود أضر على أهل الاسلام من أبي حنيفة[147]، ومثله ما قاله الاوزاعي وحماد[148]. كما قال ابن عون: نبئت أن فيكم صدادين يصدون عن سبيل الله؛ سليمان بن حرب وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله[149]. وقيل انه سئل مالك بن أنس عن قول عمر في العراق (بها الداء العضال) قال: الهلكة في الدين ومنهم أبو حنيفة[150]. وجاء عن ابي بكر بن أبي داود السجستاني انه قال يوماً لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والحسن بن صالح وأصحابه وسفيان الثوري وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه، فقال هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة[151].

كما تبادل الشعبي وابراهيم النخعي كلمات من التهم والذم ووصف احدهما الاخر بالكذاب[152]. وجاء عن سعيد بن حميد انه كذب الشعبي في بعض الفتاوى[153]. وقيل انه كانت هناك حساسية بين سعيد بن المسيب وعكرمة، وكان سعيد يعد عكرمة من الكذابين، وحكي عن الاول انه قال لغلامه لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس[154]، كما روي عن ابن عمر أنه قال لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس[155]، وكذا كان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه، وقال القاسم إن عكرمة كذاب يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية، وكان عكرمة يرمى بثلاث قضايا، احدها الكذب، وثانيها انه يرى رأي الخوارج، وثالثها انه يقبل جوائز الامراء[156].

وقيل ايضاً انه كان بين منصور بن عمار والشاعر أبي العتاهية اتهامات متبادلة، ومن ذلك الاتهام بسرقة الكلام والزندقة[157].

كما جاء ان سليمان التيمي لم يجز شهادة سعيد بن أبي عروبة ولا معلمه قتادة، وقيل ان ذلك لاعتقادهما بالقدر. كما كان قتادة يعرض بيحيى بن أبي كثير[158]. وكان كل من ابن القاسم وابن وهب يحذر الناس بالاخذ عن الاخر[159]. وكذا ورد ان أبا عبد الرحمن النسائي قد جرح الحافظ أحمد بن صالح وصرح بأنه غير ثقة[160]، اذ قيل انه كان من أحمد بن صالح إلى النسائي جفاء أفسد قلبه عليه[161]. وكان احمد ابن حنبل يعرض بالحارث المحاسبي، وكذا كان يفعل الكرابيسي بابن حنبل، والذهلي بالبخاري[162].

وكان ابن معين يطلق لسانه بأشياء في أعراض الأئمة أنكرت عليه، منها قوله ان عبد الملك بن مروان ابخر الفم وكان رجل سوء، وقوله كان أبو عثمان النهدي شرطياً، وقوله في الأوزاعي إنه من الجند ولا كرامة، وقوله في طاوس انه كان شيعياً، وقوله: حديث الأوزاعي من الزهري ويحيى بن أبي كثير لا يثبت. ومما نقم على ابن معين وعيب عليه قوله في الشافعي أنه ليس بثقة، وقوله في الزهري إنه ولي الخراج لبعض بني أمية وإنه فقد مرة مالاً فاتهم به غلاماً له فضربه فمات من ضربه، وذكر كلاماً خشناً في قتله غلامه[163].

وجاء في اتهام الزهري الشيء الكثير لعلاقته القوية بالسلطة الاموية، اذ كان صاحباً لعبد الملك بن مروان ومربياً لاولاده، ثم من بعده لازم ابنه هشاماً، وبعد ذلك يزيد بن عبد الملك الذي نصبه قاضياً[164]. وكان ممن اجاز لبعض رجال بني امية الرواية عنه، ومن ذلك انه جاءه رجل منهم يقال له إبراهيم بن الوليد وعرض عليه كتاباً وقال: أأحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال إي لعمري فمن يحدثكموه غيري[165]. وقد تكلم البعض في الزهري لكونه خضب بالسواد ولبس زي الجند وخدم هشام بن عبد الملك. وعلق الذهبي على ذلك بقوله: ان هذا باب واسع والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، والمؤمن إذا رجحت حسناته وقلت سيئاته فهو من المفلحين[166]. وحكى الحاكم عن ابن معين قوله بان أجود الأسانيد الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، فقال له بعض الحاضرين: الأعمش مثل الزهري، فأجابه ابن معين: برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري؛ الزهري يرى العرض والاجازة ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان ورع عالم بالقرآن[167].

وذكر ابن عبد البر ان الذين يترددون على الملوك كثيرون، منهم الشعبي وقبيصة بن ذؤيب ورجاء بن حيوة الكندي وأبو المقدام والحسن وأبو الزناد ومالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وغيرهم[168]. وكان سفيان الثوري يقول بشأن هؤلاء الملوك: ما أخاف من إهانتهم لي، إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم[169]. وقد عرف ان قبول جوائز الأمراء جائزة وغير قادحة عند الغالب من اهل العلم[170].

***

كانت تلك نماذج من التجريح بين العلماء انفسهم، وقد اعتبر الحفاظ انه لو قدم الجرح على التعديل لما سلم احد من النقد والتضعيف، لذلك رأوا انه لابد من معرفة سبب الجرح والطعن، ومعرفة ما اذا كان يؤثر على قبول روايته أم لا. وهذا ما جعلهم يعولون على توثيق الرواة المعروفين رغم ما جرى بينهم من تهم وطعون متبادلة كالذي رأينا. فقد ذهب ائمة الحديث ونقاده مثل الشيخين وغيرهما الى عدم اعتبار الجرح الا اذا كان مفسراً مبين السبب، اذ قد يطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحاً، وليس بجرح في نفس الأمر، خاصة وان مذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة كما يقول ابو داود السجستاني. وقد عقد الخطيب البغدادي باباً في بعض أخبار من استفسر في جرحه، فذكر ما لا يصلح جارحاً؛ منها عن شعبة انه قيل له لِمَ تركت حديث فلان؟ فقال رأيته يركض على برذون فتركت حديثه، ومنها عن مسلم بن إبراهيم انه سئل عن حديث لصالح المري فقال: ما تصنع بصالح ذكروه يوماً عند حماد بن سلمة فامتخط حماد[171].

على هذا احتج البخاري بجماعة سبق لغيره ان جرحهم، كعكرمة مولى بن عباس وكاسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم، واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم[172]. واعتبر النووي في شرحه لصحيح البخاري ان ما ضعفه البعض من أحاديث الشيخين انما هو مبني على علل ليست قادحة[173].

وقد ذهب ابن الصلاح الى ان المسؤولية في المشكلة السابقة تقع على عاتق ائمة الحديث في الجرح، حيث قل ما يتعرضون فيها لبيان السبب في الجرح، بل يقتصرون على مجرد القول فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك، أو هذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك. وهذا يعني ان اشتراط بيان السبب سيفضي الى تعطيل ذلك العلم وسد باب الجرح في الغالب. لكنه رأى في الجواب عن هذه المشكلة هو التوقف في اثبات الجرح وعدم قبول حديث من قيل فيه جرح غير مفسر السبب، وذلك ريثما تزال عنه الشبهة بمعرفة حاله فيزال عنه الجرح وتوجب الثقة به ويقبل حديثه[174].

ومن الناحية المنطقية يفترض ان يجرى هذا الحال على التعديل لا الجرح فقط، وذلك لان نوازع النفس غامضة ودوافعها مختلفة[175]. فمثلما يقال ان الجرح لا يقبل الا مفسراً مبين السبب، فكذا يفترض ان يقال الشيء نفسه في التعديل، مما يتطلب معرفة احوال الرواة دون الاكتفاء بالعبارات القليلة التي تحدد مسلك الراوي وعدالته. ومع ان هناك من يذهب فعلاً الى لزوم ذكر سبب التعديل، كما في الجرح، كالذي ذهب اليه الماوردي[176]، لكن من الناحية العملية يتعسر حل المشكلة، وذلك لقلة معرفة احوال الرجال، خاصة من هم في عداد الموتى، وهم الغالب الاعظم. وهذا ما جعل اصحاب الصحاح يضفون عليهم سمة التعديل بلا توقف، ومن ذلك ما جاء في (الميزان) للذهبي بان في الصحيحين عدداً كثيراً من الرواة لم تثبت وثاقتهم، وبحسب جمهور الحفاظ ان من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه فحديثه صحيح. وقال الذهبي: ان في الصحيحين خلقاً كثيراً مستورون ما ضعفهم احد ولا هم بمجاهيل[177]. وربما يميل الحفاظ الى التسامح في التجريح لحفظ اكبر قدر ممكن من الرواية والحديث، وكما جاء عن  يحيى بن سعيد القطان انه قال: لو لم أحدث إلا عن كل من أرضى لما حدثت إلا عن خمسة[178]. كما قد يكون ذلك لشعورهم ان الواجب الديني يتطلب منهم التوثيق قبل التجريح؛ شبيه بحال التعامل مع المؤمنين في الحالات العادية، فعند التعارض يقدم الاول على الاخر كي لا يكون هناك امتهان لكرامة المسلم[179]. لكن يظل التجريح مبرراً لدى علماء الرجال، وهم لا يعدونه من الغيبة المنهي عنها، بل يعتبرونه من الدين، حيث به يُعرف الحديث الصحيح من غيره كالذي ينص عليه احمد بن حنبل[180]. وقد قيل ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله (ص) وهو يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب[181].

هكذا فان الاصل لدى ائمة الحديث هو التوثيق والتعديل ما لم يثبت العكس، وهم بقدر ما تسامحوا في التجريح لم يشددوا في التعديل، وقد انعكس ذلك على تساهلهم مع اولئك الذين كانت لهم صلات حسنة بالسلطات الظالمة، وعلى رأسهم المسؤول الاول عن تدوين الحديث.

 

 


[1] المقصود بالمعضل هو ما يرويه تابعي التابعي عن النبي (ص) وهو اقل مرتبة من المرسل (مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة المرسل. والكفاية في علم الرواية، معرفة ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات).

[2] قواعد التحديث، ص82، والرسالة المستطرفة، ص16

[3] ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير، فصل حول الاختلاف في التفسير. لكن نقل عن ابن حنبل ايضاً انه اعتبر تفسير القرآن من غير السنة محض الضلال (ابو زهرة: ابن حنبل، دار الفكر العربي، ص210، وابن تيمية، ص457ـ458). والحال ان هذا القول لا يتسق مع ما عرفنا انه اعتبر التفسير لا سند متصل له.

[4] المدخل إلى الإكليل. ونظام الحكومة النبوية، ج2، ص205

[5] طبقات الحنابلة، ج1، مادة (حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني).

[6] ابن النديم: الفهرست، اعتناء وتعليق ابراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الاولى، 1415هـ ـ1994م، ص281

[7] نظام الحكومة النبوية، ج2، ص207

[8] الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1532

[9] الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1525، وطبقات الحنابلة، ج1، مادة (الحسن بن إسماعيل بن الربعي) ومادة (الحسين بن إسماعيل). 

[10] الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1531

[11] المصدر السابق، فقرة 1528

[12] المصدر السابق، فقرة 1534

[13] طبقات الحنابلة، ج2، مادة (عبيد الله أبو زرعة الرازي)

[14] الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1541

[15] الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1537

[16] المصدر السابق، فقرة 1539

[17] المصدر السابق، فقرة 1540، والمدخل إلى الإكليل.

[18] المدخل إلى الإكليل.

[19] المدخل إلى الإكليل.

[20] قيل ان رجلاً حلف بطلاق امرأته بأن ابا زرعة يحفظ من ظهر قلبه مائة ألف حديث، فجاء الرجل يسأل ابا زرعة، فلم يجبه هذا الاخير، فألح عليه الرجل، فقال ابو زرعة: أيها الرجل ما عددته ولكن ما في بيتي سواد على بياض الا وأحفظه، فقال ابو حاتم للرجل: في بيت أبي زرعة اكثر من مائة ألف ومائة ألف ومائة الف. اذهب فأنت بار في يمينك (الجامع لاخلاق الراوي، ج2، فقرة 1534، وعبد الوهاب بن علي السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، شبكة المشكاة الالكترونية، ص66).

[21] مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل العاشر.

[22] مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل العاشر

[23] مقدمة فتح الباري، ضمن نفس الفصل السابق.

[24] نقل عن الشافعي  قوله بأن مالكاً إذا شك في بعض الحديث طرحه كله (تقدمة المعرفة، باب ما ذكر من صحة حديث مالك وعلمه بالآثار. كذلك: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ضمن فصل في تحريه في الفتيا. وسير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 75، والتعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، ج2، ص769).

[25] ابن تيمية: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، شبكة المشكاة الالكترونية، ضمن فقرة السبب الثالث (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). وقواعد التحديث، ص377

[26] مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل العاشر.

[27] حجة الله البالغة، ج1، ص147، كما ذكر الدهلوي: ‹‹ان اقوال الصحابة جمعت في عصر الشافعي فتكثرت واختلفت وتشعبت، ورأى كثيراً منها يخالف الحديث الصحيح حيث لم يبلغهم، ورأى السلف لم يزالوا يرجعون في مثل ذلك الى الحديث فترك - الشافعي - التمسك باقوالهم ما لم يتفقوا، وقال: هم رجال ونحن رجال›› (المصدر السابق، ج1، ص147).

[28] قواعد التحديث، ص80

[29] الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، ص15

[30] رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ضمن الفقرة السابقة. وقواعد التحديث، ص377

[31] انتصار الفقير السالك، مصدر سابق، ص201

[32] رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ضمن الفقرة السابقة. وقواعد التحديث، ص377

[33] قواعد التحديث، ص79

[34] قواعد التحديث، ص81

[35] الكفاية في علم الرواية (باب ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية). وفي رواية اخرى عن مالك انه قال: أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عنهم ويقدم ابن شهاب وهو دونهم في السن فتزدحم الناس عليه (الكفاية في علم الرواية، باب ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية). وفي رواية ثالثة انه قال: أدركت ببلدنا هذا - يعني المدينة - مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة يحدثون، فما كتبت عن أحد منهم حديثاً قط، وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدثون (الجامع لأخلاق الراوي، فقرة 186، والمحدث الفاصل بين الراوي والواعي، ص403).

[36] صحيح مسلم، ج1، باب بيان ان الإسناد من الدين. والكفاية في علم الرواية، باب ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية.

[37] البحر المحيط، فقرة 1217.

[38] جامع بيان العلم وفضله، باب في انكار أهل العلم ما يجدونه من الأهواء والبدع.

[39] صحيح البخاري، حديث 622

[40] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[41] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[42] المصدر والباب السابقين.

[43] المصدر والباب السابقين.

[44] المصدر والباب السابقين.

[45] المصدر والباب السابقين.

[46] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث. وهناك ابيات للشعر متأثرة بهذه النظرة السلبية للحديث، وقد انشدها بكر بن حماد (المتوفى سنة 296) كالاتي:

لقد جفت الأقلام بالخلق كلهم  فمنهم شقي خائب وسعيد

تمر الليالي بالنفوس سريعة               ويبدئ ربي خلقه ويعيد

أرى الخير في الدنيا يقل كثيره           وينقص نقصاً والحديث يزيد

فلو كان خيراً قل كالخير كله  وأحسب أن الخير منه بعيد

ولابن معين في الرجال مقالة سيسأل عنها والمليك شهيد

فإن تك حقاً فهي في الحكم غيبة          وان تك زوراً فالقصاص شديد

(جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق). لكن اورد البغدادي بعض الاختلاف في البيت الرابع من الشعر، اذ جاء فيه:

فلو كان خيراً كان كالخير كله            ولكن شيطان الحديث مريد

(الكفاية في علم الرواية، باب وجوب تعريف المزكى ما عنده من حال المسئول عنه).

[47] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث. كما قال: ما تريد إلى شيء إذا بلغت منه الغاية تمنيت أن ينفلت معه كفافاً (المصدر السابق، وسير اعلام النبلاء، ج7، فقرة 274). وقال: أنا فيه يعني الحديث منذ ستين سنة وددت لو خرجت منه كفافاً لا عليّ ولا لي (المصدر السابق). وقال: ما من عملي شيء أنا أخوف منه من هذا، يعني الحديث (تقدمة المعرفة، باب ما ذكر من براعة فهم سفيان الثوري وفطنته وفراسته). وقال: وددت أن يدي قطعت ولم أطلب حديثاً (سير اعلام النبلاء، ج7، فقرة 274).

[48] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 76.

[49] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[50] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[51] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 183.

[52] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق، والجامع لأخلاق الراوي، فقرة 406.

[53] طبقات الحنابلة، ج2، مادة: الفضل بن الحباب الجمحي البصري.

[54] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[55] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[56] كما قيل لداود الطائي لِمَ تلزم بيتك ألا تخرج؟ قال أكره أن أحمل رحلي في غير حق (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[57] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[58] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[59] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[60] سير اعلام النبلاء، ج7، فقرة 275

[61] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث.

[62] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وأدب الاملاء والاستملاء، ص96.

[63] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[64] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق، والجامع لأخلاق الراوي، فقرة 406.

[65] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وقد قال الشافعي بصدد من حمل العلم جزافاً: هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري (الخطيب البغدادي: نصيحة أهل الحديث، شبكة المشكاة الالكترونية، ص32).

[66] تأويل مختلف الحديث، المقدمة. ومما يذكر بهذا الصدد ما جاء من تصحيف يخص الايات القرآنية، ومن ذلك ما نُقل أن عثمان بن أبي شيبة قرأ آية من سورة يوسف بالشكل التالي: (جعل السقاية في رجل أخيه)، فقيل له: (في رحل)، فقال: تحت الجيم واحدة. كما انه قرأ آية اخرى بالشكل التالي: (يا أيها المدبر)، فقيل له: ذهب عقلك أين المدبر (انظر: ابو احمد العسكري: تصحيفات المحدثين، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص145ـ147).

[67] الذهبي: بيان زغل العلم، شبكة المشكاة الالكترونية، فقرة علم الحديث، كما عرض النص ايضاً في الانترنيت عبد الرحمن بن عمر الفقيه الغامدي: [email protected]

[68] سير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 77

[69] ابن حزم: الاحكام في أصول الاحكام، ج2، ص247.

[70] نصيحة أهل الحديث، ص34

[71] مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل العاشر.

[72] انتصار الفقير السالك، ص201

[73] انتصار الفقير السالك، ص201

[74] انتصار الفقير السالك، ص202

[75] انتصار الفقير السالك، ص202

[76] انتصار الفقير السالك، ص202

[77] ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل، شبكة المشكاة الالكترونية، ج4، باب الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة (لم تذكر ارقام صفحاته). وقواعد التحديث، ص71

[78] اخرج البخاري لهؤلاء من الاحاديث المذكورة ما يلي: روى عن ابي هريرة (446) حديثاً، وعن عبد الله بن عمر (270) حديثاً، وعن انس بن مالك (268) حديثاً، وعن عائشة (242) حديثاً، وعن عبد الله بن عباس (217) حديثاً، وعن جابر بن عبد الله (90) حديثاً، وعن أبي سعيد الخدري (66) حديثاً (مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل العاشر). }. اما سائر الصحابة فرواياتهم لا تعد بشيء سوى عدد محدود منهم، حيث روي عن عبد الله بن مسعود اكثر من (800) حديث { اخرج له البخاري منها (85) حديثاً (مقدمة فتح الباري، ضمن نفس الفصل).

[79] اخرج له البخاري منها (29) حديثاً (مقدمة فتح الباري).

[80] اخرج له البخاري منها (60) حديثاً (مقدمة فتح الباري، ضمن نفس الفصل).

[81] اخرج له البخاري منها (22) حديثاً. ويبقى ثالث الخلفاء الراشدين عثمان حيث اخرج له البخاري تسعة أحاديث فقط (مقدمة فتح الباري، ضمن نفس الفصل).

[82] قواعد التحديث، ص72.

[83] وهو أبو هريرة الدوسي اليماني، قيل ان في اسمه واسم أبيه نحو ثلاثين قولاً، وأصحها عند النووي: عبد الرحمن بن صخر (جلال الدين السيوطي: إسعاف المبطأ برجال الموطأ، تحقيق وتعليق موفق فوزي جبر، دار الهجرة، بيروت، الطبعة الاولى، 1410هـ ـ1990م، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص122، وابن حجر العسقلاني: تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الاولى، 1417هـ ـ1997م، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج2، ص483).

[84] إسعاف المبطأ برجال الموطأ، ص122

[85] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 579

[86] فتح الباري، ج1، ص48

[87] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 589

[88] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 608، وكتاب العلم، ص24، وجاء عن ابي هريرة ايضاً حول تبريره لكثرة ما لديه من أحاديث ان رسول الله (ص) قال: ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ قلت أسألك أن تعلمني مما علمك الله، فنزع نمرة كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه قال اجمعها فصرها إليك، فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني. وجاء انه قيل لعبد الله بن عمر هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئاً؟ قال لا، ولكنه اجترأ وجبنا. فقال أبو هريرة فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا (لاحظ: سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 608).

[89] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 599

[90] قواعد التحديث، ص61

[91] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 601، كذلك: ابن شبة النميري: تاريخ المدينة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، دار الفكر، 1410هـ، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج3، ص.800

[92] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 603

[93] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث. وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 2

[94] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وقواعد التحديث، ص234، وجاء على هذه الشاكلة ان ابا هريرة كان يجلس إلى حجرة عائشة فيحدث ثم يقول: يا صاحبة الحجرة أتنكرين مما أقول شيئاً، فلما قضت صلاتها لم تنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول الله (ص) يسرد الحديث سردكم ( سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 607).

[95] تأويل مختلف الحديث،  باب ذكر أصحاب الحديث. ومشكل الاثار، حديث 117 ، وجاء ايضاً ان ابا هريرة روى حديثاً في المشي في الخف الواحد فبلغ عائشة فمشت في خف واحد وقالت: لأخالفن أبا هريرة. وروى أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، فقالت عائشة: ربما رأيت رسول الله (ص) يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة (صحيح مسلم، ج1، باب الاعتراض بين يدي المصلي. وتأويل مختلف الحديث، باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي).

[96] وقيل انه بلغ علياً أن أبا هريرة يبتدئ بميامنه في الوضوء وفي اللباس، فدعا بماء فتوضأ فبدأ بمياسره، وقال لأخالفن أبا هريرة (تأويل مختلف الحديث، باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي)

[97] تأويل مختلف الحديث، باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي. كذلك: صحيح البخاري، حديث 1825

[98] صحيح مسلم، حديث 2098

[99] صحيح البخاري، حديث 5437

[100] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 609

[101] المدخل إلى الإكليل.

[102] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 602

[103] روي ان ابا هريرة احتفظ باحاديث اخرى لم يبثها بين الناس، وذلك خشية قتله عليها، اذ جاء عنه يقول: حفظت من رسول الله (ص) وعاءين؛ فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم (سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 596).

[104] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 600.

[105] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 606.

[106] مشكل الاثار، ج1، ص65، والمتقي الهندي: كنز العمال في سنن الاقوال والافعال، مكتبة نداء الايمان الالكترونية، حرف العين، حديث 29490.

[107] المدخل إلى الإكليل.

[108] وفي رواية اخرى سئل ابو زرعة: أليس يقال حديث النبي (ص) أربعة آلاف حديث؟ فرد على ذلك: ان من قال هذا قلقل الله انيابه، هذا قول الزنادقة ومن يحصي حديث رسول الله (ص) وقد قبض عن (114) ألف من الصحابة ممن رآه وسمع منه (لاحظ: مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة الصحابة).

[109] النبذ في أصول الفقه، مصدر سابق، ص25.

[110] الكفاية في علم الرواية، باب القول في معنى وصف الصحابي انه صحابي.

[111] البحر المحيط، فقرة 1069

[112] المقصود بالحديث المرفوع هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول (ص) أو فعله (الكفاية في علم الرواية، معرفة ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات).

[113] ابن امير الحاج الحلبي: التقرير والتحبير، سي دي مكتبة الفقه واصوله، عن دار الفكر، تحقيق مكتب البحوث والدراسات، بيروت، 1996م، الطبعة الاولى، ج2، ص385

[114] قواعد التحديث، ص141.

[115] قواعد التحديث، ص199

[116] قواعد التحديث، ص187

[117] الكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة. وشروط الائمة الخمسة، ص42

[118] يضاف الى ايات اخرى مثل قوله تعالى: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) (آل عمران/110) وقوله: ((لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)) (الفتح/18) وقوله: ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه)) (التوبة/100) وقوله: ((والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم)) (الواقعة/10ـ12) وقوله: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)) (الحشر/8ـ9) (الكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة).

[119] صحيح البخاري، حديث 2509، والكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة.

[120] صحيح البخاري، حديث 3470، والكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة. ومثل ذلك روي عن أبي هريرة عن النبي (ص) انه قال: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال أبو هريرة: فلا ادري ذكره مرتين أو ثلاثاً، ثم يخلف من بعدهم قوم يحبون السمانة ويشهدون ولا يستشهدون (الكفاية في علم الرواية، نفس الباب السابق. وروي على شاكلة هذا الحديث منقولاً عن عمران بن حصين في صحيح البخاري، حديث 2508). وعن ابن عباس قال رسول الله (ص): مهما اوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه، فان لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فان لم تكن سنة مني ماضية فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيها أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة (الكفاية في علم الرواية، نفس الباب السابق).

[121] الكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة.

[122] صحيح البخاري، حديث 3171، وصحيح مسلم، حديث 2860

[123] صحيح البخاري، حديث 6643، وصحيح مسلم، حديث 2290، كذلك جاء في صحيح البخاري (حديث 6220) وصحيح مسلم (حديث 2293) عن أسماء بنت أبي بكر ان النبي (ص) قال: إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم، فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. كما روى البخاري (حديث 6642) عن عبد الله ان النبي (ص) قال: أنا فرطكم على الحوض فليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي؟ فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك. ومثله في صحيح مسلم (حديث 2297) عن عبد الله ان رسول الله (ص) قال: أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. كذلك جاء في صحيح مسلم (حديث 2304) عن أنس بن مالك أن النبي (ص) قال: ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب أصحابي أصحابي؟ فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وجاء في صحيح البخاري (حديث 6213) عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري. وفي رواية اخرى في صحيح البخاري (حديث 6215) عن أبي هريرة ان الناجين من الصحابة هم القلة المعبر عنهم بمثل همل النعم.

[124] صحيح البخاري، حديث 48، وصحيح مسلم، حديث .116

[125] صحيح البخاري، حديث 1652ـ1655، وصحيح مسلم، حديث 118ـ120.

[126] وكما قال البغدادي: لو كان السماع لا يصح الا بعد العشرين لسقطت رواية كثير من أهل العلم سوى من هو في عداد الصحابة ممن حفظ عن النبي (ص) في الصغر، فقد روى الحسن بن علي بن أبي طالب عن النبي (ص) ومولده سنة اثنتين من الهجرة، وكذلك عبد الله بن الزبير بن العوام والنعمان بن بشير وأبو الطفيل الكناني والسائب بن يزيد والمسور بن مخرمة، وروى مسلمة بن مخلد عن رسول الله (ص) وكان له حين قبض عشر سنين، وقيل أربع عشرة سنة، وتزوج رسول الله (ص) عائشة وهي بنت ست سنين وابتنى بها وهى بنت تسع، وروت عنه ما حفظته في ذلك الوقت، وروى عمر بن أبي سلمة أن النبي (ص) قال له: ادن يا غلام وسم الله وكل بيمينك مما يليك، وروى معاوية بن قرة المزني عن أبيه انه قال: كنت غلاماً صغيراً فمسح رسول الله (ص) رأسي ودعا لي، وقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: كنت غلاماً العب فجاء رسول الله (ص) من سفر فاستقبلته فحملني بين يديه، وقال يوسف بن عبد الله بن سلام: سماني رسول الله (ص) يوسف وأقعدني في حجره ومسح على رأسي (الكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في صحة سماع الصغير).

[127] جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض.

[128] سير أعلام النبلاء، ج2، فقرة 608 

[129] تأويل مختلف الحديث، باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي.

[130] المـوقظـة في علم مصطلح الحـديث، فصل ضمن فقرة الثقة.

[131] الكفاية في علم الرواية، باب الرد على من زعم أن العدالة هى إظهار الإسلام وعدم الفسق الظاهر. وعلى شاكلته ذهب الزركشي في كتابه (البحر المحيط، فقرة 1058).

[132] البخاري: التاريخ الكبير، مكتبة سحاب السلفية الالكترونية.

[133] جاء عن أحمد بن صالح انه قال: سألت عبد الله بن وهب عن عبد الله بن يزيد بن سمعان، فقال ثقة، فقلت أن مالكاً يقول فيه كذاب، فقال لا يقبل قول بعضهم في بعض (جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض).

[134] عن عبد الله بن ادريس أنه قال: قدم علينا محمد بن اسحاق فذكرنا له شيئاً عن مالك، فقال: هاتوا علم مالك فإنا بيطاره، قال ابن ادريس فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لمالك بن أنس، فقال: ذلك دجال الدجاجلة ونحن أخرجناه من المدينة، وعندها قال ابن ادريس وما كنت سمعت بجمع دجال قبلها على ذلك الجمع. وقيل ان مالكاً كذّب ابن اسحاق لقول هذا الاخير في مالك إنه مولى لبني تيم قريش، حيث ان مالكاً أعلم بنسب نفسه. واحتمل ابن عبد البر ان التكذيب جاء لتشيع ابن اسحاق وما نسب إليه من القول بالقدر، وأما الصدق والحفظ فقد عدّ صدوقاً حافظاً اثنى عليه ابن شهاب الزهري ووثقه شعبة والثوري وابن عيينة وجماعة جلة، وقد روي عن مالك أنه قيل له من أين قلت في محمد بن اسحاق أنه كذاب، فقال سمعت هشام بن عروة يقول ذلك. وهو على رأي ابن عبد البر من التقليد الذي لا برهان عليه (جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض).

[135] جاء ان محمد بن الحسن دخل على مالك بن أنس يوماً فسمعه يقول هذه المقالة التي حكاها عنه ابن وهب في أهل العراق، ثم رفع رأسه فنظر مني، فكأنه استحيا وقال: يا ابا عبد الله أكره أن تكون غيبة. وقال سعيد بن منصور كنت عند مالك بن أنس فأقبل قوم من أهل العراق فقال: ((تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا)) (جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض. وسير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 68).

[136] قيل ان مالكاً سئل عن مسألة فأجاب فيها، فقال له السائل أن أهل الشام يخالفونك فيها فيقولون كذا وكذا، فقال: ومتى كان هذا الشأن بالشام؟ إنما هذا الشأن وقف على أهل المدينة والكوفة. وهذا خلاف ما تقدم من قوله في أهل الكوفة واهل العراق، وخلاف المعروف عنه من تفضيله للأوزاعي في الشام، وخلاف قوله في أبي حنيفة الذي تعود اليه المسائل في الكوفة مع اصحابه والثوري. كما قال عبد الله بن غانم لمالك: إنا لم نكن نرى الصفرة ولا الكدرة شيئاً ولا نرى ذلك إلا في الدم العبيط، فقال مالك: وهل الصفرة إلى دم، ثم قال: إن هذا البلد إنما كان العمل فيه بالنبوة وإن غيرهم إنما العلم فيهم بأمر الملوك. وقول مالك هذا خلاف ما تقدم عنه. وقد كان أهل العراق يضيفون إلى أهل المدينة إن العمل عندهم بأمر الأمراء مثل هشام بن اسماعيل المخزومي وغيره. وجاء ان ابا سعيد الرازي كان يماري أهل الكوفة ويفضل أهل المدينة، فهجاه رجل من أهل الكوفة ولقبه شرشير، وقال كلب في جهنم اسمه شرشير، وقال: عندي مسائل لا شرشير يحسنها إن سئل عنها، ولا أصحاب شرشير، وليس يعرف هذا الدين إلا حنيفة كوفية الدور، لا تسألن مدينياً فتحرجه إلا عن اليم والمثناة والزير. فكتب أبو سعيد إلى أهل المدينة: قد هجيتم بكذا فأجيبوا، فأجابه رجل من المدينة فقال:

لقد عجبت لغاو ساقه قدر                  وكل أمر إذا ما حم مقدور

قال المدينة أرض لا يكون بها            إلا الغناء إلا اليم والزير

لقد كذبت لعمر الله إن بها                  قبر الرسول وخير الناس مقبور

(جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[137] جاء عن سلمة بن سليمان انه قال لابن المبارك: وضعت من رأي أبي حنيفة ولم تضع من رأي مالك، فأجاب ابن المبارك: لم أره عالماً (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[138] طبقات الحنابلة، ج2، مادة (الفضل بن زياد القطان البغدادي). وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[139] ابن أبي شيبة: سؤالات ابن أبي شيبة لعلي بن جعفر المديني، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص93، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[140] من ذلك ما يرويه الزبيريون من أن مالك بن أنس كان يذكر عثماناً وعلياً وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر (المبرد: الكامل في اللغة والادب، شبكة المشكاة الالكترونية، ج2، فقرة: كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم، لم تذكر ارقام صفحاته).

[141] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. قال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد فكان يصلي وينصرف الى مجلسه، وترك حضور الجنائز فكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحداً يعزيه ولا يقضي له حقاً، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه، وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره (الديباج المذهب، ج1، باب شهادة أهل العلم والصلاح له بالإمامة في العلم، وسير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 64).

[142] فقد جاء عن مغيرة انه قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان من مكة فأتيناه لنسلم عليه فقال لنا: والله يا أهل الكوفة لقيت عطاء وطاوساً ومجاهداً فلصبيانكم اعلم منهم، بل صبيان صبيانكم. وعلق مغيرة على هذا القول بقوله: هذا بغي منه. وقال أبو عمر بن عبد البر: صدق مغيرة. وقد كان أبو حنيفة وهو أقعد الناس بحماد يفضل عطاء عليه. وعلق أبو عمر فقال: فهذا حماد بن أبي سليمان وهو فقيه الكوفة بعد النخعي القائم بفتواها وهو معلم أبي حنيفة يقول في عطاء وطاوس ومجاهد، وهم عند الجميع أرضى منه وأعلم، وانه لم ينسب واحد منهم إلى الارجاء وقد نسب إليه حماد وعيب به وعنه أخذه أبو حنيفة (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[143] جاء انه قيل لابن شهاب: تركت المدينة ولزمت شغباً وإداماً وتركت العلماء بالمدينة يتامى؟ فقال أفسدها علينا العبدان: ربيعة وأبو الزناد. وفي خبر اخر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن انه قال للزهري: لو جلست للناس في مسجد رسول الله في بقية عمرك؟ فقال رجل للزهري: اما أنه ما يشتهي أن يراك، فقال الزهري اما أنه لا ينبغي أن أفعل ذلك حتى أكون زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق). كما ان لأبي الزناد في ربيعة كلاماً يفيد الذم. وكذا ذم الزهري اهل مكة واتهمهم بنقض عرى الاسلام ولم يستثن منهم احداً رغم ان فيهم من اجلة العلماء كما اشار الى ذلك ابن عبد البر الذي رجح ان قول الزهري جاء لما روي عنهم في الصرف ومتعة النساء فقد جاء عن الزهري انه قال: ما رأيت قوماً انقض لعرى الإسلام من أهل مكة، ولا رأيت قوماً أشبه بالنصارى من السبئية. ويقصد بالسبئية (الرافضة) كما اشار الى ذلك أحمد بن يونس. وممن قال في متعة النساء والصرف ابن عباس، ومعنى الصرف هو القول بجواز الدرهم بالدرهمين (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[144] فقد جاء عن الفضل بن موسى انه قال: دخلت مع أبي حنيفة على الأعمش نعوده، فقال أبو حنيفة: يا أبا محمد لولا التثقيل عليك لزدت في عيادتك اكثر، فقال له الأعمش: والله إنك عليّ لثقيل وأنت في بيتك، فكيف إذا دخلت عليّ، قال الفضل: فلما خرجنا من عنده قال أبو حنيفة: ان الأعمش لم يصم رمضان قط ولم يغتسل من جنابة، وفسر ذلك بان الاعمش كان يرى الماء من الماء ويتسحر على حديث حذيفة (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[145] تاريخ بغداد، ج13، ص398، وعلى هذه الشاكلة قال الاوزاعي عند وفاة ابي حنيفة: الحمد لله إن كان لينقض الإسلام عروة عروة (المصدر السابق، ص399)

[146] تاريخ بغداد، ج1، ص318

[147] تاريخ بغداد، ج4، ص430

[148] تاريخ بغداد، ج13، ص399

[149] المصدر السابق، ص399

[150] كما جاء عن مالك انه سأل البعض: أيذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ فقيل له نعم، قال ما ينبغي لبلدكم أن تسكن. كما نقل الشافعي بان مالكاً سئل مرة: هل تعرف ابا حنيفة؟ قال نعم؛ ما ظنكم برجل لو قال هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب وهي من خشب أو حجارة. وقد فسر كلامه هذا بان معناه أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه ولا يرجع الى الصواب إذا بان له. ونقل عن مالك ايضاً انه قال بان ابا حنيفة كاد الدين ومن كاد الدين فليس له دين. وقال: الداء العضال الهلاك في الدين وأبو حنيفة من الداء العضال (تاريخ بغداد، ج13، ص400ـ401).

[151] تاريخ بغداد، ج13، ص383.

[152] فقد جاء عن الأعمش انه قال: ذُكر ابراهيم النخعي عند الشعبي فقال: ذاك الأعور الذي يستفتيني بالليل ويجلس يفتي الناس بالنهار، قال فذكرت ذلك لابراهيم، فقال ذاك الكذاب لم يسمع من مسروق شيئاً قط (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[153] فقد جاء عن سعيد بن حميد أنه قال في العمرة أنها واجبة، فقيل له ان الشعبي يقول انها ليست بواجبة، فقال كذب الشعبي (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[154] وجاء انه سأل رجل سعيد بن المسيب عن رجل نذر نذراً فيه معصية، فأمره سعيد أن يوفي بنذره، فسأل الرجل عكرمة فأمره أن يكفر عن يمينه ولا يوفي بنذره، فرجع الرجل إلى سعيد فأخبره بقول عكرمة، فقال: لينتهين عكرمة أو ليوجعن الأمراء ظهره، فرجع الرجل إلى عكرمة فأخبره، فقال عكرمة: أما إذ بلغتني فبلغه: أما هو فقد ضربت الأمراء ظهره واوقفوه في تبان من شعر، وسله عن نذرك أطاعة هو لله أم معصية؛ فإن قال هو طاعة فقد كذب على الله لأنه لا تكون معصية الله طاعة، وإن قال هو معصية فقد أمرك بمعصية الله (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[155] مقدمة فتح الباري، فقرة عكرمة ابو عبد الله.

[156] مقدمة فتح الباري، فقرة عكرمة ابو عبد الله.

[157] فقد جاء أن منصور بن عمار قص يوماً على الناس وأبو العتاهية حاضر، فقال إنما سرق منصور هذا الكلام من رجل كوفي، فبلغ قوله منصوراً فقال ان أبا العتاهية زنديق؛ أما ترونه لا يذكر في شعره الجنة ولا النار وإنما يذكر الموت فقط، فبلغ ذلك أبا العتاهية فقال فيه:

يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً         إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها

اصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً       فالموبقات لعمري انت جانيها

تعيب دنيا وناساً راغبين لها               وانت لأكثر منهم رغبة فيها

كالملبس الثوب من عرى وعورته       للناس بادية ما أن يواريها

وأعظم الإثم بعد الشرك نعلمه في كل نفس عماها عن مساويها

عرفتها بعيوب الناس تبصرها            منهم ولا تبصر العيب الذي فيها

لا تنه عن خلق وتأتي مثله                عار عليك اذا فعلت عظيم

فلم تمض إلا أيام يسيرة حتى مات منصور بن عمار، فوقف أبو العتاهية على قبره وقال: يغفر الله لك أبا السرى ما كنت رميتني به. قال أبو عمر بن عبد البر: قد تدبرت شعر أبي العتاهية عند جمعي له فوجدت فيه ذكر البعث والمجازاة والحساب والثواب والعقاب (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[158] فقد جاء عن يحيى بن أبي كثير انه قال: لا يزال أهل البصرة بشر ما أبقي الله فيهم قتادة. قال وسمعت قتادة يقول: متى كان العم في السماكين، وهو يعرض بيحيى بن أبي كثير اذ كان أهل بيته سماكين (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[159] فقد جاء عن عبيد الله عن أبيه يحيى بن يحيى انه قال: كنت آتي ابن القاسم فيقول لي من أين؟ فأقول من عند ابن وهب، فيقول: الله الله اتقي الله فإن أكثر هذه الأحاديث ليس عليها العمل، ثم آتي ابن وهب فيقول لي: من أين؟ فأقول: من عند ابن القاسم، فيقول: اتق الله فإن أكثر هذه المسائل رأي (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[160] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. ويعد احمد بن صالح المصري (المتوفى سنة 248هـ) من الثقاة الذين قيل فيهم انه لا يعلق بهم جرح، وهو من الذين أخرج لهم البخاري في صحيحه. وكان أبو نعيم يقول عنه: ما قدم علينا فتى أعلم بحديث الحجاز من هذا الفتى (التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، ج1، ص303).

[161] وعلق الحافظ أبو يعلى الخليلي على ذلك بقوله: اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل ولا يقدح كلام أمثاله فيه. لكن عقّب على ذلك ابن الصلاح بقوله: النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل (مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث). وكان أبو جعفر العقيلي يقول: إن أحمد بن صالح من أئمة المسلمين الحفاظ المتقنين لا يؤثر فيه تجريح، وإن هذا القول ليحط من أبي عبد الرحمن النسائي أكثر مما حط من أحمد بن صالح، وكذلك التحامل يعود على أربابه (التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، ج1، ص304).

[162] شروط الائمة الخمسة، ص49ـ50، يُذكر ان الكرابيسي كان يقول: من لم يقل لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر، فقال ابن حنبل: بل هو كافر، وقد عدّه هذا الاخير من اتباع جهم في قوله بخلق القرآن واعتبره كافراً، وقال عنه: لا يُجالس ولا يُكلم، ولا تكتب كتبه، ولا تجالس من يجالسه (بحر الدم، ص192).

[163] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[164] وفيات الاعيان، ج5، فقرة 178

[165] الكفاية في علم الرواية، باب ذكر الروايات عمن قال أن القراءة على المحدث بمنزلة السماع منه. وجامع بيان العلم وفضله، باب في العرض على العالم.

[166] قواعد التحديث، ص187

[167] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، الطبعة الاولى، 1404 هـ ـ1984، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج4 ص197

[168] جامع بيان العلم، باب ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم. جاء انه قيل لمالك إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون، فقال يرحمك الله فأين الكلام بالحق (جامع بيان العلم، باب ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم. وتقدمة المعرفة، باب ما ذكر من كلام مالك بن أنس عند السلطان بالحق، وسير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 111). كما جاء ان مالكاً قال: والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري (سير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 66). لكن جاء على خلاف ذلك ما روي عن احمد بن حنبل انه سئل: من أعلم مالك أو ابن أبي ذئب، فقال: ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في بدنه وأورع ورعاً وأقوم بالحق من مالك عند السلطان، وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر (المنصور) فلم يمهله أن قال له الحق، اذ خاطبه: الظلم فاش ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر، وقال حماد بن خالد: كان يشبه ابن أبي ذئب بسعيد بن المسيب، وما كان ابن أبي ذئب ومالك في موضع عند السلطان إلا تكلم ابن أبي ذئب بالحق والأمر والنهي ومالك ساكت (طبقات الحنابلة، ج2، مادة: الفضل بن زياد القطان البغدادي).

[169] ابن الجوزي: تلبيس ابليس، مكتبة سحاب السلفية (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته).

[170] مقدمة فتح الباري،  فقرة عكرمة ابو عبد الله.

[171] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته. وقد عُرف ان العلماء مختلفون في عدالة الراوي إن كان ممن يتعاطى المباحات المسقطة للمروءة، كالجلوس على قارعة الطرق للنزهة، والاكل فيها، وصحبة أراذل العامة. وكذا بخصوص ما يعرف بأصحاب الحِرف الدنيئة كالدبّاغ والجزّار وما اليهما (البحر المحيط، فقرة 1056ـ1057).

[172] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته.

[173] قواعد التحديث، ص189، قال الحافظ الذهبي: قد كتبت في مصنفي (الميزان) عدداً كثيراً من الثقات الذين احتج البخاري أو مسلم أو غيرهم بهم لكون الرجل منهم قد دوّن اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي، بل ليعرف ذلك، وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة، فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما، والله يرضى عن الكل ويغفر لهم، فما هم بمعصومين وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلاً، وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم، بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحاً في الطاعنين، فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة، وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى، ويطرح ولا يجعل طعناً، ويعامل الرجل بالعدل والقسط (قواعد التحديث، ص188).

[174] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته. 

[175] علماً ان البعض يعتذر عن ذلك بتبرير ان أسباب التعديل كثيرة يشق ذكرها، بخلاف الجرح فإنه يحصل بأمر واحد (البحر المحيط، فقرة 1067).

[176] البحر المحيط، فقرة 1067

[177] تعليق الكوثري على: شروط الائمة الخمسة، ص46

[178] التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، ج1، ص260

[179] جاء عن محمد بن الفضل العباسي انه قال: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقيل إنه كان يعد من الأبدال، وهو إذ يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي، وهو صوفي، فقال له يا أبا محمد: ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ قال: كتاب صنفته في الجرح والتعديل، قال: وما الجرح والتعديل؟ قال: أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة، فقال له يوسف بن الحسين: استحييت لك يا أبا محمد كم من هؤلاء القوم حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة ومائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض، فبكى عبد الرحمن وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لما صنفته (الكفاية في علم الرواية، باب وجوب تعريف المزكى ما عنده من حال المسئول عنه. ومقدمة ابن الصلاح، باب معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث).

[180] ذُكر ان محمد بن بندار سأل ابن حنبل: إني ليشتد عليّ أن أقول: فلان ضعيف، فلان كذاب، فقال ابن حنبل: إذا سكتَّ أنت، وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم (بحر الدم، ص8)؟.

[181] التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، ج1، ص255.

comments powered by Disqus