يحيى محمد
يعود اهتمام علماء الشيعة بعلم الرجال والجرح والتعديل الى قديم الزمان. فقد اعتاد القدماء على تأليف كتب التراجم والفهارس بغية الجرح والتعديل وتمييز الثقة عن غيره. وقال الشيخ الطوسي بهذا الصدد: إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم، وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها. وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في إسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم[1].
وبحسب تحقيق بعض المعاصرين فان عدد الكتب الرجالية من زمان الشيخ الحسن بن محبوب السراد (المتوفى سنة 224) إلى زمان الشيخ الطوسي قد بلغت اكثر من مائة كتاب على ما يظهر من النجاشي والطوسي وغيرهما[2].
وقيل ان اول من صنف في الرجال من علماء الشيعة هو عبد الله بن جبلة بن أبجر الكناني (المتوفى سنة 219هـ) وهو ما ذهب اليه حسن الصدر[3]. كما قيل ان اول المصنفين في ذلك هو عبيد الله بن ابي رافع خلال النصف الثاني من القرن الاول، حيث دّون اسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان، وهو ما ذهب اليه الطهراني[4]. ومن القدماء الشيعة الذين صنفوا في الرجال خلال عهد الائمة يبرز الحسن بن علي بن فضال (المتوفى سنة 224هـ)[5]، ومحمد بن عبد الله بن مهران الكرخي، وهو من اصحاب الامام الجواد وله مصنف اسمه (كتاب الممدوحين والمذمومين)[6]، ومحمد بن عمر الواقدي (المتوفى سنة 207هـ) وله كتاب الطبقات وتاريخ الفقهاء[7]، وعباد بن يعقوب الرواجيني (المتوفى سنة 250هـ او 271هـ) وله كتاب (المعرفة في معرفة الصحابة)[8]، وعلي بن الحكم بن الزبير النخعي، وهو ممن لقي الكثير من اصحاب الامام الصادق، وكان تلميذاً لابن ابي عمير[9]، وسعد بن عبد الله الاشعري (المتوفى سنة 299هـ) وله كتاب طبقات الشيعة[10]، ومحمد بن خالد البرقي، وهو من اصحاب الامام الكاظم، وله ثلاثة كتب رجالية[11] ، وولده احمد بن محمد بن خالد البرقي ( المتوفى سنة 274هـ او 280هـ) وله كتابان في الرجال، يسمى احدهما بكتاب الرجال، والاخر بكتاب الطبقات، حيث انه قائم على الترتيب الزمني للرجال، فيبدأ باصحاب النبي ثم اصحاب الامام علي الى اخر الائمة الاثنى عشر، والكتاب مازال موجوداً الى يومنا هذا[12].
كما صنف في الرجال بعد هؤلاء جماعة مثل الكليني ومعاصره العياشي وشيخه حميد بن زياد وابي عمرو الكشي واحمد بن نوح وابي العباس بن عقدة وابن عبدون والغضائري والطوسي والنجاشي والعقيقي وغيرهم[13].
واعتبر الطوسي ان جميع كتب الرجال وفهارس المصنفات، منذ ان ظهرت وحتى زمانه، لم يكن فيها ما يستوفي هذا العلم باستثناء ما قدمه معاصره ابو الحسين احمد بن الغضائري، فانه صنف في هذا المجال كتابين، لكن اتلفهما بعض ورثته[14].
واهم ما في الامر هو ان كتب الرجال التي شاعت في عصر الائمة وما بعدهم بقليل لم يعد لها اثر في الازمان المتأخرة. وما بقي من الكتب المعتمدة هي اربعة صغيرة متأخرة تعرف بالاصول الرجالية الاربعة. وكذلك بعض مما بقي من الكتب التي سبقتها مثل رجال البرقي ورجال العقيقي[15]. لكن هذه الكتب الاخيرة لا تعد من الاصول لعدم تضمنها التحقيق في توثيق الرجال، وان كان حالها ليس بافضل من بعض الاصول المعتبرة كرجال الشيخ الطوسي، حيث انه ايضاً لا يحمل صفة التعديل والتجريح كما سنرى. وهذا يعني ان هناك فجوة بين علم الرجال وبين اغلب الرواة الذين يتحدث عنهم هذا العلم. بل هناك انسداد في الطريق لوجود الفاصلة الزمنية الكبيرة التي تفصل بين زمن الكتب المتبقية من علم الرجال وبين زمن الرواة الذين عاصروا الائمة وعلى رأسهم الامام الصادق الذي غلبت عنه الرواية.
والاصول الاربعة التي وصلتنا في علم الرجال، هي كل من اختيار رجال الكشي ورجال النجاشي ورجال وفهرست الطوسي. يضاف اليها رجال ابن الغضائري المسمى (كتاب الضعفاء) وهو كتاب شكك العلماء فيه.
فهذه هي الكتب الاساسية الوحيدة التي بقيت خلال القرن السابع الهجري والتي اعتمد عليها المتأخرون بدءاً من ابن طاوس (المتوفى سنة 673) وتلميذيه العلامة الحلي وابن داود وحتى عصرنا الحاضر.
[1] الطوسي: عدة الاصول، تحقيق الانصاري القمي، مطبعة ستارة، قم، ج1، ص141ـ142
[2] معجم رجال الحديث، ج1، ص41
[3] الذريعة الى تصانيف الشيعة، دار الاضواء، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ، ج10، ص84
[4] الذريعة، ج10، ص80
[5] الذريعة، ج10، ص89
[6] المصدر السابق، ص145
[7] المصدر السابق، ص147
[8] المصدر السابق، ص123
[9] المصدر السابق، ص135
[10] المصدر السابق، ص118
[11] المصدر السابق، ص100
[12] المصدر السابق، ص99، وج15، ص145ـ146
[13] عدة الرجال، ج1، ص45
[14] الفهرست، ص1ـ2
[15] الذريعة، ج10، ص81