ظهر في عصر الغيبة عدد من العلماء الذين سعوا الى جمع الحديث من الاصول الاربعمائة وغيرها كما شاعت انذاك، وقد برزت اربعة جوامع لكتب الحديث تعود الى من عرفوا بالمحمدين الثلاثة الاوائل، وذلك خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة، وهي كتاب (الكافي في الاصول والفروع) لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (المتوفى سنة 329هـ) وكتاب (من لا يحضره الفقيه) لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الملقب بالشيخ الصدوق (والمتوفى سنة 381هـ) وكتاب (التهذيب) وكتاب (الاستبصار) وكلاهما لابي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (والمتوفى سنة 460هـ). وتعد هذه الكتب معتبرة لدى علماء الامامية الاثنى عشرية وان لم تكن كتب صحاح كالذي عليه صحاح اهل السنة، ويبلغ مجموع الاحاديث فيها مجتمعة ما يقارب خمسة واربعين الف (44244) حديث[1].
كما ظهر على اعقاب هذه الكتب جوامع اخرى للحديث، وكان بعضها يعود الى من عرفوا بالمحمدين الثلاثة الاواخر، وذلك خلال القرنين الحادي والثاني عشر للهجرة، وهي كتاب (الوافي) لمحمد بن مرتضى الملقب بالفيض الكاشاني (والمتوفى سنة 1091هـ) وكتاب (بحار الانوار) لمحمد باقر المجلسي (المتوفى سنة 1110هـ) وكتاب (وسائل الشيعة) لمحمد بن الحسن الحر العاملي (المتوفى سنة 1104هـ) ثم جاء بعد ذلك المرزا حسين النوري (المتوفى سنة 1320هـ) فألف كتاب (مستدرك وسائل الشيعة). وهناك جوامع حديثية اخرى مثل كتاب (العوالم) للشيخ عبد الله البحراني وكتاب (جامع الاحكام) للسيد عبد الله شبر وغيرهما[2]. وقد اعتمدت الجوامع السابقة على الكتب الاربعة الاولى وعلى غيرها من كتب الحديث.
ويعد (الكافي) للكليني اوثق كتب الحديث واهمها لدى علماء المذهب قاطبة. وقيل ان الكليني صرف عليه عشرين سنة يجوب فيها البلدان بحثاً عن الاصول وكتب الحديث المروية عن الائمة[3]، خاصة تلك التي رواها تلامذة الامام الصادق خلال القرن الثاني للهجرة، حيث اعتنى بها الكوفيون وتطوع بعضهم لنشرها في قم إبان القرن الثالث.
وقد درج علماء الشيعة في تبيان اهمية (الكافي) وقيمته، وقديماً قال المفيد: بأن كتاب الكافي هو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة[4]. وقال المرزا حسين النوري في (خاتمة مستدرك الوسائل) بعد ان أورد كلمة الشيخ المفيد: انه اكثر فائدة لجامعيته بما يتعلق بالاصول والاخلاق والفروع والمواعظ، وانه معتمد باعتباره جمع الأصول الأربعمائة التي كانت موجودة بتمامها في عصره، كما يظهر من ترجمة أبي محمد هرون بن موسى التلعكبري (المتوفى سنة 385هـ) الذي ادرك عصره وروى عنه وغيره[5]، وقد جاء في ترجمته انه روى جميع الأصول والمصنفات، وألف منها ومن غيرها كتابه المسمى (الجوامع في علوم الدين)[6]. وقال المحقق الكركي في وصف (الكافي): قد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية والاسرار الدينية ما لم يوجد في غيره. وقال بعض الافاضل: اعلم أن الكتاب الجامع للاحاديث في جميع فنون العقائد والاخلاق والاداب والفقه من أوله الى آخره؛ مما لم يوجد في كتب أحاديث العامة، وأنى لهم بمثل الكافي في جميع فنون الاحاديث. وقال صاحب (شذور العقيان في تراجم الاعيان) في وصف (الكافي): إنه كتاب جليل، عظيم النفع، عديم النظير، فائق على جميع كتب الحديث، بحسن الترتيب، وزيادة الضبط والتهذيب، وجمعه الاصول والفروع، واشتماله على أكثر الاخبار الواردة عن الائمة الاطهار عليهم السلام[7].
وزعم بعض العلماء ان الامام المهدي قال في (الكافي) انه كاف لشيعتنا، وبرأي بعض المحققين ان هذه الحكاية لم يسمعها الكليني نفسه، ولم يعرفها أحد من تلامذته، ولم يكن لها وجود في عصر الغيبة الصغرى، بل ولا سمع بها احد طيلة اكثر من سبعة قرون بعد وفاة الكليني، ذلك لأن أول من نسبت إليه هوالشيخ خليل بن غازي القزويني(المتوفى سنة 1089هـ) وقد يكون سمعها من بعض مشايخ عصره[8]. وسبق لحسن الصدر ان اعتبر هذه الحكاية وهم من قبل المولى خليل القزويني عند شرحه للكافي[9]. بل وحتى المحدث محمد امين الاسترابادي الذي رام أن يجعل أحاديث الكافي وغيره قطعية فانه نفى هذه الحكاية[10].
ولعناية علماء الامامية بكتاب (الكافي) فقد بلغت مخطوطاته في المكتبات الشيعية ما يزيد على الف وستمائة نسخة خطية موزعة بين العديد من دول العالم، كايران والعراق ولبنان وسوريا والحجاز وافغانستان والهند وغيرها، ويرجع تاريخ بعضها الى القرن الرابع الهجري. ومن اهتمام العلماء به انهم شرحوه اكثر من عشرين مرة، وتركوا ثلاثين حاشية عليه، ودرسوا بعض اموره بسبعة عشر كتاباً ضخماً، وترجموه الى غير العربية اكثر من خمس مرات، وطبعوه اثنتين وعشرين طبعة، ووضعوا لاحاديثه والفاظ اصوله من الفهارس ما يزيد على عشرة كتب[11].
وقيل ان (الكافي) يتضمن ثلاثين كتاباً كالذي صرح به الشيخ الطوسي في فهرسته[12]، لكن من المتأخرين من قال انه عبارة عن اثنين وثلاثين كتاباً[13]، وفي الطبعات الحديثة الحالية نجده عبارة عن خمسة وثلاثين كتاباً[14]، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الرواية المعتبرة وسط هذه الاقوال هي رواية الشيخ الطوسي لقدم قوله، فان هناك خمسة كتب غير معلومة تبدو زائدة على الكافي، وربما مدسوسة فيه.
ويبدأ الكافي بكتاب العقل والجهل، ويختتم بكتاب الوصايا وكتاب المواريث وكتاب الروضة، وتبلغ احاديثه عدداً كبيراً تتجاوز الست عشرة الف (16099) حديث[15]، موزعة في ثمانية اجزاء ذات ثلاثة اقسام، يختص الاول منها في الاصول والعقيدة، ويختص الثاني في الفروع والفقه، اما الثالث فهو ذو مسائل متنوعة من المواعظ والسيرة والاخلاق والتفسير وغيرها، وقد اطلق عليها الكليني (روضة الكافي). ويتضمن قسم الاصول ثمانية كتب، اشتملت على (499) باباً وأخرج فيها (3881) حديثاً، ويشتمل فروع الكافي على (26) كتاباً، فيها (1744) باباً، ومجموع أحاديثها (11021) حديثاً، أما قسم الروضة من الكافي فهو كتاب واحد احتوى على ستمائة وستة أحاديث[16]. وفي الكافي هناك الكثير من الاخبار المنقولة عن القدماء وليس عن الائمة[17]. وهو ينفرد بين الكتب الاربعة في اشتماله بقسم يخص احاديث الاصول والعقيدة، كالعلم والتوحيد والولاية والمعاد والايمان والكفر وما الى ذلك. وقيل ان احاديثه تزيد على ما في الصحاح (الستة) لدى اهل السنة كما صرح به الشهيد في (الذكرى) لان أحاديث البخاري اربعة الاف غير المكرر، ومثله احاديث مسلم، وان موطأ مالك مختصر جداً، وهو مع صحيحي الترمذي والنسائي لا يبلغان عدد صحيح مسلم[18]. ومن مميزات الكافي انه يشتمل على ما يطلق عليه بالثلاثيات، وهي من اقسام علو السند، فانه يروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الامام الجواد حديث الخمس، ومثل ذلك انه يروي عن الامامين الهادي والعسكري كثيراً[19]. والثلاثيات قد اشتهر فيها البخاري في صحيحه، حيث له اثنان وعشرون حديثاً منها[20].
اما الكليني فيعد لدى علماء الشيعة من الثقات العظام. وقد قال عنه الشيخ الطوسي انه ثقة عارف بالاخبار[21]. وعرفه الشيخ النجاشي بقوله: ابو جعفر الكليني شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم[22]. كما عرفه ابن الاثير من اهل السنة في كتاب (جامع الاصول) بانه من المجددين لمذهب الامامية على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكر الامام الرضا مجدداً لهذا المذهب على رأس المائة الثانية[23]. وقد عاصر الكليني الغيبة الصغرى للامام المهدي، وذلك زمن السفراء الاربعة (عثمان بن سعيد العمري، وولده محمد، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري) وقيل ان الكليني رغم انه زار العراق وحدث عن بعض مشايخ بغداد - موطن السفراء - لكنه لم يرو عن السفراء الأربعة الا بالواسطة، بل ان الرواية عنهم في الكتب الاربعة قليلة للغاية ولعلها لا تزيد على عشرة أحاديث، من بينها حديثان فقط في اصول الكافي[24]. والبعض يرجح ان الكليني ادرك الامام العسكري وإن لم يرو عنه. كما ادرك الكثير من رجال الحديث الذين عاصروا بعض الائمة المتأخرين ممن صحبوهم وسمعوا منهم ورووا عنهم، وقد تتلمذ على يدهم وسمع منهم وروى عنهم، مثل احمد بن ادريس الاشعري القمي (المتوفى سنة 306هـ) وابن عقدة (المتوفى سنة 333هـ) وعلي بن ابراهيم القمي صاحب التفسير (المتوفى سنة 307هـ) والحسين بن الحسن العلوي الهاشمي، والذي قيل فيه انه دخل على الامام العسكري فهناه بمولد المهدي، ومحمد بن الحسن الصفار صحاب (بصائر الدرجات) ومحمد بن يحيى العطار... الخ[25]. وللكليني كتب عديدة غير الكافي كلها مفقودة، منها كتاب الرد على القرامطة، وكتاب رسائل الائمة، وكتاب تعبير الرؤيا، وكتاب الرجال، وكتاب ما قيل في الائمة من الشعر[26].
هذا بخصوص الكافي وصاحبه الكليني، اما ثاني الكتب الاربعة فهو كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق الذي قاربت مؤلفاته ثلاثمائة مصنف في الحديث[27]. وقد وصل من هذه الكتب الى زمن الحر العاملي ما يقارب عشرين كتاباً، مثل معاني الاخبار وعيون اخبار الرضا وحقوق الاخوان والخصال والامالي واكمال الدين واتمام النعمة وعلل الشرائع وثواب الاعمال والتوحيد وصفات الشيعة وفضائل الشيعة والاعتقادات وغيرها. وللشيخ الصدوق كتاب عده البعض خامس الكتب الاربعة المعتبرة، وهو بعنوان (مدينة العلم) لكنه لم ير له عين ولا اثر بعد زمن العلامة الحلي والشهيدين الاول والثاني[28].
وقد جاء كتاب (من لا يحضره الفقيه) ليكون مرجعاً على شاكلة كتاب (من لا يحضره الطبيب) الذي صنفه محمد بن زكريا الرازي في الطب. وتعد احاديثه اقل عدداً من احاديث (الكافي) حيث تبلغ اكثر من تسعة الاف (9044) حديث في الاحكام والسنن[29]، وهي موزعة على (176) باباً، وقد صرح الصدوق بانه اخرج احاديثه من الكتب المشهورة المعول عليها لدى المحدثين الشيعة انذاك، واستشهد في مقدمته بعدد من هذه الكتب، مشيراً الى انه سعى لما هو صحيح واعتقد انه حجة فيما بينه وبين الله[30].
ومن علماء الشيعة من يرى ان احاديث (من لا يحضره الفقيه) هي ارجح من احاديث غيره من الكتب الاربعة، وذلك نظراً الى زيادة حفظ الصدوق وحسن ضبطه وتثبته في الرواية وتأخر كتابه عن (الكافي) وضمانه فيه لصحة ما يورده، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، وإنما يورد فيه ما يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربه، كالذي جاء في مقدمة كتابه. وبهذا الاعتبار قيل: إن مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار[31]، وهذه الخاصية في الكتاب لا توجد في غيره من كتب الاصحاب[32].
واخيراً يبقى كتابا (تهذيب الاحكام والاستبصار) للشيخ ابي جعفر الطوسي، وهما مختصان في الاحكام الفقهية. ويعد كتاب الاستبصار اختصاراً للتهذيب، وبحسب رأي الشهيد الثاني انه يمكن الاستغناء به عنه[33]. في حين رأى الشيخ الاردبيلي وتابعه النوري وغيرهما من العلماء ان (التهذيب) هو أعظم كتب الحديث في الفقه منزلة، وأكثرها منفعة، ففيه كل ما يبتغيه الفقيه من روايات الاحكام مغن عما سواه في الغالب دون ان يغني عنه كتاب اخر[34]. ولاهميته بلغت نسخه المخطوطة منذ كتابته وحتى عصرنا الحاضر مئات النسخ المنتشرة في اقطار الارض[35]. وقد وضع (التهذيب) لاجل جمع مطلق الاحاديث سواء ما ورد منها على سبيل الوفاق او الخلاف، بخلاف (الاستبصار) الذي اقتصر على الاخبار التي تتصف بالاختلاف والتعارض كالذي نص عليه الطوسي في ترجمته لنفسه في (الفهرست)[36]، وقد اشار في مقدمة (الاستبصار) الى انه اتبع طريقة الجمع بين الاخبار المتعارضة دون اسقاط شيء منها ما امكن ذلك[37].
على هذا امتاز الكتابان بانهما يعالجان، ولاول مرة، مسألة التعارض بين النصوص، كالذي اشار اليه الطوسي في مقدمة الكتابين، حيث قسم الاخبار الى عدد من الخصائص ووضع قواعده في الجمع والترجيح، وهي الطريقة التي مثلت جوهر العملية الفقهية لدى فقهاء الشيعة فيما بعد. ولكتاب التهذيب (393) باباً، واحاديثه تبلغ اكثر من ثلاثة عشر ونصف الف (13590) حديث[38]. اما كتاب الاستبصار فتبلغ ابوابه (925) باباً، واحاديثه تبلغ اكثر من خمسة الاف (5511) حديث، وقد حصرها الطوسي في خاتمة كتابه خشية ان يقع فيها زيادة او نقصان[39]. لكن مع ذلك ذكر الطهراني بان بعض العلماء احصى احاديث هذا الكتاب فحصرها في (6531) حديث، وهو خلاف ما ذكره الشيخ الطوسي[40].
***
تظل مسألة السند في الكتب الاربعة، فالمعروف ان اصحابها قد تعاملوا معها بطرق متغايرة. فقد كان الكليني يذكر السند باستثناء اوله، حيث غالباً ما يذكر اسم الراوي في صدر السند دون وجود ما يشير الى الكيفية التي اتصل بها معه، فهل كان طريقه اليه قد تم عبر الاخذ من الكتب او القراءة او الاجازة او التحديث او العنعنة؟ فهذا ما لا يحدثنا عنه الكليني. وفي احيان نادرة ان الكليني يترك الطريق الى صدر السند تعويلاً على ما سبق ذكره من الاخبار المتقدمة عليه في الباب. كما قد يصدر الكليني سنده بعبارة (عدة من اصحابنا) واحياناً يذكر بدل العدة جماعة من اصحابنا، وبنظر الكثير من المحققين ان ما يقصده بالجماعة هو نفس ما يعنيه بالعدة. وحاول عدد من العلماء تشخيص هؤلاء الجماعة، كالذي فعله المفيد وابن الغضائري والنجاشي والعلامة الحلي. فالعدة لدى الكليني على اصناف، وتحديد اسماءهم يعتمد على ما يذكره من اسم الراوي بعد هذه العبارة. والاصناف المشخصة ثلاثة، وهي التي تتكرر كثيراً، ونقل ان الكليني نص عليها بنفسه، وهناك اصناف اخرى مازالت مجهولة لا يعلم تشخيصها على وجه التحديد، وقد ذكر منها الشيخ الكاظمي ما يقارب عشر روايات[41]، وقيل انها عبارة عن ثلاثة عشر رواية كما أحصاها جماعة من المحدثين بعد ان أهمل الكليني المعنيين فيها ولم ينص على أسمائهم[42].
وبخصوص الاصناف الثلاثة المتكررة فقد جاء بعد احدها قول الكليني: عن احمد بن محمد بن عيسى، وفي الثانية عن احمد بن محمد بن خالد البرقي، وفي الثالثة عن سهل بن زياد. وجاء حول الصنف الاول ما ذكره النجاشي من ان الكليني قال: كل ما ذكرته في كتابي عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى، فهم: محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكميذاني وداود بن كورة واحمد بن ادريس وعلي بن ابراهيم بن هاشم[43]. كما جاء حول الصنف الثاني قول الكليني كما نقله الحلي في (الخلاصة): كلما ذكرته في كتابي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد البرقي فهم: علي بن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله بن اذينه وأحمد بن عبد الله بن امية وعلي بن الحسن[44]. واثبت جماعة في هذه العدة محمد بن يحيى العطار[45]. لكن الكليني اشار الى هذا الصنف في كتاب العتق من الكافي، وفيه بعض الاسماء المختلفة عما سبق[46].
هذا بخصوص الكليني، أما الشيخ الصدوق فقد ذكر في مقدمة كتابه انه حذف الاسانيد واختصرها كي لا تكثر طرق الرواية، لكنه عرّف بها من خلال فهرست الكتب التي رواها عن مشايخه واسلافه ليتم اتصال سنده[47]، وذلك انه وضع في اخر الكتاب مشيخة يعرف بها طريقه الى من روى عنه.
ومثال طريقته في اختصار السند انه روى احاديث عن الامام الصادق عن طريق عمار بن موسى الساباطي، ثم قال في مشيخته اخر الكتاب: كل ما كان في هذا الكتاب عن عمار بن موسى الساباطي فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن سعيد بن عبد الله عن أحمد بن الحسن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي[48].
في حين جمع الطوسي بين طريقتي سابقيه، فقد يذكر في كتابيه (التهذيب والاستبصار) جميع السند كما في (الكافي) كما قد يختصر بحذف بداياته كما في (من لا يحضره الفقيه). وقد اشار في خاتمة الاستبصار الى مسلكه في ايراد الاحاديث باسانيدها كما في الجزء الاول والثاني من الاستبصار، لكنه اختصر ما جاء في الجزء الثالث وعول على الابتداء بذكر الراوي الذي اخذ الحديث من كتابه او اصله، ثم ترك مسألة وصل الاسانيد التي توصل الى هذه الكتب والاصول الى اخر الكتاب[49]. وكذا فعل في التهذيب، حيث غالباً ما كان يذكر السند كاملاً، وفي الباقي يعمل على بتر مقدمة السند فينقل رأساً عن الاصل ويترك ذكر طريقه اليه ويستدرك المتروك في اخر كتابيه، فوضع له مشيخته المعروفة لتخرج بذلك عن حد المراسيل وتلتحق بباب المسندات، والمشيخة في الكتابين واحدة غير مختلفة، وقد ذكر فيها جملة من الطرق الى اصحاب الحديث ممن صدر الحديث بذكرهم وابتدأ باسمائهم، لكنه لم يستوف الطرق كلها ولا ذكر الطريق الى كل من روى عنه بصورة التعليق، بل ترك الاكثر لقلة روايته عنهم، واحال التفصيل الى فهارست الشيوخ المصنفة في هذا الباب[50].
والمثال على طريقة الطوسي في اختصار السند ثم العمل على وصله فيما بعد، ما ذكره من روايات عن محمد بن يعقوب الكليني، حيث قال: >فما ذكرته عن محمد بن يعقوب الكليني فقد اخبرنا به الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب، واخبرنا به ايضاً الحسين بن عبيد الله عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري... الخ[51].
هذه هي خصائص الكتب الاربعة المعتبرة، ومنها تتبين خصوصية هذا الطور في جمع الحديث، سواء ما عرف فيما بعد بالضعيف منه او الصحيح. وقد استمر العمل بهذا الطور قرنين من الزمان بعد الطوسي، ثم ظهر على اعقابه طور جديد له خصوصية النقد والتحقيق كالذي تحدثنا عنه في دراسة مستقلة..
[1] اعيان الشيعة، ج1، ص144
[2] تأسيس الشيعة، ص289ـ290
[3] رجال النجاشي، ص377
[4] المفيد: تصحيح الاعتقاد، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، عدد (5) ص70
[5] حسين النوري الطبرسي: خاتمة مستدرك وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج3، الفائدة الرابعة، ص477ـ478
[6] عباس القمي: الكنى والالقاب، ج2، فقرة هرون بن موسى التلعكبري، المكتبة الجعفرية الالكترونية www.aljaafaria.com
[7] نهاية الدراية، ص539ـ540
[8] ثامر هاشم حبيب العميدي: مع الكليني وكتابه الكافي، مجلة علوم الحديث، العدد الاول، 1418هـ، ص238، عن موقع الحوزة الالكتروني www.hawzah.net/Arb/Magazine
[9] نهاية الدراية، ص540
[10] خاتمة المستدرك، ج3، ص470
[11] ثامر هاشم حبيب العميدي: دفاع عن الكافي (1) باب كتاب الكافي، مكتبة فقه الاسلام الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته) www.islamicfeqh.com
[12] الفهرست، ص135.
[13] انظر: محمد باقر الخوانساري: روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، الدار الاسلامية، بيروت، الطبعة الاولى، 1411هـ ـ1991م، ج6، ص109، ومحمد مهدي بحر العلوم: الفوائد الرجالية، حققه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، نشر مكتبة الصادق، طهران، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج3، ص332}، بل وقيل كذلك انه خمسون كتاباً { روضات الجنات، ج6، ص106ـ107
[14] انظر معجم رجال الحديث، ج11، ص423ـ424
[15] تأسيس الشيعة، ص288
[16] مع الكليني وكتابه الكافي، ص262
[17] الوحيد البهبهاني: رسالة الاجتهاد والاخبار، وهي ملحقة خلف عدة الأصول للشيخ الطوسي مع حاشية في الأخير، طبعة حجرية، مطبعة ميرزا حبيب الله، دار الخلافة بطهران، 1317هـ، ص69
[18] نهاية الدراية، ص517 و542، لكن هذه خمسة صحاح لا ستة.
[19] نهاية الدراية، ص542
[20] حاجي خليفة: كشف الظنون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص542، والرسالة المستطرفة، ص97.
[21] فهرست الطوسي، ص135
[22] رجال النجاشي، ص377
[23] روضات الجنات، ج6، ص107
[24] مع الكليني وكتابه الكافي، ص233
[25] عبد الحسين المظفر: الشافي في شرح اصول الكافي، مطبعة الغري الحديثة، النجف، الطبعة الثانية، 1389هـ ـ1969، ج1، ص27ـ30
[26] رجال النجاشي، ص377، وفهرست الطوسي، ص135
[27] فهرست الطوسي، ص157
[28] روضات الجنات، ج6، ص126 و127
[29] تأسيس الشيعة، ص288، واعيان الشيعة، ج1، ص144
[30] الصدوق: من لا يحضره الفقيه، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، الطبعة الثانية، 1404هـ، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، المقدمة، ص3
[31] عرف محمد بن ابي عمير - وهو من اصحاب الامام الكاظم - انه لا يروي الا عن ثقة؛ سواء كانت روايته مسندة او مرسلة. واصل هذه الدعوى تعود الى الشيخ الطوسي في (عدة الاصول) حيث نص على ثلاثة رجال لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة، هم محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وان كان الطوسي ذاته يناقش احياناً بعض روايات هؤلاء بدعوى انها مرسلة، كما وجد المحقق الخوئي ان هؤلاء كانوا ايضاً يروون عن الضعفاء، وقد ذكر الشيخ الطوسي جملة منها رغم انه ادعى انهم لا يروون عن الضعفاء (معجم رجال الحديث، ج1، ص61ـ63).
[32] خاتمة مستدرك وسائل الشيعة، ج4، ص6.
[33] روضات الجنات، ج6، ص106
[34] خاتمة مستدرك وسائل الشيعة، ج6، ص13، وانظر ايضاً: روضات الجنات، ج6، ص205، واعيان الشيعة، ج9، ص161، ونهاية الدراية، ص579.
[35] اعيان الشيعة، ج9، ص161.
[36] الفهرست، ص160.
[37] حيث نقل ما سأله جماعة من الاصحاب عن تصنيف كتاب جامع للاحاديث المتعارضة، وقال: >سألوني تجريد ذلك وصرف العناية الى جمعه وتلخيصه وان ابتدئ في كل باب بايراد ما اعتمده من الفتوى والاحاديث فيه ثم اعقب بما يخالفها من الاخبار وابين وجه الجمع بينها على وجه لا اسقط شيئاً منها ما امكن ذلك فيه، واجري في ذلك على عادتي في كتابي الكبير المذكور وان اشير في اول الكتاب الى جملة مما يرجح به الاحاديث بعضها على بعض ولأجله جاز العمل بشيء منها دون جميعها، وانا مبين ذلك على غاية من الاختصار (مقدمة الاستبصار، ج1، ص3).
[38] تأسيس الشيعة، ص289، كذلك: اعيان الشيعة، ج1، ص144، وج9، ص161
[39] قال الطوسي في خاتمته للاستبصار: واعلموا ايدكم الله اني جزأت هذا الكتاب ثلاثة اجزاء، الجزء الاول والثاني يشتملان على ما يتعلق بالعبادات، والثالث يتعلق بالمعاملات وغيرها من ابواب الفقه، والاول يشتمل على ثلثمائة باب يتضمن جميعها الفاً وثمانمائة وتسعة وتسعين حديثاً، والثاني يشتمل على مائتين وسبعة عشر باباً يتضمن الفاً ومائة وسبعة وسبعين حديثاً، والثالث يشتمل على ثلثمائة وثمانية وتسعين باباً يشتمل جميعها على الفين واربعمائة وخمسة وخمسين حديثاً. ابواب الكتاب تسعمائة وخمسة وعشرون باباً تشتمل على خمسة آلاف وخمسمائة وأحد عشر حديثاً حصرتها لئلا يقع فيها زيادة او نقصان (الاستبصار، ج4، الخاتمة).
[40] اغا بزرك الطهراني: الذريعة الى تصانيف الشيعة، دار الاضواء، بيروت، ج2، ص14.
[41] عدة الرجال، ج1، ص215ـ217
[42] هاشم معروف الحسني: دراسات في الحديث والمحدثين، ص141، عن شبكة الشيعة العالمية www.shiaweb.org
[43] رجال النجاشي، ص378
[44] يوسف بن المطهر الحلي: خلاصة الاقوال في معرفة الرجال، تحقيق جواد القيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة الاولى، 1417هـ، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص430
[45] عدة الرجال، ج1، ص212
[46] عدة الرجال، ج1، ص213}. كذلك جاء حول الصنف الثالث من ان الكليني قال: كلما ذكرته في كتابي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم: علي بن محمد بن علان ومحمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ومحمد بن عقيل الكليني {خلاصة الاقوال، ص430
[47] من لا يحضره الفقيه، ج1، المقدمة، ص3
[48] من لا يحضره الفقيه، ج4، المشيخة، ص422
[49] الاستبصار، ج4، ص305
[50] انظر: بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج4، ص74ـ75، وخاتمة المستدرك، ج6، ص13، وروضات الجنات، ج6، ص220، واعيان الشيعة، ج9، ص162.
[51] الاستبصار، ج4، ص305 وما بعدها.