إختلف الأُصوليون من أهل السنة حول وجوب تقليد الأعلم، وكانت مطارحاتهم في هذا الموضوع عن الأعلمية لا تتعدى أحياناً حدود البلد الواحد، وإن كانت أحياناً أُخرى يقصد منها الشمول والإطلاق([1]). فبعضهم قال بالوجوب وألزم العامي الإجتهاد في أعيان المفتين من الأورع والأدين والأعلم. ونُقل أن هذا هو مذهب أحمد بن حنبل وإبن سريج والقفال من أصحاب الشافعي وجماعة أُخرى من الفقهاء والأُصوليين؛ الذين إعتبروا أقوال المفتين في حق العامي تنزل منزلة الدليلين المتعارضين في حق المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح بين الدليلين فإنه يجب على العامي الترجيح بين المفتين. وأيضاً لأن طريق معرفة هذه الأحكام إنما هو الظن، والظن في تقليد الأعلم والأدين أقوى، فكأن المصير إليه أولى([2]).
وفي القبال ذهب القاضي أبو بكر وابن حاجب واكثر الحنابلة وجماعة من الأصوليين والفقهاء إلى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء؛ سواء تساووا أم تفاضلوا. وقيل أن هذا الإتجاه هو ما ذهب إليه أكثر علماء السنة([3]). وكانت حجتهم الرئيسية في ذلك هي سيرة الصحابة من حيث أن فيهم الفاضل والمفضول، ومع ذلك فقد كان الناس يتبعون ما حلى لهم منهم دون نكير، إذ لم يُنقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام بالإجتهاد في أعيان المجتهدين، ولا أنكروا منهم إتباع المفضول والإستفتاء منه مع وجود الأفضل([4]). وقد إختار الآمدي هذا الرأي معتبراً أن العامي ليس بوسعه معرفة الأعلم دون معرفة مآخذ المجتهدين ووجه الترجيح فيه، الأمر الذي يخرجه عن العامية ويمنعه من جواز الإستفتاء، فكل ما بوسعه أن يعلم هو أنهم جميعاً من أهل الإجتهاد والإختصاص([5]).
***
أما في الساحة الشيعية فإن فكرة الأعلمية تُعد من القضايا المركزية لدى تفكير المتأخرين والمعاصرين، وذلك لما لها من علاقة بالمرجعية ونيابة الإمام الغائب.
وعموماً ذهب الغالبية من علماء الشيعة المتأخرين إلى وجوب تقليد الأعلم، وخالفهم في ذلك عدد من العلماء قالوا بعدم الوجوب، كما هو منسوب إلى جمع ممن تأخر عن الشيخ زين الدين العاملي المعروف بالشهيد الثاني، وحكاه إبنه الشيخ حسن عن بعض الناس([6]). كما ذهب بعض ممن تأخر عنهم إلى هذا الإتجاه، ومنهم الأصفهاني صاحب (الفصول الغروية)([7])، والنجفي صاحب (جواهر الكلام)([8])، والنراقي صاحب (مستند الشيعة)([9])، وجماعة من المعاصرين. كما نُقل أن هذا الرأي قد قال به المحقق ومال إليه الأردبيلي بحسب الظاهر([10]). لكن إن كان المقصود بالمحقق هو المحقق الأول (نجم الدين الحلي)؛ فالحقيقة أن ما نُسب إليه يخالف ما جاء عنه في كتاب (معارج الأُصول)، إذ قال بوجوب تقليد الأعلم عند الإختلاف([11]). وممن ذهب الى هذا الاتجاه من عدم وجوب تقليد الأعلم كل من الشيخ محمد رضا آل ياسين في حاشيته على كتاب (العروة الوثقى) والميرزا محمد التنباكي في رسالة (التقليد)([12]).
وذكر الفيروز آبادي صاحب (عناية الأُصول) إن القول بجواز تقليد المفضول قد ذهب إليه جملة من متأخري أصحابنا «حتى صار في هذا الزمان قولاً معتداً به»([13]).
مفهوم الأعلمية والخلاف حوله
لم يُعالج مفهوم الأعلمية ويحدد ضابطه إلا منذ فترة قريبة ربما لا تزيد على قرنين من الزمان. فقد إختلف الفقهاء حول هذا الضابط، إذ ذكر بعضهم في (المهذب) بأن الأعلمية هي من الموضوعات العرفية، لذلك فإن محتملات معانيها عبارة عن أربعة: فإما إن معنى الأعلم هو أن يكون أكثر علماً من غيره، أو أن يكون أكثر إستحضاراً للفروع الفقهية ومسائلها، أو يكون أقرب إصابة إلى الواقع، أو أنه أجود فهماً وأحسن تعييناً للوظائف الشرعية([14]).
بينما ذهب الشيخ أحمد النراقي، إستناداً لبعض الروايات، إلى أن المراد بالأعلمية هو الأعلمية في الأحاديث وفي دين الله. فتارة تكون الأعلمية في الأحاديث بأكثرية الإحاطة بها والإطلاع عليها، وأُخرى بالأفهمية والأدقية وأكثرية الطور فيها، وثالثها بزيادة المهارة في إستخراج الفروع منها وردّ جزئياتها إلى كلياتها، ورابعها بزيادة المعرفة بصحيحها وسقيمها وأحوال رجالها وفهم وجوه الخلل فيها، وخامسها بأكثرية الإطلاع على ما يتوقف فهم الأخبار عليها من علم اللغة والنحو وغير ذلك، وسادسها باستقامة السليقة ووقادة الذهن وحسن الفهم فيها، وسابعها بأكثرية الإطلاع على أقوال الفقهاء التي هي كالقرائن في فهم الأخبار ومواقع الإجماعات وأقوال العامة ـ أهل السنة - التي هي من المرجحات عند التعارض، كذلك فهم القرآن. فالأعلم الذي يجب تقديمه بلا أدنى شك هو الأعلم بجميع تلك المراتب أو في بعضها مع التساوي في الباقي، وإلا فإنه يشكل الحكم بالتقديم، ومن ذلك يظهر ندرة ما يحكم فيه بوجوب التقديم البتة([15]).
وعند الأصفهاني صاحب (الفصول الغروية) أن مما يدخل ضمن (الأعلمية) هو أن يكون المجتهد أقوى من غيره في معرفة مضامين العلوم التي يتوقف عليها الإجتهاد، كالعربية والأُصول والرجال، مضافاً إلى أن تكون له إعتبارات قوة الحفظ، أو الذكاء، أو كثرة التأمل، أو كثرة الإطلاع، أو سعة الباع في الفكر والتصرف، أو إعتدال السليقة، أو زيادة التحقيق، أو التدقيق، أو أقدمية الإشتغال ومزيد الإستيناس. لكنه إستدرك بأن من الممكن أن يتحقق التعارض بين هذه الوجوه، لهذا فهو يرى أن إعطاء ضابط للأمر يعد متعذراً على الظاهر([16]).
ولدى اليزدي صاحب (العروة الوثقى) أن المراد بالأعلم هو أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر إطلاعاً لنظائرها وللأحاديث، وكذلك أجود فهماً لهذه الأحاديث، وبالتالي فالحاصل هو أن يكون أجود إستنباطاً من غيره([17]).
ولدى الفيروز آبادي صاحب (عناية الأُصول) أن الأعلم هو من له ملكة أقوى وسلطة أشد في الإستنباط([18]). ومثل هذا ما ذكره محمد تقي الحكيم، حيث أن الأعلم بنظره هو أن يكون المجتهد أقوى ملكة من غيره في مجالات الإستنباط، لا الأوصلية إلى الواقع لعدم إمكان إحرازها في الغالب([19]).
ولدى محمد الجواد العاملي صاحب (مفتاح الكرامة) أن الفاضل هو من يتبع المآخذ ويصيب في الفكر، لكن الأفضل هو من له هاتان الخصلتان إلا أن خطأه أقل([20]).
أما الخوئي فإنه يعتمد في تحديد الأعلم على بناء العقلاء والعقل. فهو ينفي أن يكون معناه مستمداً من شدة الإقتدار في معرفة القواعد والكبريات أو المبادئ التي تُستنتج بها الأحكام؛ كما إذا كان المجتهد في المطالب الأُصولية أقوى من غيره، كذلك ينفي أن يكون المراد به أكثرية الإحاطة بالفروع والتضلع في الكلمات والأقوال، بل المراد بالأعلم عنده هو أن يكون المجتهد أشد مهارة من غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها وأقوى إستنباطاً وأمتن إستنتاجاً للأحكام عن مبادئها وأدلتها، وهو ما يتوقف على علمه بالقواعد والكبريات، وحسن سليقته في تطبيقه على صغرياتها، فلا يكفي أحدهما ما لم ينضم إليه الآخر. فمثل ذلك كمثل الطبيب الأعلم في نظر العقلاء، حيث أنه أعرف بتطبيق الكبريات الطبية على مصاديقها([21]).
وشبيه بذلك ما لدى صاحب (التهذيب)، حيث أن الأعلم عنده هو من كان أجود فهماً في تطبيق الفروع على مداركها وأجود إستنباطاً للوظائف الشرعية([22]).
وأخيراً - وبسبب التحول السياسي عند الشيعة - فإن هناك من يرى أن من ضمن ما يدخل في ملاك الأعلمية هو أن يكون للمجتهد معرفة بأوضاع زمانه بالمقدار الذي له مدخلية في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية، كما هو رأي الولي الفقيه السيد علي الخامنئي. وقبله كان الإمام الخميني يرى أن من الواجب على المرجع أن يكون عالماً بالأُمور السياسية والعسكرية والإجتماعية والقيادية كافة([23]). فربما يكون ذلك داخلاً ضمن عنوان الأعلمية. وهو أمر له مساس بتأثير الواقع والحاجات الزمنية على الفهم الفقهي وتطويره. بل تبعاً لهذا التأثير لم يكتفِ بعض الفقهاء الجدد من التأكيد على شرطية معرفة الأُمور السياسية والإجتماعية والإقتصادية داخل النظام الإسلامي؛ إنما ذهب إلى أكثر من ذلك فاعتبر أن من لم يحرز مثل هذه الأُمور فليس بمجتهد بالمرة، وذلك باعتبار أن الفقه الشيعي حديث العهد بها، وهي تشكل ما يقارب (95%) من مجموع الأحكام الكلية.
فكما يقول الشيخ الجناتي: إن «مفهوم الأعلمية اليوم - حيث هناك نظام إسلامي قائم - هو غير مفهوم الأعلمية في السابق، ولأن الأعلم في السابق هو الذي يكون أعلم المجتهدين الآخرين في إطار مسائل الرسالة العملية والتي تشمل نوعاً ما على المسائل الفردية والعبادية وهي تشكل (5%) فقط من مجموع الأحكام، أما اليوم فالمجتهد الأعلم هو أعلم من سائر المجتهدين في جميع المسائل التي يحتاجها الفرد؛ سياسية، عبادية، إقتصادية، إجتماعية، بالإضافة إلى مسائل العلاقات الدولية والمسائل الحكومية. لهذا يجب أن تحرز هذه الأُمور في الشخص الذي يطرح باعتباره الأعلم، وبدونها لا يمكن أن نعتبره الأعلم. بل يمكن أن لا نعتبره مجتهداً؛ لأن أدلة الفروع الموجودة في الرسائل العملية واضحة ولا تحتاج إلى بذل الوسع والإجتهاد...إن الفقيه الذي لا يلم بالمسائل التي يواجهها النظام الإسلامي والتي تشكل (95%) من مجموع الأحكام، ويكتفي بالمسائل والأحكام الفردية والعبادية في حدود الرسالة العملية ـ التي تكررت مئات المرات ـ فقط؛ لا يمكن أن يكون مجتهداً مطلقاً»([24]).
أدلة جواز تقليد المفضول
من أهم الأدلة التي قدمها المجوزون لإثبات عدم وجوب تقليد الأعلم ما يلي:
1 ـ دليل إطلاق الأدلة
إستدل المجوزون لتقليد المفضول ببعض الآيات والأخبار التي تأمر بإرجاع الناس إلى الفقهاء من دون تخصيص للأعلمية ولا التقييد بها، كآية الانذار: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون))، وكرواية أحمد بن حاتم بن ماهويه الذي كتب هو وأخوه إلى الإمام أبي الحسن الثالث يسألانه عمن يأخذان دينهما، فكتب الإمام يجيبهما بالقول: «فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى»([25])، وكمشهورة أبي خديجة: «إجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً»([26])، كذلك المقبولة والتوقيع وغيرها من الروايات.. كما أن الأئمة أرجعوا الناس الى أشخاص معينين من الأصحاب دون تمييز لهم من جهة الأعلمية؛ كيونس بن عبد الرحمن ومحمد بن مسلم وزرارة بن أعين وزكريا بن آدم وغيرهم. بل نُقل عن الرسول (ص) إنه كان يولي بعض أصحابه القضاء مع حضور أمير المؤمنين علي الذي هو أقضاهم، حتى قال محمد بن مكي العاملي صاحب كتاب (الدروس الشرعية): «لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم إليه فله رد الحكم إلى غيره إجماعاً»([27]). لذلك إعتبر النجفي صاحب (جواهر الكلام) أن أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل؛ هو من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها([28]).
ويعد هذا الدليل عمدة أدلة المجوزين، لكنه نوقش بأنه يصدق في الرد على القائلين بعدم جواز تقليد المفضول مطلقاً. إذ إستدرك جماعة من العلماء وقالوا إن الإطلاق في أدلة الكتاب والسنة مقيد بعدم العلم بالخلاف بين العالم والأعلم، وبالتالي فإن علم العامي بالخلاف بينهما لا يشمله ذلك الإطلاق([29]). أو على حد قول البعض إن تلك الأدلة إنما كانت بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم، لا في كل حال، إذ إنها لم تتعرض الى حالة ما إذا كانت هناك معارضة في الفتوى بين العالم والأعلم أم لا([30]).
لذا فبحسب هذه المناقشة وعلى رأي السيد الخوئي يكون الإمام قد أرجع الناس إلى أصحابه لعدم علمه بمخالفتهم له فيما يفتون به. إذ لا يُحتمل أن يُرجع الناس إليهم مع العلم بهذه المخالفة[31]. مما يعني أن الإمام لا يعول بالرجوع إلى الموثوقين جميعاً فيما لو علم أنهم يختلفون فيما بينهم، فهذا الإختلاف يقتضي في حد ذاته الإختلاف معه، لأن الحق لا يكون في الأمرين المتضادين. مع أن الخوئي في محل آخر سلّم بأن الخلاف بين أصحاب الأئمة كثير، بل هو الأمر الغالب، ومع ذلك فهو يعتبرهم - جميعاً - حجة ما دام الناس لا يعلمون الخلاف فيما بينهم[32].
لكن الإشكال ما زال قائماً، إذ ليس من المعقول أن لا يعلم الإمام بالخلاف بين أصحابه عند ارجاعه الناس إليهم. كما إن العادة قاضية بأن كثرة الخلاف تجعل الناس يدركون ذلك، مع أنه لم ينقل أن هؤلاء كانوا آنذاك مبتلين بمشكلة الأعلمية والترجيح بين الفاضل والمفضول، خاصة وقد ورد في بعض الأخبار أن من الناس من كان يرجع إلى الإمام ليستوضح أمر الخلاف بين الأصحاب، وكان الإمام على علم بذلك، أو أنه أراد أن يكون بينهم الخلاف لأغراض التقية، ولم يرد أيّ ذكر يتعلق بالأعلمية، مما يعني أن الظاهر عدم وجوب التقييد بها مطلقاً.
وبهذا يمكن دفع الشبهة التي طرحها السيد الخوئي، إذ إعتبر الإطلاق في أدلة الكتاب والسنة لا يشمل المتعارضين كي لا يستلزم الجمع بين المتنافيين إذا ما أُخذا معاً، اذ الأخذ بأحدهما المعين دون الآخر هو ترجيح بلا مرجح، كما أن التخيير فيما بينهما لا دليل عليه، وبالتالي فمقتضى القاعدة هو التساقط في كل دليلين متعارضين[33]. لكن الظاهر من دليل الإطلاق هو التخيير، فمن جهة إن عدم وجود المقيد لهذا الإطلاق يُبقي الإطلاق على حاله، وإعتبار القيد في الإطلاق ببعض الحالات والصور يحتاج إلى دليل، وهو منفي في مقام الإستدلال بالشرع كما سيتوضح لنا أكثر. كذلك فإن مقتضى التسليم بكثرة الخلاف بين أصحاب الأئمة يفضي كما عرفنا إلى حصول العلم بالخلاف وبالتالي قبول إتباع المفضول مع وجود الفاضل، أي عدم وجوب إتباع الأعلم.
2 ـ دليل سيرة المتشرعة
قال المجوزون لتقليد المفضول انه جرت السيرة على رجوع المتشرعة في المسائل التي يبتلون فيها إلى أيّ عالم دون فحص وتمييز يخص الأعلمية، مما يعني عدم وجوب إتباع الأعلم. بل أصبح من المعلوم أن الصحابة كانوا يفتون الناس رغم إختلافهم بالفضيلة من دون نكير، فيكون هذا إجماعاً منهم، كما أشار إلى ذلك زين الدين العاملي صاحب (مسالك الأفهام)([34]).
لكن واجه هذا الدليل نقداً لا يختلف عن نقد دليل الإطلاق، حيث أن سيرة المتشرعة تصدق فيما لو لم يُعلم بحالة الخلاف بين العالم والأعلم، أما مع العلم بها فلا دليل من السيرة على ذلك([35]). وأكثر من هذا إدعى السيد الخوئي أن السيرة جارية على الأعلم عند العلم بحالة الخلاف، لكنه لم يأتِ بشاهد على دعواه، بل قفز فجأة ليقرر أن إعتبار ذلك لا يختلف عما يجري ضمن السيرة العقلائية، كالرجوع إلى الطبيب الأعلم في أخذ العلاج عند العلم بالإختلاف بينه وبين طبيب آخر أقلّ علماً منه([36]).
والحقيقة أن كثرة الخلاف الذي حصل لدى المتشرعة، سواء لدى صحابة النبي (ص) أو التابعين أو أصحاب الأئمة؛ كل ذلك يجعل من دليل السيرة شاملاً للعلم بالخلاف، حيث من المستبعد أن تكون تلك الكثرة في الخلاف حاصلة دون علم الناس آنذاك، مع أنه لم ينقل عنهم أنهم إبتلوا بمشكل الأعلمية، بل كان من الواجب أن ينبه على ذلك نفس المتشرعة كي لا يضل الناس بهم. لكن حيث أن ذلك لم يرد أبداً، بل الوارد هو أن المتشرعة أمضوا على سيرة إتباع الناس لهم من دون نكير مع علمهم بذلك، فدلّ هذا الأمر بما لا يقبل الشك على أن دليل السيرة شامل لحالة العلم بالخلاف.
ولا غرابة في هذا الأمر، فربما كان جواز إتباع المفضول مع وجود الأفضل للمسامحة والتيسير، أو باعتبار أن زيادة الفضل مبالغة في الإختيار دون اعتبارها شرطاً في الإتباع أو التقليد، وهو الأقرب، باعتبار أن المفضول لا يختلف عن الأفضل من جهة الإختصاص وكونه عالماً يستحق الإتباع.
3 ـ دليل السيرة العقلائية
ومفاد هذا الدليل هو الرجرع إلى غير الأعلم في جميع الحرف والصنايع، كمراجعة الناس للأطباء والمهندسين وغيرهم من أرباب العلوم والفنون، وحيث لم يرد ردع عن هذا الرجوع في الشريعة، فإنه يستكشف إمضاء الشرع له. لكن القائلين بقيد العلم بالخلاف إعتبروا هذه السيرة جارية في حالة عدم العلم بالخلاف، أما مع العلم بالخلاف فالأمر معكوس، حيث يكون الرجوع للأعلم([37]).
وهناك من فصّل في الأمر معتبراً أن الرجوع للأعلم من أهل الخبرة يحصل فيما لو كانت القضايا مهمة، أما لو لم تكن مهمة فربما يمكن الرجوع إلى أيّ منهم دون شرط الأعلمية. لكنه عدّ المسائل الدينية كلها مهمة بنظر الشارع، لهذا كان من الواجب عنده التعويل على الأعلم([38]).
لكن سنؤجل مناقشة هذا الدليل، وكل ما يمكن قوله - هنا - هو أن صدق الدليل الشرعي؛ سواء من حيث الأدلة في الإطلاق، أو من حيث سيرة المتشرعة، يعد متقدماً على دليل السيرة العقلائية، وبالتالي فهذا الدليل لا يزاحم الدليل الشرعي ولا يرجح عليه؛ على فرض معارضته له.
4 ـ دليل العسر والحرج
سبق أنْ تبين لنا الاختلاف في تحديد ضابط الأعلمية، وهذا الإختلاف لا يدع مجالاً للعامي معرفة من هو الأعلم، اذ تصبح الأعلمية أمراً نسبياً، وبالتالي ليس بإمكانه أن يقلّد في مثل هذه القضية، إلا أن يجتهد بنفسه في هذا الحد كسائر المجتهدين، وهو خلاف ما يُلاحظ عند عامة الناس من قصور. ولو أخذنا بالرأي الذي يرى الأعلمية قد تختلف من مسألة إلى أُخرى، ومن ثم يكون الفقيه أعلم من غيره في بعض المسائل دون بعض آخر، كما هو رأي السيد الخوئي؛ فإن ذلك سوف يضاعف من العسر في معرفة الأعلم من الفقهاء، فيظل المقلّد متردداً في المسائل بين تقليد هذا أو ذاك في أيّ مسألة أو موضوع معين. يضاف إلى أنه حتى مع معلومية الضابط، وبغض النظر عن نسبية الأعلمية تبعاً لإختلاف المسائل والموضوعات من هنا وهناك، فإن هناك مشكلة أُخرى تتحدد في تشخيص الأعلم بين العلماء، خصوصاً وأهل الخبرة كثيراً ما يختلفون فيما بينهم حول ذلك، ومن ثم لا ينفع الشياع الذي كثيراً ما يتأثر بعوامل أُخرى سياسية ودعائية تفسد عملية تشخيص الأعلم، كما هو بيّن للعيان في أيامنا هذه.
لذلك ليس من الصحيح ما يذكره الفقهاء، ومنهم السيد الخوئي، من أن قضية تقليد الأعلم هي مثل سائر العلوم الأُخرى تثبت بالعلم الوجداني والشياع المفيد لهذا العلم وبالبينة، وبالتالي ليس هناك من حرج([39]). مع أن جميع ما ذكره يُعد من موارد إختلاف المقلّدين ومن موضع إبتلائهم، خاصة في أيامنا الحاضرة.
نعم قد يقال، كما قال الآخوند الخراساني، بأن تشخيص الأعلمية ليس بأشكل من تشخيص أصل الإجتهاد([40]). لكنّا سبق أن أشرنا وسنعرف بأن موقف العامي من الإجتهاد لا بد أن يستند إلى منطق مغاير هو منطق النظر، وكذا الحال في قضية الأعلمية. ولا ينفع ما ذكره هذا الأُصولي من أن قضية نفي العسر هو الإقتصار على موضع العسر فيجب تشخيص الأعلمية أو أصل الإجتهاد فيما لا يلزم عنه عسر([41])، وذلك لأنّا علمنا بأن الحرج يعم كافة المقلّدين من جوانب متعددة، وليس هناك مخرج إلا بالإجتهاد أو إتباع طريقة النظر كحل معقول ومشروع.
أدلة وجوب تقليد الأعلم
أما الأدلة التي قُدمت لإثبات وجوب تقليد الأعلم فهي كالآتي:
1 ـ دليل الإجماع
حكي الإجماع عن الشريف المرتضى في ظاهر (الذريعة) والمحقق الثاني؛ على وجوب الترافع إبتداءاً إلى الأفضل وتقليده([42]).
ويعد هذا الإجماع من الإجماع المدعى الذي لا يفيد علماً. وقد يكون الإجماع الذي إدعاه المرتضى مبنياً على مسألة الإمامة العظمى كما أشار إلى ذلك النجفي صاحب (جواهر الكلام)، وهو في غير ما نحن بصدده من بحث.
2 ـ دليل الأخبار
من الأخبار التي استدل بها العلماء على وجوب تقليد الأعلم مقبولة عمر بن حنظلة كما سبق عرضها، اذ تدل على ترجيح الأفقه. لكن المقبولة ضعيفة. يضاف إلى أنها أجنبية عن المقام حيث وردت بخصوص القضاء؛ فاعتبارها تنطبق على التقليد يعني تجاوزاً لذلك الخصوص، مع أن مسائل القضاء وفض المنازعات تحتاج إلى البتّ في الحكم من دون تخيير وإلا ترتبت المفاسد، وهو خلاف ما يحصل في التقليد عادة. أيضاً ورد في المقبولة ترجيح العدالة والأصدقية، حيث قال الإمام: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث»، وهما من الأُمور التي لم تؤخذ بنظر الإعتبار لدى القائلين بوجوب الأعلم، فالتعويل على المقبولة في المقام إن صحّ فإنه لا يتحقق بشطرها وأخذ بعض مضامينها دون البعض الآخر.
كذلك فإنه على رأي السيد الخوئي أن القائلين بالأعلمية إنما يستندون الى الأعلم مطلقاً وليس إلى الأعلم النسبي كما هو مفاد ما جاء في المقبولة[43]. وإن كان قد يجاب على ذلك من حيث أن هناك وحدة مناط متحققة بين الأمرين. فلو أن التعويل على الأفقه في المقبولة هو لأن حكمه يقتضي الأقربية إلى واقع الحكم الإلهي؛ فإن هذا الشأن من الأقربية يبقى كما هو، سواء كان الإختلاف بين إثنين مثلما ورد في المقبولة أو أنه بين جمع كبير، ولا فرق بين الأمرين ولا خصوصية تتعلق بأحدهما دون الآخر.
أخيراً فإن التعويل على المقبولة قد يستنتج منه عدم وجوب تقليد الأعلم لوجود الإطلاق فيها قبل فرض حصول الخلاف والعلم به، حيث جاء في النص قول الإمام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا..»، إذ لم يقل: (ينظران إلى الأفضل منكم). وهو صحيح.. لكن عند العلم بالخلاف فالأمر مغاير، حيث يكون الأفقه هو المرجح في الأخذ والتعويل دون المفضول، كما أشارت اليه المقبولة فيما بعد.
وينطبق أغلب ما ذكرناه بخصوص المقبولة على ما جاء في بعض الروايات التي وردت - هي الأُخرى - بخصوص القضاء والحكم لا الفتوى، كما في رواية داود بن الحصين: «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه»([44])، ورواية موسى بن أكيل عن الإمام الصادق، حين سُئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق، فيتفقان على رجلين يكونان بينهما، فحكما فإختلفا فيما حكما، قال الإمام: وكيف يختلفان؟ قال: حكم كل واحد منهما للذي إختاره الخصمان، حينها قال الإمام: ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيُمضى حكمه([45]). وكذلك قول الإمام علي في عهده للأشتر: «ثم إختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك». ذلك أن جميع هذه الروايات أجنبية عن مقام الفتوى والتقليد، وبعضها يعد ضعيف السند.
فالرواية الثانية فيها ذبيان بن حكيم وهو غير موثق. أما الرواية الثالثة فهي غير ثابتة السند، يضاف إلى أنه وردت لفظة (الأفضل) في الرواية وهي تعني ما هو أعم من الأعلم، فلا وجه للتخصيص والإعتماد بها في المقام، كذلك وردت الأفضلية - هنا - بالمعنى النسبي لا المطلق، وإن كان قد يجاب على هذا بمثل ما أجبنا عليه عند مناقشتنا للمقبولة. أما الرواية الأُولى فقد عُدّت معتبرة لكنها قاصرة الدلالة.
كما جاء في كتاب (الإختصاص) للشيخ المفيد عن الرسول (ص) قوله: من تعلّم علماً ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس إلى نفسه فيقول أنا رئيسكم؛ فليتبوأ مقعده من النار، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها، فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه إلى يوم القيامة([46]). وهي رواية مرسلة لا يعول عليها، فضلاً عن أن موردها الرئاسة وليس الفتوى، فلا مجال للتعدي والقياس.
كذلك جاء عن الإمام الجواد أنه قال مخاطباً عمّه: «يا عم إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأُمة من هو أعلم منك». وقد عُدت هذه الرواية دالة على إعتبار الأعلمية المطلقة لكنها هي الأُخرى ضعيفة لإرسالها([47]).
تلك هي جملة من الروايات الضعيفة والأجنبية عن المقام. لكن رغم ذلك فقد ذكر النجفي أنها كانت معتمد الأصحاب الذين ذهبوا إلى الإعتقاد بوجوب تقليد الأعلم؛ باعتبارها نصوصاً ترجيحية([48]).
3 ـ دليل العقل
ومفاد هذا الدليل هو أن فتوى الأعلم أقرب إلى واقع الحكم الإلهي. فبرأي البعض أن سبب قياس الفقهاء لمسألة التقليد في الأعلم بالقضاء - على ما علمنا من روايات الترجيح المذكورة - يعود الى الكشف عن الملاك في الترجيح وأنه الأقرب إلى واقع الحكم الإلهي في المقيس عليه. فلولا هذا الإعتبار ما تم لهم ما أوجبوه في الأخذ بقول الأعلم. إذ بنوا ذلك على إلغاء الخصوصية ونفي التعبدية وكون الملاك ينحصر في أقوائية الظن والأقربية إلى واقع الحكم الإلهي([49]). حتى صرحوا بأن «الظن بقول الأعلم أقوى، وإتباع الأقوى أولى، ولأن أقوال المفتين بالنسبة الى المقلّد كالأدلة، فكما يجب العمل بالدليل الراجح يجب تقليد الأعلم، كما هو واضح من رواية عمر بن حنظلة وغيرها من الروايات الصريحة في ذلك»([50]).
وخلاصة الدليل السابق هو أن فتوى الفقيه لما كانت تعد طريقاً إلى الأحكام الإلهية، وحيث أن فتوى الأعلم أقرب إلى واقع الحكم الإلهي من فتوى غيره لسعة إحاطته وإطلاعه ودقة نظره وقوة تمكنه من الإستنباط بالقياس إلى غيره؛ لذا يتعين عليه الأخذ بفتواه دون هذا الغير.
ويُردّ على هذا الدليل هو أن الترجيح بالأقربية لا يقتضي تعين الوجوب بها. فكون الأقرب مفضلاً ومرجحاً على غيره لا يعني وجوب تعينه بالضرورة حسب هذا الإعتبار، وإلا لوجب على المجتهد أن يرجع إلى من هو أعلم منه عند الخلاف، مع أنه لا يسوغ له ذلك. وعليه إعتبر السيد الخوئي أنه «لم يقم أيّ دليل على أن الملاك في التقليد ووجوبه هو الأقربية إلى الواقع، إذ العناوين المأخوذة في لسان الأدلة، كعنوان العالم والفقيه وغيرها، صادقة على كل من الأعلم وغير الأعلم وهما في ذلك سواء لا يختلفان، وهذا يكفي في الحكم بجواز تقليدهما»([51]). فبرأيه ان مفهوم الأقربية لا يتجاوز المعنى الخاص بالأقربية الطبعية والإقتضائية، وهي تعني أن الأعلم من شأنه أن تكون فتواه أقرب إلى واقع الحكم الإلهي من فتوى غيره من المجتهدين، وإلا فالأعلم وغيره يمتلكان نفس الحجية بلا فرق([52]).
وقد يقال أنه إذا كان العمل بفتوى الأعلم ينبني على الإحتياط باعتباره أقرب إلى واقع الحكم الشرعي، وبغض النظر عما ورد من الأدلة الشرعية، فإن مصلحة التسهيل يمكن أن تتدخل في جواز العمل بفتوى المفضول.
على أن كثيراً ما تكون فتوى المفضول موافقة لفتوى الأفضل من الأموات، وبالتالي لا يصح القول أن فتوى الأعلم هي أقرب إلى واقع الحكم الإلهي فعلاً، خاصة وقد تتدخل أُمور فنية وطرق إجتهادية أُخرى ربما لا يستسيغها الأعلم، بينما يعمل بها من هو دونه، فتكون فتواه أقرب، من قبيل أن يستعين المفضول بـ (الواقع) كعنصر من عناصر المساعدة على تحديد الحكم الشرعي، فإنه بهذه الممارسة قد تكون فتواه أقرب إلى حقيقة الحكم الإلهي مع أنه أقل عمقاً وعلماً من الأعلم([53]).
4 ـ دليل السيرة العقلائية
وهذا الدليل عبارة عن الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالخلاف في جميع الحرف والعلوم، وحيث لم يردع الشرع عن هذه السيرة، لذا يمكن إستكشاف امضاءه لها. وبذلك يُعلم سقوط فتوى غير الأعلم عن الحجية حين المعارضة.
ويعتبر هذا الدليل من أقوى ما إستند إليه دعاة تقليد الأعلم، بل ذهب البعض إلى إعتبار جميع الأدلة غير ناهضة على المطلوب باستثناء هذا الدليل لوضوح صدقه وخلوه عن المعارضة، مثلما هو الحال مع السيد الخوئي([54]).
كما إعتبر البعض أن إستدلال المشهور بالسيرة العقلائية على وجوب الرجوع للأعلم إنما لملاك الأقربية لواقع الحكم الإلهي؛ رغم إطلاقات أدلة التقليد التي لم تكن خافية عليهم، ورغم ظهور نص رواية «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» والتي هي دالة في صحة الرجوع إلى مطلق راوي الحديث وكون التقييد بالأعلم خلاف المنساق منها ومن أشباهها من أدلة التقليد، فما ذلك إلا دليل واضح على أن بناءهم في الأمارات إنما هو على الطريقية المحضة، وأن ما أُحرز أقربيته للواقع هو اللازم إتباعه. ولولا شدة إرتكاز الطريقية في أذهانهم وبنائهم عليها لما رفعوا اليد عن ظهور الأدلة في جواز الرجوع إلى غير الأعلم.. أو لما لجأوا إلى نفي كون هذه المطلقات في مقام البيان من هذه الجهة مع وضوح ظهورها عرفاً في البيان ومع كون بعضها عمومات لا مطلقات([55]).
مع هذا يمكن مناقشة الدليل العقلائي من عدة زوايا كالتالي:
1ـ إنه دليل غير ناهض طالما هناك أدلة معارضة مستمدة من الشرع كما سبق أن عرفنا.
2ـ إنه يتضمن القياس، اذ ليس بالضرورة أن يكون حال ما يتعلق بالشريعة أو الدين كحال سائر العلوم والحرف والمهن المادية. فعلى فرض أن السيرة العقلائية تستقبح من يراجع المفضول في الحرف والمهن مع وجود الأفضل وأن ذلك مما أمضاه الشارع؛ فإنه - حتى مع التسليم بهذا الفرض - لا يدل على أن الشارع يمضي مثل ذلك فيما يخص قضايا الدين؛ إلا إذا قلنا بالقياس والتعدي من هذا الباب إلى ذاك، مع أن هناك فارقاً جوهرياً بين البابين، بحيث لا يستبعد أن نجد مسامحة في أحدهما ما لا نجده في الآخر. فمثلاً قد تتعدد الوسائل في المهن لتحقيق المطلوب، والبناء العقلائي لا يستقبح ذلك، بينما يختلف الحال في قضايا العبادة من الدين من حيث هي توقيفية، فلا يجوز مثلاً تبديل الصلاة بعبادة أُخرى بحجة أنها أشد تأثيراً في التقرب الى الله تعالى. لذلك فما يستقبحه العقلاء من الرجوع إلى المفضول مع وجود الفاضل في الحرف والمهن؛ قد لا يكون مستقبحاً في القضايا الدينية لدى الشارع المقدس.
وكما يقول راضي النجفي صاحب (تحليل العروة): «إن الإرتكاز في أمر الدين والشرائع غير الإرتكاز في سائره، ولذا لا يجوز أخذ الدين عن مطلق من عرف الدين، بل لا بد من الإيمان وغيره من الوثاقة، فالإرتكاز الصرف لا يكفي في تحصيل الإطمئنان في العمل به كما لا يخفى على المتأمل المتعمق»([56]).
وتظل القاعدة العامة هي ان البناء العقلائي لا يصح اتخاذه دليلاً ما لم يستكشف منه القطع في موافقته للشرع وامضائه، مثلما أشار الى ذلك الشيخ المظفر([57]).
3ـ إن إعتبار القضايا الدينية خطيرة - الأمر الذي يستدعي الرجوع إلى الأعلم - فيه مبالغة، ذلك لأنا نعلم بأن الشارع يسمح بالإلتزام بقاعدة عدم العسر والحرج فيما لو أدت ممارسة تلك القضايا إلى أضرار معينة حتى لو لم تكن خطيرة، فهذا التيسير يتنافى مع إدعاء الخطورة في الأحكام على وجه الشمول والإطلاق، لذلك يختلف الحال مع ما يحصل بالنسبة إلى البناء العقلائي في القضايا الخطيرة، وبالتالي هناك فرق بين هذا البناء وبين سلوك الشرع نظراً لتفاوت قيمة القضايا لديهما. بدليل أن الأُصوليين يقرّون أن المخالفة القطعية لواقع الحكم الإلهي لا تدل أحياناً على الحرمة؛ كما لو غيّر المجتهد رأيه أو عدل المقلّد إلى الأخذ برأي مرجع آخر لعذر ما([58])، بل بنظر البعض أن الإقدام على ما يحتمل أن تكون منه مخالفة ذلك الواقع قد يحسن، بل وقد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع الآنف الذكر، وبالتالي تتحول المفسدة الناتجة من المخالفة إلى المحبوبية أو الوجوب بفعل المصلحة الراجحة «فلا يصح إطلاق الحرام على ما فيه المفسدة المعارضة بالمصلحة الراجحة عليه»([59]).
4ـ قد يقال أن البناء العقلائي لا يخدم المدعى أحياناً، فربما أن الناس يقدمون إلى المفضول في القضايا الهامة ولا يستقبحون ذلك رغم العلم بالخلاف مع الأفضل، وذلك إذا ما كان علم المفضول يقترب من علم الأفضل، اذ كلاهما من أهل الإختصاص ولهما القدرة التامة على ممارسة ما يعالجانه رغم التفاوت المحدود الذي إفترضناه. ففي مثل هذه الحالة لا يظن أن البناء العقلائي يستقبح متابعة المفضول وترك الأفضل مع العلم بالخلاف بينهما.
5ـ جاء الاهتمام بتوظيف الدليل العقلائي، لدى المتأخرين بعد الشيخ الانصاري، كتعويض لما ادركه هؤلاء من عدم حصول الأدلة المعتبرة على المسلمات التي كانت مقبولة لدى القدماء الأوائل، كالذي كشف عنه المفكر محمد باقر الصدر في عصرنا الحالي([60]). فقد أوضح هذا الإمام عملية التدرج التي انتهى اليها الفقهاء مرحلة بعد اخرى حتى افضى بهم الأمر حديثاً الى توظيف الدليل العقلائي للحفاظ على المسلمات التي خلّفها المتشرعة من الأسلاف.
ففي البداية لم يجد الفقهاء المتأخرون الأدلة الصناعية على جملة من القضايا الفقهية التي التزم بها القدماء الاوائل، لكنهم مع هذا لم يتجرأوا على الاعتراض عليها، بل عدوها من المسلمات التي لا غنى عنها، فهي مقبولة باعتبارها موروثة عن الاسلاف، فالقناعة لديهم انها لم تصدر عن الاوائل الا وعليها ما يكفي من الدليل الشرعي وإن لم يُعرف هذا الدليل. لكن لأجل تسديد هذه الثغرة من الجهل بنوع الأدلة المعتمدة؛ قام عدد من العلماء بايجاد الغطاء الاصولي الذي يحفظ لتلك المسلمات مكانتها وضرورتها، وذلك عبر إنشاء عدد من القواعد الاصولية غرضها الحفاظ عليها، وهي كل من: حجية الشهرة، والاجماع المنقول، وانجبار الخبر الضعيف بعمل الاصحاب، ووهن الخبر الصحيح باعراضهم عنه. كما قاموا بتعميم «قاعدة انجبار السند بعمل الفقهاء لتشمل انجبار الدلالة بفهمهم»، كالذي تشير اليه بعض كلمات الشيخ الانصاري الذي لم يعمل باطلاق أخبار القرعة، وكما قال: «إننا نعمل بهذه الاخبار في كل مورد عمل به الاصحاب، ولا نعمل بها في كل مورد لم يعملوا بها».
ولم يتوقف الحال عند هذا الحد، بل تطور الى صورة اخرى لاحت الاعتراض على تلك القواعد التي تم تأسيسها وتوظيفها لأجل المحافظة على المسلمات. فالشيخ الانصاري الذي رأيناه قبل قليل يعمل بفحوى تلك القواعد على صعيد الفقه؛ لم يشأ الاقرار بها على صعيد الاصول. وربما يكون هو أول من قام بنقدها والاعتراض عليها مبدئياً . وكذا فعل من تلاه من الاصوليين، حيث تم طرح كل من حجية الشهرة والاجماع المنقول، وناقشوا بخصوص قاعدة انجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب.
ثم تطور الأمر فقام الفقهاء المعاصرون برفض التعويل على تلك القواعد في المسائل الفقهية. ويظهر هذا الأثر بارزاً لدى السيد الخوئي. اذ كان اعتراض الشيخ الانصاري ومن تبعه لا يتعدى الطرح الاصولي، أما مبانيهم الفقهية فلم تتأثر بذلك، ولم يحدث أي رد فعل عما أسسوه على الصعيد الاصولي. اذ ظلّت هذه المباني محافظة على تلك القواعد، وهو أمر لا تفسره غير الاعتبارات النفسية. أما لدى الفقهاء المعاصرين فقد كانوا على اتساق من حيث هدمهم لتلك القواعد، لا فقط بحدود المباني الاصولية، وانما كذلك بما انعكس عليها من المباني الفقهية، لكنهم وكتعويض لهذا الهدم احتاجوا الى بناء جديد يؤمّن لهم الحفاظ على المسلمات التي خلفها السلف. الأمر الذي جعلهم يجدون في السيرة العقلائية ضالتهم المنشودة. فأصبح هذا الدليل في العصر الحالي رائجاً بما لم يسبق له مثيل من قبل، ويظهر ذلك جلياً لدى السيد الخوئي. فقد أخذ توظيف السيرة العقلائية يتسع «كلما تقلصت الأدلة التي كان يعول عليها سابقاً لاثبات المسلمات والمرتكزات الفقهية؛ من امثال الاجماع المنقول والشهرة وإعراض المشهور عن خبر صحيح او عملهم بخبر ضعيف ونحو ذلك، فانه قد عوّض بالسيرة عن مثل هذه الأدلة في كثير من المسائل التي يتحرج فيها الفقيه الخروج عن فتاوى القدماء من الاصحاب او الآراء الفقهية المشهورة»([61]).
وبهذا يتضح ان منشأ استخدام هذا الدليل وكذا سائر القواعد الاصولية التي مرت معنا لا يخرج عن الاعتبارات النفسية التي انتابت اذهان المتأخرين والمعاصرين كما كشف عنها المفكر الصدر.
5 ـ دليل الأصل العملي
وتقرير هذا الدليل هو أنه لو كان هناك علم إجمالي منجز بوجود الحجية في الفتوى إجمالاً مع حصول شك دائر بين الحجية التعينية والتخيرية؛ ففي هذه الحالة يقتضي العقل الأخذ بما يحتمل تعينه، وذلك فيما لو إستند إحتمال التعين إلى أقوائية الملاك في أحدهما، كما في الأعلمية، حيث أن الملاك هو العلم والفقاهة، والأصل يقتضي التعيين؛ باعتبار أن العقل يستقل بلزوم الأخذ بما يحتمل تعينه؛ للعلم بأنه معذر على كل حال، بينما معذرية الآخر غير محرزة([62]). لذلك فالأمر مأخوذ على سبيل الإحتياط، لأن المصلحة في إتباع فتوى الأعلم إما مساوية لفتوى غيره أو تزيد عليها، وبالتالي يتعين العمل على طبق فتوى الأعلم([63]). في حين لمّا كان العمل بفتوى الغير مشكوكاً به؛ لذا تنطبق عليه القاعدة الأُصولية القائلة: (الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها)([64]).
ويعتمد الإحتياط الواجب في هذا الدليل على استقلال العقل بقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب([65]). وقد يناقش في هذه القاعدة باعتبارها تتعارض مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وذلك فيما لو إفترضنا أن البيان الناقص والمجمل هما كعدم البيان إذا ما كانا صادرين عمن بقدرته إيصال البيان المفصّل دون تكلّف، الا أن يقال أن بعث البيان المجمل لا يخلو من حكمة وفوائد تقتضيها حركة الإجتهاد وتطوره([66]). لكن بغض النظر عن ذلك فإن صحة الأصل والتعويل على الإحتياط إنما يتم فيما لو لم يكن هناك دليل في القبال، أما مع وجود الدليل فالأصل العملي لا يعارضه.
يضاف إلى أنه يمكن أن يجاب باعتبار آخر من منطق تعبدي؛ إستناداً إلى نفس قاعدة (الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها)، اذ أن تقليد الأعلم وإن كان معذراً على أيّ حال لكن يشك في وجوبه، والشك في هذا الوجوب يساوق القطع بعدمه، مما يعني جواز تقليد المفضول. ولا يصح أن يقال الشيء نفسه بخصوص تقليد الآخر، لأن الأصل هو جواز الرجوع إلى العالم والخبير وأن فتواه حجة بغض النظر عن الأعلمية، لكن ورود الأعلمية جعل الشك يتعلق بوجوب إتباع الأعلم.
فكما هو واضح، لسنا - هنا - بصدد الرجوع إلى حكم العقل المبني على الطريقية وأقوائية الملاك حتى يقال أن حكمه هو لزوم الإحتياط، بل نحن إزاء شك وتردد يستند إلى جهة تعبدية. ذلك أن إتباع العالم بغض النظر عما إذا كان فاضلاً أو مفضولاً قد جاء على لسان الشرع، وهو أصل، أما إتباع الأعلم فوجوبه أمر زائد مشكوك به، الأمر الذي يجعل من الحكم قائماً على البراءة لا الإحتياط. فسواء بهذا الإعتبار، أو بإعتبار الحكم العقلي المستند إلى الطريقية، تصدق القاعدة الأُصولية الآنفة الذكر.
لكن يرد بهذا الصدد السؤال التالي: أيهما يرجح على الآخر عند الشك والدوران، فهل الأصل التعويل على الطريقية وترجيحها على التعبدية، أم العكس هو الصحيح؟ فمن المعلوم أن هناك خلافاً بين الأُصوليين؛ حيث بعضهم رجح الأُولى، بينما ذهب البعض الآخر إلى إعتبار الثانية هي الأصل. ونرى أن ذلك لا يخلو من تفصيل، إذ لو كانت الحيثية التعبدية تمتلك ظناً قوياً معتبراً فإنها تكون مرجحة على منافستها، كما هو الحال في مسألتنا المطروحة. وعلى العكس فيما لو لم تمتلك الظن القوي، كما هو الحال - مثلاً - فيما جاء من المرجحات المنصوصة للأخبار؛ كالوثوق والشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة. فقد قيل إنه لا بد من التوقف على ما هو منصوص في الترجيح بين الأخبار، كما ذهب إلى ذلك الإخباريون وبعض الأُصوليين مثل الآخوند الخراساني صاحب (كفاية الأُصول)([67]). وقيل في القبال إنه يجوز التعدي إلى غير تلك المرجحات حسب منهج الطريقية في الكشف عن كل ما يوجب الأقربية إلى واقع الحكم الإلهي، وهو المنسوب إلى جمهور الأُصوليين([68]). وهذا هو المرجح على الحيثية التعبدية؛ بإعتبار أن إحتمال صدق هذه الأخيرة ليس قوياً، إذ ليس في أخبار الترجيح ما ظاهره الحصر، ولا من المتصور أن تكون هناك علة وحكمة وراء هذا الفرض ليقتضي البناء على التعبدية. في حين إن العلة بحسب منطق الطريقية معلومة وواضحة وليس من المتوقع أن يعارضها الشرع؛ مادامت الحكمة من ذلك هو الكشف عن الحكم الحقيقي، وهو أمر لا يتوقف على التعبدية بإعتباره أمراً عقلياً يحمل ملاكه بذاته، بل يلاحظ أن أخبار الترجيح ذاتها تشير إلى تلك الحكمة بشكل أو بآخر، مما يعني أنها وردت للتقرير لا للتأسيس([69]).
[1] الإحكام للآمدي، ج4، ص457. وفواتح الرحموت، ج2، ص405.
[2] انظر بهذا الصدد المصادر التالية: المستصفى، ج2، ص391. والإحكام للآمدي، ج4 ، ص457ـ485. وفواتح الرحموت، ج2 ، ص405. والموافقات، ج4، ص292. والإعتصام، ج3، ص255.
[3] فواتح الرحموت، ج2 ، ص404 . والحبل المتين، ص6.
[4] الإحكام للآمدي، ج4 ، ص458.
[5] المصدر السابق، ص324 و458.
[6] معالم الدين، ص389 .
[7] الفصول الغروية، ص424.
[8] جواهر الكلام، ج40، ص45.
[9] مستند الشيعة، ج2، ص521.
[10] النراقي، ملا أحمد: مستند الشيعة في أحكام الشريعة، طبعة حجرية لم يكتب عنها شيء، ج2، ص521.
[11] انظر: معارج الأُصول، ص201.
[12] الجناتي، محمد إبراهيم: أعلمية الفقيه ومباني التقليد، مجلة التوحيد، العدد (79)، ص35.
[13] عناية الأُصول، ج6، ص246.
[14] شورى الفقهاء، ج1، ص289.
[15] مستند الشيعة، ج2، ص522. والمصدر السابق، ص289 .
[16] الفصول الغروية، ص424 . كذلك: خلاصة الفصول، ج2، ص55 .
[17] اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى، وبهامشها تعليقات أعلام العصر ومراجع الشيعة الإمامية، مؤسسة الأعلمي ببيروت، الطبعة الثانية، 1409هـ ـ1988م، ج1، ص7ـ8 .
[18] عناية الأُصول، ج6 ، ص258 .
[19] الحكيم، محمد تقي: الأُصول العامة للفقه المقارن، مؤسسة آل البيت للنشر، الطبعة الثانية، 1979م، ص659.
[20] العاملي، محمد الجواد الغروي: مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، تصحيح محمد باقر الحسيني الشهيدي الكلپايكاني، مطبعة رنكين في طهران، 1378هـ، ج10، ص4.
[21] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص203 و204 .
[22] تهذيب الأُصول، ج2، ص119 .
[23] الخامنئي، علي الحسيني: أجوبة الإستفتاءات، العبادات، دار الوسيلة، الطبعة الثانية، 1415هـ ـ1995م، ص9 و8.
[24] أعلمية الفقيه ومباني التقليد للجناتي، مجلة التوحيد، نفس المعطيات السابقة، ص36.
[25] الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 11، حديث 45، ص110.
[26] نفس المصدر والباب، حديث 6، ص100.
[27] العاملي، محمد بن مكي: الدروس الشرعية في فقه الامامية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة الاولى، 1414هـ، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج2، ص70. وجواهر الكلام، ج40، ص45.
[28] جواهر الكلام، ج40، ص44 .
[29] المصدر السابق، ص45 .
[30] الكفاية، ص542. كذلك: منتهى الأُصول، ج2 ، ص634 .
[31] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص141.
[32] المصدر السابق، ص137 .
[33] نفس المصدر والصفحة .
[34] الجواهر، ج40 ، ص43 .
[35] منتهى الأُصول، ج 2، ص634 .
[36] الإجتهاد والتقليد، ص141 .
[37] المصدر السابق، ص163.
[38] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج2، ص184 .
[39] الإجتهاد والتقليد، ص140.
[40] الكفاية، ص543.
[41] نفس المصدر والصفحة.
[42] الجواهر، ج40، ص45 . ومفتاح الكرامة، ج10، ص4 .
[43] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص144.
[44] الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 9، حديث 20، ص80.
[45] نفس المصدر والباب، حديث 45، ص88.
[46] بحار الأنوار، ج2، ص110.
[47] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص145ـ146.
[48] الجواهر، ج40، ص45 . وانظر: منتهى الأُصول، ج2، ص637 .
[49] شورى الفقهاء، ص337 وما بعدها.
[50] الجواهر، ج40 ، ص43. ومستند الشيعة، ج2، ص521. كذلك: الإحكام للآمدي، ج4، ص457. والموافقات، ج4، ص292. وفواتح الرحموت، ج2، ص405.
[51] الإجتهاد والتقليد، ص147 .
[52] المصدر السابق، ص147ـ148.
[53] هناك نماذج وصور كثيرة يؤثر فيها الواقع على تحديد معرفة الحكم الشرعي؛ كالتي جاء ذكرها في كتابنا (فهم الدين والواقع، الفصل الخامس).
[54] الإجتهاد والتقليد، ص148 .
[55] شورى الفقهاء، ج1، ص321 .
[56] تحليل العروة، بحث الإجتهاد والتقليد، ص19ـ20.
[57] اصول الفقه، ج3، ص171.
[58] فرائد الأُصول، ج1، ص400 .
[59] المصدر السابق، ج1، ص120 و42.
[60] اعتمدنا في هذه الفقرة على ما حرره السيد كمال الحيدري لتقريرات الامام الصدر. انظر مقاله المعنون: مرتكزات أساسية في الفكر الاصولي للشهيد الصدر، قضايا اسلامية، العدد 3، ص237ـ 240.
[61] بحوث في علم الاصول، ج4، فصل حجية السيرة، ص233. كذلك مرتكزات أساسية في الفكر الاصولي للشهيد الصدر، نفس المعطيات السابقة، ص240.
[62] الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص148ـ149 و214.
[63] المصدر السابق، ص157.
[64] المصدر السابق، ص151.
[65] نفس المصدر والصفحة.
[66] بهذا الصدد يحتمل الشيخ البحراني أن تكون حكمة تعبدنا بالتوقف في الشبهات هو للإبتلاء والإختبار «وهو السر في نصب جميع الشبهات وإنزال الآيات المتشابهات وخلق الشياطين والشهوات، بل أنتَ إذا تأملت في وجوه التكليفات رأيتها كلها من ذلك القبيل، وإلا فإن الله سبحانه قادر على أن ينزل جميع الأحكام التي تحتاج إليها الأُمة في القرآن بدلالات واضحة قطعية خالية من المعارض، بحيث لا يختلف فيها من نظر فيه، وكذا كان رسول الله (ص) قادراً على تأليف كتاب كذلك، بل كل واحد من الأئمة (ع)، ولكن لم يكن ذلك موافقاً لحكمة التكليف..» (الدرر النجفية، ص30). ومثل ذلك ما ذكره الحر العاملي في (الفوائد الطوسية، ص402).
[67] كفاية الأُصول، ص509 وما بعدها. كما انظر: المظفر: أُصول الفقه، ج3، ص261.
[68] فرائد الأُصول، ج2، ص780ـ781 . وأُصول الفقه للمظفر، ج3، ص261ـ263 .
[69] انظر بصدد ذلك الأخبار الواردة في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها، في الوسائل، ج18، أبواب صفات القاضي، باب 9، ص75 وما بعدها.