يحيى محمد
وفقاً لمنطق الحق الذاتي، أنه إذا كانت الواجبات العقلية الإلهية تتأسس على قاعدة العدل، فإن الواجبات العقلية الإنسانية لها منشأ آخر للتأسيس. فبحسب هذا المنطق أن من يضع أصول العلاقة التكليفية يتوجب عليه جملة من الواجبات لها طابع (الفعل الموضوعي) كحق للمكلَّف على المكلِّف، إذ تتأطر بقاعدة العدل. وفي المقابل يتوجب على المكلَّف جملة من الواجبات العقلية التي يلزم الإتيان بها، وهي تتأسس على قاعدة أولية لا تحمل طابع الفعل الموضوعي كالذي عليه قاعدة العدل، بل هي ذات إعتبارات ذهنية غرضها الكشف عن سائر التكاليف والواجبات الأخرى؛ بما في ذلك الواجبات الدينية. فحقوق المكلِّف على المكلَّف تارة تكون عقلية، وأخرى دينية (شرعية) تقتضيها العلاقة التكليفية، لأن دائرة العقل تظل مجملة لا يسعها التفصيل لكافة الواجبات والحقوق، فكان لا بد أن تتبعها الواجبات والحقوق الدينية. وكلها تعتمد على القاعدة الأولية ذات الإعتبارات الذهنية، وهي معدة من الألطاف بإعتبارها تدعو إلى سائر الواجبات الأخرى، وبدونها لا يتم الكشف عن هذه الواجبات.
وبذلك فإن اللطف لا يتعلق بواجبات المكلِّف فحسب، بل بواجبات المكلَّف أيضاً. فقد حدد القاضي الهمداني المعرفة التي يجب على المكلَّف تحصيلها بثلاثة أنواع: أحدها العلم بالأفعال المكلَّف بها، وثانيها العلم بالمكلِّف وصفاته وحكمته، أما ثالثها فهو العلم بما نستحقه بهذه الأفعال من منافع ومضار. وعنده أن العلم بالمكلِّف وصفاته وحكمته إنما وجب لوجوب العلم الثالث، حيث يتعذر تحصيل هذا الأخير ما لم يتم العلم الثاني المشار إليه. وأن العلم الثالث إنما يصير لطفاً في فعل الواجب وتجنب القبيح، واللطف متى كان من فعل المكلَّف جرى مجرى دفع الضرر عن النفس، فيلزم تحصيله لنفسه، حيث أن العلم باستحقاق الثواب على الفعل الواجب يدعو إلى فعله، وكذا أن العلم باستحقاق العقاب على الفعل القبيح يدعو إلى تركه وتجنبه، وكل ذلك لا يتم إلا بمعرفة الله[1]، وبالتالي كانت هذه المعرفة لطفاً لأنها تبعث على فعل ذلك الواجب وتدعو إلى ترك القبيح. فالمعرفة بالله لها غرض في التكليف من الفعل والاجتناب. أو أن الغرض من معرفة الله وصفاته هو لأجل العلم بما نستحقه بالأفعال من منافع ومضار، فالعلم بالمسألة الإلهية واجب لوجوب العلم بتلك الأفعال. وبالتالي يتضح بأن نظرية اللطف مثلما تنطبق بما يجب على المكلِّف، فإنها تنطبق أيضاً عما يجب على المكلَّف، وهي في جميع الأحوال مستمدة من فكرة الحق الذاتي.
وكما قلنا فإن واجبات المكلَّف تتأسس على قاعدة أولية هي أول الإلزامات العقلية، وصفتها أنها ليست مطلوبة لذاتها، بل لغيرها من الواجبات والتكاليف. ويمكن التعرّف عليها حسب الفقرتين التاليتين:
أولاً: أول التكاليف والدلالة عليه
للبحث عن أول التكاليف العقلية أهمية خاصة لدى اتباع منطق الحق الذاتي، فعليه تتأسس التكاليف العقلية الأخرى، كما أن من شأنه إقامة العلاقة التي تربط بين التكاليف العقلية والتكاليف الدينية. وقد اختلفت أقوال علماء المذاهب حول أول الواجبات إلى بضعة عشر قولاً، كالذي أفاده الزركشي في (البحر المحيط) [2].
ومن وجهة نظر القاضي الهمداني فإن من علامات الواجب الأول هو أن لا يسبقه أمر آخر يؤدي إليه ضرورة، وإن كانت هناك شروط للتكليف سابقة عليه، مثل كمال العقل والخوف والخاطر وما شابه ذلك. وهذا يدل على أن للواجب الأول بعض الامتيازات التي تجعله يختلف عن شروط التكليف وعن بقية التكاليف. حيث يتصف بأنه مقصود إليه بالإرادة والإختيار، وهو ما يميزه عن شروط التكليف التي لا تقبل القصد والإرادة، كما يشترط أن يكون غير مراد لذاته، بل يراد به واجب آخر أولى منه[3].
ومع ذلك لا نجد اتفاقاً بين أصحاب منطق الحق الذاتي حول هذا الواجب. فقد حدّده المعتزلة البغداديون بمعرفة الله[4]، وهو رأي يتميز عن قول الأشاعرة بأن معرفة الله هي أول التكاليف الفعلية رغم أنها ليست تكليفاً عقلياً، بل تكليف شرعي، ومثله ما ذهب إليه أهل الحديث والكثير من الفقهاء، فأول واجب عندهم هو معرفة الله على ما وردت به الأخبار، وأنه لا تجب معرفته قبل السمع[5]. لكن الرأي السائد وسط مفكري المعتزلة وغيرهم من أصحاب منطق الحق الذاتي هو إعتبار الواجب الأول محدداً بالنظر المؤدي إلى معرفة الله. فهو أول التكاليف والواجبات العقلية، وهو ما إلتزم به القاضي الهمداني مع جملة من علماء الإمامية؛ كإبن النوبختي والشريف المرتضى والشيخ الطوسي والزيدية وغيرهم[6]. وهناك رأي آخر لبعض المعتزلة كأبي هاشم الجبائي الذي اعتبر الشك يمثل أول الواجبات، حيث لا يتم النظر بدونه[7]، إلا أن القاضي الهمداني ردّ على ذلك بأن الشك ليس بمعنى، ولو كان معنى لم يكن مقصوداً إليه، وأنه لا بد من وقوعه لما ترد عليه من أسباب الخوف[8]. وعلى رأيه أن النظر يمثل الإحتمال الوحيد المعقول دون غيره من الإفتراضات الأخرى. فقد اعتبر أنه لا يصح أن يكون ترك القبح والظلم هو أول الواجبات؛ بإعتبار أن الترك أمر سلبي لا يمثل فعلاً، كما لا يصح أن يكون العلم بالله تعالى هو الأول وذلك لأنه متأخر عن عملية حصول النظر، كما أن أول الواجبات لا يتمثل بالقصد إلى النظر وإختياره كالذي ذهب إليه إبن فورك والجويني، بإعتبار أن القصد يقع تبعاً للمقصود وليس له حكم في حد ذاته، فكيف يُجعل أول الواجبات؟ كما أنه ليس الخوف الذي ينتاب الإنسان بسبب تركه للنظر؛ بإعتبار أن الخوف من شرائط التكليف، كما أنه من الغرائز التي يضطر إليها الإنسان فلا يكون واجباً على المكلَّف. وأخيراً فإن أول الواجبات لا يصح أن يتمثل بشكر المنعم على نعمه، بإعتباره متأخراً عن معرفة الله تعالى وصفاته وعدله وحكمته. وعليه لم يبق إلا النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى[9]، وهو يحصل عن طريق الإستدلال على إثبات الأعراض وحدوثها، ومن ثم إثبات حدوث الأجسام حتى ينتهي الحال بمعرفة الله وما يتعلق به من صفات[10].
لكن من الناحية المنطقية أن توقف الواجب على اتيان أمر ما لا يدل على وجوبه. فمثلاً لو اعتبرنا معرفة الله واجبة، وهي متوقفة على نفي جملة أمور، كالتسلسل والشريك والجسمية... الخ، فإن من غير المعقول أن يكون الناس مكلفين بالنظر فيها مع علمنا أنها من الأمور التي لا يتداركها غير العلماء. فإنْ دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على عدم ضرورة وجوب كل ما يخضع للنظر مما يتقدم على غيره من الواجبات. ومن ثم - وبغض النظر عن أي إعتبار آخر - قد يكون الواجب الأول مستمداً من الشرع، إأن توقف في حد ذاته على نظر عقلي سابق.
ثانياً: الدليل على الواجب الأول
يتطلب البحث في النظر إثبات أمرين، أحدهما أنه واجب عقلي، والآخر أنه أول التكاليف. وليس لدى أصحاب منطق الحق الذاتي دليل خاص يثبت كونه أول التكاليف سوى ما قدمناه من نفي مجموعة الإفتراضات المرشحة لأن تمثل الواجب الأول كما أفاده الهمداني. مع أن هذا النفي لا يعني نفي كل إفتراض ممكن. ومثل ذلك ما صرح به الشيخ الطوسي الذي اعتبر النظر أول واجب؛ لأن الواجبات على ضربين: عقلي وسمعي، فالسمعيات مبنية على معرفة الله ومعرفة النبي، وهذه الأخيرة متأخرة لا محالة، أما العقليات فإنها تخلو من جميع الإفتراضات الممكنة بإستثناء النظر، مما يدل على أنه أول الواجبات[11].
أما إثبات الوجوب العقلي للنظر فعليه عدد من الأدلة الخاصة، وهي تردّ على من يرى جواز التقليد من غير نظر، كما تردّ على من يرى المعارف بأجمعها ضرورية[12]. ومن الأدلة المطروحة ما ذكره الهمداني من أن وجوب النظر هو من الألطاف الأساسية؛ بإعتبار أن اللطف لا يتم إلا به، إذ أن علمنا باستحقاق الثواب والعقاب يتوقف على معرفتنا بالله تعالى، وهي تتوقف عليه، ولهذا كان واجباً لوجوب ما تقدم عليه من الألطاف[13]، وبه يثبت التكليف العقلي.
لكن هذا الدليل لا يخلو من إجمال، وعادة ما يطرح في التفصيل دليلان؛ أحدهما يبنى على قاعدة شكر المنعم، والثاني يتأسس على حالة الخوف، والمعول عليه عادة هو الثاني، حتى أن الهمداني جعل - في بعض مصنفاته - الأول متضمناً في الثاني[14]. ومع هذا نذكر الدليلين منفصلين كما يلي:
الدليل الأول:
ومفاده أنه لما كانت هناك نعم كثيرة فلا بد من معرفة المنعم حتى نشكره، ولا طريق إلى ذلك إلا بالنظر، فيكون النظر واجباً لوجوب معرفة المنعم المترتب على وجوب الشكر.
وقد شرح العلامة الحلي هذا الدليل تبعاً لثلاث مقدمات: «الإولى: إن معرفة الله واجبة لأن شكره واجب، ولا يتم إلا بالمعرفة، أما وجوب الشكر فلأن نعمه على العبد أكثر من أن تحصى، وشكر المنعم واجب بالضرورة، وأما أنه لا يتم إلا بالمعرفة فبالضرورة. الثانية: إن معرفة الله لا تتم إلا بالنظر، وهذه المقدمة بينة لا تفتقر إلى الإستدلال، لأن المعرفة ليست ضرورية قطعاً، بل نظرية... الثالثة: إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[15].
ومن الناحية المنطقية إن هذا الإستدلال غير مقنع، فنحن أولاً لا نعرف وجوب النظر والشكر ما لم نعرف قبل ذلك بعض خصوصيات الربوبية كطبيعة الإله وكونه عادلاً ومريداً وقاصداً للإنعام... الخ، وهو ما لا يدرك دون نظر، فنكون بذلك قد صادرنا على المطلوب.
الدليل الثاني:
ومفاده أنه قد تقرر في العقول وجوب دفع الضرر عن النفس؛ سواء كان هذا الضرر معلوماً أو مظنوناً. ففي كلا الحالين يجب على الإنسان أن يتحمل مسؤولية النظر. أما دواعي خوف الإنسان فهي كثيرة، منها ما قد يسمع من الإختلافات المذهبية، حيث يرى أن كل مذهب يضلل أو يكفر ما عداه من المذاهب فيخاف أن يكون ممن ضل وخسر، فيدعوه ذلك إلى النظر ليعرف الحقيقة. ومنها ملاحظة ما في نفسه من أثار النعم فيخاف إنْ لم يعرف المنعم ويشكره فسوف يتعرض إلى العصيان ويكون مستحقاً للذم والعقاب. ومنها حصول الخاطر من قبل المكلِّف أو ملائكته[16]. فعلى رأي البعض إن عدم التفات الفرد إلى دواعي الخوف من العوامل الخارجية، يوجب على المكلِّف أن يلهمه الخاطر ليتنبه ويشعر بوجوب النظر[17].
ويقوم الدليل السابق على ثلاثة مرتكزات رئيسة كالتالي:
الأول: إن قاعدة وجوب دفع الضرر عن النفس هي التي تحدد صحة وجوب النظر، سواء كان النظر معلوماً أو مظنوناً.
الثاني: يتمثل الدافع إلى النظر بالخوف، كشرط من شروط التكليف.
الثالث: إن عدم خوف الإنسان وتأثره بالعوامل الداعية إلى النظر يوجب على المكلِّف أن يلهمه الخاطر لتنبيهه على وجوب النظر وإقامة الأدلة.
وهذه المرتكزات في الدليل العقلي لا تخلو من مناقشة. فالمرتكز الأول يحتاج إلى تحديد نوع الوجوب في دفع الضرر عن النفس، إذ لو كان القصد منه أن تاركه يستحق الذم والعقاب كما هو المتعارف لدى الكلاميين - وعنهم أخذ الأصوليون - لكان الأولى أن يكون هو أول الواجبات؛ بإعتباره الأساس في الدليل على معرفة وجوب النظر.
وهناك ملاحظة تتعلق بهذا المعنى، وهي أنه لا مانع من القول بأن وجوب دفع الضرر المظنون الذي يدركه العقل يعارضه مدرك عقلي آخر هو ما يسمى بقبح العقاب بلا بيان. فعلى هذا المعنى لا يمكن لقاعدة الوجوب السابقة أن تحقق الهدف من إثبات وجوب النظر حينما يكون الضرر مظنوناً لا معلوماً، سيما إذا ما التفتنا إلى وجود إحتمال آخر هو تعلق هذه القاعدة بالمنافع والمضار الدنيوية فقط، ويكون جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان نافذاً فيما يتعلق بالمصالح الدينية التي يترتب عليها أثر في الآخرة، كما استصوبه بعض العلماء مثل الشيخ الطوسي[18]، وغيره على تقريب من بعض المعاصرين[19].
وبالنسبة للمرتكز الثاني، يلاحظ أن تبريره يقوم على أساس ذاتي غير منطقي، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن الخوف بذاته لا يكشف منطقياً عن حقيقة المسألة في الوجوب وعدمه، وإن كان له دور ذاتي لتعلقه بمشاعر الإنسان وأحاسيسه، سيما وأن الفرد في هذه الحالة لا يمكنه الإعتقاد بأن المكلِّف جعل الخوف في نفسه لتنبيهه على وجوب النظر، بإعتبار أن هذا الإعتقاد لا يمكن أن ينشأ - منطقياً - إلا بعد النظر وليس قبله.
ثانياً: يعتبر الخوف من الأمور النسبية المتفاوتة، فهو يختلف من إنسان لآخر لإختلاف الطبيعة والظروف المؤثرة على الأفراد.
ثالثاً: إن أغلب الناس يندفعون في إعتقاداتهم تبعاً للتقليد دون خوف ولا نظر ولا تفكير في الأدلة. وحتى الناظر في الأدلة غالباً ما يميل إلى هوى التقليد دون تعديه. فالإنسان في أغلب شؤون حياته، ومنها الشؤون العقدية والمعرفية، وليد البيئة، وهو عادة ما يفلسف هذه الحياة تبعاً للإلفة التي يتفاعل بها مع الأشياء.
أما بالنسبة للمرتكز الثالث فيلاحظ أن فيه مصادرة غير بينة الثبوت، إذ ما الذي يدلّ على لزوم إلهام المكلِّف للإنسان بالخاطر على وجوب النظر عندما لا تدعوه العوامل الخارجية إلى ذلك. والواقع الإجتماعي يستبعد هذا الأمر، حيث يميل الناس إلى عدم التفكير في النظر الواجب عادة.
فضلاً عن أن هناك مشكلة تكشف عن استبعاد إبتداء الوجوب العقلي بالنظر، وذلك عند التسليم بأن الشرع قد حدد لنا بداية التكليف عند البلوغ. إذ لو كان النظر في الأدلة واجباً لكان الفرد حاملاً ما لا طاقة له به، وهو في سن مبكر من حياته العقلية.
كذلك لو كان الواجب على كل إنسان أن ينشغل في البحث لإقامة الأدلة العقلية لتصحيح عقيدته؛ لأفضى الأمر إلى اختلال نظام الحياة الإجتماعية والمصالح البشرية، إذ لا يتهيأ البحث الجاد لإقامة الأدلة إلا للعلماء المختصين. ولا يفيد القول بأنه يكفي البحث الإجمالي في إقامة الأدلة، لأنه يبرر في الغالب بقاء الناس على ما هم عليه من إتباع هوى المعتقد المألوف وادلته دون النظر بعين الجدية والإعتبار في أدلة المذاهب الأخرى. والإنصاف يدفعنا إلى الإقراربأن هذا هو ديدن أغلب العلماء فكيف الحال بالعامة من الناس؟! وقد كان الغزالي يقول في (الإقتصاد في الإعتقاد): «وأما إتّباع العقل الصرف فلا يقوى عليه إلا أولياء الله تعالى الذين أراهم الله الحق حقاً وقواهم على إتباعه، وإن أردت أن تجرب هذا في الإعتقادات فأورد على فهم العامي المعتزلي مسألة معقولة جلية فيسارع إلى قبولها، فلو قلت أنه مذهب الأشعري لنفر وإمتنع عن القبول وإنقلب مكذباً بعين ما صدّق به مهما كان سيء الظن بالأشعري، إذ كان قبح ذلك في نفسه منذ الصبا، وكذلك تقرر أمراً معقولاً عند العامي الأشعري ثم تقول له أن هذا قول المعتزلي فينفر عن قبوله بعد التصديق ويعود إلى التكذيب، ولست أقول هذا طبع العوام بل طبع أكثر من رأيته من المتوسمين بإسم العلم، فإنهم لم يفارقوا العوام في أصل التقليد، بل أضافوا إلى تقليد المذهب تقليد الدليل، فهم في نظرهم لا يطلبون الحق بل يطلبون طريق الحيلة في نصرة ما إعتقدوه حقاً بالسماع والتقليد، فإن صادفوا في نظرهم ما يؤكد عقائدهم قالوا قد ظفرنا بالدليل، وأن ظهر لهم ما يضعف مذهبهم قالوا قد عرضت لنا شبهة، فيضعون الإعتقاد المتلقف بالتقليد أصلاً وينبزون بالشبهة كل ما يخالفه، وبالدليل كل ما يوافقه، وإنما الحق ضده، وهو أن لا يعتقد شيئاً أصلاً وينظر إلى الدليل ويسمي مقتضاه حقاً ونقيضه باطلاً، وكل ذلك منشؤه الإستحسان والإستقباح بتقديم الإلفة والتخلق بأخلاق منذ الصبا»[20].
[1] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص18.
[2] بدر الدين الزركشي: البحر المحيط، شبكة المشكاة الإلكترونية، فقرة 22 (لم تذكر ارقام صفحاته(.
[3] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص24.
[4] نظرية التكليف، ص81.
[5] البحر المحيط، فقرة 22 و81.
[6] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص71 و19. وشرح الأصول الخمسة، ص39. وتمهيد الأصول في علم الكلام، ص2 و4. وأنوار الملكوت في شرح الياقوت، ص9.
[7] البحر المحيط، فقرة 22.
[8] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص30.
[9] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص30ـ31. وشرح الأصول الخمسة، ص29. كذلك: تمهيد الأصول في علم الكلام، ص5. ونظرية التكليف، ص83.
[10] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص26.
[11] تمهيد الأصول، ص199 وص3ـ5.
[12] شرح الأصول الخمسة، ص56ـ60. والمجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص22.
[13] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص24. وشرح الأصول الخمسة، ص64.
[14] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص17ـ18.
[15] أنوار الملكوت، ص3ـ5.
[16] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص17ـ18. وتمهيد الأصول، ص199.
[17] تمهيد الأصول، ص199ـ200.
[18] عدة الأصول، ج1، ص306ـ307.
[19] الأصول العامة للفقه المقارن، المجمع العلمي لأهل البيت، قم، الطبعة الثانية، 1418هـ ـ1997م، ص516ـ517.
[20] الإقتصاد في الإعتقاد، ضبطه وقدم له موفق فوزي الجبر، دار الحكمة، دمشق، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ1994م، ص173.