-
ع
+

تداخل الفكر الإسلامي

 يحيى محمد

يحتضنالتراث الإسلامي نظامين معرفيين متضادين هما النظام الوجودي والنظام المعياري، ولكل منهما دوائر معرفية متنافسة، فالأول منهما يحمل دائرتين فلسفية وعرفانية، كما ان الثاني يحمل دائرتين عقلية وبيانية (نقلية). وبهذا يكون الفكر الإسلامي - كتراث - حاملاً لأربع دوائر مختلفة تتمايز منهجياً بأدواتها المعرفية، رغم أن إنتاجها المعرفي وفهمها للنص الديني يتحددان طبقاً لما تحمله من أصول مولدة فعالة تعمل كدينامو للتفكير والتنظير. إذ يتعذر على الأدوات المنهجية أن تنتج فهماً ومعرفة من غير تلك الأواصر.

ففي النظام الوجودي تتأسس الرؤية الفلسفية وفهمها للنص الديني من خلال اصل مولد خاص هو مبدأ >السنخية< الذي له وظيفة مزدوجة للربط، فهو منهج ورؤية مولّدة في الوقت ذاته، وبهذا الإزدواج فإن ما يتولّد عنه من مفاصل الرؤية يخضع لإشتراك هذين العنصرين.

والحال ذاته لدى الدائرة العرفانية، اذ تؤسس رؤيتها من خلال مبدأ السنخية كأصل مولد يعمل وفق اداة الكشف والشهود القلبي، فمعارفها ومنظومتها الوجودية لم تتأسس وفق الاداة العقلية واساليبها الاستدلالية كما هو الحال لدى الدائرة الفلسفية، بل تأسست وفق اداة الذوق الوجداني والشهود العياني. رغم انه من الناحية الفعلية نجد الكثير من الوجوديين قد زاوجوا بين الاداتين، لذلك اطلق عليها المتأخرون (الطريقة الاشراقية).

اما النظام المعياري فنجد ان دائرته العقلية تحمل اكثر من جهاز معرفي مولّد، فكل جهاز يعمل طبقاً لبعض الأصول العقلية، فيكون منهجاً ورؤية مولّدة يتأسس عليهما الإنتاج المعرفي وفهم النص الديني. ومن حيث التحديد تعمل هذه الدائرة وفق اصلين مولدين رئيسيين يجمعهما رابط عام هو (الحق)، وإن اختلف الأمر بينهما تحت عنوانين، هما: الحق في ذاته أو (الحق الذاتي)، والحق المشروط بالملكية أو (حق الملكية)، كما يشهد على ذلك علم الكلام العقلي. فالاول يعتبر (الحق) كياناً معيارياً غير مشروط بشروط خارجة عن ذاته، كما يحتمي به كل من المعتزلة والإمامية والزيدية ومن على شاكلتها، كأساس لتوليد النظر القبلي والإنتاج المعرفي المنظّم ومن بعده فهم النص. في حين يرى الآخر أن هذا (الحق) مشروط بالملكية، كما يتمثل لدى الاشاعرة، فهو الاصل الذي يبرر للمالك المطلق حق التصرف بملكه ما يشاء.

تبقى الدائرة البيانية ضمن النظام المعياري، وتتميز بانها قائمة على قاعدة الفهم العرفي للنص. فالنص بما له من إعتبارات عرفية للفهم والتوليد هو مرجع أساس للتكوين المعرفي لدى الدائرة البيانية. فللنص مرجعية تكوينية وتقويمية، بمعنى أن العقل البياني يتكون من إفرازات نصية، وأن المصادر الأخرى ليس لها إعتبار ما لم يتم عرضها على مرجعية النص وإحراز موافقته. وإذا كان من الممكن للبياني أن تنقطع صلته بالمصادر الأخرى التي قد يكون لها شيء من الأثر على فكره؛ فإن ذلك لا يمكن أن يحصل مع علاقته بالنص. فلدى البياني أن مصادر المعرفة والتشريع تبدأ بالنص، حيث القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، وبعدهما الإجماع ككاشف عن النص أو مستدل عليه به، وقد يضاف إلى ذلك قول الصحابي وسلوكه ككاشف آخر، وبعد ذلك تأتي سائر مبادئ الإجتهاد الأخرى التي حرص البيانيون – عادة - على جعلها مستمدة من النص مباشرة وغير مباشرة.

وتظل الآلية الإجتهادية لدى العقل البياني آلية لغوية تبدأ بالنص وتنتهي إليه. والغالب فيها أنها مسخرة في اطار الرواية والحديث، سواء كانت هذه الرواية نبوية كما لدى أهل السنة، أو إمامية كما لدى الشيعة. فبحسب العقل البياني أنه لا بد من الخضوع إلى الضوابط التي يراعى فيها فهم النص وإعتباراته اللغوية وما يقتضي ذلك من آليات عديدة؛ كالجمع بين المتعارضات ومعرفة السند وأحوال الرجال وقضايا كثيرة أخرى مبثوثة في علوم القرآن والحديث والرجال وأصول الفقه. والإشكالية التي يواجهها البياني لا تتجاوز في الغالب إشكالية البحث في السند والدلالة.

وتتضمن قاعدة الفهم العرفي كلاً من المعنى اللغوي الحرفي، والمعنى المستخدم عرفاً، ومثله المعنى الشرعي، ويتفلرع على ذلك ما يطلق عليه حديثاً (الفهم الاجتماعي للنص).

هكذا يتبين ان لكل من النظامين السابقين دائرتين معرفيتين، حيث يمتلك النظام الوجودي دائرتي الفلسفة والعرفان، كما ويمتلك النظام المعياري دائرتي البيان والعقل كما يتمثل في علم الكلام. وجميع هذه الدوائر نجدها لدى الساحتين السنية والشيعية. فكل منهما تحمل تياراً من الفلسفة وعموم النظام الوجودي بدائرتيه الفلسفية والعرفانية، كما وتحمل تياراً آخر من علم الكلام وعموم النظام المعياري بدائرتيه العقلية والبيانية. وبالتالي فإن هناك تكافؤاً في الدوائر الوجودية والمعيارية. فللإتجاه السني دوائره الفلسفية والعرفانية والعقلية والبيانية، والحال عينه بالنسبة للإتجاه الشيعي. يضاف إلى أن ما يغلب على الإتجاه السني - كما في العقائد والكلام - هو النزعة المعيارية، سيما الجانب العقلي منها، وهو عين الأمر بالنسبة للإتجاه الشيعي (الإثنى عشري) بلا فرق.

لذا فمن حيث البحث الإبستيمي يمكن فتح الباب المسدود بين المذاهب الإسلامية. فبحسب هذا النهج من التفكير سوف يمكن إعادة ترتيب مواقع إتجاهات المعرفة بصيغة جديدة تختلف عما هو الشائع قديماً وحاضراً. إذ لم يعد ممكناً إعتبار «المذهب» حاملاً للإتساق والوحدة في ذاته إذا ما تضمّن أنظمة متضاربة ومناهج متضادة. كما ليس من الممكن غلق المذاهب وعزلها عن بعضها - كالمونودات - إذا ما التقت وتقاربت طبقاً لطريقة التفكير عند معالجتها للموضوعات المشتركة. وبالتالي فليس من الصواب حفر الخنادق بين المذاهب ونشر الخلاف والتمايز المطلق دون النظر إلى ما يجمعها ويوحدها في الخصوصية المشتركة الأساسية، كطريقة عامة للتنظير والتمنطق ضمن دينامو تفكير مشترك.

فطبقاً لهذا يمكن القول بأن الشيعة ليست على النقيض من السنة، ولا أن هذه الأخيرة تقع على الضد من تلك. كما أن أياً منهما لا يحمل إتساقاً في ذاته كمذهب عام، إذ في كل منهما عناصر متضادة ومتضاربة من الدوائر المعرفية. وطبقاً لعلم الطريقة والبحث الإبستيمي قد يلتقي منهج معرفي ضمن أحد المذهبين بمنهج معرفي في الآخر، رغم أنه يتضارب - في الوقت ذاته - مع مناهج أخرى تعود إلى نفس المذهب الذي ينتمي إليه. فالإتجاه الإخباري لدى الشيعة يلتقي تماماً مع الإتجاه البياني السلفي لدى السنة تبعاً لطريقة النظر الإبستيمي لدينامو التفكير. وبالتالي فهما يتموضعان معاً في خندق معرفي واحد مضاد لسائر الخنادق المعرفية من الدوائر العقلية المعيارية والوجودية بما فيها تلك التي تنتمي إلى نفس المذهب. وعلى هذه الشاكلة يكون الإتجاه الكلامي الشيعي ملتقياً مع المعتزلة، وهذه الفرقة تلتقي مع متأخري الأشاعرة في العديد من الإعتبارات العقلية. والحال ذاته يصدق على سائر الدوائر المعرفية الأخرى التي تحددها الأصول المولدة من دينامو التفكير وروحه، مما ينطبق على الفقه والفروع.

وهذه النقطة من التداخل والتقسيم تثير اشكالاً حول القضية التي اتفقت عليها المذاهب الإسلامية ضمن النظام المعياري بدائرتيه، وهي أن هناك فرقة ناجية وسط فرق الضلال. إذ كادت المذاهب العقلية والبيانية تتفق على إعتبار جميع الفرق ضالة باستثناء واحدة، رغم التداخل الحاصل بينها. فالتداخل بين المذاهب يحيل أن يكون هناك مذهب نقي خالص يتميز عن غيره من المذاهب، سواء على صعيد المضمون الفكري أو المنهج والطريقة.

والطريقة التي نعرّف بها تجعلنا ندرك بأن المنتمين إلى مذهب معين قد يمارسون الإزدواجية في التفكير بحسب ما تفرضه عليهم المناهج المتعددة، والتي تصل بهم أحياناً إلى حد التناقض حين يُعالج الموضوع ذاته بمنهجين متضاربين في النظام والتفكير، كالتضارب الوارد بين النظامين الوجودي والمعياري. فقد يمارس المنتمي إلى الدائرة العقلية المنهج البياني، في ما يفترض فيه إتّباع المنهج العقلي، وقد يكون العكس، كما قد تحصل فوضى منهجية بالأخذ من هذا المنهج أو ذاك من دون شروط، يضاف إلى أن المنتمي إلى النظام المعياري قد يستعين بتفكير النظام الوجودي لحلّ قضاياه العالقة، كما يحدث العكس. وبالتالي فقد تحدث مزاوجات وتهجينات بين النظامين دون شروط ومراعاة للحدود المنهجية التي تشدّهما نحو التفكير كما تفرضها أصولها المولّدة المستقلة، فيحصل ما نسميه فسيفساء الفكر غير المتجانس. فهذا النوع من المزاوجات والتهجينات قد شهد عليه تاريخ الفكر الإسلامي، فنجد مثلاً شخصيات علمية كبيرة تحمل إتجاهين متضاربين، فتجمع بين مذاهب وجودية (فلسفية أو عرفانية) ومذاهب أخرى معيارية (فقهية أو كلامية). وكان من أبرزهم الكندي والغزالي وإبن رشد والفيض الكاشاني وغيرهم.

عموماً يتصف الفكر الإسلامي - كتراث معرفي - بالتعدد والتداخل، فهو متعدد بكثرة فرقه، كما أنه متداخل أيضاً. وتبرز إيجابية هذه الظاهرة لدى الفروع من هذا الفكر، كما في علم الفقه وغيره من العلوم. أما في الأصول والعقائد فالأمر مختلف، إذ الفكر فيها وإن تعدد وتداخل إلا أن ما ساد قد تمّ توظيفه بإتجاه التضليل والتكفير. إذ كانت الفرق الدينية أحادية التصور؛ لا تجيز للآخر الإختلاف والتعدد، وبعضها يتهم البعض الآخر بالضلال والكفر، كما أنها قد داولت قضاياها العقدية بأنحاء شتى من الإجتهاد، رغم أنها تتنكر - في الغالب - لهذا الإجتهاد ولا تعترف به1. لكن رغم كل ذلك فإن النقطة الإيجابية التي تتجاوز هذه السلبيات هي أن تعددية هذه الفرق محكومة بالتداخل. فبحسب البحث الإبستيمي تتصف التعددية المشار إليها بأنها متداخلة على المستويين: المضمون الفكري، والمنهج أو الطريقة. ومن حيث الدقة، هناك ثلاث جهات تتداخل فيما بينها، هي: المناهج والعلوم والمذاهب. ففي المذهب الواحد تتعدد العلوم والمناهج، كما تتعدد في العلم الواحد المذاهب والمناهج، وكذا الحال في المنهج الواحد، فهو أيضاً يتضمن تعدداً في العلوم والمذاهب.

فمثلاً على مستوى المضمون، رغم أن الفرق الإسلامية تتفق على أصل التوحيد، إلا أنها تختلف حول مضمون هذا الاصل. فهناك التوحيد بالمعنى التشبيهي، وفي قباله التوحيد بالمعنى التنزيهي، كما هناك التوحيد بالمعنى الأشعري، وكذا بالمعنى الفلسفي، وعلى شاكلته العرفاني المعبّر عن وحدة الوجود، وغير ذلك من المعاني. وهذا الإختلاف لا يمنع من إشتراك الفرق الكبيرة في حمله. فالمعنى التنزيهي للتوحيد وارد؛ سواء في الساحة الشيعية أو السنية، ومثله المعنى التشبيهي، وكذا المعاني الأخرى.

ولو استعنا ببيتين من الشعر لمحي الدين ابن عربي حول التوحيد فسنجد الى اي حد تتفق فيه الاتجاهات داخل المذاهب الاسلامية المختلفة2:

فإنقلت بالتنزيه كنتَ مقيِّداًوإنقلتَ بالتشبيه كنتَ محدِّداً

وإنقلتَ بالامرين كنتَ مسدَّداًوكنتإماماً في المعارف سيداً

اذ يعكسهذان البيتان شكل التناغم الذي يتقارب فيه الاتجاه العرفاني، الذي يؤيده حيدر الاملي وصدر المتألهين الشيرازي بقوة، مع الاتجاه السلفي الحنبلي واتباعه من امثال ابن تيمية ومن على شاكلتهم من متقدمي الاشاعرة؛ وعلى رأسهم مؤسس المذهب ابو الحسن الاشعري. وهوذاته يعكس التداخل بين المذاهب الاسلامية وتقاربها.

وعلى شاكلة ما سبق أن التسليم بمرجعية العقل وارد لدى الساحتين، كما أن انكار العقل وارد هو الآخر لديهما3، وكذا يقال حول قضايا رئيسة أخرى كقضية الحسن والقبح العقليين4، وقضية القياس وما اليها5. ففي الساحتين (السنية والشيعية) هناك من يعوّل على هذه القضايا، مثلما يوجد من ينكرها. وهو معنى كون هذه التعددية تداخلية. كل ما في الأمر قد تجد الغلبة المعرفية للفكرة في هذا المذهب، في حين تجد الندرة لهذه الفكرة لدى المذهب الآخر. وقد ينعكس الأمر تاريخياً، فما يعد غالباً في فترة زمنية قد يصير شاذاً أو قليلاً في فترة أخرى، وقد يتناوب الحال بين المذاهب. وبالتالي فهناك تعددية تداخلية تتيح للبحث المنهجي أن يؤدي دوره للعمل دون الوقوع في براثن المذهبية والإسقاطات الآيديولوجية.

وينطبق الحال ذاته على الخلاف المنهجي، فجميع المناهج التي يتضمنها النظامان المعياري والوجودي متوافرة في الساحتين دون إختلاف6. فالمذهب السني يحتضن هذين النظامين مثلما يحتضنه المذهب الشيعي بلا فرق، إذ كل منهما يحمل تياراً من النظام الوجودي بدائرتيه العقلية الفلسفية والكشفية العرفانية، كما ويحملان تياراً آخر من النظام المعياري بنزعتيه العقلية والبيانية، وبالتالي فكل منهما يكافئ الآخر في حمله للدوائر الوجودية والمعيارية الأربع، أي الفلسفية والعرفانية والعقلية والبيانية. يضاف إلى أن ما يغلب على الإتجاه السني هو النزعة المعيارية، لا سيما العقلي منها كما تتمثل لدى الأشاعرة، وهو عين الأمر بالنسبة للإتجاه الشيعي أو الإمامي الإثني عشري من دون فرق. وبالتالي فما من حسنة تجدها هنا إلا وتجدها هناك، وكذا العكس؛ ما من سيئة هنا إلا ويقابلها سيئة هناك.

هذا ما نقصده من التداخل في الفكر الإسلامي، وبه يمكن تجاوز النزعات المذهبية وايديولوجياتها المتعارضة، فما من مذهب إلا ويستعين بذات الطرق التي يوظفها المذهب الآخر. فنحن نمارس – هنا - شبيه ما يمارسه العالم الانثروبولوجي في تعامله البنيوي مع الاساطير المختلفة وفقاً للنهج الشتراوسي، فرغم وجود الاختلاف الكبير بين هذه الاساطير، بل وتعارضها، لكنها تخفي وراءها وحدات ثابتة بنيوية هي موضع الارتكاز المشترك فيما بينها.

وبالتالي فإن دراسة التراث المعرفي طبقاً لعلم الطريقة والبحث الإبستيمي يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة عن تلك التي تفضي إليها النزعات المذهبية. خاصة إذا ما عوّلنا على العلاقة المنطقية التي تربط بين جهات الفكر الإسلامي الثلاث (المناهج والعلوم والمذاهب). فلو جعلنا المذهب أساس العلم؛ لسقطنا بالفكر الآيديولوجي وضياع الحقيقة. أما لو عكسنا المسألة وجعلنا العلم أساس المذهب، والمنهج أساس التكوين العلمي، فسيدلنا ذلك على الحقيقة والبناء المعرفي الصحيح.

فجميعنا يراهن، سواء وعينا ذلك أم لم نعِ، لكن مع وجود فارق بين من يراهن على المذهب بالمعنى (القبَلي أو العشائري) عندما يكون أساساً للعلم، ومن يراهن على العلم كأساس للمذهب. فالمراهنة الأولى لا تصح وإن كسبت الرهان، في حين تصح الثانية وإن خسرت الأخير. فالفارق بينهما كالفارق بين مَن يتنبأ بظهور وجه الصورة في رمية قطعة النقد المتكافئة الوجهين، ومَن لا يتنبأ بها ولا بالوجه الآخر، بل يتوقف عند النسبة المنطقية (1\2). فمهما كان الوجه الذي يظهر فستبقى الحالة الأخيرة هي الصحيحة دون الأولى. فحتى لو ظهرت الصورة فعلاً وتمّ كسب الرهان فلا يعني أن الأخير صحيح بإعتباره مبنياً على الصدفة، والصدفة ليست أساس العلم، خلاف الحالة الثانية المنطقية.

هكذا فالذين بنوا علمهم على التقليد وسيكسبون الرهان يوم الجزاء لا يختلفون حظاً عن أمثالهم ممن سيخسرونه. فالجميع من حيث النتيجة، رغم التضاد والخلاف القائم بينهم، على السواء، طالما أن العملية مبنية على الصدفة وشائبة (الضميمات القبَلية) دون سعي التحقيق الموضوعي المحايد قدر الإمكان. وبعبارة تقريبية نقول أنهم يراهنون على الفرس السيء في السباق.

1 انظر الفصل الأخير من: الإجتهاد والتقليد والإتباع والنظر.
2 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص290 . ونقد النقود، ص663-664. وايقاظ النائمين، ص19.
3 نشير إلى أن أغلب الإتجاهات البيانية النقلية في الساحتين السنية والشيعية، ومعها بعض الإتجاهات العرفانية، تتنكر للدليل العقلي، خلافاً لغيرها من الإتجاهات.
4 فأغلب علماء الإمامية الاثني عشرية يتبنون الحسن والقبح العقليين وملازمتها للقضية الشرعية، لكن بعضهم كالإخبارية وبعض الأصوليين لا يقرون ذلك (انظر حول ذلك الفصل الأول من: فهم الدين والواقع). وعلى العكس من هذا في الساحة السنية حيث اغلبهم لا يقرون تلك القضية، وبعضهم يتبناها كما جاء على لسان إبن القيم الجوزية وعدد من الفقهاء والمتكلمين (انظر الفصل الثامن من: العقل والبيان والإشكاليات الدينية).
5 إذ أقرّت أغلب الإتجاهات السنية مبدأ القياس الفقهي، والقليل منهم منعه، كالحال مع داود الظاهري وابنه وإبن حزم وغيرهم. وعلى خلاف ذلك منع أغلب علماء الإمامية الاثني عشرية هذا المبدأ، لكن اقره القليل منهم؛ كإبن الجنيد وإبن أبي عقيل العماني وقبلهما الفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم من المتقدمين، وبعض المتأخرين ممن عاصر الشيخ الانصاري (لاحظ حول ذلك الفصل الأول من: الإجتهاد والتقليد والإتباع والنظر. والفصل الخامس من: العقل والبيان والإشكاليات الدينية. كذلك دراستنا: أزمة الإجتهاد عند الشيعة، مجلة الإجتهاد والتجديد، 2007م).
6 سبق أن تعرضنا إلى ذلك في محاضرتين حول التعددية لدى الفكر الديني والسياسي (دار الإسلام، لندن)، ونُشرت إحداهما تحت عنوان (الإسلاميون والمجتمعات التعددية) في بعض الإصدارات العربية عام 1421هـ ـ2000م.
comments powered by Disqus