يحيى محمد
إن إضفاء الدائرة العقلية على العقل صفات الحقيقة والقطع والإحكام، ومن ثم تحويل دلالة النص الديني إلى ما يقابلها من صفات المجاز والإحتمال والتشابه، كل ذلك جعل من العقل عبارة عن ديانة خاصة منافسة لديانة «بيان» النص، وهو ما حفّز على ظهور الدائرة البيانية بثوبها المنظّر للرد على تلك الديانة وقلب موازين الادعاء والحكم. فما استهدفته الحركة البيانية المنظّرة هو إعادة الإعتبار للبيان الديني من خلال الرد على التهم العقلية والدعوة إلى الطريقة البيانية في فهمها للخطاب الديني.
هكذا ظهر التنافس في المرجعية بين الدائرتين، فأي منهما يضمن الحقيقة والقطع والإحكام؟ وأي منهما يليق بأن يعبّر عن واقع ما يريده الخطاب في نصّه المنزّل؟
لقد شغلت هذه المسألة الكثير من جهود النظام المعياري، سواء داخل الدائرة العقلية أم البيانية. فقد تقرر لدى الدائرة الأولى أنه لا يمكن النظر في دلالة نص الخطاب ما لم يكن مسبوقاً بالنظر في الأحكام العقلية، خشية أن تكون تلك الدلالة مخالفة لهذه الأحكام بإعتبارها محكمة وقطعية لا تقبل الرد. وسبق للامام الجويني أن حدد طبيعة العلاقة بين العقل والنقل، معتبراً أنه لا بد من لحاظ كلا الدلالتين العقلية والنقلية، فأوجب على الناظر في الأدلة النقلية أن ينظر أولاً ما هو المقرر لدى العقل من أحكام، فإذا كان العقل لا يحيل ما يرد من نقل، وكانت الأدلة النقلية قاطعة في طرقها الخاصة، ففي هذه الحالة لا بد من القطع بذلك. أما لو لم تكن هذه الأدلة قاطعة ولم يكن لدى العقل حكم بالمنع والإحالة، فإنه لا يجوز القطع في تلك الأدلة، وإن كان يغلب على الظن ما دلّ الدليل النقلي عليه، في حين لو كان الدليل النقلي مخالفاً لقضية من قضايا العقل، فلا بد من ردّه وعدم قبوله، ومنه يتبين بأن هذا الدليل ليس قطعياً، وإلا فإن الشرع القاطع لا يخالف العقل مطلقاً[1].
كما أن الغزالي هو الآخر شغل نفسه بهذه القضية المنهجية، فحاول أن يصل إلى طريقة يحلّ بها حالة التصادم المفترض بين الدلالتين العقلية والسمعية. فقد ذكر في (قانون التأويل) أن «بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر، والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول، والى مفرط بتجريد النظر المعقول، والى متوسط طمع في الجمع والتلفيق. والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلاً والمنقول تابعاً، فلم تشتد عنايتهم بالبحث عنه، والى من جعل المنقول أصلاً والمعقول تابعاً، فلم تشتد عنايتهم بالبحث عنه، والى من جعل كل واحد أصلاً ويسعى في التأليف والتوفيق بينهما. فهم إذا خمس فرق».
وانحاز الغزالي إلى الفرقة الخامسة، إذ برأيه أنها تنهج منهجاً قويماً وإن كانت ترتقي مرتقاً صعباً في أكثر الأمور، لكن مع ذلك فهو يهوّن المسألة ويعتبر أن من طالت ممارسته للعلوم وكثر الخوض فيها بإستطاعته - في أكثر الأحيان - أن يلفق بين المعقول والمنقول بتأويلات قريبة. ويستثني من ذلك موضعين: موضع يضطر فيه إلى تأويلات بعيدة تنبو الأفهام عنها، وموضع آخر لا يتبين له فيه أي وجه للتأويل، كما هو الحال مع الحروف المقطعة من أوائل السور. واعتبر هذا المفكر أن من ظنّ أنه سلم من الأمرين السابقين فهو إما لقصوره في المعقول وعدم معرفته للمحالات النظرية، أو لقصوره عن مطالعة الأخبار التي يكثر مباينتها لما هو معقول[2].
ويتضمن هذا الرأي للغزالي وجود أخبار يعسر تأويلها وفقاً لأحكام العقل النظرية. لكن مع هذا فقد جاء في كتابه (الإقتصاد في الإعتقاد) ما يخالف ذلك، فلم يعترف بالمشكلة السابقة حول تأويل الأخبار والأحاديث، خلافاً لما عرضه في (قانون التأويل). وكما قال: «.. كلّما ورد السمع به يُنظر، فإن كان العقل مجوزاً له وجب التصديق به قطعاً إن كانت الأدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها لا يتطرق إليها إحتمال، ووجب التصديق بها ظناً إن كانت ظنية... وأما ما قضى العقل بإستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول، وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل»[3].
مهما يكن فإن مسألة التأويل عند الغزالي ترتهن بالعقل الذي دافع عنه واعتبره أصلاً نضطر إليه في فهم قضايا الخطاب. فبرأيه أنه لا يجوز تكذيبه وإلا لإستحال تأسيس الخطاب وإثبات المسألة الدينية؛ لارتكاز هذا التأسيس عليه. لذا فعند التعارض بين العقل والنقل لم يجد الغزالي سبيلاً آخر غير التأويل، ويضرب مثلاً على ذلك، وهو أنه إذا ذكر لنا الشرع بأن الأعمال توزن، علمنا بأن الأعمال عرض غير قابلة للوزن، لذا يقتضي التأويل، وكذا لو سمعنا: أن الموت يؤتى به في صورة كبش أملح فيذبح، لا بد من تأويله لأن الموت عرض لا يؤتى به.
ومع هذا فالغزالي يوصي بضرورة الكف عن تعيين التأويل حين تعارض الإحتمالات من دون قطع بأحدها، لخطورة تعيين مراد الله ورسوله بالظن والتخمين[4]. وإن كان في محل آخر منع تأويل النص على كل من العامي والأديب والنحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمتكلم، بل كل عالم عدا رجال الكشف الذين هم مع ذلك «على خطر عظيم يهلك من العشرة تسعة إلى أن يسعد واحد بالدر المكنون والسر المخزون»[5].
أما الفخر الرازي فقد خطا خطوة كبيرة في هذا الإتجاه، كما يظهر من تصريحاته الكثيرة التي أكد فيها على ضرورة الثقة بالعقل واستخدام التأويل حين التعارض مع النقل.
فقد ذكر في كتابه (أساس التقديس في علم الكلام) بأن الدلائل العقلية القطعية إذا قامت على ثبوت شيء، وكانت هناك أدلة نقلية يشعر ظاهرها خلاف ذلك، فلا يخلو الموقف من أحد هذه الأمور الأربعة: إما أن يُصدق مقتضى العقل والنقل، فيلزم تصديق النقيضين، وهو محال. وإما أن يبطل ذلك فيلزم تكذيب النقيضين، وهو محال أيضاً. وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر العقلية، وهو باطل، إذ لا يمكن معرفة صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول (ص) وظهور المعجزات على محمد (ص)، ولو جوّزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول. ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة. فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً، وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام السابقة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن تكون غير صحيحة، أو أنها صحيحة لكن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوّزنا التأويل، تبرعنا بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم نجوّزه فوّضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المستند إليه في جميع المتشابهات[6].
وشبيه بهذا المعنى ما أكده الفخر الرازي في كتابه (نهاية العقول)، إذ اعتبر بأن الموقف من معارضة النقل للعقل إما تكذيب العقل أو تأويل النقل، لكن الأول يفضي بتكذيب النقل أيضاً، حيث لا طريق لإثبات الصانع ومعرفة النبوة سوى العقل، وبهذا يثبت الثاني. وهو في هذا الكتاب كما في (المطالب العالية) اعتبر أن ظواهر الشريعة لا يستفاد منها شيء معلوم ما لم تكن سليمة من المعارض العقلي. مما يعني أن فهم الخطاب لا يتحقق - عنده - كمعطى معرفي إلا بإنتفاء ذلك المعارض. فآيات التشبيه - مثلاً - كثيرة لكنها معارضة بالدلائل العقلية مما يوجب تأويلها وصرفها عن الظاهر. وهو الآخر كالغزالي أبدى اضطراره إلى ترتيب هذه النتيجة بحجة أن الطعن بالعقل يلزم عنه الطعن بالنقل، تبعاً لتوقف التأسيس الخارجي للخطاب على الإعتبارات العقلية. لكنه رغم ذلك لا يحسم تعيين مراد النص على وجه الحقيقة واليقين، بل يرى ذلك موقوفاً على القطع بإنتفاء المعارض العقلي، مع أن هذا القطع - برأيه - لا يمكن احرازه، إذ في جميع الأحوال أن الإعتقاد بإنتفاء المعارض العقلي هو أمر مظنون لا معلوم لإستحالة القطع، حيث يجوز أن يكون في نفس الأمر دليل عقلي يناقض ما دل عليه القرآن ولم يخطر ببال المستمع[7].
وعلى العموم أنه يعدّ الدليل اللفظي لا يفيد اليقين ما لم يتم التيقن بعشرة أمور، هي: عصمة رواة مفردات تلك الألفاظ واعرابها وتصريفها وعدم الإشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الاضمار والتأخير والتقديم والنسخ، وأخيراً عدم المعارض العقلي. على أن جميع هذه الأمور عنده مظنونة لا معلومة. وحيث أن الموقوف على المظنون مظنون مثله، لهذا أحال أن يكون الدليل النقلي مفضياً إلى القطع؛ خلافاً لما هو الحال مع الدليل العقلي الذي رجحه عليه لقيمته المعرفية المطلقة[8].
هكذا حكم الفخر الرازي على نص الخطاب أن يكون متشابهاً بلا بيان، وهو ما جعل الفهم لا يستغني - عنده - عن العقل. فمثلما لا يستغني الخطاب عن العقل في تأسيسه الخارجي، فكذا الحال في التأسيس الداخلي المتمثل بالفهم، ومع هذا تبقى المسألة دون حد الإحكام واليقين.
وبذلك يكون الفخر الرازي قد فاق من سبقه في الكشف عن الهوّة بين ما يفيده الدليل العقلي من حكم، وما تفيده الدلالة النقلية من معنى. فقد أصبحت العلاقة بين العقل والنص علاقة محكومة بالإغلاق والتباعد نظراً لما نظّر إليه من غياب شروط القيمومة للنص لحمله علامات الظن والتشابه.
ومع ذلك فالملاحظ أن الفخر الرازي - حاله كحال الغزالي - لم يسلم من الاضطراب والتناقض، فهو في كتاب (الأربعين) قلب علاقة العقل بالنص مما عهدناه عنده من إغلاق وتباعد مطلقين إلى بعض الحالات النسبية من الإنفتاح والإقتراب، بكشفه عن بعض الشروط التي من شأنها أن تبعث الحياة في النص وتجعله حاملاً للقيمومة ومصدراً للإعتماد واليقين. إذ اعتبر أن عدم التيقن من الأمور العشرة الآنفة الذكر لا يلزم منه عدم افادة الدليل اللفظي لليقين، فذكر بأنه حتى مع عدم احراز تلك الأمور العشرة، فربما اقترن بالدلائل النقلية قضايا عُرف وجودها بالأخبار المتواترة، وهذه القضايا تنفي إحتمالات تلك الأمور، ومن ثم يصبح الدليل السمعي المقرون بتلك القرائن الثابتة بالأخبار المتواترة مفيداً لليقين[9].
كما تراجع الرازي - أخيراً - عن تمسكه بالدليل العقلي الذي شيّد نظريته عليه، واستقر أمره على نقضه، منكراً أن يكون ما يفرزه من نتائج تبعث على الاطمئنان. وهو بهذا يعبّر عن أشد حالات التناقض التي صادفها العقل في تاريخ الفكر الإسلامي. والتشكيك الذي أفاده بصدد ما يسمى بالبراهين العقلية جعل مرحلته لا تمثل نهاية التقنين العقلي فحسب، بل ونهاية العقل (المعياري) ذاته، إذ بقي التشكيك والتناقض عالقين بهذا العقل دون جواب حتى يومنا هذا.
وقد عبّر الرازي عن تشكيكه المشار إليه بقوله: «هذه الأشياء المسماة بالبراهين لو كانت في أنفسها براهين لكان كل من سمعها ووقف عليها وجب أن يقبلها وأن لا ينكرها أصلاً، وحيث نرى أن الذي يسميه أحد الخصمين برهاناً فإن الخصم الثاني يسمعه ويعرفه ولا يفيد له ظناً ضعيفاً.. علماً أن هذه الأشياء ليست في أنفسها براهين، بل هي مقدمات ضعيفة انضافت العصبية والمحبة إليها فتخيل بعضهم كونها برهاناً مع أن الأمر في نفسه ليس كذلك. وأيضاً فالمشبّه يحتج على القول بالتشبيه بحجة ويزعم أن تلك الحجة أفادته الجزم واليقين، فإما أن يقال: أن كل واحدة من هاتين الحجتين صحيحة يقينية فحينئذٍ يلزم صدق النقيضين وهو باطل، وإما أن يقال إحداهما صحيحة والأخرى فاسدة إلا أنه متى كان الأمر كذلك كانت مقدمة واحدة من مقدمات تلك الحجة باطلة في نفسها، مع أن الذي تمسك بتلك الحجة جزم بصحة تلك المقدمة إبتداء. فهذا يدل على أن العقل يجزم بصحة الفاسد جزماً إبتداء، فإذا كان كذلك كان العقل غير مقبول القول في البديهيات، وإذا كان العقل كذلك فحينئذٍ تفسد جميع الدلائل. فإن قالوا: العقل إنما جزم بصحة ذلك الفاسد لشبهة متقدمة، فنقول: قد حصل في تلك الشبهة المتقدمة مقدمة فاسدة، فإن كان ذلك لشبهة أخرى لزم التسلسل، وإن كان إبتداء فقد توجه الطعن. وأيضاً فانا نرى الدلائل القوية في بعض المسائل العقلية متعارضة، مثل مسألة الجوهر الفرد، فأنا نقول: كل متحيز فإن يمينه غير يساره، وكل ما كان كذلك فهو منقسم، ينتج أن كل متحيز منقسم، ثم نقول: الآن لم يكن حاضراً بل بعضه، وإذا كان غير منقسم كان أول عدمه في أن آخر متصل بأن وجوده، فلزم تتالي الآنات، ويلزم منه كون الجسم مركباً من أجزاء لا تتجزأ. فهذان الدليلان متعارضان ولا نعلم جواباً شافياً عن أحدهما، ونعلم أن أحد الكلامين مشتمل على مقدمة باطلة وقد جزم العقل بصحتها إبتداء، فصار العقل مطعوناً فيه»[10].
وفي وصيته، كما في بعض كتبه، رجع عن كل ما نظّر إليه إزاء «البيان» في قبال العقل، فانتصر أخيراً للبيان السلفي غير المنظّر، قالباً علاقة التقنين التي مثلت النهاية الأخيرة للتطور العقلي. فقد جاء في كتابه الذي صنفه في أقسام الذات قوله: «ولقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً. ورأيت أصح الطرق، طريقة القرآن. أقرأ في التنزيه ((والله الغني وأنتم الفقراء))، وقوله تعالى ((ليس كمثله شيء))، و((قل هو الله أحد)). واقرأ في الإثبات: ((الرحمن على العرش إستوى)).. ((يخافون ربهم من فوقهم)).. ((اليه يصعد الكلم الطيب)). واقرأ في أن الكل من الله قوله ((قل كل من عند الله)). ثم أقول وأقول من صميم القلب، من داخل الروح اني مقر بأن كل ما هو الأكمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك، وكل ما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه»[11].
وجاء في وصيته قوله أيضاً: «....اعلموا أني كنت رجلاً محباً للعلم. فكنت أكتب في كل شيء شيئاً لا أقف على كمية ولا على كيفية، سواء كان حقاً أو باطلاً، أو غثاً أو سميناً. إلا أن الذي نظرته في الكتب المعتبرة لي، أن هذا العالم المحسوس تحت تدبير منزه عن مماثلة المتحيزات والأعراض وموصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة. ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم. لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى. ويمنع من التعمق في ايراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية. ولهذا أقول كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والأزلية والتدبير والفعالية، فذاك هو الذي أقول به وألقى الله تعالى به. وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، فكل ما ورد في القرآن والأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد، فهو كما هو. والذي لم يكن كذلك، أقول يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. فكل ما مرّ به قلمي أو خطر ببالي فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقديس اعتقدت أنه الحق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي، فذاك جهد المقل. وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في زلة. فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي، يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينقص ملكه بخطأ المجرمين. وأقول ديني متابعة سيد المرسلين محمد (ص)، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما...»[12].
هكذا فبيده حقق الرازي للعقل ما لم يحققه أحد قبله، كما بيده أماته نصرة للبيان وإحياء لقيمومته التي أنكرها من قبل.
[1] الارشاد، ص359ـ360.
[2] قانون التأويل، ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي (7)، ص123 و126.
[3] الإقتصاد للغزالي، ص198ـ199.
[4] فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ص83 وما بعدها.
[5] إلجام العوام عن علم الكلام، ص49ـ50.
[6] فخر الدين الرازي: أساس التقديس في علم الكلام، مطبعة كردستان العلمية في مصر، ص210ـ211.
[7] عن: درء تعارض العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، ج1، ص12ـ14.
[8] المحصل للرازي، ص71. كذلك: شرح المواقف، ج1، ص209.
[9] الأربعين للرازي، ص 426.
[10] نعمة الله الجزائري: الأنوار النعمانية، طبعة تبريز في ايران، ج3، ص127ـ128. ويوسف البحراني: الحدائق الناضرة، مؤسسة نشر جماعة المدرسين في قم، ج1، ص128ـ129.
[11] فخر الدين الرازي: إعتقادات فرق المسلمين والمشركين، مصدر سابق، ص23ـ24. وإبن تيمية: كتاب النبوات، دار القلم في بيروت، ص122.
[12] لاحظ هذه الوصية في كل من كتب الرازي التالية: إعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص24ـ25. وأصول الدين، ص11ـ12. والمحصل، ص13ـ14.