-
ع
+

موقف العرفاء من النص الديني

يحيى محمد 

يمتاز خط العرفاء ومن تأثر بهم من الاشراقيين بظاهرة المفارقة بين الممارسات التطبيقية وبين ما يُعلن من المبدأ النظري العام. فمن حيث الموقف النظري لهذا الخط نجد انه يعترف بقبول ظاهر النص كمرجعية معرفية لا تقر التأويل، بل ويقدمه على غيره من المرجعيات بما فيها تلك التي تستند الى الاعتبارات الكشفية والعقلية. لكن من حيث الممارسات التطبيقية فان هذا الخط لا يلتزم عادة بالمبدأ النظري المزعوم. والاسوء من ذلك انه يمعن بالمباطنة الرمزية لادنى مناسبة، مثل تلك التي لجأت اليها الاسماعيلية، خاصة عند اولئك الذين امتازوا بموسوعة الديانة الوجودية وعلى رأسهم الشيخ ابن عربي.

نعم، ان من العرفاء من لا يقر بمرجعية النص صراحة، بل ويرى ان من الواجب ترجيح الحالة الكشفية عليه، كالذي يعلنه محمد بن عبد الجبار النفري (المتوفي سنة 354هـ)، اذ يؤكد بأن ‹‹الشريعة لم تُجعل الا للمحجوبين››، وان ‹‹فراسة العارف الباطنة تحدد له اي مظاهر الدين اليق به››. وما يراه النفري هو ان الدين يصور الحقائق على انها متعددة في الخارج، في حين ان المعرفة العرفانية تكشف عن وحدة الحقيقة[i]. لكن مع هذا فان عدداً غير قليل من العرفاء البارزين لا يقرون هذا المبدأ الذي يؤكد عليه النفري، وان كان اغلبهم ينساق اليه عملياً.

فمن حيث الاعلان المبدئي للعرفاء، انهم يقرون بالتمسك بحبل النص وهجر كل ما يتعارض معه، سواء كان فكراً او كشفاً. ومن ذلك ما قاله الجنيد (المتوفي سنة 297هـ): إن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة[ii]. وان ‹‹علمنا مشّيد بحديث رسول الله (ص››). وان: ‹‹كل الطرق مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله واتبع سنته ولزم طريقته، فان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه››. وقال اخر: كل فتح لا يشهد له الكتاب والسنة فليس بشيء[iii]. كما قال النوري: ‹‹من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربنّ منه››. وقال ابو حمزة الخراساني: ‹‹لا دليل على الطريق الى الله الا بمتابعة الرسول (ص) في احواله واقواله وافعاله››[iv]. وقال ابو الحسين الوراق الملامتي (المتوفي سنة 320هـ): ‹‹لا يصل العبد الى الله الا بالله وبموافقة حبيبه (ص) في شرائعه››. والصدق عنده هو ‹‹استقامة الطريقة في الدين واتباع السنة في الشرع››[v]. وقال القشيري: ‹‹الشريعة امر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فامرها غير مقبول، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فامرها غير محصول. والشريعة جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقة انباء عن تصريف الحق، فالشريعة ان تعبده، والحقيقة ان تشهده. والشريعة قيام بما امر، والحقيقة شهود لما قضى وقدر، واخفى واظهر››[vi]. وقال ابو الحسن الشاذلي (المتوفي سنة 656هـ): كل علم يسبق اليك فيه الخواطر وتميل اليه النفس وتلذ به الطبيعة فارمِ به وإن كان حقاً، وخذ بعلم الله الذي انزله على رسوله واقتدِ به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده وبالائمة الهداة المبرئين عن الهوى، وبمتابعته تسلم من الشكوك والظنون والاوهام والدعاوي الكاذبة المضلة عن الهوى.. واذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك ان الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف والالهام والمشاهدة››[vii]. وقال عبد القادر الجيلاني (المتوفي سنة 561هـ): ارجع الى حكم الشرع والزمه، ودع عنك الهوى، لأن كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي باطلة او زندقة[viii]. وقال ابن عربي: ‹‹طريقنا طريق السلف، جعلنا الله لهم خلفاً بمنّه››[ix]. وقال: ‹‹لا وصول الى حقيقة الا بعد تحصيل الطريقة، ولا طريق لنا الى الله الا ما شرعه، فمن قال بأن ثم طريقاً الى الله خلاف ما شرع فقوله زور، فلا يقتدى بشيخ لا ادب له وإن كان صادقاً في حاله››[x]. وقال: ‹‹كل علم من طريق الكشف والالقاء او اللقاء والكناية بحقيقة تخالف شريعة متواترة لا يعول عليه››. وقال: ‹‹كل علم حقيقة لا حكم للشريعة فيها بالرد فهو صحيح، والا فلا يعول عليه››[xi]. وقال: ‹‹تخيل من لا يعرف؛ ان الشريعة تخالف الحقيقة وهيهات لما تخيلوه، بل الحقيقة عين الشريعة، فان الشريعة جسم وروح، فجسمها علم الاحكام وروحها الحقيقة، فما ثم الا شرع››[xii]. وقال: إن ورد على احد من اهل الكشف امر الهي يحل له ما ثبت تحريمه في الشرع المحمدي؛ وجب عليه جزماً ترك هذا الامر او الوارد لانه تلبيس، ووجب عليه الرجوع الى حكم الشرع الثابت. وقد ثبت عند اهل الكشف جميعاً انه لا تحليل ولا تحريم لاحد بعد انقطاع الرسالة والنبوة[xiii]. وان الاولياء والعرفاء الوارثين لا يحدثون شريعة ولا ينسخون حكماً. او على حد تعبير ابن عربي: ‹‹ان الوارث لا يحدث شريعة ولا ينسخ حكماً مقرراً، لكن يبين فانه على بينة من ربه وبصيرة في علمه››. [xiv]

تلك كانت جملة من نصوص العرفاء التي تستنكر التأويل ولا ترضى بتعطيل النص الديني واهماله، بل وترفض ترجيح بعض الدلالات عليه، مثل الدلالة الكشفية. لكن كما قلنا ان هذا المبدأ الذي يعلنه العرفاء لا يجد اتساقاً مع الكثير من الممارسات التطبيقية، فهم لا يقومون بتأويل النصوص الدينية فحسب، بل يضيفون اليه ما هو اسوء من ذلك، حيث الممارسة الاستبطانية التي تحول النصوص الى رموز كاشفة لامور اخرى لا يدل عليها ظاهر هذه النصوص. كل ذلك ليتيح للعارف ان يقول كل شيء يريده من النص بلا حدود.

ولقد كان ابن عربي شديد اللهجة بالانكار على المتأولين - خاصة العقليين - رغم ان ممارساته تدل على كونه يمارس التأويل، بل ويعمل على شاكلة ما تفعله الباطنية من قلب الظاهر وتحوير مجال النص لأدنى مناسبة، مثلما سيتضح لنا ذلك فيما بعد. فقد ابدى هذا العارف موقفاً صارماً اتجاه التأويل العقلي للايات، خاصة فيما يتعلق بالتشبيه، حيث وصم هذا الاسلوب بانه عبارة عن انكار للنبوة ورد مبطن لها. ذلك ان علة اضطرار العقليين اليه هو منعهم الطعن في الادلة العقلية المعارضة؛ وذلك لحاجتهم الى مثل هذه الادلة في اثبات الرسالة. وقد توخى ابن عربي ابقاء النصوص الدينية، وعلى رأسها الايات القرانية، على حالها من دون تأويل. كما عمل على الاخذ بما وصف الله نفسه من دون ان يُطلق على ذاته تعالى الصفات الاجنبية، مثلما فعل الفلاسفة واهل الكلام، حيث اولئك وصفوه بعلة الكائنات، وهؤلاء وصفوه بالذات التي لا يمكن ان تكون جسماً او عرضاً او جوهراً[xv]. بل قد عجب ابن عربي من طائفة المؤولين بحسب النظر العقلي كيف انهم هربوا من التشبيه فوقعوا بالتشبيه، ذلك انهم عدلوا من التشبيه بأنفسهم الى التشبيه بالمعاني المحدثة القائمة في هذه الانفس[xvi]. لهذا فانه يخاطب هؤلاء بضمير المخاطب المفرد قائلاً: انتَ ‹‹تركتَ التشبيه بالمخلوق المركب واثبته بالمخلوق المعقول، وانى للممكن ان يجتمع مع الواجب بالذات في حكم ابداً››[xvii]. وعليه نهى عما يقوم به هؤلاء، والتزم لنفسه طريق الكشف في معرفة مراد النص، حيث يقول: ‹‹اترك تأويل الاخبار الواردة بالتشبيه لمن وصف بها نفسه اذا لم تكن من اهل الكشف والتحقيق››[xviii]. وعلى رأيه ان الله قد وصف نفسه بما لا مزيد عليه، وأقرّ بأن الفرقة الناجية هي تلك التي آمنت بما جاء به الوحي مع نفي المماثلة بين العبد والرب، فنسبت الى الله العين واليد والسمع والبصر والغضب والتردد والتعجب و ما الى ذلك من اوصاف، حيث لاسماء الله حقائق ورقائق، وانه بامتداد هذه الرقائق المعنوية المنزهة يظهر في الناس سلطانها[xix]. وهو يرى ان للحق سرياناً بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية بحيث لا تبقى صورة الا ويرى الحق عينها، وهذه هي المعرفة التامة الكاملة التي جاءت بها الشرائع السماوية، والتي تبرر التشبيه مثلما يصدق التنزيه بها ايضا.[xx]

لكن رغم ان ابن عربي كان شديد الانكار على المتأولين للنصوص الدينية؛ الا انه يتقبل احياناً الممارسة التأويلية ويقرها ضمناً؛ دفاعاً عن الكشف المعارض لبعض ظواهر النصوص القرآنية[xxi]. ناهيك عن ان هذا العارف كان يمارس الواناً عديدة من القراءات الرمزية التي لا تبقي للظاهر من دور ولا معنى الا بالقدر الذي تريده له الباطنية، كالذي سنطلع عليه.

وقد سلك صدر المتألهين سبيلاً مشابهاً لموقف ابن عربي، فذم التأويلات العقلية واقر ابقاء ظواهر النصوص الدينية على حالها، وذكر يقول ‹‹ان الدين والديانة ابقاء الظواهر على حالها، وان لا يأول شيئاً من الاعيان نطق به القرآن والحديث الا بصورتها وهيئتها التي جاءت من عند الله ورسوله، فان كان الانسان ممن خصه الله بكشف الحقايق والمعاني والاسرار واشارات التنزيل ورموز التأويل، فاذا كوشف بمعنى خاص او اشارة وتحقيق، قرر ذلك المعنى من غير ان يبطل ظاهره فحواه، ويناقض باطنه مبناه، وتخالف صورته معناه، لان ذلك من شرائط المكاشفة وهذه من علامات الزيغ والاحتجاب››.[xxii]

وفي صدد رده على الصوفية والباطنية اعتبر التأويل حراماً فقال: ‹‹واما كونه حراماً في الشرع، فلأن الالفاظ اذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع، ومن غير ضرورة تدعو اليه من دليل العقل، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالالفاظ. كيف ولو جاز صرف الالفاظ الفرعية من مفهوماتها الاولى مطلقاً من غير داع عقلي لسقطت منفعة كلام الله وكلام رسوله (ص). فان ما يسبق منه الى الفهم لا يوثق به››[xxiii]. وفي محل اخر اقرّ بانه اذا لم يكن هناك داع شرعي او عقلي فلا يجوز تأويل ظاهر الايات، كما هو الحال في قضية المعاد[xxiv]. بل اكثر من هذا اعتبر ان من تأول من غير داع فهو إما ان يكون كافراً او مبتدعاً.[xxv]

وحقيقة انه ليس هناك من الفلاسفة من هو اعظم اهتماماً من صدر المتألهين في محاولاته التوفيقية بين العينتين الوجودية والدينية. ومبرره في هذا الجمع هو ان كلا العينتين عنده تمثل الحقيقة، والحقيقة لا تعارض الحقيقة الاخرى، وبالتالي فان ما يأتي عن طريق العقل البرهاني او الكشف الذوقي لا يمكنه ان يعارض ما يأتي عن طريق البيان الديني. فكلاهما يبعثان على القطع واليقين، وكلاهما ينبعان من مصدر واحد هو العقل الاول او الحقيقة المحمدية، وبالتالي فانهما ينبعان من المبدأ الحق. لكن رغم ان صدر المتألهين لا يفتأ عن التذكير بمثل هذه المبررات التي تجعل المصدرين المعرفيين يبعثان على تطابق الحقيقة ووحدتها، الا ان ما قدمه في محاولاته التوفيقية لا يخلو من التلفيق والمفارقة احياناً، والتأويل والمباطنة احياناً اخرى.

ومن ذلك موقفه من المعاد الجسماني، حيث اعطاه شكلاً صورياً عينياً، فكأنه بهذا وافق العينة الدينية في كون المعاد عين الموجود في الدنيا، كما وافق القبلية الوجودية في احتفاظه بالشكل الصوري مع نفيه للعنصر المادي. فهذا الاتجاه لصدر المتألهين قد احتل وضعاً وسطاً بين ما أملته عليه نزعته الوجودية القبلية وما اظهرته النصوص الدينية من بيان في بعض المواقف. فهو قد خالف جمهور الفلاسفة واتباع المشائين في نفيهم المعاد الجسماني ونكرانهم لظواهر الايات، كما خالف الاشراقيين القائلين بعالم المثل الخارجية، وصرح بوجود بدن اخروي هو بعينه المشخص في الدنيا وبجميع اجزائه واعضائه، متماشياً بذلك مع ظواهر الايات، لا بمثله على ما آل اليه الاشراقيون. ومع ذلك لم يكن البدن الذي تحدث عنه هذا العارف الحكيم بدناً عنصرياً كالذي ذهب اليه الغزالي في بعض كتبه، بل انه بدن صوري مثالي يتصف بالثبات والفعلية والبقاء وليس فيه الاستعدادات والمواد والحركات، مثلما اطلعنا على ذلك من قبل. اذن رغم ان صدر المتألهين توسط فعلاً بين الرؤية الوجودية الموروثة وبين ما عليه النصوص الدينية، وانه بهذا قد اقترب من مضمون هذه النصوص، لكنه لم يصب كبد الظاهر الذي تبديه، وهو الظاهر الدال على ان المبعوث من الابدان هو الشكل العنصري الطبيعي، كالذي ذهب اليه جمهور المسلمين، كعلماء السلف واهل الحديث والكلاميين، وليس في الايات القرآنية ما يشير الى المعنى الصوري الذي تحدث عنه ذلك الحكيم تبعاً لمنطق السنخية والقبلية الوجودية التي توجب رجوع كل شيء الى اصله.

كذلك الحال مع مسألة حدوث العالم ككل، اذ خالف الفلاسفة بحدود قدم الافلاك والانواع الكلية للحوادث، مؤيداً النص الديني في حدوثها جميعاً، ومن ذلك قوله تعالى:{خلق السماوات والارض وما بينهما} السجدة/ 4، وايضاً قوله تعالى: {خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام} الفرقان/59. لكنه رغم قوله بالحدوث فانه لم يأذن باعطاء بداية محددة للخلق والابداع، وأصر على ازلية الصنع والحدوث، وكذلك اثبات افلاك سماوية اخرى ازلية. اذ عدّ للسماوات والارض نوعين، احدهما حسي والاخر عقلي، واعتبر النوع الاول حادثاً ومفتقراً الى الزمان، وهو الذي دلّت عليه العديد من النصوص والايات، بخلاف الثاني الذي حسبه قديماً يفتقر اليه كل من النوع الاول والزمان والحركة[xxvi]. اي انه لاجل التوفيق بين العينتين الدينية والوجودية صرح بوجود سمائين وارضين، احداهما عقلية قديمة وهي السابقة على الزمان، فوافق بها الفلاسفة، واخرى حسية مبدعة ومتأخرة عنه، وهي محل اتفاقه مع النص، وخلافه مع من تقدمه من جمهور الفلاسفة.

وهو مع هذا التحوير للرؤية الوجودية التي ورثها ممن سبقه من الفلاسفة، فانه لم يخرج عن روح التفكير الوجودي واصله المولد، حيث ان ما قدمه هو ايضاً مما يناسب منهج القبلية الوجودية في تناسق طبقات الوجود وتشاكلها تبعاً لمنطق السنخية، كما انه يتفق مع ما عليه نظرية المشاكلة التي تم وضعها لاجل فهم النص. لكن رغم ذلك ترد بعض الاستفهامات حول موقفه الجديد هذا، فهو في تفسيره لسورة الحديد وفي بعض كتبه قام بتحديد المدة الزمنية لخلق السماوات والارض وفقاً لنص الاية {خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام}، اذ اعتبر ان خلقهما هو خلق تدريجي الوجود، لا يختلفان في ذلك عن بقية الاجسام الطبيعية، وقد استغرقت العملية مدة ستة الاف سنة، اذ بدأت منذ زمن خلقة آدم الى زمن البعثة النبوية ونزول القرآن، وحيث ان {يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدّون} الحج/47، فان عدد السنين التي استغرقه خلقهما وما فيهما هو ستة الاف سنة[xxvii]. والاستفهام الذي يرد بهذا الصدد هو: ما طبيعة الوجود قبل تلك المدة الزمنية؟ فما يتسق مع منهج التوليد الوجودي هو اثبات ان تكون هناك دورات ازلية وابدية غير منتهية من خلق السماوات والارضين، وكذا بالنسبة للادميين والبعثات النبوية المحمدية، اذ ان انقطاع هذه الدورات لا يتسق مع ثبات اربابها من العقول المفارقة، وبالتالي كان لا بد من التواصل والاستمرار ابد الدهر من غير تغيير. كذلك يلاحظ ان هذا العارف الحكيم ذكر في تفسيره لتلك السورة مكاشفة تحدد المقصود من خلق السماوات والارض، وهو بمعنى حجب الحق، اي ان الحق اختفى بهما واظهرهما وبطن، فكان ظهورهما بالاسماء، وذلك اتباعاً لما جاء ذكره في التفسير المنسوب لابن عربي[xxviii]، لكن دون ان ينافي ما اكد عليه من الخلق التدريجي لهما، حيث طالت مدته ستة الاف سنة حتى البعثة النبوية، وانه بقي من الامر الف سنة لينكشف الحجاب وتقع الواقعة[xxix]. وهذان الموقفان ليسا متعارضين عنده، حيث فيهما الاقرار بالخلق التدريجي، وكذلك القول بالاحتجاب. الامر الذي لا يتناقض مع ما اعترض عليه - في محل اخر - حول ما جاء في التفسير المنسوب لابن عربي من تأويل اية {خلق السماوات والارض وما بينهما}، اذ ورد فيه ان الخلق بمعنى الاحتجاب، لذا فقد اعترض عليه صدر المتألهين بقوله: ‹‹وانت خبير بأن خروج الالفاظ القرآنية عن معانيها المتعارفة المشهورة توجب تحير الناظرين فيها، والقرآن نازل لهداية العباد وتعليمهم وتسهيل الامر عليهم مهما امكن، لا للتعقيد والاشكال، فيجب ان تكون اللغات محمولة على معانيها الوضعية المشهورة بين الناس، لئلا يوجب عليهم الالتباس››[xxx].

مع هذا فقد أورد صدر المتألهين بعض التصريحات التي لا تتفق مع منهجه الوجودي، مثل اقراره بان الله كان قادراً على خلق السماوات والارض في لحظة واحدة، ولم تكن المدة الزمنية التي خلقها الا لكونها اصلح واليق بحال الكائنات، وكذا انسب بنظام المخلوقات[xxxi]. وكذا تصريحه بان لله القدرة والارادة من ان يفني السماوات والارض متى شاء وفي اي وقت اراد[xxxii]. بل تصل المفارقة معه انه أدان غيره من العرفاء في اتباعهم ذات المسلك الذي سلكه، حيث انتقد الممارسة الاستبطانية ووصفها بانها تفضي الى هدم الدين او الشريعة، وكما قال: ان ‹‹الباطن لا ضبط له، بل تتعارض فيه الخواطر، ويمكن تنزيله على وجوه شتى وانحاء تترى. وهذا ايضاً من المفاسد العظيمة الضرر والبدع الشايعة عند المتسمين بالصوفية. وبهذا الطريق توسلت الباطنية الى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم››[xxxiii]. مع ان ممارسات هذا العارف الفيلسوف يكثر فيها مثل ذلك الدور الطليق، حيث تحولت عنده عملية الجمع والتوفيق بين ظاهر النص وباطنه الى فنون عديدة من المباطنة التي هي اخطر من التأويلات العقلية الشائعة. وكما سنرى ان قاعدة الاعتبار المعمول بها والتي تأسست عليها نظرية المشاكلة؛ قد تحولت الى ذريعة للمباطنة الرمزية السليبة الضوابط. فما من لفظة تشير الى جانب حسي الا ويمكن حملها على ما يناسب الاعتقاد الصوفي من القضايا العقلية والمصادرات الغيبية، ولكن على تأويل بعيد لا يتفق مع السياق. وقد امتد ذراع التأويل والاستبطان حتى الى الحروف ومطلق الكلمات من دون تقييد.

وبذلك فان صدر المتألهين لم يفِ بالمبدأ الذي تعهد به في التفسير. بل رغم انه كان ينكر التأويل، وانه قد نقد احد العارفين الكبار في بعض المواقف لكونه لم يلتزم الاخذ بظاهر الالفاظ في النصوص القرآنية، الا انه رغم ذلك اضطر في بعض المناسبات الى الاعتراف بضرورة ممارسة هذا النهج، وذلك عندما استشكلت امامه بعض القضايا الدينية. فقد اضطر الى تأويل معنى كلمة (العذاب) في قوله تعالى: {لا يخفف عنهم العذاب} البقرة/162، معتبراً انها تفيد معنى (النار)، وذلك اعتماداً على رأيه في انقطاع العذاب، قبل ان يعود مرة اخرى الى القول بالعذاب المؤبد الدائم في رسالته (العرشية)، مخالفاً ما كان عليه في كتبه الفلسفية الاخرى[xxxiv]، مثلما سبق لابن عربي ان حوّل كلمة (العذاب) في الاية الى معنى (العذوبة)[xxxv]. ورغم ان صدر المتألهين قد ادرك خطورة هذا العمل، وانه يعود به الى ذلك الاتجاه التقليدي الذي عد ظاهر الشرع ليس بحجة، لكنه مع هذا اعتذر بما رجحه من ‹‹كشف صريح وبرهان صحيح››، وذكر يبرر داعي هذا التأويل بنفيه ان يكون هناك نص قاطع الدلالة، وكما قال: ‹‹أما النص: فما من لفظ الا ويمكن حمله على معنى اخر ما هو الموضوع له باحد الدلالات، وان كان الاصل والمعتبر هو المعنى المطابقي، لكن الكلام هنا ليس في الاصل والترجيح، كما في الفروعات الظنية التي يكفي للعمل بها مجرد الاصل والرجحان، بل في اليقينيات التي لا ينجح فيها الا العلم بالبرهان والشهود بالعيان››[xxxvi]. وقال ايضاً: ‹‹ان (العذاب) كما قد يراد منه المعنى المصدري - اي التعذب - كذا يراد منه اسم ما يتعذب به كالنار مثلاً، وهذا غير مستلزم لذاك، فالنصوص الواردة في الخلود في العذاب لو كانت مثل قوله تعالى: {لا يخفف عنهم العذاب} يمكن ان يأول فيها (العذاب) بالمعنى الاسمي لا المصدري، وان كان الثاني اظهر بحسب اللفظ››.[xxxvii]

وعلى هذه الشاكلة اضطر احياناً الى حمل النص على المجاز شبيهاً بذلك المبدأ الذي اتخذه اصحاب نظرية التمثيل من الفلاسفة التقليديين. فمثلاً انه لم يتقبل ظاهر النصوص التي تتحدث عن خطيئة آدم وعلة اخراجه من الجنة، وذلك لمعارضتها لمفاهيم القبلية الوجودية. فقد انكر ان يكون ادم قد عصى ربه، كما وانكر ان تكون النفس قد اخطأت، حيث لا يوجد في ذلك العالم - وهو عالم العقل المقدس - سنوح لخطيئة واقتراف معصية، بل المقصود هو ان هناك جهة امكان النفس وحصولها عن مبدئها ونقصها الموجب لتعلقها بالبدن. وبالتالي فقد اعتبر ان ما ورد في نصوص القرآن والحديث بخصوص ادم انما هو من التجوزات والرموز، وذلك مداراة لضعفاء العقول[xxxviii]. مع ان هذا الكلام لصدر المتألهين يناقض ما سبق ان ادان الفلاسفة التقليديين عليه، حيث اعتبر طريقتهم في حمل النص على المجاز وانه لا حجة له وانما جاء لمداراة عوام الناس، كل ذلك يفضي برأيه الى ان يكون الدين جاء لايهام الناس، مما قد يؤدي الى اضلال الصالحين والدفع بهم الى النار والعذاب، نتيجة الجهل بالحقيقة.

***

ولو عدنا الى طريقة العرفاء في التعامل مع النص الديني، فالملاحظ انه حتى لو سلمنا معهم بما يقولونه من انهم لا ينكرون ظاهر النص، فمع ذلك انهم من حيث الممارسة الفعلية قد شددوا على استنباط ما يريدونه منه من الابعاد الباطنية التي لا يحدها حد، وقد وظفوا لتبرير هذا العمل العديد من الروايات والاحاديث التي تؤكد تلك الابعاد. ومن ذلك ما يروى عن النبي من ان لكل اية ظاهراً وباطناً ومطلعاً الى سبعة ابطن او سبعين. ويروى عن الائمة ان للقرآن بطناً وللبطن بطناً، وظهراً وللظهر ظهراً. وكذا في القرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع، فالظاهر هو التلاوة، والباطن هو الفهم، والحد هو الاحكام، والمطلع هو مراد الله من العبد. كما يروى عن الامام الصادق انه قال: ‹‹كتاب الله على اربعة اشياء: العبارة والاشارة واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والاشارة للخواص، واللطائف للاولياء، والحقائق للانبياء››[xxxix]. وكذا يروى عن الصادق ايضاً: ‹‹إنا نتكلم في الكلمة الواحدة سبعة اوجه، فقال البعض متفكراً: سبعة يا ابن رسول الله؟ فقال: نعم.. وسبعين››[xl].

فبمثل هذه النصوص فتح العرفاء لانفسهم المجال لايجاد كل ما يمكن من المعاني التي يريدونها لادنى مناسبة، ومن ذلك ما قاله ابن عربي وهو يصف علمه الموهوب: ‹‹وأنا استمد علمي من كلمات الله التي لا تنفد {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي} الكهف/109، {ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} لقمان/27››[xli]. ومثله ما قاله حيدر الاملي: ‹‹والله ثم والله لو صارت اطباق السماوات أوراقاً، واشجار الارضين اقلاماً، والبحور السبعة مع المحيط مداداً، والجن والانس والملك كتّاباً، لا يمكنهم شرح عشر من عشير ما شاهدتُ من المعارف الالهية والحقائق الربانية الموصوفة في الحديث القدسي: (اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، والمذكورة في القرآن: {فلا تعلم نفس ما اخفي لهم قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون} السجدة/17››[xlii]. وعلى هذه الشاكلة قال البعض: ‹‹لكل اية ستون الف فهم، وما بقى من فهمها اكثر››. وقال اخر: ‹‹القرآن يحوي سبعة وسبعين الف علم ومائتي علم، اذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك اربعة اضعاف، اذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع››[xliii]. ويحكي الشعراني عن استاذه علي الخواص انه قال عن نفسه: انه يستطيع ان يستخرج من سورة الفاتحة وحدها ما لا يقل عن (240999) علم[xliv].

ومن الناحية المبدئية قد يقال ان علم العرفاء إما ان يكون مأخوذاً عبر الكشوف الذوقية التي يتحدثون عنها، او انه مأخوذ من النص، لكن النص في حد ذاته لا يفضي الى مثل هذه الكثرة التي يتحدث عنها العرفاء، ولا الى الاختلاف الحاصل في تحصيل المعاني الباطنية فيما بينهم. واذا قلنا ان معارفهم الدينية موقوفة على علومهم الكشفية، فكيف يدّعى انهم مقيدون بحدود ما عليه الوحي والنص؟ بل وكيف يسوغ لهم ادعاء ترجيح النص على الكشف، رغم ان الاول متوقف على الاخر؟

وواقع الحال ان العرفاء يصبغون المعرفة الدينية بالقبلية الوجودية، او انهم يجعلون تلك المعرفة تابعة ومحددة طبقاً لما عليه منهج التوليد الوجودي. فالكشف المدعى هو كشف وجودي موروث، سواء من حيث الياته واصوله المولدة، او من حيث مضامينه المفصلة في كثير من الاحيان. ومنه يمكن ان نتفهم تلك الممارسات المتنوعة من المباطنة والتأويل لادنى مناسبة، ومنها المباطنات التي تتوخى اشتقاق الفكرة الباطنية من مفردات اللفظ حتى لو كان ذلك معارضاً لسياق النص ومجاله.

 



[i]    الفلسفة الصوفية في الاسلام، ص391.

[ii]  الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج3، ص56. والخوانساري: روضات الجنات، ج2، ص243.

[iii]  الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج3، ص56. وروضات الجنات، ج2، ص244.

[iv]  القونوي: اعجاز البيان في تأويل ام القرآن، دراسة وتحقيق عبد القدار احمد عطا، ص38.

[v]  الفلسفة الصوفية في الاسلام، ص197.

[vi]  القشيري: الرسالة القشيرية، تحقيق واعداد معروف زريق وعلي عبد الحميد بلطه جي، دار الخير، بيروت، الطبعة الاولى، 1408هـ-1988م، ص82-83.

[vii]  الشعراني: الطبقات الكبرى، طبعة قديمة، ج2، ص5. والفلسفة الصوفية في الاسلام، ص286 و287.

[viii]  يُذكر انه حكى عبد القادر الجيلاني عن نفسه فقال: تراءى لي نور عظيم ملأ الافق، ثم تدلى فيه صورة تناديني: يا عبد القادر؛ انا ربك وقد حللت لك المحرمات، فقلت إخسأ يا لعين، فاذا النور ظلام، وتلك الصورة دخان. ثم خاطبني يا عبد القادر نجوت مني بعملك بأمر ربك وفقهك في احوال منازلاتك، ولقد اضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من اهل الطريق. فقلت له: الفضل لله. فقيل له: كيف علمت انه شيطان؟ قال بقوله: قد حللت المحرمات (احمد توفيق عياد: التصوف الاسلامي/تاريخه ومدارسه وطبيعته وأثره، مكتبة الانجلو المصرية، 1970م، ص280-281. كذلك: الفلسفة الصوفية في الاسلام، ص284).

[ix]  الشيخ الاكبر محي الدين بن العربي، مصدر سابق، ص196.

[x]  الشيخ الاكبر محي الدين بن العربي، ص69.

[xi]  رسالة لا يعول عليه، من رسائل ابن عربي، ج1، ص2.

[xii]  كتاب التراجم، من رسائل ابن عربي، ج1، ص28.

[xiii]  الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج2، باب 146، ص231.

[xiv]  الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج1، ص319.

[xv]  محمد قاسم: دراسات في الفلسفة الاسلامية، الطبعة الثالثة، ص274-282.

[xvi]  كتاب المسائل، من رسائل ابن عربي، ج1، ص17.

[xvii]  كتاب المسائل، مصدر سابق، ص19. ويقول ابن عربي في هذا الصدد: >تحفظوا من مكر الله في التأويل واستدراجه، واسألوه الثبات والاستقامة على منهاجه، وطهروا قلوبكم بماء التقديس والتنزيه من التجسيم والتشبيه، فانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ويستوي ويجيء وينزل وهو في السماء وفي الارض، وعلى المعنى الذي اراده من غير تشبيه وتكييف< (لطائف الاسرار، ص137).

[xviii]  كتاب المسائل، مصدر سابق، ص19.

[xix]  ابن عربي: لطائف الاسرار، مصدر سابق، ص137.

[xx]  شرح الفصوص، ص594-595.

[xxi]  تفسير صدر المتألهين، ج4، ص314.

[xxii]  مفاتيح الغيب، ص87-88.

[xxiii]  كسر اصنام الجاهلية، ص30.

[xxiv]  المبدأ والمعاد، ص407.

[xxv]  المبدأ والمعاد، ص412.

[xxvi]  الشواهد الربوبية، ص164. وتفسير صدر المتألهين، ج6، ص32.

[xxvii]  الشواهد الربوبية، ص92. وتفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص185 وما بعدها.

[xxviii]  تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، هامش ص 40. وتفسير محي الدين بن عربي، ج2، ص273. علماً ان العديد من الباحثين يعتقدون ان هذا التفسير يعود الى احد تلامذة ابن عربي المشاهير، وهو عبد الرزاق القاشاني. وبالفعل فان اسلوب النص في التفسير يختلف عن اسلوب الكتابة لدى ابن عربي.

[xxix]  يذكر ابن عربي ان عدد السماوات سبع على مقتضى ائمة الاسماء السبعة، وهي الصفات الالهية السبع، ومنه كان مقدار الدنيا سبعة ايام، وان ظهور النبي (ص) كان في اليوم الاخير، وهو الجمعة، حيث ان الله خلق السماوات والارض في ستة ايام، وذلك حتى نزول الوحي الذي جاء فيه تحديد مدة الخلق، فلم يبقَ لقيام الساعة من نزول الوحي الا هذا اليوم (الجمعة)، وحيث ان اليوم الواحد هو كألف سنة، فان قيام الساعة لا يزيد على الف سنة، وكما جاء في الحديث النبوي: >ان استقامت فلها يوم، وان لم تستقم فلها نصف يوم<. وقد استبشر ابن عربي باستقامتها حيث كان زمانه قد تجاوز نصف اليوم (خمسمائة سنة) منذ البعثة النبوية، حيث كانت سنة ولادته (560هـ). لكن واقع الامر ان هذا التقدير لا يتفق مع حقيقة الواقع، حيث انتهى اليوم السابع، ونحن نقترب من منتصف اليوم الثامن، فمنذ البعثة النبوية مضت علينا اكثر من الف واربعمائة سنة خالية (لاحظ: رسالة في اسرار الذات الالهية، ضمن رسائل ابن عربي، ص202-203). ولا يختلف الامر عما ذكره صدر المتألهين الذي عدّ البعثة النبوية هي بمثابة طلوع فجر يوم القيامة، مع انه ولد سنة (980هـ) وتوفي سنة (1050هـ)، ولم يشر الى ان عصره هو ذات العصر الذي ينبغي ان تقوم فيه الساعة، بل وظهور المهدي (لاحظ: تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص186).

[xxx]  تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج8، ص40 و185.

[xxxi]  تفسير صدر المتألهين، نفس المصدر، ج8، ص181.

[xxxii]  تفسير صدر المتألهين، المصدر السابق، ج6، ص123.

[xxxiii]  كسر اصنام الجاهلية، ص0 3. كما جاء في نقد صدر المتألهين لطرق الفلاسفة والعرفاء قوله: >ولا تشتغل بترهات المتصوفة ولا تركن الى اقاويل المتفلسفة، وهم الذين اذا جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن، وقانا الله واياك خليلي من شر هاتين الطائفتين، ولا جمع بيننا وبينهم طرفة عين، هم قوم يشقى بهم جليسهم، ولا يزال في الوحشة انيسهم، وافرغ قلبك عن كلماتهم، مهاجراً الى سماع كلام الله ومشاهدة اياته الكبرى< (مفاتيح الغيب، ص164. كذلك تفسير صدر المتألهين، ج6، ص32). وقال ايضاً: >واني لاستغفر الله كثيراً مما ضيعت شطراً من عمري في تتبع آراء المتفلسفة والمجادلين اهل الكلام، وتدقيقاتهم وتعلم جربزتهم في القول وتفننهم في البحث حتى تبين لي آخر الامر بنور الايمان، وتأييد الله المنان ان قياسهم عقيم، وصراطهم غير مستقيم، فالقينا زمام امرنا اليه والى رسول الله النذير المنذر، فكل ما بلغنا منه آمنا به وصدقناه، ولم نحتل ان نخيل له وجهاً عقلياً ومسلكاً بحثياً، بل اقتدينا بهداه، وانتهينا بهديه امتثالاً لقوله تعالى: {ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر/ 7، حتى فتح الله على قلبنا ما فتح فافلح ببركة متابعته وانجح< (الاسفار، ج1، ص11-12).

[xxxiv]  صدر المتألهين: عرشيه، ص382. والشواهد الربوبية، حاشية ص 317 و778.

[xxxv]  شرح الفصوص، ص390.

[xxxvi]  تفسير صدر المتألهين، ج4، ص315-316.

[xxxvii]  المصدر السابق، ج4، ص315.

[xxxviii]  الاسفار، ج8، ص364 و359.

[xxxix]  راجع النصوص السابقة في: الفيض الكاشاني: الصافي في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، تصحيح وتقديم وتعليق حسين الاعلمي، بيروت، الطبعة الاولى، 1399هـ - 1979م، ج1، المقدمة الرابعة، ص27-29.

[xl]  النعمان بن حيون: أساس التأويل، تحقيق وتقديم عارف تامر، دار الثقافة، بيروت، ص27.

[xli]  لطائف الاسرار، ص16.

[xlii]  الاملي: جامع الاسرار، ص6.

[xliii]  احياء علوم الدين، ج1، ص289.

[xliv]  عن: اجنتس جولدتسهر: مذاهب التفسير الاسلامي، ترجمة عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي في مصر ومكتبة المثنى في بغداد، 1374هـ ـ 1955م، ص280.

comments powered by Disqus