يتصور الكثير خطأً أن فكرة دوران الأرض حول الشمس هي حقيقة علمية تم التأكد منها من دون ادنى شك..
والحال ان هذه الفكرة لم يبرهن عليها حتى يومنا هذا، وانما تم التسليم بها لاعتبارات مختلفة ابرزها يتعلق بمبدأ البساطة.
فقد طُرحت هذه الفكرة أول الامر بوصفها افتراض غير مؤكد، ثم بعد ذلك جوبهت برفض وانكار شديدين، وبعدها بمدة تمّ تمريرها وسط عدد قليل من العلماء، وبعضهم اعتبرها حقيقة ثابتة وفقاً لمبدأ البساطة، وبعد حوالي ثلاثة قرون منذ اول طرح لها تم الاعتراف بها بنوع من الاتفاق العام، ولم يظهر اي شيء جديد بعد ذلك حولها الى يومنا هذا. فلم يتفق العلماء بالتخلي عن مركزية الأرض الا بعد عام 1838. ولو ان تجربة مايكلسون ومساعده مورلي (عام 1886) حول الاثير قد تقدمت نصف قرن تقريباً لكان الجدل حول ثبات الأرض قد استمر طويلاً، ربما الى القرن العشرين. اذ النتيجة التي افضت اليها هذه التجربة اذا ما أخذت على ظاهرها من دون تأويل، كالذي حصل بالفعل، هي ان الأرض ساكنة لا تدور، وبذلك يمكن تفسير ثبات سرعة الضوء رغم إختلاف الجهات.
ومن الناحية التاريخية بدأت المخاضات الاولى لفكرة دوران الأرض مع كوبرنيك خلال النصف الأول من القرن السادس عشر.. وكان هذا الفلكي متأثراً بارسطوخوس خلال القرن الثالث قبل الميلاد حول مركزية الشمس، ومن ثم إعتبار الاصغر هو ما يدور حول الاكبر وليس العكس.
وقد بدت النظرية الجديدة – في البداية – كمجرد افتراض غير مؤكد كالذي اشار اليه الناشر اوسياندر في تصديره لكتاب كوبرنيك (دوران الأجرام السماوية). واليوم فسّر المعاصرون هذا التصدير بأنه جاء نتيجة الخوف من سلطة الكنيسة في ذلك الوقت، لا سيما ان كوبرنيك وهو من طبقة الاكليروس كان يخشى غضب هذه الطبقة؛ مما جعله يتحفظ من عرض بحثه على الآخرين باستثناء الاصدقاء والزملاء، وظل محتفظاً بكتابه مدة طويلة من الزمن، فقد طال تأليف الكتاب ثلاث وعشرين سنة منذ (عام 1507)، ولم يأذن بنشره إلا بعد ثلاث عشرة سنة أخرى، وصادف ان تمّ نشره في اليوم الذي توفي فيه، فرآى كتابه وهو يحتضر (عام 1543).
ورغم بساطة النموذج الذي قدّمه كوبرنيك مقارنة بالنموذج البطليمي، وكان يدرك هذه البساطة، فإن ذلك لم يمنع من مرور قرن من الزمان لتمرر نظريته وسط عدد من علماء الفلك، فلم يظهر من يهتم بنظريته سوى قلة من المفكرين بفضل ثلاثة من العلماء، هم براهي وكبلر وغاليلو. أما قبل ذلك فإنها كانت موضع اعتراض شديد إلى درجة ان اتهمه زعيم الاصلاح الديني مارتن لوثر بأنه فلكي نصاب..
كان اهم ما في منظومة كوبرنيك هي انها اختزلت الدوائر الفلكية الصغيرة للمجموعة الشمسية من (80) دائرة كما افترضها بطليموس إلى (34) دائرة فقط، أي أنه تخلص من (46) دائرة محيطية صغيرة. هذا بالاضافة إلى ان حركتي عطارد والزهرة تخضعان إلى نفس المدار الذي عليه سائر الكواكب خلافاً للتكلف البطليمي.
ونحا كبلر إلى خطوة تبسيطية لنظرية كوبرنيك، إذ رفض الشكل الدائري للافلاك واستبدله بالشكل الاهليليجي. ثم وافق غاليلو على هذا النموذج الجديد، وكان من أهم ما كتبه وأكثره تأثيراً هو كتابه (حوار حول النظامين الرئيسيين في العالم) عام 1632، والذي أورد فيه جميع الأدلة لتأييد وجهة نظر كوبرنيك، معولاً على بساطته وانسجامه إذا ما قورن بمذهب بطليموس المتصف بالتعقيد والغموض. بمعنى انه اعتبر البساطة دليلاً على صحة النظرية وواقعيتها. وقد عارضه في ذلك الفيلسوف التجريبي فرانسيس بيكون ناقداً الادلة التي قدّمها حول دوران الارض.
والحقيقة انه لم يكن لغاليلو ولا لكبلر الدليل القاطع على زعمهما، فطبقاً للحركة النسبية فإنه لا يعرف على وجه الحقيقة ان كانت الأرض تدور حول الشمس أو العكس ما لم يتم النظر اليهما من الخارج. وما زالت المسألة تفسر طبقاً للبساطة فحسب، أي ان حركة الشمس حول الأرض تبدي تعقيدات كثيرة كتلك التي أشار إليها كبلر وغاليلو ومن قبلهما كوبرنيك، أو بحسب تعبير أينشتاين ان تفضيل نظرية الأخير جاء تبعاً لكونها أكثر ملائمة واحسن انطباقاً.
وحديثاً ظهر اختلاف في الرأي حول ما اذا كانت نظرية كوبرنيك ابسط من نظرية بطليموس، فهناك من يرى ان كلا النظريتين معقدة، وقد اعترض جماعة على فكرة ان الاولى ابسط من الثانية. ومن ذلك الاعتراض على غاليلو الذي اثار موضوع البساطة بهذا الشأن، ومعنى البساطة المبهم.
وبذلك لم يظهر برهان فلكي او تجريبي يؤكد حركة الأرض ودورانها حول الشمس، وفي أيام غاليلو كانت هناك ثلاثة نُظم حول علاقة الأرض والكواكب بالشمس: هي النظام البطليمي والكوبرنيكي ونظام تيكو براهي، وقد جاء الاخير ليوفق بين النظامين الاولين، فاعتبر الأرض ثابتة فيما سائر الكواكب تدور حول الشمس، وكلها تدور حول الأرض باعتبارها مركز الكون. وقد يكون كل كوكب يدور في فلكه الخاص من دون ان يكون له علاقة بالدوران حول الشمس، او علاقة بالدوران حول سائر الكواكب ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)) كما يطرحه البعض.