-
ع
+

تصورات خاطئة (14) كلُّ مَن لم ينتمِ إلى الإسلام فهو كافر

يتصور الكثير خطأً أن كل مَن لم ينتمِ إلى الإسلام فهو كافر..

والحال ان الكفر غير منفصل عن ملازمة العدوان والجحود والتكذيب، كالذي تكشف عنه الكثير من الآيات، فهي تتحدث عن واقع كان متلبساً بمواصفات محددة. وليس بالضرورة ان تتفق هذه المواصفات مع مطلق الظروف قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً..

ان الكفر في اللغة يعني ستر الشيء أو تغطيته[1]، فهو بالتالي ستر الحق والإعتراف به قلباً ونكرانه لساناً، ومن ذلك جحود النعمة وغيرها، وأن ما يقابله هو التسليم والخضوع للحق عند معرفته، وبه يتحقق معنى الإسلام. فالكفر قائم على الجحود مثلما أن الإسلام قائم على التسليم. وأن الكفر بهذا المعنى مدعاة لسائر الصفات الأخرى من التكذيب والصدّ والعدوان وغيرها.. وبالتالي نعتقد ان هناك دائرة ثالثة غير محددة بالكفر والإسلام، فلا هي من دائرة الكفر، ولا هي من دائرة الإسلام. وبالتالي ليس بالضرورة أن يتصف كل من لم ينتمِ إلى الإسلام بالكفر، أو أن يكون كافراً.

لقد وصف القرآن الكريم أقواماً غير مسلمين بأوصاف من الثناء ما لا يجعلهم منتمين الى دائرة الكفر الذميمة، من أمثال الآيات التالية: ((ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أُنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون)).. ((ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله إناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين)).. ((ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده اليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين)).. ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون))..

ومعلوم ما لصفة الكفر من خطورة، فهي مدعاة للاعتداء والقتل، وهي لدى الفقهاء شاملة لكل من لم يؤمن بالاسلام او ينتمي اليه.

ويُنقل عن الفقهاء قولهم: إن الكافر لو قال أمهلوني لأنظر فأبحث فإنه لا يُمهل، ولا ينظر، بل يقال له: أسلم في الحال، وإلا فأنت معروض على السيف. وقال إبن السمعاني في (القواطع) أنه لا يعرف في ذلك خلافاً بين الفقهاء، ونصّ عليه إبن سريج[2].

ويقول المرحوم محمد الغزالي في هذا الصدد: ‹‹رأيت ناساً يقولون: إن آية ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)) مرحلية، فإذا امكنتنا اليد لم نُبقِ على أحد من الكافرين. قلت: ما هذه سلفية، هذا فكر قطاع طرق لا أصحاب دعوة شريفة حصيفة..››.

وعلى هذه الشاكلة هناك فتوى للسيد الخوئي يرى فيها أن التأشيرة للزيارة والإقامة التي تعطيها سفارة الدولة الإسلامية للكافر هي ليست عهداً تمنع من جواز استرقاقه[3].

ومن المفارقات التي اقتضاها النهج الفقهي هو ان يتعامل الفقهاء مع اهل الكتاب باعتبارهم كفاراً يستحقون الذم والاحتقار وحتى القتل ما لم يدفعوا الجزية صاغرين، فيما يجوّزون الزواج من الكتابية، والزواج يقتضي المودة والرحمة والسكن، فكيف تنسجم حياة الزواج وهي قائمة على التحقير والاهانة.

ويزداد التناقض اكثر لدى من يعتبر اهل الكتاب نجسين ذاتاً، كما هو رأي الكثير من العلماء، رغم تجويزهم للزواج من نسائهم. ومن طرائف هذا التناقض ما يذكره السيد الخوئي في حل عملية الجمع بين الزواج من الكتابية وتنجيسها، فيقول في واحدة من فتاويه: ‹‹أما الازدواج مع الكتابية فجائز حتى دائمياً، وأما ما يرتبط بالطهارة والنجاسة فالأحوط وجوباً الاجتناب مما تمسه برطوبة مسرية كسائر النجاسات››[4]!!.


[1]           انظر مادة (كفر) في: إبن منظور: لسان العرب.[2]   الزركشي: البحر المحيط، فقرة 22. والسيوطي: صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، ص172ـ173.[3]   استفتاءات الإمام الخوئي، مجلة النور، عدد 64، ص64، 1416هـ ـ 1996م.

[4]   منية السائل، مجموعة فتاوى السيد أبي القاسم الخوئي، جمعه ورتبه موسى مفير الدين عاصي.

comments powered by Disqus