سارا بريس
كتاب يقتفي أثر الفهم الديني والعماء الأيديولوجي
قال الباحث يوسف محسن لـ"سارا بريس" ان كتابه الجديد (استعمالات فهم الدين) هو عبارة عن مشروع (مفاتيح فكرية) يتكون من ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول والثاني، نفكك مناطق الغموض في المؤلفات، والدراسات، والمشروع الفكري الذي أصدره المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد، وفي الجزء الثالث، تم تخصيصه (لمعجم فهم الدين) كنقطة البدء في هذا العمل، هي أن نعي حقيقة الفهم أو فهم الفهم بوصفه عملية تاريخية فيها آثار، وتفاسير، وقراءات، وتأويلات لا حصر لها، ويعد الكتاب، نقطة تحول في الدراسات الفكرية حول مشروع المفكر يحيى محمد، والذي اعلن عبر أعماله الفكرية والفلسفية، أن النظام المعرفي الإسلامي قد أفضى إلى منظومات مغلقة لا تأخذ بنظر الاعتبار تحولات الواقع سواء كان الواقع المادي أو الفكري والتي يعد المخيال وتصور العالم والمنظومات الرمزية والتاريخ البشري الوقائعي أحد أوجهها، ما يتطلب تفكيك الأدوات المعرفية والجهاز المفاهيمي لنمط العلم الكلاسيكي للوصول إلى الجذر الابستمولوجي للنظام الإسلامي، وإعادة إنتاج سلسلة من المفاهيم والأدوات للوصول إلى الفهم العقلاني للدين، يتوافق مع النظام الوقائعي الاجتماعي للمجتمعات البشرية.
مشروع يحيى محمد في الفهم أو فهم الفهم الديني ينقض العماء الأيديولوجي في الفكر الإسلامي الذي يؤكد وحدانية الفهم، والفرقة الناجية في التاريخ، وهي محاولة لتحرير الدين من الأنساق الأسطورية عبر اخضاع بنية الفكر الإسلامي ونظمه وأدواته إلى التحليل العلمي الابستمولوجي، وذلك أن كل ما أنتج في تاريخ هذا الفكر هو نتاج سياسات الثقافات عبر التطبيقات البشرية، والترجمات والممارسات التاريخية، وتقويض المنظومات اللاهوتية، وأنظمة المعرفة، والمناهج التي استبطنت الدين، وحولته إلى أنساق متعالية.
ويوضح الباحث يوسف محسن لـ"سارابريس": إن تجربة يحيى محمد الفكرية في أعماله ونصوصه، وأطروحاته، تجسد عملية مركبة من التقويض/التأسيس للخروج من العقل الأحادي وأنظمة المعرفة وتيولوجيا السيطرة، واحتكار إنتاج المعنى، والأطروحات التي توظف الدين في الأيديولوجية السياسية، والمشروع يحاول تحليل أصول الفكر الإسلامي، أنظمته وأدواته، ويعيد تركيب العالم الفكري الديني الإسلامي، بعيداً عن تيولوجيا السيطرة والاحتكار (احتكار المعنى) التي تعد محركاً اصطفائياً في المذاهب والفرق والملل الدينية الإسلامية، يحيى محمد يعيد بناء أسسس الفكر الإسلامي، ويركز على التفاسير، والتطبيقات الفكرية، وتأويلات النص، ويحقق الفصل التام بين النص وفهم النص.
خلاصة هذه الرؤية الفكرية، تقديم صورة متعالية لنصوص الوحي بوصفها نماذج مكتملة، والمشكلة في التطبيقات التاريخية للنصوص والفهم البشري، أصول هذه الرؤية تكمن في الإسلام الميتافيزيقي الراديكالي، حيث يتسم بالفصل التام بين النص التأسيسي، والتجارب التاريخية المتعددة بوصفها خارجة عن النص، يقع هذا النمط من الإسلام في مفارقة تحطيم النص التأسيسي والدخول في عملية جديدة من الأدلجة والهيمنة، تؤدّي إلى اختراق النسق الصلب من الدين أي (الجسم السياسي) الكامن في كليانية المفهوم الشمولي الإسلامي، والدمج بين المنظومة اللاهوتية والمنظومة السياسية، ويعيد إنتاج النظام المعرفي الديني ضمن أيديولوجية إقصائية مغلقة، وتعارضات مزدوجة بين المقدس/المدنس، وميل واضح إلى حقل يمكن عدّه (النظام المتكامل والمطلق.
يحيى محمد، يعيد النظر (بأنظمة الفهم) التي تطال المؤسسات الفكرية، والأجهزة المعرفية، وتصورات الشريعة، والفقه، ونقد الممارسات التاريخية للسلطة، والجماعات ونتاجات المثقفين الإسلاميين في حقل التاريخ والاجتماع البشري، والفقه، والتشريع، وفقه المعاملات، ونقض احتكار المعنى الذي يعد أحد اشتغالات العقل الديني الاستبدادي والعقل الشمولي السياسي، وعدم التعامل مع الحقيقة الدينية بوصفها نظاماً جوهرانياً ثابتاً من دون تفكيك تلك الجوهرانية الدينية، ومركزية تلك النصوص، الباحث يرى : من دون تلك العملية التشريحية، فإن تلك النصوص سوف تنتج الفرقة الناجية المسلحة في التاريخية الإسلامية الحديثة، وآليات السيطرة، والهيمنة، والاحتكار، وممارسة السلطة، والإقصاء والحذف.
ويستطرد محسن يقول في الحديث: الكتاب هو عبارة عن مشروع (مفاتيح فكرية) يتكون من ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول والثاني، نفكك مناطق الغموض في المؤلفات، والدراسات، والمشروع الفكري الذي أصدره المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد، وفي الجزء الثالث، تم تخصيصه (لمعجم فهم الدين) كنقطة البدء في هذا العمل، هي أن نعي حقيقة الفهم أو فهم الفهم بوصفه عملية تاريخية فيها آثار، وتفاسير، وقراءات، وتأويلات لا حصر لها، حيث إن النص/الخطاب، يتضمن اللغة، وعناصر ثقافية متباينة، ورؤية للجماعات السياسية/الاجتماعية، وإن عملية فهم النص أو استعادة المعنى (خرافة)، إذ إن النص وضع في سياقات أخرى، ومسارات تاريخية، الفهم الأول قد اختفى، وفهم النص مرهون بفهم العلاقات الرمزية والثقافية للجماعة أو المجتمع أو الأفراد لكون النص يعد وثيقة تصورية للعالم وكل فهم يحتوي على تحيزات أيديولوجية أو تحريفات منتظمة عبر استعادة المعنى، فإن الفهم ينكشف عبر الطريقة التي تطرح بها الأسئلة (الفهم) هنا لا يمكن أن يكون بلا افتراضات مسبقة، أي أنه موجه، إذ يتم استنطاق النص أو الخطاب بوساطته، لكون النص أو الخطاب سواء كان النص المقدس أو الثقافي، يعد منظومة ألسنية ذات معان مزدوجة ومركبة بحاجة إلى الفهم لحل السؤال، لكون عمليات الفهم أو فهم الفهم هنا هو إعادة اللحمة بين المطلق والعالم، فالجهاز المفاهيمي، والمقولاتي له علاقة بالواقع، هذه العلاقة تأتي عبر النمذجة النظرية التي تقوم بها الانتلجستيا بتشييدها وصياغتها حتى التمكن من فهم النص والكشف، ليس عن وظيفته فحسب وإنما عن جوهر عمل أنساقه في التاريخ البشري.
ويحاول الكتاب تفكيك ونقض النظام الديني المعرفي الإسلامي، الذي يستخدم منظومة متعالية وكليانية مطلقة تقصي النظام الواقعي، ما جعل القراءة الكلاسيكية في الفهم، والتأويل، والتفسير، لا تستطيع أن تفكك المنظومات المغلقة للنص، وأصبحت عاجزة عن الفهم أو فهم فهم النص الديني، لكون تلك الانظمة المعرفية ذات رواسب أيديولوجية، فهي تقوم بتحوير الوقائع الوجودية والفكرية، والرأسمال الرمزي، وإعادة تأويل الوقائع المادية، وتحويلها إلى نماذج مثالية، مقدسة غير قابلة للخرق، إذ إن النص الديني وحسب النظام المعرفي الإسلامي غير تابع إلى الواقع الاجتماعي، وهنا تصبح علاقته بالواقع مشحونه بالقداسة، ويصبح حقل الفهم والتأويل جزءاً من حقل أوسع من الحقل الديني على الرغم من أن هناك هاجساً (الواقع) يستبطن النص وهو الذي يعد مفتاح فهم النص، هذه العملية تعد العبور من ميتافيزيقيا النص إلى انطولوجيا النص (طبيعة الوحدة في العالم) وتأسيس لفقه الواقع الاجتماعي.
http://www.sarapress.net/Tafasil.aspx?jimare=7374