-
ع
+

مدخل الى (نقد العقل المحض)

(التسامي فوق حطام الواقع)

يحيى محمد

مهمة هي الفلسفة التي تبحث عن اطار محدد للمعرفة بلا تجاوز.. ومهمة هي الفلسفة التي تبحث في السؤال المنهجي بدل التفاصيل.. ومهمة هي الفلسفة التي تبحث في نقد العقل ومصادره وقيمه عوض نقد الافكار والمذاهب.. واخيراً: مهمة هي الفلسفة التي تبحث عن امكانية تأسيس علم يخص الميتافيزيقا؛ على غرار ما تم نجاحه لدى علوم الطبيعة والرياضيات.

هذه هي المهمات الاربع التي تكفّل بعلاجها الفيلسوف الالماني الشهير عمانوئيل (كانت) (1724-1804) لدى مشروعه الضخم (نقد العقل المحض). فهو مشروع مكثف حول علاج حدود المعرفة الممكنة. وقد اطلق عليه (كانت) بداية الإعداد له اسم (حدود القدرة الحسية والعقل) كالذي جاء في خطابه المرسل الى صديقه وتلميذه القديم ماركوس هرتس (عام 1771). كما ارسل اليه خطاباً اخر في العام التالي جاء فيه ان بحثه دائر حول مدى المعرفة وحدودها، والتمييز بين الحسي والذهني في النظرية الاخلاقية. وقد تضمن الخطاب بان المشروع يتمثل في جزئين: نظري وعملي[1].

لقد اعتبر (كانت) ان ما قدّمه يمثل ثورة في البحث الميتافيزيقي اقتداءاً بما اجراه علماء الهندسة والطبيعة من ابداع ثوري لافت للنظر، فتمثّلَ اساس البحث لديه في المنهج وليس نظام العلم نفسه. وان ثورته هي على غرار ثورة كوبرنيك في الفلك، وهي الثورة التي قلبت التفكير من ان تكون المجموعة الشمسية هي التي تدور حول المشاهد في الارض الى العكس؛ فيكون المشاهد هو الذي يدور حول الشمس دون ان يكون ثابتاً. وكذا الحال في الفلسفة، ففي السابق اطبق الفلاسفة على الاعتقاد بان معرفتنا يجب ان تنتظم وفقاً للموضوعات، وقد قلب (كانت) هذه المعادلة جاعلاً قوانين الفكر هي الاساس والمركز الذي تتحرك حوله هذه الموضوعات وليس العكس كما كان يُعتقد، اذ تساءل في مقدمة كتابه (نقد العقل المحض): لِمَ لا نقلد ما تم انجازه من ثورة في طريقة التفكير لدى الرياضة والطبيعة؟ فلعلنا نستطيع حل مهام الميتافيزيقا بصورة احسن بعد الفشل الذي لازمنا قروناً طويلة استناداً الى الاعتقاد السائد، وان نفترض ان على الموضوعات ان تنتظم وفقاً لمعرفتنا[2].

هذا هو ما افترضه (كانت) في اطروحته المتعلقة بتغيير طريقة التفكير، لكنه استدرك في الحال بانه قد اقام البرهان عليه في الكتاب لا بشكل احتمالي، بل يقيني انطلاقاً من تصوراتنا للمكان والزمان والمقولات او المفاهيم الاولية[3].

هكذا جاءت محاولة (كانت) لنقد اليات العقل وليس الافكار والمذاهب. والغرض من كل ذلك هو البحث عن امكانية تشييد علم موثوق للميتافيزيقا، او كيف يمكن ان تكون الميتافيزيقا علماً ممكناً على غرار ما هو حاصل لدى علم الرياضة والفيزياء او العلوم الطبيعية اجمالاً؟ وقد انتهى الى انكار هذه الامكانية نظرياً، وان امكن ذلك عملياً وفق ميتافيزيقا الاخلاق. وعليه اعتبر ان افق العقل العملي اوسع من ضيق العقل النظري، فطريق الاخير مسدود تماماً.

مع ذلك رأى هذا الفيلسوف انه لا مهرب من الاسئلة الميتافيزيقية لدى العقل البشري، فهي حالة طبيعية يندفع اليها الانسان ليحاول الاجابة عنها بكل اخلاص. ورغم كثرة المبادرات الفلسفية التي ظهرت طيلة تاريخ الفلسفة للاجابة عن هذه الاسئلة؛ الا انها لم تؤدِّ الى نتائج حاسمة او مقنعة. فالطريق الذي سلكه الفلاسفة هو طريق مسدود، وانسداده كامن في العقل البشري ذاته، دون ان يكون له علاقة بالمبادرات الفلسفية ذاتها. الامر الذي يذكّر بما كان يشير اليه الصوفية من ان العقل مقيد، وانه لا انعتاق منه ولا انفتاح له على الرؤية والكشف الميتافيزيقي الا بالسلوك العملي المتعلق بالذوق والشهود القلبي. فلدى الصوفية انه عندما تتجلى الحقيقة يرتد العقل.. وكل علم انتجه الفكر البشري لا يعول عليه.. وعلوم النظر أوهام وأغاليط عند علوم الالهام[4].

ان احساس (كانت) بالانسداد العقلي جعله يخوض تجربة اخرى تختلف عن تجارب كل الفلاسفة الذين سبقوه، كما تختلف عن تلك التي خاضها الصوفية بعد يأسهم من الطريقة العقلية. فقد وضع نظرية في المنهج تعمل على تقييد فعل الفلسفة وترسيم حدود خارطة المعرفة البشرية. ولسان حاله يقول بان الفائدة التي نجنيها من فعل الفلاسفة السابقين هي بمثابة التجربة الخطأ التي يستفاد منها في تغيير المنهج والمسار، كالفائدة التي تجنى من خيبة التوقع والانتظار عند انكشاف خطأ النظريات لدى العلوم الطبيعية، فالتحقق من ان النظرية خاطئة يمد بالحافز على البحث عن نظريات جديدة، وفيه يتحقق التقدم، كالذي يشير اليه فلاسفة العلم والفيزيائيون[5].

ان لفلسفة (كانت) أعظم الأثر على معاصريه من الفلاسفة والاجيال التي تلته الى يومنا هذا. فالنزعات المثالية التي شهدتها المانيا في عصره كانت متأثرة بمذهبه المثالي، ومنها مثالية فخته وشلنج وهيجل، ومن ثم شوبنهاور. كما ان المدارس التجريبية والتحليلية كانت متأثرة به هي الاخرى، وعلى رأسها الوضعية المنطقية. فقد اخذت هذه المدارس عن (كانت) ان للفلسفة غاية لا تتمثل في الكشف المعرفي، وانما هدفها تحليل المعرفة وضبطها ضمن حدود لا تتعداها. وهو النموذج الذي تقبله العلم احياناً بفعل نشاط الوضعية المنطقية لمنع الفلسفة من التأثير عليه. لكن الحال لم يدم، اذ برز تأثير الفلسفة على علماء الفيزياء وازداد فعله باضطراد الى يومنا هذا. وقد كان لفيلسوف ألمانيا تأثير بالغ على التيارات العلمية، واظهرت نتائج مذهبه انها قابلة للتكيف والتوفيق مع النزعات العلمية ولو بشيء من التأويل والتوجيه، وكان الكانتيون منقسمين الى صنفين: متشائمون ومتفائلون، اذ مال الصنف الاول الى استحالة معرفة العالم بسبب هذا السجن الذاتي لتركيبتنا الذهنية كما صورها (كانت)، فيما ذهب الصنف المتفائل الى ان الله خلق تركيبتنا العقلية لتطابق ما عليه العالم الخارجي. لكن المنظرين ذوي النشاط الثوري ذهبوا إلى امكان ان تتحسن هذه التركيبة وتتطور بل وتستبدل بأُخرى جديدة أفضل. فنحن الذين نخلق سجوننا الذاتية، لكن يمكننا هدمها من خلال النقد أيضاً[6].

لقد واجه (كانت) جدلاً تقليدياً يدور بين مدرستين متعارضتين هما المدرسة العقلية بزعامة ديكارت ولايبتنز وفولف، والمدرسة الحسية بزعامة جون لوك وديفيد هيوم وباركلي. وكان لذلك اثر بالغ عليه قبل كتابة (نقد العقل المحض). ففي البداية تأثر (كانت) بالاتجاه العقلي المتمثل بلايبتنز وفولف، كما يظهر من اول اثر له بعنوان (ايضاح جديد للمبادئ الاولى للمعرفة الميتافيزيقية) عام 1755. ثم تأثر بعد حوالي ثمان سنوات من ذلك الوقت بالاتجاه الحسي التجريبي كما لدى جون لوك وديفيد هيوم[7].

ويعتبر هيوم اهم فيلسوف حاول ان يضفي على التفكير البشري حدوداً لا تتعداها من خلال تحليله للمفاهيم التي يرتكز عليها التفكير الذهني، والتي كان الاتجاه العقلي يجعلها مفاتيح للكشف المعرفي بلا حدود، كما هي الرؤية التقليدية الموروثة منذ اليونان. وكان ابرز المبادئ التي خضعت للتحليل والمناقشة هو مبدأ السببية العامة القائل بان لكل حادثة سبباً ما.

وبلا شك ان تحليلات هيوم قد أثّرت كثيراً على فلسفة (كانت) الى الدرجة التي اعاد فيها الاخير مدار البحث ضمن ذات الاطار الذي جذب هيوم، رغم ان نتائجهما قد اختلفت تماماً، وهو القائل: ‹‹انني لاعترف صادقاً ان ما استذكرته من تعليم ديفيد هيوم كان هو على وجه التحديد العامل الذي أحدث - منذ اعوام كثيرة - أول هزة ايقظتني من سبات جمودي الإعتقادي، ووجّه أبحاثي في مجال الفلسفة التأملية وجهة جديدة››[8].

وقد يكون لمبدأ السببية وما يتضمنه من (الضرورة والكلية) القسط الاعظم من تأثير هيوم على (كانت).

لقد توسط (كانت) في تحليلاته الترسندالية (أو الترانسدنتالية transcendental) بين المدرستين العقلية والتجريبية الحسية، فهو لم يتفق مع ما انتهت اليه فلسفة هيوم وغيره من الفلاسفة الحسيين في رد السببية الى التجربة المحضة، معتبراً ان لهذا المبدأ اعتبارات عقلية سابقة على التجربة هي التي تعمل على تنظيم ارتباطاتها. لكنه في الوقت ذاته لم يتفق مع المدرسة العقلية في ان لهذا المبدأ بداهة مطلقة ومصداقية موضوعية غير مشروطة.

ففي الاساس ان حجر الزاوية التي اعتمدها (كانت) في تأطير المعرفة البشرية انما جاء من خلال مبدأ السببية. فقد ادرك (كانت) - وقبله هيوم - بأن تحليل هذا المبدأ هو ما يخول لنا القرار فيما اذا كان هناك مبرر للتعرف على القضايا الميتافيزيقية، ام انه لا بد من الوقوف عند اطار التجربة الحسية فحسب؟

فلم يكن هناك مبدأ اخر غير السببية يعول عليه عادة في تجاوز القضايا التجريبية الى ما بعدها من القضايا الميتافيزيقية، اذ يكاد يكون هو الجسر الوحيد الرابط بين الاطار التجريبي وما بعده لدى الفلاسفة. وبالتالي يكاد يكون الوحيد الذي يتعين من خلاله الكشف المعرفي الميتافيزيقي، وبدونه يصبح الهدف الفلسفي محصوراً ضمن اطار التحليل من دون تجاوز.

وقديماً كان بعض الفلاسفة يشير الى ان العقل الفلسفي محدود للغاية في جني ثمار المعرفة الميتافيزيقية، فنتائجه الصحيحة مجملة وضئيلة تماماً كالذي قرره صدر المتألهين، فمثلاً يُعرف به أن لسلسلة الممكنات مبدءاً يرجح وجودها على عدمها، فيكون واجباً لذاته. إضافة إلى أن ما يثبته من صفات للواجب يرجع أكثر مفهوماتها إلى سلوب محضة أو إضافات أو غير ذلك من المعلومات التي حقيقتها إدراكات إجمالية للمفاهيم الكلية. لذلك عوّل هذا الفيلسوف الاشراقي على طريق آخر للمعرفة حدده بأمرين: إما إخبار الشارع الديني، أو بواسطة الشهود العياني الذي يتحلى به الأنبياء والأولياء وأمثالهم من العرفاء الكاملين[9].

ان ترجيح وجود الممكنات على عدمها قائم على السببية والتي اعتبرها صدر المتألهين من القضايا المحدودة في الكشف المعرفي الميتافيزيقي. وهذا هو جوهر ما استهدفه (كانت) بالنقد والتحليل؛ ليصل الى نتيجة جديدة لم تطرق على بال احد من الفلاسفة الذين سبقوه، سواء من التجريبيين او العقليين. فمبدأ السببية يشغل القسم الرئيس من تحليل العقل النظري، ومن خلاله يتبين ان كان يمكن تجاوز الاطار الحسي والتجريبي للمعرفة ام لا؟

مشكلات نقد العقل المحض

بادئ ذي بدء تتصف النصوص الصعبة الفهم بانها عرضة للتأويلات الكثيرة، خلافاً لغيرها من النصوص السهلة. وتتضاعف المهمة الملقاة على الباحث في النصوص الاولى مقارنة بالثانية، فالنص الصعب يحتاج الى بذل جهد مكثف لتحديد دلالة المفاهيم او افتراضها قبل القيام بنقدها وتقييمها، فيما ان النص السهل لا يحتاج الى هذا الجهد المبذول، بل يتحول الى النقد والتقييم مباشرة. على ذلك يتصف النص الصعب بالمراوغة، فمن المتوقع ان تختلف دلالات النص المفهومة من قارئ لآخر، وقد تكون خاطئة من وجهة نظر صاحب النص نفسه. وتظل عملية الانفتاح على الهرمنة والتأويل محفوفة بالشكوك المحيطة بدلالات النص ومفاهيمه. والمستفيد الوحيد في هذه الممارسة هو الكاتب. فمن الناحية الابستيمية يصعب على سهام النقد ان تصيب نصاً مراوغاً بانفلاته التأويلي.. فهو كالكثبان الرملية المتحركة.

ان النص الصعب يوحي بالتناقضات، لكنه في الوقت ذاته يراوغ في الكشف عن الدلالات والمفاهيم، وهي ما تجلب التشويش على فهم القارئ. ومثلما قد يكون النص متناقضاً فعلاً، فقد يكون القارئ متوهماً في حمله على التناقض، او في تأويله للدلالة ومحاولته تسديد هذه الثغرة؛ بما يجعله يُنقذ المؤلف ويشارك في صناعة النص وانتاج المعنى.

ان ما سبق عرضه ينطبق بشكل واضح على نص (كانت) في مشروعه النقدي، وهو يعي ترائي التناقضات للقارئ كما تبديها الكتب الابداعية من امثال كتابه الخالد، لكنه عزا ذلك الى تشويه القارئ او قصوره عندما تُنتزع بعض العبارات من سياقاتها ويُقارن فيما بينها فتبدو متناقضة. في حين رأى ان من استوعب الفكرة باكملها سيتمكن من ازالة هذه التناقضات بكل سهولة.

هذا ما ذكره في خاتمة الطبعة الثانية للنقد[10]. فهو استدراك لما تعرّض اليه من حملة نقدية حادة أُتهم بموجبها بمختلف التُهم، ومنها ان كتابه حافل بالتناقضات.

وبلا شك ان هناك اسباباً عديدة تجعل النص الكانتي يتصف بالصعوبة والتعقيد، احدها يتعلق بصعوبة موضوع البحث، خاصة وان (كانت) اعترف في كتابه بانه لجأ الى عدم الشرح والاسهاب في التفاصيل الجزئية كي لا تكون على حساب اقتناص المعاني الكلية التي يريد تبليغها للقارئ من دون معوقات. اضافة الى انه نشر الكتاب على عجل خشية وفاته، فقد دفعه للطبع بعد اربعة او خمسة اشهر من اكمال إعداده الذي طال مدة احدى عشرة سنة، منذ (عام 1770 وحتى عام 1781)[11]. بمعنى انه لم تتوفر له الفرصة الكافية لاصلاح عبارات الكتاب. كذلك ان (كانت) ضمّن الكتاب الكثير من مصطلحاته الخاصة، بل وتقصّد ان يستخدم لغة معقدة غير معاصرة، مما يجعل القارئ يتيه وسط تعبيراته اللغوية والمفاهيمية المعقدة. فقد فضّل التعابير اللاتينية على الالمانية، مع اعترافه بانه يناقض الذوق والاسلوب الانيق[12]. وهو احياناً يشير الى كونه يبحث عن الالفاظ القديمة المهجورة الميتة[13]. وهي حصيلة طالما اشتكى منها الشراح والنقاد، وان هذه المنظومة الفلسفية تشكل مجالاً خصباً للتأويلات الكثيرة، رغم الاحساس بالعمل الفكري الجبار، اذ فتح باباً من البحث النقدي للعقل البشري المجرد من دون سابقة احد.

ومن وجهة نظرنا ان (نقد العقل المحض) يتضمن احكاماً متناقضة من دون ادنى شك، كما يتضمن قضايا مصادرة واخرى غير معقولة. وقد يخيل للمرء وهو يباشر الدخول الى اروقة معالم هذا الكتاب الترسندالي ان يجد نظاماً منطقياً دقيقاً، خاصة وان (كانت) يشير بوضوح الى ان غرضه من هذا النقد هو ارساء فلسفة ذات احكام سالبة وليست موجبة، وكما قرر فان فلسفة العقل المحض تنحصر في الاحكام السالبة وذلك لتلافي اغلاط التوسع المعرفي غير المنضبط[14].

فهذا هو الهدف الفلسفي كما يراه، وهو جعل معارفنا منضبطة منطقياً ضمن حدود لا تتعداها. ولو تحقق هذا الهدف لكان الكشف العقلي ضيقاً ومحدداً وفقاً للضبط المنطقي المفضي الى الاحكام السالبة.

فمهمة (نقد العقل المحض) هي السلب لتطهير العقل وصونه من الاخطاء، مما يشكل ربحاً كبيراً. والمستهدف فيها هو تصويب معارفنا وليس توسيعها، وذلك بنقد قدرة العقل الخالص نفسها، وعليه يمكن محاكمة الفلسفات القديمة والحديثة على ضوء هذه المهمة العظيمة كالذي يشير اليه صاحب هذه المهمة[15].

ان الاحكام السالبة فارغة بالفعل.. وهنا تكمن اهميتها، اذ لا مجال لاي غلط ممكن عند تطبيقها على القضايا الفلسفية التي تتجاوز نطاق التجربة الممكنة او الحدس الحسي والرياضي المحض. فلا يمكن تلافي اغلاط القضايا التي لا تخضع للمحاكمة التجريبية والحدسية الا عبر الاحكام السالبة. وهذه هي ثمرة البحث النقدي. فلقد استهدف (كانت)  تقييد الفعل الفلسفي عبر هذه الفائدة السلبية لرصد الزيادات المعرفية التي لا معنى لها، وهي الفائدة الوحيدة لاي فلسفة للعقل المحض، فهي فائدة سلبية لجعل معارفنا منضبطة التعيين والتحديد من دون توسع، ففضلها هو الاحتراز من الاغلاط وليس كشف الحقيقة[16]. وتعتبر هذه الاثارة التي قدمها (كانت) من خلال الاحتكام العقلي اعظم طعنة تتعرض لها المذاهب الميتافيزيقية. فهي تواجه اشكالية التوسع المعرفي في البحث الميتافيزيقي، فيما ان الاطروحة الكانتية تفرض من منطق العقل ذاته مغالطات الكشف المعرفي خارج حدود التجربة الممكنة والحدس القبلي المحض، ومن ثم يصبح الهدف الفلسفي لا يتجاوز التحليل عبر وظيفة العقل النقدية، بغية تجنب الاخطاء والمغالطات التوسعية، وبذلك يحفظ للفلسفة كرامتها وتقديرها على حد وصف صاحب النقد[17].

ان المهمة الفلسفية التي حملها (كانت) على عاتقه هي مهمة منطقية صرفة. فالمنطق اداة صورية محايدة للكشف عن الحقائق. ومن وجهة نظر فيلسوف بروسيا انه ينبغي على الفعل الفلسفي ان لا يتجاوز هذه المهمة البليغة، وبالتالي فمعنى الفلسفة عنده هو غير ما تعارف عليه لدى الغير.

وبلا شك ان هذا التحليل متأثر بالرؤية الهيومية الى حد كبير، مثلما كان له اثره الواضح على الفلاسفة التحليليين والوضعية المنطقية ازاء الموقف من الوظيفة الفلسفية ونقد القضايا الميتافيزيقية.

ونعتقد ان نتائج الاحكام السالبة واضحة، فهي تتضمن منطق (اللاادرية) لعجز العقل الترسندالي عن ان يحدد احكاماً موجبة، فهو لا يثبت شيئاً ولا ينفيه، او انه عاجز كلياً عن ان يحدد اي موقف خارج الاطار الحسي والتجريبي، كالذي تمسكت به الوضعية المنطقية فيما بعد، لكن هذه الاخيرة اضافت الى الاحكام الترسندالية صفة (اللامعنى)، بمعنى ان النتيجة التي توصلت اليها هذه المدرسة تختلف في تفاصيلها عن النتيجة التي توصل اليها (كانت)، فرغم ان كلا الاتجاهين يمنع اقامة علم للميتافيزيقا نظرياً، الا ان نوع الممانعة لدى الوضعية المنطقية مضاعف، فهي لا تحيل هذا العلم فحسب، بل انها تعتبر القضايا التي تخصها هي قضايا بلا معنى خلافاً لتصور (كانت). وقد يتم توجيه صفة (اللامعنى) الوضعي للقضية الميتافيزيقية بحسب المعنى الضعيف والقوي. فلو تمّ حمل هذه الصفة على المعنى القوي لكان الحكم موغلاً في الايجاب لا السلب، حيث يتضمن نفي المصاديق الميتافيزيقية من الوجود تماماً. اما لو تمّ حمل الصفة المذكورة على المعنى الضعيف، فستكون النتيجة عبارة عن الشك واللادرية المطبقة. ويعتبر المعنى الضعيف هو ما تعوّل عليه هذه المدرسة الفلسفية.

ان كل ما يريد (كانت) ابلاغه للقارئ والمتعلم للفلسفة هو الكف عن البحث في القضايا الميتافيزيقية. فمهمة الفلسفة اساساً هي نقد العقل ومحاصرته نظرياً، ويصبح على الدارس لها ان لا يتعلم الا ما يتعلق بالتاريخ الفلسفي. وبذلك يوحي الى ان هذا التاريخ منقسم الى مرحلتين، هما مرحلة ما قبل (كانت) والمرحلة الثورية (الكانتية)، وبحسب الاخيرة انه ليس هناك موضوع خارجي محدد للتفلسف عبر العقل النظري، كما ليس هناك مجال لان يقال فلان فيلسوف.. وهي نظرة سلبية تشاؤمية حتمتها الدوغمائية الكانتية بعد سعيها للقضاء على الدوغمائية الميتافيزيقية كما تمثلها المرحلة الاولى.

ان انكار صفة الفلسفة والفيلسوف على المشتغل في القضايا الميتافيزيقية يجد تبريره لدى الدوغمائية الكانتية. فهي كما عرفنا تنكر على الفلسفة ان يكون لديها مسلمات مثلما تنكر عليها ان تفضي الى براهين، وبالتالي لا جدوى منها سوى البحث في المعاني السالبة للاحكام.

اذن تتعلق النقطة الجوهرية في نقد (كانت) بالموضوعات الميتافيزيقية، فهي تُعتبر لب البحث الفلسفي وجوهره. والغريب في الامر ان (كانت) لم يحافظ على المنطق المعقول وراء نقده وتحليله، فقد لا يختلف اثنان انه ينبغي ان ينتهي من وراء تحليلاته التضييقية الخانقة الى منطق اللادرية، فهو المعنى المناسب للاحكام السالبة فيما يخص القضايا الميتافيزيقية، كالذي انتهى اليه ديفيد هيوم من قبل، لكنه على العكس حوّل الحكم السالب الى موجب دون ان يبالي بالتناقض. واذا كان منطق اللادرية او الحكم السالب يفرض على المحلل ان لا يثبت القضية الميتافيزيقية ولا ينفيها، بل يستسلم الى الجهل وعدم القدرة على اثبات شيء، فان (كانت) لم يلتزم بهذه النتيجة المنطقية، رغم انه لم يعمل – نظرياً - على اثبات القضية الميتافيزيقية ولا نفيها، بل لجأ الى حكم موجب اخر هو الرفع وعدم الاعتراف بوجود موضوع للقضية المطروحة في البحث الفلسفي، او نفي موضوع القضية اساساً.

وكمثال للتوضيح نفترض اننا مهما حاولنا ان نصل الى جواب محدد لانضمام زيد الى المدرسة او عدم انضمامه لم نتمكن من ذلك نتيجة تعارض الادلة حوله. فمع ان المنطق قد يجعل احتمالات انضمام زيد وعدم انضمامه واردة ومتكافئة، لكن ذلك لا يخولنا ان نقطع بأن زيداً كموضوع ليس له وجود بالمرة، فدلالة عدم قدرتنا البتة من ان نعطي جواباً محدداً حول انضمام زيد بفعل تكافؤ الادلة لا يفضي لنا بنتيجة اخرى جديدة هي نفي وجود زيد تماماً[18].

والمعنى الذي اردنا بيانه هو ان (كانت) انتهى من تكافؤ الادلة حول اثبات صفة موضوع محدد ونفيها الى نفي الموضوع اساساً؛ استناداً الى بقاء الجدل العقلي الترسندالي دون اعطاء نتيجة راجحة للادلة المتعارضة، فهو لم يحتمل – على الاقل - ان العقل عاجز عن تحديد صفة الموضوع كعجزه عن تحديد اغلب القضايا الميتافيزيقية، وهو العجز الذي لا يدل بالضرورة على نفي موضوعات الميتافيزيقا من الاساس، فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. وبذلك فان (كانت) لم يحافظ على الجانب المنطقي كحد اقل، خلاف ما وعد به من الضبط المنطقي في طرح مثل هذه القضايا. فلقد توسط بمبررات غير كافية للاستدلال على محاور اثبات احكام موجبة، اذ لم يمتلك من الدليل سوى كشفه عن عجز العقل الترسندالي عن اعطاء نتيجة محددة نهائية عبر جدله (التاريخي) الذي لا ينتهي. وربما تكون الوضعية المنطقية اكثر حكمة من (كانت) في هذا الصدد، فعلى الاقل انها من حيث المبدأ لا تنفي ولا تثبت شيئاً يتجاوز الحس والتجربة، وذلك بغض النظر عن اضافة صفة (اللامعنى) على القضية الميتافيزيقية.

قد تكون عظمة فلسفة (كانت) في كونها فتحت طريقاً جديداً للتفلسف، وهو مراجعة احكامنا الفلسفية، فهي اقرب للمنهج منه الى التفلسف. وهي بهذا تمثل فارقة في تاريخ البحث الفلسفي، لذلك قد يكون (كانت) اعظم فيلسوف في تاريخ الفلسفة بعد افلاطون وارسطو الى يومنا هذا من دون استثناء، رغم ان طروحاته امتازت بعدد من المفارقات والتناقضات، وان قراءة نصه الفلسفي توحي خلف السطور انه كان مدفوعاً بتجاذبات من الميول المختلفة، وعلى رأسها الميول الدينية البروتستانتية. فقد حاول ان يفند طرق العقل في تحديد المضامين الميتافيزيقية ليتيح للايمان ان يحل محله. وكما يقول: كان عليّ ان انسخ العلم كي افسح المجال للايمان. وهو يذكّر بان عدم نقد العقل المحض هو مصدر كل جحود للاخلاق، وبالتالي جاءت محاولته لتعيد الثقة بالاخلاق والدين[19]. فهذه هي مشكلة (كانت) التي لم تجعله فيلسوفاً خالصاً كما يُفترض.

ان اهم وسيلة تتخذها الفلسفة مبدئياً هي الضبط المنطقي للوصول الى تحديد القضايا سلباً او ايجاباً، نفياً او اثباتاً، او بقاء الامر معلقاً من دون تحديد وفقاً لطبيعة الادلة المطروحة بلا تناقض ولا مغالطات. فهذه هي مهمة الفلسفة او الشعار الذي تنادي به، وكل مسعى يتجاوزها لا ينتمي الى الفلسفة الخالصة. حتى العلم لا يتخذ الوسيلة التي تسير عليه الفلسفة، فهي تجعل اهم مقدماتها مرتبطة بالجانب المنطقي من دون تجاوز، فيما ان العلم يجيز تجاوز الحدود المنطقية بحثاً عن الثمار النفعية البراجماتية، ولو ادى الامر الى بعض المغالطات المنطقية، كالذي يتبين من موقف العلم ازاء التعميمات العلمية[20].

للاسف ان هذا الحال من الضبط المنطقي لم يلتزم به (كانت) في جدليته حول الموضوعات الميتافيزيقية. لقد اراد ان يظهر تناقضات العقل بأداة العقل ذاته، وابتغى من ذلك القضاء على العقل النظري بمنطق العقل الفلسفي التاريخي، وهو ما يذكرنا بفعل الغزالي في (تهافت الفلاسفة) وكيف انه اراد ان يدحض المقالات الفلسفية وتعجيز الفلاسفة من ان يثبتوا شيئاً من القضايا الميتافيزيقية ومنها المسألة الالهية، وتبيان تناقضاتهم والرد عليهم تعويلاً على مذاهب كلامية مختلفة، مستخلصاً من ذلك تهافت العقل الفلسفي او المجرد في ان يصل الى شيء محدد. وكما اعلن انه يريد الكشف عن تناقضات الفلاسفة ووجوه تهافتهم والاعتراض عليهم كمنكر لا مدع مثبت ‹‹فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعاً بإلزامات مختلفة، فألزمهم تارة مذهب المعتزلة وأخرى مذهب الكرامية؛ وطوراً مذهب الواقفية، ولا أنهض ذاباً عن مذهب مخصوص بل أجعل جميع الفرق إلباً واحداً عليهم، فإن سائر الفرق ربما خالفونا فى التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم فعند الشدائد تذهب الأحقاد››[21].

هكذا تمّ توظيف الجدل العقلي الميتافيزيقي او الترسندالي لهدم التوسع العقلي او اظهار تناقضاته، مما يفرض القيود المنطقية عليه، كالذي مارسه (كانت)، ومن قبله الغزالي في تهافته، بغض النظر عن الدوافع الدينية التي تقف وراء ذلك، بل وكما توصل اليه فخر الدين الرازي من الاعتراف بعجز الإنسان عن أن يرجح دليلاً على آخر معارض، وقضية في قبال أخرى، مستعرضاً بعض الأمثلة الميتافيزيقية التي استخدمها (كانت) فيما بعد ضمن احتجاجاته على الجدل العقلي الترسندالي[22]. وهناك طريقة اخرى لهذا الهدم والتضييق، كالذي مارسه الامام ابو الحسن الاشعري خلال القرن الرابع الهجري، اذ تكفل من خلال العقل النظري الترسندالي ذاته الى ان يبطل العقل العملي المجرد، وهي عملية معاكسة لغرض (كانت)، اذ قام الاخير بتحجيم العقل النظري ليفسح المجال للعقل العملي ان يتوسع ويدلي بدلوه الفاعل.

لقد واجهت محاولة الاشعري رفضاً من ذوي النزعات العقلية، كما انها رُفضت من ذوي النزعات البيانية كالحنابلة، حيث حاول الاشعري ان يسترضي إمام حنابلة بغداد المدعو (البربهاري) ليطلعه على مناصرته لأهل السنة والسلف لاكثر من مرة[23]، لكنه واجه رفضاً واعتراضاً على طريقته الجديدة في الانتصار لمسلك السلف من خلال الجدل العقلي[24]. ومثل ذلك كانت محاولة فيلسوف المانيا غير مرضية لدى اهل الايمان واهل الالحاد على السواء، فالاخيرون اعتبروا انه يريد ان يبرر لاحلال الدين محل العقل، فيما اعتبره المؤمنون بانه ذو نزعة شكية غير مقبولة، لذلك مُنعت فلسفته من التدريس، وقد وصل الحال لدى رهبان بعض الاديرة ان سموا كلب الحراسة لديهم باسم (كانت)[25]. وكل ذلك جرى خلال عصره المعروف بعصر التنوير.

لا نشك بأن للمنطق براعة فائقة في تأسيس الاحكام السالبة والابتعاد عن الاحكام الموجبة. فكل حكم موجب يحتاج الى ما يكفي من الدليل، لذلك يتصف المنطق بالحياد، وهذه هي صفته الرئيسة، ومن ثم لما كانت الفلسفة تعتمد عليه فلا بد من ان يهبها هذا الحال شحنة سالبة.

وهذا ما بشّر به (كانت)، لكنه لم يف بما وعد به، فاصدر احكاماً دون ان يدلي حولها بادنى دليل، ومن ذلك وصفه للشيء في ذاته باوصاف الهية ميتافيزيقية يجعله يصادم موقفه السلبي اتجاه القضايا الميتافيزيقية وعلى رأسها المسألة الالهية. وهو يعترف بمصادرته لهذه القضية مثلما صادر قضايا اخرى، حيث لم يجد حيالها اي دليل.

ومن الناحية الفلسفية اتهم المعاصرون لهذا الفيلسوف بانه يرمي الى المثالية الذاتية على شاكلة باركلي، او على الاقل فيما انتهى اليه ديكارت من نتائج، وقالوا فيه انه ‹‹باركلي بارع››، او هو ‹‹مجرد صدى للايبتنز››، او ‹‹هيوم بروسيا››[26].

واعتبروا نصه الفلسفي مليء بالتناقضات، ومن ابرزها التناقض الخاص بمسألة العلية او السببية، ويكاد ينطبق هذا الحال على موقفه من الدليل اللاهوتي الخاص بالمسألة الالهية، كالذي عرضناه لدى بعض الدراسات.

وكان على رأس القضايا التي تعرض بسببها الى النقد قضية (الشيء في ذاته)، فهي العلامة الفارقة لدى مذهب (كانت). بل هي ذاتها فرضية الدخول الى عالم الميتافيزيقا الذي أحاله بشتى الوسائل، فيما دخل اليه عبر الوسيط المتمثل بهذا الشيء. وبالفعل ان فيلسوف بروسيا كان بأمس الحاجة الى هذا الافتراض، وذلك ليؤسس البديل المطلوب بعد نقضه للعقل النظري، اي ليشيد من خلاله العقل العملي، وهو ما يجعل نظرية (كانت) براجماتية غير برهانية، اي خلاف سائر المنظومات الفلسفية التي سبقته. فالعقل النظري مقيد فيما العقل العملي موسع، بل عند الربط بين العقلين على معرفة واحدة يمسك العقل العملي بالاولية، ولا يقبل ان يكون العقل العملي خاضعاً للنظري، لأن كل مصلحة هي في نهاية الامر عملية، وحتى مصلحة العقل النظري نفسها ليست كاملة الا مشروطة وفي الاستعمال العملي لا غير[27].

ان الاعتماد على الشيء في ذاته هو ما يشكل نقطة ضعف نظرية (كانت)، وقد كان معاصروه يدركون هذا المعنى، ومن ذلك ما صرح به فخته، كذلك ما قاله معاصره الناقد جاكوبي: ‹‹بدون الشيء في ذاته لا يمكنك الدخول الى بناء كنط، وبه لا يمكنك الاستمرار فيه››[28].

ونرى ان اهم اعتراض يمكن توجيهه الى فلسفة (كانت) هو انها تؤسس لشروط المعرفة الممكنة، فيما انها تفتقر الى شرط امكان هذا التأسيس، فهي غير قابلة للنهوض منطقياً، وذلك استناداً الى مصادراتها التي اشادت عليها بنيانها المعرفي، وطبقاً للبرهان واليقين الدوغمائي الذي ادعاه (كانت) حول فلسفته النظرية، حيث اعتبرها برهانية قطعية. فرغم انه شرّح خارطة العقل البشري وارتباطاته المنظومية، ومن ثم الاحكام التي رآها حقيقية وصحيحة وفق نقده الترسندالي، لكن المعايير المبدئية التي اعتمدها لم تتصف بالكاشفية، بل كانت مهمتها الربط والتأليف فحسب، وهي بالاضافة الى ذلك مشروطة بقيود الموضوعات الحسية، ورغم انه اعتبرها تحتاج الى دليل لكنه لم يقدم حولها دليلاً معتبراً، حتى بدى وكأن هذا الفيلسوف يتبنى نظرية حسية فجة، وانه عمل على تبريرها بمنطلقات عقلية ذاتية من دون ان تكون مورداً لليقين التام او المطلق. في حين تحتاج الفلسفات القطعية الى ان تتأسس على معايير يقينة متعالية على النقد.

***

وعموماً لو قمنا بتحقيق ما قدمه (كانت) من حجج اثباتية فسنصل الى انه لم يثبت لنا شيئاً خارج (الأنا) وفق العقل النظري. فهو لم يتمكن من اثبات الواقع الموضوعي، كما لم يتمكن من اثبات الشيء في ذاته استناداً الى الحجج التي قدمها بهذا الصدد. وبالتالي فانه لم يستطع ان يثبت اي شيء خارج التصورات الذاتية.

لقد سقط (كانت) صريع مبدأ السببية الذي اراد تحليله بعناية. كما وقع في عدد من التناقضات المفضوحة والتي من الصعب توجيهها وتأويلها. ويبقى انه لا بد من التدرج – لدى دراساتنا المقبلة - في طرح ومناقشة ما قدمه من فلسفة جديدة حاولت ان تقلب موازين العقل البشري، ليتبين لنا اين مكامن الخطأ التي سقط فيها هذا الفيلسوف العظيم.

 



[1]     محمود زيدان: كنط وفلسفته النظرية، دار المعارف، مصر، الطبعة الثالثة، 1997م، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[2]     عمانوئيل كنط: نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الانماء القومي، بيروت، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[3]     نفس المصدر.

[4]     العطار: تذكرة الأولياء، ج2، ص274 و141. كما للتفصيل انظر القسم الثاني من كتابنا: مدخل الى فهم الاسلام، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 2012م.

[5]     للتفصيل انظر: منهج العلم والفهم الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الاولى، 2014م.

[6]     للتفصيل انظر كتابنا: علم الطريقة. كما انظر:      Lakatos, I. The Methodology of Scientific Reserch Programmes, Philosiphical Papers, Volume1, Editted by Jhon Worrall and Gregery Currie, First Published 1978, Reprinted 1984, Cambridge University Press, p.20-21.

[7]     عبد الرحمن بدوي: إيمانويل كنت، وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الاولى، 1977م، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[8]     زكي نجيب محمود: ديفيد هيوم، دار المعارف، مصر، 1958م.

[9]     صدر المتألهين الشيرازي: مفاتيح الغيب، تقديم وتصحيح محمد خواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، ص473ـ485 و75ـ76. وايقاظ النائمين، مقدمة وتصحيح محسن مؤيدي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، 1982م، ص40 و72.

[10]    نقد العقل المحض.

[11]    كنط وفلسفته النظرية.

[12]    نقد العقل المحض.

[13]    نفس المصدر.

[14]    المصدر نفسه.

[15]    المصدر نفسه.

[16]    المصدر نفسه.

[17]    المصدر نفسه.

[18]    لقد أورد (كانت) مثالاً توضيحياً مختلفاً ليدل على المطلوب، اذ ذكر بأن القضية القائلة: (ان لكل جسم رائحة طيبة او كريهة) هي قضية خاطئة، حيث يمكن الاعتراض على هذا التقسيم بنفي التعميم واعتبار بعض الاجسام ليس لها رائحة فواحة بالمرة. لكن مثالنا الوارد في المتن هو اقرب للتوضيح لما اراد (كانت) الاستدلال عليه.

[19]    نقد العقل المحض.

[20]    للتفصيل انظر كتابنا: الاستقراء والمنطق الذاتي، دار افريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثانية، 2015م.

[21]    الغزالي: تهافت الفلاسفة، مقدمة ثالثة.

[22]    انظر: مدخل الى فهم الاسلام.

[23]    أبو الحسن محمد بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت، ج2، ص18.

[24]    للتفصيل انظر: مدخل الى فهم الاسلام.

[25]    إيمانويل كنت.

[26]    كنط وفلسفته النظرية.

[27]    إمانويل كَنْت: نقد العقل العملي، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الاولى، 2008م، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

comments powered by Disqus