-
ع
+

الإفتراض الآخر

 يحيى محمد                 

كل انسان يمتلك منظومة من المعتقدات والمعارف. وكل انسان يواجه قبال هذه المنظومة مفردات معارضة لدى الآخرين قد تكثر أو تقل، فهي بمثابة ‹‹الإفتراض الآخر›› المقابل للمعتقدات المسلّم بها. لكننا مع ذلك قد نعتبر معتقدات ومعارف الآخر المعارضة لمعتقداتنا ومعارفنا لا تعنينا بشيء، فهي تعود إلى الآخر لا إلينا، وأحياناً لسنا مستعدين لحملها حتى على مجرد الإفتراض فحسب. بمعنى اننا لا نجعل من تلك المعتقدات والمعارف المخالفة إفتراضاً آخر على نحو الامكان والاحتمال للحاظ ما يترتب عليه من مستلزمات منطقية وموضوعية وربما براجماتية ايضاً، وقد لا نجعل منه إفتراضاً آخر حتى على نحو المحال وما يستدعيه من مترتبات.

كذلك فنحن عادة لا نفترض إفتراضاً آخر مختلفاً عما نعتقده ونراه بغض النظر عن معتقدات ورؤى الاخرين، فلا نفكر في غير ما نفكر فيه. وبالتالي فنحن لا نطرح البدائل المفترضة أو المحتملة لما نعتقد به.

وعادة ما يشكل الاعتقاد بالنسبة لنا الشيء المألوف الذي تستقر اليه النفس بالراحة والاطمئنان، وان فقدانه يعد شيئاً من عذاب النفس لعدم إلفته، بغض النظر عن طبيعة هذا المعتقد. اذ تجد الناس يختلفون اختلافاً شاسعاً حول المعتقدات، وتعد بالآلاف، ومع ذلك فكل فرد يألف ما صادفه من المعتقد ويطمئن اليه رغم هذا التضارب والاختلاف. وبالتالي فالكل يرى ان من الصعوبة بمكان ان يحوّل ما هو مطمئن اليه ومألوف إلى شيء غريب معذب  للنفس. فالإلفة هي الحاكمة على استقرار المعتقد أياً كان هذا الأخير. وعليه كان من الصعب طرح البدائل من الإفتراض الآخر. رغم ان الاختلاف الشاسع في المعتقدات والمعارف يجعل اغلبها معدوداً بحكم الخاطئ من الناحية المنطقية.

لكن مَن من هذه المعتقدات يعتبر صحيحاً؟

من الطبيعي ان كل اتجاه يحمل شيئاً من هذه المعتقدات الألفية يرى مذهبه صحيحاً وأن غيره مبتلى بالخطأ والبطلان، بل قد يراه حاملاً للكفر والضلال، على شاكلة ما كان يظنه أسلافنا، وما زلنا على سيرتهم الاولى، وهي أننا نحمل راية الفرقة الناجية وسط فرق الكفر والضلال التي لا تعد ولا تحصى.

لا نجانب الصواب لو قلنا بأن طرح الإفتراض الآخر يُخشى منه الوقوع في الخسارة عند التحول والانقلاب. بمعنى ان كلاً منا يخشى ان يخسر ما يطمئن اليه من المعتقد، فلماذا يغامر بمثل هذا الطرح؟ وما الفائدة التي يجنيها عبر هذا التفكير؟

لنستحضر الحوار المفترض الذي صوره لنا الفيلسوف الفرنسي باسكال مع ذلك الملحد الذي احتج بمثل ما سبق من احتجاج، فقد اعتبر انه لو التزم بما دعا اليه المؤمن من الايمان بالله والآخرة فإنه سيخسر متعته في الحياة، باعتباره سيلجأ إلى متطلبات الآخرة وسيحد ذلك من متعته في الدنيا، وهي خسارة ومغامرة قبال شيء مفترض لا يعرف عن حقيقته شيئاً. وقد كان رد باسكال بلسان المؤمن هو الاعتراف بالخسارة، لكنها مع ذلك خسارة ضئيلة عند مقارنتها بربح الآخرة العظيم. فالمغامرة بالخسارة القليلة تستحق الفعل لاحتمال كسب سعادة لا تنتهي[1].

كذلك فنحن نقر بأن الخسارة صحيحة ومؤكدة، لكنها قليلة بالمقارنة مع ما قد يجنيه المرء من ثمار كثيرة.

مع ذلك فإن طرحنا يبتعد عن هذا التوجه (السايكوثيولوجي) من الربح والخسارة النفسية، فما نفكر به هو اللجوء إلى اعتبارات اخرى منطقية وموضوعية ونفعية.

لذا نسأل: ما الأهمية التي يشكلها الإفتراض الآخر بالنسبة لنا؟ وما المقصود بالإفتراض الآخر على نحو التحديد؟ وما هي مجالاته وحدوده؟

حول الأهمية فقد سبق ان اشرنا إلى اننا معنيين بقوة إلى البحث في الإفتراض الآخر، وان ما يبرر هذا البحث هو كثرة الاختلاف والتعارض بين المعتقدات والمعارف. والهدف من ذلك هو التحقيق الجاد لمعرفة أي الإفتراضات تتصف بالصدق والحقيقة أو الاقتراب منها، وعلى الأقل تحديدها ضمن المرجحات، وأيها تكون مستبعدة؟ فيكفي اننا بهذا السلوك نحاول التحقيق والتدقيق بصدق دون ما ألفناه من تبرير ما نعتقده. فبدلاً من ان نبرر لمعتقداتنا؛ لنبرر لمعتقدات غيرنا، وعلى نحو الدقة: لنبرر للإفتراض الآخر بغض النظر عن الغير أياً كان.

هل هذا العمل ممكن؟ وهل له هذه الأهمية التي أشرنا اليها؟

من حيث الامكان فواضح انه ممكن، رغم انه صعب التحقيق، لكن هناك الكثير من يزاول مثل هذا العمل. أما من حيث الأهمية فقد لا تجد للنهضة والتطور مجالاً ما لم تُشَع ثقافة التحقيق والمراجعة الفكرية باستمرار ومن ثم البحث في الإفتراض الآخر.

ومن حيث التعريف ليس بالضرورة ان يتمثل الإفتراض الآخر بما لدى الغير من معتقد ومعرفة، فقد يكون جديداً وغير مسبوق لدى الأطراف المختلفة، فهو بالتالي بمثابة (الطريق الثالث). وعليه فتحديدنا للإفتراض الآخر: هو كل إفتراض يُطرح باستثناء ما نعتقده ونراه!

ويدخل ضمن هذا التعريف ما نطلق عليه الإفتراض الكاذب أو المفارق، فقد ينضم الإفتراض المذكور ضمن المنظومة المسلّم بها رغم عدم اتساقه معها، أو مع مولداتها المعرفية، اذ قد يوظف لعلاج مشاكل جوهرية يستعصي حلها بدونه، لذلك يصبح جزءاً من المنظومة رغم هذه المفارقة. وبعبارة اخرى ان كل إفتراض لا يتسق مع الأصل المولد للمنظومة المعرفية التي ينتمي اليها هو إفتراض كاذب ومفارق[2].

فمثلاً ما اضطرت اليه المنظومة الاشعرية من حمل بعض القضايا التي لا تتسق مع روحها العامة ولا مع اصلها المولد، وبالتحديد ما ادعته من قضية الصدق الحتمي للكلام الالهي بحيث يستحيل معه الكذب، ومثل ذلك قولها ان من المحال اجراء المعجزات على يد الكذابين. فهذه الاقوال لا تتسق مع طابعها المعياري، لكنها اضطرت اليها لتثبت المسألة الدينية، وإلا أصابها العجز عن ذلك. فنفي الطابع العقلي عن الحسن والقبح – كما تسلم به هذه المنظومة - يفضي إلى إستحالة إثبات الصدقين الخاصين بالإله والنبوة، أي أنه يفضي بالنتيجة إلى عدم إمكان تأسيس المسألة الدينية برمتها، كما لا يمكن إثبات صدق ما يخبرنا التشريع الديني بقبح الكذب والخداع، إذ قد يكون ذلك من الكذب المتعلق بالكلام الإلهي، أو الكذب المتعلق بالنبوة. فلأجل الفرار من مثل هذه اللوازم الفاسدة اعتبروا الصدق من الأمور الحتمية المناطة بالكلام الإلهي والنبوة، رغم أن التسليم بالصفة الذاتية للكلام الإلهي لا يستلزم ضرورة الإتصاف بالصدق دون الكذب، فالكلام الثابت شيء، وصدقه أو كذبه شيء آخر، ومثلما يحتاج الأول إلى دليل، فالآخر يحتاج إلى دليل غيره[3].

 

أصناف الإفتراض الآخر

للإفتراض الآخر نوعان من التصنيف، أحدهما موضوعي، والآخر ذاتي. فعلى الصعيد الموضوعي ينقسم الإفتراض الآخر بحسب امكانية تحقيقه كالتالي:

1ـ الإفتراض المستحيل، فقد تكون الاستحالة منطقية، كالإفتراض المستند إلى نقض مبدأ عدم التناقض المنطقي، اذ يترتب على مثل هذا الإفتراض فشل المعرفة في ان تقوم لها قائمة. كما قد تكون الاستحالة عقلية وجدانية، كالإفتراض المستند إلى نقض مبدأ السببية العامة، اذ يترتب عليه فشل اثبات أي واقع خارجي للأشياء.

 

2ـ الإفتراض الصعب أو المرجوح، مثل الإفتراضات الكثيرة التي لجأ اليها علماء الفيزياء لحاجتهم لذلك أو إضطرارهم اليه كما سنرى.

3ـ الإفتراض السهل أو العادي، وهو الإفتراض الذي يمكن الأخذ به دون لحاظ مشاكل معينة مترتبة عليه، وما أكثره في حياتنا. وفيه مراتب وسطية لا تحصى، تبدأ مما هو غير صعب، وتتدرج – من الناحية المعرفية – ترجيحاً حتى تنتهي إلى مرتبة الإفتراض الملزم، وهي المرتبة التي تكون على رأس الإفتراضات السهلة.

4ـ الإفتراض غير المحدد، وميزته التردد بين مرتبتين متجاورتين، كالتردد – أحياناً – بين الإفتراض المستحيل والصعب، أو بين هذا الأخير والإفتراض السهل. وكثيراً ما يصدق هذا النوع من التردد لدى الفيزياء، فقد لا يُعرف – لدى البعض على الأقل - إن كان واقعاً تحت الاستحالة أو الصعوبة، كالإفتراض المتعلق بالاتجاه العكسي للزمان كما يفكر به الفيزيائيون، مثل حالة السفر إلى الماضي. فأحياناً يراه الفيزيائيون نقضاً لمبدأ السببية، أو الوقوع في نتائج متناقضة، وأحياناً يضعون له سيناريوهات مختلفة لا تبعث على التناقض ولا تخترق مبدأ السببية[4]. كما يرى بعض آخر ان ذلك مستحيل، وهو يعبّر عن الزمان بأنه لا عكوسي، اي من المستحيل ان يعود إلى الوراء، كالذي يقوله اصحاب نظرية الشواش (الكايوس chaos)، وهو ان اللاعكوسية والاتصال مرتبطان بوثوق مع بعضهما البعض، فمن المحال ان يكون للزمان اتجاهان كما يفترضه الفيزيائيون من بعد اينشتاين، فليس له إلا اتجاه واحد هو السير إلى الامام أو المستقبل دون العودة إلى الماضي[5].

5ـ الإفتراض الشرطي المنافي للواقع، وهو إفتراض متعلق بالنتائج المترتبة على الإمكانات التي لم تصادف الواقع. ومن ذلك الإفتراضات التاريخية البديلة، كإن نستشرف كيف يكون شكل العالم فيما لو انتصر هتلر في الحرب العالمية الثانية. وهناك رواية أدبية تفيد بأن النازية قد انتصرت على الحلفاء، واصبحت بريطانيا محمية تحت وطئة الاحتلال الالماني، كالتي يشير إليها الفيزيائي بول ديفيز. وعادة ما تركز الروايات الأدبية على الصور الخيالية غير الواقعية، وقد تحاول قلب هذا الواقع ضمن صيغ من التاريخ الإفتراضي البديل. وفي هذا الإفتراض أنه مهما احتملنا وتوقعنا فإنه لا يسعنا تجاوز حدود دائرة التفكير ضمن القضايا المنفية. وقد يكون مثل هذا الإفتراض منتجاً، أو ذا نتائج مثمرة قيمة، كالذي حصل في دائرة التفكير الفيزيائي كما سنرى.

6ـ الإفتراض المكافئ، وهو يكافئ غيره، لكن يؤخذ به لإعتبارات نفعية، كالذي يلجأ اليه علماء الفيزياء عادة، ومن ذلك المذهب الاصطلاحي الذي قدّمه الرياضي الفرنسي بوانكاريه حول النظريات الفيزيائية في حقلي الهندسة الكونية والميكانيكا، وقد عمم هذه الفكرة الاستاذان (ملهود Milhaud) و(لي رويLe Roy ) لتغطي كافة فروع وحقول هذه النظريات. ومثل ذلك نظرية التكافؤ بين الكتلتين العطالية والثقالية، أو بين الأخيرة والتسارع، كما لدى نسبية اينشتاين. كذلك التكافؤ بين ميكانيكا الموجات لشرودنجر وميكانيكا المصفوفات الجبرية لهايزنبرج في عالم الجسيمات المجهرية. وايضاً ما يُعرف بالإزدواجيات أو الثنائيات لدى نظرية (M) كما أطلق عليها ادوارد ويتين خلال منتصف التسعينات من القرن الماضي، ضمن ما يُعرف بنظريات الأوتار المختلفة.

***

هذا على الصعيد الموضوعي، أما على الصعيد الذاتي فيمكن تقسيم الإفتراض الآخر وفقاً لهذا النحو:

1-  إفتراض سهل التقبل باعتباره لا يمس ما لدينا من مسلمات ومعتقدات راسخة.

2-  إفتراض صعب التقبل باعتباره يمس ما لدينا من مسلمات ومعتقدات راسخة.

3-  إفتراض وسطي، وهو يتخذ مرتبة وسطى من مراتب غير محددة بين الإفتراضين السالفي الذكر.

وقد نتصور وجود سلّم من الإفتراض الصعب ضمن الدائرة الدينية، أو اي دائرة اخرى، فلو ان شخصاً منتمياً لفئة معينة ضمن مذهب ما؛ فإن أسهل ما يواجهه من الإفتراض الصعب هو ما يتعلق بالفئة الأخرى. فضمن المذهب الشيعي – مثلاً – ان الفرد الاصولي قد يرى الاخبارية ما تمثل إفتراضاً صعباً له، وكذا العكس صحيح ايضاً. ومثل ذلك في المذهب السني، فالمنتمي إلى الاتجاه الفقهي الحنبلي قد يرى غيره من الاتجاهات الثلاثة الأخرى ما تمثل إفتراضاً صعباً له، والعكس صحيح ايضاً. والشيء نفسه يقال حول التقليد، فمن يرى لزوم التقليد ينظر إلى تحريمه إفتراضاً صعباً له. لكن كل ذلك يرسم بداية السلّم من الإفتراضات. فما هو اصعب للفرد الإفتراضي السابق هو عندما يرتقي فينظر إلى المذهب المقابل كإفتراض آخر، فالشيعي قد يرى المذهب السني إفتراضاً آخر له، وكذا العكس صحيح ايضاً. وتتقدم الصعوبة اكثر عندما يواجه الفرد إفتراضاً آخر يبتعد فيه عن كلا المذهبين ضمن الاسلام. وما هو أصعب من ذلك عندما يواجه ديناً غير الاسلام كإفتراض آخر. وأصعب منه الطرح الذي يخرج عن دائرة الأديان كلها كإفتراض آخر.. وهكذا. وبالتالي فالإفتراض الآخر ينطوي على نسب متفاوتة من الإفتراضات الصعبة.

وغالباً ما يتأطر الإفتراض الآخر للمعتقد الديني بالمجال الذاتي، في حين يتأطر الإفتراض الآخر للمعتقد العلمي بالمجال الموضوعي. فعلى الصعيد الذاتي يتجلى مثل هذا الإفتراض لدى المعتقد الديني اكثر من اي مجال غيره. في حين يتجلى هذا الإفتراض على الصعيد الموضوعي لدى المجال العلمي اكثر من اي مجال آخر. وحالياً قد تتسم العلاقة بين المجالين السابقين للإفتراض بأنها عكسية. وهو ما ينعكس على الصعيدين الذاتي والموضوعي.

ففي الغالب كلما كان الإفتراض الآخر صعباً على الصعيد الذاتي فإنه سهل على الصعيد الموضوعي، وكلما كان صعباً على الصعيد الموضوعي فقد يصعب أو لا يصعب على الصعيد الذاتي. وفي القبال كلما كان الإفتراض سهلاً على الصعيد الذاتي فهو سهل على الصعيد الموضوعي، وكلما كان سهلاً على الصعيد الموضوعي فإنه قد يسهل أو لا يسهل على الصعيد الذاتي. الأمر الذي ينعكس على العلاقة في المجالين العلمي والديني كما هو واضح.

 

مجالات البحث في الإفتراض الآخر

تشتمل مجالات البحث في الإفتراض الآخر جميع القضايا المعرفية بلا حدود. بمعنى انها تتضمن المجالات المنطقية والفلسفية والعلمية والدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات دون استثناء. وسنركز – في هذا البحث - على نماذج لعدد منها؛ آخذين بعين الاعتبار ما يضطرنا للتفكير في الإفتراض الآخر. فرغم تعويلنا على ما نعتقده من معتقدات راسخة ومسلمات نظن انها صحيحة؛ لكننا قد نواجه مشاكل قبالها لا تُحل الا بالعمل وفقاً للإفتراض الآخر، مهما كان صعباً أو يبدو عليه شيء من الاستحالة. وبالتالي فالعملية لا تخلو من خسارة، لكنها ذات مكسب كبير. واكثر ما ينطبق عليه هذا الحال هو المجال العلمي، كما سنرى.

 

المجال العلمي والإفتراض الصعب

كثيراً ما يضطر الباحثون في المجال العلمي إلى التعويل على الإفتراض الآخر المتصف بالصعوبة عندما لا يجدون حلاً الا اذا كان على حساب المسلمات أو الحس المشترك العام (common sense) أو ما يسمى بالفطرة السليمة، وهو ما جعل الكثير من العلماء يلجأون إلى تجاوز هذا الحس، وبعضهم كان يدعو إلى ضرورة تحرير الفلسفة العلمية من تطفل مفاهيم الفطرة السليمة دفعاً للتشويش، مثلما هو حال الوضعيين المنطقيين من أمثال هربرت ونجل[6]. كذلك رأى أغلب علماء الكم (الكوانتم) ان نظريتهم لا تنسجم مع ما يفرضه الحس المشترك والمفاهيم الوجدانية، ودعوا إلى تجاوز هذا الحس والوجدان. فقد واجه أصحاب هذه النظرية الحس المشترك وما يتضمنه من مسلمات فلسفية أساسية بأعظم مما واجهته النظرية النسبية خلال القرن العشرين. ولثقل المشكل سعى البعض إلى فهم فيزياء الجسيمات الذرية من خلال هذا الحس كالذي عليه جون بيل، فاعتبره بمنزلة المبادئ الفلسفية الضرورية التي لا غنى عنها. لكن هناك مقاربة اخرى معاكسة تماماً لما سبق، فهي تجعل من مبادئ الكوانتم الراسخة، كما توصل اليها الكثير من العلماء، أساساً للبسط والتعميم حتى على دائرة الحس المشترك ضمن حدوده الخاصة. فبحسب هذه الوجهة من النظر يكون الحس المشترك مجرد نتيجة لقوانين طبيعية، وان لهذه القوانين بنيتها المنطقية الخاصة. الأمر الذي جعل أنماطاً من التفكير تشهد انقلاباً وانعكاساً تامين، ويصعب بالفعل الاعتياد على مثل هذا المنظور، ولا شك ان نتائجه ليست سهلة الاستيعاب دائماً. فقد حاول الفيزيائي (رولان أومنيس) ان يستنبط الحس المشترك من مقدمات كوانتية، ليتبين تحت أي شروط يكون هذا الحس صحيحاً، وما هي حدود الخطأ في هذه الصحة. فهي بلا شك مقاربة جديدة تقلب التفكير البشري رأساً على عقب[7].

ويبرز هذا النوع من الإضطرار المتعلق بالإفتراض الصعب لدى التحولات الكبيرة أو المحطات العلمية الفاصلة. واولها تلك المتعلقة بنشأة العلم الحديث، اذ لم يبدأ هذا العلم الا عبر طرح الإفتراض الآخر، كالذي صرح به كوبرنيك حول حركة الأرض حول الشمس مخالفاً الاعتقاد البطليمي السائد قبله. فقد ولد هذا الإفتراض ولادة عسيرة، فأغلب المعطيات كانت تشير إلى خلاف هذا الطرح، سواء المعطيات الحسية أو الاجتماعية أو الدينية؛ فضلاً عن سلطة الإرث العلمي العريق التي امتدت طوال ألفي سنة تقريباً. اذ لم يكن هناك شيء يشجع على الإفتراض الآخر غير البساطة الرياضية. فمن كان يتصور ان الأرض غير ساكنة وهو يرى الأشياء معلقة بها لا تتطاير منها، كما ان الأشياء الساقطة من صومعة بشكل عمودي تسقط دون انحراف. ومن الناحية التاريخية لم يتجرأ أحد على تفسير ظواهر الحركة اليومية والفصول السماوية طبقاً لحركة الأرض باستثناء بعض الرجال المعدودين من ‹‹الشواذ الحمقى››. وعادة ما ينسب أصل الإعتقاد بحركة الأرض إلى (فيلولاوس) من أتباع فيثاغورس خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وانه أول من قال بأن الأرض ليست مركز الكون[8]. كما ينقل البيروني بأن جماعة من قدماء الهنود وهم أصحاب (آرجبهد) كانوا يقولون بأن الأرض متحركة والسماء ساكنة. وقد ناقش البيروني هذا الإفتراض في قبال الإفتراض المتعارف عليه وهو دوران السماء حول الأرض، وذكر بأن الفضلاء من المحدثين أكثروا الخوض في نفي الإفتراض الأول، وقد جاراهم البيروني على ذلك[9]. أما لدى الغرب فالمعروف هو أن أبرز وأقدم فلكي تجرأ على مثل تلك ‹‹الحماقة›› هو ارسطوخوس خلال القرن الثالث قبل الميلاد والذي جعل من الشمس مركز الكون وحركة الأرض. ولم يكن لنظريته أي أثر يذكر على الأجيال التالية حتى ظهر كوبرنيك، وهو من طبقة الاكليروس، ولاقى ما لاقى من سخرية ونقد لاذع حول إفتراضه هذا. وقد عرض بحثه أول الأمر على الاصدقاء والزملاء فحسب، خشية معارضة الكنيسة له وخوفاً من ان يصاب بالفشل ويكون موضع استهزاء واضحوكة على مسرح التاريخ، كما ينقل عنه. وقد كلفه تأليف كتابه (دوران الأجرام السماوية) ثلاث وعشرين سنة منذ (عام 1507)، ولم يأذن بنشره الا بعد ثلاث عشرة سنة اخرى، وصادف ان تمّ نشره في اليوم الذي توفي فيه ورآى كتابه وهو يحتضر على فراش الموت (عام 1543). وكانت مقدمة (اوسياندر) ناشر كتابه تبدي بأن اطروحته الجديدة هي مجرد إفتراض مفيد للحسابات الفلكية لا أكثر.

واذا كانت نشأة العلم الحديث بدأت عبر تبني الإفتراض الآخر المتعلق بحركة الأرض حول الشمس رغم الصعوبة التي انطوى عليها، فإن هناك محطات عديدة اضطر فيها العلم لطرح الإفتراض الآخر كبديل مناسب وصعب قبال المسلمات الراسخة. وأبرز هذه المحطات تلك المتعلقة بالتخلي عن فكرة الأثير، وذلك على خلفية النتائج السلبية كما افرزتها تجربة مايكلسون ومساعده مورلي (عام 1886). اذ كان التخلي عن هذه الفكرة ليس سهلاً، باعتبار ان التصورات المألوفة الحسية تبرز دوماً بأن الأمواج تحملها وسائط، فالماء وسيط لحمل الأمواج المائية على الانتشار، والهواء وسيط لحمل الصوت على الانتقال، وكذا اُفترض ايضاً بأن  الأثير وسيط لحمل الأمواج الضوئية على الانتقال. وكان الهدف من تجربة مايكلسون ومورلي هو تحديد سرعة الأرض في دورانها حول الشمس بالنسبة للأثير، وهي تتضمن اثبات الأثير فيما لو نجحت. وقد صُممت التجربة من خلال ارسال شعاعين ضوئيين متعامدين احدهما باتجاه حركة الأرض والآخر متعامد عليها. ومن الناحية النظرية تنتظر التجربة ان يكون هناك اختلاف في سرعة الضوء لدى الاتجاهين، فسرعة الأرض تولّد تياراً معاكساً لحركتها مثلما يحصل في حركة السفينة التي تولّد تياراً معاكساً للحركة. وبحسب هذا الافتراض فان تيار الأثير يسير بعكس حركة الأرض فيؤخر من وصول الضوء، خلافاً للاتجاه الثاني المتعامد للضوء، مما يفضي إلى وجود الفارق بين السرعتين، كالذي يحصل في حالة شخصين يسبحان بسرعة واحدة؛ احدهما يسبح في عكس اتجاه التيار المائي، والآخر يسبح بطريقة عرضية ويقطعان نفس المسافة، حيث سيتأخر وصول الأول مقارنة بالثاني. وكذا كان يُنتظر من التجربة ان تؤدي هذه النتيجة، لكنها لم تفض إلى شيء، فقد تبين بأن  للضوء سلوكاً غريباً وهو انه لا تتغير سرعته في الفراغ مهما كانت الظروف النسبية المتعلقة به. وقد صُدم العلماء من النتيجة وحاولوا بشتى السبل تأويلها لأجل الحفاظ على وجود الأثير كمسلمة أساسية لا غنى عنها[10].

فما تعنيه هذه التجربة هو ان الأثير ساكن وان الأرض ساكنة لا تدور هي الأخرى، اذ بهذا يمكن تفسير ثبات سرعة الضوء رغم اختلاف الجهات. بمعنى ان هذه التجربة لم تستطع اكتشاف حركة كل من الأثير والأرض أو اثباتهما. وهذه النتيجة من عدم القدرة على تبيان حركة الأرض هي الجواب الذي يبحث عنه رجال الدين من مختلف الطوائف فضلاً عن المنجمين. لكن هذا الإفتراض لم يكن مقبولاً لدى الفيزيائيين بعد ان توضح بأن التطور العلمي لم يتحقق بهذه العظمة الا من خلال تحريك الأرض والتخلي عن سكونها منذ أكثر من ثلاثة قرون. فقد بدأ العلم الحديث بالتطور الملفت من نقطة تحريك الأرض، ولولا هذا التحريك ما كان من الممكن اكتشاف طبيعة الحركات الفلكية وحساباتها الدقيقة، ولا ما تفسره الجاذبية لها. وبالتالي لم يبق الا التأويل المتعلق بالأثير، اذ كان من الصعب اعتبار الأثير غير موجود، فذلك يعني ان الأمواج الضوئية تنتشر من دون ان يكون لها وسيط حامل. اذاً ما علة اتصاف الضوء بالسرعة الثابتة رغم اختلاف الجهات النسبية؟

لقد اضطر الفيزيائيون إلى تقديم تأويلات عديدة لتوضيح نتائج التجربة السلبية مع الحفاظ على فكرة الأثير، لكنها لم تكن مرضية.

وكان ابرز هذه التأويلات تفسير الفيزيائيين الهولندي لورنتز والايرلندي فيتزجيرالد، وفحواه يستند إلى اعتبار المادة المتحركة تتقلص باتجاه حركتها، وقد كان لورنتز يرى بان الالكترون عند حركته يتفلطح باتجاه هذه الحركة، وكلما زادت حركة الجسم فانه يزداد تقلصاً وانكماشاً، فمثلاً يتقلص طول العصا عند سرعة 90% من سرعة الضوء إلى النصف[11]، وقد طبّق لورنتز تحليله هذا على مسار الضوء (عام 1895)، فحيث انه يتحرك بموازاة حركة الأرض باتجاه الأثير فان تياره يتقلص باتجاه هذه الحركة بقدر يساوي تماماً ما يتسبب له من إبطاء نتيجة فعل الأثير المعاكس للتيار. وهو ما يجعل سرعة الضوء ثابتة لم تتغير.

لكن هذا التفسير وهذه الصدفة التي تفترض التساوي بين تقلص الضوء وإبطاء الأثير لم ترضِ قناعة الفيزيائيين. كما لوحظ - فيما بعد - انه عند تزايد السرعة فان التأثير لا يتعلق بانكماش الأطوال فحسب، بل يلوح تباطؤ الزمن ايضاً، أو ان المسافات تكون أطول، فيفترض والحال هذه ان حركة الضوء باتجاه حركة الأرض هي أطول زمناً عند قياسها بالنسبة للأثير، وذلك فيما لو استندنا إلى مفاهيم لورنتز.

هكذا بدا على الفيزيائيين اليأس من قيام تفسير مقنع. وهنا قدّم اينشتاين الإفتراض الآخر الصعب والغريب في الوقت ذاته، فقد اضطر من جانب لاستبعاد مسلمة الأثير كلياً، فكما قال في بحث له (عام 1905): انه اذا كان المرء لا يستطيع ان يكتشف ما اذا كان يتحرك أو لا يتحرك في الفضاء فإن فكرة الأثير تصبح حشواً لا حاجة اليه[12]، كما أوضح بأن  نماذج الأثير المختلفة أصبحت معقدة دون ان تخدم غرضاً مفيداً[13]، ورأى ان من الأبسط تبني معادلات ماكسويل ولورنتز بدلاً من تبني نموذجاً شاذاً لا يساعد على تخيل بنية المكان[14]. وعليه حلّ الفضاء محل الأثير، متوصلاً إلى ان الفضاء هو من يتمتع بخاصية نقل الأمواج الضوئية دون الأثير[15]، ويعتبر الفضاء ذا بنية هندسية فحسب. كما افترض اينشتاين بأن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة لا تتغير اطلاقاً، وسبب ثباتها يعود إلى تقلص المكان والزمان كالذي بينه (عام 1905)، عوضاً عن إفتراض (فيتزجيرالد) الذي رأى ان الحركة المتعلقة بالأثير هي علة تقلص الطول أو المكان وانكماشه[16].

ولا شك ان من الصعب تقبل الإفتراضين السابقين لولا الإضطرار  الذي كشفت عنه تجربة مايكلسون ومورلي السلبية. فقد كان اعتبار ثبات الضوء ومن ثم الدخول في النسبية هو الإفتراض الآخر الذي لجأ اليه العلماء على مضض بعد المحاولات اليائسة التي اظهرتها التجارب حول حركة الضوء. ومن حيث التحليل يعد هذا الإفتراض غير معقول هو الآخر، اذ كيف يمكن لمصدر يسير بسرعة معينة وهو يحمل ضوءاً ومع ذلك فإن مجموع السرعتين ستكون هي ذاتها لا تتجاوز سرعة الضوء ذاته، أو عندما يتجه مصدران ضوئيان باتجاهين متعاكسين فإن السرعة النسبية لهما لا تكون اكثر من سرعة واحد منهما. فهل ان للضوء خاصية خفض السرعة عندما يواجه اطراً نسبية للجمع كما في المثالين السابقين؟ أو ان الزمن يتباطأ خلال هذه السرعة الهائلة بنوع من مؤامرة الطبيعة ومكيدتها كما يذكر عادة[17]؟

هذا هو الإفتراض الآخر الذي جعل العلماء يضطرون اليه بعد الفشل الذي لحق بتجربة مايكلسون ومورلي. وكما يقول باشلار: لقد مات مايكلسون قبل ان يفوز بمعرفة الشروط التي كان يرى أنها تستطيع تصحيح تجربته المتصلة بالكشف عن الأثير. وعلى أساس هذه التجربة السلبية ذاتها قرر علماء فيزيائيون آخرون على نحو رهيف أن هذه التجربة السلبية في منظومة نيوتن كانت تجربة ايجابية في منظومة اينشتاين[18].

والذي يطلع على المسار العلمي يرى الكثير من هذه الإضطرارات التي جعلت العلماء يلجأون اليها في تبني الخيارات الصعبة ضمن دائرة الإفتراض الآخر. ومن ذلك الإفتراض المتعلق بكموم الضوء أو ماديته بعدما ثبت بشكل مؤكد انه موجة. فقد كان من الصعب جداً تقبل كموم الضوء واضافتها إلى الموجة مما يوصف بأنه ارتباط غير منطقي، فإما ان يكون الضوء موجات، أو جسيمات فحسب، وليس من المنطقي ان يتصف بكلا الوصفين معاً، فيظهر في ظروف بأنه موجات فحسب، وفي ظروف أخرى بانه جسيمات فحسب. حتى قال الفيزيائي الانجليزي وليم براغ مازحاً (عام 1921): ‹‹نحن ندرس النظرية الموجية (للضوء) أيام الاثنين والاربعاء والجمعة، وندرس النظرية الجسيمية أيام الثلاثاء والخميس››[19].

وقد أخذ الاعتراف بالوصف الجسيمي للضوء، مضافاً إلى وصفه كموجة، زمناً ليس بالقليل خلال العشرينات من القرن الماضي، منذ اعلان اينشتاين له أول مرة (عام 1905) إثر تفسيره لظاهرة التفاعل الكهروضوئي واشعاع الجسم الأسود، ومن ثم محاولة جعل البناء الذي أسسه ماكس بلانك لنظرية الكم (عام 1900) قائمة على أسس راسخة وصحيحة، لا سيما ان بلانك ينكر الطابع الكمومي للضوء كحقيقة فيزيائية، وكان يتصور بأن التقطع في اصدار الضوء والحرارة وامتصاصهما يعود إلى المادة المهتزة، خلافاً لاينشتاين الذي اعتبر ذلك يعود الى طبيعة الضوء والحرارة ذاتهما، وهو من سمى هذه القطع من الطاقة بالكموم أو الكمّات، باعتبارها تظهر بشكل وحدات مستقلة يمكن تعدادها، وهي غير قابلة للإنقسام إلى كسور، ومن ثم تحولت التسمية إلى نظرية الكم وثبتت عليها. وقد مُنح اينشتاين على تفسيره جائزة نوبل (عام 1921) بعد ما دلّت تجارب ميليكان على العنصر الجسيمي للضوء رغم ان ميليكان نفسه رفض ان تكون تجاربه قد برهنت على هذا الكموم، معتبراً الوصف الكمومي يستحيل تبريره، مثلما وصف فالتر نيرنست هذا الاكتشاف بأنه ربما يكون أغرب شيء خطر ببال أحد. بل ان اينشتاين ذاته قد شعر بأنه أمام خيارين صعبين، فثبات سرعة الضوء يجعله أقرب إلى الموجة منه إلى الجسيمة، فليس للموجات الضوئية - ومثلها الصوتية - تزايداً في السرعة، بل تحصل حالة من الإنضغاط في الموجات عند الإقتراب، والإنبساط عند الإبتعاد، لذلك تبدو السرعة ثابتة، وهو ما يجعل النظرية الموجية أكثر توافقاً مقارنة بالجسيمية[20]. وقد كان اينشتاين يدرك طبيعة هذه المشكلة عندما اضطر للإقرار بكموم الضوء، مما جعله يواجه وابلاً من الاعتراضات كما في مؤتمر سولفاي (لعام 1911) بعد ان قدّم محاضرة بهذا الخصوص، وكان من أبرز المعترضين لورنتز وبلانك وبوانكاريه، فمثلاً ان لورنتز اعتبر هذه الفكرة تتعارض مع معادلات ماكسويل الموجية[21]. لكن رغم ذلك أصر اينشتاين على عدم التنازل عن فكرته في الكموم، وإن اعتبر هذا الكموم هو خاصية مؤقتة باعتباره لا يتسق مع التبعات المترتبة على التحقق التجريبي لنظرية الموجات[22]. لهذا اتصفت مقاييسه للضوء بأنها قائمة على المعايير الموجية، معتبراً ان ما يحدد الضوء عاملان فقط هما التردد والشدة[23]. وكان يرى بأنه يتعين على الفيزياء النظرية أن تمنحنا نظرية جديدة في الضوء قابلة للتأويل وفق دمج النظريتين الموجية والكمومية، كالذي صرح به (عام 1909)، وهو أول اعلان له على مثنوية الضوء[24]. لكنه ظل عاجزاً حتى النهاية من أن يفهم اللغز في كموم الضوء، فقال قبل وفاته بقليل: ‹‹هذه السنوات الخمسون التي أمضيتها في التفكير والتأمل لم تقربني أكثر من إجابة السؤال: ما كمات الضوء؟››[25].

ومن وجهة نظر أغلب الفيزيائيين فإن (عام 1923) كان حاسماً في التوقيع على كموم الضوء؛ بعد ان اثبتت تجارب وقياسات كومبتون بأن الأشعة السينية تتصرف تصرف الجسيمات حين ارتدادها وفقدانها جزءاً من الطاقة عند اصطدامها بالالكترونات، وهي أشبه بتصادم كرة بليارد متحركة بأخرى ساكنة. فقد حملت هذه التجارب دلالة واضحة على الطابع الكمومي للضوء. بل قُدّر بأن ميكانيكا الكم لم تبدأ إلا مع تقبل فكرة اينشتاين حول كموم الضوء وفقاً لهذه التجارب المباشرة التي قام بها كومبتون، وذلك بعد ثمانية عشر سنة منذ أن اعلنها اينشتاين أول مرة مطلع القرن العشرين[26]. اذ نشر ماكس بورن بحثاً يدعو فيه إلى نسق جديد في ما اصطلح عليه لأول مرة (ميكانيكا الكم) قبل أن يتم تداوله على نطاق واسع إلى يومنا هذا، وكان يقصد به ما يقابل ميكانيكا نيوتن التقليدية[27]. ومن ثم ظهر اسم (الفوتون) عام 1926 على لسان جيلبرت لويس، ولم يصبح جزءاً من لغة العلم إلا بعد مؤتمر سولفاي الخامس الذي عُقد تحت عنوان (الالكترونات والفوتونات) عام 1927[28].

لكن رغم ذلك فقد رفض العالم الذري الدنماركي نيلز بور ان تكون لتجارب كومبتون تلك الدلالة المشار اليها؛ لاعتبارات قيل بأنها استبدادية متصلبة غير علمية تعود الى طبيعته الشخصية، اذ كان لا يرى غيره جديراً للإكتشاف في هذا المجال بعد الشهرة العظيمة التي حظي بها[29]، وإنْ اضطر فيما بعد لتقبل الأمر الواقع، وطرح ما سماه بمبدأ التتام، أو المبدأ التكميلي، كوصف لحالة الازدواج الغريبة التي يتصف بها الضوء، فهو ينص على ان نظريتي الموجات والجسيمات لا تستبعد احداهما الأخرى، بل هما متكاملان، فهناك حاجة إلى قياس طاقة ‹‹جسيمات›› الضوء بمدلول ترددها أو طول الموجة[30]. ومفاده هو ان معرفة جوانب منظومة ما تحول دون معرفة جوانب اخرى من هذه المنظومة. فمثلاً ان معرفة موضع الجسيم تحول دون معرفة زخمه أو اندفاعه، وكذا العكس صحيح. فالكينونة الأساسية كالإلكترون مثلاً يظهر كجسيم في ظروف، وكموجة في ظروف أخرى، لكنه لا يظهر بهذين الوصفين معاً، فالموضع هو خاصية الجسيم، اذ لا تمتلك الموجة مواضع دقيقة محددة، لكنها تمتلك زخماً أو اندفاعاً، فكلما زادت معرفتنا بالجسيم نقصت معرفتنا بالموجة، والعكس بالعكس، وبالتالي ليست هناك تجربة يمكنها الكشف عن الالكترون أو غيره بأنه موجة وجسيماً معاً[31]. وقد يعمم هذا المبدأ فيكون كل شيء خاضعاً إلى هذه المثنوية بما في ذلك نحن البشر، كالذي حاول تعميمه بور على عدد من الدراسات غير الفيزيائية، ومنها تطبيقه على الكائن الحي في علم الحياة (البايولوجيا)، فهو يعني في هذا التطبيق ان معرفة الكائن الحي بكليته لا بد من ان تحجب عنّا معرفة أجزائه الخلوية، وكذا العكس صحيح[32].

ومن الطريف ما نقل عن بور انه كان يتهم كل حكم لم يعمل بمبدأ التتام بخيانة هذا المبدأ. وهو اتهام يصدق على هذا الحكم ايضاً، فيكون على خلاف ما أراد له صاحبه، وكما قال بور ذات مرة بحسب رواية روزنفيلد: ‹‹أنّى ما خلصتَ إلى حكم محدد عن أي شيء فإنك تخون التتام››[33]. وقد رأى هايزنبرغ ان هذا المبدأ هو من المفاهيم الفلسفية إلى حد كبير، بل ورأى ان بور ذاته كان فيلسوفاً أكثر منه فيزيائياً[34].

هكذا فبحسب هذا المبدأ يتحتم النقص والجهل على معرفتنا بأي شيء، فنحن أشبه ما نكون ازاء ما يسمى بصور الخداع البصري التي تعطي أكثر من صورة في حالات مختلفة، وكلما ركزنا على صورة محددة اختفت عنّا الصورة الأخرى، والعكس صحيح ايضاً. وبهذا فإن هناك وجهين مختلفين لحقيقة ما عليه الواقع والوجود، أو يمكن القول ان الحقيقة الكونية متعددة، وهي لا تُظهر هذا التعدد، بل تُظهر شيئاً وتُخفي شيئاً آخر، ومن المحال ان تتمظهر بكمالها كلية. وهو يذكّر بمقالات العرفاء، ومن ذلك ما اعتقده ابن عربي من أن الناس يشاهدون العالم ويؤمنون بالله غيباً، خلافاً للعرفاء الذين يشاهدون الله ويؤمنون بالعالم غيباً[35]. فكل منهما يمتثل صورة غير الأخرى، أو ان كلاً منهما يتعامل مع إحدى الصورتين كظاهر، ومع الأخرى كمختبئ.

ومن الإفتراضات الصعبة الأخرى التي تم قبولها تلك المتعلقة باكتشاف النيترينو واكتشاف المادة المضادة عبر اكتشاف البوزيترون. ومن ذلك ايضاً مضامين نظرية الكوانتم والنسبية العامة، فكلها تتضمن إفتراضات اضطر اليها العلماء عندما لم يجدوا بديلاً لتفسير الظواهر المرصودة، وإن كان ذلك قد مهّد لإفتراضات أخرى بعيدة عن أن تنالها يد التأييد والتحقيق.

 

الإفتراض الشرطي المنافي للواقع

يُعد عالم الكونيات الانجليزي براندون كارتر أول فيزيائي ابتكر نوعاً من الأسئلة التي يطلق عليها التحليل المنافي للواقع خلال الستينات من القرن المنصرم. فقد سأل هذا الفيزيائي نفسه: ‹‹لو افترضنا أن القوانين كانت مختلفة قليلاً عن الشكل الذي هي عليه بالفعل في هذا الجانب أو ذاك، ماذا ستكون عواقب ذلك؟››. فبمثل هكذا سؤال وضع إفتراضاً شرطياً منافياً للواقع، وركز فيه على العلاقة التي تربط نتائج الإفتراض بالحياة، ومنها الحياة العاقلة أو الذكية. فقد اقترحت حساباته بأنه لو كانت القوانين مختلفة بقدر طفيف عما هي عليه بالفعل لأصبح من المحال وجود الحياة، وما كان من الممكن إخضاع الكون للملاحظة والرصد. ومن ثم رأى ان وجودنا يعتمد على قدر محدد من الضبط الدقيق للقوانين. لذلك بدت قوانين الفيزياء بنظره مناسبة للحياة، وأطلق على هذا الضبط الدقيق اسم المبدأ الانساني (Anthropic Principle‏)، وهو ما اعطى انطباعاً خاطئاً بأنه متعلق على وجه التحديد بالبشر، رغم أنه لم يقصد ذلك. واطلقت هذه الورقة البحثية لكارتر شرارة ثورة حقيقية في التفكير العلمي. ففي عام 1979 قدّم كل من مارتن ريز وبرنارد كار دراسة حول هذا النوع من التحليل المضاد للواقع، وعلى أثرها وضع بول ديفيز كتاباً صغيراً عام 1982 بعنوان (الكون العرضي). ثم ظهر بعد ذلك بسنوات قليلة كتاب أكثر منهجية وشمولاً، باعتراف ديفيز، وهو بعنوان (المبدأ الكوني الانساني) لجون بارو وفرانك تيبلر. ثم توالت الأبحاث الغزيرة حول الموضوع فيما بعد. وعموماً تقبل العلماء هذا النوع من التفكير المنتج، لكنهم حاولوا تجنب نتائجه المثيرة حول وجود قصد مخطط سابق لظهور الحياة والحياة الذكية، عبر فكرة الأكوان المتعددة التي سبق اليها الفيزيائي هيو إيفيرت (عام 1956) اعتماداً على نتائج الكوانتم ومن ضمنها ما يعرف بتناقض (قطة شرودنجر). فالفكرة الأخيرة جاءت كملاذ للتهرب من فكرة الضبط الدقيق التي تبدي التصميم الإلهي. ومن ثم بدأ الفيزيائيون ينظرون للمبدأ الانساني كبديل علمي لفكرة التصميم ذات الأثر شبه الديني[36]. أو بعبارة أدق، إن الفيزيائيين قد تقبلوا بالفعل فكرة المبدأ الانساني، وإن إلتفّوا عليه بتفسير قائم على الصدف العرضية - وفقاً لنظرية الكون المتعدد - في قبال التفسير الآخر القائم على التصميم والتخطيط.

وهذا النوع من الأسئلة ذات الإفتراض المنافي للواقع يكثر على الصعيد الفلسفي، فمثلاً كان الفيلسوف الألماني (عمانوئيل كانت) يرى أن الناس لو اتبعوا الانجيل القائل: «ليحب بعضكم بعضاً» بدلاً من أن يتبعوا مبدأ الطبيعة الذي يشجع الناس على الاقتتال، لظلوا عاكفين في الكهوف، معتبراً أن الخبث والشر الذي في الإنسان هو عامل كبير لرقي البشر[37]. ونضيف إلى ذلك أنه لو كانت الحياة البشرية مصممة على غلبة الشر مقارنة بالخير فسوف لا تصمد أو تدوم.

ويتسق هذا الحال مع ما عليه الوجود الكوني، إذ لو كان الأخير يتصف بالكمال التام لما حصل التطور، كما لو كان متنافراً وغير منتظم لما بقي لحظة واحدة، بل لصار مآله الفساد والدثور، فتجلت حكمة الله بأن يكون منظماً مع إبقاء هامش ضئيل لفعل العوامل المتحركة العشوائية التي مهما فعلت فإنها لا تؤثر على النظام الكلي[38].

وعلى الصعيد الديني هناك من طرح مثل هذه الإفتراضات المنافية للواقع ليصل إلى نتائج مفيدة.. فقد صادف لبعض السنة والشيعة أن حكوا قصة مماثلة لتطيح بالآخر، وهي قصة (النعل) الذي سرقه بعض زعماء المذهب المقابل في عهد النبي (ص)، ليثبت انه اذا لم يكن زعيم المذهب سارقاً فمذهبه حادث أو متأخر عن ذلك العهد، ومن ثم لا قيمة له. مع ان الفكرة تصدق على المذاهب جميعاً دون استثناء، فزعماء الايديولوجيا المذهبية جميعهم لم يصادف أحد منهم أن سرق نعلاً في عهد النبي (ص)، لكنه سرق (الدين) فيما بعد..

ويمكن أن نطرح أسئلة على الشاكلة السابقة من الإفتراض المنافي للواقع دون أن نجيب عليها، ونقول:

كيف نتصور شكل الحياة البشرية فيما لو لم يكن للأديان تأثير ووجود قط؟

وكيف نتصور طبيعة التعامل والأحكام التي يأتي بها النبي محمد (ص) فيما لو كان مرسلاً الينا حالياً، أو إلى مجتمع غربي مثلاً؟

ومثل ذلك كيف نتصور رد فعل النبي إزاء الحكم السياسي فيما لو كان مرسلاً إلى دولة موحدة يرأسها ملك عادل وليس إلى قبائل متعددة ومتناحرة؟..

 

الإفتراض الصعب والخيار الأفضل

قد يكون الخيار مردداً بين عدد من الإفتراضات الصعبة، وقد يُضحّى بما هو أصعب ويؤخذ بالأسهل مقارنة بمنافسيه. ويجري هذا الحال ضمن المجالات المختلفة، كالفلسفية والدينية والعلمية. فجميع هذه المجالات تواجه افتراضات محصورة يصعب على العقل تقبلها، وإن كان مضطراً للتسليم ببعضها، إذ يبدو عليها صفة ‹‹اللامعقول››، وبالتالي لا بد من الخيار الذي تقل فيه هذه صفة التي يستبعدها العقل.

فمن بين الإفتراضات الصعبة في المجال الفلسفي قد يكون التردد دائراً بين اعتبار الكون منتهياً وغير منته، فكلا الإفتراضين يحمل مترتبات صعبة القبول. فلو قلنا بأن الكون منته لكان من الصعب تصور ما هو خارج عنه. أما لو قلنا بأنه غير منته فإن العقل لم يعتد على رؤية الأمور غير المنتهية إلا لدى القضايا الاعتبارية المجردة، رغم انه قد يسهل عليه تقبل فكرة عدم تناهي الأبعاد مقارنة بالإفتراض الأول[39].

كذلك مسألة الخلق إن كان ازلياً أو له بداية، ففي كلاهما تترتب مسائل قد يصعب قبولها. فالقول بأزلية الخلق قد يوهم بأنه أمر مستحيل؛ باعتبار الحاجة إلى تراجع غير منته، بمعنى انه لكي تحدث اللحظة الحالية لا بد من تحقق ما لا نهاية له من الحوادث الزمنية، وتحقق ما لا نهاية للحوادث يفضي إلى نهايتها، فيحصل التناقض. أو على الأقل ان تحقق ما لا نهاية للحوادث هو كاعتبار وجود علل غير متناهية، فكلاهما يواجه مشكلة التسلسل.

وفي القبال إن القول ببداية محددة للخلق يجعل العقل يواجه مشكلة كيفية اختيار لحظة البدء دون ما قبلها. واذا قلنا بأنه لا يوجد زمان ولا قبل ولا بعد؛ قبل بدء الخلق، فمعنى ذلك اننا وقعنا في الأزلية من جديد. أو نفترض بأن هناك آناً أو لحظة ما اختيرت مرجحة على غيرها، لكن ما الذي يدعو إلى ترجيحها على غيرها رغم التساوي بينها وغيرها من الآنات واللحظات؟

مع هذا فمن الناحية العقلية الصرفة قد يترجح الظن بأزلية الحدوث كخيار أفضل، تبعاً لعدد من المبررات، كما أفدنا ذلك في (الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية)[40].

وعلى هذه الشاكلة الإفتراضات المتعلقة بأصل الخلق، اذ يتردد البحث حول وجود أصل ميتافيزيقي نهائي للخلق، أو أصول مترتبة لا نهائية، أو ان الخلق جاء من العدم. صحيح ان أبسطها تقبلاً هو الإفتراض الأول، لكن الأخذ بهذا الإفتراض لا يخلو من صعوبة؛ لكوننا نألف ولادة الأشياء من أشياء أخرى، فما من شيء إلا ويتولد من غيره دون شذوذ، فكيف يمكن لشيء باق على ما هو عليه دون ان يكون له علاقة بمولّد آخر؟ ولما كانت المسألة حصرية فلا بد من الرهان على أسهلها للذهن تقبلاً، كالذي أفدناه في (القطيعة بين المثقف والفقيه).

***

هذا فيما يخص الفلسفة، وفي الاطار الديني قد نجد تردداً بين إفتراضات صعبة هي الأخرى. فالخلاف السني الشيعي حول الإمامة العظمى يتضمن إفتراضين صعبين عائدين لهما. ومن الناحية الموضوعية فإن كلاً من الإفتراضين يواجه بعض الصعوبات. فما يواجهه التصور الشيعي من صعوبة هو ان فكرة الإمامة غير واضحة وبينة في القرآن الكريم، فلو كانت القضية لها أهمية بالعمق الذي يذكره الشيعة فلماذا لم يرد ذكرها في القرآن الكريم صراحة؟ ولماذا لم يتفق على دعواها مجمل الصحابة والمسلمين؟. بل اذا كانت إمامة أهل البيت (ع) هي بمنزلة نبوة محمد (ص)، أو تقاربها، كما هي وجهة النظر الشيعية، فلماذا لم تكن واضحة ومعلومة الدعوى مثلها – بلا جهل أو تردد أو إنكار - لدى البشر كافة، مسلمين وغير مسلمين، منذ الإجهار بها وحتى يومنا هذا؟

أما ما يواجهه التصور السني من صعوبة فهو انه كيف يمكن تصور ان يترك النبي (ص) قومه دون تحديد مَن يخلفه بشكل واضح وصريح؛ دفعاً لكل التباس - الأمر الذي جرى فعلاً - وتجنباً لكل نزاع قد يحدث، بل كاد الصِدام يقع منذ اليوم الذي توفي فيه النبي (ص) تحت ظل السقيفة. واذا كانت الأخيرة قد سلِمت من الصِدام؛ فإن الأحداث التي تلتها كانت مملوءة بالدم، وهو ما جعل الشهرستاني يعبّر عن ذلك بقوله الشهير: ‹‹ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان››[41].

ولعل أول إفتراض آخر واجهه المسلمون هو الإفتراض المتعلق بجمع القرآن حسب الاعتقاد السائد. فقد كان الجمع ليس تلقائياً وسهلاً بحسب ما يروى حول ذلك. ولعل الصحابة كانوا يفكرون بأنه لو كان هذا الإفتراض مطلوباً وملزماً لفعله النبي بنفسه، أو لوصى به اصحابه بعده. وكما روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت الانصاري أنه قال: أرسل إلي أبو بكر يوم مقتل أهل اليمامة، وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر[42]..

واليوم قد يُتخذ مثل هذا الإفتراض ذريعة لاعتبار القرآن الكريم ذا أهمية تاريخية فحسب، استناداً إلى التردد المتعلق به أول الأمر. فهو خيار بمثابة إفتراض صعب قبال ما تم التسليم به منذ اللحظة التي قرر فيها الصحابة العمل على جمع القرآن. أو يمكن القول انه ليس من السهل اتخاذ إي من الإفتراضين الآنفي الذكر.

ومثل ذلك ما يتعلق بمشكلة الحديث. فالإنشغال به والإشتغال فيه يعتبر إفتراضاً آخر قبال المسلّم به سلفاً. وقد لجأ اليه اصحاب الصحاح وغيرهم، اذ رأوا فيه الخير - لاعتبارات تاريخية - قبال ما أظهره كبار الصحابة والتابعون من كراهة ذلك؛ خشية ان يتبدل الدين إلى دين آخر كالذي حصل مع أهل الكتاب. وكان العديد منهم يعبّر عن هذا الأمر بالشر المتزايد، وبعضهم يعلل هذه الكراهة بكثرة الكذب في الحديث، وآخر يعللها بأنها تأتي على حساب الإنشغال بالقرآن وذكر الله. لذلك ظهر لدى الكثير منهم الندم والرغبة في سد باب هذا ‹‹الشر المستطير››، كالذي فصلناه في (مشكلة الحديث)[43].

ويمكن ان يُتخذ اليوم إفتراض آخر مخالف لما تم التسليم به، وهو اعتبار الحديث غير ملزم لكونه خلاف السيرة الاولى للصحابة والتابعين. ويصبح (غير الالزام) المذكور آنفاً بمثابة الإفتراض الآخر لما تم التسليم به خلال القرون الماضية منذ القرن الثاني للهجرة فصاعداً. وهو ايضاً قد يشكل إفتراضاً بين إفتراضين صعبين، اذ لكل منهما مستلزماته الخاصة. لكن كلما كشف الواقع عن مشاكل الحديث؛ كلما أفضى ذلك إلى تيسير العمل بالإفتراض المقابل.

وعلى هذه الشاكلة ما يتعلق بالاجتهاد الفقهي حسب الاصطلاح المتفق عليه، وما يترتب عليه من كثرة السؤال، فهو إفتراض آخر يقابل ما كانت عليه سيرة الصحابة والتابعين[44]. مثلما من الممكن ان يطرح في قباله إفتراض آخر جديد يتعلق بالفهم المجمل للنص، كالذي فصلناه في (فهم الدين والواقع)[45].

***

كذلك الحال فيما يخص الاطار العلمي. فقد رأى العلماء المعاصرون وجود التناقض الحاد بين فيزياء النسبية لاينشتاين وفيزياء الكوانتم حول تصورهما لطبيعة هندسة الواقع وما ينطوي عليه من خصائص. فبينما ترى النسبية العامة ان للواقع انحناءاً هندسياً رقيقاً لشكل الفراغ، وانه ينطوي على نسيج ناعم فيخلو من التجعدات والثقوب والتمزقات أو القطع المنفصلة أو الملتصقة ببعضها، ترى نظرية الكم انه على المستوى المجهري الميكروسكوبي للعالم توجد طبيعة يشوبها الاضطراب والتشوه الذي يحطم المكان الهندسي الناعم التحدب، وان هناك تمزقات هي صفة مجهرية شائعة في نسيج الفضاء وقد تكون ثقوباً دودية، كما هناك تموجات عنيفة في المسافات القصيرة، ويقدر البعض ذلك في المسافات الأقل من طول بلانك (10-33 سم). فكلما كان المدى المكاني صغيراً كلما زاد الارتياب في الطاقة حتى تصل إلى درجة كبيرة لصنع ثقب اسود صغير، كما هو الحال في مسافة بلانك أو ما دونها. فالفضاء الخالي يصبح بحراً لا نهائياً من الثقوب السوداء التي تظهر وتختفي في زمن قصير جداً، وبالتالي لم يعد لمفهوم الفضاء معنى انه مصنوع من نقط أو اتصال. وتسمح الكوانتم بظهور الطاقة من لا شيء طالما انها تختفي في لمح البصر[46]، وان الفراغ ممتلئ بخلق الجسيمات التقديرية، حيث تقدر هذه الجسيمات بأنها تدور بهياج وتنبثق لحظياً إلى الوجود ثم يلاشي بعضها بعضاً. ويحدث هذا السلوك ايضاً في منطقة الفضاء المجاورة لأفق حدث الثقب الأسود[47]. فكما بيّن الفيزيائي البريطاني المعروف (ستيفن هوكنج) بأنه في حالة الثقب الأسود يحدث بفعل الظاهرة الكمومية خلق الأزواج الإفتراضية، وهي الجسيمات واضدادها، التي تُخلق باستمرار من الفراغ وللحظة قصيرة جداً ثم يُفني بعضها بعضاً بعد الخلق مباشرة دون ان تترك أي أثر. لكن قد يحدث ان يبتلع ثقب أسود أحد جسيمي الزوج قبل تفانيه مع قرينه وان يتمكن الآخر من الإفلات، وتولّد هذه الظاهرة ما يُعرف بالاشعاع الهوكيني[48]. هكذا فعلى المستويات المجهرية ان الكون ساحة مزدحمة مضطربة ومشوشة، وان للفراغ قدرة على خلق الأشياء وافنائها تلقائياً ومن غير سبب، حتى قال الفيزيائي المشهور فينمان ساخراً: ‹‹نشوء وتلاش ثم نشوء وتلاش، أي مضيعة للوقت››[49]. فالفراغ بهذا ليس فارغاً، وهو يعتبر مسؤولاً عما يسمى بالجسيمات الوهمية التي تظهر وتختفي بسرعة هائلة ضمن ايقاع من الخلق والفناء. وبعض الفيزيائيين المولع بالحكمة الشرقية القديمة ينقل الينا تصويراً مشابهاً لكلمات الحكيم الصيني تشوانغ تسي (عاش حوالي 369-286 قبل الميلاد) التي تقول:

عندما يعرف المرء ان الفراغ العظيم مليء بالتشي، يتحقق انه لا يوجد شيء مثل اللاشيء[50].

وقد يكون هذا المعنى مقارباً لما يقوله الصوفية حول سلسلتي النزول والصعود أو الخلق والفناء أو الحلول والاتحاد، كالتي يعرضها صدر المتألهين بجدارة[51].

هكذا فإن مكمن التناقض يظهر في خواص النسيج الفضائي للمسافات التي تعادل طول بلانك أو أقل منه. فلو قمنا بتكبير المسافات المجهرية لظهر عند التكبير شكل رغوي هائج ملتو يسمى بالرغوة الكمية. فهذا التشوه الذي يتحدث عنه رجال الكوانتم جاء على خلاف الشكل الهندسي الفضائي الهادئ كما هو محور تفكير النسبية العامة. فالصورة المنتظمة عن بعد والمشوهة عن قرب هي حال ما يحدث لنسيج الزمكان. فبحسب المسافات الكبيرة تبدو الصورة منتظمة وتنطبق عليها النسبية، أما في المسافات المجهرية فهي مشوهة وينطبق عليها ما تقوله نظرية الكوانتم[52]. اذ يفقد الزمكان عند هذه المسافة صفته كمتصل، فالزمن يتلاشى ويتوقف عند هذه المسافة البالغة الصغر، في حين انه لدى النسبية ان الزمن منبسط منذ الانفجار العظيم (big bang) فكيف يتوقف أو يتواثب[53]؟!. لهذا قيل بأن  النسبية العامة تنهار عند هذا الانفجار باعتبارها لا تتوافق مع نظرية الكم القائمة على مبدأ عدم اليقين والعشوائية والنرد والمصادفات[54]. ويعتبر مبدأ عدم اليقين أحد ثلاث قضايا أصابت المعرفة العلمية بقيود خلال القرن العشرين، والقضيتان الأخريان هما مبرهنة جودل الرياضية ونظرية الشواش (الكايوس)[55]. يضاف إلى انه طبقاً للنسبية فإن الجاذبية في الفضاء الخالي تساوي صفراً، إلا انها لدى الكوانتم وإن كانت قيمة المجال المتوسطة مساوية للصفر لكن القيمة الفعلية تتأرجح للأعلى والأسفل نتيجة التأرجحات الكمية. كذلك فإن مبدأ عدم اليقين ينبئنا بأن مدى التأرجح في مجال الجاذبية يزداد كلما زاد تركيز انتباهنا على مناطق أصغر في الفضاء. اذ لا شيء يفضل البقاء محصوراً في مكان ضيق، لذا يؤدي تضييق الفضاء إلى مزيد من التأرجحات[56].

ورغم محاولات التوفيق بين النظريتين الا انها مازالت لم تصل إلى نتيجة مرضية بعد، لذلك تقبل العلماء ولو على مضض النتائج المترتبة على كلا النظريتين، كل في مجاله، رغم التناقض المشار اليه. فهذا هو الإفتراض الأنسب بدل الاستغناء عنهما سوية أو واحدة منهما لما في ذلك من خسارة كبيرة للفيزياء. لكن البحث العلمي مازال يبحث عن إفتراض آخر مناسب لحل هذه المشكلة من التناقض الآنف الذكر، كالذي تعِد به نظرية الأوتار الموصوفة بأنها نظرية كل شيء. ويميل العلم عادة إلى أنْ يجد ضالته في قطف الثمار من خلال التركيز على الجمع بين النظريات المتعارضة، لأن كل نظرية تحظى بنصيب من التأييد والتحقيق. وسبق لأينشتاين أن ألقى محاضرة في برلين خلال العشرينات من القرن المنصرم بيّن فيها الحاجة إلى تشكيل مركب من الآراء المتعارضة[57].

 

الإفتراض الآخر وتأثيره في المجالات الأخرى

بداية نتساءل: هل ما يُطرح من إفتراض آخر في مجال يمكن ان يؤثر في مجالات اخرى مختلفة؟ ومن بين ذلك: هل ما طُرح على الصعيد العلمي من إفتراض آخر قد أثّر في المجال الديني والفلسفي مثلاً؟

لا شك ان هذا ما حصل منذ نشأة العلم الحديث، فما طرحه كوبرنيك كان له أثر بارز في المجالين الديني والفلسفي. ففي المجال الديني كان التأثير واضحاً باعتباره يمس أحد الثوابت الدينية المسلّم بها وهي ثبات الأرض، اذ كان المعارضون يستندون إلى نص الكتاب المقدس في اشارته إلى ان الرب أمر الشمس لتقف في مكانها، كما تضمّن بأن الأرض تثبتت دون أن تتزعزع[58]. لذلك تعرّض كوبرنيك إلى اتهامات شديدة اللهجة، ومن ذلك ما اتهمه زعيم الاصلاح الديني مارتن لوثر بأنه فلكي نصاب، ومما قال في تحقيره: ‹‹يريد هذا الأحمق ان يضع صناعة الفلك كلها بالمقلوب››[59]. كما قال بأن ‹‹هذا المأفون يريد ان يغير وجه علم الفلك تماماً ولكن الكتاب المقدس يخبرنا ان (هوشع) أمر الشمس وليس الأرض ان تقف في مكانها››. كما نقده الزعيم الآخر للاصلاح الديني جون كلفن قائلاً: من ذا الذي يجرأ ‹‹على وضع مرجعية كوبرنيك فوق مرجعية الروح القدس››. ومثل ذلك ويسلي الذي مال الى تكفيره بقوله: ‹‹ان المذاهب الجديدة في علم الفلك تميل الى الكفر››[60]. أما الكنيسة الكاثوليكية فقد استمرت في معارضتها لنظرية كوبرنيك على مدار قرنين من الزمان وانها قامت بحضر تدريس دوران الأرض حتى عام 1835[61].

ولدى المسلمين ما زال هناك من يرى نفس هذا الموقف الذي ينحاز فيه إلى إفتراض الفهم المستند إلى النص على حساب التفسير المستند إلى العلم، وقد ظهر عدد من الكتب التي تؤكد هذا المعنى، مثل كتاب (الصواعق الشديدة في الرد على أصحاب الهيئة الجديدة) لحمود التويجري، وكتاب (هداية الحيران في مسألة الدوران) لعبد الكريم الحميد، وكتاب (نقض النظريات الكونية) لمحمد بن عبد الله الإمام، وكتاب (ثبات الأرض وجريان الشمس) لمحمد بن عمر الغريَّاني الطويرقي، اضافة إلى العديد من المقالات المستندة إلى الفهم القائم على القرآن الكريم والحديث النبوي واعتقادات العلماء القدماء، ومن ذلك ما قاله عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفِرق) بأن  العلماء أجمعوا على الاعتقاد بسكون الأرض وثباتها[62].

ولو عدنا إلى العلم الحديث نجد ان الحال قد تطور فأخذ أبعاداً أخرى تتعلق بعمر الكون والأرض وكيفية خلق الانسان ونشوئه وما إلى ذلك من الإفتراضات الناشئة الجديدة خلافاً للتصورات الدينية السائدة. وكان تأثير العلم الناشئ – كإفتراض آخر – على الدين السائد ليس بالأمر الهيّن. اذ كانت التصورات المناطة بتاريخ خلق العالم تستمد مما جاء في الكتاب المقدس، ورغم الخلاف الحاصل حول هذا التاريخ إلا ان المسيحية البروتستانتية استقرت على الاعتقاد القائل بأن خلق العالم حدث (عام 4004 قبل الميلاد). ففي القرن السابع عشر قام  رئيس الأساقفة (أشر) بجمع أعمار آباء الجنس البشري المذكورين في التوراة ليؤرّخ لخلق الأرض، فاعتبر أنه حدث على وجه الدقة في الساعة السادسة بعد ظهر يوم (22 اكتوبر عام 4004 قبل الميلاد)[63]. أما نائب رئيس جامعة كامبردج (الدكتور لاتيفوت) فلم يكتف بهذا التحديد، انما اعتقد بأن الدراسة المتفحصة لسفر التكوين قمينة بأن تحدد هذا التاريخ بشكل أدق، فذهب إلى ان الانسان قد تمّ خلقه في تمام الساعة التاسعة صباحاً من يوم (23 اكتوبر) من العام المشار اليه[64].

وفي هذا العصر من النشأة العلمية الحديثة كانت الكنيسة الكاثوليكية تصدر الأوامر إلى الاساتذة الجامعيين الكاثوليكيين تمنعهم فيها من ذكر وجود البقع الشمسية التي اكتشفها غاليلو في مقرابه – التلسكوب -، لكونها تتنافى وتصوراتها لكمال الخلق في عالم السماء[65]. ومثل ذلك استمر حظر تدريس مذهب التطور لدى ولاية تينيسي الامريكية حتى القرن العشرين[66]. ومما يُذكر بهذا الصدد أنه في (عام 1983) دُعي الفيزيائي المعروف ستيفن وينبرغ أمام لجنة من مجلس شيوخ تكساس ليبدي رأيه حول اصدار قانون يحظر فيه تعليم نظرية التطور لدى ثانويات الولاية ما لم تُعرض بالتساوي مع نظرية الخلق، فسأله أحد أعضاء اللجنة كيف يمكن للولاية ان تؤيد تعليم نظرية علمية كنظرية التطور تطعن في العقيدة الدينية[67]؟!

كما كانت الكنيسة تعتبر ان من الكفر البواح الأخذ ببعض القوانين الطبيعية كتلك المتعلقة بالبرق والرعد، بحجة أنها أفعال اختصت بها الذات الالهية. لذلك فقد كانت هناك معارضة مستمرة على استخدام مانعات الصواعق البرقية[68].

هذا ما كان سائداً، لكن العلم كإفتراض آخر أخذ يظهر أثره على الكنيسة شيئاً فشيئاً عبر تغيير مجرى الحياة بجميع أبعادها الفكرية والاجتماعية والتكنلوجية، ومن ذلك ما ظهر من تأثير على المسيحيين الذين اضطروا إلى مطالبة الكنيسة بأن تمتثل لروح العصر الجديدة وما تتطلبه من تغيرات فكرية واجتماعية. فعلى شاكلة ما انجزه اوغسطين بالنسبة للعصر الهلينستي وما حققه توما الاكويني في القرون الوسطى؛ فانه يجب ان يتم تحقق ذلك مرة أخرى في عالم العلم الحديث والصناعة. وبفعل التطورات الجديدة التي أحدثها العلم الناشئ فقد تحول الاهتمام الفردي القديم بخلاص النفس إلى الاهتمام الاجتماعي الدنيوي والذي عبّر عنه الراهب فريمنتل بكتاب كلاسيكي (ان العالم هو موضوع الخلاص)[69].

وعموماً انه بفعل الإفتراض الآخر نشأ صراع مرير بين السلطتين الدينية والعلمية، اذ كانت السلطتان في الماضي متحدتين، ثم أخذ الانفصال بينهما شيئاً فشيئاً حتى استقر الحال باستقلال السلطة العلمية وانتصارها، خلافاً لما كان عليه الأمر قديماً، لا سيما وان الدين كان أصل العلم كما توضح ذلك الدراسات الانثروبية، وان العلم قد ورث من الفهم الديني الرؤية التأويلية للكون.

فقد كانت الأديان تثير هذا الفضول حتى قبل ان يبدأ العلم بدايته كعلم، ومع الزمن تحولت هذه الوظيفة إلى العلم بالتدريج دون الدين، واختصت به إلى يومنا هذا، حتى ظهر هناك من يقوم بتأويل النصوص الدينية لصالح العلم، أو يقوم باسقاط الرؤى العلمية على هذه النصوص. كما ظهر من يقول بأن للعلم وظيفة هي الكشف عن الواقع والحقائق الموضوعية، في حين يتعامل الدين مع سلوك الناس واخلاقهم فحسب. وقد اضطر الكثير من المؤمنين بالمسيحية وغيرهم للاعتقاد بهذا التقسيم كي لا يظهر التعارض بين العلم والدين. وربما يكون الكاردينال المؤرخ بارونيوس (المتوفى عام 1607) هو أول من أسس لهذا المنحى بقوله: ‹‹غاية الروح القدس أن يعلّمنا كيف نذهب إلى السماء لا كيف تسير السماوات››. وقد استشهد غاليلو بقوله هذا لينكر كون الكتاب المقدس حجة في العلم؛ رغم أنه كاثوليكي مخلص في دينه[70].

لكن في جميع الأحوال ان التردد بين الإفتراض العلمي ونظيره الديني يبقى مطروحاً عند أي صدام بينهما، ويظهر أثر ذلك على المثقف الديني في جميع الأديان، فكل منهما يعبّر عن إفتراض صعب مقارنة بالآخر.

***

كذلك هو الحال في التأثير على التصورات الفلسفية، فقد أظهرت التطورات العلمية منذ النهضة الحديثة خلال القرن السابع عشر وما بعده بأن الأجرام السماوية لا تختلف من حيث كيفيتها عن جرم الأرض خلاف التصورات الفلسفية القديمة التي تضفي عليها صفات الحياة والكمال وعدم الفساد والاستحالة. فقد كانت هذه التصورات سائدة قروناً طويلة حتى تبين من خلال ارصاد غاليلو ومشاهداته المقرابية ومن جاء بعده ان الامر ليس كما كان يُعتقد. وقديماً كان التأثير الفلسفي بارزاً في المجال العلمي والفلكي على وجه الخصوص، فرغم ان الملاحظات الفلكية أظهرت بأن حركات الافلاك ليست دائرية تماماً؛ إلا أنه كان يُجرى عليها شيء من التأويل والحرف والعدول بما يسمى (انقاذ الظواهر)؛ لتتسق مع الفكرة الفلسفية القائلة بالأشكال الدائرية الكاملة للأفلاك.

كما ان للتطورات العلمية الأخيرة تأثيراً على عدد من القضايا الفلسفية التي كان يُنظر لها بأنها من الثوابت أو القبليات الضرورية، ومن ابرزها تلك التي كان يعتقد (عمانوئيل كانت) بأنها من القضايا القبلية كالهندسة الاقليدية والزمان والمكان المطلقين وفقاً للنظرية النيوتنية السائدة. فقد قلبت النسبية لاينشتاين مثل هذه التصورات رأساً على عقب، حيث اعتبرتها ليست عقلية فحسب، وانما خاطئة وغير صحيحة، رغم أنه ما زال هناك من الفيزيائيين من يعتقد بوجود زمان ومكان يستند إلى العقل الصرف كما طرحه (كانت)، مثلما ينقل ذلك ستيفن وينبرغ[71].

ومع أنه من حيث التحليل يمكن اعتبار نظرية (كانت) متأثرة بالنظرية النيوتنية، لذلك غالت في اعتبار الطابع الهندسي الاقليدي بأنه قبلي ضروري. فمن حيث التحليل انه لا يمكن معرفة هذه الهندسة إن كانت اقليدية أو غير اقليدية، فكل ما يمكن قوله ان الهندسة على وجه العموم هي ذات طابع قبلي، بمعنى اننا ندرك الطبيعة الهندسية للفضاء من الناحية القبلية، ونقدر الأبعاد الثلاثة، فكل حادثة لا يمكن تصورها من غير هذه الأبعاد، لكنه ليس بامكاننا الحكم قبلياً على هذه الهندسة ان كانت اقليدية أو غير اقليدية، كما لا يسعنا تحديد أبعاد الفضاء بالثلاثة فقط؛ لاحتمال وجود أبعاد أخرى لا يسعنا ادراكها. وكذا فيما يتعلق بالزمان وعلاقته بالمكان، اذ كل ما يمكن قوله انهما قبليان، حيث لا يمكن تصور حادثة - مهما كانت - ما لم تتقولب بشيء من الزمان والمكان، لكن ذلك لا يدل على كونهما مطلقين أو نسبيين من الناحية القبلية.

كذلك فإن نظرية الكوانتم قد طرحت تساؤلات فلسفية تختلف عن تلك المسلم بها في السابق حول طبيعة العلاقة بين الأشياء وطبيعة السببية والزمان والمكان في العمق الجسيمي. فكل هذه النتائج قد أخذت أبعاداً من التأثير في المجال الفلسفي.

وعلى العموم فإن ما يسهل اليوم على العلم تقبله كإفتراض آخر، قد يكون من الصعب جداً على الفلسفة قبوله، فضلاً عن مجالات الفكر البشري الأخرى، ومن أبرزها ما تراه الفلسفة بأنه يشكل مسلمات للفطرة السليمة والحس المشترك العام. وقد تناول بعض رجال الكوانتم هذه المشكلة وقدموا بعض الحلول، وكان من بينها الحلول القائمة على العلم أو نظرية الكوانتم ذاتها، ولو على حساب ذات الحس المشترك العام وما يترتب عليه من مسائل فلسفية مصادمة.

***

أخيراً نسأل: متى يكون باستطاعتنا ان نحوّل الإفتراض الآخر في قضايانا الدينية من صعيده الذاتي إلى الموضوعي، بحيث نتعامل مع هذه القضايا كتعاملنا الموضوعي مع الرموز المفترضة (س) و (ش) دون ان يكون بمقدورنا ان نتحيز ذاتياً نحو (س) أو (ش)، فكل منهما لا ينتسب الينا بقرابة نسب ولا حسب ولا نفع ولا ضر، لكنهما في الوقت ذاته السبيل الوحيد لوضع اقدامنا على الطريق الصحيح لبلوغ الحقيقة أو الاقتراب منها؟!!

ومتى يكون بمقدورنا تقبل الإفتراض الآخر الصعب في قضايانا الدينية، كالذي يمارسه العلم بطلاقة، وهو سر نجاحه وتقدمه دون ادنى شك؟

فهل (س) أو (ش) تعني لك شيئاً أيها القارئ الكريم..؟!

 


[1] انظر حول ذلك كتابنا: العقل والبيان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2010م، ص55ـ59.

[2] انظر بهذا الصدد القسم الاول من كتابنا: مدخل إلى فهم الاسلام، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 2012م.

[3] انظر التفاصيل في: العقل والبيان والاشكاليات الدينية، ص233ـ235.

[4]  انظر حول ذلك مثلاً: ستيفن هوكنج وليونرد ملوندينوف: تاريخ أكثر ايجازاً للزمن، ترجمة احمد عبد الله السماحي وفتح الله الشيخ، ص123-124، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[5] إليا بريغوجين وإيزابيلا استنجر: نظام ينتج عن الشواش، ترجمة طاهر بديع شاهين وديمة طاهر شاهين، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2008م، ص382ـ383، منتدى مكتبة الإسكندرية، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[6] فيليب فرانك: فلسفة العلم، ترجمة علي علي ناصف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1983م، ص71.

[7] رولان أومنيس: فلسفة الكوانتم، ترجمة أحمد فؤاد باشا ويمنى طريف الخولي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 350، الكويت، 2008م، ص254 و220، عن الموقع الإلكتروني: www.4shared.com .

[8] انظر حول ذلك:

http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Philolaus

 

[9] أبو الريحان البيروني: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، ص105 و106، عن مكتبة المصطفى الإلكترونية: www.www.al-mostafa.com.

[10] لويد موتز وجيفرسون هين ويفر: قصة الفيزياء، ترجمة طاهر تربدار ووائل الأتاسي، دار طلاس، دمشق، الطبعة الثانية، 1999م، ص257، عن مكتبة الموقع الإلكتروني : www.4shared.com. انظر ايضاً: هنري بوانكاريه: العلم والفرضية، ترجمة وتقديم حمادي بن جاء بالله، المنظمة العربية للترجمة، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 2002م، ص313 و320، عن مكتبة الموقع الإلكتروني السابق.

[11] ألبرت أينشتاين وليوبولد إنفلد: تطور الافكار في الفيزياء، ترجمه عن الفرنسية أدهم السمّان، دار طلاس، دمشق، الطبعة الثانية، 1999م، ص141، عن مكتبة الموقع الإلكتروني السابق.

[12] ستيفن هوكنج: الكون في قشرة جوز، ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة (291)، الكويت، 2003م، ص18، عن مكتبة الموقع الإلكتروني السابق.

[13] انظر حول تأويلات الأثير المختلفة والمعقدة كلاً من: العلم والفرضية، ص242. وألبرت أينشتاين: النسبية: النظرية الخاصة والعامة، تقديم محمود أحمد الشربيني، ترجمة رمسيس شحاته، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص215ـ216، عن مكتبة الموقع الإلكتروني ليبيا للجميع: www.libyaforall.com.

[14] رودلف كارناب: الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة السيد نفادي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ص201، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[15] ألبرت أينشتاين وليوبولد إنفلد: تطور الافكار في الفيزياء، ترجمه عن الفرنسية أدهم السمّان، دار طلاس، دمشق، الطبعة الثانية، 1999م، ص130، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[16] فلسفة الكوانتم، ص176.

[17] بحسب النظرية النسبية فان حركة كل جسم تجعل من زمانه والمسافة التي يقطعها يتقلصان. ويزداد تقلصهما بتزايد سرعة الجسم باضطراد. وعندما يطبق ذلك على جسيمات الضوء (الفوتونات) فان سرعتها الهائلة تجعل من زمانها ومكانها يتلاشيان. فالزمن يظهر في آن دون سابق ولا لاحق، كما ان المسافة التي يقطعها تظهر في نقطة واحدة دون تقدم.

[18] غاستوف باشلار: الفكر العلمي الجديد، ترجمة عادل العوا، مراجعة عبد الله عبد الدائم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ ـ 1983م، ص12، عن مكتبة الموقع الالكتروني: www.4shared.com.

[19] ماركوس تشاون: نظرية الكمية، ترجمة يعرب قحطان الدوري، دار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الاولى، 1429هـ ـ 2008م، ص34، عن مكتبة الموقع الالكتروني: www.4shared.com. كذلك: جون هرمان راندال: تكوين العقل الحديث، ترجمة جورج طعمة، مراجعة برهان الدين الدجاني، تقديم محمد حسين هيكل، دار الثقافة، بيروت، 1966م، ج2، ص128، عن مكتبة الموقع الإلكتروني السابق.

[20] والتر إيزاكسون: أينشتاين حياته وعالمه، ترجمة هاشم أحمد محمد، نشر دار كلمة وكلمات عربية، الطبعة الثالثة، 2011م، ص148 و328.

[21] أينشتاين حياته وعالمه، ص188.

[22] جون جريبين: البحث عن قطة شرودنجر، ترجمة فتح الله الشيخ واحمد عبد الله السماحي، كلمة وكلمات عربية للنشر، الطبعة الثانية، 1431هـ ـ 2010م، ص97.

[23] اينشتاين حياته وعالمه، ص150.

[24] ديفيد لندلي: مبدأ الريبة، ترجمة نجيب الحصادي، دار العين للنشر، القاهرة، 1430هـ ـ 2009م، ص197، عن مكتبة الموقع الالكتروني: www.4shared.com. كذلك: اينشتاين حياته وعالمه، ص174.

[25] اينشتاين حياته وعالمه، ص128.

[26] البحث عن قطة شرودنجر، ص97.

[27] مبدأ الريبة، ص138ـ139.

[28] البحث عن قطة شرودنجر، ص100.

[29] مبدأ الريبة، ص126ـ127.

[30] البحث عن قطة شرودنجر، ص97ـ99.

[31] البحث عن قطة شرودنجر، ص139.

[32] مبدأ الريبة، ص248ـ249. لقد ألحّ نيلز بور في أواخر عمره على بسط مبدأ التتام لمختلف شؤون الحياة، وقد سأله أحدهم: ما هي الصفة المتممة للحقيقة؟ ففكر برهة ثم أجاب: إنها الوضوح (ستيفن وانبرغ: أحلام الفيزيائيين، ترجمة أدهم السمان، دار طلاس، الطبعة الثانية، 2006م، ص67، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com).

[33] مبدأ الريبة، ص249.

[34] مبدأ الريبة، ص247.

[35] ابن عربي: الفتوحات المكية، دار احياء التراث العربي، الطبعة الاولى، 1418هـ ـ1998م، ج4، ص78.

[36] انظر حول ذلك: بول ديفيز: الجائزة الكونية الكبرى، ترجمة محمد فتحي خضر، مراجعة حسام بيومي محمود، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 2012م، ص9ـ11.

[37]  غوستاف لوبون: الآراء والمعتقدات، نقله إلى العربية عادل زعيتر، دار المعارف، سوسة - تونس، 1995م، ص90.

[38]  انظر: العقل والبيان والاشكاليات الدينية.

[39] انظر حول ذلك كتابنا: القطيعة بين المثقف والفقيه، مؤسسة الانتشار العربي.

[40] الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008م، ص135ـ136.

[41] محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: الملل والنحل، عرض وتعريف حسين جمعة، الطبعة الأولى، دار دانية للنشر، 1990م، ص6.

[42] صحيح البخاري، ضبطه ورقمه ووضع فهارسه مصطفى ديب البغا، حديث رقم 4402، عن مكتبة شبكة المشكاة الالكترونية: www.almeshkat.net.

[43] مشكلة الحديث، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2007م.

[44] انظر التفاصيل في كتابنا: الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر، دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 2010م.

[45] انظر على وجه الخصوص الفصل الاخير من: فهم الدين والواقع، دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية، 2011م.

[46]  اسطورة المادة، ص125.

[47]  برايان غرين: الكون الأنيق: الأوتار الفائقة والأبعاد الدفينة والبحث عن النظرية النهائية، ترجمة فتح الله الشيخ، مراجعة أحمد عبد الله السماحي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص367، منتدى مكتبة الإسكندرية الإلكتروني، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[48]  روجر بنروز: العقل والحاسوب وقوانين الفيزياء، تصدير مارتن غاردنر، ترجمة محمد وائل الأتاسي وبسام المعصراني، مراجعة محمد المراياتي، دار طلاس، دمشق، الطبعة الاولى، 1998م، ص428، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[49] الكون الانيق، ص142.

[50] فريتجوف كابرا: الطاوية والفيزياء الحديثة، ترجمة حنا عبود، دار طلاس، دمشق، الطبعة الاولى، 1999م، ص203، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[51] انظر التفاصيل في كتابنا: الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008م.

[52] الكون الانيق، ص150ـ153 و175 و291ـ292. كذلك: الأوتار الفائقة: نظرية كل شيء، حوار مع ميكائيل غرين، إعداد بول ديفيس وجوليان براون، ترجمة أدهم السمّان، دار طلاس، دمشق، الطبعة الثانية، 1997م، ص116، عن مكتبة الموقع الإلكتروني:  www.4shared.com.

[53]  فرانك كلوز: النهاية: الكوارث الكونية وأثرها في مسار الكون، ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي، عالم المعرفة (191)، 1415هـ ـ 1994م، ص276، عن مكتبة المصطفى الإلكترونية: www.www.al-mostafa.com. وبول ديفيز وجون جربين: اسطورة المادة، ترجمة علي يوسف علي، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص141، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[54] الكون في قشرة جوز، ص33 و78.

[55] الكون في قشرة جوز، ص129.

[56] الكون الانيق، ص150.

[57] مبدأ الريبة، ص197.

[58] برتراند رسل: الدين والعلم، ترجمة رمسيس عوض، دار الهلال، ص17، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[59] جورج كانغيلام: دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها، ترجمة محمد بن ساسي، مراجعة محمد محجوب، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الاولى، 2007م، ص83، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[60] الدين والعلم، ص17 و18.

[61] الدين والعلم، ص35.

[62] قال عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق: ‹‹وأجمعوا (أهل السنة) على وقوف الأرض وسكونها وان حركتها انما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوى أبداً، ولو كانت كذلك لوجب ألا يلحق الحجر الذى نلقيه من أيدينا الأرض أبداً لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه فى انحداره›› (الفرق بين الفرق، الفصل الثالث، ص187، عن مكتبة المشكاة الالكترونية).

[63] فرانك كلوز: النهاية: الكوارث الكونية وأثرها في مسار الكون، ص129. وعلى هذه الشاكلة ما جاء لدى المسلمين، فكما ذكر ابن كثير بأن للمفسرين قولين في معنى الايام الستة التي خلق الله فيهما السماوات والأرض كما في قوله تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) الاعراف\ 54، فبعضهم ذهب إلى ان المقصود فيها كايامنا هذه، وهو رأي الجمهور، في حين ذهب بعض آخر إلى ان كل يوم بألف سنة استناداً إلى قوله تعالى: ((وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) الحج/47، فالمجموع هو ستة آلاف سنة لا غير، وهو ما جاء عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب الاحبار وابن حنبل وابن جرير وطائفة من المتأخرين (ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار احياء التراث العربي، الطبعة الاولى، 1408هـ ـ 1988م، ج1، ص16، عن مكتبة المشكاة الالكترونية). كما اعتقد البعض اننا في الألف السابعة الأخيرة التي سيتحتم بها يوم القيامة استناداً إلى الحديث النبوي: ‹‹ان استقامت امتي فلها يوم، وان لم تستقم فلها نصف يوم››. لكننا حالياً وصلنا إلى قريب من منتصف الألف الثامنة أو منتصف اليوم الثامن.

[64] الدين والعلم، ص45.

[65] الدين والعلم، ص30.

[66] الدين والعلم، ص71.

[67] ستيفن وانبرغ: أحلام الفيزيائيين، ص194.

[68] نقل برتراند رسل بأنه عندما اجتاحت الزلازل ولاية ماساشوستس الامريكية (عام 1755) نسب القس الدكتور برايس في خطبة منشورة حدوث هذه الزلازل إلى مانعات الصواعق التي اخترعها المستر فرانكلين الحكيم، وقال: ‹‹ان هذه الاطراف الحديدية المدببة تنتشر في بوسطن اكثر من انتشارها في اي مكان اخر في نيوانجلاند الامريكية، ومع ذلك يبدو ان تأثير الزلازل كان اشد ترويعاً في بوسطن عن أي مكان آخر. آه ليس هناك من وسيلة للخلاص من قبضة الله القادر على كل شيء›› (الدين والعلم، ص97).

[69] تكوين العقل الحديث، ج2، ص215.

[70] تكوين العقل الحديث، ج1، ص347ـ348.

[71] أحلام الفيزيائيين، ص138.

comments powered by Disqus