يحيى محمد
تعمل الالية التأويلية عموماً وفق الاخذ بمجال النص وعدم الحفاظ على ظاهره. اي رغم انها لا تحافظ على الظهور اللفظي الا انها تعمل وفق الظهور المجالي. فهذه هي خاصيتها الوسطية بين النوعين الاخرين من الاليات (الاستظهارية والاستبطانية). وهي موظفة كسابقتيها من قبل القبلية الوجودية. ويكثر هذا النوع من التأويل لدى ابن عربي الذي استهدف منه في الغالب الباس النص الديني لباس وحدة الوجود الشخصية. وللممارسة التأويلية عدد من الانماط المختلفة نبرز منها ما يلي:
التأويل بالاعتبارات اللغوية
يتأثر هذا النمط من التأويل بالعلاقة اللغوية من القراءة والنحو والمعنى اللفظي وظهوره باصنافه الثلاثة: اللغوية والعرفية والشرعية، وكذا ما يترتب عليه من العموم والخصوص والاطلاق والتقييد وغير ذلك من المباحث اللغوية والاصولية.
فمثلاً ما جاء عن ابن عربي في تأويله لقوله تعالى: {واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أُوتي رسل الله، الله اعلم حيث يجعل رسالته} الانعام/124، اذ جعل من الاية: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي} هي مما يجوز حملها على الكلام التام، بمعنى اننا لن نؤمن بالاية حتى نؤتى مثل ما اوتي الرسول المبلغ اياها. أما ما تبقى من الاية فقد اجاز ابن عربي جعل (رسل الله) مبتدأً خبره (الله) الثانية، فيصبح المعنى رسل الله هم الله. وهذا المعنى الذي اجازه ابن عربي حمّله القيصري تعسفات كثيرة، وإن كان قد التزمه ورأى فيه كلاماً حقاً في نفس الامر، باعتباره على شاكلة معنى قوله تعالى: {ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم} الفتح/101.
وشبيه بذلك ما فعله النابلسي في شرحه لكتاب (فصوص الحكم)، حيث قرأ قوله تعالى {إنا كلَّ شيء خلقناه بقدر} القمر/49، بالصيغة التالية: (إنا كلُّ شيء)، اي نحن كل شيء، فيكون المعنى هو ان الله عين الاشياء2.
ومن ذلك ايضاً تأويل ابن عربي لقوله تعالى: {سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق، او لم يكفِ بربك انه على كل شيءٍ شهيد} فصلت/53، حيث اعتبر مقطع الاية القائل {حتى يتبين لهم انه الحق} يعني: حتى يتبين للناظرين انك صورته وهو روحك، فانت له كالصورة الجسمية، وهو لك كالروح المدبر لصورة الجسم، والحد يشمل الظاهر والباطن منك، وليس باحدهما دون الاخر3. وواضح ان لفظة الحق لم تتعين بالاية إن كان القصد منها ذات الاله، او ان معناها يرتبط بمعيار الصدق. لكن مؤخر الاية يكشف بان الاله له الهيمنة والاستقلالية بالشهادة على الكل مما لا يتناسب مع الاخذ بالمعنى الاول، اذ جاء في النص: {اوَ لم يكفِ بربك انه على كل شيءٍ شهيد}، لذلك تم تأويل هذا المقطع من الاية بان معناه: أوَ لم يكف في معرفة ربكم ان تشاهدوه في مظاهره الافاقية والانفسية4، حيث قُلب المعنى الظاهر، وهو ان الله شاهد على كل شيء، الى المعنى المأول، وهو ان الله مشهود من كل شيء. وواضح ان كلمة (على كل شيء) هي التي تحدد المعنى الظاهر مثلما جاء في قوله تعالى: {فلما توفيتني كنتَ انت الرقيب عليهم، وانت على كل شيء شهيد} المائدة/117.
وعلى هذه الشاكلة من التأويل ما جاء بحسب التخصيص والتقييد، ومن ذلك ما ذكره صدر المتألهين في تأويله لقوله تعالى: {واسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة} لقمان/20، فاعتبر النعم الظاهرة تمثل مطلق المدركات الحسية لان جميعها يرجع الى عالم الشهادة، بينما خصص النعم الباطنة بالمدركات العقلية لانها من عالم الغيب.5
التأويل بالتلفيق
المقصود بهذا النمط هو تأويل النص اعتماداً على اعتبارات ملفقة من نصوص اخرى لا علاقة لها بالنص الاول، واحياناً ان النتيجة تكون على ضد بيان النص.
فمن ذلك ما قام به صدر المتألهين من تأويل قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما اتاهم الله من فضل} العمران/169ـ170؛ انطلاقاً من ان حياة الشهداء هي حياة عقلية تخص الكاملين بالعلم، فيكون ابتهاجهم ولذتهم العقلية بالحكمة لا غيرها من اللذات الحسية والخيالية. وقد كان التعويل على خصوص الحكمة نابعاً عن اعتبار ملفق، اذ ظن ان قوله تعالى: {بما اتاهم الله من فضل}؛ جاء على وفاق الايتين {ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً} البقرة/269، و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل لعظيم} الحديد/21. فبهذا التلفيق كانت النتيجة هي ان المراد من تلك الايات امر واحد هو الحكمة.6
واقوى مما سبق ما ذكره ابن عربي في تأويله للنصوص التي تخص مآل فرعون وايمانه، حيث يصل الى نتيجة هي على الضد مما تبديه ظواهر النصوص، تبعاً لعدد من الاعتبارات الملفقة. فقد استفاد من قول فرعون في لحظته الاخيرة قبل مماته: ‹‹آمنت بالله››، ومن قول امرأة فرعون في حق موسى انه {قرة عين لي ولك} القصص/ 9، ومن حيث ان الاسلام يجب ما قبله، فعلى ذلك خلص الى تحقق نبوءة كون موسى قرة عين لفرعون، حيث ان الله منحه الايمان في اخر لحظة عند الغرق، عندما قال كما في الاية: {آمنتُ انه لا اله الا الذي آمنتْ به بنو اسرائيل وانا من المسلمين} يونس/90. وكما يقول ابن عربي: ان الله ‹‹قبضه طاهراً مطهراً، ليس عليه شيء من الخبث، لانه قبضه عند ايمانه، قبل ان يكتسب شيئاً من الاثام، والاسلام يجب ما قبله، وجعله اية على عنايته سبحانه لمن شاء7، حتى لا ييأس احد من الله الا القوم الكافرون، فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر الى الايمان، فكان موسى (ع) كما قالت امرأة فرعون عنه انه قرة عين لي ولك عسى ان ينفعنا، وكذلك وقع، فان الله نفعهما به››. ويتابع ابن عربي في دفاعه عن نجاة فرعون فيقول: ‹‹فنجّاه الله من عذاب الاخرة في نفسه ونجّى بدنه.. فقد عمّته النجاة حساً ومعنى.. ثم انا نقول بعد ذلك: والامر فيه الى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك يستندون اليه››8. وفي (الفتوحات المكية) تدارك ابن عربي ما جاء في الاية الكريمة: {آلآن وقد عصيت قبلُ وكنتَ من المفسدين} يونس/91، حيث اعتبرها على عكس المطلوب وهو انها دالة على اخلاصه في ايمانه، وفيها عتاب على ما سبق له من العصيان والفساد، لذلك فالنص وارد بحسب ما عليه من قبل وليس فيما هو عليه بعد، والا لقال الله له: وانت من المفسدين، كذلك انه لو لم يكن مخلصاً لقال الحق فيه كما قال في الاعراب: {قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم} الحجرات/14. كذلك تدارك ما جاء في قوله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود} هود/98، حيث اعتبر الاية لا تنص على دخول فرعون النار مع قومه الداخلين، وانما هو يقدمهم فحسب، مثلما جاء في قوله تعالى: {ادخلوا آل فرعون} غافر/46، ولم يقل ادخلوا فرعون وآله، وبالتالي فرحمة الله اوسع من ان لا يقبل ايمان المضطر. وبذا فقد شهد الله لفرعون بالايمان، وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده الا ويجازيه به وبعد ايمانه، حيث قبِل ايمانه وطهّره، اذ الكافر اذا اسلم وجب عليه الغسل، فكان غرق فرعون غسلاً وتطهيراً له9. وقد وجد هذا المعنى تأييداً من صدر المتألهين الذي قال بصدده: انه ‹‹يفوح من هذا الكلام رائحة الصدق، وقد صدر من مشكاة التحقيق، وموضع القرب والولاية››.10
ورغم كل ذلك ذهب ابن عربي في كتابه (التراجم) الى غير ما سبق، حيث وظف بعض الايات التي تخص فرعون ليدلل بان الله لا يقبل توبة العبد عند حضور لحظة الموت، وقال بهذا الصدد: ‹‹ان الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر {فلم ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا}، {الآن وقد عصيت}››11. بل حتى في بعض المواضع من (الفتوحات المكية) اعتبر ابن عربي المجرمين الذين يدخلون النار ولا يخرجون منها ابداً اربع طوائف، اولها المتكبرون على الله، مشيراً في ذلك الى ابرز نماذج هذه الطائفة وهو فرعون وامثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله، وذلك في قوله تعالى: {يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري} القصص/38، وقوله: {أنا ربكم الاعلى} النازعات/24.12
التأويل بتنزيل مزاعم الاقوال تنزيلاً حقيقياً
والمقصود بهذا النمط، هو انه يقوم بتنزيل مزاعم ما ينقله النص الديني من اقوال الاخرين تنزيلاً حقيقياً، حتى ولو كان هؤلاء ممن يدّعون الربوبية خلافاً لما هو ظاهر في التصوير البياني للنص. ومن ذلك مزاعم فرعون وغيره من اهل الكفر، حيث في هذا التأويل تتنزل هذه المزاعم منزلة الصدق والحق مثلما تتنزل اقوال الانبياء والاولياء، فكلها منزّلة تنزيلاً حقيقياً تعبر عن اختلاف صور الحق في الاعيان، تبعاً لوحدة الوجود الشخصية. فمثلاً تأويل ابن عربي لقول فرعون لموسى في الاية: {لئن اتخذت الهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} الشعراء/29، معتبراً قول فرعون السابق هو قول حقيقي في كونه الهاً، وانه صورة الحق، بل وان هذه الصورة لفرعون هي اعلى رتبة من صورة موسى، باعتبار ما له من الحكم والملك والتصرف بكل ما دونه من الناس. وبالتالي ففرعون صادق فيما قاله في الاية الكريمة: {أنا ربكم الاعلى} النازعات/2413. وهو على ضوء هذه الربوبية كان يصلب ويقطع الايدي والارجل. فمثل هذه الاعمال التي قام بها فرعون هي عين الحق في صورة باطل، فهي الهوية الظاهرة بكل شيء وفي كل شيء، والتي منها الصورة الفرعونية الفانية14. مع ان في بعض المواضع من (الفتوحات المكية) ادان ابن عربي فرعون على ذلك الادعاء من الربوبية واعتبره لهذه العلة من الخالدين في النار.
التأويل بقلب الاوصاف والاحكام
ونعني بهذا النمط من التأويل قلب الاوصاف والاحكام الظاهرة في النص من الضد الى الضد، كالقلب الحاصل من الذم الى المدح. ومن ذلك تأويل الاملي لاية الامانة: {إنّا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابيْنَ ان يحملنها واشفقْنَ منها وحملها الانسان، انه كان ظلوماً جهولاً} الاحزاب/72، معتبراً ان ما ورد في الاية من وصف الانسان بالظلم والجهل لا يعد ذماً، بل هو مدح ليس فوقه مدح اخر15. وقبله كان القيصري يرى ان معنى الاية هو ان الانسان ظلوم لنفسه مميت اياها بافنائه ذاته في ذات الله تعالى، وانه جهول لغيره بحيث انه ينسى كل ما سوى الحق، وينفي ما عداه بقوله: ‹‹لا اله الا الله››16.
ومثل ذلك ما جاء في تأويل ابن عربي لصفات الذم من الظلم والضلالة الى المدح والتعظيم، كما هو الحال فيما يخص قوم نوح، حيث اتبع في هذا القلب اسلوب التلفيق كالذي عرضنا بعض نماذجه قبل قليل. فالنص القرآني يقول: {ولا تزد الظالمين الا ضلالاً} نوح/24، اما ابن عربي فقد اخذ معنى الظالمين في الاية هو كل من ظلم نفسه اعتماداً على قوله تعالى: {ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فاطر/32، ومن ثم خلص من ذلك الى ان الظالمين من قوم نوح اصبحوا على رأس اولئك الذين اورثهم الله الكتاب واصطفاهم من عباده، وهم ظالمون لانفسهم باعتبار ما لهم من منع انفسهم من التمتع وحرمانها من متابعة هواها، وعليه فهم على رأس اولئك المصطفين لكونهم وصلوا الى مقام الفناء في الذات والاتصاف بكل الكمالات. اما نعتهم بزيادة الضلال، فهو بمعنى زيادة الحيرة، حيث تتحير النفس وتدور لترى مطلوبها مع كل موجود، والوجود دوري، والحركة الدورية لا تكون الا حول القطب الذي هو مدار الوجود عليه، وهو الله تعالى، فالحائر اذن ليس له الا الدور والتقلب حول هذا القطب17.
التأويل بالتوحيد بين الضدين
وهذا النمط يحول الضدين الى شيء واحد عبر التوحيد بينهما، ومن ذلك التوحيد بين الخالق والمخلوق، رغم دلالة النص على الضدية والاستقلالية. فمثلاً ما قام به الجيلي من تأويل اية التحاور بين الله وعيسى: {واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق، إن كنتُ قلته فقد علمتَه، تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك، انك انت علام الغيوب. ما قلت لهم الا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنتَ عليهم شهيداً مادمتُ فيهم، فلما توفيتني كنتَ انت الرقيب عليهم، وانت على كل شيء شهيد} المائدة/ 116ـ117، حيث اعتبر الجيلي ان الله هو حقيقة عيسى، وان عيسى عين حقيقته بدون مغايرة، وان عيسى في النص قد نفى المغايرة بينه وبين الله، وانه انكر ان يكون قد قال لهم اعبدوني من دون الله، مع ان الله عين حقيقته وذاته، فنزّه عيسى نفسه عما اعتقده قومه باعتبارهم اعتقدوا التشبيه فحسب.. {ما قلت لهم الا ما امرتني به}، وهو انه اراد الاطلاق والتشبيه والتنزيه لا الحصر. فقوم عيسى مع ذلك محقون، لان الحق هو حقيقة عيسى وحقيقة كل شيء، استناداً الى وحدة الوجود الشخصية.18
التأويل بالتسوية بين الضدين
حيث ان هذا النمط لا يأخذ بما يبديه النص من التضاد بين الاطراف المتنازعة، وانما يعمل على التسوية بينها. ومن ذلك ما جاء في تفسير ابن عربي لدعوة نوح (ع)، حيث اعطى العذر لقومه بعدم استجابتهم له؛ لانه دعاهم الى التنزيه فحسب ولم يدعوهم الى ما يضاف الى ذلك من التشبيه، لهذا رفضوا دعوته المستحيلة؛ لان الاستجابة عنده لا تكون الا في حالة جمع التنزيه والتشبيه، كما في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى/11، فلو دعاهم بذلك لأجابوه، لكنه لم يرد لهم الاستجابة فدعاهم بالفرقان بدل الجمع والقرآن، ومن ثم فقد اثنى عليهم بلسان الذم19، وهو من قلب الاوصاف والاحكام.
التأويل بالرواية
وخصوصية هذا النمط هو انه يقوم بتأويل النص القرآني عن طريق توظيف الروايات تبعاً للقبلية الوجودية او لدواع مذهبية وايديولوجية. ومن ذلك ممارسات الفيض الكاشاني في تفسيره (الصافي)، والجنابذي في تفسيره (بيان السعادة)، والشيخ الاحسائي في كتابه (شرح الزيارة الجامعة الكبيرة).. الخ. فمثلاً تأويل الجنابذي لكلمة الرب في عدد من الايات بانها ربوبية الولاية، وكذا الكفر والشرك بانه الكفر والشرك بالولاية، ومثله الايمان، وذلك لان الله لا يعرف ولا يدرك الا في مظاهره، وان كلمة الله في بعض الايات تعني علياً (ع)20، وغير ذلك مما هو مزيج بين الروايات والقبلية الوجودية.
الانتقاء اللغوي والفهم الوجودي
سنعرض في هذه الفقرة جملة من الممارسات الوجودية التي توظف بعض معاني اللفظ لتنتهي به الى ما يراد اسقاطه من القبلية الوجودية. ولا شك ان بعضاً من هذه الممارسات يمكن ادراجه ضمن التأويل باعتباره لا يخل بالمجال، كما ان بعضاً منها يمكن ادراجه ضمن الاستبطان باعتباره يعمل على الغائه واستبعاده، فضلاً عن ان منها ما يمكن عدّه من الاستظهار.
فقد استفاد العرفاء من الدلالات المتعددة للفظ الواحد واشتقاقاته، وامكنهم ان ينتقوا منها ما يشاؤون وفق ما يناسب القبلية الوجودية، دون الاكتراث بما قد تسبب لهم هذه العملية من الابتعاد عن السياق والمجال. وتبريرهم لهذا الفعل قائم على نظريتهم الخاصة بالتطابق بين الكلمات اللفظية - وكذا حروفها - وبين ما عليه الوجود الخارجي، وكذا بين النسخة القرآنية والنسخة الوجودية، فكل منهما يمثل كلمات الله، وحيث ان مصدر اللغة من الله مثلما هو الحال مع الوجود الخارجي، لذا أتاح لهم ذلك ان يتفننوا بانتقاء المعاني اللفظية التي تناسب مزاعم القبلية الوجودية، سواء اتفق ذلك مع السياق والظهور المجالي ام لم يتفق. وسبق للقيصري ان اشار الى ان الحروف كلها دالة على المعاني الغيبية في مفرداتها ومركباتها، لان الكلمات موضوعة بازاء الحقائق الالهية والكونية، وان الواضع الحقيقي هو الله تعالى، لذلك كان بين الاسماء ومسمياتها مناسبات حيث وضعت الالفاظ بازائها21.
ويمكن ان نعد ابن عربي اكثر الممارسين لهذا النمط من التفنن بين جميع العلماء والمفسرين؛ سواء من كان ينتمي منهم الى الحقل الوجودي، او من هم خارج هذا الحقل.
وكشواهد على هذه الممارسة هو ان لفظة القلب في الاية الكريمة: {لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد} ق/37، تعني عند ابن عربي العلم بتقلب الحق في الصور بتقليبه في الاشكال22.
كما ان لفظة الضلالة في بعض النصوص تعني عنده الحيرة والتقلب في صور الحق. ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم} الجاثية/23، اذ اعتبر الهوى اعظم معبود، ولا يعبد شيء الا به، أما الضلالة فتعني عنده الحيرة التي هي الدوران والتقلب في صور الحق. فكل عبد انما هو تحت سلطان هواه في عبادته لاي صورة من الصور، فلم تتخذ اي صورة من صور العالم للعبادة الا بالهوى، والعبد حائر لهواه حيث ظهور الله وتجليه في صور الهوى لدى جميع الصور الوجودية والمراتب الكونية23.
وان معنى الشيطان عنده في قوله تعالى: {اني مسني الشيطان بنصب وعذاب} ص/41، هو البعد والحرمان عن الحقيقة والجهل بها، اذ كلمة شيطان مشتقة من شطن التي من معانيها (بَعُدَ)24.
وكذا عنده ان لفظة الخليل الخاصة في نعت ابراهيم (ع) لها دلالة اشتقاقية تظهر بعض المعاني الوجودية. فتسمية ابراهيم بالخليل جاءت بسبب تخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الالهية25.
كما ان لفظة المتقي المشتقة من قوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} الانفال/29، مأخوذة - عنده - من الوقاية، لا من المفهوم المعياري المتبادر لدى اذهاننا، لذا يصبح المعنى هو ان المتقي يتخذ الله وقاية له. أما الفرقان فقد اعتبره دالاً على التفريق بين الناحيتين اللاهوتية والناسوتية.26
وعنده ان عصا موسى كما في قوله تعالى: {فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين} الشعراء/32، مأخوذة من العصيان، ففرعون هو الذي عصى ربه وأبى، لذلك كانت العصا صورة ما تحقق به إباء فرعون وعصيانه عن اجابة الدعوة، وليس ذلك الا النفس الامارة، فالعصا هي صورة هذه النفس الامارة، واذا انقلبت حية تحولت الى صورة النفس المطمئنة، وبذا قد انقلبت المعصية السيئة الى طاعة حسنة، حيث {يبدل الله سيئاتهم حسنات} الفرقان/7027 .
وكذا عنده ان معنى الجنة هو الستر28. ففي قوله تعالى: {يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} الفجر/27ـ29، تم اشتقاق الجنة كما يقول الجندي من الستر، فكل جنة تجن ارضها بما عليها من النبات والشجر، واعتبر كل عبد مرضي عند ربه هو جنة ربه، اذ ظهر به وستره في مظهريته؛ فكان وقاية له من الافعال والاثار المذمومة عند من لا يرضاها من الارباب والعبيد، فاضاف الى نفسه جميع المذام رغم انها تعود بالأصالة الى افعال وآثار ربه فيه، فاصبح عرضة لسهام الطعن والمذام، في حين كان ربه وقاية له في جميع المحاب والمحامد29.
والستر كمفهوم عند ابن عربي لا يخص الجنة فحسب، بل ينطبق ايضاً على الجن والكفر والغيرة والمغفرة. ففي قوله تعالى: {لئن اتخذت الهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} الشعراء/29، اعتبر ابن عربي السين في لفظة (مسجونين) هي من حروف الزوائد، ومعنى {لأجعلنك من المسجونين} اي لاسترنك، حيث يبقى الاصل في الكلمة هو الجيم والنون، اي الجن الذي معناه الستر والاخفاء30.
وكذا الحال في قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح بن مريم} المائدة/17، حيث اعتبر هولاء قد نعتوا بالكفر بمعنى الستر، فهم ستروا الله الذي احيا الموتى بصورة بشرية عيسى. فهم حجبوا بالصورة الشخصية التعينية لعيسى وحصروا الحق فيه، لذلك كفروا، بمعنى انهم ستروا وغابوا عن الحق المتعين فيه وفيهم وفي الكل من غير حصر31.
وكذا معنى الغيرة في وصف الله لنفسه، كما ورد في بعض الاحاديث، حيث معناها الستر بالغير، فمن غيرته حرّم الفواحش، وليس الفحش الا ما ظهر مما يجب ستره، والمقصود من ان الله حرم الفواحش هو انه منع ان يعرف حقيقة حاله وهو عين الاشياء فسترها بالغيرة التي ‹‹هي انت››، فالغير عندما يسمع مثلاً قول زيد فانه ينسبه لزيد، بينما يعلم العارف ان القول هو عين الحق. فالحق هو ‹‹الموجود المشهود من الطريق والسالك والغاية والعلم والعالم والمعلوم››، لكن الله حرّم ظهور هذه الاسرار، فكان الفحش هو ظهور ما يجب ستره 32.
أما اللفظ الاخير الدال على الستر فهو المغفرة، مثلما جاء في قوله تعالى: {ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليماً غفوراً} فاطر/41، حيث اعتبر الجندي ان الغفور هو بمعنى الساتر الذي يستر بصور الاشياء وجه الوجود الحق المتعين فيها33.
كما اعتبر ابن عربي لفظة الفاجر في بعض الايات مأخوذة من الاصل اللغوي (فجر) والذي بمعنى خرج وظهر. ففي قوله تعالى: {الا فاجراً كفاراً} نوح/27، ان الفاجر هو ذلك الذي يظهر ما ستر من الاسرار الالهية، وهو سر الوحدة في الوجود، وان الكافر بمعنى الساتر، حيث يستر ما ظهر من تلك الاسرار عند غلبة الكثرة على الساتر، ومن ذلك ان من العرفاء من يكشف السر ويظهر الوحدة كما في قول ابي يزيد البسطامي: ‹‹لا اله الا انا.. وسبحاني ما اعظم شأني››، ومنهم من يستر السر فيظهر الكثرة دون الوحدة مثلما افتى الجنيد بقتل الحلاج لكشفه السر34.
كما انه اعتبر لفظة الظالمين في اية {ولا تزد الظالمين الا تباراً} نوح/28، مشتقة من الظلام، وكما جاء عن النبي (ص): ‹‹الظلم ظلمات يوم القيامة››، فالظالمون عنده كما اشار القيصري هم اهل الغيب، اي العارفون بالغيب الالهي، وان تباراً بمعنى اهلاكاً. وبالتالي فان الاية تعني ان هؤلاء الظالمين او العارفين بالغيب يفنون انفسهم في الحق فلا يرونها ولا يعرفونها ولا يشعرون بها، لشهودهم وجه الحق الباقي ابداً دون انفسهم، حيث {كل شيء هالك الا وجهه} القصص/8835. وعليه يصبح للنص دلالة التكريم والتجليل وليس الذم والابعاد.
كما ان لفظة العذاب التي وردت كثيراً في الايات القرآنية يرجعها ابن عربي الى العذوبة، وهو لا يبالي بهذا القلب الضدي، وله ابيات من الشعر يقول فيه36:
فلم يبق الا صادق الوعد وحدهوما لوعيد الحق عين تعاين
وان دخلوا دار الشقـاء فانـهمعلى لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالامر واحدوبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمهوذاك له كالقشر والقشر صاين
وعلى ما يشير القيصري بان لفظ العذاب هو كالقشر للعذب يصون معناه عن المحجوبين37. لكن يبدو من هذه الابيات أن العذاب هو الظاهر، وإن كان في الحقيقة والباطن عذوبة، فالعذاب هو القشر الذي يصون تلك العذوبة، حيث تظهر عند الإلفة والتعود فيما بعد38. وكدلالة على هذا المعنى علّق على قوله تعالى في قوم عاد: {بل هو ما استعجلتم به ريح عذاب اليم} الاحقاف /24، فاعتبر ان الريح اشارة الى ما فيها من الراحة لهم، حيث ان هذه الريح أراحتهم عن تلك الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدن المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب، اي امر يستعذبونه اذا اذاقوه، لكنه يوجعهم لفقد المألوف، فباشرهم بذلك العذاب. وقد عد هذه الاية رداً على ظن هؤلاء القوم بالله خيراً عندما {قالوا هذا عارض ممطرنا} الاحقاف/24، وحيث ان الله عند ظن عبده، فأتاهم بما هو اتم واقرب، حيث الراحة والعذوبة كالذي سبق بيانه39.
واعتبر ابن عربي ان المقصود من الطِيب في الحديث النبوي: ‹‹حُبب الي من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وقرة عيني الصلاة›› بانه يعني الرائحة التي هي النفَس، وان الاقوال انفاس، فتكون هذه الاقوال طيبة، وفي قبالها الاقوال الخبيثة التي تظهر في صورة النطق، لكن من حيث ان الاقوال اوالانفاس منسوبة الى الحق، لذا فانها تكون جميعاً طيبة، ومن حيث ان بعضها محمود والبعض الاخر مذموم فانها تنقسم الى الطيّب والخبيث. وبذلك يستنتج ابن عربي من الطِيب النفَس، ومن النفس القول، ومن القول يرتب عليه صفة الطِيب فيكون من الطيّب. او ان الذات الطيّبة هي التي لها الطِيب، او تلك التي تتصف بالاقوال الطيبة، وان هذه الاقوال ما هي الا انفاس، والانفاس روائح40.
وان لفظة النساء مأخوذة من النسأة وهي التأخير، اشارة الى تأخر مرتبتهن ووجودهن عن مرتبة الرجال41.
ومعنى العورة عنده هو الميل، ومنه الاعور حيث نظره يميل الى جهة واحدة، وبالتالي فان ستر العورة يعني ستر السر الالهي عن الجاهل.
وان معنى الرأس من الحكم بعدم جواز الصلاة للمرأة وهي مكشوفة الرأس، هو الرياسة، وحيث ان معنى المرأة هو النفس، فيصبح المعنى هو ان النفس قد امرت بستر رياستها.
كما اعتبر سبب تسمية الانسان بالبشر تعود الى ان الله تعالى قد خلق خلقه مباشرة بيديه؛ على وجه ما يليق بجلاله فسماه بشراً. اي ان اللفظة مأخوذة من المباشرة، مثلما يسمى الخمر خمراً لتخميره العقل42.
ولدى صدر المتألهين ان تسمية الانسان بالانسان لها دلالة وجودية، فهي مأخوذة من ‹‹آنست›› بمعنى (ابصرت)؛ حيث به - وهو الانسان الكامل - نظر الحق الى خلقه فرحمهم43. الا ان حيدر الاملي اعتبر اللفظة وردت لعلة تعود الى امكان وقوع الانس بينه وبين الخلق، بروابط الجنسية والانسية44.
كما ان لفظة الساعة في النصوص الدينية لدى صدر المتألهين مأخوذة من السعي، باعتبار ان ‹‹جميع الاشياء الكونية الطبيعية ساعية اليها متوجهة نحوها من باب الحيوانية ثم الانسانية›› 45.
وان لفظة ابليس في هذه النصوص جاءت من حيث ما وقع به ابليس من الالتباس، اذ ظن انه لو سجد لادم لكان عابداً لغير الله، ولهذا امتنع عن السجود والتبس عليه الامر، فسمي بذلك، وكان اسمه في السابق عزازيل، وكنيته ابو مرة46.
***
تلك هي الممارسة الوجودية في التفنن بمعاني اللفظ اللغوية والتي تستهدف اسقاط القبلية الوجودية والباس النص بها، سواء كان ذلك عبر التأويل او الاستبطان او الاستظهار. ولا شك انه تكرر ظهور هذه الالية من التفنن اللغوي حديثاً، حيث مارس عدد من المعاصرين هذا السلوك الانتقائي لانتخاب المعاني المناسبة للالفاظ وربطها بالقضايا ذات الاهتمام المعاصر، حتى ولو لم يكن ذلك متفقاً مع سياق النص ومجاله، حيث التأويل والاستبطان.
1 مطلع خصوص الكلم، ج2، ص343 و346. ويقول الجندي في شرحه لعبارة ابن عربي: المعنى هو ‹‹ان رسل الله هم الله، فانه هويتهم وهم صورته، وهو من حيث هو اعلم حيث يجعل رسالته، فجعل الله هوية رسله، فكان تشبيهاً في عين تنزيه.. فانك اذا حملت الله اعلم على رسل الله؛ نفيت الغيرية فاثبتّ الوحدة الحقيقية، كقول النبي (ص) هذه يد الله واشار الى يمينه المباركة، فأوّل اهل الحجاب، وآمن اهل الايمان، وكشف اهل الشهود والعيان ان يده (ع) هي عين يد الله العليا في قوله تعالى: {يد الله فوق ايديهم} رأي عيان›› (شرح الفصوص، ص596-597).
2 عن: مذاهبالتفسيرالاسلامي،ص282-283.
3 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص385. وشرح الفصوص، ص280-281. ولاحظ ايضاً: الفتوحات، مصدر سابق، ج2، ص546.
4 جامعالاسرار،ص272.
5 المبدأوالمعاد،ص303.
6 اسرارالايات،ص146.
7 استناداً الى قوله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية} يونس/ 92.
8 مطلع خصوص الكلم، ج2، ص414-415. وشرح الفصوص للجندي، ص636.
9 الفتوحاتالمكية،مصدرسابق،ج2،ص273 و404.
10 تفسيرصدرالمتألهين،طبعةدارالتعارف،ج4،ص378.
11 كتابالتراجم،مصدرسابق،ص21.
12 الفتوحات،مصدرسابق،ج1،ص377.
13 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص434-435 و439.
14 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص440.
15 جامعالاسرار،ص21.
16 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص165.
17 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص308-309.
18 الانسانالكامل،مصدرسابق،ص120 و130.
19 شرح الفصوص للجندي، ص287-299. ومطلع خصوص الكلم، ج1، ص292-294.
20 سلطان محمد الجنابذي: بيان السعادة في مقامات العبادة، مقدمة سلطان حسين تابنده الجنابذي، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1408هـ - 1988م، ج2، ص25 و165. وج 1، ص ي.
21 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص434-435.
22 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص460.
23 مطلع خصوص الكلم، ج2، ص391-393. والفصوص والتعليقات عليه، ج1، الفص الرابع والعشرين، ص194-195.
24 الفصوصوالتعليقاتعليه،ج1،الفصالتاسععشر،ص173. وج2،ص237.
25 شرحفصوصالحكم،ص344. ومطلعخصوصالكلم،ج1،ص356.
26 الفصوصوالتعليقاتعليه،ج2،ص82-83.
27 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص437.
28 الفصوصوالتعليقاتعليه،ج1،الفصالسابع،ص92. وج2،ص90.
29 شرحالفصوص،ص384-385.
30 الفصوص والتعليقات عليه، ج1، الفص الخامس والعشرين، ص229. وج 2، ص311.
31 شرحالفصوص،ص506.
32 شرح الفصوص، 429-430. ومطلع خصوص الكلم، ج2، ص28.
33 المصدرالسابق،ص374.
34 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص318-319.
35 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص321-322.
36 شرح الفصوص، ص390. والفصوص والتعليقات عليه، ج1، ص94. ومطلع خصوص الكلم، ج1، ص432-433.
37 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص433.
38 لدى توضيح ابن عربي لكيفية انقلاب العذاب الى راحة وعذوبة انه اعتبر النار كلها عذاباً، مثلما ان الجنة نعيم كلها، فنشأة الاخرة لا تقبل مزاج نشأة الدنيا، وهو الفارق بينهما، فمدة العذاب في النار هي خمسة واربعون الف سنة، يتناوبها بعض الفتور، ففي اول الامر ان اهل النار يتعذبون عذاباً متصلاً لا يفتر لمدة ثلاثة وعشرين الف سنة، ثم ينامون فيغيبون عن الاحساس لشدة الالم والاوجاع، وهو قوله تعالى: {لا يموت فيها ولا يحيى} طه/7، ويمكثون على هذا الحال من الغيبوبة مدة تسعة عشر الف سنة، ثم يفيقون من غشيتهم وقد بدل الله جلودهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب من جديد، وذلك لمدة خمسة عشر الف سنة، ثم يغشى عليهم فيمكثون في غشيتهم احد عشر الف سنة، ثم يفيقون وقد بدل الله جلودهم مرة اخرى فيجدون العذاب الاليم لمدة سبعة الاف سنة، ثم يغشى عليهم ثلاثة الاف سنة، ثم يفيقون بعدها فيرزقهم الله لذة وراحة كالذي ينام على تعب فيستيقظ، وهذا من رحمة الله التي سبقت غضبه ووسعت كل شيء، حيث لا يجدون بعد ذلك الماً ويستغنمونه ويقولون نسينا، وكما قال تعالى: {نسوا الله فنسيهم} التوبة/ 67، وقال: {اليوم ننساكم كما نسيتم} الجاثية/ 34 (الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج1، ص225).
39 شرحالفصوص،ص428. ومطلعخصوصالكلم،ج2،ص24-25.
40 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص481-482.
41 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص470.
42 مطلعخصوصالكلم،ج2،ص185-186. والفتوحات،ج2،ص70.
43 ايقاظالنائمين،ص51.
44 اسرارالشريعة،ص94.
45 عرشيه،ص262-263.
46 الانسانالكامل،مصدرسابق،ص197.