-
ع
+

نظريات الإحتمال لدى الغربيين (3): نظريات تعدد المفهوم

 

يحيى محمد

اعتقد عدد من الباحثين بأن هناك نوعين من الإحتمال، أحدهما ذاتي عائد إلى جهل الإنسان، واخر موضوعي له علاقة بالحوادث، وهو يعبّر عن نسبة محددة موضوعياً، كالحوادث الفيزيائية والذرية، ولا علاقة له بالجانب الذاتي للإنسان1. وربما يكون رامسي هو أول من اشار إلى حقيقة وجود نوعين من الإحتمال، كل منهما يعالج جانباً لا يعالجه الجانب الآخر، وهو الإحتمال المنطقي والإحتمال الاحصائي أو الفيزيائي؛ معتبراً انه ليس من المؤكد ان يكون هناك توافق وانسجام بين هذين النوعين، خاصة وان هناك خلافاً عاماً بين الاحصائيين الذين تبنوا النظرية التكرارية من جهة، وبين المنطقيين الذين رفضوا تلك النظرية من جهة ثانية، وهو الخلاف العائد إلى طبيعة المعنى الذي يشير إليه مصطلح ‹‹الإحتمال››، حيث يستخدمه أحد الفريقين بمعنى غير ذلك الذي يستخدمه الفريق الآخر. الأمر الذي جعل رامسي لا يعول على ما صرح به من ثنائية المفهوم، بل تبنى فكرة الإحتمال المنطقي، أي فكرة درجة الإعتقاد العقلي، كمصدر وحيد له. ففي عبارة كتبها عن المصادفة (سنة 1928) انكر فيها وجود إحتمالات موضوعية سوى ما يتعلق بذلك المعنى من درجة الإعتقاد العقلي2.

أما أبرز من نفى ان يكون الإحتمال أحادي المفهوم فهو كارناب الذي صرح بوجوب الاعتراف بوجود نوعين من الإحتمال، أحدهما منطقي واخر تكراري، ويطلق على الأخير أحياناً الإحتمال الاحصائي والفيزيائي. وسبق لهذا المفكر ان نقد كلاً من كينز وجيفريز الذين رفضا التصور التكراري أو الاحصائي للإحتمال، حيث ظنا ان كل قضايا الإحتمال يمكن تأسيسها وصياغتها وفق مفهوم الإحتمال المنطقي. وإعتبر كارناب انهما غالا بالامر، وأضاف بأن هناك تزايداً في عدد الاشخاص الذين يدرسون كلا الجانبين من النزاع والدعوى، حتى انتهوا إلى صحة كل منهما من بعض الجوانب دون الأخرى. إذ يستفاد من التصور الاحصائي في الرياضيات والعلوم، ولا يصح هجره واستعاضته بالتصور المنطقي، وكذا العكس صحيح أيضاً، فكلا التصورين يحتاجهما العلم، لكن وظيفتهما مختلفة تماماً. فالإحتمال الاحصائي يصف حالة الشيء الموضوعي، فيزيائية أو بيولوجية أو اجتماعية، وبالتالي فهو تصور يستعمل في الحالات الخاصة وفي القوانين التي توضح الاطرادات العامة لمثل هذه الحالات. لكن من ناحية أخرى فإن الإحتمال المنطقي لا يستخدم في القضايا العلمية، سواء الخاصة منها أو العامة، بل يستفاد منه في الأحكام التي لها علاقة بمثل تلك القضايا فحسب، وبالذات الأحكام المتعلقة بالفرضية استناداً إلى ما تمنحه لها البينات من قوة. فالإحتمال المنطقي لا ينتمي إلى العلم نفسه وإنما إلى المنهج العلمي3.

وقد أطلق كارناب على النوع الأخير من الإحتمال بالإستقرائي، فعليه ينشأ ما سماه (المنطق الإستقرائي)4. كما عبّر عنه بالإحتمال1، وعن الإحتمال التكراري بالإحتمال2. وهو يقصد بالاول نفس ما يعنيه كينز من أنه عبارة عن درجة التأييد الخاصة بفرض ما تبعاً لوجود بينة هي سبب هذه الدرجة من التأييد. ويستخدم هذا النوع من الإحتمال للتنبؤ. فمثلاً يمكن القول ان من المحتمل بحسب تجاربنا الماضية ان الشمس ستشرق غداً، وانه بحسب تجاربنا السابقة يمكن أن نقيّم نظرية الانفجار العظيم لنشأة الكون بأنها قوية الإحتمال، فنحن هنا نتحدث عن إحتمال فرضية ما بحسب ما لدينا من بينات وادلة مؤيدة. أما الإحتمال الآخر التكراري، فهو يتضح من النسب الترددية التي نستنتجها في حالات معينة كالعاب الحظ والمصادفة، أو في حالات علمية مثل إحتمالات سرعة جزيئات الغاز وما اليها5. وأبسط حالات هذا النوع من الإحتمال هو المعنى المفاد من التكرار النسبي لنوع معين من الحوادث، لكن في حالات أخرى ان الإحتمال الاحصائي لا يشير إلى وجود تكرار ملحوظ أو حقيقي، وإنما إلى شيء جائز حصوله، أو يحتمل ان يكون. فمثلاً عند الفحص الفيزيائي لقطعة زهر بشكل جيد قد يتضح انه متماثل الوجوه تماماً، وعند ذلك يمكن الزعم بأن إحتمال أي من الوجوه هو (1\6)، مما يعني انه عند السلسلة الطويلة بشكل كاف من الرميات فإن التكرار النسبي لاي وجه من هذه القطعة سيكون (1\6). وبالتالي فإن قضية الإحتمال هنا تشير إلى التكرار الممكن أكثر مما هو إلى التكرار الحقيقي. ونفس الشيء يمكن فعله حتى لو لم يكن الزهر متماثل الوجوه، فعند الفحص القبلي يمكن أن يكون الإحتمال المعطى صحيحاً، وبالتالي نحن نتحدث هنا عن القضية التي تشير إلى حالة فيزيائية تخص الزهر6، وان الحكم فيها هو حكم واقعي تجريبي.

على انه إذا كان الإحتمال التكراري يتحدث عن الواقع الفيزيائي وهو يقبل التحقيق ولا علاقة له بجهل الإنسان وإعتباراته العقلية، فإن الإحتمال المنطقي لا يتحدث عن الواقع ولا يقبل التحقيق، وإنما له علاقة بالبينة المستمدة من بعض الملاحظات التي تتعلق بالواقع، لذا فإن ما يتكون لدى زيد من الناس من درجة معينة للإحتمال قد لا يكون نفس الأمر بخصوص عمر، لاختلاف البينات المتواجدة عندهما، ومع ذلك فدرجة الإحتمال تعد صحيحة نسبة للبينة الخاصة بكل منهما، وليس لها علاقة بالواقع، وهي صحيحة أيضاً حتى لو كانت البينة المستمدة من الواقع خاطئة، إذ تظل العلاقة بين البينة ودرجة الإحتمال منطقية من غير أن يكون لذلك علاقة مباشرة بالواقع. أو نقول انه يمكن للقيمة الإحتمالية للقضية المنطقية ان تتغير تبعاً لتغير الحوادث، أو البينات التي تعتمد عليها، ومن ثم يجوز هجر درجة الإحتمال السابقة واستبدالها باللاحقة7. وكل ذلك يختلف عن قضية الإحتمال التكراري الذي يعبّر عن العلاقة الترددية في سلسلة طويلة من الحوادث، أو عن العلاقة في ما يتصف به واقع الحوادث فعلاً. فالإحتمال المنطقي الإستقرائي يتعلق بالقضايا التنبؤية، أو تلك التي نجهل حقيقتها، مثل التنبؤ بحادثة مستقبلية، كطبيعة الطقس غداً، أو بما ستفضي إليه الانتخابات القادمة، أو الإفتراض المتعلق بالسبب غير المرئي لحادثة مرئية.. الخ. ومن الواضح ان هذا النوع من الإحتمال ليس تكرارياً أو احصائياً، بل له طبيعة منطقية خالصة8.

صحيح ان كارناب واجه مشكلة تتعلق بمثل هذه الحالات الفردية من القضايا الإحتمالية، ولم يجد بداً من تفسيرها تبعاً للنوع المنطقي من الإحتمال، إذ كتب يقول: ‹‹يستخدم مفهوم الإحتمال الإستقرائي (المنطقي) أيضاً في الحالات التي يكون فيها الفرض h تنبؤاً متعلقاً بحادث مستقل، مثلاً ان السماء سوف تمطر غداً، أو ان الرمية التالية لهذا النرد سوف تكون آساً.. قد يقولون مثلاً: (كيف يمكن تحقيق نص يقول بأن إحتمال سقوط المطر غداً هو (1\5) بناءً على الدليل من مشاهدات الظواهر الجوية؟) سوف نشاهد ما إذا كانت السماء ستمطر غداً أم لا تمطر، ولكننا لن نشهد أي شيء يمكنه ان يدقق القيمة (1\5). إلا ان هذا الاعتراض مبنيّ على سوء إدراك لطبيعة النصوص المتعلقة بالإحتمال الإستقرائي (المنطقي). فهذا النص لا يعطي قيمة (1\5) للإحتمال الإستقرائي (المنطقي) لمطر الغد، ولكن يعطيه بالأحرى للعلاقة المنطقية بين التنبؤ بالمطر وبين التقرير الخاص بالظواهر الجوية››9.

اذاً ليس للنظرية المنطقية لكارناب صعوبة في أن تتحدث عن الحوادث الفردية، وهي بخلاف النظرية التكرارية التي ترفض ان يكون هناك معنى للحديث عن إحتمال الحالات الفردية ما لم يتم ذلك عبر الحديث عن التكرار النسبي لمجموعة الحوادث، كالذي سلّم به ريشنباخ، حيث تحدث عن الإحتمال في الحالات الفردية بطريقة غير مباشرة10.

وقد إعتبر كارناب ان أحد المبادئ الأساسية التي يحتاجها الإحتمال المنطقي الإستقرائي هو ذلك المسمى مبدأ عدم التمييز، والذي ينص بأنه إذا لم تتضمن البينة أي شيء يؤيد حادثة ما دون غيرها من الحوادث الممكنة، أي إذا كانت معرفتنا متماثلة بالنسبة إلى جميع الحوادث، فإنها ستكون ذات نسب إحتمالية متساوية. فمثلاً إذا كانت البينة تعبر عن أن معرفتنا بأن قطعة الزهر تحتوي لا شيء أكثر من كونها منتظمة ومتماثلة الوجوه، فإن إحتمال أي وجه منها طبقاً لهذه البينة هو (1\6). وكذا لو علمنا أن أحد الوجوه لا على التعيين بأنه يحمل ثقلاً يجعله أكثر إحتمالاً للظهور، فإن إحتمال كل واحد منها سيساوي (1\6) أيضاً، بإعتبارنا لم نعلم بالضبط أي معلومة أخرى غير هذا الإجمال، وبالتالي فمبدأ عدم التمييز صحيح ونافع في مثل هكذا حالات منطقية، طالما يمكن تقييده بما فيه الكفاية، تجنباً من الوقوع في النتائج المتناقضة كالتي شهدناها لدى التصور التقليدي للإحتمال11.

على ان الجديد في نظرية كارناب هو الجمع والتوفيق بين النوعين السابقين للإحتمال. فالإحتمال1 ليس مجرد إحتمال يعبّر عن درجة التأييد لفرض ما، وإنما أيضاً عبارة عن تقدير للعلاقة الترددية في السلسلة الطويلة للحوادث. فكارناب يقول انه في حالات معينة ان الإحتمال1 يمكن أن يتخذ كتقدير للإحتمال2 . فالعلاقة بينهما هي علاقة يعتمد فيها أحدهما على الآخر، فهناك قضية الإحتمال الامبيريقية الكمية، وهي من حيث كونها منتزعة عن الواقع فإنها تصلح ان تكون بينة في تأسيس قضية الإحتمال المنطقية، حيث يمكن في هذه القضية تقدير الكم الإحتمالي تبعاً لتلك البينة12. وكذا يمكن العكس، إذ لو اظهرت التكرارات ان قياسنا للإحتمال1 ليس دقيقاً لكان يمكن تغيير نسبة الإحتمال1 طبقا للإحتمال2 ، وواقع الحال أنه في هذه الحالة يتحول الإحتمال2 إلى الإحتمال1، لكونه يعبّر عن بينة من القضايا الواقعية، كالذي يشير إليه كارناب13.

فمثلاً في قطعة الزهر عندما يتبين لنا انها ذات شكل منتظم ومتماثل من خلال الفحص التجريبي، فإن هذه البينة تدعونا إلى ان نعتبر كل وجه له قيمة إحتمالية هي (1\6)، كنسبة تكرار ممكنة، حيث لا يوجد ما يرجح بعض الوجوه على البعض الآخر، وعليه فإن القيمة السابقة تعبر عن الإحتمال2، وكذا لو تبين لنا خلال الرميات الكبيرة ان ظهور الآس ‹‹1›› كان له نسبة محددة كإن تكون (1\7) مثلاً، فإن ذلك يشكل ما يطلق عليه الإحتمال2 ، وهو الإحتمال الذي يلعب دور البينة بالنسبة إلى تقدير الإحتمالات المستقبلية، فتقدير إحتمال ظهور الآس ‹‹1›› في الرميات المستقبلية لهذه الزهرة هو (1\7)، وهو ما يطلق عليه الإحتمال1. أي ان الإحتمال1 عبارة عن تقدير للإحتمال2 ، وهذا التقدير خاضع للتغيير فيما لو تبين عبر التكرار الفعلي ان ظهور الاس ليس تلك القيمة وإنما أكبر أو أصغر منها. ومثلاً آخر لو اردنا ان نعرف نسبة الطلاق عند المتزوجين لدى مليون حالة زوجية في سنة محددة، وقد استخبرنا عدداً منهم وليكن ألف حالة فتبين من خلالها (200) من هذه الحالات قد شملها الطلاق، لذا فطبقاً لهذه البينة فإن نسبة الطلاق في هذا العدد هي (1\5)، وهذا هو الإحتمال2، وعليه يتأسس الإحتمال1، لكونه عبارة عن تقدير هذا الإحتمال على أي مجموعة من المجموعات غير المختبرة، بما في ذلك كل المجموعات التي تمثل المليون.

هكذا انه عندما نقارن نظرية كارناب بالنظرية التكرارية السابقة، نرى انها تسعى إلى تفكيك هذه الأخيرة وتحويلها إلى ان تتضمن نوعين مختلفين من الإحتمال بدل ان تقتصر على نوع واحد فحسب، فهي تتفق معها ان النسبة التكرارية تعبر عن الإحتمال التكراري، لكنها تعارضها حول النسبة المضفاة على الحوادث غير المختبرة بعد، فإذا كانت النظرية التكرارية تضفي عليها نفس النسبة من دون ان تجد فرقاً في نوع الإحتمال الممارس لدى الجهتين، فإن نظرية كارناب ترى النسبة الإحتمالية المفترضة على تلك الحوادث تعود إلى نوع آخر من الإحتمال غير الإحتمال التكراري السابق. كذلك فإنه إذا كانت النظرية التكرارية كما لدى ميزس تتجنب الحديث عن إحتمالات الحادثة المفردة المستقبلية، فإن نظرية كارناب يسعها التحدث عنها من منطلق الإحتمال المنطقي.

وعلى العموم ان نظرية كارناب ترى ان كل فرض تنبؤي يشار إليه ببينات من الشواهد والإستدلال فهو يرجع إلى الإحتمال1 (المنطقي)، حيث النسبة فيه تقاس إلى ما تخبرنا به تلك البينات. أما الإحتمال2 (التكراري) فهو عبارة عن تلك النسبة الترددية الثابتة التي تأتي عبر سلسلة التكرارات الطويلة المختبرة، أو عبر ما يطلق عليه كارناب التكرار الممكن، كما رأينا.

نقد النظرية

على الرغم من اهمية نظرية كارناب في تبرير القيم الإحتمالية التي نضفيها على سلسلة التكرارات للحوادث؛ فإن هناك عدة مشاكل تواجهها، وبنظر الاستاذ اير انه لا معنى لنقد التفاصيل التي تخص هذه النظرية، وذلك بإعتبار ان كارناب اخذ يغير من ارائه، وكذا فإن اتباعه اخذوا يصلحون من نظريته14. لكن يظل هناك عدد من النقاط يمكن مناقشتها كالآتي:

1ـ يلاحظ انه إذا كان الإحتمال التكراري يتقدر عددياً، فإن الإحتمال المنطقي الإستقرائي يعالج بالقيم الكيفية دون القيم العددية في أكثر الحالات الحياتية والعلمية، كأن توصف القضية بأنها ضعيفة الإحتمال، أو توصف مقارنة بغيرها انها أقوى إحتمالاً من الأخرى، وهكذا15. وعلى رأي عدد من المفكرين المحدثين فإن درجة التأييد وما يرادفها مما يطلق عليه درجة التوافق أو القبول أو المعقولية أو غيرها مما يعود إلى الإحتمال المنطقي؛ كلها لا تخضع لقوانين الإحتمال وحساباته، وبالتالي فإنها تعد بنظر الكثيرين غير إحتمالية، ومن الذين اثاروا هذا النقد بوبر وفون رايت وكيندال وغيرهم16.

2ـ يمكن إعتبار قضايا الإحتمال التكراري التي تنتزع عن الواقع بمثابة بينة للفرض الخاص بالإحتمال المنطقي، وهنا يمكن ارجاع الإحتمال التكراري إلى الإحتمال المنطقي، وذلك بإعتبار ان هذا الأخير يتقوم بحسب البينة وعلاقته بالفرض. ومن ثم فما هو الفارق الجوهري بين الإحتمالين؟ ذلك انه يمكن أن نعتبر الإحتمال واحداً هو الإحتمال المنطقي، وان النسبة التكرارية لا تعد من الإحتمال، بل هي بينة خاصة لتقدير الإحتمال المنطقي للفرض.

3ـ إن البينة التي يتكئ عليها الإحتمال المنطقي، بل والتكراري أيضاً، هي في حد ذاتها لما كانت تحمل إمكانات الخطأ، فإنها عبارة عن قضايا قائمة على الإحتمال، أي انها تعتمد على بينة أخرى تؤكد صدقها وإعتبارها. واذا كانت نظرية كارناب وغيرها من النظريات السابقة يمكنها ان تفسر لنا الإحتمال المنطقي والتكراري من حيث الرجوع إلى ما يعطيه الواقع من بينات، فإنها بذلك تصادر سلفاً الإحتمال الخاص بالبينة وتسكت عنه، وكأنها تفسر الإحتمال بالإحتمال. فما هو نوع الإحتمال المتعلق بالبينة ذاتها، وما هو الفرق بينه وبين الإحتمالين الاخرين المنطقي والتكراري؟

4ـ ان نظرية كارناب لا يمكن تطبيقها على الإحتمالات الإفتراضية كتلك التي تفسر لنا الإحتمالات الخاصة بقضايا السببية، إذ انها ليست تكرارية ولا مستمدة من الواقع مباشرة، وذلك على شاكلة ما تبين لنا في نقدنا للنظرية التكرارية. فهي على هذا لا من الإحتمال1، ولا من الإحتمال2. كما هناك من القضايا الإحتمالية ما لا تعتمد على البينة، ولا انها نتاج التكرار النسبي، بل هي قضايا إحتمالية قبلية.

5ـ هناك من إعتبر وجود أنواع مختلفة للإحتمال أكثر مما ذكره كارناب. فالاستاذ آير إعتبر هذه الانواع ثلاثة، أحدها الإحتمالات القبلية كالذي يجري عليها حساب المصادفات مثلما هو الحال مع العاب الحظ والمصادفة. وثانيها الإحتمالات التكرارية والاحصائية، وثالثها الإحتمالات ذات أحكام التأييد (Judgements of Credibility)، وهي تتعلق بالحوادث الخاصة التي لا تخضع للتقادير الرياضية، كإحتمالاتنا لطبيعة الطقس ليوم غد وما شاكلها17. كما عدّ الاستاذ ماكي وجود ما لا يقل عن خمسة أنواع للإحتمال اغلبها لا ينطبق عليه ما ذكره كارناب، حيث أحدها يأتي بالمعنى الحياتي المألوف حينما نقول ان هذا محتمل، أو ان هذا متوقع الحدوث، أو غير ذلك. وثانيها يأتي بالمعنى القياسي كالذي عليه التعريف التقليدي للإحتمال، وهو انه نسبة بين عدد الحالات الممكنة الملائمة إلى جميع الحالات الممكنة الكلية. وثالثها يأتي بمعنى العلاقة المنطقية بين البينة والفرضية، وهو المطلق عليه الإحتمال1 لدى كارناب، والمسمى بدرجة التأييد. ورابعها يأتي بالمعنى التكراري بكلا شقيه المتناهي وغير المتناهي، وهو ينطبق أيضاً على ما يطلق عليه كارناب الإحتمال2 . وخامسها يأتي بمعنى مصادفات الحادثة الموضوعية المفردة18.

 

 

1 McCall; p.140.

2 Gillies; p.27ـ28.

3 Carnap; p.273ـ274.

4انظر:A. J. Ayer, ‘The Conception of Probability as a Logical Relation’, in: Madden; p.279. Also: Stove; p.87-89, and p.113.

5 Gillies; p.28.

6 Carnap; p.270.

7 Kyburg; 1970; p.83ـ84.

8 Carnap; p.270ـ271.

9 فلسفة العلم، ص403ـ404.

10 Lenz, ‘The Frequency Theory of Probability’, in: Madden; p.266.

11 Carnap; p.271 and 274.

12 Day; p.135.

13 فلسفةالعلم،ص403.

14 Ayer; 1972; p.38.

15 Popper; p.270.

16 Popper; p.270 and p.392ـ393. Also: Tricker; p.60.

17 Ayer;1972; p.27ـ28.

18 Mackie; p.154, 156ـ157 and 189.   

comments powered by Disqus