يحيى محمد
ظهر في أيامنا الحالية نظام حديث للفهم الديني يرى ان القرآن الكريم منزّل ومحفوظ بهذا الشكل الذي نقرأه دون زيادة حرف أو نقصان، اذ يمتلك نظاماً دقيق الإتساق، فكل حرف وكل كلمة لها معناها الحقيقي الخاص الذي لا يجاريها كلمة أخرى أو محل آخر، فكل شيء موضوع في محله بقدر دقيق لا يقبل التغيير، فأي تغير مهما كان بسيطاً فإنه يضرب النسق ويتجاوز الإتساق، ومن ثم يفضي إلى تغيير معنى الكل، حتى الحرف والعلامة لهما موقعهما الذي يخصهما. وبحسب هذا الاتجاه فإن معاني الألفاظ هي معان حقيقية غير مجازية. وابرز من يمثله: المهندس محمد شحرور من سوريا، والمرحوم المهندس عالم سبيط النيلي من العراق، وجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية من البحرين. وهو يتعامل مع النص القرآني بجملة من القواعد والإعتبارات ليدلل على نسقيته وإتساقه، أهمها ما يلي:
1ـ التعميم، بمعنى ان كل لفظ يحتفظ بمعناه الخاص في جميع ما يذكر من دون تغيير.
2ـ لا ترادف في اللغة، بل على العكس فإن البعض يصرح بأن كل لفظ له معان عديدة، ولا بد من انتقاء المعنى المناسب وسط كثرة المعاني للفظ. أي ان القارئ يختار للفظ معنى مناسباً يعتقد أنه يمثل حقيقة ما يراد ضمن نسق الكل دون ان يبالي بآراء المفسرين.
3ـ ان الترتيب ووضع الكلمات يفرض على القارئ ان يجد فيهما علاقة مهمة حول المعنى المقصود. فالنص الذي يقول: ((الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ))، يختلف في معناه عندما نغير الترتيب بالقول مثلاً: (المؤمنات والمؤمنون).
على ذلك يمكن محاكمة هذا الاتجاه من خلال لحاظ ان كان ما يدعيه يتفق مع معان النص وسياقاته أم لا؟ وكذا ان كان مدفوعاً بهواجس معينة علمية أو مذهبية أو غيرها؟
فالميزة الأساسية لهذا الاتجاه هي الكشف عن النظام النسقي ضمن فهمه لألفاظ القرآن وعلاقاتها وفق المعاني الحقيقية بانتظام، ويمكنإختبارهعبرمايمثلونعليهمنتطبيقاتإنكانتدقيقةأوغيردقيقة. فمثلاً يميز المهندس محمد شحرور بين معنيي النبي والرسول، ومثلهما الصلاة والصلوة، وفق الإستقراء القرآني كما هو المدعى، فيرى في كتابه (الكتاب والقرآن) ان الرسالة أحكام، والنبوة علوم، لهذا لا نجد آية تقول (اطيعوا النبي)، فكلها جاءت (اطيعوا الرسول)1. مع ان القرآن الكريم يتضمن الكثير من الآيات التي تربط النبي بالاحكام2، كما تربط الرسول بالعلوم أو الحقائق الموضوعية3، وكذا العكس أيضاً، مما لا يحتاج فيها إلى نقاش.
ومن النماذج على ذلك أيضاً تمييز هذا المفكر من الناحية المورفولوجية بين لفظي صلوة بالواو دون الالف الممدودة والصلاة ذات الالف دون الواو، معتبراً ان الأولى تعني هذه الصلاة المعروفة من الركوع والسجود، أما الثانية فتعني الصلة مع الله كما في الدعاء والمناجاة والتسبيح.. وقد مثّل على الدلالتين بعدد من الآيات المدونة في المصحف الذي استقر عليه المسلمون. مع ان التدبر في هذه الآيات لا يعكس المطلوب للنسق المدعى. لذلك أخذ صاحبنا يوجه سياق النص احياناً بغير الدلالة الظاهرة ليجعله متفقاً مع القاعدة التي وضعها، مثل توجيهه للالفاظ ذات الالف الممدودة رغم انها تدل بحسب السياق على الصلاة من الركوع والسجود، كقوله تعالى: ((وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا))4، وقوله: ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ))5، وقوله تعالى: ((إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ..وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ))6. حيث رأى في هذه الآيات انها تدل على معنى الصلة لا الركوع والسجود بإعتبارها تتضمن (الصلاة) ذات الالف الممدودة، رغم ان الظاهر لا يبدي هذا النحو من التوجيه.
ولكي لا نطيل الوقوف عند هذا المقام سنكتفي بما قدمته جمعية التجديد الثقافية من قاعدة تتعلق بالضمائر في القرآن، وهي تراها كما هي باللسان العربي من دون مجاز، فالمفرد مفرد، والمثنى مثنى، والجمع جمع، وضمير المتكلم هو غير ضمير الغائب والسامع. ومن ابرز تطبيقات هذه القاعدة هو ان التعبير القرآني بلفظة (هو) عن رب العالمين يفيد المعنى الفردي، أما حينما يعبر بما يناظره بالضمير مثل (نحن) أو (إنّا) فإنه يفيد الجماعة لا الفرد، وبالتالي فالنص القرآني عندما يقول: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ).. الخ، فإنه يشير إلى ملائكة الله المدبرين، وليس المقصود الذات الإلهية، والا لكان التعبير بالضمير (هو) أو (أنا) وما شاكله، فالله لا يتكلم عن نفسه بضمير الجمع، فكل الكلمات دالة على الحقيقة بلا مجاز7.
واستشهد هذا الاتجاه على ما جاء في سورة الصافات حيث السياق يدل على ان المتكلم ليس الله بل الملائكة، كما جاء في النص التالي: ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ))8، وقد عمم هذه الحالة على السورة كلها، بل والقرآن كله، وهو ان المتكلم ليس الله بل الملائكة المدبرون كالذي يشار إليهم بصيغة الجمع في الكثير من النصوص والمواقف، ولو على لسان جبريل كممثل للهم. أما الله فكلامه ليس مباشراً وفقاً لما جاء في الآية: ((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أو مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ))9. رغم ان هذه الآية تحصر كلام الله في ثلاثة أمور احدها الرسول كفرد، ولم يأتِ فيها ذكر للرسل كجمع إذا ما اخذت بنحو الحقيقة من دون مجاز كما يطالب بذلك الاتجاه المذكور. والآية تتسق مع بعض الآيات التي تبدي ان هذا الرسول المبلغ هو جبريل.
يضاف إلى ان الكثير من الآيات تبدي بأن المتكلم هو الله دون سابقة لكلام الجماعة أو الملائكة، وهو ما لا يتسق مع النظام المطروح، مثل الاقسام الواردة في القرآن كقوله تعالى: ((فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ))10. ومثل هذه النصوص: ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ.. وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ..))11.. ((فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ))12.. ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))13... الخ.
وبذلك يتبين ليس هناك ما يدل على ان المتكلم منحصر في الجماعة دون الفرد، فكلاهما حاضران بحسب الاساليب اللفظية.
ويتمثل موضع استثمار الاتجاه المذكور لهذه القضية بالتأكيد على ان صيغة الجمع للضمائر التي تتحدث عن نفسها تضيف في الوقت ذاته افعالاً وصفات هي ذاتها منسوبة إلى الله تعالى، مثل حال الخلق والرزق والعلم والتعليم والقدرة وما إلى ذلك. فعندما تتعلق هذه الافعال والصفات بصيغة الجمع فإنها وفق هذا الرأي لا تشير إلى الله كما يزعم المفسرون، بل إلى ملائكته المدبرين. فهناك إختلاف حين يكون الفعل من أعلى إلى اسفل وبالعكس، ففي الخلق والرزق والتعليم وسائر أمور التأثير على الخلق فإن صيغة الجمع في الخطاب هي الواردة للتأكيد على الدور الجماعي، وهو ما يؤديه ملائكة الله المدبرون، دون ان يتنافى مع ما يذكر لصيغة الفرد أيضاً، لأنها تكون باذن منه تعالى. في حين عندما يكون الله مدعواً معبوداً من قبل عباده، فإنه يتبين بالإستقراء بأن صيغة المفرد في الخطاب هي الواردة مطلقاً دون غيرها.
لكن الملاحظ ان القرآن الكريم ينسب الخلق تارة لضمير الجماعة وأخرى لضمير الفرد، ومثل ذلك: الرزق والعلم والقدرة والجزاء وتنزيل الكتاب والايات والمرجع الذي يُرجع إليه.. وهكذا مختلف الأشياء المتعلقة بالفعل والتأثير. وبالتالي إذا كان موضوع التأثير والصفات واحداً كالخلق والرزق والعلم وما إلى ذلك، فكيف يمكن ان ننسبه بإعتبارين مختلفين من دون القيام بممارسة التوجيه والتأويل، تارة وفق صيغة المفرد، وأخرى وفق صيغة الجماعة، فنعتبر الدلالة الجمعية لا تتنافى مع الدلالة الفردية، رغم عدم ذكرهما للتبيان ضمن سياق النص الخاص؟
وبعبارة ثانية، يعترض هذا الاتجاه على المفسرين لتوجيههم الدلالة الجمعية لصالح الدلالة الفردية، مع انه يمارس التوجيه أيضاً، وهو انه يوجه الدلالة الفردية بما لا يتنافى مع الدلالة الجمعية، وكذا العكس أيضاً. أي في جميع الاحوال هناك نوع من التوجيه والتعامل مع النصوص بنحو من المجاز. فمثلاً إذا كان التعبير عن خلق السماوات والأرض بضمير المفرد تارة، وبالجماعة تارة ثانية، فمن خلق السماوات والأرض هل الله، ام ملائكته المدبرون؟ فاذا كان الإفتراض الأول هو الصحيح فلماذا جاءت صيغة الخالق بضمير الجمع ان لم يكن هناك مجاز في اللغة المستخدمة؟ واذا كان الإفتراض الثاني هو الصحيح فلماذا تم حصر الخالق بضمير المفرد؟
ومن الطبيعي انه سيقال بأن كلا التعبيرين صحيح، وهو ان اثبات الفرد لا ينفي اثبات الجمع، والعكس صحيح أيضاً، إذ وفق نظرية الاذن يكون الخلق منسوباً لله بشكل غير مباشر، وللملائكة بشكل مباشر، شبيه بالذي تعرّض إليه الفلاسفة القدماء من ربط الخلق بالله كعلة بعيدة وببعض معلولاته كعلة قريبة، مع أخذ إعتبار الفارق بين الاتجاهين، لكن لماذا لا يتوضح شأن هذا الترتيب؟ مع انه موضح في أمور اخرى، كارسال الملائكة لتوفية النفوس وتبليغ الرسالات والقتال مع المؤمنين وغيرها، في حين لم يُذكر للملائكة أي دور يتعلق بالخلق والرزق مثلاً. وقد جاء في هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ والأرض لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ))14. وعليه فإن الأصل في الموضوعات المطروحة السابقة متعلقة بالله وحده كما تشير الآيات ذات الصيغة الفردية بوضوح، ويبقى الزائد عليها لا يرقى إلى هذا الوضوح، إذ لا توجد آية تشير إلى تكليف الملائكة بالخلق وبعض الشؤون المتعلقة بالعباد. وهو أمر ينسجم مع تكفير الله لمن يجعل الملائكة ارباباً كما في قوله تعالى: ((وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))15. واحياناً تشير بعض الآيات إلى استنكار من يشرك مع الله أحداً في خلقه، مثلما جاء في قوله تعالى: ((أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))16..
بل ان الروح العامة للقرآن ككل تبدي بأن دلالة الخلق لا تتعدى العلاقة بالله وحده؛ مثلها في ذلك مثل العبادة. لهذا من الصعب تماماً ان نعتبر انفسنا مخلوقين لملائكة الله المدبرين، في حين لا يصعب ذلك عندما نعزو إليها توفية أنفسنا عند الموت مثلاً.
ولو استندنا إلى هذه المنهجية لفهم الآيات فسوف لا نأمن من السقوط في بعض المفارقات، ويتضح هذا الحال في كون بعض الآيات تتضمن الإشارة إلى ضمير الجمع في عملية خلق البشر، كقوله تعالى: ((نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ))17، لكن جاء في آيات اخرى ان الله تعالى اراد ان يخلق البشر وهو يخاطب الملائكة وأمرهم بالسجود جميعاً، كما في قوله تعالى: ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ))18. فالملائكة في هذه الآيات هم في موضع المخاطب وقد امرهم الله بالسجود لهذا الخلق الجديد، فكيف نوفق ما بين هذين النسقين للايات تبعاً لإعتبارات الاتجاه المذكور في حمل الألفاظ على الحقيقة من دون الوقوع في مفارقة؟!
ونبقى مع قضية خلق البشر، فقد وردت حولها صيغتا المفرد والجمع معاً ضمن سياق واحد لدى هاتين الايتين: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ))19، وهنا يرد السؤال التالي:
من الذي أمر بالسجود؟ هل الملائكة المدبرون بإذن الله؟ واذا كان الحال كذلك فلماذا جاء التأكيد فيما بعد بصيغة المفرد ان الأمر يعود لله كما في الآية الأخيرة؟
وبعبارة اخرى أيهما اقرب للتوجيه، ان يكون الأمر في الآيتين عائداً إلى طرفين احدهما الملائكة المدبرون إذ تأمر غيرها من الملائكة الباقين، والاخر هو أمر الله، أو يكون الأمر في الحالتين هو الله تعالى.. فالسياق وحتى منطق مبدأ البساطة يستدعي ان الأمر في الحالتين هو الله..
وهو ما ينطبق على موضوع الخلق في الآيتين السالفتي الذكر أيضاً، فقد جاء في ذات السياق ان خلق ادم وذريته منسوبة لله بصيغة المفرد تارة، كما في الآية الأخيرة: ((وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ))، ومنسوبة بصيغة الجمع تارة اخرى، كما في الآية: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ)). وواضح ان السياق دال في الحالتين بأن الخالق واحد غير متعدد. فمن الصعب إفتراض الخلق منسوباً إلى جهتين مختلفتين هي الله تارة والملائكة تارة ثانية، فالسياق لا يساعد على مثل هذا التوجيه خلافاً للظهور الأول لبساطته.
كما قد ترد احياناً صيغة ضمير الجمع في خلق الملائكة باطلاق اللفظة الأخيرة كما في الآية: ((أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ))20، فتثير في ذلك اشكالاً على الإتجاه المذكور، إذ وفقاً له سيضطر إلى تأويلها بمعنى ان بعض الملائكة وهم المدبرون قاموا بخلق سائر الملائكة.. وهو تأويل بعيد مقارنة بما هو متعارف عليه من استخدام ضمير الجمع للدلالة على المفرد. ويمكن ان نطبق عليه نفس منطق ما يجادل به هذا الإتجاه فنقول: لماذا استخدم القرآن ضمير الجماعة وهو يتحدث حول خلق الملائكة باطلاق، مع ان بعضهم وفقاً للاتجاه المذكور خالق للبعض الاخر؟ فكيف ينسجم ذلك مع كون القرآن هو الكتاب العربي المبين؟!
وفي جميع الاحوال يتبين ان نظام الفهم النسقي المطروح حالياً ليس بنسقي.
1محمد شحرور: الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة، الاهالي للنشر والتوزيع، دمشق، ص112.
2من ذلك الآيات التالية: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ))..((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ.. مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ.. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أخذ مِنْكُمْ)).. ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ.. النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)).. ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً))... الخ.
3مثل قوله تعالى: ((آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)).. ((الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)).. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)).. ((إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)).. ((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)).. ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إليه أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)).. ((وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)).. ((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أو مَجْنُونٌ)).. ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ))... الخ.
4الاسراء\110.
5الماعون\4ـ5.
6المعارج\22ـ23 و34.
7جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية: مفاتح القرآن والعقل، ضمن سلسلة عندما نطق السراة (1)، دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى، 2009م، القاعدة السابعة (الضمائر في القرآن).
8الصافات\164ـ166.
9الشورى\51.
10الواقعة\75.
11البقرة\40ـ41.
12الزمر\17ـ18.
13المائدة\3.
14فاطر\3.
15آل عمران\80.
16الرعد\16.
17الواقعة\57.
18ص\71ـ73.
19الاعراف\11ـ12.
20الصافات\150.