-
ع
+

درس الفهم الثامن: نص النص ونص نص النص

الاسس المنطقية للفهم الديني (8)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ،

وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً

خلاصة الدرس

لقراءة النص ثلاث آليات (الإستظهارية والتأويلية والإستبطانية) وهي تتحقق عبر عدد من الشروط لها صلة بالموقف من عاملين، هما: الظهور اللفظي والمجال. فمن خلال هذين العاملين تتميز الآليات الثلاث المذكورة، اذ تتعين ماهية كل منها وفق شكل العلاقة التي يحددها عامل الظهور اللفظي والمجال، كالتالي:

1ـ الآلية الإستظهارية

لهذه الآلية شرطان ينبغي الحفاظ عليهما، وهما المجال والظاهر، وان الاخذ بالظاهر يقتضي الاخذ بالمجال من دون عكس.

2ـ الآلية الإستبطانية

وشرط هذه الآلية التخلي عن كلا الشرطين من القراءة الإستظهارية الانفة الذكر. علماً بان عدم الحفاظ على المجال يفضي الى عدم الحفاظ على الظاهر من دون عكس.

3ـ الآلية التأويلية

تتصف هذه الآلية بأنها وسط بين الآلية الإستظهارية والآلية الإستبطانية. فهي تتقوم بشرطين، احدهما تشترط به الآلية الإستظهارية، والاخر تشترط به الآلية الإستبطانية. كما انها في القبال تتخلى عن شرطين لكل منهما. فهي تحافظ في قراءتها على الظهور المجالي دون ان تستبدله بمجال اخر بعيد، وهو ما يجعلها تتفق مع الآلية الإستظهارية دون الإستبطانية.

ويمكن التعبير عن الفوارق بين الآليات الثلاث بالصيغة الرياضية كما يلي:

الظاهر + المجال ← الإستظهار

- المجال – الظاهر ← الإستبطان

المجال – الظـاهـر ← الـتـأويـــل

ولو رمزنا للإستظهار بحرف (هـ)، وللإستبطان بحرف (ط)، وللتأويل بحرف (ي)، وللظاهر بحرف (ظ)، وللمجال بحرف (م)، فإن العلاقة ستكون كما يلي:

 ظ + م ← هـ

- م – ظ ← ط

م – ظ ← ي

كما يمكن التعبير عن ذلك بالاشكال الهندسية كما يلي:

 

 

 

ظ

م

 

م

   آليات القراءة
    |-------------|--------------|  
استظهار      استبطان       تاويل
     |              |               |

أما العلاقة بين الآليات من حيث القراءتين الإشارة والتفسير، فيمكن ايضاحها عبر الرسم البياني الاتي:

إشارة                +                 علاقة                 تفسير

 

      

ومن حيث التفصيل نلاحظ النقاط التالية:

اولاً:

في قراءة النص لدينا عناصر ثلاثة متلازمة، هي النص والإشارة والتفسير. ومن حيث التمييز بين هذه العناصر نلاحظ ان للنص بعده الموضوعي المستقل عن معرفتنا به، فهو عندما يدخل في حيز المعرفة يتحول الى ما نطلق عليه الإشارة، ومن بعد ذلك التفسير. ومعلوم ان الإشارة هي كشف عن معنى النص، وان التفسير يزيد عليها بانه يشرح هذا المعنى فيكون عبارة عن معنى المعنى. وهذا يعني ان آليات الإشارة والتفسير هي وإن كانت تقوم على النص، الا انها من هذه الناحية لا تكشف عن النص كشيء في ذاته والذي نطلق عليه النص المجهول. فالنص شيء وفهمه المتمثل بالآليات شيء اخر.

ثانياً:

يمكن عدّ آليات الإشارة نصاً اخر يقوم على ذلك النص المجهول، وان التفسير هو نص ثالث يقوم على نص الإشارة، وكلاهما يعبران عن النص المعلوم. واذا كان النص المجهول ينتمي الى العالم الموضوعي الخارجي فان النص المعلوم بشطريه (الاشارة او التفسير) ينتمي الى عالم الادراك المعرفي. هكذا لدينا نص مجهول، وهو الجانب الموضوعي للنص، مع نصين معلومين، وهما الجانب الذاتي للنص، ومن ثم فالنصوص ثلاثة كالتالي:

1ـ نص كشيء في ذاته، وهو الاساس الذي لا يقبل التحديد والتعريف من حيث هو هو، اذ لا علاقة له بالادراك والذات العارفة، وذلك شبيه بما عليه الماهية من حيث هي هي، اذ لا علاقة لها بالوجود.

2ـ ونص ثان يقوم على ذلك النص باعتبارات الادراك والذات العارفة، وهو المعبر عنه بالإشارة على اقسامها الثلاثة: الإستظهار والتأويل والإستبطان. فنص الإشارة بهذا الاعتبار ينشأ عن امرين، هما: النص المجهول وذات القارئ، والإشارة بهذا الاعتبار هي نوع من القراءة والفهم، نطلق عليها القراءة الاولى او الاشارية.

3ـ ونص ثالث يتحدد بقراءته لنص الإشارة، وهو ما نطلق عليه نص التفسير. وهو بالتالي يعتمد على كل من ذات القارئ والنص المجهول. ومن حيث الدقة انه يعتمد على كل من ذات القارئ والاشارة، والاشارة بدورها تعتمد على النص المجهول وذات القارئ. فهنا في التفسير تحديداً يصبح العنصر الاخير – ذات القارئ – مضاعفاً.

هكذا فذات القارئ تتسع لقراءتين او فهمين، احداهما تتعلق بقراءة النص المجهول فنسميها نص الإشارة، وأُخرى تتعلق بقراءة هذا النص الأخير فنسميها نص التفسير. او قل ان لدينا قراءتين احداهما تقوم بقراءة الأُخرى ، او ان لدينا فهمين احدهما يعمل على فهم الاخر. كما ان لدينا ثلاثة نصوص، بعضها ينتج عن البعض الاخر، فهناك النص المجهول، وعليه يقوم نص الإشارة مما نعبر عنه (نص النص)، ومن ثم يقوم على هذا الأخير نص التفسير الذي هو (نص نص النص).

إذاً لدينا نص، ونص النص، ونص نص النص. او قل: لدينا نص، وقراءة النص، وقراءة القراءة. او لدينا نص، ومعنى النص، ومعنى المعنى. او قل: لدينا نص، وفهم النص، وفهم الفهم.

وواضح اننا باستثناء النص المجهول نتعامل مع قراءتين واجتهادين احدهما قائم على الاخر، مما يجعلهما طبقتين تتفاوتان في البساطة والعمق، حيث القراءة التفسيرية هي تعميق للقراءة الاشارية، وانه لا وجود للقراءة التفسيرية من غير الاشارية، وان كان العكس غير صحيح. لكن في كلا القراءتين والفهمين نواجه القابلية على التعددية. فالتعددية قد تكون اشارية، كما قد تكون تفسيرية.

ثالثاً:

قد يقال انه اذا كان النص المجهول لا يخضع للمعرفة وانه عبارة عن ذلك الشيء في ذاته، وان الذي يعرّف به هو كلا النصين الخاصين بالقراءة الاشارية والتفسيرية، وان هذين النصين او القراءتين يتقومان بالقبليات المعرفية، فالسؤال الذي يرد بهذا الصدد هو: هل يمكن التوصل الى تطابق النصين او القراءتين مع الاول، او على الاقل الاقتراب من المعنى الذي يتضمنه؟ وما مبرر ذلك؟

نعترف - ابتداءاً - بأن هذه المسألة معقدة، بل فيها مستويان من التعقيد، فالعلاقة التي تربط نص القراءة التفسيرية بالنص المجهول هي اشد تعقيداً من تلك التي تربط نص القراءة الاشارية به. والأمر واضح من حيث ان القراءة التفسيرية تتضمن الاشارية وتزيد عليها، وكما رأينا فانه من الناحية الرياضية فان القبليات التي تتضمنها القراءة التفسيرية تكون مضاعفة مقارنة بالقراءة الاشارية. لكن مع ذلك يمكن القول إنّا نواجه قضية هي ذات القضية التي نواجهها في الكشف عن طبيعة الأشياء الخارجية، فهذه الأشياء هي ايضاً عبارة عن أشياء في ذاتها، وبالتالي يستحيل نقلها كما هي في ذهن الرائي، لذا فكيف نطمئن بان الصورة الذهنية تعبر عن الحقيقة الخارجية وتحاكيها؟ او على النحو الادنى: كيف نبرر اقتراب الحقيقة بين الحالة التصورية للشيء في الذهن وحالته الموضوعية في الخارج؟

هذه هي الإشكالية التي تواجهنا، وسندع الإجابة عنها الى ما سيأتينا من جلسات..

اخيراً تعرض الدرس الى جملة من العلاقات الرياضية لتحديد القراءة الاشارية والتفسيرية وعلاقتهما بالنص والقبليات..

للتنزيل اضغط هنا

comments powered by Disqus