-
ع
+

درس الفهم الخامس: قراءة النص ومرحلة الاشارة

الاسس المنطقية للفهم الديني (5)

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ

خلاصة الدرس

موقف علماء التراث من قراءة النص الديني

لقد حددنا خلال الدرس السابق فقرات ثلاث حول موقف المفسرين وعلماء التراث من قراءة النص الديني، ويمكن ان نضيف اليها فقرتين اخريين فتكون الفقرات خمس كالتالي:

1-  يتألف النص من عنصرين لا غير، هما اللفظ والسياق.

2-  وفقاً للفقرة السابقة فانه ليس للنص ظهور غير الظهور اللفظي المتعارف عليه.

3-  كما وفقاً للفقرة الاولى فان هناك نوعين من القراءة فقط هما القراءة التي تأخذ بالظهور اللفظي او تلك التي تأخذ بخلافه، والأولى تسمى عادة بالتفسير، والاخرى بالتأويل.

4-  لقد اعتاد علماء التراث على اعتبار القراءة ذات مستوى واحد فقط لا غير.

5-  ان القراءة لديهم يمكن ان تستقل مبدئياً عن القبليات المعرفية.

***

هذا ما يتعلق بموقف علماء التراث من قراءة النص الديني، لكننا سنتوصل خلال هذه الجلسة وما بعدها الى نتائج مغايرة لتلك الفقرات، وهي من حيث الاجمال كالتالي:

1-        يتشكل النص من ثلاثة عناصر لا عنصرين، وهي: اللفظ والسياق والمجال.

2-        وفقاً للفقرة السابقة فان للنص ظهوراً اخر غير الظهور اللفظي، وهو ما سميناه الظهور المجالي.

3-        كما وفقاً للفقرة الاولى فان هناك ثلاثة انواع من القراءة لا نوعين، وهي كل من: القراءة الاستظهارية والتأويلية والاستبطانية (الرمزية).

4-        يوجد مستويان للقراءة بدل المستوى الواحد. وقد اطلقنا على الاول (الاشارة)، وعلى الثاني (التفسير).

5-        لا يمكن فصل القراءة عن القبليات المعرفية مطلقاً، الامر الذي سنتناوله بالتفصيل خلال الجلسات القادمة.

 

عناصر النص

 

الظهور اللفظي: ويعرف بانه حمل اللفظ على الحقيقة وعلامتها التبادر.

 

اسباب التبادر ونسبيته:

يتأثر الظهور اللفظي، او التبادر، بأسباب عديدة، فقد يكون مرده الى الاعتبارات الشخصية الذاتية، كما قد يكون مرده الى سلطة الدوائر المعرفية ونظمها القبلية؛ كالمعنى الذي يتبادر للمتأثرين بالاجواء الفلسفية التقليدية من لفظ النص الديني، ومثلهم المتأثرين بالاجواء العلمية الطبيعية حالياً، او يكون مرده الى الوضع الشرعي كما في لفظة الصلاة، او الى الضرورات الحسية، او الى كثرة الاستخدام والعرف كالذي يركز عليه البيانيون، وبالتالي قد يختلف التبادر من عرف لآخر، او من مكان لآخر ومن زمن لآخر، ومن ذلك ان لفظ (التقاطع) في بلاد المغرب – اليوم - له ظهور دال على الاتفاق، في حين انه في المشرق له ظهور دال على التعارض، وهو الموافق للمعاجم اللغوية.

الملاحظات

اولاً

-             في النص ان ما يحدد معنى اللفظ هو السياق.

-             قد يكون الظهور او التبادر من المجاز لا الحقيقة اللفظية. فالحقيقة لا تساوق الظهور، وان احدهما لا يدل على الاخر، فاحدهما لا يعبر عن الاخر، فقد تتدخل عوامل عديدة تجعل من المجاز هو المتبادر لا الحقيقة اللفظية، كما هو الحال في تأثير القرائن الحسية وما اليها على المتبادر من النص كما في قوله تعالى:

((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا)) ((وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً)) ((فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ))

ثانياً

يمكن المقارنة بين الالفاظ والسياق ثبوتاً واثباتاً، او على الصعيد الثبوتي والمعرفي. فمن حيث المعرفة ان السياق هو الذي يحدد معنى الالفاظ، واي تغير في السياق ولو كان طفيفاً فانه يغير المعنى.. فمثلاً قولنا: (زيد كالأسد) وقولنا: (كأن زيداً الاسد)

فرغم ان كلا القولين دالان على التشبيه، لكن في القول الثاني هناك زيادة في المعنى على القول الاول؛ وهي انه دال على «فرط شجاعته وقوة قلبه، وانه لا يروعه شيء، بحيث لا يتميز عن الاسد، ولا يقصر عنه، حتى يتوهم انه اسد في صورة ادمي».

ثالثاً

يتحدد المعنى اللفظي او الحقيقة بتجلياتها المختلفة الحسية والمعنوية، وكذا روح المعنى العام الشامل لما هو حسي وغير حسي. وبفعل السياق والقبليات يتم تخصيص الظهور للمعنى المشترك العام للفظ.

مثال اليد:

المعنى العام لليد: عضو حي يستخدم في الامساك والصنع والتكوين.

المعنى المشخص: كإن تكون هذه اليد الجارحة..

رابعاً

في النص كثيراً ما نلجأ الى اعتبار بعض الالفاظ انها مجازية دون البعض الاخر، لكن كيف يتم اختيارنا وانتقاؤنا لذلك؟

ان خياراتنا لمعان دون اخرى يتم لاسباب مختلفة ابرزها ما تفعله القبليات خاصة تلك المتعلقة بالقرائن الاحتمالية والاتساق والمعقولية ضمن نظام ما نطلق عليه (نظام التوليد اللاشعوري)..

فمثلاً نلاحظ في الاية الكريمة: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) انه لا يمكننا حمل ما ورد فيها على الحقيقة المشخصة، بل اننا سنضطر الى ترجيح احد خيارات ثلاثة معقولة، منها خياران يقبل كل منهما الحمل على المجاز او التأويل، حيث إما ان يكون المجاز والتأويل متعلقاً بالماء، فيكون المعنى ان الماء الذي خلق الله منه كل شيء حي هو عنصر اخر غير هذا الماء الطبيعي، كإن يكون المقصود منه الوجود او مرتبة عليا من المراتب الوجودية، اذ من المستبعد ان يكون الجن وكذا الملائكة مخلوقين من هذا الماء الطبيعي. او يكون المجاز والتأويل متعلقاً بلفظة (كل شيء حي)، حيث تُحمل على كل الاشياء الحية الطبيعية دون غيرها من الكائنات الاخرى، كالجن والملائكة وما اليها. كما هناك خيار ثالث، وهو حمل الماء على روح المعنى العام ثم تشخيصه بغير المعنى الحسي، فهو ليس هذا الماء الطبيعي الذي تقوم به حياتنا، بل يمكن ان يُحمل على الماء الصوري الذي يسري في كل شيء سريان الماء او الروح في الاجسام، كالذي ذهب اليه بعض العرفاء. ولا شك ان جميع هذه الخيارات مبررة تبعاً للقبليات المعرفية كما هو واضح.

خامساً

للنص ظهوران: لفظي ومجالي..

المجال: وهو محور نصي مجمل يدركه كل من اراد فهم النص سواء استطاع تحديد القراءة او المعنى ام لم يستطع. فهو عنوان عام للنص..

ويعبر الظهور المجالي عن الادراك المجمل للكل، وهو يسبق ادراك الاجزاء والتفاصيل والدلالات اللفظية. فحضور المجال شرط لتحديد هذه الدلالات.. والمجال هو مجمل حتى بالنسبة للاشارة التي هي مجملة مقارنة بالتفسير..

سادساً

للمجال ظهور بحسب الحقيقة وكذلك المجاز. ففي حالة المجال المجازي نجد بعض الاشارات التي توحي ان المقصود من النص يراد منه المعنى الباطني فيكون النص بذلك رمزاً لمعنى اخر بعيد عن مجال الظاهر اللفظي.. وهو ما نسميه بالظهور الرمزي والمجالي. وهذا المجال الظاهر يقع على الضد من المجال الاخر التأويلي او الباطني كما يمارسه الباطنية والعرفاء..

فمثلاً على المجال الباطني جاء في معنى الاية: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)) هو ان الوالدين هما العقل والطبيعة، وان البيت هو القلب، وان المؤمنين والمؤمنات هم العقول والنفوس. كذلك الاية ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) حيث جاء ان معنى (البر والبحر) يشير الى الادراكات الحسية والعقلية، وان (الطيبات) هي العلوم اليقينية، كما ان تكريم الانسان يشير الى ما خص الله تعالى الانسان بالنفس الناطقة.

وفي القصص القرآني يعد يوسف مثلاً عبارة عن النفس المؤمنة، وان اباه يعقوب هو العقل، واخوته هم النفس الامارة واللوامة، وان امرأة العزيز هي النفس الكلية وهكذا..

سابعاً

نستنتج مما سبق ان في النص:

لفظ وسياق ومجال..

وان اللفظ له ثلاثة معان: ظاهر ومأول ورمزي

وان للمعنى الظاهر اربعة انماط هي:

1ــ نمط المعنى المشترك العام للحقيقة اللفظية. ونطلق عليه الظهور الحقيقي العام، مثل المعنى العام للفظ (الميزان).

2ــ نمط المعنى الخاص للحقيقة اللفظية. ونطلق عليه الظهور الحقيقي الخاص، مثل المعنى الخاص للفظ (الميزان).

3ــ نمط المجاز الظاهر، او الظهور المجازي، مثل المعنى المجازي الظاهر للفظ (القرية) في قوله تعالى: ((واسأل القرية التي كنّا فيها)).

4ــ نمط الرمز الظاهر، او الظهور الرمزي.

وما عدا هذه الانماط فاللفظ لا يفيد الظهور، بل إما يفيد المجاز البعيد (التأويل)، او الرمز البعيد (الباطن).

كذلك فان المجال مقسم الى: ظاهر وباطن

وان المجال الظاهر منقسم الى حقيقي ومجازي..

وان القراءة المنبنية على كل ذلك هي إما قراءة استظهارية او تأويلية او استبطانية.

لكن قبل ان ننهي هذا الدرس نذكّر المستمع بما تسالم عليه علماء التراث من التعامل مع النص وفق العلاقات التالية:

1-  يتألف النص من عنصرين لا غير، هما اللفظ والسياق.

2-  وفقاً للفقرة السابقة فانه ليس للنص ظهور غير الظهور اللفظي المتعارف عليه.

3-  كما وفقاً للفقرة الاولى فان هناك نوعين من القراءة فقط هما القراءة التي تأخذ بالظهور اللفظي او خلافه، اي تلك المسماة بالتفسير والتأويل.

4-  لقد اعتاد علماء التراث على اعتبار القراءة ذات مستوى واحد فقط لا غير.

5-  ان القراءة لديهم يمكن ان تستقل مبدئياً عن القبليات المعرفية.

هذا في حين توصلنا خلال الدرس وما سنقدمه لاحقاً الى نتائج مغايرة لتلك الفقرات، وهي من حيث الاجمال كالتالي:

1-  يتشكل النص من ثلاثة عناصر لا عنصرين، وهي: اللفظ والسياق والمجال.

2-  وفقاً للفقرة السابقة فان للنص ظهوراً اخر غير الظهور اللفظي، وهو ما سميناه الظهور المجالي.

3-  كما وفقاً للفقرة الاولى فان هناك ثلاثة انواع من القراءة لا نوعين، وهي كل من: القراءة الاستظهارية والتأويلية والاستبطانية (الرمزية).

4-  يوجد مستويان للقراءة بدل المستوى الواحد. وقد اطلقنا على الاول (الاشارة)، وعلى الثاني (التفسير).

5-  لا يمكن فصل القراءة عن القبليات المعرفية مطلقاً، الامر الذي سنتناوله بالتفصيل خلال الفصل القادم.

على ذلك يمكن تلخيص خلافنا مع الرؤية التقليدية ازاء النظر الى النص وكيفية التعامل معه عبر الجدول الرياضي التالي:

 

الموقف التراثي 

الرؤية الجديدة 

النص = اللفظ + السياق

النص = اللفظ + السياق + المجال

ظهور النص = الظهور اللفظي

ظهور النص = الظهور اللفظي + الظهور المجالي

انواع القراءة = استظهار + تأويل

انواع القراءة = استظهار + تأويل + استبطان

مستويات القراءة = واحد

مستويات القراءة = اثنان (اشارة + تفسير)

تأثير القبليات المعرفية = 0 أو 1

تأثير القبليات المعرفية = 1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للتنزيل اضغط هنا

comments powered by Disqus