-
ع
+

درس الفلسفة الثالث: نمو الطفل و نشأة الأحكام العقلية

الفلسفة والعلم والمنطق الاستقرائي (3)

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

تناول هذا الدرس موضوع الاحكام العقلية كتكملة لما جاء في الدرس السابق، فقد أتم الحديث عن الاحكام العقلية من حيث المرحلة المنطقية ثم اردفها بالمرحلة الواقعية كما تتمثل بالنمو العقلي للطفل. وقد كانت محاور الدرس كالتالي:

الأحكام العقلية من حيث المنطق والواقع

أ – المرحلة المنطقية:

الأحكام العقلية: تحليلية وتركيبية وإخبارية:

يقسّم الفلاسفة قضايا المعرفة الى قضايا تركيبية وقضايا تحليلية. ويقصدون بالقضايا التركيبية بأنها معارف كاشفة عما يوجد في الواقع الموضوعي، لذا كانت تخبر بشيء جديد؛ بإعتبار ان نتائجها غير منزوعة عن مقدماتها، فيقتضي الإستدلال عليها بطريق الإستقراء.

أما القضايا التحليلية فهي معارف لا تخبر عن الواقع بشيء جديد؛ وذلك لأن نتائجها مستبطنة داخل مقدماتها، أو ان المحمول فيها منتزع من نفس الموضوع.

ويُعد الفيلسوف التجريبي جون لوك اول من فرق بين هذين النوعين من القضايا خلال القرن السابع عشر، فلقّب الأولى بالحقيقية، والثانية بالتافهة. ثم اتبعه في ذلك هيوم ومن بعده عمانوئيل كانت - مع شيء من الاختلاف –  ثم الوضعية المنطقية وغيرهم.

ولو رمزنا إلى القضية التحليلية بـ (ح)، والتكرارية بـ (ت)، والضرورية بـ (ض)، واللا اخبارية بـ (لا)؛ فإن تعبير الفلاسفة عن تلك العلاقات يصبح عادة كالاتي:

ح = ت = ض = لا  

لكن يلاحظ ان المساواة التامة بين هذه القضايا ليس سليماً. صحيح ان القضية التحليلية إذا سلمنا كونها تكرارية - إذ المحمول فيها منتزع عن الموضوع - لا بد ان تكون ضرورية، لكن هذا لا يعني ان القضية الضرورية لا تخبر عن الواقع بشيء، كما لا يعني انه يتحتم عليها ان تكون تكرارية على الدوام، فضلاً عن ان القضية اللا اخبارية هي ليست دائماً تكرارية.

فمن القضايا الضرورية ما تتصف بكونها غير تكرارية ولا إخبارية، مثلما هو الحال مع قسم الرياضيات التطبيقية التي تطوى عادة ضمن القضايا التحليلية رغم ما تتصف به من حالة تركيبية بالنسبة لعلاقة المحمول بالموضوع.

وعلى العموم فإن العلاقات بين القضايا العقلية لا يمكنها ان تكون متساوية؛ بل فيها من الاختلاف ما يمكن توضيحه بالشكل الرمزي التالي:

ض > لا > ت = ح

أي أن القضية الضرورية هي أعم واكبر من القضية اللا اخبارية، وهذه أعم واكبر من التكرارية التي تعبّر عن نفس القضية التحليلية.

ب – المرحلة الواقعية

تبدأ المرحلة الواقعية منذ الطفولة، فتنشأ لدينا بفعل العادة إنطباعات نفسية لمختلف المعارف العقلية والحسية. وتظل هذه المعارف لا تعبّر في هذه المرحلة عن المدركات المنطقية التي تراعى فيها القضية كما هي. فالطفل منّا يولد وهو يرى الأشياء على ما هي عليه، وأنها تتغير نتيجة أسباب معينة، وهذا الحال يطبع في ذهنه – بلا شعور - الإعتقاد بأن كل شيء على حاله ما لم يغيره شيء، وأن كل ما يتغير إنما يتغير طبقاً لسبب.. وبهذا ينشأ الإنطباع النفسي لحالة السببية لدى الطفل. وبه يتضح أن المعارف العقلية تنشأ في البداية على شكل إنطباعات نفسية شبيهة بالمصادرات من وجه، فهي ليست قائمة على الدليل، ولا على الوضوح العقلي وضرورته المنطقية، بل حتى الاستدلال في البداية ينشأ على سبيل الإنطباع والعادة دون الأحكام المنطقية.

إذاً تتصف هذه المرحلة بالمواصفات التالية:

 1ـ تتميز المعرفة في نشأتها الأولى بأنها إنطباعية نفسية لا شعورية، وهي شبيهة بالمصادرات من وجه.

 2ـ إن العوامل التي تجعل من هذه المعرفة إنطباعية؛ هي كل من العادة والتأثير الإجتماعي، ومثله المحفزات الخارجية ذات الأثر الحاد على نفس الإنسان.

 3ـ إن المعرفة الإنطباعية للمبادئ العقلية تأتي متأخرة زماناً عن سائر المعارف المتعلقة بوجود الأشياء.

نظرية التكوين النفسي والبنائي للسويسري جان بياجيه (1896- 1980)

مراحل النمو العقلي للطفل

يمكن اختصار نظرية بياجيه حول مراحل النمو العقلي للطفل بأربع مراحل كالتالي:

0-2: المرحلة الحسية الحركية، وهي مرحلة فعاليات الذات والتمركز حولها، وتتصف بأنها تسبق ظهور اللغة. وفيها ان الطفل يرى العالم فوضوي وان الاشياء منعزلة عن بعضها البعض. كما يدرك الطفل فيها علاقة التأثير والعلية مرتبطة بجسمه وبحركاته التي تؤثر على الأشياء الخارجية او الموضوعات. فما يدركه اولاً هو تأثير حركاته على الأشياء وليس العلية الموضوعية بين الاشياء.

2-7: مرحلة الصور الذهنية وامتثال عالم منظم ذي علاقات مكانية وزمانية وعلّية، وهي مرحلة اعدادية لقيام العمليات العينية التالية.

7-12: مرحلة النماذج العينية، او القدرة على التفكير من خلال النماذج الحسية.

12: مرحلة الصور المجردة، وتمتاز بالقدرة على اجراء عمليتين:

1-     التجرد من الارتباط بالمحسوس.

2-     التفكير بالممكن وليس فقط بما هو واقع.

 

 

للتنزيل اضغط هنا

comments powered by Disqus