-
ع
+

نظرية الإحتمال وفق مذهب المفكر الصدر

يحيى محمد 

على الرغم من وجود الكثير من النظريات والمذاهب التي تناولت قضية الإحتمال بالتفسير، إلا ان المفكر الصدر لم يتناول منها سوى نظريتين محددتين، هما نظرية لابلاس والمذهب المتناهي للنظرية التكرارية، حيث نقدهما معاً واعقبهما بعرض اطروحته الجديدة التي بناها على العلم الإجمالي. والمقصود بالعلم الإجمالي هو علم لا تكون فيه المعرفة محددة، كما أن تقول: ان أخي إما في البيت وإما في المدرسة، فلم تحدد في هذا المثال إن كان اخوك في البيت أو في المدرسة، فعلمك بوجوده يصبح علماً إجمالياً غير محدد.

ومن وجهة نظر المفكر الصدر ينقسم هذا العلم إلى قسمين: أحدهما يقوم على أساس التشابه أو الاشتباه كعلمنا بفقدان كتاب ما لا على التعيين، أو علمنا بأن أحد طلاب الصف غائب من دون ان نعلم بوجه التحديد من هو الغائب بالذات، فهل هو زيد أو عمر أو خالد..؟ والآخر يقوم على أساس التمانع أو التنافي العقلي؛ كعلمنا بأن تلك الكتابة ليست سوداء ولا زرقاء في الوقت نفسه، لعلمنا باستحالة اجتماع المتنافيات حسب شروط التنافي، وكعلمنا بأن وقوع قطعة الزهر على الارض لا يظهر لنا - في الجهة العليا - الآسين ‹‹1›› و‹‹2›› معاً، حيث أطراف هذا العلم متنافية، فظهور الآس ‹‹1›› يتنافى مع ظهور الآس ‹‹2›› أو مع أي آس آخر في قطعة الزهر. أما العلم الإجمالي الأول فلا شك ان أطرافه ليست متنافية، بمعنى ان من الممكن ان يجتمع اثنان منها على الاقل. فمثلاً لو ان بعض الناس اخبرنا بولادة مولود لا نعرف عدده ولا جنسه سوى انه لا يزيد على اثنين؛ فهذا يعني ان من المحتمل ان يجتمع طرفا العلم الإجمالي ويكون المولود عبارة عن اثنين لا واحد. لكن رغم ذلك فإن من الممكن تحويل هذا العلم إلى علم إجمالي متنافي الأطراف، وذلك بتشكيل أطراف محتملة أو ممكنة كالآتي:

1 ـ إحتمال أن يكون المولود ذكراً واحداً.

2 ـ إحتمال أن يكون المولود بنتاً واحدة.

3 ـ إحتمال أن يكون المولود ذكراً وبنتاً.

4 ـ إحتمال أن يكون المولود ذكرين.

5 ـ إحتمال أن يكون المولود بنتين.

هذه خمسة أطراف متنافية للعلم الإجمالي للمولود الذي نجهل عدده وجنسه، حيث يستحيل ان يجتمع طرفان فأكثر من تلك الأطراف معاً.

وبهذا يصبح كلا القسمين السابقين من العلم الإجمالي يتضمن التنافي في الأطراف. وعليه يستخلص المفكر الصدر النقاط الاربع التالية:

1 ـ ان العلم الإجمالي هو علم كلي غير محدد.

2 ـ ان كل طرف من مجموعة الأطراف يحتمل ان يمثل معلوم العلم الإجمالي غير المحدد.

3 ـ ان عدد هذه الأطراف يطابقه مجموعة الإحتمالات الممكنة، وذلك لأن كل طرف يحتمل له أن يمثل معلوم العلم الإجمالي.

4 ـ يستحيل على مجموعة الأطراف أن تجتمع مع بعض، وأن قيمة مجموعة إحتمالاتها لا بد أن تساوي العلم أو اليقين، لا أكبر منه ولا أصغر. فكل إحتمال هو جزء من العلم، ومجموعها لا بد أن يساوي قيمة العلم الثابتة؛ بإعتبارها تمثل جميع الإحتمالات الممكنة. ولهذا فإن التغير الذي يحصل في زيادة الأطراف المتنافية أو نقصانها لا يغير من تلك القيمة، بل يغير من قيم نفس الإحتمالات لدى الأطراف، حيث زيادتها في العدد يخفّض من قيم الإحتمالات التي تمثلها، والعكس بالعكس. لكن يظل مجموع الإحتمالات ثابتاً يعبّر عن رقم اليقين ‹‹واحد››، لا أكبر منه ولا أصغر.

ومن خلال هذه المعلومات وضع المفكر الصدر تعريفين مختلفين للإحتمال، وذلك كالآتي:

التعريف الأول للإحتمال

ان الصيغة الأولى من تعريف المفكر الصدر للإحتمال قد نصّت على ما يلي: ‹‹ان الإحتمال الذي يمكن تحديد قيمته هو دائماً عضو في مجموعة الإحتمالات التي تتمثل في علم من العلوم الإجمالية، وقيمته تساوي دائماً ناتج قسمة رقم اليقين على عدد أعضاء مجموعة الأطراف التي تتمثل في ذلك العلم الإجمالي، فإذا رمزنا إلى كل عضو في مجموعة الإحتمالات بـ (س) والى رقم اليقين بـ (ل) والى عدد أعضاء مجموعة الأطراف بـ (ح) فإن قيمة (س) هي ناتج قسمة (ل) على (ح)، أي ل\ح››.

ويمكن التعبير عن العلاقة الرياضية السابقة كالتالي:

قيمة (س) = ل\ح = 1\ح

وذلك لأن (ل) تمثل اليقين أو العلم الذي هو واحد. والكسر السابق يعتبر رمزاً للإحتمال ذي التصديق الجزئي الذي يمثله (س). ولتوضيح تطبيق هذا التعريف نلاحظ في مثالنا السابق للمولود أن لدينا خمسة أطراف محتملة، كل منها يمكن التعبير عنه بـ (س) الذي يجب أن تكون قيمته تساوي (1\5).

مشاكل التعريف الأول

الملاحظ في التعريف السابق أنه يواجه بعض المشاكل كالآتي:

1 ـ انه لكي يمكن أن نستخرج قيمة (س) لأحد أطراف العلم الإجمالي لا بد من إفتراض ان تكون هذه الأطراف متساوية الإحتمال، وهذا ما يؤدي إلى المصادرة على المطلوب، حيث اننا لا يمكن أن نحدد الإحتمال إلا من خلال معرفتنا السابقة بتساوي إحتمالات الأطراف، ومن ثم فاننا في الواقع نكون قد فسرنا الإحتمال بإحتمال آخر. ولدى المفكر الصدر أكثر من تعبير يدل على هذا المعنى من المصادرة. فهو تارة يعرّف هذا الإحتمال بأنه عبارة عن ‹‹تصديق بدرجة معينة ناقصة من درجات الإحتمال››[1]، وهو تعريف الشيء بنفسه، أي ان الإحتمال هو الإحتمال. كما تارة ثانية يقر بهذا المعنى ضمناً في بعض مصادراته المعلنة. ففي مصادرته الأولى التي أضافها إلى جملة البديهات الست السابقة نصّ على أن العلم الإجمالي ينقسم بالتساوي على أعضاء مجموعة الأطراف التي تتمثل فيه[2]. مع انه لا يفهم من هذا التساوي سوى التساوي في الإحتمال، فنكون قد عرّفنا الإحتمال بإحتمال آخر مفترض. ويؤيد هذا المعنى ما ذكره بصدد تحديد العلم الإجمالي الذي أقام عليه تفسيره للإحتمال، وهو ان لهذا العلم مجموعة إحتمالات يطابق عددها عدد مجموعة أطراف العلم الإجمالي[3]، فلولا إفتراض هذه المجموعة من الإحتمالات وتساويها لما أمكن ان يحدد لنا الإحتمال الذي صاغ تعريفه وتحديده. أي انه عرّف الإحتمال بإحتمال آخر، مثلما فعل لابلاس من قبل.

2 ـ يشترط هذا التعريف ان يكون البسط في إحتمال (س) هو واحد دائماً، مع انه توجد الكثير من الإحتمالات التي لا يعبّر البسط فيها عن ذلك. فمثلاً لو كانت لدينا خمس كرات ثلاث منها سود مع كرتين بيضاويين، واردنا ان نعرف قيمة إحتمال سحب كرة بيضاء واحدة منها - عشوائياً -، فمن الواضح ان النتيجة هي (2\5)، مما يعني ان البسط في إحتمال (س) لا يعبّر عن واحد. ولأجل توضيح ذلك نتبع الطريقة التالية:

توجد لدينا في المثال السابق خمسة أطراف متنافية ومتساوية الإحتمال كما يلي:

1 ـ إحتمال سحب الكرة البيضاء الأولى.

2 ـ إحتمال سحب الكرة البيضاء الثانية.

3 ـ إحتمال سحب الكرة السوداء الأولى.

4 ـ إحتمال سحب الكرة السوداء الثانية.

5 ـ إحتمال سحب الكرة السوداء الثالثة.

من هذه الأطراف الخمسة المتنافية يكون إحتمال سحب الكرة البيضاء الأولى هو (1\5)، وكذا بالنسبة للكرة البيضاء الثانية حيث يساوي إحتمال سحبها (1\5). وفي هذه الحالة ان إحتمال (س) المعبر عن أي كرة بيضاء هو:

 

1\5 + 1\5 = 2\5

 

وقد يقال بأن (س) هنا قد قامت على إحتمالات أخرى يكون البسط فيها مساوياً للواحد. وهو صحيح، لكن إحتمال (س) المحدد في التعريف هو غير تلك الإحتمالات. إضافة إلى أنه في حالات أخرى قد لا يتحقق مثل هذا المضمون. فمثلاً لو كانت هناك حادثة تقع مرتين في كل ثلاث مرات، فإحتمالها يكون (2\3)، مع ان هذا التقدير - إن لم نتكلف في تبريره - لا يرتكز على إحتمال آخر بسطه يعبّر عن الواحد الصحيح، بل ما يبرره هو إفتراض وجود عوامل ثلاثة، اثنان منها لصالح الوقوع وآخر لعدمه.

3 ـ إن التعريف السابق لا يسعه أن يفسر لنا القضايا التي يمكن أن تكون فيها (س) منفية أو مثبتة، أي تلك التي تساوي صفراً أو واحداً، إذ ىيشترط ان تعبر (س) عن التصديق الناقص دائماً.

4 ـ هناك نوع من الإحتمال لا يخضع لتحديد القيمة العددية..

التعريف الثاني للإحتمال

أما التعريف الثاني الذي اقترحه المفكر الصدر فيتحدد بأنه لو تصورنا ان مجموعة أطراف العلم الإجمالي تشتمل على مراكز، بحيث ان كل عضو من هذه الأطراف يحتل مركزاً واحداً منها، فسيكون إحتمال (س) عبارة عن نسبة ما تحتله من مراكز إلى مجموعة أطراف ذلك العلم.

ومن الناحية الرياضية فإن قيمة (س) = ل\ح

حيث (ل) تمثل المراكز التي تحتلها (س)، و(ح) هي مجموعة أطراف العلم الإجمالي.

وبهذا يكون الكسر (ل\ح) رمزاً لنسبة البسط في المقام، وفي الوقت نفسه فإنه يحدد درجة إحتمال (س).

وطبقاً لهذا التعريف إذا أردنا أن نعرف في مثالنا السابق عن المولود قيمة إحتمال ولادة ذكر واحد فقط، فسنرى هناك مركزاً واحداً لصالح هذا الإحتمال من مجموع الأطراف الخمسة، أي أن هذا الإحتمال هو (1\5). ولمعرفة قيمة إحتمال أن يكون المولود ذكراً واحداً على الاقل فسنلاحظ هناك ثلاثة مراكز لصالح هذا الإحتمال، حيث إما أن يكون المولود ذكراً مجرداً أو ذكرين أو ذكراً وبنتاً، فهذه ثلاثة مراكز في مجموع الأطراف الخمسة، مما يعني أن قيمة الإحتمال تصبح (3\5).

ونقطة اختلاف هذا التعريف عن السابق هو انه لا يشترط أن يكون البسط حاملاً لرقم اليقين ‹‹1››، ومن ثم فباستطاعته تفسير القضايا التي يعجز عن تفسيرها التعريف الأول. كما أنه لا يشترط أن تكون (س) تعبّر دائماً عن التصديق الناقص مثلما هو الحال مع ذلك التعريف، إذ يمكن لها ان تحصل على درجة النفي التام (الصفر) أو التصديق الكامل (الواحد).

مشاكل التعريف الثاني

مع ذلك ما زالت هناك بعض الصعوبات التي يواجهها هذا التعريف كما يلي:

1 ـ انه كما في التعريف السابق لكي نحدد قيمة إحتمال (س) لا بد من إفتراض التساوي في إحتمالات الأطراف المتنافية تبعاً لمبدأ عدم التمييز، مما يعني المصادرة على المطلوب. وقد اعترف المفكر الصدر - في بعض المناسبات - بتساوي الإحتمالات كشرط في تعريفه[4].

2 ـ ان تعريف الإحتمال على أساس مفهوم المراكز يعني ذات المفهوم الذي حدد فيه لابلاس نسبة الحالات الملائمة إلى الحالات الممكنة الكلية. فتعريف المراكز يشترط تفصيل العلم الإجمالي إلى ما أمكن من الأطراف المتنافية، وهو تعبير يتفق تماماً مع استخراج الحالات الممكنة الكلية التي يشترطها لابلاس. كما أن القول بالمراكز التي تحتلها (س) بالنسبة إلى مجموع الأطراف يتفق مع مقالة لابلاس في الحالات الملائمة لـ (س) بالنسبة إلى الحالات الممكنة الكلية. وبذلك يتبين وحدة التفسير لدى كل من النظريتين، إذ لا فرق بينهما في طريقة تحديد معنى الإحتمال وقيمته، إضافة إلى ما يصدق عليهما من الوقوع في القبلية نظراً لقيامهما على مبدأ عدم التمييز الذي يفترض التساوي في حالة عدم وجود ما يرجح بعض الإحتمالات على البعض الآخر.

3 ـ ان أي نسبة إحتمالية مقدرة للحادثة يمكن أن تكون نسبة خاطئة إذا ما احتملنا ان تكون الأطراف والمراكز المحددة غير صحيحة، مما يعني ان الإحتمال الذي أسسناه إنما يعتمد على إحتمال قبله. وليس من حل لهذه المعضلة إلا باللجوء إلى إفتراض التقدير، بالمزاوجة بين ما هو عقلي وما هو إستقرائي كما سنرى.

4 ـ يضاف إلى ان هناك من الإحتمالات ما لا تخضع إلى القيم العددية اطلاقاً.

التعريف وبديهات الإحتمال

إن من أبرز العلامات الدالة على حسن التعريف وجودته كونه يتمكن من تفسير أكثر ما يمكن من القضايا الإحتمالية، مع استناده لأقل ما يمكن من المصادرات القبلية المفترضة. وحيث ان للمفكر الصدر صيغتين من التعريف فإنه يحق لنا التساؤل عن أي منهما له مثل تلك القدرة؟

الذي سيتضح لنا هو ان الصيغة الثانية هي وحدها التي لها هذا الامتياز؛ لكونها ابلغ شمولية في التطبيق بالنسبة إلى كل من قضايا الإحتمال والبديهات. واذ تقر الصيغة الثانية بنسبة احتلال (س) من المراكز إلى مجموعة أطراف العلم الإجمالي؛ فإنها تفي بالمطابقة مع جميع بديهيات الإحتمال.

فهناك عدد من البديهيات التي تحتاجها الحسابات الرياضية للقضية الإحتمالية بغض النظر عن التصورات المختلفة حول تفسير الإحتمال، وهي بديهات معطاة بنفس الطريقة من قبل كتّاب مختلفين، لكنها جاءت مختلفة العدد، فبعضهم إعتبرها ثلاثة كما هو الحال مع كرامر Cramer، كما ان بعضاً آخر إعتبرها خمسة مثلما هو الحال مع كولموجوروف Kolmogorov . ومع ان برتراند رسل اجاز اشتقاق القضايا الرياضية من بديهات خمس احصيت من قبل الاستاذ بينو Peano، لكنه مع هذا قام بعرض ما افاده الاستاذ برود من بديهات ست جاء ذكرها في مقال له في مجلة (العقل). والبديهات الست التي نقلها رسل والتي اعتمد عليها المفكر الصدر هي كما يلي[5]:

1 ـ إذا كانت لدينا واقعة نرمز إليها بـ (ل) ونريد ان نعرف إحتمالها (ح) بالقياس مع ظرف معين نرمز إليه بـ (م)، فإن هناك قيمة واحدة فقط للعلاقة (ل\م) تعبر عن الإحتمال (ح).

2 ـ القيم الممكنة لـ (ل\م) هي اعداد تبتدئ من الصفر وحتى الواحد الصحيح، أي أنها تتخذ الصورة الرمزية التالية: 0 ≤ ل\م ≥ 1

3 ـ في حالة كون (م) تستلزم (ل) فان: ل\م = 1 ، حيث يعبر الواحد للدلالة على اليقين.

4 ـ وفي حالة كون (م) تستلزم عدم (ل) فان: ل\م = 0، حيث يعبر الصفر للدلالة على النفي المؤكد أو الاستحالة.

5 ـ إحتمال ظهور كل من (ل) و (ك) معاً يقدر بضربهما سوية، ولنرمز إلى المعية بـ (و)، وذلك كالتالي:

ح(ل و ك) = ل\م × ك\م و ل

او: ح(ل و ك) = ك\م × ل\م و ك

وتسمى هذه البديهة بالاتصال أو الإقتران Conjunctive .

6 ـ إحتمال ظهور (ل) أو (ك) يقدر بجمعهما سوية مع طرح إحتمال ظهورهما معاً كما يلي:

ح(ل، ك) = ل\م + ك\م - ح(ل و ك).

او: ح(ل، ك) = ل\م + ك\م - ل\م × ك\م و ل

وتسمى هذه البديهة بالإنفصال Disjunctive .

فمثلاً على البديهتين الأخيرتين (الاتصال والإنفصال)، لو كان لدينا (26) بطاقة حمراء مع (26) بطاقة سوداء مختلطة، وسحبنا عشوائياً بطاقتين على التوالي، فما هو إحتمال أن تكون كل منهما حمراء كتطبيق لبديهة الاتصال؟

هذا يعني ان المطلوب هو (ل و ك\م)، وان إحتمال البطاقة الأولى حمراء (ل\م) هو (26\52 = 1\2)، وان إحتمال الثانية حمراء على فرض كون الأول حمراء (ك\م و ل) هو (25\51)، حيث إذا ظهرت لنا الأولى حمراء فإن العدد المتبقي للكل هو (51)؛ منها (25) بطاقة حمراء. لذلك فإن إحتمال أن يكون كل منهما حمراء عبارة عن إحتمال أن تكون البطاقة الأولى حمراء مضروبة بإحتمال أن تكون الثانية حمراء على فرض كون الأولى حمراء، أي ان الناتج:

ل و ك\م = 1\2 × 25\51 = 25\102

أما بخصوص بديهة الإنفصال فسيكون المطلوب هو الحصول على بطاقة واحدة حمراء على الاقل من السحب السابق. أي انه عبارة عن إحتمال البطاقة الأولى حمراء مضافاً إليه إحتمال البطاقة الثانية حمراء مطروحاً منهما إحتمال كونهما حمراء معاً. ومن الناحية الرياضية ستكون النتيجة كما يلي:

ل، ك\م = 1\2 + 1\2 - 25\102 = 77\102

***

تلك كانت بديهيات الإحتمال، ويلاحظ ان الصيغة الثانية لتعريف الصدر هي ما تفي بالمطابقة معها، وذلك كما يلي:

البديهة الأولى: ان نسبة المراكز التي تحتلها (س) إلى مجموعة أطراف العلم الإجمالي لا بد أن تكون ذات قيمة واحدة. أي ان هناك قيمة واحدة لـ (ل\ح).

البديهة الثانية: ان تلك النسبة تبتدئ من الصفر إلى الواحد، لأن (س) قد لا تحتل أي مركز فتساوي صفراً، وقد تحتل المراكز جميعاً فتساوي واحداً، كما قد تحتل بعضها فتصبح كسراً يتراوح بين الصفر والواحد.

البديهة الثالثة: إذا استلزمت (س) جميع مراكز أطراف العلم الإجمالي فان: ل\ح = 1.

البديهة الرابعة: إذا كانت (س) تستلزم عدم احتلال أي مركز من تلك المراكز فان: ل\ح = صفر.

البديهة الخامسة: ان إحتمال وجود (ل) و(ك) معاً يساوي عدد ما يشغله كلاهما معاً من المراكز إلى مجموع أطراف العلم الإجمالي. وهو نفس ما تنطق به بديهة الاتصال من أن إحتمال ظهور (ل) و(ك) معاً هو إحتمال (ل) بالنسبة إلى (ح) مضروباً في إحتمال (ك) بالنسبة إلى (ح) و(ل). مما يعني جواز إستنتاج هذه البديهة من التعريف.

فمثلاً إذا كان هناك توأم عبارة عن طفلين نريد التعرف على لون الشعر الذي يحمله كل منهما، فيما لو افترضنا وجود إحتمالين متساويين فقط، أحدهما لصالح السواد، والآخر لصالح الصفار. ففي هذه الحالة يتكون لدينا علمان إجماليان يتوزعان على إمكانات اللون لكل من الطفلين.

فأطراف العلم الإجمالي الخاصة بالطفل الأول هي:

1 ـ ظهور صفة سواد الشعر.

2 ـ ظهور صفة صفار الشعر.

ونفس الحال مع أطراف العلم الإجمالي الخاصة بالطفل الثاني:

1 ـ ظهور صفة سواد الشعر.

2 ـ ظهور صفة صفار الشعر.

ولو أردنا أن نعرف قيمة إحتمال ظهور صفة سواد الشعر لكل منهما؛ ففي هذه الحالة يتكون لدينا علم إجمالي آخر يشتق من العلمين الإجماليين السابقين، و أطرافه تتحدد كالآتي:

1 ـ ظهور صفة سواد الشعر للطفلين معاً.

2 ـ ظهور صفة صفار الشعر للطفلين معاً.

3 ـ ظهور صفة سواد الشعر للطفل الأول وصفاره للطفل الثاني.

4 ـ ظهور صفة صفار الشعر للطفل الأول وسواده للثاني.

هذه أربعة أطراف متساوية القيمة الإحتمالية، أي أن كلاً منها له قيمة تقدر بـ (1\4). وحيث أن قيمة إحتمال ظهور صفة سواد الشعر للطفلين معاً تشغل مركزاً واحداً من بين المراكز الأربعة؛ لذا فإنها تساوي (1\4)، وهي نفس القيمة التي تحددها بديهة الاتصال.

ولو أضفنا صفتين اخريتين هما الذكورة والانوثة، ولنفترض أن جميع الصفات الاربع السابقة متساوية الإحتمال، ففي هذه الحالة سيتولد لدينا علمان إجماليان، أحدهما يخص الطفل الأول، والآخر يخص الطفل الثاني، وذلك كالآتي:

1 ـ ظهور صفتي الذكورة وسواد الشعر (أ).

2 ـ ظهور صفتي الذكورة وصفار الشعر (ب).

3 ـ ظهور صفتي الانوثة وسواد الشعر (ج).

4 ـ ظهور صفتي الانوثة وصفار الشعر (د).

أما أطراف العلم الإجمالي الخاصة بالطفل الثاني فهي تتحدد أيضاً بمثل ما تحددت به أطراف العلم الأول، أي كالتالي:

1 ـ ظهور صفتي الذكورة وسواد الشعر (أَ).

2 ـ ظهور صفتي الذكورة وصفار الشعر (بَ).

3 ـ ظهور صفتي الانوثة وسواد الشعر (جَ).

4 ـ ظهور صفتي الانوثة وصفار الشعر (دَ).

ومن هذين العلمين الإجماليين يمكن ايجاد علم إجمالي ثالث يحدد جميع الأطراف الممكنة كالآتي:

1 ـ اجتماع (أ) و(أَ).

2 ـ اجتماع (أ) و(بَ).

3 ـ اجتماع (أ) و(جَ).

4 ـ اجتماع (أ) و(دَ).

5 ـ اجتماع (ب) و(أَ).

6 ـ اجتماع (ب) و(بَ).

7 ـ اجتماع (ب) و(جَ).

8 ـ اجتماع (ب) و(دَ).

9 ـ اجتماع (ج) و(أَ).

10 ـ اجتماع (ج) و(بَ).

11 ـ اجتماع (ج) و(جَ).

12 ـ اجتماع (ج) و(دَ).

13ـ اجنماع (د) و(أَ).

14 ـ اجتماع (د) و(بَ).

15 ـ اجتماع (د) و(جَ).

16 ـ اجتماع (د) و(دَ).

فاذا كنا نريد أن نعرف قيمة إحتمال أن يكون الطفلان ذكرين ولكل منهما صفة سواد الشعر؛ فسنجد ان هناك مركزاً واحداً فقط من بين جميع مراكز العلم الإجمالي الذي يضم ستة عشر طرفاً معلوماً. وعليه فإن قيمة ذلك الإحتمال الذي يمثل اجتماع (أ) و(أَ) هو (1\16).

وهذه القيمة هي نفس ما تحددها بديهة الاتصال، إذ هي تقرر أن هذا الإحتمال يساوي:

1\4 × 1\4 = 1\16

البديهة السادسة: تعني بديهة الإنفصال أن إحتمال ظهور (ل) أو (ك) بالنسبة إلى (ح) هو إحتمال (ل) بالنسبة إلى (ح) يضاف إليه إحتمال (ك) بالنسبة إلى (ح) مطروحاً منه إحتمال (ل) و(ك) معاً.

فعلى نفس المثال االسابق إذا أردنا أن نعرف قيمة إحتمال وقوع (أ) أو (أَ) - أي واحد منهما على الاقل - فلا بد أن نجمع مراكزهما من المجموع الكلي، وسنجد أنهما يحتلان سبعة مراكز فقط، هي الأطراف الخمسة الأولى والطرف التاسع والثالث عشر، فتصبح القيمة مساوية لـ (7\16). وهذه النتيجة مماثلة لما تقدره بديهة الإنفصال كالآتي:

 

ح (أ، أَ) = 1\4 + 1\4 - (1\4 × 1\4) = 1\2 - 1\16 = 7\16

 

وبهذا يتضح ان التعريف بالصيغة الثانية يمكنه أن يفسر لنا البديهات السابقة.

أما التعريف بالصيغة الأولى فيواجه على ما عرفنا نقصين: أحدهما أنه لا يمكنه تفسير القضايا المثبتة والمنفية؛ بإعتباره يعبّر عن تصديق ناقص دائماً، وهو في هذه الحالة لا يحتاج إلى البديهتين الثالثة والرابعة.

أما النقص الآخر فهو انه لا يفسر بديهتي الاتصال والإنفصال، وذلك لأن القيم التي تظهر منهما قد تتضمن بسطاً لا يحمل العدد ‹‹1››.

وبهذا تكون الصيغة الثانية مفضلة على الأولى لسببين:

 الأول: كونها أكثر شمولاً بالتطبيق على القضايا الإحتمالية.

الثاني: باستطاعتها تفسير ما لا تفسره الصيغة الأولى.

نظرية العلم الإجمالي وحسابات الإحتمال

من الواضح ان التعريف الذي يفسر بديهتي الاتصال والإنفصال يمكنه ان يفسر كل ما يستنتج منهما من متباينات حسابية. واذا نظرنا إلى صيغتي تعريف نظرية العلم الإجمالي، فسنجد ان الصيغة الثانية تنفرد بقدرتها على التفسير، لكونها استطاعت ان تغطي تفسير ما تتضمنه البديهتين السابقتين. ويمكن تطبيق ذلك على بعض المتباينات، مثل علاقة بايس، من خلال استعراض بعض الأمثلة كالتي وظفها المفكر الصدر للتوضيح:

فاذا كانت لدينا ثلاث حقائب (أ، ب، ج)، كل منها تحتوي على خمس كرات؛ بعضها بيضاء اللون وبعضها الآخر سوداء. ولنفترض أن في الحقيبة (أ) ثلاث كرات بيض، وفي الحقيبة (ب) أربع كرات بيض، وانه لا يوجد في الحقيبة (ج) أي كرة سوداء، أي جميع ما فيها كرات بيض. ففي هذه الحالة لو اننا اخترنا عشوائياً إحدى تلك الحقائب واستخرجنا منها ثلاث كرات فصادف انها بيض كلها، فسوف يمكن أن نحدد قيمة إحتمال أن تحظى كل حقيبة بأن تكون هي التي اخترناها للسحب، وذلك عن طريق علاقة بايس. فمثلاً إذا اردنا ان نعين قيمة إحتمال أن تكون الحقيبة (ج) هي التي اخترناها للسحب فعلينا ان نتبع الطريقة التالية:

اذا كانت (ح) تعبر عن الإحتمال، ورمزنا إلى سحب تلك الكرات من الحقيبة (أ) بـ (س) على تقدير هذه الحقيبة، والى سحب الكرات من (ب) بـ (ص) على تقدير (ب)، والى سحب الكرات من (ج) بـ (ع) على تقدير (ج)، فإن بإمكان علاقة بايس تحديد القيمة كالتالي:

 

                           ح(ج × ع)

ح(ج) = ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

          ح(ج × ع) + ح(أ × س) + ح(ب × ص)

 

ومن المعلوم ان سحب الكرات من الحقيبة (أ) له حالة واحدة، حيث توجد فيها ثلاث كرات بيض فقط، وعليه ان السحب يستوعبها جميعاً. أما السحب من الحقيبة (ب) فله أربع حالات، إذ لما كانت تضم أربع كرات بيض، فسحب ثلاث منها إما ان ينال الأولى والثانية والثالثة، أو الأولى والثانية والرابعة، أو الأولى والثالثة والرابعة، أو الثانية والثالثة والرابعة. والسحب من الحقيبة (ج) له عشر حالات، لأنها تضم خمس كرات بيض، فهو إما أن ينال الأولى والثانية والثالثة، أو الأولى والثانية والرابعة، أو الأولى والثانية والخامسة، أو الأولى والثالثة والرابعة، أو الأولى والثالثة والخامسة، أو الأولى والرابعة والخامسة، أو الثانية والثالثة والرابعة، أو الثانية والثالثة والخامسة، أو الثانية والرابعة والخامسة، أو الثالثة والرابعة والخامسة[6].

وبهذا يمكن أن نحدد قيمة إحتمال أن تكون (ج) هي التي اخترناها من بين الحقائب كما يلي:

1\3 × 10\10

ح(ج) = ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       1\3 × 10\10 + 1\3 × 1\10 + 1\3 × 4\10

 

ح(ج) = 10\15 = 2\3

وقد فسر المفكر الصدر هذا المثال بالطريقة التالية:

ان عدد حالات السحب للحقائب الثلاث هي (15) حالة، حيث هناك حالة واحدة للسحب بالنسبة للحقيبة (أ)، وأربع حالات بالنسبة للحقيبة (ب)، وعشر حالات بالنسبة للحقيبة (ج). ولما كنا نعلم إجمالاً بأن حالة واحدة فقط من تلك الحالات هي التي تمثل معلوم العلم الإجمالي، فهذا يعني ان هناك خمسة عشر طرفاً محتملاً، وان (أ) تحتل مركزاً واحداً من هذه الأطراف، بينما تحتل (ب) أربعة مراكز، وتحتل (ج) عشرة مراكز، لذا فإن قيمة إحتمال أن تكون (أ) هي التي سحبنا منها الكرات الثلاث البيض هي (1\15)، وقيمة إحتمال (ب) هي (4\15)، وقيمة إحتمال (ج) هي (10\15) أو (2\3).

وهذه النتيجة تطابق أيضاً ما حدده لابلاس في تعيين أكبر الإحتمالات الممكنة من خلال علاقته القائلة: (م+1\ن+1).

اي ان إحتمال (ج) = 4\6 = 2\3 .

وقد إعتبر المفكر الصدر ان القيمة الإحتمالية لسحب كرة أخرى بيضاء هي كما تحددها علاقة لابلاس القائلة: (م+1\م+2)، حيث بالتعويض ان القيمة تساوي (4\5). واكتفى في تفسير ذلك بقوله: ‹‹لما كانت الحقيبة تحتوي بعد سحب ثلاث كرات منها على كرتين، وكان من المحتمل ان نسحب اياً منهما فهناك إحتمالان، إذا ضربناهما في الحالات الخمس عشرة المتقدمة تكون لدينا علم إجمالي تشتمل مجموعة أطرافه على ثلاثين عضواً، وكون الكرة التالية بيضاء يحتل 24 مركزاً في تلك المجموعة، وهذا يعني ان إحتمال ذلك يساوي 24\30 = 4\5››[7].

البديهات المضافة للتعريف

فيما مضى مرت علينا إحدى البديهات التي أضافها المفكر الصدر لتعريفه، وقد خصها للصيغة الأولى منه فقط، وهي تقر بانقسام العلم الإجمالي بالتساوي على كافة مجموعة الأطراف. أما البديهة الثانية فتتعلق بتحديد أطراف العلم الإجمالي كي لا يتسرب ضمنها عضو غريب من الخارج. ولتوضيح ذلك نفترض أن عالماً للاثار عثر على ثلاث حفريات، واحدة منها نباتية، واخرى حيوانية فقرية، والثالثة حيوانية لا فقرية، فإذا علمنا إجمالاً أن واحدة من هذه الحفريات كانت غريبة الطور، فما هو إحتمال أن تكون هذه الحفرية هي النباتية منها؟

طبيعي أن إحتمالها - فيما لو لم تكن لدينا أي معلومات أخرى مسبقة - يساوي (1\3). إلا أن من الممكن أن نغير هذه القيمة وذلك بعد تغيير مجموعة الأطراف الممكنة. فمثلاً إذا إعتبرنا هذه الأطراف تتمثل في طرفين فقط، هما حفرية النبات وحفرية الحيوان - سواء كان فقرياً أو غير فقري - فإن القيمة الإحتمالية للحفرية الأولى ستكون (1\2) بعد ان كانت (1\3).

والملاحظ أن سبب الخطأ في النتيجة الأخيرة يعود إلى أننا لم نقسم الحفرية بما أمكن لها من التقسيم الأصلي. فكل تقسيم أصلي ممكن لا بد من اجرائه في أي طرف كان، حتى لو لم يوازه تقسيم آخر لبقية الأطراف الأخرى في العلم الإجمالي، إلا في حالة وجود تقسيمات متناظرة لكافة الأطراف، حيث يمكن اهمال التقسيم لكل منها. أما إذا لم يكن التقسيم أصلياً فلا يجوز أن تُضم اعضاؤه المنقسمة إلى مجموعة أطراف العلم الإجمالي.

فمثلاً يمكن أن نقسم الحفرية الفقرية من حيث انتسابها النوعي، إذ قد ترجع إلى الكلب أو الحصان أو القرد... الخ. وهذا التقسيم الفرعي لا يزيد من عضوية تلك الحفرية في مجموعة الأطراف الثلاثة، إذ لا تأثير له على جنس الحفرية التي نريد تحديد إحتمالها؛ فيما لو لم تكن لدينا أي معلومات مسبقة سوى ما حددناه آنفاً.

وعليه تتقرر البديهة الثانية على الشكل التالي: لا بد أن تكون أطراف العلم الإجمالي عبارة عن أقسام أصلية لا فرعية، ولا يجوز اهمال أي تقسيم أصلي ما لم يناظره اهمال لبقية الأطراف جميعاً[8]. وهذه البديهة تشابه المصادرة التي وضعها كينز ليتجنب التناقضات التي لحقت بمبدأ عدم التمييز كالذي واجهته نظرية لابلاس التقليدية.

التعريف وبديهة الحكومة

هناك بديهة ثالثة أضافها المفكر الصدر إلى تعريفه وأطلق عليها (الحكومة). حيث انها تحدد لنا بعض الحالات التي لا يصح فيها الضرب بين العلوم الإجمالية. إذ تفترض أن يكون هناك تعارض بين بعض القيم الإحتمالية لأحد تلك العلوم مع بعض قيم أي علم آخر. لكن لما كان الضرب يصح حتى في حالات تعارض بعض القيم الإحتمالية بين علم وآخر؛ لذا لا بد من تحديد مجال الوظيفة التي يصح ان تعمل في نطاقه تلك البديهة. ولأجل التمييز بين الضرب والحكومة فقد قام الصدر بالتمثيل على كل منهما كالآتي:

في حالة الضرب إذا كان لدينا علمان إجماليان، وكان لكل منهما بعض القيم الإحتمالية التي تتنافى مع الآخر، فإنه بعملية الضرب سيتكون لدينا علم إجمالي ثالث يحتوي على أطراف؛ بعضها يملك قيماً إحتمالية تختلف عما كانت في حالة العلمين الإجماليين المنفصلين. فإذا فرضنا أننا رمينا قطعتين للنقد والزهر فسيتكون لدينا علمان إجماليان كل منهما يحدد قيمة إحتمال ظهور أي عضو من اعضائه العائدة اليه. لكن لنفترض أن وقوع وجه الصورة من قطعة النقد لا يمكنه أن يظهر إلا مقترناً مع الآس ‹‹1›› من الزهر، ففي هذه الحالة ستتغير قيمة إحتمال كل منهما عن قيمتيهما الاصليتين، وهما النصف لوجه الصورة، والسدس للآس ‹‹1››. إذ ستكون أطراف العلم الإجمالي الثالث كالتالي:

1 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹1››.

2 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹2››.

3 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹3››.

4 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹4››.

5 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹5››.

6 ـ ظهور وجه الكتابة مع الاس ‹‹6››.

7 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹1››.

8 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹2››.

9 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹3››.

0 1 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹4››.

1 1 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹5››.

2 1 ـ ظهور وجه الصورة مع الاس ‹‹6››.

لكن حسب الفرض السابق القائل بأن الصورة لا تظهر إلا مقترنة مع الاس ‹‹1››؛ فإن إقترانهما مع الاسات: ‹‹2›› و‹‹3›› و‹‹4›› و‹‹5›› و‹‹6›› غير ممكن لذلك الإعتبار، ومن ثم تصبح مجموعة الأطراف الكلية عبارة عن سبعة. وتكون قيمة إحتمال وجه الصورة (1\7)، مما يعني انها قد انخفضت عن قيمتها الاصلية وهي النصف. كذلك ستصبح قيمة إحتمال ظهور الاس ‹‹1›› مساوية لـ (2\7)، أي انها ارتفعت عما كانت عليه في العلم الإجمالي السابق؛ حيث كانت تُقدر بـ (1\6). وكذا الحال مع بقية الأطراف الأخرى، حيث كل منها لا بد أن يتغير عما كان عليه بسبب عملية التنافي في بعض القيم الإحتمالية بين العلمين الإجماليين[9].

بيد انه في حالات معينة يتوفر فيها وجود تعارض بين بعض القيم الإحتمالية لاطراف علم إجمالي وبين قيم أطراف علم آخر؛ إلا انها مع ذلك لا تخضع لتطبيق عملية الضرب، حيث ان أحد العلمين له خاصية التحكم بالعلم الآخر، الأمر الذي تثبت به القيم الإحتمالية لاطراف العلم الآخر من دون زيادة ولا نقصان، وهو المعني بقاعدة الحكومة.

فمثلاً إذا كان لدينا كروموسومان (ن) و(م)، ونعلم ان الكروموسوم (ن) يضم عشرة جينات مختلفة، وقد تعرض لطفرة فقدَ على اثرها أحد هذه الجينات، ولنفترض اننا لم نستطع تحديد وترجيح هوية هذا الجين المفقود، مما يعني ان الجينات (أ) و(ب) و(ج).. الخ؛ كلها متساوية الإحتمال، حيث ان أي واحد منها يحتمل له ان يكون هو المفقود بقيمة قدرها (1\10). إلا ان هذه الصورة سوف تتغير فيما لو شككنا في عدد تلك الجينات؛ فهل هي عشرة كما كنا نعتقد سابقاً، أو انها تزيد على ذلك بجين واحد - نرمز إليه (هـ) - ترددنا بوجوده في (ن) أو (م) بقيمة إحتمالية متساوية، أي ان قيمة إحتمال وجوده في أي واحد منهما هي (1\2). وبطبيعة الحال لو كنا نعلم يقيناً بوجود (هـ) في (ن) لكان إحتمال أن يكون هو الجين المفقود يساوي (1\11). أما ونحن نشك بوجوده في (ن) فلا بد ان يتكون لدينا علم إجمالي جديد، فيصبح هناك علمان إجماليان، أولهما يتعلق بفقدان أحد الجينات من الكروموسوم (ن)، والآخر يتعلق بوجود (هـ) في (ن) أو (م). وواضح أن هناك تعارضاً بين قيمة إحتمال وجود (هـ) في (م) وبين قيمة إحتمال أن يكون (هـ) هو المفقود في الكروموسوم (ن).

وإذا ما علمنا بإحتمال كبير أن يكون الجين (هـ) في (م)؛ فإن ذلك سيؤدي إلى خفض إحتمال وجوده في (ن)، وبالتالي يتضاءل - كثيراً - إحتمال كونه هو المفقود.

لكن هل من الجائز أن نعكس هذه الصورة فنعتبر انخفاض القيمة الإحتمالية لفقدان الجين (هـ) من (ن) هو السبب في رفع القيمة الإحتمالية لوجود (هـ) في (م)؟

على رأي المفكر الصدر أن هذه الصورة غير جائزة، والسبب في ذلك هو أن القيمة الإحتمالية لفقدان (هـ) من (ن) تعتمد بالأساس على القيمة الإحتمالية لوجوده في (م). وهذا يعني أن القيمة الأخيرة هي التي تتحكم في القيمة الأولى. وحيث أن التحكم والتأثير من جهة واحدة فلا موضع للضرب بين العلمين الإجماليين السابقين.

هكذا فإن المقصود من بديهة الحكومة هو أنها تعني وجود قيمتين إحتماليتين راجعتين إلى علمين إجماليين، وقد تأثرت إحداهما بالأخرى دون العكس، مما يمنع استخدام الضرب في العلمين المحددين لهما.

وعليه يصبح تعريف بديهة الحكومة كالتالي: ‹‹اذا وجدت قيمتان إحتماليتان مستمدتان من علمين إجماليين إحداهما مثبتة لقضية ما والأخرى نافية لها، وكانت إحدى القيمتين الإحتماليتين في إثباتها أو نفيها للقضية تنفي طرفية تلك القضية للعلم الإجمالي الآخر دون العكس؛ فهي حاكمة على الأخرى، ولا تصلح الأخرى للتعارض معها، وبالتالي لا مبرر لضرب أحد العلمين بالأخر وتكوين علم إجمالي ثالث››[10].

والميزة الأساسية في هذه البديهة هي أنها تمنع من حدوث الضرب بين العلمين الإجماليين، أو بين قيم أحد العلمين مع قيم العلم الآخر. لكن قبل مناقشة هذه المسألة لا بد من ذكر الحالات التي تصدق عليها، فعلى رأي المفكر الصدر أن هناك حالتين يمكن أن تكونا مصداقاً لها، وهما كالآتي:

الأولى: هي فيما لو كان لدينا علم إجمالي أول، كالعلم الإجمالي لفقدان جين ما، وكان هذا العلم يتصف بصفة معينة كصفة وجود جينات في (ن)، وكانت هذه الصفة تصدق على طرف مع الشك في الطرف الآخر - أي أنها لازمة أعم للطرف الأول -، كإن نعلم أنها تصدق على عشرة جينات محددة ونشك في صدقها على الجين (هـ). ففي هذه الحالة ان أي عامل يضعف أو يقوي من قيمة إحتمال اتصاف الطرف الآخر - الجين (هـ) - بتلك الصفة - وهي صفة الوجود في (ن) - فإنها تعتبر حاكمة على القيمة الإحتمالية التي تؤيد طرفيته في العلم الإجمالي الأول.

الثانية: فيما لو كان لدينا علم إجمالي أول لقضية ما يتصف بصفة نحتمل صدقها على أحد طرفين دون ترجيح؛ فإن أي عامل يضعف أو يقوي أحد هذين الطرفين فإنه يعتبر حاكماً له على طرفيته بالنسبة للعلم الإجمالي الأول.

فمثلاً لو ان الكروموسوم (ن) يحمل جيناً واحداً قد فُقد بالطفرة الوراثية، وكنا نتردد ان يكون هذا الجين هو (أ) أو (هـ) من دون ترجيح؛ ففي هذه الحالة ان أي عامل يضعف أو يقوي من قيمة إحتمال أن يكون الجين (هـ) هو الموجود في (ن) فإنه يعتبر حاكماً على القيمة الإحتمالية لفقدانه بالطفرة، أي انه حاكم على طرفيته بالنسبة للعلم الإجمالي الأول[11].

والملاحظ في الحالتين السابقتين انهما يختلفان شكلياً من حيث علاقة القيمة الإحتمالية الحاكمة بالقيمة الإحتمالية المحكومة. ففي الحالة الثانية تكسب القيمة الإحتمالية المحكومة نفس القدر الذي عليه القيمة الحاكمة، بينما في الحالة الأولى ليس الأمر كذلك. لكن في كلا الحالتين نعتقد ان عملية الضرب يمكن تطبيقها على استخراج القيمة الإحتمالية، وهي العملية الخاصة بالقضايا المشروطة. فمثلاً في الحالة الأولى يمكن استخراج قيمة إحتمال أن يكون الجين (هـ) هو المفقود وذلك من خلال ضرب إحتمال كونه في (ن) مع إحتمال كونه هو المفقود على إفتراض انه فيها. فإذا كانت قيمة إحتمال كونه في (ن) تساوي (1\2) فإن قيمة إحتمال أن يكون هو المفقود تساوي:

1\2 × 1\11 = 1\22 = 11\242

أما قيمة إحتمال أي جين من الجينات العشرة الباقية فهي (23,1\242). وتعتبر كل القيم مجموعة متكاملة مساوية للواحد كما هو المفروض.

كذلك يمكن تفسير الحالة الثانية على أساس الضرب. ففي مثالنا السابق لو كانت قيمة إحتمال وجود (هـ) في (ن) هي (3\4)، ففي ضربها بقيمة إحتمال كونه هو المفقود على إفتراض وجوده في (ن)؛ سيكون الناتج نفس القيمة، أي كالتالي:

3\4 × 1 = 3\4

بهذا يثبت لنا أن الحكومة لا تعارض عملية الضرب، ومن ثم فلا حاجة لإفتراضها كمصادرة قبلية للإحتمال. وتأكيداً لهذا الأمر اعترف المفكر الصدر بأن قضايا السببية التي تخضع إلى الحكومة يمكن تفسيرها أيضاً على أساس عملية الضرب، وإن لم يبين هذه الصورة[12]. ولايضاحها يمكن المقارنة بين كلا العمليتين كالآتي:

فيما يخص خضوع السببية إلى الحكومة أوضح المفكر الصدر انه إذا كانت لدينا فئتان إحداهما عبارة عن أطراف لعلم إجمالي خاص بأسباب تستلزم أطراف فئة أخرى؛ فإن القيم الإحتمالية لفئة الاسباب تعتبر حاكمة على القيم الإحتمالية لفئة المسببات.

 فمثلاً إذا كانت لدينا قطعتان من الزهر والنقد، وفرضنا أن الآسات الأربعة الأولى من الزهر لا يظهر أحدها إلا حين وقوع وجه الصورة للنقد - عند رميهما معاً -، كذلك لا يظهر أحد الآسين المتبقيين للزهر إلا مع ظهور وجه الكتابة.. ففي هذه الحالة، رغم أن وجه الصورة يلزم عنه أربع حالات ممكنة لظهور الآسات الأربعة؛ فإن قيمته الإحتمالية لا تتغير، بينما تتغير القيم الإحتمالية للآسات لكونها محكومة بالنسبة إلى قيمتي وجهي النقد الحاكمتين. وعليه ان القيم الإحتمالية للآسات اللازمة لوجه الكتابة هي أكبر من قيم إحتمالات الآسات الأخرى التي تلزم عن وجه الصورة.

ولا شك انه يمكن استخراج القيم الإحتمالية عن طريق عملية الضرب، كما يلي:

لنفترض اننا نريد ان نعرف قيمة إحتمال ظهور الاس ‹‹1›› اللازم عن وجه الصورة، ففي هذه الحالة نستخرج قيمة إحتماله من بين الأربعة آسات الممكنة والمتساوية الإحتمال على إفتراض وقوع حادثة الصورة. أي كالتالي:

1\4 × 1\2 = 1\8

وهذه القيمة تصدق على كل آس من الآسات الأربعة اللازمة عن وقوع حادثة الصورة.

كما أنه يمكن استخراج أي قيمة إحتمالية للآسين ‹‹5›› و‹‹6›› اللازمين عن ظهور وجه الكتابة، وذلك كما يلي:

1\2 × 1\2 = 1\4

ولو جمعنا كافة الإحتمالات الممكنة للآسات لكانت تساوي واحداً كما هو المفروض في مجموعة الإحتمالات المتنافية:

1\8 × 4 + 1\4 × 2 = 1

وبهذا فإن الحكومة في الاسباب والمسببات هي الأخرى لا تستغني عن عملية الضرب.

مهما يكن فإنه بخصوص هذه الحالة من الحكومة وضع المفكر الصدر بديهة أخرى تتعلق بالتمييز بين التقييد المصطنع والتقييد الحقيقي للعلم الإجمالي. فالعلم الإجمالي لفئة المسببات له معلوم كلي مقيد تقييداً حقيقياً، وذلك لأن أطراف هذه الفئة متقيدة بأطراف فئة الاسباب. فمثلاً ان الآس ‹‹1›› مقيد بظهور وجه الصورة حسب مثالنا السابق، والآس ‹‹6›› مقيد بظهور وجه الكتابة. أما العلم الإجمالي لفئة الاسباب فله معلوم كلي مقيد تقييداً مصطنعاً، فهو وإن كان مقيداً بأحد الأطراف الممكنة، إلا انه ليس بلازم عن أي طرف منها على وجه التحديد.

وبهذا يصل المفكر الصدر إلى صياغة البديهة الرابعة كالتالي: ‹‹ان التقييد المصطنع للكلي المعلوم بالعلم الإجمالي في قوة عدم التقييد، والتقييد المصطنع يتمثل في كل قيد لا يحدد من انطباق الشيء المقيد، لأن جميع إحتمالات انطباق الشيء تستلزم أو تستبطن توفر القيد››[13].

التعريف والعلم الإجمالي الشرطي

قسّم المفكر الصدر العلم الإجمالي إلى نوعين، أحدهما حملي كقولنا: إن أحد هذين الإنائين متنجس؛ على إفتراض جهلنا بتحديد المتنجس منهما، والآخر شرطي كقولنا: إذا علمنا بأن الحامض النووي هو RNA ، فلا بد أن يكون إما mRNA أو tRNA أو rRNA .

وفي المثال الأخير الخاص بالعلم الإجمالي الشرطي نلاحظ وجود ثلاثة أطراف شرطية محتملة كالتالي:

1 ـ ان الحامض النووي إذا كان RNA  فهو  mRNA.

2 ـ ان الحامض النووي إذا كان RNA فهو tRNA .

3 ـ ان الحامض النووي إذا كان RNA فهو  rRNA.

وتعبّر هذه الأطراف عن وجود شرط واحد مشترك مع ثلاثة جزاءات، يتحتم أن يكون واحد منها صحيحاً.

ولكن حين نتردد في وجود الشرط بين أن يكون عبارة عن الحامض النووي RNA أو هو DNA ؛ فإن الجزاءات الثلاثة السابقة ستفقد صفة القطع واليقين الخاص بالمجمل الذي يمثل المعلوم الكلي للعلم الإجمالي السابق، إذ يمكن أن تكون جميع الجزاءات غير صادقة في الواقع.

واذا عرفنا يقيناً أن الحامض النووي ليس mRNA ولا tRNA فإن هذا العلم سيصبح مصدر قوة لإحتمال كبير في نفي أن يكون الحامض هو RNA، وبذلك تكبر قيمة إحتمال وجود الحامض DNA، فهي ستكسب الجامع من قيمتي الحامضين المنفيين mRNA و tRNA .

وقد ميّز المفكر الصدر بين هذا العلم الشرطي الذي يتصف بوجود جزاء معين في الواقع لا نعلمه إلا إجمالاً، وبين علم شرطي آخر يتصف بأن جزاءه غير محدد في الواقع. فمثلاً لو كنا نعلم حقيقة وجود ثلاث كرات بيض في حقيبة، ثم طرحنا على أنفسنا هذا السؤال: إذا كان في هذه الحقيبة كرة سوداء فأيّ من تلك الكرات يحتمل لها ان تكون؟ فهذا العلم لا يحدد لنا جزاءاً محدداً للواقع؛ لأننا نعلم مسبقاً بأنه لا توجد كرة سوداء، ومن ثم ليس باستطاعته ان ينمي أي درجة إحتمالية، بخلاف العلم السابق الذي له جزاء محدد في الواقع.

لكن يلاحظ ان المفكر الصدر طبّق هذا العلم الأخير على نوع من الأمثلة الهامة في نظرية الإحتمال فخرج بنتيجة غير متوقعة، إذ ذكر يقول: ‹‹اذا كانت حقيبة (ن) تحتوي على عشر كرات مجهولة اللون مرقمة من (1) إلى (10) قد جمعت دون ان يكون للونها أي إعتبار في جمعها في تلك الحقيبة، وسحبنا منها تسع كرات من (1) إلى (9)، ورأيناها بيضاء، فقد تطبق نظرية الإحتمال بطريقة تؤدي إلى اعطاء إحتمال أن تكون الكرة العاشرة بيضاء قيمة إحتمالية كبيرة على أساس علم إجمالي شرطي، وهو العلم الإجمالي بأن الحقيبة لو كان فيها كرة غير بيضاء لكانت إما الكرة (1) وإما الكرة (2) وإما الكرة (3) وإما.. وإما الكرة (10). وهذا العلم الإجمالي الشرطي يحتوي على عشر قضايا شرطية محتملة، وكلها تشترك في شرط واحد وهو إفتراض ان يكون في الحقيبة كرة واحدة غير بيضاء، وتختلف في الجزاء: فالقضية الشرطية المحتملة الأولى تعين الكرة السوداء المفترضة في الكرة (1)، والقضية الثانية تعينها في الكرة (2)، وهكذا.. ونحن نعلم بأن الجزاء في القضايا الشرطية المحتملة التسع التي ترتبط بالكرة (1) إلى الكرة (9) غير ثابت في الواقع، لأننا رأينا ان الكرات التسع كلها بيضاء، وهذا يعني: ان القيمة الإحتمالية لتلك القضايا الشرطية التسع تبرهن على نفي الشرط بدرجة إحتمال الجامع بين تلك القضايا التسع، لأن الطريق الوحيد للحفاظ على صدق القضية الشرطية التي نعلم ان جزاءها غير ثابت، هو إفتراض ان شرطها غير ثابت. وبهذا يصبح إحتمال أن تكون الكرة العاشرة بيضاء كبيراً نتيجة تجمع القيم الإحتمالية للقضايا الشرطية التسع المحتملة. ان هذا التطبيق يعتبر خطأً، لأنه يحدد قيمة إحتمال بياض الكرة (10) على أساس القيم المستمدة من العلم الإجمالي الشرطي بأنه لو كان في الحقيبة كرة غير بيضاء فهي إما الكرة (1)، وإما الكرة (2)، الخ. وهذا العلم الإجمالي الشرطي يدخل في القسم الثاني، لأن الجزاء فيه غير محدد، فهو لا ينبئ عن واقع وإنما يعبر فقط عن عدم إمكان التناقض في الإفتراضات، فلا يصلح أساساً لتحديد القيمة الإحتمالية››[14] .

والواقع انه لو صدقت النتيجة التي ادلى بها المفكر الصدر لكان يعني انه لا يمكننا مثلاً أن نتنبأ بإحتمال قوي لحدوث النهار في اليوم التالي نتيجة ما كسبناه من مشاهدات سابقة كثيرة، كما لا يمكننا التنبؤ بقيمة عالية أن تكون الكرة المسحوبة الأخيرة بيضاء اللون حين نسحب عشوائياً مليون كرة يظهر جميعها بنفس ذلك اللون. وهو خلاف الوجدان والواقع.

أما سبب الخطأ فهو الظن بأن المثال السابق لا يملك جزاءاً محدداً بالنسبة للعلم الإجمالي الشرطي، مع ان الحقيقة هي انه عند سحب الكرات التسع ما زال ينتابنا التردد الواقعي في حقيقة لون الكرة الأخيرة التي يحتمل ان تكون بيضاء، بينما العلم الإجمالي الذي يفتقر إلى الجزاء الواقعي لا يملك إحتمالاً أو تردداً حقيقياً، وإنما هو يعبّر عن إفتراض كاذب لا ربط له بالواقع اطلاقاً. لهذا فالمثال السابق لا يمكن فصله عن العلم الشرطي ذي الجزاء المحدد، وهو يشابه المثال المذكور حول هذا العلم، ويختلف كلياً عن المثال المذكور حول العلم الشرطي ذي الجزاء غير المحدد في الواقع[15].

وأهمية هذا المثال ترتبط بمسألة تنمية إحتمال القضايا المستقلة عن إفتراض العلم بالسببية، ولو نجحت المحاولة السابقة لكانت تنمية إحتمال هذه القضايا مستحيلة. ففي بعض المناسبات حاول المفكر الصدر ان يثبت هذا المدعى بمثل ما ذكره في المثال السابق[16]. وكرر هذه النتيجة حين اراد تحديد بعض القيم الإحتمالية الخاصة بمثال حقيبة لابلاس الذي افترض وجود حقيبة ذات خمس كرات، ونملك حولها ثلاثة إحتمالات متساوية، فهي إما ان تحتوي على أربع كرات بيض، أو ثلاث كرات بيض، أو جميعها بيض، وقد صادف ان سحبنا عشوائياً ثلاث منها فظهرت كلها بيضاء. ولعل من الطبيعي في هذه الحالة ان نتوقع ان تكون الحقيبة ذات خمس كرات بيض، ولو سحبنا كرة رابعة لكنا نتوقع أيضاً ان تكون بيضاء. لكن ما رآه المفكر الصدر هو ان سحب الكرات البيض من تلك الحقيبة لا يؤثر على قيمة إحتمال سحب كرة بيضاء رابعة[17]. وهذا يعني انه لو كانت لدينا حقيبة تحوي ألف كرة وكنا نتردد بإحتمالين متساويين فيما إذا كانت الكرات كلها بيضاء أو ان واحدة منها - فقط - سوداء، فعلى ذلك الرأي يفترض انه لو سحبنا - عشوائياً - كل الكرات عدا واحدة، وتبين انها بيض جميعاً، فسوف لا يؤثر ذلك على إحتمال لون الأخيرة المقدر بـ (1\2)، وهو خلاف الوجدان والواقع.

ولا شك ان هذه الطريقة من التفكير تبرر للصدر لماذا إعتبر السببية بمفهومها التجريبي – لا العقلي – تعجز عن أن تنمي درجات الإحتمال للقضية الإستقرائية فضلاً عن إثباتها. فالعلاقة التي تنطوي عليها هذه السببية هي الصدفة بين السبب والمسبب شبيهاً بعلاقات سحب الكرات في مثالنا السابق.

 

على أن الطريقة التي أُعتمدت في تحديد النتيجة السابقة لإحتمالات الكرات هي طريقة شائعة لدى عدد من المفكرين الغربيين الذين لم يعولوا على مبدأ التعلم من التجارب السابقة في الحسابات الإحتمالية المستقلة، وقد ذهب إليها فلاسفة مشهورون من امثال بيرس (سنة 1883) وفتجنشتاين wittgenstein (سنة 1921)، بل وحتى كينز في أحد فصول كتابه (رسالة في الإحتمال)، رغم أنه في الفصول الأخرى اكد ببلاغة تامة ضرورة التعلم من التجربة والخبرة، وقد طُرحت هذه الطريقة لاجل حل مشكلة الإستقراء والتنبؤ، وأطلق عليها كارناب الطريقة الفردية في قبال تلك التي تعتمد على مبدأ التعلم من التجارب السابقة والتي اوسمها الطريقة الاحصائية[18]. وذهب أحد الباحثين إلى ان هناك اختلافاً حول نتائج هذه الحسابات الإحتمالية بين صاحب النظر الموضوعي للإحتمال وصاحب النظر الذاتي له. فمثلاً لو كان لدينا جرة فيها كرات غير معلومة اللون، فإن سحب واحدة منها عشوائياً ومن ثم ارجاعها سيجعل من إحتمال سحب الأخرى موضع اختلاف في تحديد القيمة الإحتمالية لها. فصاحب النظر الموضوعي يرى ان إحتمال سحب الثانية مستقل عن واقعة سحب الأولى، ولنفرضها كانت سوداء، بتبرير مستمد من عدم وجود علاقة سببية بين لوني الكرتين، أو انه لا يوجد اتصال سببي أو تجريبي بين الحادثتين للسحب، وبالتالي فإن إحتمال سحب الثانية لا يختلف عن إحتمال سحب الأولى. لكن الأمر مع صاحب النظر الذاتي للإحتمال مختلف، كما هو الحال مع فنتي الذي يرى بأن الحوادث في تعاقب السحب ليست مستقلة كلياً، فهي ليست مستقلة بالنسبة إلى المعرفة، أو إلى درجات الإعتقاد. فتتابع الحوادث يزودنا بالدليل على نتائج الحوادث المستقبلية، أو انه يقوم بالتأثير على درجات الإعتقاد حول الفرضيات المستقبلية[19]. ومع انا نرى ان مبررات الاعتماد على مبدأ التجارب السابقة قوية لا يمكن اغفالها، وانها تقبل التموضع منطقياً، ومن ثم الاعتماد عليها في الحسابات المتأثرة بتلك التجارب، إلا انه ليس من المعلوم ان تكون هناك طريقة احادية يمكن ترجيحها على غيرها من الطرق الكفيلة في الحسابات الإحتمالية، رغم أنه لا غنى في جميع الأحوال من الاعتماد على مبدأ عدم التمييز.

***

من جهة ثانية عارض المفكر الصدر إعتبار الحقائب الثلاث المفترضة متساوية الإحتمال قبل السحب، رغم أن هذه القيمة يفرضها مبدأ عدم التمييز الذي اتخذه أساساً لبناء نظرية الإحتمال، على منوال طريقة لابلاس. وقد قدّم لذلك تبريراً مستبعداً، حيث ردها إلى حساب التردد في إحتمالات اللون للكرات الموجودة في الحقيبة، مع انه مهما بلغ هذا التردد فسيستحيل عليه ان يؤثر على قيم إفتراضات الحقيبة قبل السحب[20].

مهما يكن هناك بديهة تفرق بين العلوم الشرطية من خلال معرفة حقيقة الجزاء، وهي البديهة الخامسة والأخيرة التي أضافها المفكر الصدر إلى سائر بديهاته السابقة. وهي تنص بأنه ‹‹كلما كان العلم الإجمالي الشرطي يتحدث عن جزاء غير محدد في الواقع، فلا يصلح ان يكون أساساً لتنمية الإحتمال بتجمع عدد من قيمه الإحتمالية في محور واحد. وهذا يعني: ان الشرط الأساسي لهذه التنمية - على أساس العلم الإجمالي الشرطي - ان يكون معبراً عن جزاء محدد في الواقع››[21].

   

 



[1]           الاسس المنطقية للاستقراء، ص191.

[2]           المصدر السابق، ص200.

[3]           نفس المصدر، ص190.

[4]           نفس المصدر، ص215 و218.

[5]           انظر:             Russell;1948, p.357ـ363. Also: J. R. Lucas, The Concept of Probability, Oxford University Press, 1970, p.27.

[6]           هناك طريقة تسهّل عملية استخراج عدد الحالات الممكنة، تبعاً لقاعدة التوافيق: ن!\م!(ن - م)!، حيث (ن) تمثل في مثالنا السابق عدد ما يوجد من كرات بيض في الحقيبة المفترضة للسحب، و(م) هي عدد ما سحب من كرات. لذا تستخرج إمكانات الحقائب المفترضة كما يلي:                       5!            ج = ــــــــــــــــــــــ = 0                 3!(5 - 3)!                       3!            أ = ـــــــــــــــــــــ = 1                 3! × 1                                                4!            ب = ــــــــــــــــــــــ = 4                  3! × 1                         وتمثل قاعدة التوافيق (ن!\م!(ن - م)! اختصاراً للقاعدة التالية:               ن(ن - 1)... [ن ـ (م - 1)]            ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                م(م - 1)... × 2 × 1             حيث انه لو ضربنا البسط والمقام في القاعدة الأخيرة بالعلاقة:            (ن ـ م) [ن ـ (م + 1)]... × 2 × 1 لكانت النتيجة كما يلي:                           ن(ن – 1)...[ن -(م – 1)]×(ن – م) [ن -(م + 1)]...× 2 × 1            ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتــــــــــــــــــــــــــ             م(م – 1)...× 2 × 1 × (ن – م) [ن – (م + 1)]...× 2 × 1             وبالاختصار تكون المعادلة كالتالي:                        ن(ن - 1) ... × 2 × 1            ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتــــــــــــــ             م(م – 1)...× 2 × 1 × (ن – م) [ن – (م + 1)]...× 2 × 1              وهي عبارة عن:                ن!            ـــــــــــــــــــــــــ              م! (ن - م)! 

[7]           الاسس المنطقية للاستقراء، ص213. علماً ان المذكور في المصدر ان الكرة التالية سوداء لا بيضاء، وهو خطأ مطبعي.

[8]           المصدر السابق، ص208.

[9]           المصدر، ص224ـ225.

[10]          لاحظ، ص230.

[11]          لاحظ، ص231ـ234.

[12]          لاحظ هامش ص238.

[13]          لاحظ، ص234ـ237.

[14]          لاحظ، ص244ـ245.

[15]          لاحظ، ص239ـ244.

[16]          لاحظ، ص295ـ299.

[17]          لاحظ، ص312.

[18]          Carnap; p.277.

[19]          انظر:             Henry E Jr. Kyburg, and Howard E. Smokler, Studies in Subjective Probability, printed in the U.S.A, 1964, p.13

[20]          وكما يقول: ‹‹وأما في فرضية (ن) فلا توجد ثلاث حقائب، بل هناك حقيبة واحدة لا ندري عدد الكرات البيضاء فيها، فإذا لم تكن لدينا أي معلومات إستقرائية سابقة عن نسبة وجود البياض والسواد، وكان لون الكرة مردداً بين السواد والبياض فقط، فسوف تكون قيمة إحتمال بياض أي كرة: 1\2 ، وقيمة إحتمال سوادها: 1\2 أيضاً، وهذا يعني: ان إحتمال أن تكون حقيبة (ن) شبيهة بحقيبة (د) ـ التي تضم خمس كرات بيض ـ يساوي: 1\2 × 1\2= 1\4 ، وإحتمال أن تكون شبيهة بحقيبة (أ) ـ التي تضم ثلاث كرات بيض ـ يساوي: 1\2 × 1\2= 1\4 ، وإحتمال أن تكون (ن) شبيهة بـ (ج) ـ التي تضم أربع كرات بيض ـ يساوي: 1\2 × 1\2+ 1\2 × 1\2= 1\2››.

[21]          لاحظ، ص246.

comments powered by Disqus