-
ع
+

أربع نظريات فلسفية حول العلم الالهي

يحيى محمد

هناك مساوقة هامة لدى الفلاسفة والعرفاء بين الادراك والوجود، الى درجة يكون فيها الوجود عبارة عن ادراك، والادراك وجود. وهناك محاولة للفلاسفة يثبتون فيها الادراك من خلال اثبات الوجود المجرد عن المادة. فعندهم ان الموجود المجرد عن المادة يستحيل ان لا يعقل، طالما ان كل موجود يمكن ان يعقل. فالجوهر المفارق لما كان موجوداً لذاته وليس لشيء اخر فانه يكون معقولاً لذاته، وبالتالي فان تعقل هذا الجوهر لذاته هو عين وجوده. الامر الذي يثبت كون العلم الالهي هو عين وجود المبدأ الحق وليس زائداً عليه1. فالوجود هو العلم والعلم هو الوجود. وحيث ان العلاقة الوجودية هي علاقة الذات بالاخر، لذا تترتب على ذلك مسألتان، احداهما ان علم الذات بالاخر ينبغي ان لا يستمد مبرره من هذا الاخر، باعتبار ان الاخير مسبوق بوجود الذات. وكما يقول ابن باجة: ان المبدأ الحق ‹‹يعلم الاشياء لا من الاشياء، بل من علمه بذاته الكاملة الوجود››2. أما المسألة الثانية فهي انه لا بد من ان يكون هناك تبادل في العلاقة الادراكية بين الذات والاخر، فحالهما كحال المرآتين؛ احداهما تعكس صورة ما في الاخرى. لكن سيتركز بحثنا هنا على طبيعة علم الذات بالاخر وفق مبدأ السنخية، وذلك كالتالي:

تعتبر مسألة العلم الالهي من المسائل البارزة التي شهدت الكثير من الآراء المضطربة، لكنها على العموم ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمنطق الاصل المولد (السنخية)، فبحسب هذا المنطق ان من اللازم ان تكون الذات الالهية كل الاشياء، وحينما تعلم هذه الذات نفسها فإنها في الوقت نفسه تعلم الاشياء جميعاً. ومع ان هذه النتيجة لم يُجمع عليها الفلاسفة المسلمون، الا انها كانت تراود اذهانهم بشكل او بآخر، وامتدادها التاريخي يصل بنا الى افلوطين، وربما الى ارسطو الذي يبدو انه مقتنع بهذا الامر، وإن كانت عباراته مجملة بهذا الخصوص. فقد جاء في شرح ثامسيطوس لكتاب حرف اللام ان ارسطو يعتقد بأن الله تعالى لا يعقل الصور الخسيسة، بل يعقل ما هو غاية في الشرف، كما انه لا يمكنه في الطبع ان يعقل الاشياء فرداً فرداً، بل عقله لشيء واحد فقط هو غاية في الفضيلة، وهو المتمثل بذاته، فيكون عقله للاشياء عبارة عن دفعة واحدة بعقله لذاته، فيكون العقل والمعقول منه واحداً، فالعقل الاول يعقل العالم لانه اذا عقل ذاته عقل من ذاته انه علة جميع الاشياء ومبدؤها3. لكن الامر عند افلوطين واضح، فهو يصرح بان ذات الحق كل الاشياء، لذا كان من الطبيعي ان يكون علمه بذاته هو عين علمه بالاشياء جملة. مع هذا نجد بعض الدارسين المحدثين من يرى خلاف ذلك. فالاستاذ يوسف كرم يعتقد بأن افلوطين ينفي العلم الالهي بذاته وكذا الموجودات الصادرة عنه ويجعل الماهيات المعقولة صوراً في العقل التالي الذي يلزم عن المبدأ الاول4.

ولا شك ان هذا الاعتقاد يجانب الصواب، فعلى الاقل ان نصوص افلوطين دالة على ان المبدأ الاول يعقل ذاته ويعلمها، ومن ذلك قوله: ان ‹‹الفاعل الاول والعلة القصوى انما هو هوية فقط لا يخالفه شيء من الصفات البتة، ولا يطلق (كل) ولا (كلية) ولا (صورة) عليه.. فالهوية اكثر عموماً من الكل، والكل اكثر عموماً من الصورة.. ولما كان ذاته مكشوفة لذاته، كان عالماً لذاته بذاته، وكان العلم والمعلوم واحداً معاً››5. كذلك فانه لما كان يرى الحق عين الاشياء فلا بد ان يكون قوله متضمناً للحكم بالعلم بالاشياء في مرحلة ذاته نفسها، رغم ان بعض عباراته قد تدل على ان علمه بالاشياء يأتي فقط عن طريق العقل الذي بعده، مثلما هو قول الفارابيين واتباعهما من الفلاسفة المسلمين. فمثلاً انه يقول: ‹‹ان العقل هو الاشياء كلها، الا انه بنوع كلي. فاذا عقل ذاته فقد عقل الاشياء كلها. واذا القى بصره على ذاته يكون قد احاط بجميع الاشياء التي دونه، وهذا معنى قول الحكيم: ان الله خلق العقل وبذر فيه جميع الاشياء››.6

أما لدى الفلاسفة والعرفاء المسلمين فيلاحظ انهم اختلفوا في طبيعة العلم الالهي بالاشياء الى عدد من التصورات، هي تلك التي تعود الى الفارابيين واتباعهما، والى المسلك المشائي كما يمثله ابن رشد، ومن بعده الى النهج الاشراقي كما لدى زعيم الاشراق السهروردي، ومن ثم اخيراً الى النهج الجمعي كما لدى صدر المتألهين الشيرازي ومن سبقه من العرفاء. وكل ذلك سنتعرف عليه كالاتي..

نظرية الفارابي وطبيعة العلم الالهي

هناك عدة خصائص لنظرية الفارابي في العلم الالهي، فهي من جهة ترى ان هذا العلم هو علم صوري بالاشياء. كذلك فان هذا العلم لا يكون في عين الذات وانما بعدها. وايضاً فان طبيعة هذا العلم نابعة عن نظام السببية، فعلم الحق بذاته يترتب عليه علمه بالاشياء تبعاً لعلاقة العلية. بل ان نظام الوجود والكون عند الفارابي مرتب ترتيباً سببياً ضمن سلسلة العلة والمعلول، وذلك بحسب ما عليه ترتيب العلم الالهي بالاشياء بعد علمه بذاته7. وكذا ان ابن سينا يرى ان المبدأ الاول يعقل ذاته اولاً فيترتب على ذلك انه يعقل ما دونه من حيث انه علة له، ومن ثم يعقل سائر الاشياء تبعاً لما عليه ترتيب الاشياء ضمن سلسلة العلة والمعلول8. ومن حيث كون العلم الالهي علماً عقلياً غير حسي فانه لا يعقل الحوادث والجزئيات الا على نحو كلي.

هكذا ان نظرية الفارابي ترى ان علم الحق بالاشياء هو علم صوري وكلي، لكنه ليس عين علمه بذاته، بل يأتي تالياً له في العقول او العقل الذي يليه وفيه جميع صور الاشياء. وهذا العلم هو عبارة عن الكل في الواحد والكثرة في الوحدة. فالفارابي يقرر ان علم الحق بالكل يأتي بعد ذاته وبعد علمه بذاته9. وهو بهذا يتحاشى اعتبار ذات الحق عين صور الاشياء، لذلك انه يردها الى صفاته المتمثلة بترتبات العقول التي بعده، وما العلم الالهي للاشياء الا العلم بالصور او العقول اللازمة عن علمه بذاته، حيث ان علمه بها عبارة عن نفس وجودها من دون فرق10. وربما بدا على الفارابي مثل هذا التحفظ في قوله: ‹‹الاول يعقل ذاته وإن كانت ذاته بوجه ما هي الموجودات كلها، فانه اذا عقل ذاته فقد عقل بوجه ما الموجودات كلها››.11

واغلب الظن ان نظرية الفارابي متأثرة ببعض نصوص افلوطين كما في كتاب (اثولوجيا) المنسوب خطأً الى ارسطو.

محاور النظرية

مما سبق يمكن تحليل نظرية الفارابي الى ثلاثة محاور كالاتي:

المحور الاول: ان هذه النظرية صورية ‹‹ذهنية››، اي انها ترى العلم الالهي علماً قائماً تبعاً لوجود الصور العقلية، ولا تجيز ان يكون هناك علم اخر كالمشاهدة الاشراقية وما اليها. فاذا ما كان للذات الالهية ان تعلم بوجود الاشياء الكونية فانها بحسب هذه النظرية لا بد ان تتعقلها كصور ذهنية، ولا يمكن ان يكون هذا العلم على نحو المشاهدة الفعلية كالذي يحصل عندنا نحن البشر، لانعدام الالات والحواس في عالم العقول المفارقة، بل وباعتبار ان المشاهدة تفضي الى ان يكون العلم علماً متغيراً تبعاً لتغير الحوادث الكونية، وهو امر محال وجوده في ذلك العالم المجرد.

المحور الثاني: ان هذه النظرية لا تجيز ان يكون العلم الالهي بالاشياء في كينونة الذات الالهية نفسها، فهي تقر بالوجود العلمي للأشياء بعد الذات، أي في مرحلة العقل الأول. وابتداء من هذه المرحلة يتناقص الكمال في العلم الصوري للاشياء بصورة مضطردة بحسب ما عليه العقول السماوية من مراتب، فكلما كانت قريبة من العلة الاولى فانها تكون اكمل صورة وعلماً، وهكذا يتم نظام التنزل بين هذه العقول مرحلة فمرحلة؛ حتى ينتهي اخيراً عند مرتبة العقل الفعال الاخير، وذلك وفق ترتيب علّي لا زماني. اذن بحسب هذه النظرية يحال ان تكون الذات الالهية محلاً للصور، ومبرر ذلك يأتي من الخشية في انثلام الوحدة الإلهية12، فتكثر الصور في الذات الالهية يبعث على تكثر هذه الذات. وبالتالي كان لا بد ان يكون العلم بالصور لازماً عن علمه بذاته، وهذا العلم هو عين ايجادها بلا اختلاف، فلا يمكن أن يتقدم تعقل الـصور على وجودها، وإلا فـإنه يفضي بهـا الى الـتسلسل13. لكن مع ذلك فان لابن سينا تردداً في الامر، وهناك من اتهمه في بعض كتبه (المشرقية) أنه قائل بوجود الصور العلمية في مرحلـة الـذات الاولى14.

فلابن سينا نص في (الاشارات والتنبيهات) يبدي فيه ابتداءاً ان المبدأ الحق يدرك الاشياء في ذاته، لكنه سرعان ما ينقضه، فهو يقول: ‹‹ادراك الاول للاشياء من ذاته في ذاته هو افضل انحاء كون الشيء مدرِكاً ومدرَكاً، ويتلوه ادراك الجواهر العقلية للاول باشراق الاول، ولما بعده من ذاته..››. فبالرغم من هذا التصريح في ادراك المبدأ الاول للاشياء في ذاته، الا انه يعود فيقول في نفس الصفحة: ‹‹ولعلك تقول: إن كانت المعقولات لا تتحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض لما ذكرت، ثم سلمت ان واجب الوجود يعقل كل شيء، فليس واحداً حقاً، بل هناك كثرة. فنقول: انه لما كان يعقل ذاته بذاته، ثم يلزم قيوميته عقلاً بذاته لذاته ان يعقل الكثرة؛ جاءت الكثرة لازمة متأخرة، لا داخلة في الذات مقومة، وجاءت ايضاً على الترتيب››15.

المحور الثالث: ان هذه النظرية ترى العلم الالهي الصوري يتصف بهيئة كلية لكل ما هو جزئي حادث، اي انه عبارة عن علم بالجزئيات على نحو كلي. وسبق للفارابي ان كشف عن هذا البعد بأن اعتبر المبدأ الاول يعقل الاشخاص التي تعود الى الانواع الكائنة الحادثة لا من حيث ما هي عليه من امر شخصاني جزئي، والا اقتضى الامر ان تكون هناك اشارة حسية، والمبدأ الاول منزه عنها، لذا كان لا بد ان يكون تعقله للاشخاص عبارة عن تعقل كلي يصح حمله على جميع الاشخاص وليس على بعض منها فحسب16.

وكذا ما قرره ابن سينا من ان العلم الإلهي للحوادث المتغيرة يحصل على نحو كلي كي لا يستلزم ان يكون هناك علم متغير نتيجة التأثر بالحادث المعلوم، لذلك فقد صوّر الكيفية بأنه يعلم الأشياء التي لم توجد بعد على أنها لم توجد بعد، ويعرف أوقاتها وأزمنتها، فإذا وجدت لم يتجدد علمه بها، بل هو يعرف كل شخص على وجه كلي معرفة بسيطة، وكذا يعرف وقته الذي يحدث فيه على الوجه الكلي أيضاً، وذلك عن طريق الإدراك الشرطي الصادق بأنه كلما كان كذا فسيحصل كذا في وقت كذا17. لهذا اعتقد ابن سينا ان الحق منزّه عن تعقل الفاسدات والأعدام كالشر والنقص، واعتبر ان تعقل هذه الامور لا يكون الا من خلال سبق حالة القوة على الفعل، وايد ذلك بالبصير الذي لا يرى الظلمة الا اذا كان بصيراً بالقوة لا الفعل18، وهو ما لا ينطبق على العلم الالهي. وبرّر نصير الدين الـطوسي مثل هذا العلم الكلي الذي يقول به الفارابيان لعلّة لا تعود الى جهة النقص في المبدأ الأول، بل لكون الأشياء المتغيرة لا تقبل الـتعقل، وإن كانت قابلة للـتحسس والـتوهـم والـتخيـل، وكـل ذلـك معدوم لـدى الأول19. وهـو ذات التبرير الذي ادلى به الفارابي من قبل.

 

نقد المحاور

تلك كانت نظرية الفارابي، وقد قلنا ان فيها ثلاثة محاور، الاول انها صورية ذهنية، بمعنى ان العلم الالهي هو علم صوري. والثاني هو ان العلم الالهي بالاشياء يقع خارج الذات الالهية. والثالث هو ان هذا العلم هو علم كلي لا يخص الجزئيات والحوادث بما هي جزئيات وحوادث. وقد كانت جميع هذه المحاور موضع نقد من قبل الفلاسفة المتأخرين كالذي يتبين لنا أدناه..

1ـ نقد العلم الشرطي

لو بدأنا اولاً بالمحور الثالث من النظرية، وهو القول بنفي العلم الجزئي، سنلاحظ انه جرت حوله مساجلات وتخريجات عديدة وسط الفلاسفة المتأخرين. فالغزالي اعتبر هذا الامر احد ثلاث مسائل كفرّ القائلين بها، اذ اضاف اليه مسألة الاعتقاد بقدم العالم وانكار المعاد الجسماني20. ومن الناحية العلمية رأى الغزالي ان القول بالعلم الكلي دون الجزئي هو ايضاً لا يخلو من اشكال يتعلق بلزوم التعدد في العلم الإلهي من حيث تعدد الأنواع والأجناس. لكن يمكن القول ان الفارابي وابن سينا ومن اتبعهما حاولوا تدارك هذه المشكلة من التعدد، اعتماداً على نظام الترتيب التسلسلي. فابتداءً هناك العلم الالهي بالذات، ومن ثم يلزم عنه صورة المعلول الأول، ثم صورة المعلول الثاني لدى الاول، وبعدها صورة المعلول الثالث لدى الثاني.. وهكذا على التتابع حتى ينتهي الامر الى العقل الاخير الذي يلزم عنه الصور المتكثرة للعالم الارضي. وقد اعتبر الغزالي أن الفلاسفة اضطروا لنفي العلم الإلهي بالغير مطلقاً، احترازاً عن لزوم الكثرة في ذاته، ولكن خالفهم إبن سينا الذي لم ير تناقضاً في الاعتقاد بذلك العلم مع نفي الكثرة عنه كلياً21. وقد صوّب ابن رشد نقد الغزالي لإبن سينا في لزوم الكثرة عن العلم الكلي.22

وهناك من حاول توجيه هذه النظرية مثلما هو الحال مع المحقق الدواني في شرحه للعقائد العضدية الذي رأى ان كلام ابن سينا في هذا الامر يعني أنه لما كانت الكلية والجزئية وصفين للإدراك لا للمدرك، فالإدراك بالعقل يسمى كلياً، وبالحواس يسمى جزئياً، لذا كان المعنى هو أن الله يدرك الكليات على نحو من التعقل، كما ويدرك الجزئيات على وجه جزئياتها، غير أن طريق إدراكه لها يختلف عن طريق إدراكنا نحن، ضرورة أنه منزّه عن الحواس والآلات23.

كذلك ظن صاحب (المحاكمات) الشيرازي؛ ان ما فهمه الطوسي لرأي ابن سينا في الموضوع ليس سليماً، اذ كان الطوسي يرى ان ابن سينا يمنع أن يكون الحق عالماً بالجزئيات المتغيرة من حيث تغيرها، متصوراً أن علماً كهذا لا يكون إلا بآلات جسمانية حسية تبعث على التغير في ذات العلم. وقبال ذلك أخذ الشيرازي يوجّه مقصد ابن سينا دون الاضطرار الى الفهم الانف الذكر، وهو أن العلم بالجزئيات المتغيرة إنما يكون متغيراً فقط في حالة كونه علماً زمانياً يحضر في زمان دون اخر، خلافاً للعلم المجرد عن الزمان كعلم الأول بالعالم أزلاً وأبداً، حيث لا تغيّر فيه مطلقاً، باعتبار أن جميع الأزمنة وكذا الأمكنة مطويّة عنده وحاضرة لديه بلا بعد ولا غياب، مما يثبت علمه بالجزئيات المتغيرة من حيث هي متغيرة24.

لكن الحق يقال ان مثل هذا التوجيه وما قبله لا يتفق مع ما نصّ عليه ابن سينا في الطبيعة الشرطية الصادقة للعلم الإلهي. فالعلم الشرطي شيء، والعلم بمجريات الواقع شيء اخر، فالادراك بحسب العلم الشرطي والقائل انه كلما كان كذا فسيحصل كذا في وقت كذا؛ لا يتطابق مع العلم بمجريات الواقع من حيث انها مجريات ووقائع جزئية متغيرة.

2ـ النظرية المشائية ونقد العلم البعدي

أما حول المحور الثاني، والمتعلق بمحل العلم الالهي بغيره، فيلاحظ انه اخذ تخريجاً وتوجيهاً من قبل ابن رشد الى الدرجة التي تم فيها اسقاط فهمه الخاص على رأي ابن سينا. فقد حوّل الفارابيان العلم الالهي بالاشياء الى خارج حضرة الذات الالهية ابتداءاً من المعلول الاول المسمى بالعقل الاول، لكن ابن رشد ظن أن ابن سينا اراد ان يقول بأن علم المبدأ الأول بذاته هو عين علمه بغيره، وإن لم يتيسر له شرحه وتوضيحه. وعنده ان هذا العلم ليس كلياً كالذي اراد ابن سينا اثباته، اذ ليس فيه قوة مثلما يحصل في العلم الكلي الذي يتحقق فيه العلم للجزئيات بالقوة. كما انه ليس علماً جزئياً، لكون الجزئيات لا نهاية لها، وبالتالي فهي غير قابلة للحصر العلمي. اذن فهذا العلم ليس قائماً على الكلي والجزئي كالذي فينا، ومن ثم لا يمكن إدراك كيفيته. مع هذا فان ابن رشد يرى ان كل علم مفارق للمادة ومنه العلم الالهي انما يتحد فيه العلمان الكلي والجزئي، فيكون بذلك الاصل والاساس لهذين العلمين الاخيرين، فعندما يفيض على عالمنا ينقسم الى كلي وجزئي رغم أنه ليس هذا ولا ذاك، وإن كان أشبه بالأخير منه الى العلم الكلي.

ويهدف ابن رشد في رأيه السابق الى القول بأن العلم الإلهي هو نفس الذات المؤلفة من صور جميع الموجودات المتحدة اتحاداً بسيطاً لا يخلو من كثرة وتفصيل، إذ عقل الذات لنفسها - باعتبارها مجردة - هو عقـل جميع الـموجودات من دون حيثيـة أُخرى25، وذلـك على شاكلة مـا اطلق عليه المتأخرون فيما بعد (بسيط الحقيقة كل الأشياء). ولا شك ان هذا الاعتقاد هو مما يتفق مع بعض حيثيات مقالة صدر المتألهين كما سنرى. لكن المشكلة التي تعترض مقالة ابن رشد والارسطيين جميعاً هو تفسير الكيفية التي عليها العلم الإلهي للحوادث المستقبلية، فالمادة في النظر الأرسطي الرشدي منفصلة عن مبدأ الوجود الأول وغريبة عنه. ورغم ان ابن رشد تعرّض الى مشكلة علاقة الايجاد التي تربط المبدأ الاول بالمادة؛ الا انه لم يشر الى طبيعة اشكالية العلاقة العلمية التي تربطه بها، فضلاً عن علاجها، اذ كيف يمكن التوفيق والموائمة بين العلم القديم من جهة، والمادة خازنة الصور المنفصلة عنه من جهة ثانية26؟

ان الخلاف بين النظرية الفارابية والنظرية الارسطية يتحدد بان الاولى ترى ان مبدأ الوجود الاول يعلم ذاته، ومن خلال علمه بذاته فإنه يعلم ما يصدر عنه مباشرة. أما لدى النظرية الارسطية فان المبدأ الاول لا يعلم إلا ذاته دون أن يعلم أي امر اخر خارجها، لكنه من حيث علمه بذاته فانه يعلم جميع الموجودات ضمن عين الذات على اتم وجه واكمل ترتيب. بل بحسب هذه النظرية أن كل مفارق لا يسعه ان يعلم المعلول الذي يتولد عنه مما هو دونه، لانه لو علمه لاصبح المعلول علة، لكن العكس صحيح، وهو أن كل معلول مفارق يعلم علته، الا ان ذلك لا يعني ان يعلم المعلول علته بنفس الدرجة التي فيها تعلم العلة ذاتها. بمعنى ان من هو اقل شرفاً لا يعلم نفس ما يعلمه الاعلى منه شرفاً ورتبة، اذ لو كان الامر كذلك لاصبح المعلول متحداً مع علته تمام الاتحاد، اي لكانا امراً واحداً بلا تعدد. فهذا هو علة قول الفلاسفة الارسطيين ان مبدأ الوجود الاول لا يعلم إلا ذاته، وإن الذي يليه إنما يعلم الأول ولا يعلم ما دونه لأنه معلول، ولو علمه لعاد المعلول علة. بل واعتقدوا أن علم المبدأ الاول بذاته هو منشأ كونه علة جميع الموجودات، أما ما يعلمه كل عقل من العقول المفارقة الاخرى الـتي تحت المبدأ الاول فانه يكون منشأ علة تخليق الـموجودات الخاصة بهذا العقل دون تجاوزها27.

على ذلك فقد حمّل ابن رشد بعض المشائين مسؤولية تأويل مذهب ارسطو وتصويره بانه قائل ان المبدأ الاول انما يعلم معلوله بعد علمه بذاته28، وهو الرأي الذي تلتزم به النظرية الفارابية. والصحيح عنده كما اسلفنا هو ان العلة لا تعلم الا ذاتها، وان المبدأ الاول هو ايضاً لا يعلم الا ذاته فحسب.

على ان هناك ما يبرر مقالة علم المبدأ الاول بغيره وفقاً للنظريتين الفارابية والارسطية، استناداً الى المبدأ الفلسفي القائل: (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول). وهو المبدأ الذي يتكئ على منطق السنخية. فالنظرية الفارابية وفقاً لهذا المبدأ يمكنها تبرير تسلسل العلم والتعقل ابتداءاً من مبدأ الوجود الاول فما دونه، حيث ان علمه بذاته عبارة عن علمه بها كعلة، وبالتالي فانه يعلم المعلول الأول من خلال علمه بذاته، وعلمه بالمعلول الأول يؤدي الى علمه بالمعلول الثاني، اذ المعلول الأول هو علة أيضاً؛ العلم بها يفضي الى العلم بمعلولها، وهكذا حتى يكون المبدأ الأول عالماً بالكل من خلال علمه بذاته، وذلك بحسب النظام والتسلسل الرتبي.

كذلك يمكن تبرير النظرية الارسطية بالحجة السابقة نفسها. فابن رشد يبرر عملية علم المبدأ الأول بما دونه انطلاقاً من كون العلة تعلم معلولها بما تعقل به ذاتها29. فالأول يعلم جميع ما دونه من نظام الأشياء وترتيبها على ما هي عليه، لان ذاته عبارة عن كل الأشياء على نحو التمام والكمال والترتيب والنظام. فإدراك الأول لذاته هو إدراكه لهذا النظام والترتيب، وبالتالي فهو في حد ذاته عبارة عن إدراك الأشياء التي دونه. لذا فبحسب النظرية الارسطية ان الاتكاء على المبدأ الفلسفي الانف الذكر لا يلزم عنه العلم الخارجي، أي علم الذات بالموضوع على نحو التقابل بين الذات والخارج، وهو خلاف تصور النظرية الفارابية.

على ان المبدأ الفلسفي (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول) يدعو الى خطأ ما تتمسك به النظرية الفارابية، اذ لا بد من الاعتراف بان مبدأ الوجود الاول هو كل الأشياء بترتيبها وتنظيمها، اذا ما اردنا تصحيح العلم الالهي بغيره من الموجودات، فلا مبرر لهذا العلم إن لم تكن العلة تحمل في ذاتها كل ما في المعلول من وجود على نحو الكمال والتمام. وبه لا يعقل استثناء المبدأ الاول من هذا المضمون؛ طالما تم الاعتراف بكونه علة لغيره من الموجودات، وبالتالي فهو يحمل كل ما في دونه من المعلولات على النحو الاتم. وكما يقول بعض المحققين المتأخرين: ‹‹ان وجود المعلول لما كان رشح وجود العلة وفيضاً منه، فكان الوجود قد زاد عليه وفاض على غيره، فوجودات جميع الموجودات على كثرتها كأنها مجتمعة بعنوان الوحدة في الوجود ما هو علة لها حقيقة، وهذا هو المسمى عندهم بالوجود الجمعي، فهو عين جميع الموجودات الفائضة عنه المترشحة منه، فالعلم به علم بالجميع على الاجمال، فوجود العلة هو صورة الجميع، لكن بلا كثرة في ذاته تعالى. وهذا احد معاني كلام المعلم الثاني: (هو الكل في وحدة››)30.

أما النظرية الارسطية فهي وإن امكن تبريرها وفقاً لذلك المبدأ الفلسفي، لكن من الواضح انها تجابه مشكلتين:

الاولى: نعتقد ان النظرية الارسطية، متمثلة بابن رشد، تفضي الى المقالة الصوفية الشخصية التي تقر بأنه ليس في العين موجود غير الله. ذلك انها تحيل أن تعلم العلة معلولها، بمبرر أن هذا العلم يفضي الى اتحادهما أو انقلاب المعلول الى العلة، اذ لا شيء يعلمه المفارق الا ويتحد به لعدم وجود المادة المانعة من الاتحاد. الا ان هذا المحذور هو بعينه يصدق على ما اختارته النظرية الارسطية. فوفقاً لها أن المعلول هو الذي يعلم العلة من دون عكس، وعلمه لها هو عين ذاته من دون اختلاف، وذلك لنفس الاعتبار من اتحاد العالم بالمعلوم، او العاقل بالمعقول.

لكن يمكن ان يجاب على ذلك بأن ما يعلمه المعلول من علته انما هو بحسب رتبته من الوجود الناقص مقارنة بالعلة، فهو بالتالي لا يمكنه ان يعلم ذاتها بالتمام والكمال، والا فانه ينقلب فيكون عينها وهو مستحيل بحسب (القوانين الحكمية). مع هذا فان الجانب الذي يتم فيه العلم والتعقل يفضي الى الاتحاد الشخصي كالذي تقوله الصوفية. فمثلاً حول العلاقة بين المبدأ الاول والمعلول الصادر عنه، ان هذا الاخير يعلم من المبدأ الاول بحسب ما عليه من الرتبة الوجودية، وبالتالي فانه لا يمكنه ان يعقل ويعلم المبدأ بتمامه وكماله، وانما يعلم شيئاً منه دون اخر، لكنه من حيث علمه بالشيء الاول فانه يتحد به دون الاخر، الامر الذي يفضي الى ان يصبح الاول منه ما هو معلوم ومنه ما هو غير معلوم، وبجزئه المعلوم هو نفس المعلول لاتحاد العالم بالمعلوم والعاقل بالمعقول، وهذا يعني ان المعلول قد اصبح جزءاً من المبدأ الاول وليس خارجاً عنه. وهكذا الامر مع كل معلول مفارق بالنسبة لعلاقته بعلته، حيث يصبح كل معلول جزءاً من علته، وبالتالي يمكن القول ان الامر يفضي الى عدم وجود شيء خارج الذات الالهية، وكل ما نعده شيئاً وموضوعاً انما هو متضمن ضمن هذه الذات الشخصية الشاملة، كالذي تؤكد عليه الصوفية في مقالتها عن وحدة الوجود الشخصية، مما لا يتناسب واطروحة ابن رشد وغيره من الفلاسفة الارسطيين.

بل ان هذا الامر ينطبق ايضاً على النظرية الفارابية وجميع النظريات التي تسلم بان ايجاد العاقل لشيء اخر هو نفس تعقله له، وكذا العكس، حيث فعل التعقل هو ذاته فعل الايجاد، استناداً الى اتحاد العاقل بالمعقول، فمن المحال في الكائنين المتحدين ان يتغايرا الا بالاعتبار.

الثانية: هي ان العلم الذي تتحدث عنه النظرية الارسطية هو علم مغلق على الذات، وذلك في جميع المفارقات وعلى رأسها مبدأ الوجود الاول، اذ كيف يتسنى للذات الالهية وغيرها من الذوات المفارقة ان تعرف بأن لها معلولاً خارجاً عن ذاتها، بل وانه على شاكلتها؟ فهذه المعرفة لا تخضع الى تبرير المبدأ الفلسفي (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول). ويمكن القول ان النظرية الارسطية يمكنها ان تؤكد ادراك العلة لمعلولها وذلك بما تحمله من صورة المعلول في ذاتها، فادراكها للمعلول انما هو بحسب (ذاتها) من دون ان يكون لها علم به (في ذاته). فإدراكها للآخر (المعلول) ليس إدراكاً له على أنه ‹‹آخر››، بل إدراكها له من حيث هو عين ذاتها ولو على نحو التمام والكمال، أي أن المدرِك متحد مع المدرَك، وان العلة لا ترى غير ما في نفسها من صورة المعلول، ولا يظهر امامها ما نطلق عليه ‹‹الآخر››. فهي بالتالي تجهل حقيقة هذا ‹‹الآخر›› إن كان له وجود مستقل عنها ام لا. وبالتالي فنحن امام شبهة شبيهة بتلك التي اراد باركلي ان يوقعنا في فخّها، وهو ان ادراكنا للاخر لا يستلزم وجود الاخير خارجاً عن ذاتنا، فكل ما هو موجود لا يتجاوز ذاتنا المدرِكة وادراكاتها المباشرة، ولو عُدمت الذات المدرِكة لما كان هناك وجود قط.

وكما ينطبق هذا على إدراك العلة للمعلول، حيث إن العلة لا تدرك المعلول كشيء مستقل، بل تدركه بما تحمل له من صورة في ذاتها كما قدمنا، فكذلك يمكن القول من الناحية العكسية ان ادراك المعلول لعلته لا يعني انه يعي انها مستقلة عنه، انما هذا الادراك هو عين ذات المعلول بلا اختلاف فكيف يمكنه ان يعي انها مستقلة عنه وأنها اكمل واتم منه، بل وجاء على شاكلتها؟ فكل ذلك ما لا سبيل اليه، لأن علمه بها يتمثل بصورتها في ذاته. ولا يشفع في الامر ما تراه النظرية الارسطية من كون المعلول محض الإضافة او الـتعلق بعلته31. كما ان رأي ابن رشد في كون المعلول يعلم من ذاته معنى مضافاً الى علته32؛ يحتاج الى دليل خاص غير ما هو مطروح. فكل ما يمكن ان يقال هو ان علمه بذات العلة مرتد الى علمه بذاته، وهو امر لا يبرر العلم بما هي في ذاتها، ولا كونها مستقلة عنه، ولا انه محض التعلق لعدم انفصاله عنها، ولا انه جاء شبيهاً بها او على سنخها.

هكذا يفضي الأمر الى أن تكون الموجودات عبارة عن ذرات روحية ‹‹مونادات›› مغلقة الإدراك؛ لا يعرف كل منها ما يدور حولها. فلا العلة بإمكانها أن تعرف طبيعة معلولها، ولا حتى تعرف أنها علة لغيرها، وكذا الحال مع المعلول، فهو أيضاً لا يعرف طبيعة علته، ولا كونه معلولاً او محض اضافة تعلقية. فالإدراك يظل إدراكاً استبطانياً ذاتياً محضاً، فلا يعرف أحد أصله ولا ما يلزم عنه. وهنا تأتي أهمية نظرية الإشراق النوري للسهروردي في حل هذه المشكلة والقضاء على تلك الثغرة، وذلك من خلال نفي العلم الصوري برمته، او باضافة علم اخر اليه كالذي سعى اليه صدر المتألهين على ما سنرى.

3ـ النظرية الاشراقية ونقد العلم الصوري

يبقى لدينا المحور الاول من النظرية الفارابية، والقائل بالعلم الصوري. فالملاحظ ان هذه الفكرة قد تعرضت الى نقد جذري من قبل شيخ الاشراق السهروردي. فقد رأى هذا الفيلسوف العارف ان المبدأ الأول مستغن عن الصور العلمية المشائية، حيث له ‹‹الإشراق والتسلط المطلق فلا يعزب عنه شيء، والأُمور الماضية والمستقبلية مما صورها تثبت عند المدبرات السماوية حاضرة له؛ لأن له الإحاطة والإشراق على حامل تلك الصور، وكذا للمبادئ العقلية، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.. وفي الجملة؛ الأول محيط بجميع الأشياء من دون حاجة له الى صورة وفكرة وتغير.. وعلمه وبصره واحد››33.

وقد ايّد صدر المتألهين ما قاله السهروردي وأعاب على نظرية العلم الصوري لكونها عارية عن الشهود العيني الاشراقي، سواء بالنسبة للابداعيات او الفاسدات، وعجب من المحقق نصير الدين الطوسي كيف لم يلتفت الى ضرورة انكشاف جميع الاشياء الصادرة عنه بذواتها، اذ اقتصر على انكشاف العقول والصور العقلية للاشياء الكلية والجزئية، وجعل الصور القائمة بالجواهر العقلية مناطاً لعلمه بالماديات. وبرأيه ان العلم اذا كان عين الايجاد، والمعلوم عين المعلول، فانه لا حاجة في صدوره عن الفاعل الى علم صوري سابق، بل علمه للاشياء يكون عين حضورها بأنفسها لا بحصول صور ذهنية مطابقة لها. لذا اعتبر نظرية ابن سينا تفضي الى ان يصدر الكثير عن الواحد، لان المعلول الاول اذا كان صدوره عن المبدأ الاول مشروطاً بسبق صورته؛ فسيلزم ان تكون الصورة الاولى علّة لحصول اللازم المباين ولحصول صورة اخرى، فيفضي بالحق الى ان يفعل فعلين مختلفين باعتبار صورة واحدة وجهة واحدة34.

لكن - والحق يقال - ان هذا النقد غير وارد على نظرية الفارابيين، لانهما يعدان العلم الالهي بالعقول هو عين ايجادها، دون ان يكون هناك سبق لصورها على وجودها.

يبقى ان نقول: انه اذا كان عيب نظرية الفارابيين هو انها عارية عن الشهود العيني، ففي القبال ان النقص الذي تعاني منه نظرية السهروردي هو انها قد تخلت عن العلم الصوري كلياً، مع ان هذا العلم هو مما يفترضه منطق السنخية الذي يبرر كون المبدأ الاول يحمل كمالات جميع الاشياء. وعليه جاءت اهمية نظرية صدر المتألهين التي اكدت على ضرورة اثبات العلمين الصوري والاشراقي، كالذي يتبين لنا كالتالي..

4ـ نظرية الجمع بين العلمين

يذهب صدر المتألهين الى أن الذات الإلهية عبارة عن صور الأشياء كلها، وهو بذلك يتفق مع النظرية المشائية لابن رشد. لكنه مع هذا لا يرى هناك شيئاً مستقلاً ومنفصلاً عن تلك الذات كالمادة او الهيولى. الامر الذي يتسق ومنطق السنخية في العلاقة التي تربط بين العلم الالهي وبين الحوادث الصورية التي تجري في المادة، دون ان يقتضي ذلك تغير العلم تبعاً للحوادث المتغيرة. فنظرية صدر المتألهين لا تتوقف عند هذا العلم، بل تضيف اليه ذلك المسمى بالعلم الشهودي الحضوري او الإشراقي، فتصبح الاشياء حاضرة مشهودة لا تفارقه أزلاً وأبداً. مما يعني لزوم أن يكون حدوثها وغيابها أمراً نسبياً يخفي حقيقة كونها ثابتة الوجود، الامر الذي يجد تبريره ضمن نفس المنطق من السنخية.

وهذه النظرية التي تعود الى العرفاء، كما اقرّ بذلك صدر المتألهين واعتبرها موافقة للقوانين الحكمية35، تتضمن العلمين الصوري والشهودي، بل انها تحمل ثلاثة انواع من العلم الالهي كالتالي:

فهناك علم صوري سابق لوجود الاشياء، اذ يكون ادراكها في مرتبة الذات الالهية قبل وجود الاشياء، وهو علم اجمالي محض يعبر عن عين الذات الالهية تبعاً لمقولة (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، مما يعني انه اعلى مراتب الادراك واكملها36.

كما هناك علم صوري ثان مفصل يأتي بعد الذات الالهية، وهو ما يطلق عليه العلم بالاعيان الثابتة التي تلزم عن صفاته الخاصة، حيث انها في الذات الالهية مجملة، لكنها تتفصل بعد هذه الذات. فعلاقة هذه الاخيرة بالاعيان علاقة وحدة بكثرة، فكلها مشهودة لدى الذات الالهية على عدمها.37

وسبق للعارف حيدر الاملي ان اشار الى كلا هذين العلمين، فصوّر العلم الالهي بانه علاقة مجملة للاعيان الثابتة بالذات الاحدية، شبيه بعلاقة الشجرة بالنواة. فالشؤون الذاتية والحقائق الازلية او الاعيان الثابتة المجملة انما وجودها في الذات الاحدية كوجود الشجرة في النواة، وحيث ان الشجرة لا تنفك عن النواة، فان النواة اذا صارت عالمة بذاتها فقد صارت عالمة بجميع كمالاتها الشجرية من الاغصان والاوراق والازهار والثمار وغيرها. وكذا هو الحال في العلاقة بين الحق ومعلوماته، فالعلم بالاعيان الثابتة هو نفسه عبارة عن العلم بالذات الالهية، فاذا صار الحق عالماً بذاته فقد صار عالماً بجميع الذوات والحقائق المكنونة مجملاً في ذاته المعبر عنها بالحضرة الاحدية. ومن ثم يكون ظهورها تفصيلاً في الحضرة الربوبية التي تتأخر عنها تأخراً ذاتياً38. فالعلم والاعيان بكثرتها المجملة هي عين الذات الاحدية من غير اختلاف.

وللعارف القيصري بيان للعلم الشمولي بعد الذات الالهية شبيه بذلك الذي يتحدث عنه الفارابيان، حيث يرى ان الصور التي يشتمل عليها العقل الاول اجمالاً والنفس الكلية تفصيلاً عبارة عن حقائق الاشياء، فافاضة المبدأ الاول عليهما بتلك الصور عبارة عن ايجاد تلك الحقائق فيهما، وكل ما في الخارج من الحقائق هي كالظلال لتلك الصور، اذ تظهر في الخارج بواسطة ظهورها فيهما اولاً، ويحصل لهما العلم بها بعين تلك الصور الفائضة عليهما وليس بالصور المنتزعة من الخارج. على ان تلك الحقائق هي عين حقيقة العقل الاول، بل عين كل عالم بها بحسب الوجود المحض، وان كانت من حيث تعيناتها ومعلوميتها تكون غيرها، باعتبار ان الحقائق كلها راجعة الى الوجود المطلق بحسب الحقيقة، فكل منها عين الاخر باعتبار الوجود، وان كانت متغايرة بالتعينات.39

كما ان هناك علماً ثالثاً شهودياً يأتي بعد الذات الالهية. فهو عبارة عن ذلك الذي له علاقة حضورية بالموضوعات الخارجية التي تقابل الذات مباشرة، لذلك كان هذا العلم علماً تفصيلياً يمثل عين وجود الاشياء لا صورها40. فعند صدر المتألهين ان العلم الصوري لا يمنع العلم الآخر المستلزم عن العلم بالذات، فكونه تعالى علة لغيره يبعث على ان يكون عالماً بمعلوماته على نحو الوجود الذي حصلت منه؛ لا بمجرد صورها او ماهياتها من حيث هي مع قطع النظر عن خصوص وجوداتها41. وهو في تفسيره لسورة البقرة اعتبر ان علم الحق بالاشياء علمان، احدهما عين ذاته وهو العلم المجمل، والاخر علم مفصل عبارة عن صورة كل واحدة من الحقائق الامكانية؛ سواء كانت مقارنة لذاته كما عليه الفارابيان، او مباينة عنه كما عليه الاشراقيون وغيرهم، او غير زائدة على اسمائه وصفاته كالذي يراه العرفاء42.

نقد النظرية

كانت تلك هي طريقة العرفاء في العلم الالهي كما ابرزها صدر المتألهين. وهي بدورها تواجه نوعين من المشاكل، احدهما يتعلق باثبات احدى القواعد الاساسية التي يتعين من خلالها العلم الصوري الالهي بالاشياء، وهي قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، والاخر له علاقة بتحديد العلم الالهي بالشكلين الصوري والشهودي، وذلك كالاتي:

أـ مشكلة العلم الصوري وقاعدة بسيط الحقيقة

قلنا انه بحسب طريقة صدر المتألهين فان علم الله بذاته يمثل عين علمه المجمل بالاشياء جميعاً، وهذا التحديد يتوقف على صدق قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، والتي بدورها تتوقف على صدق امرين مجتمعين: احدهما منطق السنخية، اذ ما لم تثبت هذه الاخيرة لا يثبت كل ما انبنى عليها؛ بما في ذلك العلم المجمل للاشياء الذي يمثل عين العلم بالذات. والاخر الوجود بمعناه الفعلي، حيث انه دال على البساطة دون التركيب.

اذن يمكن انتزاع قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء) عبر منطق السنخية مضافاً الى حقيقة الوجود البحت، حيث لا بد من افتراض ان الاصل الاول بسيط الذات رغم انه يشتمل على كل شيء. فمن حيث انه محض الوجود يثبت كونه بسيطاً، ومن حيث منطق السنخية يثبت كونه كل الاشياء. لكن المشكلة هو ان حضور السنخية يغيّب عنصر البساطة، كما ان حضور الوجود البحت يغيّب الكثرة او كلية الاشياء. فبين الامرين شيء من التعارض، وان اثبات احدهما لا يمهد السبيل للاخر، وبالتالي فان القول بان الحق بسيط الحقيقة لا يعني انه كل شيء، والقول بانه كل شيء لا يعني انه بسيط الحقيقة.

وحول الامر الاول، فمن العجب والغرابة أن يمنع الفلاسفة المسلمون الاوائل وجود الكثرة المجملة في ذات الحق واضطروا لاجل تصحيح العلم الالهي ان يحولوا الصور والكثرة الى المعلول الاول كي لا يلزم التركيب وحلول الاشياء في ذاته تعالى، رغم انهم سلموا بمنطق السنخية وما تفضي اليه من قضايا عديدة؛ كقاعدة العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول وقاعدة الامكان الاشرف ونظرية الفيض وغيرها من القضايا الفلسفية الاخرى.

أما الامر الاخر، وهو المتعلق ببساطة حقيقة الذات الالهية، فهو الذي اخذ به اولئك الفلاسفة، مما يعني انهم كانوا يدركون استحالة الجمع بين القول بوجود الكثرة العلمية في الذات الالهية وبين اعتبار حقيقة هذه الذات بسيطة، او انهم كانوا يتصورون ان ذلك يبعث على التناقض. وعليه فقد وافقوا على الثاني ومنعوا الاول. الامر الذي خالفهم عليه ابن رشد، اذ اعلن صراحة ولاول مرة بوجود الكثرة العلمية في ذات الحق تعويلاً على اعتبارها كل الاشياء، وكذا الحال مع الصوفية ايضاً43، فهم عدوا المبدأ الاول واحداً يحمل في ذاته تلك الكثرة المجملة، وصح عندهم انه الواحد الكثير، مما يتفق مع منطق السنخية.

لكن السؤال المطروح هو كيف يمكن الجمع بين البساطة وحمل الكثرة او الكل كما تفترضه قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء)؟ ذلك ان هذا الجمع يوحي بالتناقض، اذ كيف يمكن التوفيق بين قبول وجود الكثرة في ذات الحق وبين اعتبار هذه الذات عقلاً واحداً بسيطاً من دون تكثر ولا تركيب؟ فهذا التناقض الظاهر هو ما فرّ منه الفارابيان فاختارا طريقهما بانكار الكثرة في الذات حفاظاً على بساطتها ووحدتها.

لذلك اعتبرت القاعدة المذكورة من الامور الغامضة وغير المتقنة لدى الفلاسفة، وهو ما جعل صدر المتألهين لا يعترف لأحد قبله بمحالفة الحظ في ان يتيسر له فهمها وتحصيلها، فقال بهذا الصدد: ‹‹اعلم ان كون ذاته عقلاً بسيطاً هو كل الاشياء امر حق لطيف غامض، لكن لغموضه لم يتيسر لاحد من فلاسفة الاسلام وغيرهم - حتى الشيخ الرئيس - تحصيله واتقانه على ما هو عليه، اذ تحصيل مثله لا يمكن الا بقوة المكاشفة مع قوة البحث الشديد، والباحث اذا لم يكن له ذوق تام وكشف صحيح، لم يمكنه الوصول الى ملاحظة احوال الحقائق الوجودية، واكثر هؤلاء القوم مدار بحثهم وتفتيشهم على احكام المفهومات الكلية، وهي موضوعات علومهم دون الإنيات الوجودية، ولهذا اذا وصلت نوبة بحثهم الى مثل هذا المقام ظهر منهم القصور والتلجلج والتمجمج في الكلام››.44

مع هذا فقد جرى اثبات تلك القاعدة ببعض الطرق الغريبة التي لا تشبع ولا تغني من جوع، كطريقة نفي التركيب وعدم التناقض. اذ حاول صدر المتألهين اثبات ان نفي تلك القضية يفضي بالذات الى التركيب والخلط بين الواجب والممكن، فلو لم يكن الواجب وجوداً لكل شيء فانه لا يكون بسيط الذات ولا محض الوجود، بل يصبح وجوداً لبعض الاشياء وعدماً للبعض الاخر، فيلزم منه التركيب والخلط بين الواجب والممكن. وتوضيح ذلك انه اذا فرضنا بسيطاً كـ (ج) مثلاً، وقلنا ان (ج) ليس هو (ب)؛ فان حيثية كونه (ج) هي غير حيثية كونه ليس (ب)، اذ لو كان ذلك الايجاب وهذا السلب امراً واحداً للزم من مفهوم الانسان - مثلاً - ان يعقل مفهوم كونه ليس بفرس، او ما شابه ذلك، وهو واضح البطلان، فعلم بذلك ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة، بل ذاته مركبة من جهتين، جهة بها هو كذا، وجهة بها هو ليس كذا، وبالتالي فبعكس النقيض يصبح من الضروري ان يكون بسيط الحقيقة كل الاشياء.45

كما حاول صدر المتألهين ايضاً ان يستدل على تلك القاعدة من خلال عدم التناقض بنفس صورة ذلك البرهان، فاعتبر ان السر في عدم اعتبار حيثية كون الشيء (ج) هي نفس حيثية كونه ليس بـ (ب)؛ هو لاستحالة اجتماع الوجود والعدم في امر واحد، فالشيء الواحد لا يمكن ان يكون مصداقاً للوجود والعدم من جهة واحدة، وعليه لو كان (ج) بسيط الحقيقة لكان من الضرووري ان يكون عين (ب) و(م) و(ق) الخ... فسلب بعض هذه الاشياء عنه يفضي به الى التناقض لاجتماع الوجود والعدم.46

وفي هذه الحالة نجد جواباً على الاشكال الذي قد يرد، وهو انه لِمَ لا يكون سلب الامر العدمي ايضاً مما يفضي بالمبدأ الحق الى التركيب؟ فحيثية كونه كذا هي كذلك غير حيثية كونه ليس كذا على النحو العدمي، لذا يستلزم ان يكون المبدأ الحق مركباً بهذا الاعتبار، فيبطل البرهان بذلك.

والجواب هو ان نفس سلب الامر العدمي يعتبر اثباتاً للامر الوجودي، حيث ان سلب السلب وجود، لذا يتعين كون بسيط الحقيقة هو عين السلب لكل العدم، وذلك بنفس الحيثية التي يمثل فيها كل الوجود. غير ان الاشكال الحقيقي هو ان ذلك البرهان ملفق من قضيتين متفاوتتين في نفس الامر او الحقيقة، احداهما تعبر عن حقيقة الشيء بما هي، وذلك حين نصفه بانه ذو حيثية كذا، والاخرى خارجية لا تعبر عن تلك بما هي هي باي نحو، بل انها منتزعة عقلاً ومضافة الى غيرها خلاف الاولى التي يرجع اليها مدار الحكم من دون تناقض ولا تركيب، والا كان التناقض يصدق على كل فرد من الممكنات عند تعريفه بحيثية مع سلب الحيثيات الخارجية الاخرى عنه. وبالتالي فان ما فعله صدر المتألهين هو انه اصطنع قضية خارجية واضافها الى القضية الحقيقية ليصور التناقض الحاصل بينهما، في حين ان النتيجة التي خرج بها هي في حد ذاتها لا تدل على اثبات البساطة، وانما تنفيها كلياً، لان البسيط لا يمكن ان يجتمع مع وجود الكثرة اذا ما اعتبر بسيطاً من كافة الحيثيات والجهات، فحيثية كونه (ب) هي ليست حيثية كونه (ج) او (م) او (ق) الخ. فهذه حيثيات وجودية كثيرة تتنافى مع المقدمة التي افترضها وهي وجود حيثية واحدة، بحيث عنده انها تفضي الى التناقض عندما يجتمع فيها الامر الوجودي مع الامر العدمي السلبي. فالذي اراده صدر المتألهين هو اثبات وجود حيثيات كثيرة مع افتراض وجود حيثية واحدة، وهل هذا الا تناقض؟!

على انه لو صدق البرهان السابق لكانت مقالة الصوفية احق بذلك من الاشراقيين، فاعتبار الحق كل الاشياء على الوجه الرفيع؛ لا يخلو من سلب يخص الوجودات الناقصة المتمثلة بالممكنات، فيفضي بحسب البرهان الى التركيب والتناقض، خلافاً للمتبنى الصوفي، ففيه يصبح المولى عين كل شيء حقيقة من دون سلب شيء عنه اطلاقاً.

ولو قيل ان سلب الوجودات الناقصة عن المبدأ الحق هو بعينه يمثل اثباتاً للوجود والكمال باعتبارها ناقصة ومشوبة بالعدم، كما جاء عن الاخوند النوري47؛ لقلنا بالنيابة عن اهل التصوف ان هذا النقص والعدم لا يكون الا باعتبار التعينات المقيدة، أما مع الاطلاق وعدم التقييد فلا تعتبر ناقصة ولا عدمية، بل انها عين الوجود والكمال. او كما قال العارف حيدر الاملي بأن الفقر والاحتياج في الوجود الحق لا يدل على النقص الا اذا كان بالنسبة للغير، وحيث انه لا وجود لغير الحق وان مظاهره ليست مغايرة له، فلا حاجة ولا فقر الا لذاته، وبالتالي فليس هناك من نقص البتة.48

والواقع ان من غير الممكن الجمع بين بساطة المبدأ الحق وبين اثبات كونه كل الاشياء، فذلك ما يبعث على التناقض، ويصبح ان منطق السنخية يستلزم نفي البساطة واثبات التركيب في وحدة ذلك المبدأ، وإن كان هذا لا يعني القول بتعدد القدماء مثلما ظن السيد الرشتي، فهو قد نفى وجود الكثرة في ذات الحق باعتبارها تؤدي الى التركيب والتعدد، ونقل انه ناظر بعض المتفلسفين حول تلك الشبهة فاجابه المناظر بأن وجود تلك الكثرة لا تضر في وحدة الذات ان كانت قديمة بتفاصيلها ما دامت غير مستقلة49. وبالفعل فان عدم استقلالها دال على نفي التعدد في القدماء، ولكنه لا يدل على نفي التركيب. لذلك قد صدق قول بعض شارحي (فصوص الحكم) عندما اعتبر تلك الكثرة لا تتنافى مع الوحدة، بل لدى العرفاء يصح القول: هو الواحد وهو الكثير50، فتلك الكثرة ما هي الا عين الحق من حيث الحقيقة والوجود، وان كانت غيره من حيث التعين والتقيد51. فهو الواحد الكثير، وهو الفرد المركب، بلا تعدد في القدماء.

ب ـ مشاكل أخرى حول النظرية

لا شك ان هناك اشكالات عديدة واجهت النظرية السابقة التي جمعت بين العلمين الصوري والشهودي، اهمها ما يلي:

1ـ ما ذكره المحقق البهائي وتبعه المدقق الخوانساري من ان علم الحق تعالى لما كان عين ذاته، وحيث ان ذاته مجهولة الكنه، فان علمه لا بد ان يكون مجهولاً، فكيف ينص على كيفيته؟

وقد اجاب الحكيم الكيلاني بما خلاصته ان الفلاسفة لا يدّعون معرفة كيفية علمه الاجمالي الذي يمثل عين الذات، فمن المسلّم به انه ليس معلوماً لأحد، وانما ينحصر النزاع فقط حول كيفية علمه التفصيلي للاشياء، وهو ما يأتي بعد مرتبة الذات.52

لكن من الواضح ان هذا الجواب غير صحيح، اذ الفلاسفة لا يخفون امر كيفية علمه الاجمالي المتمثل بعين الذات، سواء بالتنصيص او الادعاء، كما هو الحال مع صدر المتألهين الذي ادعى معرفة ذلك ولم يصرح به كاملاً في (الشواهد الربوبية)، معتذراً عنه لجهة غموضه وعسره على اكثر الافهام، فقال بهذا الصدد: ‹‹ولا ارى في التنصيص عليه مصلحة لغموضه وعسر ادراكه على اكثر الافهام، ولكني اشير اليه اشارة يهتدي بها اليه من وفق له وخلق له، وهو ان ذاته تعالى في مرتبة ذاته مظهر جميع صفاته واسمائه كلها وهي ايضاً (مجلاة) يرى بها وفيها صور جميع الممكنات من غير حلول ولا اتحاد››.53

لكنه في (اسرار الآيات) اعتبر ان العارفين اذا ما اجتازوا عالم الروح ومن ثم فنوا بسطوات الجلال عن انانية وجودهم ووصلوا الى لجة بحر الحقيقة؛ كوشفوا بهوية الحق تعالى، واذا استغرقوا في بحر الهوية الاحدية وبقوا ببقاء الالوهية عرفوا الله بالله، وعرفوا به كل شيء.54

ورغم ان الفلاسفة يصرحون احياناً بكون الذات الالهية مجهولة لا تعلم، الا ان اعتبارها تمام الاشياء تبعاً لمنطق السنخية او قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء) يجعل منها حقيقة معلومة على نحو الاجمال من غير احاطة. لهذا فان ادراك الاشياء يعبر في حد ذاته عن ادراك المبدأ الحق وإن لم نشعر55. ناهيك عما يدعى فيه من مكاشفة هويته ومشاهدة ذاته عيناً عبر ارتفاع الحجب النورية والظلمانية عن العرفاء الكاملين.56

2ـ كما قد يقال ان وجود حوادث غير متناهية يقتضي ان يرافقها وجود علم شهودي مراتبه غير متناهية ايضاً، اي انه لا بد ان تكون لذات الحق علوم غير متناهية.

فعن هذه المشكلة اجاب البعض ان مراتب الوجود في السلسلة النزولية عند الفلاسفة اربع، هي العقل والنفس المجردة والنفوس المنطبعة والاجسام. فالثلاثة الاولى علة لما تحتها، وليس شيء من الاجسام علة لما بعده، بل الافراد المتوالية معدات لتاليها. وعليه فان العلم الالهي التفصيلي له اربع مراتب، وليست هناك علل غير متناهية حتى يلزم منها علوم غير متناهية.57

والواقع ان عدم وجود علل لا متناهية لا ينفي بالضرورة وجود علوم غير متناهية، بل وجود الحوادث والمعدات غير المتناهية هي مبرر العلم الشهودي غير المحدود، كما ان احاطة الحق بجميع الاشياء ازلاً وابداً يقتضي ان تكون ذاته وعلمه الشهودي غير متناهيين. ولا تشكل هذه المسألة مشكلة لدى الفلاسفة، باعتبارهم لا ينكرون العلم اللامتناهي الذي يلزم عن تلك الذات غير المحدودة.

على ان الكيلاني دفع شبهة مفادها ان معلومات الحق لما كانت غير متناهية بالفعل فانه على ذلك يلزم وجود امور غير متناهية بالفعل ايضاً، وهو ما يبطله برهان التسلسل الممتنع، فأجاب عن هذه الشبهة وهو ان ذلك البرهان لا يجري في الامور المترتبة، فالاجتماع شرط في جريان البرهان58. مع انه قد يقال ان وجود معلومات غير متناهية بالفعل يقتضي وجود امور مجتمعة وغير متناهية فعلاً، استناداً الى علاقة العلية وما تتضمنه من اقتران ومعاصرة. فهي شبهة لا تختلف عن شبهة العلم الشهودي وعلاقته بحضور كل الكائنات ازلاً وابداً.

3ـ وهناك شبهة ترى ان العلم الشهودي للحوادث المتغيرة لا بد ان يكون متغيراً هو الاخر. وهذا ما الزم القائلين بالعلم الشهودي الى الاعتراف بكون حضور تلك الحوادث بالنسبة الى الذات الالهية هو حضور ثابت ليس فيه عدم ولا غياب. لكن هذه النتيجة تقتضي ان تكون الحوادث ثابتة ازلاً وابداً، فهي قديمة وابدية. الامر الذي يتسق ومنطق السنخية، حيث ان العلاقة التي تربط الشهود العلمي بالحوادث هي علاقة مبتنية على الايجاد والسببية.59

4ـ تبعاً لنظرية اتحاد العاقل بالمعقول والحاس بالمحسوس وكذا الشاهد بالمشهود فان ذلك يفضي الى القول بنظرية وحدة الوجود الصوفية، حيث يصبح الحق عين الكل باعتباره يشاهدها كلاً من غير غياب.

5ـ بالاضافة الى ما سبق هناك مشكلة تتعلق بكيفية علم المبدأ الحق بالمعدومات، اذ بحسب منطق السنخية يلزم ان لا يكون هناك علم بها، باعتبار ان الحق يمثل عين صور الاشياء جميعاً. فالمعلوم هو الموجود، والموجود هو المعلوم، وما ليس بمعلوم فهو غير موجود، كذلك فان ما ليس بموجود فهو غير معلوم. الامر الذي يفضي الى نفي الكثير من العلم، كالمفاهيم الشرطية والاعتبارية مثل مفهوم الواجب والممتنع، كما نبّه عليه الفخر الرازي.60

وعلى الرغم من ان بعض الفلاسفة كابن سينا كان صريحاً في نفيه لمثل هذا العلم؛ الا انه لم يعط تفسيراً حقيقياً للمسألة. انما نجد التفسير الحقيقي لدى ابن رشد في تلخيصه لمذهب قدماء الفلاسفة وعلى رأسهم ارسطو، فذكر ان هؤلاء لما وقفوا بالبراهين على ان الحق لا يعقل الا ذاته، فان ذاته تكون عقلاً بالضرورة، والعقل انما يتعلق بالموجود لا بالمعدوم، وليست هناك موجودات الا هذه الموجودات التي نعلمها، وعليه لا بد ان يتعلق العقل بها دون سواها.61

وحتى ما قد يقال بأن الفلاسفة انما نفوا علمه بالمعدومات لكون علمه هو نفس قدرته وارادته، والمعدوم لا ارادة ولا قدرة عليه، فحتى هذا التفسير لا يصح ما لم يكن ارجاعه الى طبيعة العلاقة بين العلة ومعلولها، فالعلة تحمل كل ما لدى المعلول، وان علمها بذاتها هو علمها بهذا المعلول على اتم وجه، وبالتالي فان العلم لا يتعلق الا بما هو موجود سواء كان هذا الموجود واجب الوجود بذاته او بغيره.

لكن مع هذا حاول شيخ الاشراق السهروردي ان يثبت العلم بالمعدومات بطريقة متأخرة عن ذات المبدأ الحق، فظن ان علمه بالمعدوم يحصل من خلال تعينه في مدارك الاخرين62. وهذا الرأي لا يخلو من اشكالين، احدهما ان من المفروض طبقاً لمنطق السنخية ان لا يتعين شيء في عقول الاخرين الا ويكون له اصل كامل في الذات الالهية، مما يعني ضرورة ان تكون فكرة العدم متأصلة في هذه الذات، والا لما امكن استحضارها من قبل مدارك الاخرين. أما الثاني فهو ان هناك معدومات لا يمكن للاذهان استيعابها؛ لانها غير متناهية، كما هو الحال مع القضايا الافتراضية المستندة الى الواقع؛ من قبيل التنبؤ بمصير الاسلام على فرض عدم مقتل عثمان، او من قبيل مصير العالم على فرض انتصار هتلر في الحرب العالمية الثانية، وما الى ذلك من تنبؤات غير متناهية للحوادث المعدومة.

وعلى العموم انه لا يوجد تبرير حقيقي لدى النظام الوجودي يثبت العلم الالهي لهذا الشكل من التنبؤات، لكونه يتنافى ومنطق السنخية.

6ـ على رأي الكيلاني انه لا غنى للفلاسفة من الاعتقاد بوجود علم يسبق وجود الاشياء ويتقدم عليها كلياً، وذلك لاجل اثبات الاختيار الالهي، بل واثبات التكليف والثواب والعقاب، والا بطلت جميع هذه الامور، حيث يكون منشأ الاشياء الموجودة انعكاساً فعلياً لما عليه العلم الالهي، وهذا ما جعله يعد العلم تابعاً للمعلوم وليس العكس63. مع ان ما يتحدث عنه الكيلاني انما هو خارج المنظومة الفلسفية، لكونه يصطدم مع ما تتطلبه قوانين العلية من المعاصرة بين العلة والمعلول، وكذا العلم والمعلوم. فالتقدم المعترف به عند الفلاسفة هو تقدم الرتبة، اي تقدم رتبة العلة على معلولها، والعلم على المعلوم. وبالتالي فان اسبقية العلم على وجود الاشياء هي اسبقية رتبة، وان مبرر هذه الاسبقية مستمد بحسب منطق السنخية من علم الذات الالهية بنفسها وبغيرها، تبعاً لمبدأ (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول)، او لمبدأ (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، ولا علاقة لكل ذلك بقضية الاختيار وكذا اثبات التكليف والثواب والعقاب.

7ـ ان منهج النظام الوجودي لتحديد العلم الالهي يستلزم الجبر المحض، وذلك سواء أخذنا بطريقة الفلاسفة او بمسلك العرفاء. فبكلا النهجين ان ايجاد العالم يستند الى علمه بالعناية. والعناية عند الفلاسفة هي العلم بالنظام الاتم للعالم والذي يمثل عين ذاته64. ولا شك ان هذا التقدير لا يدع فرصة لتبرير وجود علم ببقية النظم الممكنة، باعتبارها من المعدومات، الامر الذي يتنافى مع شرط حصول الاختيار. فالاخير لا يتحقق الا مع وجود امكانين معلومين على الاقل، كي يمكن ترجيح احدهما على الاخر. مما يعني ان علم الحق بالعناية يصبح فاقداً لبعض وجوه العلم والاختيار معاً. اضافة الى ان اعتبار علمه وتعقله عين الوجود والايجاد؛ هو في حد ذاته مما يستلزم نفي الارادة والاختيار.

والشيء ذاته ينطبق على نظرية العرفاء، فالعناية الالهية كما يحددها القيصري على قسمين: قسم تقتضيها العين الثابتة باستعدادها، فتكون العناية تبعاً لها، وقسم تقتضيها الذات الالهية لا العين الثابتة. والقسم الاول هو بحسب الفيض المقدس المترتب على الاعيان واحوالها واستعداداتها. اما الثاني فهو بحسب الفيض الاقدس الجاعل لها ولاستعداداتها. وهذه العناية متبوعة اذ يترتب عليها الفيض الاقدس65. والملاحظ انه سواء كانت العناية بحسب الفيض الاقدس او المقدس، فانه لا مجال للارادة والاختيار مطلقاً.

***

هكذا كنّا امام اربع نظريات تعبر كل منها بطريقتها الخاصة عن علم الذات بالاخر، لكنها جميعاً لا تخلو من الاشكال والعيوب كالذي مرّ علينا: الاولى صورية بعد الذات الالهية كما هي نظرية الفارابيين، والثانية صورية ضمن الذات الالهية كالتي حددتها نظرية ابن رشد، والثالثة شهودية حضورية كما تتمثل في نظرية السهروردي، أما الرابعة فهي جامعة للنظريتين الاخيرتين كالتي جاءت على لسان صدر المتألهين.

 

الخلاصة

نستخلص مما سبق النقاط التالية:

* عرفنا ان السؤال المركزي في بحث النظام الوجودي هو تفسير كيفية العلم الالهي بالغير او الاخر. اي ما هو مبرر علم الحق تعالى بغيره من الموجودات؟ حيث هناك عدد من النظريات التي تخص طبيعة العلم الالهي وعلاقته بالاشياء او الاخر. فهناك نظرية الفارابيين ونظرية ابن رشد وكذا السهروردي ثم العرفاء وصدر المتألهين.

* تمتاز نظرية الفارابي في العلم الالهي للاشياء بانها صورية ذهنية، وان العلم فيها يكون بعد المبدأ الاول وليس في الذات الالهية، وذلك خشية من اقتضاء التركيب والكثرة في الذات، وان هذا العلم يشترط فيه ان يكون كلياً وليس جزئياً. واهم ما عرفناه في هذه النظرية هو انها لا تتسق والمبدأ الفلسفي (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول)، ذلك ان تبرير هذا العلم لا يحصل الا بالاعتراف بوجود المسانخة والمشاكلة بين العلة والمعلول، فيقتضي الامر ان تكون صورة المعلول موجودة سلفاً في العلة، وبالتالي فان صور الاشياء لا بد ان تكون حاضرة في الذات الالهية باعتبارها علة الاشياء كلها.

* لقد تجاوزت نظرية ابن رشد المشكلة التي صادفتها نظرية الفارابي، حيث تم الاعتراف بكون الذات الالهية حاملة لصور جميع الاشياء وان العلم الالهي هو ليس من العلم الجزئي ولا الكلي، وان هذا الامر يتفق وطبيعة المبدأ الفلسفي (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول). لكن مشكلة هذه النظرية هو فصلها بين الذات الالهية والمادة، الامر الذي يتعذر فيه تفسير كيفية العلم الالهي للحوادث المستقبلية الكامنة في المادة. علماً ان هذه النظرية تفضي الى المقالة الصوفية الشخصية، وذلك بمبرر ان لا شيء يعلمه المفارق الا ويتحد به، لعدم وجود المادة المانعة من الاتحاد، وان منشأ هذا الاتحاد هو من حيث علم المعلول بعلته، حيث تصبح سلسلة العلل والمعلولات بعضها متحداً بالبعض الاخر، والكل متحداً بالذات الالهية.

* وبخصوص نظرية السهروردي الاشراقية فانها تجاوزت النظريات التي سبقتها حول العلم الالهي، فهي عدت هذا العلم ليس علماً صورياً ذهنياً وانما هو علم نوري شهودي، حيث لا تغيب عنه الاشياء الخارجية. او ان هذه النظرية تقتضي ان يكون للاشياء حضور ثابت وازلي لا غياب فيه، وهو امر انعكست عليه العديد من المشاكل الفلسفية.

* أما نظرية صدر المتألهين فقد جاءت لتجمع بين النظريتين الصورية والنورية، حيث ان الذات الالهية عبارة عن صور الاشياء كلها مثلما هو منطق النظرية الصورية لابن رشد. كذلك فان لها العلم الشهودي حيث تكون الاشياء حاضرة مشهودة امام الحق بلا غياب. ومع ان هذه النظرية حاولت ان تجمع بين امرين متضادين في الذات الالهية، هما البساطة وصور كل الاشياء، وذلك من خلال مبدأ (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، الا انها لم تفلح في البرهنة على هذا المبدأ.

* كما علمنا ان الفلاسفة طرحوا بهذا الصدد مبررين، كلاهما يعبران عن قاعدتين فلسفيتين، احداهما تنص بالقول: (بسيط الحقيقة كل الاشياء)، والاخرى تنص: (العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول)، وكلا القاعدتين يستمدان مشروعيتهما من منطق السنخية. وتبعاً لهاتين القاعدتين لا بد ان تكون ماهيات الاشياء مع كثرتها موجودة بوجود واحد، والحق يعقلها بعقل واحد هو كون وجوده نفس عاقليته، فهذا الوجود هو بعينه علم بالاشياء التي هي عين ذاته.

* واهم ما في هذا البحث هو اننا عرفنا بان الادراك يساوق الوجود، فحيث هناك وجود هناك ادراك، والعكس صحيح. لكن حيث ان للوجود مراتب مختلفة ومتفاضلة؛ لذا كان للادراك مراتب مختلفة ومتفاضلة ايضاً. فالادراك منبسط بانبساط الوجود، حيث الوجود ادراك، والادراك وجود. علماً بان هذه العملية الادراكية من الوجود هي السبب في تنزيل المراتب، وهي السبب في التفاضل بينها، فالتنزيل هو تنزيل ادراكي، كما ان نشأته تمت بفعل ما لدى المراتب الوجودية من صور ادراكية متباينة بحسب ما هي عليه من مقام معلوم.

1 المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص858 وما بعدها.

2 محمد ابراهيم الفيومي: تاريخ الفلسفة الاسلامية في المغرب والاندلس، دار الجيل، بيروت، الطبعة الاولى، 1417هـ - 1997م، ص404.

3 شرح ثامسيطوس لكتاب حرف اللام لارسطو، ضمن: ارسطو عند العرب، دار القلم، بيروت، ج1، ص20-21.

4 يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الاوربية في العصر الوسيط، دار الكتاب المصري، الطبعة الاولى، 1946م، ص30.

5 افلوطين عند العرب، نصوص حققها وقدم لها عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، 1955م، ص202.

6 افلوطين عند العرب، ص209، كذلك ص 32-33.

7 انظر رسائل الفارابي التالية: رسالة الفصوص، ضمن الثمرة المرضية في بعض الرسالات الفارابية، تصحيح الشيخ فريد، خ. ديتريصي، طبع في مدينة ليدن، ص78. ورسالة الدعاوي القلبية، ضمن رسائل الفارابي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأُولى، 1345هـ - 1926م، ص4. ورسالة التعليقات، ضمن رسـائل الفارابي السابقة، ص8.

8 ابن سينا: الاشارات والتنبيهات، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف بمصر، طبعة ثانية، القسم الثالث، ص201.

9 كتاب الفصوص، ضمن رسائل الفارابي، مصدر سابق، ص5.

10 رسالة التعليقات، ضمن رسائل الفارابي، مصدر سابق، ص8.

11 الفارابي: السياسة المدنية، حققه وقدم له وعلق عليه فوزي متري نجار، انتشارات الزهراء، ايران، 1408هـ، ص34.

12 انظر ابن سينا: التعليقات، ص120و152و154. وصدر المتألهين: المبدأ والمعاد، ص98. وملا نظر علي الكيلاني: رسالة تحفه، ضمن رسائل فلسفي، تصحيح وتعليق جلال الدين اشتياني، انتشارات أنجمن اسلامي حكمت وفلسفه ايران، ص419.

13 ابن سينا: التعليقات، ص48-49 و149.

14 إبن سينا: الاشارات والتنبيهات/القسم الثاني، ص133-134. وعبد الرحمن الجامي: الدرة الفاخرة، مع انضمام حواشي وشرح لعبد الغفور اللاري مع حكمت عمادية، مؤسسة مطالعات اسلامي، دانشگاه مك گيل، شعبة طهران، 1980م، ص14-18.

15 الاشارات والتنبيهات، قسم 3، ص202.

16 الفارابي: رسالة التعليقات، نفس المعطيات السابقة، ص11.

17 ابن سينا: رسالة التعليقات، ص14و66. كذلك: الاشارات والتنبيهات/ القسم الثالث والرابع، دار المعارف بمصر، 1985م، ص717-720.

18 المبدأ والمعاد لابن سينا، ص32.

19 الطوسي: مصارع المصارع، نفس المعطيات السابقة، ص135.

20 تهافت الفلاسفة، مصدر سابق، ص307-308.

21 المصدر السابق، ص177-179.

22 تهافت التهافت، ص343.

23 عن: سليمان دنيا: الحقيقة في نظر الغزالي، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة، 1971م، ص395.

24 المصدر السابق، ص396.

25 تهافت التهافت، ص343-345 و507. كذلك ابن رشد: تفسير ما بعد الطبيعة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1986 1م، ج3، ص1708.

26 تهافت التهافت، ص506-507.

27 تهافت التهافت، ص217-218.

28 المصدر السابق، ص205-206.

29 تفسير ما بعد الطبيعة، ج3، ص1707-1708 .

30 تحفه، ص247-248.

31 تهافت التهافت، ص338.

32 المصدر السابق، ص204.

33 المشارع والمطارحات، نفس المعطيات السابقة، ص487-488.

34 صدر المتألهين: شرح الهداية الاثيرية، ص323-325. والمبدأ والمعاد، ص101و104-106.

35 الاسفار، ج6، ص284.

36 رسالة تحفه، مصدر سابق، ص256 و251. ومفاتيح الغيب، ص270.

37 الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج1، ص217.

38 الاملي: جامع الاسرار، ص180-181. ونقد النقود، ص684.

39 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص72.

40 الشواهد الربوبية، ص52. والمبدأ والمعاد، ص491.

41 شرح الهداية الاثيرية، ص323.

42 تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج3، ص373-374.

43 نعتقد ان رسالة ابن سينا (العرشية) تتضمن اعتبار المبدأ الحق كل الاشياء، وان علمه بها يأتي من حيث علمه بذاته، وإن لم يصرح بذلك، بدلالة انه يعد ذات الحق مرآة ترى فيها الممكنات.

44 الاسفار، ج6، ص239.

45 صدر المتألهين: اسرار الايات، مقدمة وتصحيح محمد خواجوي، انتشارات انجمن اسلامي حكمت وفلسفه ايران، 1402هـ، ص37. وعرشيه، تصحيح وترجمة فارسية بقلم غلام حسين آهني، كتابفروشي شهريار، اصفهان، 1341هـ.ش، ص221. كذلك: شرح رسالة المشاعر، مصدر سابق، ص236-241.

46 ملا علي نوري: رسالة بسيط الحقيقة كل الاشياء، ضمن رسائل فلسفي، تعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، انتشارات انجمن اسلامي حكمت وفلسفه ايران، ص9-10.

47 رسالة بسيط الحقيقة، ص11.

48 نقد النقود، مصدر سابق، ص679.

49 كاظم الرشتي: شرح آية الكرسي، طبعة حجرية قديمة، ص74.

50 عبد الرحمن الجامي: الدرة الفاخرة، مصدر سابق، ص18-19.

51 الاسفار، ج6، ص262.

52 لاحظ : تحفه، ص267.

53 الشواهد الربوبية، ص40.

54 اسرار الايات، ص105-106.

55 ايقاظ النائمين، ص46.

56 مفاتيح الغيب، ص 190-191. واسرار الايات، ص22-23 و105-106.

57 تحفه، ص258.

58 تحفه، ص264.

59 انظر بهذا الصدد التفصيل الذي ذكرناه ضمن: مدخل الى فهم الاسلام.

60 فخر الدين الرازي: اصول الدين، راجعه وقدم له وعلق عليه طه عبد الرؤوف سعد، دار الكتاب العربي، 1404هـ - 1984م، ص62

61 انطون غطاس كرم وكمال اليازجي: اعلام الفلسفة العربية، لجنة التأليف المدرسي في بيروت، الطبعة الثانية، 1964م، ص803.

62 تحفه، ص263 و310.

63 تحفه، ص247.

64 انظر الاسفار، ج7، ص56-57. ومن ذلك ما يصرح به ابن سينا في (التعليقات، ص18) من ان نفس معقولية الاشياء هي ذاتها عبارة عن علة وجود الاشياء.. فليس هناك الا العلم المطلق بنظام الموجودات، وعلمه بأفضل الوجوه التي يجب ان تكون عليها الموجودات وترتيبها. فهذا العلم هو العناية بعينها، فانّا لو رتبنا امراً موجوداً لكنا نعقل اولاً النظام الافضل ثم نرتب الموجودات التي كنّا نريد ايجادها بحسب ذلك النظام وبمقتضاه. فاذا كان النظام والكمال نفس الفاعل وان الموجودات تصدر على مقتضاه، فان العناية تكون حاصلة، وهي نفس الارادة، والارادة نفس العلم، والسبب في ذلك ان الفاعل والغاية شيء واحد.

65 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص233-234.

comments powered by Disqus