-
ع
+

ظاهرة النسخ في الخطاب الديني ودلالاتها

يحيى محمد

نعلم أن الخطاب موظف أساساً لتغطية الواقع، وبالتالي فمن المحال فهمه بنص مجرد من غير علاقة بالأخير. فالإقتصار على النصوص المجردة يبقي التعارض بين المطلقات قائماً، أو يجعل الخطاب بعضه يتضارب مع البعض الآخر. وعليه لا يمكن حل مثل هذا التعارض إلا بفهم الواقع التفصيلي الذي نزل فيه الخطاب.

فنحن نعلم أن آية النسخ ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها..))[1]؛ نزلت - كما ذكر المفسرون - لأن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم ويأمرهم بخلافه[2]. وكذا هو حال علة نزول آية التبديل ((وإذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما يُنزّل قالوا إنما أنت مفتر، بل أكثرهم لا يعلمون))[3]، حيث جاء عن إبن عباس أنه قال: ‹‹كان إذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية فيها لين، تقول قريش: والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمرهم بأمر، وغداً ينهاهم عنه؟ ماهو إلا مفتر، فأنزل الله تعالى: ((وإذا بدلنا..))››. وقد اعتمد على ذلك عدد من المفسرين مثل القرطبي والزمخشري والطبرسي وغيرهم. فمثلاً يقول الزمخشري بهذا الصدد: ‹‹.. وكانوا يقولون أن محمداً يسخر من أصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، فيأتيهم بما هو أهون، ولقد افتروا، فقد كان ينسخ الأشق بالأهون، والأهون بالأشق، والأهون بالأهون، والأشق بالأشق، لأن الغرض المصلحة لا الهوان والمشقة..›› [4]. وهو رد على من اعتبر أن من أغراض النسخ التيسير[5].

والواقع أن العديد من قضايا الخطاب التي ظاهرها التضارب بين المطلقات تعبر عن تضارب الأحوال والظروف، بل وتكشف عن ظاهرة الجدل بين جهتين؛ نص الخطاب ومظاهر إطلاقه من جهة، والإنشداد للظرف والواقع من جهة أخرى. وليس هناك أمر أهم من هذا التضارب الذي يهدي الباحث إلى منطق ‹‹الإسترشاد››. فالمطلق حين يتضارب مع مطلق غيره لا يعني افناءه والقضاء عليه، بل ولا يعني بالضرورة أن يكون أحدهما مخصصاً ومقيداً للآخر، بل الأولى أن يتحول الأمر إلى نوع من النسبية. وكذا أن الإنشداد نحو ظرف ما حين يتضارب مع إنشداد آخر يتحولان بالنتيجة إلى ساحة إنفتاح تعلو على الظرف وتقضي على الإغلاق. فهذه الحقيقة هي ذاتها تؤكدها ظاهرة النسخ في الخطاب. فالنسخ هو هدم للمطلق وفتح للمغلق، فهو يعبر بالنهاية عن الإنفتاح النسبي بأخذ الواقع الإجتماعي بنظر الإعتبار دون التعالي عليه.

 

 ما هو النسخ ؟ 

القول بجواز ووجود نسخ في القرآن والسنة يكاد يكون مجمعاً بين العلماء، فلم ينكره على ما قيل إلا المفسر والمتكلم المعتزلي أبو مسلم الاصفهاني (المتوفى سنة 322هـ)، حيث نقل عنه قوله في النسخ بأنه غير واقع، ويأول ما يراه الجمهور نسخاً بأنه من باب إنتهاء الحكم لإنتهاء زمنه، ومثل هذا لا يعتبر نسخاً، وهو يستدل على ذلك بقوله تعالى: ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه))[6]. وربما كان هذا المتكلم هو المقصود من إشارة النحاس (المتوفى سنة 338هـ) وقوله بأن من المتأخرين من قال بأنه ليس في كتاب الله ناسخ ولا منسوخ[7]. كما ذكر القرطبي (المتوفى سنة 671هـ) بأن هناك طوائف من المسلمين المتأخرين انكرت جواز النسخ[8]. وحديثاً ألف الدكتور أحمد حجازي السقا كتاباً سماه (لا نسخ في القرآن)[9].

مهما يكن فمن المعلوم أن للنسخ أهمية كبيرة لمعرفة الأحكام والتشريع، حتى نقل عن الإمام علي (ع) قوله لقاصٍّ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت[10]. وجاء عن إبن سيرين قوله: أنه سئل حذيفة عن شيء فقال: ‹‹إنما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر، أو رجل ولي سلطاناً فلا يجد من ذلك بدّاً، أو متكلف››[11]. مع ذلك فقد اختلف الفقهاء والمفسرون حول تحديد مواضع النسخ وقضاياه، ويزداد الأمر تعقيداً حينما يتعلق بمعرفة ناسخ الحديث من منسوخه، حتى أن الإمام الزهري كان يقول: ‹‹أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله (ص) من منسوخه››[12].

ومن الناحية اللغوية يُقصد بالنسخ أنه مشتق عن معنيين، الأول هو الإزالة أو إبطال شيء وإقامة آخر مقامه، إذ يقال - مثلاً - نسختْ الشمس الظل إذا أزالته وحلّت محله، ونظيره قوله تعالى: ((فينسخ الله ما يلقي الشيطان))[13]. أما المعنى الآخر فهو النقل، كإن يقال نسخت الكتاب إذا نقلته من نسخته[14]. ومن معاني النسخ التبديل، كما في قوله تعالى: ((وإذا بدلنا آية مكان آية))[15]. وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث، أي تحويل الميراث من واحد إلى آخر[16].

أما من حيث الإصطلاح فقد عُرّف النسخ شرعاً بأنه ‹‹الإعلام بزوال، مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل آخر شرعي، متراخٍ عنه على وجه لولاه لكان الحكم الأول ثابتاً››[17]. وهو بهذا الإعتبار عبارة عن نوع من التخصيص، حيث أنه تخصيص في الأزمان[18]. ويطلق البعض على الحكم بأنه ناسخ مجازاً، إذ النسخ الحقيقي إنما يكون من عند الله، أي أن الرافع للحكم المنسوخ هو الله لا الحكم المجعول بعد رفع الحكم الأول[19]. والنسخ بهذا المعنى ليس له علاقة بالإخبار والوعد والوعيد وأمور العقائد، بل تتحدد علاقته بالأحكام من الأمر والنهي والإباحة. وقد اختلف العلماء فيما إذا كان يمكن للقياس والإجماع أن ينسخا النص أو لا. حيث أجاز جماعة نسخ القرآن والسنة بالقياس[20]. وحكى القاضي أبو بكر عن بعضهم بأن القياس ينسخ به المتواتر ونص القرآن، وحكى عن آخرين بأنه مما ينسخ به أخبار الآحاد فقط[21]. وقال بعض إنما يجوز النسخ بالقياس الجلي لا الخفي، كما هو الحال مع رأي أبي القاسم الانماطي (المتوفى سنة 288هـ)، وهو من أصحاب الشافعي. ورأى جماعة جواز النسخ بكل من القياسين الجلي والخفي، معللين بأن ما جاز التخصيص به جاز النسخ به بلا فرق. وهناك من اعتبر النسخ يجوز بالقياس القطعي دون الظني كما هو الحال مع الإمام الغزالي[22]. وذهب بعض المعتزلة وعيسى بن أبان من علماء الحنفية إلى جواز النسخ بدليل الإجماع[23].

بل ذهب جماعة من العلماء إلى إعتبار الناسخ والمنسوخ من وظيفة الإمام أو ولي الأمر؛ ينسخ ما شاء له من الأحكام[24].

ومثل ذلك أن الفيلسوف أبو نصر الفارابي قد جعل لرئيس المدينة دوراً في النسخ والتشريع لا يختلف عن ذلك العائد إلى الخطاب الديني، فاعتبر أن من الجائز له العمل على تغيير التشريع العائد إلى السابقين عليه من الرؤساء، فيما لو رأى الأصلح في التغيير، استناداً إلى تغيّر الظروف والأحوال[25].

لكن في قبال هؤلاء صرح القرطبي أنه بعد وفاة النبي ‹‹واستقرار الشريعة أجمعت الأمة أنه لا نسخ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، إذ انعقاده بعد إنقطاع الوحي. فإذا وجدنا إجماعاً يخالف نصاً فيعلم أن الإجماع إستند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن، وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به››[26].

ولدى جمهور العلماء أن في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من النسخ كالتالي:

 1ـ ما نسخ تلاوته وحكمه معاً.

 2ـ ما نسخت تلاوته دون حكمه.

 3ـ ما نسخ حكمه دون التلاوة[27].

والضرب الأخير من النسخ هو الذي أُلفت لأجله الكتب والمصنفات، وهو الذي يعنينا.

لقد عدّ المهتمون بعلوم القرآن الآيات التي نُسخت، وأحصاها المكثرون إلى ما يتجاوز المائتين آية، أغلبها لا يعتبر من النسخ حقيقة، بل يدخل ضمن عناوين العام والخاص والمطلق والمقيد وما إلى ذلك. فقد وصل عدد قضايا النسخ عند إبن الجوزي (247)، وعند إبن حزم (214)، وعند إبن سلامة (213)، وعند إبن بركات (210)، وعند أبي جعفر النحاس (134)، وعند عبد القاهر البغدادي (66) قضية[28]. وهناك من حسبها تقارب العشرين آية كما هو الحال مع السيوطي في (الإتقان)[29].

وفي القبال نرى الإمام الخوئي من المعاصرين يعترض على أغلب ما عُدّ من النسخ من الآيات. فهو يتقبل ظاهرة النسخ لدى أفراد محدودة جداً من الآيات، كآية النجوى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم))[30]؛ المنسوخة بآية ((ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون))[31]، ومثل ذلك اعترف - في محل آخر - بنسخ حكم التوجه في الصلاة إلى القبلة الأولى[32]. فالخوئي يعتبر أن القسم الذي يخضع إلى النسخ في القرآن هو عندما يكون الحكم الثابت بالقرآن يُنسخ بآية أخرى منه ناظرة إلى الحكم المنسوخ، ومبينة لرفعه، وهو أمر يعترف الخوئي بحصوله وإنْ لم يورد ضمن مصاديقه سوى آية النجوى. في حين على رأيه أنه إذا كان الحكم الثابت بالقرآن يُنسخ بآية أخرى غير ناظرة إلى الحكم السابق ولا مبينة لرفعه، بل لمجرد التنافي بينهما؛ فإن مثل هذا النوع من النسخ غير واقع بالقرآن، مستدلاً على ذلك بقوله تعالى : ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً))[33].

على أن النسخ لم ينحصر في القرآن الكريم، بل طال السنة النبوية، حيث اعتبرت الكثير من الأحاديث منضوية تحت عنوان الناسخ والمنسوخ[34]. وكذا الحال مع النسخ الدائر بين القرآن والسنة، حيث أجاز العلماء نسخ السنة بالقرآن، لكنهم اختلفوا في النسخ المعاكس، ولم يجوزه الكثير منهم[35].

والواقع أن أغلب الخلاف حول تعيين القضايا التي لها علاقة بالنسخ يعود إلى الموقف من التخصيص والتقييد إن كان يعد من النسخ أم لا؟ وهو الخلاف الذي يحدد مفهوم السلف والخلف عن المراد بالناسخ والمنسوخ. فقد ذكر إبن القيم بأن المفهوم لدى الطرفين مختلف، فالخلف يعدون النسخ هو ذلك الذي يرفع الحكم بجملته، أما علماء السلف فيضيفون إلى هذا ما يتعلق برفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغير ذلك، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه: حتى أنهم يسمّون الإستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه[36].

كما ذكر الشاطبي بأن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً: لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الإصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخراً، فالأول غير معمول به، والثاني هو المقصود بالعمل[37]. لهذا عبّر الكثير من الصحابة والتابعين عن التخصيص بكلمة النسخ[38].

وعند الحنفية أن تخصيص العام غير المقارن أو المتصل يكون نسخاً[39]، وكذا بخصوص التقييد والزيادة. لذلك ورد عن أبي حنيفة أن الحديث المروي عن النبي (ص) إذا كان مخصصاً أو مقيداً لآية أو مضيفاً لها زيادة ما فإنه يرفض - ما لم يكن مقطوعاً به - بإعتباره يعني النسخ. وبعبارة أخرى أن أبا حنيفة يردّ كل أخبار الآحاد التي تخالف ظاهر النص القرآني بإعتبارها زيادة، والزيادة على النص نسخ. فمثلاً أنه ترك حديث ‹‹تغريب الزاني البكر›› وقوفاً على ما جاء في القرآن بقوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة))[40]. كما خالف الفقهاء في زيادة الغرم على قطع يد السارق، وقوفاً عند حد الآية الكريمة: ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله))[41]، إذ لم يأتِ ذكر الغرم في الآية[42]. كذلك أنه لم يعمل بحديث القضاء والشاهد الواحد، إذ عدّه ناسخاً لقوله تعالى: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء))[43]. لكن خالفه جمهور العلماء في قوله بأن الزيادة على النص نسخ، وإنْ وافقوه في كون المتواتر - ومنه النصوص القرآنية - لا ينسخ بالآحاد[44].

أما مفهوم النسخ عند المتأخرين فهو مختلف. فعلى رأي الآمدي أن التخصيص والنسخ وإنْ اشتركا من جهة لكن بينهما تسعة فروق كالتالي:

الأول: إنّ التخصيص يبين أن ما خرج عن العموم لم يكن المتكلم قد اراد بلفظه الدلالة عليه، والنسخ يبين أن ما خرج لم يرد التكليف به وإنْ أراد بلفظه الدلالة عليه.

الثاني: إنّ التخصيص لا يرد على الأمر بمأمور واحد، والنسخ قد يرد على الأمر بمأمور.

الثالث: إنّ النسخ لا يكون في نفس الأمر إلا بخطاب من الشارع، بخلاف التخصيص، فإنه يجوز بالقياس وبغيره من الأدلة العقلية والسمعية.

الرابع: إنّ النسخ لا بد وأن يكون متراخياً عن المنسوخ، بخلاف المخصص فإنه يجوز أن يكون متقدماً على المخصص ومتأخراً عنه.

الخامس: إنّ التخصيص لا يخرج العام عن الإحتجاج به مطلقاً في مستقبل الزمان، لذا يبقى معمولاً به فيما عدا صورة التخصيص، بخلاف النسخ فإنه قد يخرج الدليل المنسوخ حكمه عن العمل به في مستقبل الزمان بالكلية، وذلك فيما لو ورد النسخ على الأمر بمأمور واحد.

السادس: إنّه يجوز التخصيص بالقياس، ولا يجوز به النسخ.

السابع: إنّ النسخ رفع للحكم بعد أن ثبت، بخلاف التخصيص.

الثامن: إنّه يجوز نسخ شريعة بشريعة، ولا يجوز تخصيص شريعة بأخرى.

التاسع: إنّه يجوز نسخ حكم العام حتى لا يبقى منه شيء، بخلاف التخصيص[45].

ومع تلك الفروق أصبح من الممكن نظرياً التفرقة بين النسخ والتخصيص، لكن من الناحية العملية قد يكون الأمر موضع التباس لمعرفة إن كان في القضية نسخ أو تخصيص؟ فضلاً عن كونه موضع إختلاف بين العلماء.

وقد أورد البعض إحتمالات النسخ والتخصيص، فهناك من يرى أن تأخر الخاص عن العام أو العكس هو عبارة عن نسخ له. وهناك من يرى أن ذلك يعتمد على حضور وقت العمل، حيث بعد الحضور يعد نسخاً لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، أما قبله فليس بنسخ. بل من العلماء من اعتبر أنه حتى بعد حضور العمل فإنه لا دلالة له على النسخ، حيث يمكن أن تكون هناك مصلحة تقتضي إخفاء الخصوصيات[46].

لذلك ردّ الآخوند الخراساني على شبهة كون أخبار أئمة أهل البيت تعد ناسخة لعمومات الكتاب والسنة، لأنها جاءت بعد حضور العمل، فلو لم تكن ناسخة للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة[47].

ولو صحّت هذه الشبهة لإعتبرنا أغلب ما ورد في القرآن والسنة من الأحكام منسوخاً؛ للإعتقاد بأن صدور الأخبار المخالفة لعموم الكتاب كثيرة جداً، وكذا يمكن القول مع ما ورد من السنة، حتى اشتهر أنه ‹‹ما من عام إلا وقد خُصّ››[48]، فإذا ‹‹كانت طريقة الشارع في بيان مقاصده تعتمد على القرائن المنفصلة لا يبقى إطمئنان بظهور العام في عمومه››، لذا نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس من وجود المخصص[49].

ودفعاً لمثل هذه الشبهة اعتبر صاحب (معالم الدين) أن النسخ لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان التخصيص، كما في حالة تأخير الخاص عن وقت العمل، إذ يمتنع ذلك لإستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز، لذا يُفسّر بالنسخ. أما لو تردد الأمر بين النسخ والتخصيص فسيُحمل على التخصيص، بإعتبار أن النسخ رفع للحكم والتخصيص دفع له لا رفع، والدفع أهون من الرفع[50].

والواقع أن هذه الإعتبارات لا تلغي قوة إحتمال الأخذ بالنسخ فيما لو تأخر الخاص عن العام أو العكس عن حضور العمل. فظاهر الأمر هو عدم وجود مصلحة تجعل من التخصيص يتأخر مدة طويلة تفوت حالة العمل به وقت الحضور، الأمر الذي يجعل من شبهة كون أخبار الأئمة ناسخة لعمومات الكتاب والسنة واردة، وليست مخصصة لها. نعم يختلف الحال فيما يتعلق بالخواص النبوية في قبال عمومات الكتاب والتي قيل أن أكثرها مخصص بقول النبي (ص)[51]؛ إذ يمكن حملها على التخصيص لا النسخ، وذلك فيما لو كنا لا نعلم إن كان الخاص جاء بعد حضور العمل أم قبله، ففي هذا التردد يمكن الحمل على التخصيص بإعتباره أهون من النسخ.

***

ولو سلّمنا بمقالة كون العمومات في الأحكام القرآنية قد خصصتها السنة النبوية[52]، يضاف إلى ما هو حاصل من تخصيص داخل هذه السنة بعضها للبعض الآخر، وما جرى من تغيرات في الأحكام ضمن عنوان النسخ، سواء النسخ الذي جرى في إطار القرآن الكريم وحده، أو السنة النبوية وحدها، أو نسخ السنة للقرآن أو العكس.. كل ذلك يجعل الفهم يميل إلى إعتبار الشريعة الإسلامية ذات طبيعة دينامية لحملها الطابع النسبي في أغلب أحكامها. الأمر الذي يكشف عن العلاقة المؤكدة من التفاعل والجدل الحاصل بين النص والواقع، أو بين الكتابين التدويني والتكويني. فرغم أن وظيفة الكتاب الأول هي التشريع للثاني والتأثير عليه؛ لكن ذلك لا يتجاوز حقيقة ما في الكتاب الأخير من إختلاف وتباين وقابلية للتغير والتجديد؛ إلى الحد الذي يجعله يؤثر أثراً بارزاً على صياغة التشريع. وهذا يعني أن التشريع لم يكن وليد النص وحده، وإلا لكان صيغة واحدة وقالباً ثابتاً لا يقبل التغيير ولا التكثر. بل لعل من البداهة الحكم بأن للواقع أثره العميق على تغاير التشريع.

على أن التفاعل والجدل بين النص والواقع لا يسير في إتجاه عشوائي من غير ضوابط تحكمه وتعمل على توجيهه. فمن المعلوم أن هناك حدوداً وأُطراً تعد الغاية من عملية التشريع، وهي المعبّر عنها بالمقاصد والمصالح العامة التي يسعى الشارع الإسلامي إلى تحقيقها، والتي تتصف بحاكميتها على الأحكام والواقع. ومن ذلك نعلم بأن الأحكام الإلهية ليست هي الغاية من الشريعة والخطاب، بل أنها وسيلة لتحقيق غاية عظمى تتمثل في غالبها بالمصلحة البشرية. فقد شاءت الحكمة الإلهية أن تجعل القرار التشريعي للنص ليس بمعزل عن الواقع، وذلك لأن تغاير الواقع وتجدده لا يمكن أن ينضوي تحت قوالب نصية جاهزة ما لم تكن من الكليات الثابتة العامة.

واستناداً إلى ما سبق فإن ما أطلق عليه الفقهاء عنوان التخصيص (المنفصل)؛ لا يشكل - حقيقة - تخصيصاً بالمعنى الذي رموا إليه. وكذا فيما يتعلق بالتقييد. بل ينسحب الأمر كذلك على النسخ، فهو ليس بنسخ إلا على نحو المجاز لا الحقيقة. ذلك أنه إذا سلمنا بتلك الكثرة مما أطلقوا عليه التخصيص والتقييد والنسخ، وعلمنا أنها كانت لدواعي تغيّر أحوال الواقع وتبدل ظروفه؛ فمن الناحية المنطقية يكون من غير المعقول التوقف عند ذلك الحد من التغيير والتبديل. ففيما يتعلق بمفهوم النسخ؛ أن التسليم بتغيرات الواقع يجعل من الموضوع الواحد الذي يتعلق به الحكم موضوعات متغيرة متجددة كل منها يحتاج إلى حكم خاص يناسبه دون أن تندرج جميعها تحت حكم ثابت واحد، وهو أمر لا يمتّ إلى النسخ بصلة لإختلاف الموضوع، كما سنعرف. لكننا لو أخذنا الأمر على نحو المجاز لإقتربنا من الرأي الذي ذكره الغزالي في قوله: ‹‹ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ خلافاً للمعتزلة››[53].

أما بخصوص التقييد والتخصيص فلو أننا عوّلْنا على المفهوم الذي حدده الفقهاء بشأن كل منهما لكنّا ندور في حلقة محددة من النص المجرد وما هو معلوم ضرورة، وهو الحال الذي تقيّد به الفقهاء ضمن طريقتهم التقليدية ما لم يضطرهم الأمر للخروج عن ذلك بفعل الحاجات الزمنية. لكن لما كانت ظروف شبه الجزيرة العربية لا تمثل مركزاً للعالم والتاريخ، وقد تعامل معها الخطاب الديني طبقاً لمبدأي التمفصل والنسبية، لذا لا يجوز أن يشكل منها أصل لقاعدتي الإستصحاب والقياس فتستنبط ذات الأحكام على غيرها من العوالم طولاً وعرضاً. وبالتالي فإن من المنطقي أن تتخذ الأحكام وجهة أخرى لا تنطلق من مبررات أصل الموضوع الذي إستند إليه الحكم، لتغير الموضوع وتحوله، بل لا بد من العمل بمبررات المصالح ومقاصد الشرع الكلية التي استهدف الخطاب مراعاتها وتحقيقها. وهو ما يجعل الباب مفتوحاً مادامت التغيرات الحاصلة في الكتاب التكويني لا تقف عند حد معين إلى يوم يبعثون.

 هكذا فإن التسليم بأن العمومات والمطلقات كلها أو أغلبها لا يخلو من التخصيص والتقييد؛ له دلالة على مبدأ المغايرة تبعاً لتغاير الظروف والأحوال، وقد أصبح من الجلي بأن العبادات رغم أنها ثابتة أو تكاد تكون كذلك؛ إنما هي الأخرى خضعت لهذا التغاير والتنويع، فمثلاً أن الصلاة والصيام لا تفرضان على المكلفين بنمط واحد لا يقبل المغايرة، إذ يخضع ذلك إلى الأحوال والظروف المؤثرة، فالمريض والمسافر والشيخ الكبير العاجز لهم أحكامهم الخاصة بهم، فلا يعامل الكل معاملة واحدة، فلكل حكمه بحسب حاله وظرفه، والذي يحكم هذه الصور المختلفة مبدأ التيسير ورفع الحرج والتسامح. وكذا الحال في المعاملات والحدود والتقديرات، حيث أنها تشهد ظاهرة كبرى من التنويع والتغاير في الأحكام. بل يكاد التشريع الإسلامي كله يكون على هذه الشاكلة في تغطيته للواقع. وبالتالي فإن حقيقة التشريع ما هي إلا حقيقة المغايرة والتنويع، ومن الظلم إعتباره ينحى منحى واحداً لا يحيد عنه، أو أنه يشكل قالباً معداً سلفاً لا يقبل التغيير، أو لا علاقة له بتأثير الواقع. وهو كالخطأ الذي وقع به الجبريون حين افترضوا أن ما يحدث على أرض الواقع الإنساني محدد من قبل الإرادة الإلهية، ولا شأن لإرادة الإنسان سوى تنفيذ الخطة الإلهية؛ كآلة صماء.

فسواء كان الأمر متعلقاً بتفسير القوانين التكوينية المحددة لحركة الإنسان وسلوكه، أو كان متعلقاً بتفسير القواعد التشريعية المحددة لقيم هذه الحركة والسلوك، ففي كلا الحالين قد تمّ فصل الواقع عن الوحي والسماء، للتصور الخاطئ بأن إشراك الواقع في التأثير يعني شركاً بحق السماء؛ حيث لله الفعل والتشريع المطلقان، وله أن يفعل ما يشاء.

وطبقاً لهذا التصور لم يعد للواقع سوى الانفعال والخضوع لما ترسمه له السماء من أبعاد على صعيد التكوين والتشريع. مع أن للواقع في كلا الأمرين دوراً هاماً لا يستهان به، وهو الدور الخاضع من حيث المبدأ لتفويض الإرادة الإلهية وتدبيرها، وهو ما يجعله خارج حد الشرك والمنازعة. فليس من المعقول أن تكون الحركة التكوينية للإنسان بمعزل عن إرادته وقدرته التي هي من صنيع القدرة الإلهية، فعلى الأقل أن ذلك لا يفسر لنا ضرورة التكليف والحساب، ناهيك عن أن ذات الخطاب يؤكد عنصر المزاوجة بين المحورين الفاعلين السماوي والواقعي لتحديد النتاج التكويني للسلوك.

وينطبق هذا الحال على البعد التشريعي[54]، إذ ليس من المعقول أن يكون هو الآخر بمعزل عن الواقع وما يتضمنه من تنوع وتغير، وأن أي نظرية ترى الأبعاد النهائية محددة سلفاً طبقاً لمحور الوحي والسماء يكذبها الواقع نفسه، سواء ذلك الذي شهد الخطاب على التفاعل والجدل معه، أو ما جاء بعده إلى يومنا هذا. فعدم التسليم بهذه الحقيقة يجعل من نصوص الخطاب تتضارب كلياً مع الواقع، بل وتقع في النهاية تحت أسره ورحمته، لتنوع خصوصياته وتغايرها يوماً بعد يوم. وهو أمر يؤول في النتيجة إلى التضارب مع قيم الخطاب وغاياته العليا، ومن ثم ينتهي إلى التهافت والتساقط، إذ تصبح نصوصه مدعاة للتعارض فيما بينها. الأمر الذي يجعله غير معقول ولا مقبول.

 

النسخ ودوران العلة 

من المهم أن نفهم بأن عملية تبديل الحكم كما مارسها الخطاب الإلهي لا تعني بالضرورة تعطيلاً للحكم الشرعي تعطيلاً تاماً ومطلقاً. ففي آية النسخ ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها..))[55]؛ جاءت كلمة ‹‹ننسها›› التي تقرأ - كما هو مشهور - بثلاث قراءات هي: (نَنْسَها، نُنْسِها، ننسأْها). وذُكر أن القراءتين الأخيرتين متواترتان، الأولى دالة على النسيان، بمعنى محوها من قلب النبي (ص)، والأخرى بمعنى التأجيل والإرجاء أو التأخير دون تنزيل الحكم[56]. والقراءة الأخيرة ‹‹ننسأها›› هي ما كان يقرأها كل من أبي عمرو وعمر وإبن عباس ومجاهد وإبن أبي كعب والنخعي وعبيد بن عمير وإبن محيصن وعطاء بن رباح اليزبدي وعاصم الجحدري وإبن كثير والزركشي وغيرهم[57]. وعليه فسّرت الآية بأن من الأحكام ما يُنسخ ومنها ما يؤخر أو يؤجل[58]. وقد ذهب الزركشي في (البرهان في علوم القرآن) إلى أن أغلب ما اعتبر من النسخ إنما هو من النسأ، وبعضه ما يرجع لبيان الحكم المجمل[59]. وبذلك يكون قد عوّل على مفهوم مشخص تتجلى فيه حقيقة الجدل بين الخطاب والواقع.

 

فمثلاً نقرأ قوله تعالى في الآيتين المتتابعتين التاليتين: ((يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين))[60]، ونلاحظ بأن العلاقة بين هاتين الآيتين ليست علاقة إلغاء مطلق بمطلق، بل هي على ضوء ذلك الفهم علاقة نسأ وارجاء، حيث يكون حكم الآية الأولى مؤجلاً حتى يصبح المؤمن ذا قوة تعادل مضاعفات قوة عدوه.

إن ذلك الفهم يعطي دلالة على عدم إلغاء أي حكم من الأحكام الشرعية للنسأ من الناحية النظرية، إذ كل حكم يصبح مؤجلاً أو مرجئاً حتى يرد ما يناسبه من الظرف والخصوصية، وهو معنى أن الحكم يبقى معلقاً ونسبياً. لكن دون أن يغيب عن البال من أن هذه ‹‹النسبية›› تحددها قواعد ثابتة هي دلالات المقاصد التي تحيط بالحكم، فضلاً عن مقاصد الخطاب العامة ككل. وكذا لا يغيب عن البال بأن هناك من الأحكام المبدلة تحت عنوان المنسأ أو غيره من العناوين ما لا يتوقع أن يعاد؛ لإستبعاد تكرر ما يناسبها من ظرف وموضوع، وبالتالي فهي من هذه الناحية تكون كالأحكام المنسوخة واقعاً.

نعم من الناحية المبدئية يتوقف حكم المنسأ على مدار العلية بخلاف النسخ كما ذهب إلى ذلك أغلب المتأخرين، وهو أن ما شرع لسبب ثم زال سببه لا يعد من المنسوخ، فالحكم يدور مدار علته، فلو حضرت العلة حضر الحكم، ولو زالت زال معها. فالفارق بينهما هو أن النسخ عبارة عن الإزالة للحكم حتى لا يجوز إمتثاله، بينما النسأ عبارة عن تبديل الحكم بحكم آخر لعلة تطرأ فتقتضي ذلك الحكم مثلما كان الحكم الأول سارياً لعلة تقتضيه، مما يعني إنتقال الحكم إلى آخر لإنتقال علته، وبالتالي جاز عودته بعودة العلة. لهذا يقول الزركشي: ‹‹ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر.. وهذا ليس بنسخ في الحقيقة، وإنما هو نسأ، كما قال تعالى: (او نُنسئها). فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون.. وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ.. وإنما النسخ بالازالة حتى لا يجوز امتثاله أبداً. ومن ذلك ما أشار إليه الشافعي في (الرسالة) إلى النهي عن إدخار لحوم الأضاحي من أجل الدافة، ثم ورد الإذن فيه فلم يجعله منسوخاً..››[61].

لكن طبقاً للجانب اللغوي أنه لما كان معنى النسخ هو الإزالة والتبديل والإبطال؛ لذا فكل ما يدخل ضمن عنوان تغيير الحكم، سواء كان التغيير عبارة عن إبطال الحكم ورفعه كلياً، أو إزالته للتخفيف، أو زوال علته إن كانت مذكورة، أو غير ذلك.. فكلها يُعد نسخاً أو من مصاديق ذلك المعنى العام.

وكما يذكر البيضاوي تبعاً لصاحب (الحاصل) بأن النسخ لما كان عبارة عن رفع الحكم، فإنه لا فارق فيه كنسخ، سواء كان الرفع لزوال العلة أو لشيء آخر[62]. ففي جميع الأحوال لا يكون النسخ إلا عن سبب، ولا يوجد تغيير في الأحكام من غير سبب وعلة مؤثرة، سواء علمنا بتشخيصها أم لم نعلم. لهذا يصبح كل ما اعتبره المتأخرون من النسأ داخلاً ضمن أقسام النسخ. فمثلاً أن آية المصابرة المعتبرة من النسأ لدى الكثير من العلماء هي في حقيقتها لا تتعدى معنى النسخ بمعناه العام، مثلما ذهب إلى ذلك الشافعي[63]. كذلك اعتبر العلامة الحلي أن هذه الآية تدخل ضمن عنوان النسخ، رغم تسليمه بتعريف الفقهاء للنسخ بأنه رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم بخطاب متأخر عنه على وجه لولاه لكان ثابتاً[64].

نعم يمكن القول بأن هناك جملة من الأحكام المنسوخة ليس من الممكن ارجاعها، وذلك لعدم علمنا بعلة نسخها على وجه التحديد، كما في قضايا العبادات. فقد عُدت هذه القضايا داخلة ضمن عنوان النسخ بإعتبارها مرفوعة رفعاً مطلقاً من غير عودة كما يؤكد على ذلك الكثير من المتأخرين. وفي القبال نرى أحكاماً ملغية لا يمكن العودة إليها هي الأخرى، لكن لا لكونها مرفوعة من قبل الله تعالى، ولا لأنها غير معلومة العلل، بل لأن ظروف وجودها قد تغيرت دون أن يؤمل لها العودة من جديد. فهي على هذا النحو بحكم المنسوخة أو المرفوعة رفعاً تاماً، بغض النظر إن كان الناسخ هناك هو الله تعالى الذي بيده الأمر والحكم، في حين أن الناسخ هنا - كمجاز - هو الواقع أو تغيّر الظروف. لكن سواء هنا أو هناك فإن النتيجة واحدة، وهي إزالة الحكم وإلغائه.

وها نحن نعود من جديد إلى علاقة الخطاب بالواقع وتأثير كل منهما على الآخر. فهل ترد شبهة الشرك والمنازعة لو أننا اعتبرنا النسخ لا يقتصر على ما أفاده الخطاب الديني، بل للواقع دوره هو الآخر سواء رضينا بذلك أم لم نرض، فتلك هي سنة الله تعالى في أمره وتكوينه، وهي كلمات الله؛ تدوينية كانت أم تكوينية؟! ويشهد على هذا جدل السلوك الذي انتهجه الخطاب، كما يشهد عليه تاريخ الإجتهاد الطويل بما يحمله من نسخ وتغيير، على ما سيأتينا بحثه فيما بعد.

لكن لو قيل أن ما يشترط في الحكم المنسوخ هو ليس فقط عدم صحة عودته إلى حياض التكليف من الناحية الواقعية، بل حتى من الناحية النظرية أيضاً. فمثلاً أن الأحكام التي تقوم على العادات والأعراف السائدة في عصر النص والتي يمكن أن تتغير كلياً نتيجة تغيّر الواقع لا تعد منسوخة بإعتبارها يمكن أن تعاد مرة أخرى ولو من الناحية النظرية، كما هو الحال في ظاهرة الرق والجزية وموارد جواز الرهان في السبق ونصيب المقاتلين من الغنائم وغيرها، فكل هذه القضايا لا تعد من الأحكام المنسوخة بحسب ذلك الإعتبار، إنما المنسوخ هو ذلك الذي لا يصح استعادته بأي شكل من الأشكال، سواء من الناحية الواقعية أم النظرية. ومع أن هذا قد يصدق في مجال العبادات التي لم يعلم عللها وأسبابها، إلا أنه لا يصدق في غيرها من المعاملات التي يعلم أسبابها. لهذا فإن آية السيف بنظر الكثير وربما أغلب العلماء كانت ناسخة لغيرها، وقد عرفنا أن بعضهم أوصل مقدار ما هو منسوخ عنها إلى ما يزيد على المائة آية من الآيات التي تأمر بالإعراض عن المشركين والصفح عنهم[65]، مع أن الآية معللة في النص بعلة لا يمكن الإدعاء أنها ثابتة لا تقبل التغيير، مما يعني جواز العودة إلى الحكم الخاص بالمنسوخ تبعاً لتغير العلة. وكذا الحال فيما يتعلق بحكم الجزية حيث أنها ألغت هي الأخرى ما قبلها من أحكام، مع أن تغيّر الأحوال جعل العودة إلى غيرها مبرراً، وبالتالي فليس من ضرورة تقتضي إبقاء الحكم الناسخ إلى غير نهاية، كما ليس من ضرورة تقتضي إبطال الحكم المنسوخ كلياً، فجميع ذلك يعتمد على معرفتنا للعلل المؤثرة على الحكم، وعلى طبيعة الظروف والواقع.

 هذا بالإضافة إلى أن الخطاب الديني لا يتبين منه اشتراط مثل تلك القيود التي عوّل عليها المتأخرون. فهو لا يزيد على التأكيد بأن تبديل الأحكام أو نسخها يعد من الحق الذي لا ريب فيه. فآية التبديل عامة ومطلقة من غير تقييد، أما آية النسخ والنسأ فإن ظاهرها يجعل من النسأ غير النسخ الذي يعنينا، فلو اعتبرنا النسأ بمعنى التأجيل لكان الحكم باقياً ومؤجلاً من غير إزالة، ولو قُرأت بمعنى النسيان فسيكون الحكم مرفوعاً إبتداء من قلب النبي، وهو أمر لا يعنينا رغم أنه يدخل ضمن عنوان النسخ، وقد يكون هو المراد، وبه يتميز عن النسخ الآخر المذكور لفظاً. أما النسخ المذكور بلفظه في الآية فمن الواضح أنه غير مقيد بتلك القيود التي إشترطها المتأخرون. وإن كنا سنجد أن ما يعد نسخاً هو ليس بنسخ إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار تغيّر الموضوع وتأثيره على تغيّر الحكم كما سنشير إلى ذلك.

هكذا يتضح أن تقييد مفهوم النسخ بشرط عدم دوران العلة، كما وضعه المتأخرون، ليس مفيداً. وبالتالي فالنسخ هو ابطال الحكم لأسباب تقتضي التبديل، وفي حدود هذا المعنى يعتبر النسخ عملية حيوية لم يختص به الخطاب، وهو كالتشريع لم يختص به الخطاب أيضاً، فالإجتهاد نوع من التشريع المستند إلى فهم الخطاب، وكذا الحال مع النسخ، حيث يشكل أهم أركان العملية الإجتهادية المبنية على ذلك الفهم، ولولاه ما كان للإجتهاد من معنى، إذ بدونه لا تجد في الواقع المتغير غير الجمود والتقليد. لذلك فإن ظاهرة النسخ لم تتوقف في أي لحظة من لحظات التاريخ طالما كان التشريع والإجتهاد موجودين. فقد بقيت هذه الظاهرة وستبقى سارية المفعول من غير نهاية. وإن كانت حقيقة الأمر، ومن حيث الدقة، أن النسخ ليس نسخاً، وأن التشريع الذي يتخذ سلوك التغيير في الأحكام، سواء جاء عن طريق الشريعة الحقة أو عن طريق الإجتهاد، لا يعد - من حيث الحقيقة - تغييراً وإبطالاً للأحكام، بل تظل الأحكام على ما هي عليه، ويصدق عليها أنها خالدة بخلود الشريعة وباقية ببقائها وأن ‹‹حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة››، رغم أن العملية لا تتخذ طريقة النهج الماهوي والفهم الحرفي للنص، لكون هذه الطريقة ضيقة وجامدة لا تمكّن التشريع من الإستمرار وتجاوز ظروف الزمان والمكان. وبالتالي فما كنّا نعده نسخاً أصبح تغيراً للحكم لتغير الموضوع، إذ لكل موضوع حكمه الخاص، فلو أنه تغيّر تغيراً مؤثراً لكان من اللازم أن يتغير الحكم تبعاً له، وهو من حيث الدقة والتحليل لا يعد نسخاً.

***

لقد ظهر النسخ كتبديل حكم عوض حكم آخر مراعاة لظروف الواقع وما أفرزه من حاجات وضرورات ومتطلبات. وهو مع هذا التبديل لا يمس الدلالات الثابتة للمقاصد التي تتحكم بالحكم وجوداً وعدماً. ومن ذلك يتجلى منهج الإسترشاد الذي يستعين به الفكر البشري كموجه عام يراد منه الإنشداد نحو المحكمات والثوابت لتلك المقاصد وملكات الأحكام. إذ تعبّر عملية النسخ عن حالة الجدل بين الخطاب والواقع، يراد منها الدوران في ظل المقاصد العامة كمحكمات ثابتة ترد إليها مختلف ‹‹متشابهات›› الأحكام المتغيرة وفق تغيّر الظروف والإعتبارات. فالنسخ لا يصيب دلالات المقاصد المحيطة بالحكم، بل يقع على الحكم ذاته. فالمقصد العام ثابت على الدوام، والحكم متغير بتغير الظروف والأحوال.

إن ظاهرة النسخ في الخطاب هي ظاهرة هامة في التشريع الإسلامي، ذلك أنها لم ولن تنتهي بما تعبر عن تبديل حكم عوض حكم آخر لتبدل الظروف والأوضاع. فعلى الرغم من أن إطلاق لفظة ‹‹النسخ›› لم ترد في الغالب إلا معلقة بذيل الخطاب، إلا أن مدلولها الحقيقي لا ينحصر بهذا الحد. فالنسخ بما هو عملية تبديل للحكم لا يسعه أن يتوقف بحال. فإذا ما قارنا الظروف المحدودة لمرحلة الخطاب الديني والمتمثلة بتلك السنوات القصيرة مع الظروف الهائلة المستجدة التي ظهرت خلال أكثر من أربعة عشر قرناً؛ تبين لنا أن عملية النسخ لا يمكن لها أن تتوقف بحال مادامت هناك أحداث جديدة وظروف وتطورات متصاعدة. فالنسخ يعيد ذاته في آفاق مفتوحة لا تعرف السدود والإنغلاق.

ولو أنا إعتمدنا على إحصاء قضايا النسخ في الخطاب - القرآن منه على وجه الخصوص - حسب ما مال إليه السيوطي، والتي قدرها بما يقارب العشرين قضية، وهو ما يقارب عمر الرسالة الشريفة، وافترضنا أن هذا العدد قياسي، وهو أن معدل النسخ يساوي واحداً في كل سنة، فإن وجود أكثر من (1400 عام) يجعل من حساب النسخ - مع افتراض وحدة المشرع ووحدة المكان بعد مرحلة الخطاب – أكثر من (1400 حكم). ولو أضفنا حساب اتساع الرقعة المكانية وحجم الظروف، إذ ظروف ما يسمى بالنهضة الحديثة – أو الوعي النهضوي - منذ مطلع القرن التاسع عشر هي ليست بحجم ظروف ما قبلها منذ مرحلة الخطاب؛ علمنا كم ينبغي أن يتضاعف ذلك العدد الافتراضي.

أي أنا لو أخذنا إعتبار تأثير عنصر ‹‹الزمن›› على الأحكام، لكان يمكن تقرير قاعدة عامة، وهي أنه كلما كانت تغيرات الأحداث والظروف كبيرة، كلما كان ضغط الحاجة للعمل بالنسخ والتشريع كبيراً أيضاً. مما يعني أن تغيّر الزمن من روح عصر إلى روح عصر آخر يجعل من ضغط الحاجة دافعاً لممارسة عملية التشريع والنسخ بالشكل الذي يتناسب مع عمق الفارق والإختلاف بين الروحين. وبمقارنة تاريخية نلاحظ أن ظروف وأحداث ما قبل ‹‹النهضة الحديثة›› هي ليست بذلك الحجم والقدر مقارنة مع ظروف وأحداث ‹‹النهضة›› إلى يومنا هذا، إذ يمكن القول أن لكل منهما روحه الحضارية الخاصة. فإذا ما كان الفقه قبل ‹‹النهضة›› قد مارس بعض الدور من النسخ والتشريع؛ فإن ضغط الحاجة جعل من هذه ‹‹النهضة›› تمارس دوراً أكبر وأعظم مما كان عليه في السابق. لكنها تحتاج وهي تمارس دورها من التشريع والنسخ أن تكون على دراية تامة بالخطاب من ذاته وداخله، وبالواقع وتقلباته، كي تُحدث وراء ذلك صيرورة الجدل المثرية بين الحكم والواقع، وهو الجدل الدائر بين تنزيل الحكم إلى الواقع، وبين رفع الواقع إلى الحكم، مثلما سبق للقرآن الكريم أن أشار إليه في خطابه الذي أظهر فيه الجدل بين ما يريده الخطاب من رفع الواقع وجعله شريعة، وبين ما يتطلبه الواقع من جعل الشريعة واقعاً.. إنّ هذا الجدل هو فلسفة ما يسمى بالنسخ.

 

 

 



[1] البقرة/106.

[2] أسباب النزول، ص21 .

[3] النحل/101.

[4] الكشاف، ج2، ص428. كذلك: مجمع البيان، ج6، ص200. والجامع للقرطبي، ج2، ص61. وروح المعاني، ج1، ص351.

[5] الإتقان، ج2، ص701.

[6] العلامة الحلي: مبادئ الوصول، ضمن: نصوص الدراسة في الحوزة العلمية، مؤسسة الاعلمي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ ـ 1988م، ص488. وأبو اسحاق الشيرازي: التبصرة في أصول الفقه، شرحه وحققه محمد حسن هنيتو، دار الفكر بدمشق، 1400هـ ـ 1980م، ص251.

[7] أبو جعفر النحاس: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، نشر مكتبة عالم الفكر، القاهرة، 1407هـ ـ 1986م، ص1.

[8] الجامع للقرطبي، ج2، ص63.

[9] شعبان محمد اسماعيل: نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ، طبع في مطابع الدجوى في القاهرة، ص23. ومقدمة المحقق شعبان محمد اسماعيل لكتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص7ـ8.

[10] الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص6. والإتقان في علوم القرآن، ج2، ص700.

[11] الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص6ـ7.

[12] الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص5. ومقدمة إبن خلدون، فصل: (في علوم الحديث)، ص280.

[13] الحج/52.

[14] انظر بهذا الصدد: الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص6. وإبن حزم الاندلسي: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. والإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص7ـ8. والمستصفى من علم الأصول، ج1، ص107 وما بعدها. والجامع للقرطبي، ج2، ص62. وفتح القدير للشوكاني، ج1، ص126. كذلك: الشوكاني: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من الأصول، دار الفكر، ص183ـ 184.

[15] النحل/101.

[16] الإتقان، ج2، ص700. والإعتبار، ص8.

[17] معالم الدين، ص317. ومبادئ الوصول، ص487. والإعتبار، ص8 . والجامع للقرطبي، ج2، ص64. وإرشاد الفحول، ص184.

[18] معالم الدين، ص306.

[19] المستصفى، ج1، ص121. والجامع للقرطبي، ج2، ص64.

[20] إبن حـزم: الإحكام في أصول الأحكام، مطبعة السعادة في مصر، الطبعة الأولى، 1345هـ، ج4، ص120.

[21] إرشاد الفحول، ص193.

[22] انظر: أبو اسحاق، الشيرازي: التبصرة في أصول الفقه، ص247ـ257. والمستصفى، ج1، ص126ـ127. وسيف الدين علي الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، كتب هوامشه إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ ـ 1985م، ج3، ص148ـ149. وعبد الله بن عبد المحسن التركي: أصول مذهب الإمام أحمد، مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الثانية، 1397هـ ـ 1977م، ص618ـ619.

[23] نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ص159 و160. ومن الموارد التي اعتبرها بعض القدماء منسوخة بالإجماع؛ النص الخاص بسهم المؤلفة قلوبهم، كما سنعرف لاحقاً.

[24] الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص2.

[25] الفارابي: السياسة المدنية، تحقيق وتقديم وتعليق فوزي متري نجار، المطبعة الكاثوليكية، 1964م.

[26] الجامع للقرطبي، ج2، ص66 .

[27] الإتقان، ج2، ص705 وما بعدها.

[28] عن مقدمة المحقق لكتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص40.

[29] ذكر السيوطي أن هناك واحدة وعشرين آية منسوخة في بعضها خلاف. وحصر المنسوخات في جملة أبيات كالتالي:

قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد    وادخلوا فيه آياً ليس تنحصر

وهاك تحرير أي لا مزيد لها                   عشرين حررها الحذّاق والكُبَر

آي التوجه حيث المرء كان وأنْ       يوصي لأهليه عند الموت محتضر

وحرمة الأكل بعد النوم من رفث      وفدية لمطيق الصوم مشتهر

وحق تقواه فيها صحّ من أثر          وفي الحرام قتال للأّلى كفروا

والاعتداد بحولٍ معْ وصيتها           وأن يدان حديث النفس والفِكَرُ

والحلف والحبس للزاني وترك أولى   كفروا شهادتهم والصبر والنَّفَر

ومنع عقد لزان أو لزانية              وما على المصطفى في العقد محتظر

ودفع مهر لمن جاءت وآية نجـ       ـواه كذاك قيام الليل مستطر

وزيد آية الاستئذان مَن ملكت وآية القسمة الفُضلى لمن حضروا

(الإتقان، ص172ـ173).

[30] المجادلة/12.

[31] المجادلة/13.

[32] أبو القاسم الخوئي: البيان في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1394هـ ـ 1947م، ص337ـ347.

[33] البيان، ص368.

[34] من أهم الكتب في هذا المجال كتاب (الإعتبار) المشار إليه سلفاً.

[35] انظر: الشافعي: الرسالة، ص106. والإعتبار، ص26 و28 وما بعدها. والتبصرة، ص264. وأوائل المقالات، ص141. وإرشاد الفحول، ص190.

[36] إبن الـقيم الـجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، راجعه وقدم له وعلق عليه طه عبد الرؤوف، دار الجبل في بيروت، 1937م، ج1، ص35.

[37] الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص108.

[38] أبو زهرة: أبو حنيفة، دار الفكر العربي، 1977م، ص300.

[39] عباس متولي حماده: أصول الفقه، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1385هـ ـ 1965م، ص501.

[40] أحكام القرآن، ج1، ص358.

[41] المائدة/38.

[42] أحكام القرآن، ج2، ص612.

[43] البقرة/282.

[44] محمد أمين، الشنقيطي: القول السديد في كشف حقيقة التقليد، دار الصحوة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1405هـ ـ 1985م، ص81ـ80. ومحمد الغزالي: دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1407هـ ـ 1987م، ص64.

[45] الإحكام في أصول الأحكام للآمدي، ج3، ص104ـ105. كذلك: الإعتبار، ص24.

[46] معالم الدين، ص307 وما بعدها. وكفاية الأصول، ص513 وما بعدها.

[47] الكفاية، ص514.

[48] الكفاية، ص267. والمظفر: أصول الفقه، ج1، ص156.

[49] أصول الفقه، ج1، ص156ـ157.

[50] معالم الدين، ص308ـ310.

[51] فـرائـد الأصول، ج1، ص113.

[52] جاء بهذا الصدد ما قاله الشيخ علم الدين العراقي: ليس في القرآن عام غير مخصوص إلا خمسة مواضع، أحدها قوله تعالى: ((حرمت عليكم أمهاتكم))، وثانيها قوله: ((كل من عليها فان)) أو ((كل نفس ذائقة الموت))، وثالثها قوله: ((والله بكل شيء عليم))، ورابعها: ((وأنه على كل شيء قدير))، وخامسها قوله: ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )) (البحر المحيط، فقرة 709).

[53] المستصفى، ج1، ص122.

[54] انظر حول ذلك الفصل السادس من كتابنا: العقل والبيان والاشكاليات الدينية.

[55] البقرة/106.

[56] جامع البيان، ج1، ص467ـ 487. والجامع للقرطبي، ج2، ص67ـ68. وروح المعاني، ج1، ص352. وهامش الإتقان، ص703.

[57] عبد العالم سالم مكرم وأحمد مختار عمر: معجم القراءات القرآنية، جامعة الكويت، الطبعة الأولى، 1982م، ج1، ص100.

[58] تفسير إبن كثير، ج1، ص133.

[59] يقول الزركشي: إن في القرآن ‹‹من ناسخ ومنسوخ فمعلوم وهو قليل، بين الله ناسخه عند منسوخه، كنسخ الصدقة عند مناجاة الرسول والعدة والفرار في الجهاد ونحوه، وأما غير ذلك فمن تحقق علماً بالنسخ علم أن غالب ذلك من المنسأ، ومنه ما يرجع لبيان الحكم المجمل، كالسبيل في حق الاتية بالفاحشة، فبينته السنة، وكل ما في القرآن مما يدعى نسخه بالسنة عند من يراه فهو بيان لحكم القرآن.. وأما بالقرآن على ما ظنه كثير من المفسرين فليس ينسخ وإنما هو نسأ وتأخير أو مجمل آخر بيانه لوقت الحاجة أو خطاب قد حال بينه وبين اوله خطاب غيره أو مخصوص..›› (البرهان، ج2، ص43ـ44). وهو على شاكلة ما أراده مجاهد من معنى (تفسير مجاهد، قدم وحقق وعلق حواشيه عبد الرحمن طاهر بن محمد السورتي، المنشورات العلمية في بيروت، ج1، ص85).

[60] الأنفال/65ـ66.

[61] البرهان، ج2، ص42. كما لاحظ: الإتقان، ج2، ص703ـ704.

[62] نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ص42 .

[63] الرسالة، ص127ـ128.

[64] مبادئ الوصول، مصدر سابق، ص487ـ488.

[65] ينظر حول ذلك المصادر التالية: نواسخ القرآن، ص137. والناسخ والمنسوخ لابن حزم، ص12ـ18. وتفسير إبن كثير: ج2، ص291ـ292. والجامع للقرطبي، ج8، ص37. وأحكام القرآن لابن العربي، ج2، ص901ـ902. وانظر لأبي جعفر الطوسي: المبسوط، ج2، ص36. والنهاية، ص193. والتبيان في تفسير القرآن، ج5، ص150.

comments powered by Disqus