-
ع
+

التشريع الديني وتغايراته

 

يحيى محمد 

من المتفق عليه اليوم بين أهل الإسلام - سواء أهل السنة أو الشيعة – هو أن السنة النبوية قد مارست أدواراً مختلفة من التشريع؛ تارة بعنوان التشريع العام أو الدائم، وأخرى بعنوان الرئاسة والحاكمية، وثالثة بلحاظ الظرف والحال الخاصين. ولا شك أن الدورين الأخيرين هما المعنيان ببحث إشكالية تغيّر الأحكام، إذ أضحت موضع إهتمام الكثير من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين لضغط الحاجة الزمنية، سيما بعد ولادة الثورة الإسلامية في ايران التي عدّت هذا الامر أحد مبتنياتها الأساسية لتسيير حكم البلاد ضمن ما أطلق عليه خط ولاية الفقيه، وأصبح المسار الذي اتجهت فيه لا يختلف كثيراً عما كان يمارس في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. وهناك رجال من الشيعة - حتى قبل هذه الثورة - قاموا بتبرير بعض الأعمال التي صدرت عن هذا الخليفة الراشد طبقاً لعنوان حاكميته ورئاسته، كنهيه عن عقد المتعة.

إن السيرة النبوية ما هي إلا تطبيق حي للمبادئ القرآنية، فهي من هذه الناحية تعد ترجمان القرآن. ولما كان الأخير يقر مبدأ النسخ وتغيير الأحكام؛ لذا فلا غرابة أن نشهد ما تزخر به السيرة النبوية من التغيير نتيجة إختلاف الظروف وتبعاً للمقاصد الشرعية وتحقيق المصالح؛ إلى الحد الذي يمكن القول بأنه لا توجد قاعدة عامة من قواعد السلوك الموضوعة إلا وبجنبها ما يستثنى منها حفاظاً على تلك المقاصد والمصالح. الأمر الذي جعل القائلين بالإستحسان يعتبرون ذلك مدركاً شرعياً للدلالة على هذا المبدأ الأصولي، كما هو الحال مع الشاطبي الذي استعرض امثلة عديدة على مراعاة الشارع لمصالح الإنسان بدفع الضرر عنه والرفق به والتوسعة عليه، سواء في مجال المعاملات أم العبادات والتقديرات[1]. ويصدق هذا الأمر على ما يطلق عليه التخصيص والتقييد وأخذ إعتبارات قواعد الحرج والتيسير ونفي العسر وما إلى ذلك. فهي كاشفة عن أن التشريع يأخذ بنظر الإعتبار تغاير الظروف والأحوال وإختلافها. وهو أمر لا يختلف عن معنى تغيير الحكم عند تغيّر الظروف والأحوال.

بادئ ذي بدء ليس هناك عمومات أو مطلقات تامة. فالعمومات والمطلقات لها مخصصات ومقيدات، وأن مثل هذه الاستثناءات جاءت تبعاً لتغاير الظروف والأحوال، وأن حقيقة التشريع ما هي إلا حقيقة المغايرة والتنويع، وقد شهد بذلك القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية التي بلغت فيها المغايرة أقصى حدّ ممكن، سواء على صعيد العبادات، أو المعاملات والحدود والتقديرات. ومع أنه لا يُدرك أحياناً مغزى المغايرة والتنويع لدى التشريع، سواء في القرآن الكريم أو السنة؛ إلا أن الغالب في ذلك هو مما يُعلم مقاصده التي تستهدف مراعاة حاجات العباد وتحقيق مصالحهم على النحو الأتم.

 

 1ـ تغايرات التشريع في العصر النبوي 

لسنا معنيين هنا بالتحقيق فيما يُنقل من نصوص وأحداث للسيرة النبوية، بل نكتفي بالتسليم إجمالاً للفكرة العامة محل البحث، وذلك لعدة إعتبارات؛ منها أن المنقول كثير وفائض، كما أنه مأخوذ من الدوائر التراثية المعتبرة. والأهم من كل ذلك أنه يتسق مع ما شهده القرآن الكريم من النسخ وتغيير الأحكام.

إن من بين المغايرات المفهومة التي جاءت بها السنة النبوية، أو كما نُقل عنها، ما عُرف بتخصيصها للسلم في بيع المعدوم، حيث نُقل أن النبي (ص) قد نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم[2].

 

كما منع النبي قطع يد السارق في الغزو، إذ كان يخشى أن يترتب عليه مضرة لحوق السارق بالمشركين حمية وغضباً. وهو المنقول أيضاً عن عمر والامام علي وأبي الدرداء وحذيفة وغيرهم[3].

ومثل ذلك أن النبي (ص) أسقط الحد عن التائب طالما اعترف بذلك قبل القدرة عليه. وفي حادثة قال عمر للنبي: ارجم الذي اعترف بالزنى، فأبى النبي معللاً ذلك بأنه قد تاب إلى الله. إذ روي أن امرأة وقع عليها في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد بمكروه على نفسها، فاستغاثت برجل مرَّ عليها، وفر صاحبها، ثم مر عليها ذوو عدد فاستغاثت بهم، فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به فأخذوه، وسبقهم الآخر، فجاءوا به يقودونه إليها، فقال: أنا الذي أغثتك، وقد ذهب الآخر، قال: فأتوا به نبي الله (ص) فأخبرته أنه الذي وقع عليها، وأخبر القومُ أنهم أدركوه يشتد، فقال: إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني، فقالت: كذب، هو الذي وقع عليّ، فقال النبي (ص): ‹‹إنطلقوا به فارجموه››، فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني، فأنا الذي فعلت بها الفعل، فاعترف، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله (ص): الذي وقع عليها، والذي أغاثها، والمرأة، فقال: ‹‹أما أنت فقد غفر لك، وقال للذي أغاثها قولاً حسناً، فقال عمر: ارجم الذي اعترف بالزنى، فأبى رسول الله (ص) فقال: ‹‹لأنه قد تاب إلى الله››[4]. وفي حادثة أنه قال للرجل الذي قال له: ‹‹يا رسول الله اصبتُ حداً فأقمه عليّ، فقال (ص): هل صليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله قد غفر لك حدك››[5].

وجاء في سيرته صلوات الله وسلامه عليه أنه لم يؤاخذ بعض أصحابه بالعقوبة رغم كبير فعله وشائنته. ومن ذلك أنه برئ مما صنعه خالد بن الوليد ببني جذيمة من قتلهم وأخذ أموالهم دون معاقبته، وقال: ‹‹اللهم اني ابرأ اليك مما صنع خالد››. وبنظر إبن تيمية وتلميذه إبن القيم أن النبي (ص) إنما لم يعاقب خالداً على فعله لحسن بلائه ونصره للإسلام[6].

كما شهدت السيرة النبوية أشكالاً من المغايرة السياسية في التعامل مع المتهمين وذوي الجرائم. منها أن النبي (ص) حبس في بعض التهم، وعاقب بالضرب في تهم أخرى، ليعترف المتهم بجريمته إعتماداً على بعض القرائن الدالة على ارتكابها، ومن ذلك أنه أمر الزبير بأن يقوم بضرب المتهم حتى يقر بالمسروق، كما في قصة إبن أبي الحقيق. وقد ذكر إبن القيم في كتابه (الطرق الحكمية) أمثلة كثيرة دالة على سياسة النبي (ص) التي اعتمدت المغايرة طبقاً للمصالح العامة[7]. واقتضت بعض هذه المصالح أن يصرح بأوامر وأحكام تهديدية، لكن سيرته الفعلية لم تتمسك بحرفية ما كان يصرح به. لذا قال بعض العلماء انه: ‹‹قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير، كقوله (ص): من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه. وهو لو قتل عبده لم يقتل به في قول عامة الفقهاء، وكذلك لو جدعوه لم يجدع به بالإتفاق››[8]. ومنه ما نُقل عنه أنه قال: إن شارب الخمر إنْ شرب في الرابعة اقتلوه، رغم أنه لم يُقم هذا الحد على الفاعل[9].

ومن الفتاوى التي غيّرها النبي (ص) تبعاً لإختلاف الظرف؛ افتاؤه بمنع إدخار لحوم الأضاحي، ثم غير الفتوى إلى الإباحة تبعاً لتغير الظرف. وقد أعاد الإمام علي في خلافته الفتوى الأولى، إذ صلى بالناس في أحد الأعياد ونهاهم عن الإدخار فوق ثلاث؛ مذكراً إياهم بنهي الرسول (ص)[10]. ومثل ذلك ما ورد من تحريم النبي (ص) لأكل لحوم الخيل يوم خيبر، وذلك لتسارع المجاهدين نحو طبخها قبل تخميسها فظنوا وقتها أن التحريم مؤبد[11].

وفي رواية أن رجلاً سأل النبي (ص) عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله نفس الأمر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب[12].

مضافاً إلى أنه اضطر إلى ارتكاب بعض الأفعال التي تعد محرمة لولا المصلحة الراجحة، مثل تقريره للزاني بصريح القول كما أشار إلى ذلك الشاطبي استناداً إلى ما رواه البخاري من قول النبي للمقر: ‹‹لعلك.. لعلك..›› حتى قال له ‹‹أنكتها؟››[13].

على هذا يقرّ الأصوليين بأن المخالفة القطعية لواقع الحكم الإلهي لا تدل أحياناً على الحرمة؛ كما لو غيّر المجتهد رأيه أو عدل المقلّد إلى الأخذ برأي مجتهد آخر لعذر ما[14]، بل بنظر البعض أن الإقدام على ما يحتمل أن تكون منه مخالفة ذلك الواقع قد يحسن، بل وقد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع الآنف الذكر، وبالتالي تتحول المفسدة الناتجة من المخالفة إلى المحبوبية أو الوجوب بفعل المصلحة الراجحة ‹‹فلا يصح إطلاق الحرام على ما فيه المفسدة المعارضة بالمصلحة الراجحة عليه››[15]. وجاء عن إبن تيمية قوله: ‹‹الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أُبيح المحرم››[16]. فمن ذلك ما يذكر جواز التوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار، وكذا دفع المال لرجل يهدد بالزنى بامرأة كي لا يزني بها، وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال[17].

كذلك ورد عن النبي (ص) في خطابه لأم المؤمنين عائشة قوله: ‹‹لولا حِدثان عهد قومك بالكفر لهدمت البيت ورددته على قواعد ابراهيم››[18]. وقول هذه السيدة أيضاً: لو أدرك رسول الله (ص) ما أحدثه النساء لمنعهن عن المساجد كما منعت نساء بني اسرائيل[19].

 

النبي ومبدأ ولاية الامر 

يتفق الكثير من الفقهاء على أن بعض الأحكام الصادرة عن النبي (ص) لم تأتِ بوصفه مشرعاً عاماً أو مبلغاً للأحكام، وإنما بوصفه حاكماً ورئيساً للمسلمين، كممارساته في الشؤون السياسية والإقتصادية والقضائية والإدارية وما إليها. وقد ذُكرت نماذج لهذه الكيفية من الأحكام القلقة غير الثابتة أو الدائمة. ويمكن أن يدخل ضمن هذا الإطار أغلب ما مرّ معنا. يضاف إلى ذلك ما شهدته سيرة النبي (ص) من أنه لم يلتزم بتطبيق حد التخميس للغنائم في بعض المواقف، إذ لم يلجأ إلى التخميس في غنائم حنين، بل أعطى الطلقاء الكثير ولم يعط الأنصار شيئاً، وفي معركة بني النضير وزع أرض اليهود على فقراء المهاجرين وحدهم ولم يعط سواد الأنصار شيئاً، وكذا في خيبر حيث قسّم نصفها وحبس النصف الآخر، وفي فتح مكة لم يقسمها بين الغانمين[20]. وطبقاً لهذا ذهب عدد من الفقهاء إلى أن الأرض المفتوحة عنوة يعود أمرها إلى الإمام يفعل بها ما يراه صالحاً للمسلمين، إن شاء قسّمها أو حبسها، كما هو رأي أبي حنيفة وأصحابه، كذلك الثوري وأبي عبيد. وذهب بعض آخر إلى أنها تصير وقفاً للمسلمين ولا تُقسّم كما هو رأي مالك، ربما استناداً إلى ما ذهب إليه عمر بن الخطاب كما هو معروف[21].

وشبيه بهذا الأمر موقف النبي (ص) من تطبيق الجزية على أهل الكتاب، حيث أنه صالح البعض ولم يفرض عليهم حكمها، مثل مصالحته لأهل نجران.

وقد وظف بعض المعاصرين حوادث من السيرة النبوية لدعم نظرية ‹‹الأحكام الولائية أو الرئاسية››. ومن ذلك ما يذكر عن النبي (ص) بأنه نهى عن منع فضل الماء والكلأ. وكما قال الإمام الصادق: ‹‹قضى رسول الله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع فضل ماء وكلاء››. واعتبر المفكر الصدر أن النهي في هذا النص لا يمكن إعتباره نهياً تحريمياً ثابتاً كما هو الظاهر، وذلك عند أخذ إعتبار ما يراه جمهور الفقهاء من ‹‹إن منع الإنسان غيره من فضل ما يملكه من ماء وكلاء، ليس من المحرمات الأصيلة في الشريعة، كمنع الزوجة نفقتها وشرب الخمر.. أمكننا أن نستنتج: أن النهي من النبي صدر عنه بوصفه ولي أمر››[22]. كما نقد استاذنا الصدر أولئك الذين لا يتصورون النبي إلا بوصفه مشرعاً ومبلغاً عاماً، لذلك يفسرون النص السابق بالنهي العام، لكنه نهي كراهة لا نهي تحريم ‹‹حيث يستبعدون أن يكون منع المالك لفضل مائه حراماً شرعاً، في كل زمان ومكان››[23].

ومثل ذلك نهي النبي (ص) عن بيع الثمرة قبل نضجها. ففي الحديث عن الإمام الصادق أنه سُئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض، فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها؟ فقال: ‹‹قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله (ص)، فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة، نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة، ولم يحرمه، ولكنه فعل ذلك من أجل خصومتهم››. وجاء في حديث آخر: أن رسول الله أحل ذلك فاختلفوا، فقال: لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها[24]. وقد فسّر الإمام الصدر ذلك النهي بأنه جاء من النبي لدفع الخصومة والإختلاف بإعتباره ولياً لأمر المسلمين[25].

ومثله ما نقله الترمذي عن رافع بن خديج أنه قال: نهانا رسول الله (ص) عن أمر كان لنا نافعاً، إذا كانت لأحدنا أرض أن يعطيها ببعض خراجها أو بدراهم، وقال: إذا كانت لأحدكم أرض فليمنحها أخاه أو ليزرعها. واعتبر الإمام الصدر بأنه ‹‹حين نجمع بين هذا النهي، واتفاق الفقهاء على عدم حرمة كراء الأرض في الشريعة بصورة عامة، ونضيف إلى ذلك نصوصاً كثيرة واردة عن الصحابة، تدل على جواز إجارة الأرض.. نخرج بتفسير معين للنص الوارد في خبر رافع بن خديج وهو أن النهي كان صادراً من النبي بوصفه ولي الأمر وليس حكماً شرعياً عاماً. فاجارة الأرض بوصفها عملاً من الأعمال المباحة بطبيعتها، يمكن للنبي المنع عنها بإعتباره ولي الأمر منعاً تكليفياً، وفقاً لمقتضيات الموقف››[26].

وعلى هذه الشاكلة ما ذُكر من أن الإمام علياً كان في أواخر عمره لا يصبغ لحيته وشاربيه بالسواد فذكّره رجل بقول رسول الله (ص): ‹‹عظوا الشعر الأبيض بالصبغ››. فأجاب الإمام الرجل بأن النبي إنما أمر بذلك لأن عدد المسلمين كان قليلاً وكان بينهم عدد من الشيوخ يشاركون في الحروب، فإذا نظر العدو إلى صفوف المسلمين ورأى أولئك الشيبة سكن روعه وقويت معنوياته بإعتباره يقاتل شيوخاً، لذلك أمر الرسول بالصبغ[27].

 

النبي وممارسة النسخ 

هناك جملة من التغيرات التي مارستها السيرة النبوية عُدّت ضمن الناسخ والمنسوخ ربما لعدم العلم بعللها الحقيقية. فقد جاء في عدد من الأحاديث قول عدد من الصحابة أن حديث النبي كان بعضه ينسخ بعضاً كما ينسخ القرآن بعضه بعضاً. وروي عن النبي (ص) أنه قال: ‹‹إن أحاديثي ينسخ بعضها بعضاً››. كما روي عن الزبير بن العوام أنه قال بأن الرسول كان يقول القول ثم يلبث أحياناً ثم ينسخه بقول آخر كما ينسخ القرآن بعضه بعضاً[28].

ومن جملة الأمثلة التي عُدت ضمن المنسوخ ما جاء في قول النبي: ‹‹كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها››[29]. وقوله (ص): ‹‹كنت نهيتكم عن الإنتباذ في الأوعية فانتبذوا، ولا تشربوا المسكر››[30]. وكذا الحال مع ترك النبي للوضوء مما مست النار خلاف ما كان يفعله في السابق[31]. ومثل تغيير فتواه في إفطار المحتجم في شهر رمضان[32]. وكذا أمره الناس بصيام ثلاثة أيام من كل شهر حين قدم المدينة حتى نزلت آية شهر رمضان[33]. كما جاء عن الإمام علي قوله: إن الرسول (ص) أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس[34].

وقد ذكر العلماء عدداً كبيراً من الأحكام النبوية التي تضمنت إطار النسخ والتغيير. ويكفي أن نعلم حجم ذلك ما جاء في كتاب (الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) لمؤلفه أبي بكر محمد بن عثمان الهمذاني (المتوفى سنة 584هـ)[35]، إذ ذكر المصنف الأبواب التي حدث فيها النسخ النبوي كما يلي:

فمن كتاب الطهارة جاءت الأبواب التي لاحتها أحكام النسخ والتغيير كالتالي: باب ما كان في بدء الإسلام أن لا غسل إلا من انزال، باب النهي عن استقبال القبلة، باب مس الذكر، باب الوضوء مما مست النار، باب تجديد الوضوء لكل صلاة، باب ما جاء في جلود الميتة، باب المسح على الرجلين. ومن كتاب الأذان: باب في الرجل يؤذن ويقيم غيره، باب في تثنية الإقامة. ومن كتاب الصلاة: باب استقبال القبلة، باب في نسخ الالتفات في الصلاة، باب ما نسخ من الكلام في الصلاة، باب في مرور الحمار قدام المصلي، باب في الصلاة إلى التصاوير والنهي عنها، باب ما ذكر في وضع اليدين قبل الركبتين، باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وتركه، باب ما جاء في التطبيق في الركوع، باب في قنوت النبي في جميع صلواته، باب في دعاء النبي على آحاد الكفرة، باب في إختلاف الناس في القنوت في الفجر، باب في النهي عن القراءة خلف الإمام، باب في الاسفار في صلاة الفجر، باب في المسبوق يصلي ما فاته ثم يدخل مع الإمام في الصلاة، باب موقف الإمام من المأموم، باب إتمام المأموم بامامه إذا صلى جالساً، باب في سجود السهو بعد السلام، باب صلاة الخوف، باب الصلاة قبل الخطبة في صلاة الجمعة. ومن كتاب الجنائز: باب الأمر بالقيام للجنازة، باب عدد التكبير على الجنائز، باب الصلاة على المنافقين ونسخ ذلك، باب ترك الصلاة على من عليه دين ونسخ ذلك، باب النهي عن الجلوس حتى توضع الجنازة ونسخ ذلك، باب النهي عن زيارة القبور ثم الرخصة فيها، باب الاستغفار لموتى المشركين ونسخ ذلك. ومن كتاب الزكاة: باب مقدار الزكاة. ومن كتاب الصيام: باب صوم عاشوراء، باب الرجل يصبح جنباً في شهر رمضان، باب الحجامة للصائم، باب الصوم والفطر في السفر، باب أمر النبي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونسخ ذلك برمضان، باب في السحور بعد طلوع الفجر الثاني. ومن كتاب الحج: باب في الرجل يحرم وعليه أثر الطيب، باب ما كان في أول الإسلام من منع دخول المحرم من الأبواب ونسخ ذلك، باب الاشتراط في الحج، باب في استحلال النبي (ص) الحرم ونسخ ذلك. ومن كتاب الأضاحي والذبائح: باب النهي عن اكل الاضحية بعد ثلاث، باب الفرع والعتيرة، باب في اكل لحوم الحمر الاهلية ونسخ ذلك، باب الأمر بتكسير القدور التي يطبخ فيها لحوم الحمر ثم تركها، باب ما جاء في اكل لحوم الخيل. ومن كتاب البيوع: باب الربا، باب نهي النبي (ص) عن لقاح النخل ثم الاذن بعد ذلك، باب المزارعة، باب النهي عن كسب الحجام والاذن فيه. ومن كتاب النكاح: باب نكاح المتعة. ومن كتاب العشرة: باب النهي عن ضرب النساء ثم الاذن فيه بالمعروف. ومن كتاب الطلاق: ذكر ما كان من المراجعة بعد الطلاق الثلاث ونسخ ذلك. ومن كتاب العدة: ذكر عدة المتوفى عنها زوجها في غير اهلها وإختلاف الناس فيها. ومن كتاب الرضاع: ذكر ما ورد فيه من نسخ. ومن كتاب الجنايات: باب قتل المسلم بالذمي، باب في استيفاء القصاص قبل اندمال الجرح، باب في القود بالنار، باب المثلة ونسخها، باب نسخ القتل في حد السكران، باب جلد المحصن قبل الرجم، باب ما جاء فيمن زنى بجارية امرأته من الإختلاف. ومن كتاب السير: باب وجوب الهجرة ونسخه، باب الأمر بالدعوة قبل القتال ونسخه، باب قتل النساء والولدان من أهل الشرك والإختلاف في ذلك، باب النهي عن قتال المشركين في الاشهر الحرم ونسخ ذلك، باب الإستعانة بالمشركين. ومن كتاب الغنائم: باب أخذ السلب من غير بينة وما فيه من الإختلاف. ومن كتاب الهدنة: باب في منع الإمام دفع السلب إلى القاتل، باب مبايعة النساء. ومن كتاب الإيمان: باب الحلف بغير الله. ومن كتاب الأشربة: باب النهي عن النبيذ. ومن كتاب اللباس: باب لبس الديباج ونسخه، باب إباحة لبس خاتم الذهب ونسخها، باب في تعليق الستور ذوات التصاوير والنهي عنها. ومن كتاب قتل الحيوان: باب الأمر بقتل الكلاب ثم نسخه، باب الأمر بقتل الحيات ونسخ حيات البيوت منها. وهناك أبواب أخرى متفرقة مثل: باب النهي عن الرقى ونسخ ذلك، باب سدل الشعر ونسخه بالفرق، باب النهي عن دخول الحمام ثم الاذن فيه بعد ذلك، باب النهي عن القران بين تمرتين ونسخ ذلك، باب النهي عن أن يقال ما شاء الله وشئت.

فهذا الحجم من التغيير يذكرنا بما سبق أن أوردناه من قول الغزالي: ‹‹ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ خلافاً للمعتزلة››.

 

 2ـ تغايرات التشريع في عصر الخلافة الراشدة 

لم يشهد تغيير الأحكام درجة من الإتساع طبقاً للمصلحة ومراعاة الظروف والأحوال مثلما شهده الحال في عهد الصحابة، حيث كانوا يراعون المصلحة ويشرعون طبقاً لإعتبارها، ولا يهملون أسباب النزول والملابسات المتعلقة بالآيات والأحكام، ومن ثم يقررون الأحكام طبقاً لما يناط بها من أحوال ومصالح. وقد بلغت تغيرات الأحكام حداً كبيراً حينما اتسعت الفتوحات الإسلامية، مثلما هو الحال في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.

فمن ذلك ما قام به عمر (رض) من منع اعطاء رواتب من بيت المال إلى الأشخاص المؤلفة قلوبهم، مع أن القرآن الكريم نصّ على اعطائهم هذا السهم كما في قوله تعالى: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وإبن السبيل، فريضة من الله والله عليم حكيم))[36]، وأن سيرة النبي الأكرم كانت ممضية لما في القرآن، إذ ثبت أنه نفذ ذلك وأعطى أبا سفيان والأقرع بن حابس التميمي وعباس بن مرداس وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن الفزاري، كل واحد منهم مائة من إبل الصدقات تأليفاً لقلوبهم. لكن عمر منع هذا الأمر تعويلاً على تفسير النص بما كان عليه الحال، فعلل العطاء لإتقاء شرهم، وذلك لضعف الإسلام آنذاك، وحيث قوي الإسلام فيما بعد فلا موجب للعطاء تبعاً لهذه العلة[37].

كما أنه أوقف تنفيذ حد السرقة في عام المجاعة المسمى ‹‹عام الرمادة›› وإكتفاءه بتعزير السارق بدلاً من قطع يده. إذ من شرائط الحد أن لا يكون السارق مضطراً، واعتبر عمر أن ذلك من الشبهات، وفي الشبهات تدرأ الحدود[38].

وكذا أنه منع تقسيم أراضي سواد العراق ومصر وتوزيعها على الفاتحين الذين طالبوه بها محتجين عليه بنصوص من القرآن والسنة، لكنه إعتبر الأراضي من الفيء الذي تتعلق به حقوق المسلمين عامة حاضرهم وآتيهم رعاية لمصلحة الأجيال وحقوقها في بيت المال. لذا أنه أبقى الأراضي في أيدي أهاليها وطرح عليها ضريبة الخراج، بإعتبار أن ذلك أصلح لإحيائها وأعم وأدوم لنفعها وريعها. وقد دامت مناقشات عمر مع الصحابة عدة أيام ثم وجد الحجة عليهم في إحدى آيات سورة الحشر، وخاطبهم بقوله: ‹‹تريدون أن يأتي آخر الناس ليس لهم شيء، فما لمن بعدكم؟ ولولا أن اترك آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسّمتها كما قسّم رسول الله (ص) خيبر››. وفي كتاب له إلى أبي عبيدة قال فيه: ‹‹.. وشاورت فيه أصحاب رسول الله (ص)، فكل قد قال في ذلك برأيه، وأن رأيي تبع لكتاب الله، قال الله تعالى: ((ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وإبن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم.. والذين جاءوا من بعدهم..))››[39].

ومن ذلك أن طلاق الثلاث كان في عهد النبي وأبي بكر وسنتين من عهد عمر يقع واحدة، لكن لما فسد الناس وأكثروا من حلف الطلاق؛ فقد آل الأمر بعمر إلى أن يوقعه ثلاثاً للزجر كي لا يتهاونوا في ما شُرع لهم من أحكام. وقال بهذا الصدد: ‹‹إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أنّا أمضيناه عليهم››. لذلك أمضاه عليهم ليقلوا منه، فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاث جملة وقعت، وأنه لا سبيل له إلى المرأة؛ أمسك عن ذلك[40].

كما ذُكر أن عمر (رض) قام بتغيير الحد المقدر لشرب الخمر. إذ كان حد الشارب في عهد النبي وأبي بكر أربعين جلدة، لكن عمر شدد في العقوبة في الحد فأوصلها إلى ثمانين جلدة، بعد مشورته للناس. والذي أشار عليه بذلك، كما نقل الإمام مالك في موطئه، هو الإمام علي (ع)، حيث حدد له المقدار بثمانين جلدة مستدلاً بأنه ‹‹إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى››[41]. وذكر إبن تيمية بأن الذي دعاه إلى ذلك هو أن الناس في زمنه قد أكثروا من شربها واستخفوا بحدها، لذلك زادها عليهم مع النفي وحلق الرأس، وكل ذلك لم يكن في عهد النبي (ص)[42].

كما قام عمر بتغيير الفتوى الخاصة بزواج المسلم من الكتابية. فقد أباح الله تعالى هذا الزواج بصريح الآية الكريمة ((اليوم أُحلّ لكم الطيبات وطعام الذين أُوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حِلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم))[43]. لكن عمر منع هذا الزواج، إذ لما رأى كثرة الكتابيات وقت الفتوحات وهن جميلات فقد خشي من افتتان المسلمين بهنّ وترك المسلمات اليهنّ، وربما خشي أيضاً مما يمكن أن يترتب على ذلك من نفوذ أهل الكتاب إلى مراكز السلطة في الدولة الإسلامية، وكذا مخافة تأثيرهن على عقيدة المسلمين. ومما يذكر بهذا الشأن أنه جاء عن حذيفة بن اليمان أنه تزوج يهودية بالمدائن فكتب إليه عمر أن خلِّ سبيلها، فكتب اليه: أحرام هي يا أمير المؤمنين؟ فكتب اليه: أعزم عليك أن لا تضع كتابي حتى تخلي سبيلها فأني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين[44].

وكذا فيما يخص تحريمه لنكاح المتعة، كما تشير إليه عدد من الروايات، كالتي جاءت في صحيح مسلم[45]. وقد اعتبر المرحوم كاشف الغطاء من الإمامية بأن ما دعى عمر إلى فعل ذلك ليس بإعتبار التشريع الثابت، وإنما بإعتبار حاكميته وما تقتضيه من مراعاة الظروف الطارئة المؤقتة[46]. وأيده المفكر مرتضى مطهري معتبراً ذلك مثل تحريم التنباك (التبغ) الذي أصدره المرجع الشيخ محمد حسن الشيرازي[47].

ومثله إختيار عمر للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهر الحج، إذ لا يزال البيت الحرام مقصوداً، فظن البعض أنه نهى عن المتعة وأنه أوجب الإفراد[48].

وكذا هو الحال فيما أجراه عمر من تغيير حكم النص الخاص بالتسعير. إذ ظهر غلاء السعر في عهد الرسول (ص) فشكى الناس من ذلك وقالوا: لو سعرت لنا، فقال: ‹‹إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر. وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال››[49]. لكن عمر رأى وجود حاجة للتسعير في عهده، إذ روى مالك في (الموطأ) أن عمر سأل حاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع الزبيب عن سعر ما يبيع؟ فأجابه حاطب: مدّين - أي نصف صاع - لكل درهم. فقال عمر: ‹‹تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا، تقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم؟! بع صاعاً بدرهم، والا فلا تبع في سوقنا..››[50].

كما استحدث الخليفة الراشد توزيعاً جديداً للعطاء بين الناس. إذ كان العطاء في عهد النبي وأبي بكر بالتساوي، لكن عمر غيّر من هذه السيرة تبعاً لما ظنه الصواب بحسب المرحلة الظرفية التي مرّ بها عهده، فلم يساو بالعطاء بين الناس، واشتهر عنه أنه قال: ‹‹إن أبا بكر رأى في هذا المال رأياً، ولي فيه رأي آخر.. وإني لا أجعل من قاتل رسول الله (ص) كمن قاتل معه!››[51]. كما قال: ‹‹ليس أحد أحق بهذا المال من أحد، إنما هو الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه والرجل وبلاؤه والرجل وحاجته››. أي أنه جعلهم أربعة أصناف[52]. وقد رأى في أواخر حكمه بأن ما فعله ليس بالأمر الصواب فأحب أن يعود إلى السيرة الأولى من جعلهم يتساوون في العطاء، لكنه لم يتمكن من تحقيق هذه الرغبة لمقتله[53].

وكذا فيما يخص إجتهاده المستحدث بإباحته النكاح لزوجة المفقود بعد أربع سنين من فقده دون حاجة لإنتظار تحقق موته[54].

كذلك أنه رفع دية الفضة في زمانه لما رخصت، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة[55]. ومثل ذلك ما رواه أبو داود من ‹‹ان الدية كانت في العهد النبوي 800 دينار أو 8000 درهم، فلما كان عهد عمر خطب فقال: إن الإبل قد غلت، فقومها على أهل الذهب 1000 دينار وعلى أهل الورق 12000 درهم››[56].

كما أنه لم يطبق حكم الجزية على بعض الجماعات من أهل الكتاب مع أن الآية مطلقة في أخذها منهم، كالذي جرى في مصالحته لنصارى بني تغلب، إذ ضاعف عليهم الصدقة وأعفاهم عن الجزية. كما أعفى بعض الذميين من دفعها مكافأة له على حسن مشورته. كذلك نُقل بأنه أول من سنّ إلزام الغيار على أهل الذمة في المركب واللباس والتسمية والتكنية والتكلم باللغة ونحوها، ولم يكن ذلك مستناً في عهد النبي ولا في عهد صاحبه أبي بكر الصديق.

وأيضاً أنه قضى بالدية مغلّظة في قتل الوالد لإبنه ولم يقم عليه حد القتل طبقاً للإطلاق الوارد في النص[57].

كما أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل رغم اقراره بأن النبي (ص) وأبا بكر لم يأخذا ذلك[58].

وكذا أنه منع بيع أمهات الأولاد، في حين كنّ يبعن في حياة النبي (ص) ومدة خلافة أبي بكر[59].

يضاف إلى جملة من ممارساته السياسية مثل حرقه لحانوت الخمار بما فيه. وحرقه لقرية يباع فيها الخمر. وحرقه لقصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب في قصره عن الرعية. وكذا حلقه رأس نصر بن حجاج ونفيه من المدينة لتشبيب النساء به، وضربه لصبيغ بن عسل التميمي على رأسه لما سأل عما لا يعنيه من المتشابه. كما أنه صادر بعض الأموال التي كانت بيد عماله، فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل، واختلط ما يختصون به بذلك، فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين. وألزم الصحابة أن يقلّوا الحديث عن رسول الله (ص) لما اشتغلوا به عن القرآن سياسة منه[60].. إلى غير ذلك من طرقه التي ساس بها الأمة، والتي قال بشأنها إبن القيم بأنها ‹‹سياسة جزئية بحسب المصلحة، يختلف حالها بإختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة››[61].

ولعل هذا الخليفة هو أول من تنبّه إلى المفاد النسبي للأحكام، كما دلّت على ذلك سيرته؛ إن لم نقل أن النبي الأكرم (ص) هو أول من مارس هذا الدور الحيوي ودلّ عليه. فلو سلمنا بأن ما يصدر عن النبي كان في الغالب يأتي بإعتبارات النبوة والتشريع الثابت مثلما يدعيه النظام المعياري عادة؛ فسيكون الخليفة الثاني هو أول من نبّه على أساليب المغايرة، وربما بفضله اهتدى النظام المعياري في تأسيسه لما أطلق عليه الأحكام السياسية أو الولائية، تمييزاً لها عن الأحكام الثابتة.

والملاحظ أن بعض التغييرات التي مارسها عمر بن الخطاب يصدق عليها أن تكون نسخاً أو نسأً لبعض الأحكام. ويخطئ بعض المعاصرين، كالشيخ أبي زهرة، حين تصور بأن عمر لم يخالف أي نص جزئي وإنما كان يطبق النصوص تطبيقاً حسناً بحسب المصالح[62]. ذلك أن العمل بموجب المصالح وإن اتسق مع المقاصد لكنه في حد ذاته يقتضي مخالفة جزئيات النصوص.

***

أما عن الفتاوى والأحكام التي شهدت التغيير والإستحداث لدى سائر الصحابة؛ فيمكن أن ننقل شواهد منها كالتالي:

لقد قام بعض الصحابة بتغيير مقدار زكاة الفطر بعد أن تمّ فرضه في عهد الرسول (ص) صاعاً من الطعام، من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط (اللبن المجفف الذي لم تُنزع منه زبدته). فقد رأى عدد من الصحابة بعد وفاة النبي أن نصف صاع من قمح يعدل صاعاً من تمر أو شعير، فأخرجوا نصف صاع من القمح زكاة فطرتهم[63]. وروى جماعة عن أبي سعيد الخدري قوله: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله (ص) صاعاً من طعام[64]، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، فلم نزل نخرجه حتى قدّم علينا معاوية المدينة فقال: إني لأرى مدّين (أي نصف صاع) من سمراء الشام (أي القمح) تعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك[65].

كما روي عن إبن مسعود أنه كان يؤاخذ المطلِّق بحسب ما نواه، فمن ذلك ما أخبره رجل من أنه طلق امرأته البارحة مائة، فسأله إبن مسعود: أقلتها مرة واحدة؟ قال نعم. قال: أتريد أن تبين منك امرأتك؟ قال نعم. قال: هو كما قلت. وأتاه آخر فقال رجل طلق امرأته عدد النجوم، فسأله أقلتها مرة واحدة؟ قال نعم. قال: أتريد أن تبين منك امرأتك؟ قال نعم. قال هو كما قلت[66].

وورد أنه حدث لإبن عباس مثلما حدث لعمر في قضية الطلاق لنفس العذر، حيث ‹‹أن الناس لما تتابعوا فيما حرم الله عليهم استحقوا العقوبة على ذلك فعوقبوا بلزومه بخلاف ما كانوا عليه قبل ذلك فإنهم لم يكونوا مكثرين من فعل المحرم››[67].

كما ورد عن إبن عباس أن رجلاً جاءه فقال: ‹‹أَلمن قتل مؤمناً توبة؟ قال: لا إلى النار ! فلما ذهب، قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا، فما بال هذا اليوم؟ قال: إني أحسبه مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً. فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك››[68]. وقيل أن الكثير من الفقهاء ساروا على هذا المسلك لإبن عباس حيث يفرقون في التعامل بين من ابتلى بالفعل ووقع فيه وبين من لم يقع فيه، فيشددون على الأخير ويسهلون على الأول[69].

وجاء عن علقمة أنه قال: غزونا أرض الروم ومعنا حذيفة وعلينا رجل من قريش فشرب الخمر فأردنا أن نحده فقال حذيفة: تحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم[70] ؟!

ومثل ذلك ما فعله سعد بن أبي وقاص بأبي محجن حين شرب هذا الأخير الخمر يوم القادسية، إذ عفى عنه وأخلى سبيله، وقال: ‹‹لا والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى للمسلمين ما أبلاهم››[71].

وظهرت بعض الإجتهادات الجديدة التي حددت أحكاماً شديدة تبعاً لمراعاة ما تقتضيه الظروف السائدة آنذاك، كإحراق الإمام علي للغلاة، ونصحه للخليفة أبي بكر بإحراق اللوطية بدل قتلهم بالسيف[72].

وعلى نفس الشاكلة فيما فعله عثمان في حرقه للمصاحف وجمعه للقرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة. إذ جاء بأن الصحابة في عهده خشوا على الأمة الإختلاف في القرآن، فرأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد عن الوقوع في الإختلاف، الأمر الذي أجراه عثمان ومنع الناس من القراءة بغيره، بينما كان النبي قد أطلق القراءة للناس على أي حرف من تلك الأحرف، للسعة والتيسير[73].

ومثل ذلك ما فعله عثمان في ضالة الإبل. فقبله كان النبي والصحابة يحثون على تركها مرسلة حتى يجدها صاحبها. وجاء في الحديث أن النبي (ص) قال لمن سأله عنها: ما لك وما لها؟ معها غذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يأتي ربها. لكن عثمان وجد الناس في عهده قد تغيروا وامتدت الأيدي إليها، فرأى المصلحة في التقاطها، وعيّن راعياً يجمعها ويعرفها، فإن لم يجد صاحبها باعها وحفظ الثمن له حتى يجيء[74].

كما قام هذا الخليفة بترك القصر في السفر ‹‹إذ سمع أن الناس افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة خوف الذريعة››[75].

وفي خلافة الإمام علي وردت بعض الوصايا التي تقر التسعير دفعاً لما قد يحدث من ظلم وإستغلال. ففي عهده للأشتر حذّر من التجار وأوصاه بتحديد الأسعار رحمة بالرعية، إذ قال (ع) في وصيته: ‹‹واعلم أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة. فامنع من الاحتكار فإن رسول الله (ص) منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، واسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع››[76]. كذلك أنه قام بتصعيد زكاة الفطر عندما رخص السعر[77]. وأيضاً أنه فرض الزكاة على الخيل[78].

وفي عهد التابعين جرى هناك العديد من التغيير في الأحكام، مثل ما ورد في إجازتهم لتسعير السلع تسهيلاً للناس ودفع المشقة والضرر عنهم، وذلك بعد أن تغيرت الظروف عما كانت عليه من قبل.

ومن ذلك أيضاً ما روي من أن عمر بن عبد العزيز كان يقضي - وهو أمير في المدينة - بيمين وشاهد واحد طبقاً لما ورد في السنة النبوية[79]، وكذا ما رواه الشافعي من أنه كتب إلى عامله بالكوفة وقت خلافته قائلاً: ‹‹اقض بالشاهد مع اليمين فإنها السنة››[80]. لكنه لم يقبل في الشام إلا شاهدين، بسبب ما رآه من إختلاف في أحوال الناس. وقد كتب زريق بن الحكم إلى عمر بن عبد العزيز قائلاً: ‹‹إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة، فوجدنا أهل الشام على غير ذلك، فلا نقضي إلا بشهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين››[81].

 

 



[1] الموافقات، ج4، ص207.

[2] المقصود بالسلم كما عرفه السرخسي بأنه أخذ عاجل بآجل، وقيل أن السلم والسلف بمعنى واحد. فهو بيع ما هو معدوم أو غائب بثمن عاجل ليمكن منه جلب المبيع أو استحضاره (المبسوط للسرخسي، ج12، ص124). ويبدو أن النهي المشار إليه مستنتج من قبل الفقهاء لعدد من الحوادث والقضايا التي كان فيها النبي (ص) ينهى عن بيع ما هو معدوم أو مجهول، ولم يرد النص بعمومه، بل ما جاء أنه نهى حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده، كذلك نهيه عن بيع الغرر مثل نهيه عن بيع الحبلة والعبد الآبق والملاقيح وبيع الثمر قبل بدو صلاحه وبيع الملامسة والمنابذة. لذلك يقول إبن تيمية: ‹‹ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله بل ولا عن أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز لا بلفظ عام ولا بمعنى عام، وإنما فيه النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة››. وهو قد خطّأ غيره ممن نقلوا أن النبي قال: لا تبع ما ليس عندك، وارخص في السلم، معتبراً أن هذا الكلام إنما يرجع إلى بعض الفقهاء وذلك أنهم قالوا: السلم هو بيع الإنسان ما ليس عنده (القياس لابن تيمية، ص26 و19. ومجموع فتاوى إبن تيمية، ج29، ص23 و25. وأعلام الموقعين، ج1، ص312، وج2، ص28).

[3] جاء في حديث الإمام علي قوله: لا أُقيم لأحد حداً بأرض العدو حتى يخرج منها لئلا تلحقه الحمية فيلحق بالعدو (علل الشرائع، مؤسسة الاعلمي، الطبعة الأولى، 1408هـ ـ 988م، ج2، باب 334، ص264). وقد نصّ أحمد واسحاق بن راهويه والاوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام في أرض العدو. وذكر ذلك أبو القاسم الخرقي في مختصره فقال: لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو، وقد اتى بشر بن ارطاة برجل من الغزاة قد سرق مجنّة فقال: لولا اني سمعت رسول الله (ص) يقول: ‹‹ لا تُقطع الايدي في الغزو›› لقطعت يدك، وهو ما رواه أبو داود، وقال أبو محمد المقدسي: وهو إجماع الصحابة (الخراج، ص197. وأعلام الموقعين، ج3، ص5ـ6).

[4] أعلام الموقعين، ج3، ص8.

[5] أعلام الموقعين، ج3 ص7.

[6] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص255. وأعلام الموقعين ج3، ص8.

[7] الطرق الحكمية، ص17ـ18 و121. كذلك: أحمد بن محمد النجدي: الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1380هـ ـ 1960م، ج2، ص100.

[8] الإعتبار، ص200. وأحكام القرآن للهراسي، ج1، ص44.

[9] من ذلك ما ورد أنه أُوتي برجل شرب الخمر فجلده النبي، ثم أُوتي به ثانية فجلده، وكذا ثالثة ورابعة، حيث جلده ووضع القتل عنه رخصة. وجاء في رواية أخرى أن حد القتل يقام عليه في المرة الخامسة لا الرابعة، ومع ذلك فإن النبي لم يقتله (الام، ج6، ص155، وج8، ص642ـ643. وانظر أيضاً: الإعتبار، ص201. ونيل الأوطار، ج7، ص325).

[10] جاء في الحديث أن النبي (ص) قال: ‹‹لا يأكل أحدكم من لحم اضحيته فوق ثلاثة أيام››. لكنه قال في سنة أخرى قادمة: ‹‹كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا››. وفي بعض الأحاديث: ‹‹انما نهيتكم من أجل الدافّة التي دفت›› يعني القوم الذين قدموا عند الاضحى (انظر حول ذلك المصادر التالية: المسوى شرح الموطأ، ج1، ص229. والام، ج8، ص643. والرسالة للشافعي، ص236 وما بعدها. والإعتبار، ص155ـ158. وروح المعاني، ج17، ص146. والمستصفى، ج1، ص128).

[11] الإعتبار، ص164.

[12] ينقل حول هذه الحادثة قول عبد الله بن عمرو بن العاص: ‹‹كنا عند النبي (ص) فجاء شاب فقال يا رسول الله، أُقبّل وأنا صائم؟ قال: لا. فجاء شيخ، فقال: يا رسول الله، أُقبّل وأنا صائم قال: نعم. فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله: قد علمت نظر بعضكم إلى بعض أن الشيخ يملك نفسه›› (القرضاوي: عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، دار الصحوة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1406هـ ـ 1985م، ص82). كما نقل مثل هذا النهي للشاب دون الشيخ عن إبن عباس (الموطأ، ص208ـ 209).

[13] عن: الاشقر: أفعال الرسول، ص164. لكن ما ذُكر هو أن البخاري ومسلم وغيرهما رووا أن النبي (ص) ردّ المقر بالزنا مراراً أربعاً، كل مرة يعرض عنه. ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي (ص) وقال له: أبك جنون؟ قال: لا. قال (ص): أحصنت؟ قال: نعم. وفي حديث البخاري: لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت. وفي النسائي وأبي داود أن النبي (ص) قال له في الخامسة: أنكتها؟ قال: نعم. قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال (ص): كما يغيب المِرود في المكحلة والرشاء ـ الحبل ـ في البئر؟ قال: نعم. ثم قال(ص): هل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالاً. قال (ص): فما تريد مني بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهّرني؟ قال: فأمر به فرُجم (أحكام القرآن، ج4، ص1892ـ 1893).

[14] فرائد الأصول، ج1، ص400.

[15] فرائد الأصول، ج1، ص120 و42. كذلك: الإجتهاد والتقليد والاتباع والنظر.

[16] مجموع فتاوى إبن تيمية ج29، ص49.

[17] الفروق، ج2، الفرق الثامن والخمسون.

[18] أحكام القرآن، ج4، ص1912.

[19] التيراهي: دار التعارف، بيروت، الطبعة الحادية عشرة، 1399هـ ـ 1997م، ص6.

[20] علماً أن هناك خلافاً بين الفقهاء حول فتح مكة إن كان عنوة أم صلحاً. فمن ذلك أن أبا عبيدة كان يقول: ‹‹افتتح رسول الله (ص) مكة عنوة ومنّ على أهلها فردّها عليهم ولم يقسّمها ولم يجعلها فيئاً›› (نيل المرام، ص387).

[21] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص582. والأحكام السلطانية، ص147.

[22] محمد باقر الصدر: إقتصادنا، دار التعارف، بيروت، الطبعة الحادية عشرة، 1399هـ ـ 1997م، ص276ـ 277.

[23] المصدر السابق، ص414ـ415.

[24] جاء في صحيح البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جذّ الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: أنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مراض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: (فإما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر). كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم (صحيح البخاري، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، حديث 2081).

[25] نفس المصدر، ص277.

[26] نفس المصدر، ص277ـ 278.

[27] نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص94 .

[28] الإعتبار، ص24ـ 25.

[29] الإعتبار، ص10 و13 و228. والمستصفى، ج1، ص128.

[30] المقصود بالانتباذ تعاطي النبيذ (مجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص338).

[31] جاء بهذا الصدد عدد من الأحاديث منها ما ذكره جابر بن عبد الله بقوله: ‹‹كان آخر الأمرين من رسول الله (ص) ترك الوضوء مما مست النار›› (الموطأ، ص49. والإعتبار، ص50. والمستصفى، ج1، ص129).

[32] روي في حديث شداد بن أوس أن النبي (ص) قال: ‹‹افطر الحاجم والمحجوم››. لكن جاء في حديث إبن عباس أن النبي احتجم وهو صائم. وقد كشف الإمام الشافعي أن حديث شداد كان زمان الفتح سنة ثمان للهجرة، حيث كان مع النبي فرأى رجلاً يحتجم في رمضان، فقال: ‹‹افطر الحاجم والمحجوم››، أما حديث إبن عباس فكان في حجة الوداع سنة عشر لذا فهو ناسخ لما قبله إن كانا ثابتين (الأم، ج8، ص640ـ641. والإعتبار، ص139ـ141).

[33] الإعتبار، ص145.

[34] الإعتبار، ص10.

[35] وعلى شاكلته ما سبق إليه الشيخ عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بإبن شاهين (المتوفى سنة 385)، وذلك في كتابه (الناسخ والمنسوخ من الحديث).

[36] التوبة/60.

[37] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج33، ص94. والأحكام السلطانية، ص163. ذكر أنه في زمن أبي بكر جاء عيينة والاقرع يطلبان أرضاً فكتب أبو بكر لهما بها، لكن عمر مزق الكتاب وقال: أن الله اعز الإسلام واغنى عنهم، فلا حاجة إلى تأليف قلوبهم بالصدقات (عبد الوهاب خلاف: مصادر التشريع الإسلامي في ما لا نص فيه، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، 1907م، ص164).

[38] أعلام الموقعين، ج3، ص10. ومصطفى الزرقاء: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، دار الفكر، الطبعة السابعة، ج1، ص117.

[39] انظر: الخراج لأبي يوسف، ص26ـ 30. وفتوح البلدان، ص266 وما بعدها. والفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ج1، ص167. و محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، دار النفائس، بيروت، الطبعة السادسة، 1987م، ص483ـ484. وجاء في بعض الأخبار أن الإمام علياً هو الذي أشار على عمر في عدم تقسيم السواد (الأموال، ص33). وكان أبو عبيد يرى أن أمر التقسيم تمّ بإشارة كل من الإمام علي ومعاذ بن جبل (ابن رجب الحنبلي: الاستخراج لأحكام الخراج، صححه وعلق عليه عبد الله الصديق، دار المعرفة، بيروت، ضمن موسوعة الخراج، 1997م، ص9).

[40] الطرق الحكمية، ص19. كذلك مجموع فتاوى إبن تيمية، ج33، ص84. علماً بأن ما ذُكر عن عمر بصدد الطلاق مروي عن إبن عباس في عدد من الأخبار، وقد تأول البعض الأمر على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول: أنت طالق أنت طالق أنت طالق؛ فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد، وثلاث إذا قصد تكرير الايقاع، فكان الناس في عهد رسول الله (ص) وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغالب الفضيلة والإختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع، وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد، فلما رأى عمر في زمانه أموراً ظهرت وأحوالاً تغيرت وفشا ايقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير، إذ صار الغالب عليهم قصدها، وأشار إليه بقوله إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة (نيل الأوطار، ج7، ص18). وبرر إبن تيمية ما فعله عمر من أنه لما أكثر الناس في الطلاق بالثلاث جملة؛ فإن عمر ‹‹إما أن يكون رآه عقوبة تستعجل وقت الحاجة، وإما أن يكون رآه شرعاً لازماً لإعتقاده أن الرخصة كانت لما كان المسلمون لا يوقعونه إلا قليلاً›› (مجموع فتاوى إبن تيمية، ج33، ص88). وفي رأي إبن القيم أن ذلك بمثابة عقوبة حيث يقول: ‹‹إن الناس إذا تعدوا حدوده، ولم يقفوا عندها ضيّق عليهم ما جعله لمن اتقاه من المخرج، وقد أشار إلى هذا المعنى بعينه من قال من الصحابة للمطلق ثلاثاً : انك لو اتقيت الله لجعل لك مخرجاً، كما قاله إبن مسعود وإبن عباس. فهذا نظر أمير المؤمنين.. لا أنه (رض) غيّر أحكام الله وجعل حلالها حراماً فهذا غاية التوفيق بين النصوص›› (زاد المعاد، ج5، ص217).

[41] المسوى شرح الموطأ، ج2، ص299. والخراج لأبي يوسف، ص167. والأحكام السلطانية، ص228. وأقضية رسول الله، ص19. ومجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص336. علماً بأن النص المنقول عن الإمام علي قد ورد في المصادر الشيعية منقولاً ليس عنه وإنما عن الإمام الرضا ثامن الأئمة الإثني عشر (علل الشرائع، ج2، باب 335، ص264).

[42] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج33، ص88. لكن ما ورد عن الشافعي هو أنه اعتبر ما زاده عمر لم يكن حداً وإنما تعزيراً، حيث قرر بأن أصل حد الخمر هو أربعون جلدة، وما زاده عمر على الأربعين إنما كان من باب التعزير (المسوى شرح الموطأ، ج2، ص300). كما نُقل أن النبي لم يحد الشارب وإنما كان يضرب بالنعال ضرباً غير محدود، وأن ابا بكر هو الذي شاور أصحاب الرسول وسألهم: كم بلغ ضرب الرسول لشراب الخمر فقدروه بأربعين. لكن روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي ضرب في الخمر بنعلين أربعين، فجعل عمر مكان كل نعل سوطاً (ابن رشد الحفيد: بداية المجتهد، ج2، ص444). وكذا طرح الغزالي إشكالاً حول ما إذا كان الصحابة رجحوا بالمصلحة تعيين الحد بالثمانين فأجاب بأن ‹‹الصحيح أنه لم يكن مقدراً، لكن ضرب الشارب في زمان رسول الله كان بالنعال وأطراف الثياب فقدّر الصحابة ذلك على سبيل التعديل والتقويم بأربعين، ورأوا المصلحة في الزيادة فزادوا، والتعزيرات مفوضة إلى رأي الأئمة، فكأنه ثبت بالإجماع أنهم أُمروا بمراعاة المصلحة وقيل لهم اعملوا بما رأيتموه أصوب.. ومع هذا فلم يريدوا الزيادة على تعزير رسول الله (ص) إلا بتقريب من منصوصات الشرع فرأوا الشرب مظنة القذف لأن من سكر هذى ومن هذى افترى، ورأوا الشرع يقيم مظنة الشيء مقام نفس الشيء كما أقام النوم مقام الحدث..›› (المستصفى، ج1، ص305ـ306). كذلك فإن الشوكاني هو الآخر عارض كون عمر قام بالزيادة على الحد، واعتبر أنه لم يكن هناك مقدار معين في عهد النبي، إذ في بعض الروايات أنه ضرب بنحو الأربعين، وهو على نحو التخمين، وبعضها لم يحدد العدد. واستدل على ذلك بأن عمر ذاته طلب المشورة من الصحابة فأشاروا عليه بآرائهم، ولو كان قد ثبت تقديره عن النبي لما جهله أكابر الصحابة (نيل الأوطار، ج7، ص320ـ321). ويؤيده ما ورد عن الإمام علي في استدلاله بالقياس على تحديد المقدار، ولو كان هناك حد ثابت لما صح الاستدلال.

[43] المائدة/5.

[44] محمد بن الحسن الشيباني: الحجة على أهل المدينة، رتب أصوله وعلق عليه مهدي حسن الكيلاني القادري، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ ـ 1983م، ج3، هامش الكيلاني، ص350.

[45] علماً بأن الروايات التي أوردها مسلم في صحيحه يشير عدد منها إلى أن النبي هو الذي نهى عن نكاح المتعة بعد تحليلها، وبعضها يبدي أن النهي كان يوم خيبر بعد إباحتها، كما أن بعضاً آخر يشير إلى أن النبي سمح بها يوم فتح مكة ثم ما لبث أن حرّمها. لذلك فقد عنون مسلم هذا الباب بعنوان (باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة). فعلى ما يبدو أن هذا العنوان يشير إلى أن النسخ الأول كان يوم خيبر تبعاً لرواية عن الإمام علي، وأن الإباحة الثانية كانت يوم الفتح، كما أن النسخ الثاني كان يوم الفتح أيضاً. لكن العنوان يتغافل بعض الروايات التي تشير إلى أن التحريم كان في عهد عمر وليس في عهد النبي، وأن الخليفة الراشد هو أول من فعل ذلك، كالذي روي عن جابر بن عبد الله. كما تشير بعض الروايات إلى أن إبن عباس كان ممن يعتقد – مثل جابر - بحليتها دون نسخ وتحريم (انظر: صحيح مسلم، حديث 1404ـ1407. وانظر أيضاً: صحيح البخاري، باب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخراً، حديث 4825ـ4827).

[46] محمد حسين كاشف الغطاء: أصل الشيعة وأصولها، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الطبعة السادسة، ص123ـ 124.

[47] نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص56.

[48] ذُكر أنه تنازع في ذلك إبن عباس وإبن الزبير، واكثر الناس على إبن عباس في ذلك وهو يحتج عليهم بالأحاديث النبوية الصريحة، فلما أكثروا عليه قال: ‹‹يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر؟!››. وكذا ما حصل مع عبد الله بن عمر، حيث كان إذا احتجوا عليه بأبيه يقول: ‹‹إن عمر لم يرد ما تقولون››، فإذا أكثروا عليه قال: ‹‹أفرسول الله أحق أن تتبعوا أم عمر؟!›› (الطرق الحكمية، ص20ـ21).

[49] المسوى شرح الموطأ، ج2، ص37. ومجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص67. والطرق الحكمية، ص285ـ286. ونيل الأوطار، ج5، ص334.

[50] علماً بأن الشافعي وموافقيه اعتبروا مالكاً روى جزءاً من الحادثة لا كلها. وروى الشافعي بأن عمر حاسب نفسه بعد ذلك فأتى حاطباً في داره فقال: ‹‹ان الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع›› (ابن تيمية: الحسبة في الإسلام، تحقيق محمد زهري النجار، المؤسسة السعيدية، الرياض، 1980م، ص61ـ61. ومجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص91. والطرق الحكمية، ص298ـ300).

[51] الخراج، ص44. وفتوح البلدان، ص436 وما بعدها.

[52] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص287.

[53] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج28، ص583.

[54] الأم، ج7، ص250. والمسوى، ج2، ص182. والقياس لإبن تيمية، ص41. لكن روى الشيباني بأن عمر قد رجع عن حكم الإنتظار أربع سنين إلى قول الإمام علي الذي رأى – على ما نُقل عنه - بأن المرأة تكون للأول ليس لها الحق في الزواج حتى يأتيها الخبر بطلاقه أو موته. ومال إلى هذا القول الشيباني واعتبره أقرب شبهاً بالكتاب والسنة (الحجة على أهل المدينة، ج4، ص56ـ 59).

[55] عبد الرحمن الناصر السعدي: المختارات الجلية من المسائل الفقهية، نشر الرئاسة العامة لادارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، الطبعة الثانية، 1405هـ، ص163.

[56] يوسف القرضاوي: فقه الزكاة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1397هـ ـ 1977م، ج1، هامش 265.

[57] أحكام القرآن لابن العربي، ج1، ص65

[58] نيل الأوطار، ج4، ص197.

[59] الطرق الحكمية، ص20. وأعلام الموقعين، ج4، ص347.

[60] الطرق الحكمية، ص18ـ 19. كذلك: أعلام الموقعين، ج4 ص347.

[61] الطرق الحكمية، ص21 .

[62] تاريخ المذاهب الإسلامية، ص248.

[63] جاء في بعض الأحاديث المروية عن النبي (ص) أن نصف الصاع أو المدّين من القمح قد أتى على لسان النبي ذاته (زاد المعاد، ج2، ص20). لكن الإمام مالكاً أنكرها كما أنكر الأحاديث المروية عن الصحابة في جعلهم المدين للقمح، بل روى عن أبي سعيد الخدري أنه نفى أن يكون مدين من قمح يجزي، حيث قال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا آخذ بها. لهذا فهو يرى أنه لا يجزي من القمح إلا ما يجزي من غيره (البيان والتحصيل، ج3، ص499ـ 500. وانظر: فتح الباري، ج3، ص337). وفي القبال نُقل عن إبن المنذر قوله: ‹‹لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي (ص) يُعتمد عليه، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه. فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير››. ثم اسند إبن المنذر عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وإبن عباس وإبن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر؛ أنهم رأوا في زكاة الفطر نصف صاع من قمح (فتح الباري، ج3، ص347. ونيل الأوطار، ج4، ص253).

[64] قال البعض قد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق (فتح الباري، ج3، ص337).

[65] الام، ج2، ص17. وفتح الباري، ج3، ص327. وبلوغ المرام من ادلة الأحكام، ص132. علماً أن البعض رأى أن أول من جعل نصف صاع من بر مكان الصاع من غيره من الأشياء هو عمر بن الخطاب كما ذكر ذلك أبو داود، حيث ورد أنه لما كان عهد عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء. وزعم الطحاوي أن الذي عدل عن ذلك عمر ثم عثمان وغيرهما، فروى أن عمر قال ليسار بن نمير: ‹‹إني أحلف لا أعطي يوماً ثم يبدو لي فأفعل، فإذا رأيتني فعلت ذلك فاطعم عني عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير›› (فتح الباري، ج3، ص327. وزاد المعاد، ج2، ص19). لذلك لما رخص السعر في خلافة الإمام علي (ع) فإنه جعل الزكاة لكل من تلك المحاصيل صاعاً. لكن في الصحيحين أن معاوية هو الذي قوّم ذلك حيث جاء في حديث ايوب أن ‹‹صدقة الفطر صاع من شعير أو صاع من تمر، قال إبن عمر: فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع بر بصاع من شعير›› واعتبره إبن حجر المعتمد، وردّ الأخبار التي تعتبر عمر هو البادئ (فتح الباري، ج3، ص327). لذا جاء عن الكثير قولهم بنصف الصاع من القمح، مثلما ورد عن عدد من الصحابة والتابعين (ابن حزم: المحلى، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام في القلعة بمصر، ج6، ص422 وما بعدها).

[66] نيل الأوطار، ج7، ص15.

[67] مجموع فتاوى إبن تيمية، ج33، ص87.

[68] لكن على خلاف تلك الرواية روي أنه سُئل إبن عباس عمن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: ويحه وأنّى له الهدى؟ سمعت نبيكم (ص) يقول: ‹‹يجيء القاتل، والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه، يقول: ربِّ سلْ هذا لِمَ قتلني››، والله لقد أنزلها الله عزّ وجل على نبيكم، ثم ما نسخها بعد ما أنزلها (سنن إبن ماجة، ج2، ص847).

[69] القرضاوي: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية والشبهات التي تثار حول تطبيقها، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1404هـ ـ 1984م، ص138.

[70] الخراج لأبي يوسف، ص197.

[71] قيل أنه أتى سعد بن أبي وقاص بأبي محجن الثقفي يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد. لكن أبا محجن قال لإمرأة سعد سلمى بنت حفصة: أطلقيني ولك ـ والله عليّ ـ إن سلّمني الله ارجع حتى أضع رجلي في القيد، فإن قُتلت استرحتم مني، قال فخلته حتى التقي الناس واستعمل فرساً لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ رمحاً ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون: هذا مَلك، لما يرونه يصنع، وجعل سعد يقول: الصبر صبر البلقاء، والظفر ظفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هُزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد فأخبرت سلمى سعداً بما كان من أمره، فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى للمسلمين ما أبلاهم، فخلى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام عليّ الحد وأطهر منها، فأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبداً. وقوله: ‹‹اذ بهرجتني›› أي أهدرتني بإسقاط الحد عني (الخراج لأبي يوسف، ص34. وأعلام الموقعين، ج3، ص6ـ7. والمسعودي: مروج الذهب، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، ج2، ص323ـ324).

[72] الطرق الحكمية، ص18 و22. وأعلام الموقعين، ج4، ص387.

[73] الطرق الحكمية، ص21. كذلك: أعلام الموقعين، ج4 ص347.

[74] القرضاوي: الإجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية والحاجات المعاصرة، حوار مع القرضاوي، ضمن: فقه الدعوة، ج2، ص153ـ 154.

[75] جاء أن السيدة عائشة وعثمان كلاهما لم يقصرا في السفر بتأويل منهما، إذ قيل أن عائشة ظنت أن القصر مشروط بالخوف والسفر، فإذا زال الخوف زال سبب القصر (تفسير المنار، ج5، ص366ـ367). كما أن جماعة من العلماء قالوا: أن المسافر مخير بين القصر والتمام، واختلف في ذلك الصحابة (ابو بكر بن العربي: العواصم من القواصم، تحقيق وتعليق محب الدين الخطيب، طبعة الرياض، 1404هـ ـ 1984م، ص87ـ 80).

[76] شرح نهج البلاغة، كتاب (53)، ص438.

[77] زاد المعاد، ج2، ص19ـ21. وانظر: فتح الباري، ج3، ص347. ونيل الأوطار، ج4، ص253.

[78] الحر العاملي: وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1410هـ، ج9، كتاب الزكاة، باب استحباب الزكاة في الخيل الاناث السائمة، حديث 1، ص77.

[79] إذ هناك عدد من الروايات تفيد أن النبي كان يقضي باليمين مع الشاهد، ومن ذلك حديث إبن عباس الذي أخرجه مسلم وهو ‹‹أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد›› (الأم، ج8، ص499ـ500. وبداية المجتهد، ج2، ص468). لكن تظل القضية موضع خلاف بين الفقهاء، حيث مال الغالبية إلى جواز مثل هذا القضاء استناداً إلى ما روي من الأحاديث النبوية، وخالفهم جماعة تمسكوا بعموم بعض الآيات وبعض ما ورد عن السنة النبوية، كالحنفية.

[80] الطرق الحكمية، ص158.

[81] محمد أبو الفتح البيانوني : دراسات في الإختلافات الفقهية، مكتبة الهدى، حلب، الطبعة الأولى، 1395هـ ـ 1975م، ص129.

comments powered by Disqus