يحيى محمد
من حيث المنطق الإجرائي، لا بد لأي دائرة علمية ممنهجة ان تتقوم بالاعتبارات الذهنية المنضبطة، رغم أن الواقع يشهد صورة اخرى مغايرة. فالكثير من الدوائر المعرفية مصاب بداء (الاعتبارات الذهنية غير المنضبطة). ولعل النظام الوجودي هو من ابرز هذه الدوائر التي يتداخل فيها الانضباط وعدم الانضباط الى الدرجة التي تكون فيها الاعتبارات المعرفية اعتبارات تبريرية.
ومصطلح ‹‹الاعتبارات›› وارد في تعابير الفلاسفة، ومن ذلك قولهم: ‹‹لولا الاعتبارات لبطات الحكمة››. ويقصد به عادة الاستدلال على تبرير وجود اشياء حقيقية من خلال تأثير امور لا وجود لها، فتتخذ الاعتبارات معنى الامور العدمية مثلما لاحظنا ذلك في نظرية الصدور. وسبب تعويل الفلاسفة على الاعتبارات هو انها بنظرهم تدفع عن التفلسف الكثير من الاشكالات، وبدونها تفضي العملية بالبطلان، كما هو صريح قول بعض الفلاسفة العارفين1.
كذلك ورد مصطلح ‹‹الاعتبار›› كمبدأ عرفاني يتحكم في اسلوب التعامل مع فهم النص، وهو العبور من الظاهر الى الباطن. والحال في المبدئين سيان، وهو الانتقال والعبور من المقدمات الى النتائج، او من الظاهر الى الباطن. وعليه ان الاعتبارات مجعولة لتبرير الانتاج المعرفي عبر الوجود الخارجي، وان الاعتبار مجعول لتبرير الفهم الباطني عبر النص الديني.
لكن ما نقصده من الاعتبارات (الذهنية) هو شيء اخر مختلف، فهي تمثل لدينا الطرق المتبعة في توليد النتائج عبر مقدماتها الموضوعة. فنحن نعلم ان بعض الطرق يكون الربط فيها منطقياً ولازماً، وبعضها قد يفتقر الى هذا اللزوم رغم كونه محكماً ودالاً على النتائج بقوة، كما ان من الطرق ما تتصف بالربط الواهي والضعيف. وغرض هذه الاخيرة هو تبرير النتائج عادة، وبالتالي فهي ابعد ما تكون عن البرهان المدعى، بل اكثر من ذلك انها تكون منشأً لتوليد التبريرات المتضاربة. وينطبق هذا الحال على كل من مبدأ الاعتبارات في مفهومه الفلسفي المطبق على الرؤية الوجودية، وعلى مبدأ الاعتبار في مفهومه العرفاني المطبق على فهم النص. واذا كان المعنى العرفاني للاعتبار هو العبور من الظاهر الى الباطن، فقد لاحظنا كم كان هذا العبور واهياً، فهو نوع من التبرير الذي يبرر النتائج الوجودية واسقاطها على النص. ولا يختلف الحال كثيراً عن مبدأ الاعتبارات، فهو ايضاً يعني العبور من المقدمات الى النتائج مهما كانت واهية وضعيفة.
وبالجملة فان فارق الاعتبارات المنضبطة عن غير المنضبطة، هو ان الاولى يكون ربط النتائج بالمقدمات ربطاً محكماً ودقيقاً. في حين ان الثانية يتم فيها القفز الى النتائج لادنى سبب ومناسبة. ولا شك ان كلا هذين النوعين نجده لدى المنظومة الوجودية، رغم ما تدعيه من ان طريقتها برهانية او هي نتاج كشف صحيح. فمثلاً ان قاعدة (الواحد لا يصدر عنه الا واحد) تدخل ضمن نطاق المعرفة ذات الاعتبارات المنضبطة، لكونها من مخلفات منطق السنخية ولوازمها. لكن النتائج الاخرى التي تتعلق بكيفية الصدور تبعاً للاعتبارات الذهنية، مثل تبرير صدور العقل والنفس والفلك تبعاً لنواحي الادراك او لاعتبارات اخرى مختلفة، تدخل جميعاً ضمن نطاق المعرفة ذات الاعتبارات غير المنضبطة، اذ لا توجد صلة وثيقة بين المقدمات الاستدلالية ونتائجها المعرفية.
اذن ان منطق الاعتبارات غير المنضبطة يعبر عن دواع تبريرية، وبالتالي فانه قابل للاحكام المتعارضة لاختلاف الدواعي والتبريرات، وهذا ما جعل الفلاسفة والعرفاء يقعون في عدد كبير من الترددات وتباينات الاراء وتضاربها، بل وافضى بهم الامر الى الكثير من المفارقات والتلفيقات، وهو ما يناقض دعاويهم البرهانية والكشفية. وسنذكر نماذج من تلك التعارضات القائمة على تباين الاعتبارات، ثم نعقبها بعدد من المفارقات والتلفيقات:
فمن التعارضات الحاصلة نذكر ما يلي:
انهم تارة ينفون الاتحاد مع الله عندما يتحدثون بالعقل الفلسفي، واخرى يثبتونه عندما يتحدثون بمنطق العرفان، مثلما فعل ابن سينا.
وهم تارة يعتبرون معرفة الله لا تكون الا من خلال معرفة الاشياء، واخرى يحسبون معرفة الاشياء لا تكون الا من حيث معرفة الله.
وتارة يرون ان الله لا يُدرك مطلقاً، واخرى انه يمكن ادراكه وهو متجل بكل شيء، بل ويمكن الفناء والاتحاد به.
وتارة يعتبرون العالم لا يشابه الاول مطلقاً، واخرى يحسبونه عينه الظاهر، او يقيمون بينهما شيئاً من الشبه.
وتارة ينكرون وجود المناسبة بين المبدأ الاول والماهيات، واخرى يثبتونها بجعل الماهيات تمثل مرائي للحق ومجالي لحقيقته.
وتارة يبدون بان العالم حادث، واخرى انه قديم حاضر ازلاً وابداً.
وتارة يقولون بان الله لا يمكن ان يصدر عنه الا واحد، واخرى يقولون انه يصدر عنه الكثير.
وتارة يعتبرون الله هو الواحد بلا كثرة، واخرى يقولون انه الواحد الكثير.
وتارة يرون الاشياء تتحرك بحسب عشقها لعللها وتتكامل على هذا النحو، واخرى يصورون حركتها بانها تتم عبر افاضة العلل عليها بالوجود والكمال.
وتارة يبررون التنزل بحسب علاقة العلية، وان وجود العلة يقتضي منها ايجاد المعلول، واخرى يبررون ذلك بحسب التفات العالي للسافل عرضاً، وهو ان العالي ليس بصدد السافل، بل العكس هو الجاري.
وتارة يعتبرون الله لا يفعل لغيره وانما لاجل ذاته، واخرى يقرون ان فعله للغير هو على سبيل الرحمة والعطف.
وتارة يعزون كل شيء يحصل في عالمنا الارضي الى المفارقات السماوية، ومن ثم الى المبدأ الاول، واخرى يفسرون سبب الحوادث في هذا العالم تعويلاً على طبيعته الذاتية الناقصة.
وتارة يعتمدون على المعنى الكوني للوجود لتبرير بعض القضايا الفلسفية، واخرى يعتمدون على معناه الذاتي لتبرير قضايا فلسفية غيرها.
وتارة يرون ان النفس قبل نزولها الى البدن تعد كاملة وثابتة، واخرى يبررون نزولها باعتبارات الذنب والخطيئة، او باعتبارات حاجتها الى التكميل، مع انها في العالم العلوي تكون منبع الافاضة والجود على ما تحته من العالم السفلي، فكيف تحتاج الى هذا العالم الناقص؟
وتارة يرون ان العرفاء والاولياء يمكنهم الترقي بحسب نظرية الاتحاد من مقام الى اخر حتى ينتهي الامر الى اخر المقامات، واخرى ينفون ان يكون للانسان وغيره من الكائنات اكثر من مقام سوى الانسان الكامل.
وتارة ينكرون حدوث التغير والتحول لمقام العقول المجردة، واخرى يعترفون بخضوعها – مثل غيرها من الكائنات - الى الموت والكمال، او التحول من مقام الى ما هو اكمل بحسب الاتحاد.
وتارة ينكرون الخلود في العذاب، واخرى يثبتونه.
وتارة يعدون وحدة الوجود شخصية، واخرى يرونها نوعية.
وتارة يعتبرون العلم الالهي للاشياء قائماً في الذات المقدسة، واخرى بعدها.
وتارة ينزهون الله عن المثل والمثال، واخرى يقتصرون في تنزيهه عن المثل لا المثال.
***
أما المفارقات والتلفيقات فنذكر ما يلي:
1ـ الجمع بين اصالة الحتم والوجوب في العلة الاولى من جهة، واعتباره ذا حكمة ومشيئة وارادة وغرض من جهة ثانية، مع انهما لا ينسجمان، حتى ان شيخ الاشراق السهروردي اعترف بان الحكماء لا يعتقدون بابداع الاشياء بناء على ارادته، فهذه الارادة لا تكون الا عند ترجيح احد الجانبين على الاخر؛ فتقتضي بذلك الغرض اما لذاته او لغيره، وهو منزه عنه، حيث ان ذاته بنفسها مما تقتضي الوجود2، وهو تعبير اخر عن اصالة الحتمية في علية المبدأ الاول. ولا يتنافى هذا المعنى مع ما قصده هذا الحكيم من الارادة، اذ اعتبرها لا تختلف عن الميل الطبيعي الا بزيادة الشعور، فبالعلم والشعور يكفي عنده ان يكون الفعل مراداً ومن ثم مختاراً من دون لزوم للسبق الذاتي ولا الزماني3، فخرج بذلك عن معنى الترجيح واقر باصالة الاضطرار والحتمية.
2ـ الجمع بين اعتبار المبدأ الاول محض الوجود من جهة، واعتباره جسماً ونوراً الهياً جاءت على شاكلته سائر انواع الاجسام والانوار تبعاً لمنطق السنخية من جهة ثانية.
3ـ الجمع بين كون المبدأ الحق يمثل حيثية واحدة لتبرير عدم صدور الكثرة عنه تعالى من جهة، وكونه منزهاً ومشبهاً من جهة ثانية، كالذي جاء عن صدر المتألهين، اذ لم يتدارك ما يستلزم به القول الاخير من جواز صدور الكثرة عنه باعتبار هاتين الحيثيتين، استناداً الى القواعد الفلسفية ومسلماتها.
4ـ الجمع بين القاعدة الفلسفية التي تقول ان التغير هو علامة نقص الوجود، فكلما كان الشيء اكثر تغيراً فانه يكون اقل كمالاً، وبين القول العرفاني القائل ان الانسان يملك من التحولات والتنقلات ما تجعله اتم كمالاً من غيره من الثوابت؛ كالملائكة او العقول المجردة الثابتة والبريئة من شائبة التغير. فمثلاً اقرّ صدر المتألهين من موقع كونه فيلسوفاً بان التغير والتركيب والتضاد هي من علامات ضعف الوجود والنقص، واعتبر لهذا السبب - كغيره من الفلاسفة - ان الحركة والزمان هما اضعف الوجودات بعد الهيولى4، وذلك على نقيض ما تتصف به العقول المجردة من شدة الوجود والكمال لثباتها وبساطتها ووحدتها. لكن رغم ذلك فان هذا الفيلسوف ومن موقع عرفانه عمل على تجاوز تلك القاعدة، واعترف بان مرتبة الانسان تفوق مراتب جميع الكائنات الاخرى من العقول والجواهر لما يمتاز به من تحولات وتقلبات في اطوار النقص والكمال5. وهو بذلك ينقل الصورة التي رسمها ابن عربي بقوله: ‹‹التلوين ينقل العبد في احواله، وهو عند الاكثرين حال ناقص وعندنا اجل الحالات واكمل المقامات. وحال العبد فيه حال قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} الرحمن/29، والتمكن عندنا هو التمكن في التلوين››6.
5ـ الجمع بين الاعتراف الفلسفي بأن المادة هي أصل الشرور تبعاً لقاعدة ‹‹كل ما هو أكثر برائة من المادة فهو أقل شراً ووبالاً››، وبين الإعتبار الديني بأن ابليس والشياطين هما أصل الشر والضلال، رغم ان رتبتهما الوجودية أعظم من رتبة المادة وكثافتها.
6ـ الجمع بين الإعتبار الفلسفي بأن الوجودات كلما كانت أكثر تجرداً كانت أشد كمالاً وتماماً، وبين الإعتبار الديني بأن الإنسان قد ينزل إلى مستوى يكون فيه منكوصاً على عقبيه بأقل من الأنعام درجة، أو يتحول فيصبح بمستوى القردة والخنازير. والمفارقة واضحة، إذ كيف يمكن الجمع بين الدعوى الفلسفية التي تعتبر الإنسان يفوق غيره من الحيوانات لإمتلاكه القوى العقلية والمنطقية، وبين الدعوى الدينية التي تؤكد بأن الإنسان قد يتسافل إلى درجة يكون فيها أخس من الأنعام أو الحيوان؟!
7ـ الجمع بين الاعتبارات الوجودية التي تثبت ارادة الله تعالى لجميع اثاره وحبّه اياها باعتبارها افعاله، وبين الاعتبارات الدينية التي تؤكد بغضه ولعنه لبعض منها. والبعض كما هو الحال مع صدر المتألهين حاول ان يرفع هذا التعارض فاعتبر اسباب اللعن والبغض عائدة الى الاعتبارات الوجودية المتمثلة بالعدم، فحينما تكون الاشياء مشوبة بالعدم تصبح مبغوضة ومطرودة من رحمة الله الخاصة7. مع ان هذا الاعتبار لا يمكن تطبيقه على افراد البشر عند مقارنتهم بالكائنات التي هي اقل منهم وجوداً واكثر عدماً، كالحيوانات والنباتات، باعتبارها ليست موضعاً للعن والبغض مثلما هو الحال مع الناس الاشرار.
8ـ الجمع بين اعتبار الموت امراً كمالياً من جهة، والاقرار بما ينتاب الكافرين من العذاب بعد الموت، الى الدرجة التي يتمنون فيه ان يكونوا تراباً، من جهة ثانية.
9ـ الجمع بين اعتبار العذاب من اللوازم الفعلية للاعمال القبيحة وفق وجهة النظر الوجودية، وبين الاعتبار المعياري في نفي العذاب الدائم تبعاً لمقالة الجبر.
10ـ الجمع بين الاعتبارات الفلسفية القائلة بضرورة ازلية الفيض وابديته واستحالة عدم الكائنات او خلقها من العدم تبعاً لمنطق السنخية، وبين الاعتبارات الدينية التي تقر بان الله قادر على ان يخلق السماوات والارض في لحظة واحدة، كما وله القدرة على افنائهما متى شاء في اي لحظة، وان الدنيا ستفنى بقيام الساعة الكبرى.
11ـ جمع العرفاء بين مبدأ عدم تأويل النصوص الدينية، وكذا انكار بعضهم الممارسات الرمزية للباطنية من حيث لا ضبط لها، وبين ممارسة كلا النوعين من التأويل والاستبطان. فمثلاً رغم ان صدر المتألهين انتقد بشدة اتجاه الفلاسفة القائلين بنظرية التمثيل وان النصوص الدينية تشبيهية مجازية لا توصل الى الحقيقة مثلما هو الحال في الخطاب الفلسفي البرهاني، واعتبر طريقتهم مضللة ومهلكة، لكنه مع ذلك قد مارس احياناً الدور الذي مارسه اولئك الفلاسفة، حيث حمل بعض النصوص على التجوز والرمزية، كما اقر احياناً بان النصوص ليست قطعية الدلالة، وهو نفس المآل الذي ذهب اليه الفلاسفة التقليديون، ناهيك عن ممارساته الرمزية والاستبطانية الكثيرة.
هكذا تتبين موارد الخلل في النظام الوجودي تبعاً للمسالك غير المنضبطة من الاعتبارات، والتي بسببها شهدنا الكثير من الترددات والمفارقات والتلفيقات. فليس أمامنا رؤية برهانية حاسمة، ولا مشاهدة كشفية بينة، بل نجد انفسنا قبال اعتبارات يتداخل فيها الانضباط وعدم الانضباط، كما يتداخل فيها الوجودي والديني، فكان من نتائج هذا الخلط ما يظهر لنا من التلفيق والمفارقة كالذي كشفنا عنه في كتاب (الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية)، وقد اشرنا فيه الى انه ليس غرضنا تقويض المناهج المعرفية للفلسفة والعرفان عامة. فكل ما فصلناه يعتبر كشفاً عن طبيعة التراث المعرفي لهذه المناهج، وقد وجدنا فيه الكثير من المفارقات والمزاعم غير المسلحة بالادلة الكافية.
ويمكن القول اننا لسنا ضد التأمل العرفاني والسلوك الاخلاقي كما يرومهما العرفان، ولا ضد التفكير العقلي والفلسفي عموماً، بل على العكس نحن نسلم بضرورة كلا النهجين ونرى في الحقيقة الانسانية ما يدل عليهما، اذ ليس بامكان الانسان ان يعزل نفسه عن الكشف الذوقي، وان المبادئ الاساسية الفطرية التي يتصرف على ضوئها ما هي الا مبادئ عرفانية، ومن ذلك التسليم بالواقع العام كحقيقة موضوعية مع انه لا دليل عليها في ضوء العقل والاستدلال، وكذلك التسليم بخلو هذا الواقع من التناقضات الذاتية، وان العلاقات الجارية فيه مبتنية على مبدأ السببية العامة.. فكل ذلك مما لا يمكن تفسيره على ضوء الضرورات المنطقية، فضلاً عن انه لم يأتِ بواسطة الادلة العقلية واعتباراتها. يضاف الى ان التجربة البشرية حافلة بمظاهر الحدوس والكشوف الوجدانية، وهي ايضاً مما لا يمكن تبريرها بحسب منطق الادلة والبراهين.
اذن نحن مع العرفان في مثل هذه المبادئ والمنطلقات، لكنا نعيب على العرفاء عدم تعريضهم الحالات الكشفية للنقد والتمحيص، ولم يفرقوا في مكاشفاتهم بين ما هو عائد الى الكشف كتجربة ذاتية وبين ما يقام عليه من صياغة نظرية في الغالب. فالحالات الكشفية شيء، وتفسيرها شيء اخر، والعرفاء لا يجهلون هذا التمايز من الناحية المبدئية، لكن ما ينقصهم هو النقد والتمحيص. لذا اكثروا من المزاعم والنظريات وانساقوا الى التقليد فوقعوا في الكثير من المفارقات والتناقضات، وكانت حصيلة رؤاهم لا تختلف جذرياً عن حصيلة الرؤى الفلسفية المقدمة، وهي ايضاً قد اصابها الكثير من التقليد والادعاء ولم تنجُ من المفارقات، لتعدد ما اعتمدت عليه من الاعتبارات، ومنها الاعتبارات غير المنضبطة؛ سواء على صعيد التوليد المعرفي او على صعيد الفهم الديني، كالذي شهدت عليه الفصول السابقة.
لذلك ندعو الى ضرورة ارجاع المنظومة الفلسفية والعرفانية الى اصولها الاساسية وتهذيبها وتنقيتها مما علق بها من شوائب المفارقات والتلفيقات والتناقضات الحاصلة بفعل الاحتكاك بالفهم الديني، بل وتسليحها بالنظريات الفيزيائية المعاصرة. وسبق ان اشرنا في (منهج العلم والفهم الديني) الى انه كان يمكن للمنظومة الفلسفية ان تواكب تطورات العصر وان تُحدث نقلة فكرية عظيمة لو ان الراعين لها أرفقوا معها طرح الافكار الفيزيائية الحديثة، جنباً إلى جنب، ومن ثم التخلص من الفكر العلمي القديم، مع الاكتفاء بمحض المادة النظرية. ففي هذه الحالة >سيتقابل الفكر الفيزيائي الحديث مع النظام الفلسفي العريق وجهاً لوجه، وسيفضي الجدل بينهما ليس فقط إلى الكشف عن وجوه الشبه بين الفكرين، بل الأهم من ذلك تطويرهما ضمن منظومة جديدة مهيئة لأن تكون عالمية وعصرية بامتياز<.
1 ايقاظ النائمين، ص31.
2 السهروردي: رسالة فى اعتقاد الحكماء، ضمن مجموعة في الحكمة الإلهية من مصنفات السهروردي، مصدر سابق، ص266.
3 المبدأ والمعاد، ص115.
4 الاسفار، ج1، ص339، ج3، ص151 و175. واراء اهل المدينة الفاضلة، ص33.
5 ايقاظ النائمين، ص48. واسرار الايات، ص160-161.
6 شرح فصوص الحكم، ص468-472.
7 مفاتيح الغيب، ص271.