يحيى محمد
يضم كتاب الكافي، كغيره من كتب الرواية، عدداً كبيراً من الاحاديث الخرافية. فبعضها لا يتفق مع القرآن، وبعض اخر يتنافى مع العقل والعلم والواقع. وتتعلق الاساطير الواردة في الكتاب بعدد من المسائل؛ ابرزها مسألة الامامة وعلم الطبيعة والفلك، يضاف الى مسائل اخرى تندرج ضمن قضايا التفسير والسيرة والتاريخ... الخ.
فحول مسألة الامامة روى الكليني الكثير من الروايات التي تبدي العلم الشمولي والغيبي للأئمة، مثلما جاء بخصوص الجفر ومصحف فاطمة، ففي احدى الروايات عن الامام الصادق انه قال لابي بصير: يا أبا محمد علم رسول الله (ص) علياً ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.. يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة، صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه؛ فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.. وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر، وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.. وإن عندنا لمصحف فاطمة وما يدريهم ما مصحف فاطمة، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.. وإن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.. الخ[1].
وفي عدد من الروايات ان مثل هذا العلم الشمولي جاء من حيث النظر الى كتاب الله، حيث فيه تبيان كل شيء، وليس من خلال المصحف والجفر، فقد روي ان الامام الصادق قال: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون، ثم مكث هنيئةً فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله اذ يقول: فيه تبيان كل شيء[2].
كما روى الكليني ان الدين والعلوم قد خصهما الله تعالى لاهل البيت، فكما جاء في رواية عن الامام الرضا انه قال: نحن أمناء الله في أرضه عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم، نحن النجباء النجاة، ونحن أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصوصون في كتاب الله عز وجل، ونحن أولى الناس بكتاب الله، ونحن أولى الناس برسول الله (ص) ونحن الذين شرع الله لنا دينه؛ فقال في كتابه: شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحاً؛ قد وصانا بما وصى به نوحاً: والذي أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم، نحن ورثة أولي العزم من الرسل أن أقيموا الدين يا آل محمد ولا تتفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية علي إن الله يا محمد يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي[3].
وفي رواية ان للائمة علماً باللغات جميعاً، وقد قدرت بعدد اسطوري، وكما ورد عن الامام الحسن انه قال: إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلى كل واحد منهما ألف ألف مصراع وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي[4].
كذلك ورد في الروايات ان الدنيا والاخرة للامام يضعها حيث يشاء[5]، وان الله جعل الائمة اركان الارض أن تميد بأهلها وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى[6].
ومن الروايات الاسطورية الاخرى روى الكليني انه كانت هناك امرأة اسمها حبابة جاءت الائمة واحداً بعد اخر تسألهم عن دلالة الامامة، وعندما ادركت علي بن الحسين كان عمرها مائة وثلاث عشرة سنة، وارادت ان تسأله السؤال نفسه، لكن الامام كان مشغولاً بالعبادة فأومأ اليها بالسبابة فأعاد اليها شبابها، وظلت هذه المرأة حية ترزق وادركت كلاً من الائمة الباقر والصادق والكاظم والرضا ثم ماتت[7].
وروى عن تميم بن حاتم قوله: كنا مع أمير المؤمنين فاضطربت الارض فوحاها بيده ثم قال لها: اسكني ما لك؟ ثم التفت إلينا وقال: أما إنها لو كانت التي قال الله عز وجل لاجابتني ولكن ليست بتلك[8].
كما روى عن الصادق انه سئل عن النجوم: أحق هي؟ فأجاب: نعم إن الله بعث المشتري إلى الارض في صورة رجل فأخذ رجلاً من العجم فعلمه النجوم حتى ظن انه قد بلغ، ثم قال له: انظر أين المشتري؟ فقال: ما أراه في الفلك وما أدري أين هو، فنحاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، وقال: انظر إلى المشتري أين هو؟ فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري، وشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك[9].
وروى عن الامام الباقر قوله: للإمام عشر علامات: يولد مطهراً مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والارض موكلة بستره[10].
وروى عن الامام الصادق ان الحسين لم يرضع من امه ولا من غيرها، بل كان يؤتى به النبي فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله[11].
وروى انه لما ولد النبي (ص) مكث أياماً ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبناً فرضع منه أياماً حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها[12].
وروى انه كان للنبي حمار، وكان هذا الحمار قد كلّم النبي فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه انه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار. وتشير الرواية الى ان اول من توفي من الدواب بعد النبي هو هذا الحمار، حيث قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقبا فرمى بنفسه فيها فكانت قبره[13].
وروى عن الامام الصادق ان ابا ذر اسلم من خلال نبوءة ذئب جاءه وابلغه بان الله بعث نبياً الى اهل مكة فكذبوه وشتموه، فاستعلم ابو ذر ما قاله الذئب فوجده صحيحاً[14].
وروى عن الصادق ايضاً قوله: إن الله عز وجل خلق نجماً في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار، وهو نجم الانبياء والاوصياء، وهو نجم أمير المؤمنين يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل الجشب وما خلق الله نجماً أقرب إلى الله تعالى منه[15].
كما روى عن الامام الباقر انه لما أخذ رسول الله بيد علي يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه فقالوا: يا سيدهم ومولاهم ماذا دهاك فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم: فعل هذا النبي فعلاً إن تم لم يعص الله أبداً، ثم انه لما قال المنافقون عن النبي إنه ينطق عن الهوى، وقال أحدهما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون، عندها صرخ إبليس صرخة بطرب، فجمع أولياءه فقال: أما علمتم أني كنت لآدم من قبل؟ قالوا: نعم، قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول. فلما قبض رسول الله وأقام الناس غير علي لبس إبليس تاج الملك ونصب منبراً وقعد في الوثبة وقال لهم: اطربوا لا يطاع الله حتى يقوم الامام[16].
وروى عن الباقر ايضاً قوله: كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار ويكثر الكفار في أعين المسلمين، فشد عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل إني مؤجل، إني مؤجل حتى وقع في البحر. فسأل زرارة الامام الباقر: لاي شيء كان يخاف وهو مؤجل، فأجاب الباقر: يقطع بعض أطرافه[17].
وروى عن الامام الصادق قوله: وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب أن الله لما أهبط آدم وزوجته حواء إلى الارض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق السماء، وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله إلى جبرئيل أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس، فأغمزه غمزة وصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه، وأغمز حواء غمزة فصيّر طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها[18].
وروى عن الصادق ايضاً ان رجلاً سأله: جعلت فداك أهذه قبة آدم؟ قال: نعم، ولله قباب كثيرة، ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغرباً أرضاً بيضاء مملوءة خلقاً يستضيئون بنوره لم يعصوا الله عز وجل طرفة عين، ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق، يبرؤون من فلان وفلان[19].
وروى عن الصادق في عدد من الروايات ان منبع الطوفان في قصة نوح هو التنور، ففي رواية انه جاءت امرأة نوح وهو يعمل السفينة فقالت له: إن التنور قد خرج منه ماء، فقام إليه مسرعاً حتى جعل الطبق عليه وختمه بخاتمه فقام الماء، فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضه وكشف الطبق ففار الماء[20].
كما روى عن الصادق ان مريم حملت بعيسى تسع ساعات كل ساعة شهراً[21]. لكن في رواية اخرى انها حملت به ستة اشهر[22].
وروى عن الامام الكاظم قوله: الشؤم للمسافر في طريقه خمسة أشياء: الغراب الناعق عن يمينه، والناشر لذنبه، والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو مقع على ذنبه يعوي، ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثاً، والظبي السانح من يمين إلى شمال، والبومة الصارخة، والمرأة الشمطاء تلقاء فرجها، والاتان العضباء يعني الجدعاء[23].
وروى عن الصادق قوله: من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم؛ خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة[24].
وفي رواية اخرى عن الصادق ان احد اصحابه سأله عن الوزغ، فقال: رجس، وهو مسخ كله، فإذا قتلته فاغتسل. واردف الصادق بقوله: إن أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ قال: لا علم لي بما يقول، قال: إنه يقول: والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لاشتمن علياً حتى يقوم من ههنا. وقال أبي: ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغاً، وقال: إن عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت مسخ وزغاً فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عنده ولده فلما أن فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون ثم اجتمع أمرهم على أن يأخذوا جذعاً فيصنعوه كهيئة الرجل، ففعلوا ذلك وألبسوا الجذع درع حديد ثم لفوه في الاكفان فلم يطلع عليه أحد من الناس إلا أنا وولده[25].
كما روى عن الصادق قوله: ان الارض على حوت، والحوت على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على قرن ثور أملس، والثور على الثرى[26]. وجاء في رواية اخرى قول الامام الصادق: إن الحوت الذي يحمل الارض أسّر في نفسه أنه إنما يحمل الارض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوباً أصغر من شبر وأكبر من فتر فدخلت في خياشيمه فصعق، فمكث بذلك أربعين يوماً، ثم إن الله عز وجل رأف به ورحمه وخرج، فإذا أراد الله عز وجل بأرض زلزلة بعث ذلك الحوب إلى ذلك الحوت، فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الارض[27].
وروى عن النبي قوله: إن هذه الارض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي، وهاتان بمن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي، حتى إنتهى إلى السابعة وتلا هذه الآية ((خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن)) والسبع الارضين بمن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي، والديك له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب ورجلاه في التخوم السبع، والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قي، والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت بمن فيه ومن عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء على الثرى كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الاية ((له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى)) ثم انقطع الخبر عن الثرى، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء الاولى كحلقة في فلاة قي، وهذا كله وسماء الدنيا بمن عليها ومن فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، وهاتان السماءان... حتى انتهى إلى السابعة، وهن ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الارض كحلقة في فلاة قي، وهذه السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي، وتلا هذه الآية: ((وينزل من السماء من جبال فيها من برد)) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: ((وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم)) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، وتلا هذه الآية: ((الرحمن على العرش استوى))[28].
وروى عن الامام الباقر انه قال: إن لله عز وجل ديكاً رجلاه في الارض السابعة وعنقه مثبتة تحت العرش وجناحاه في الهواء وانه في نصف الليل او الثلث الثاني من آخر الليل يضرب بجناحيه ويصيح (سبوح قدوس ربنا الله الملك الحق المبين فلا إله غيره رب الملائكة والروح) فتضرب الديكة بأجنحتها وتصيح[29].
وروى عن النبي والصادق ان الارض تطوى بالليل، وفي رواية اخرى في اخر الليل[30].
وروى عن الصادق قوله: إن الله خلق الخير يوم الاحد وما كان ليخلق الشر قبل الخير، وفي يوم الاحد والاثنين خلق الارضين، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء، وخلق السماوات يوم الاربعاء ويوم الخميس، وخلق أقواتها يوم الجمعة وذلك قوله عز وجل: ((خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام))[31].
وروى عن الباقر قوله: إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء، طبقاً من هذا وطبقاً من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباساً من نار، ومن ثم صارت أشد حرارة من القمر. اما القمر فخلقه الله من ضوء نور النار وصفو الماء، طبقاً من هذا وطبقاً من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباساً من ماء، ومن ثم صار القمر أبرد من الشمس[32].
وروى عن الامام علي قوله: إن للشمس ثلاثمائة وستين برجاً، كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، فتنزل كل يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وإن وجهها لاهل السماء وقفاها لاهل الارض، ولو كان وجهها لاهل الارض لاحترقت الارض ومن عليها من شدة حرها[33].
وروى عن الباقر ان الله اول ما خلق الماء، ومنه خلق الاشياء، فخلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد فخلق منه أرضاً بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان فخلق منه سماءاً صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب، ثم طواها فوضعها فوق الارض[34].
كما روى عن الباقر قوله: كان كل شيء ماءاً، وكان عرشه على الماء، فأمر الله الماء فاضطرم نار، ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان، فخلق الله السماوات من ذلك الدخان وخلق الارض من الرماد، ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء: أنا جند الله الاكبر، وقالت الريح: أنا جند الله الاكبر، وقالت النار: أنا جند الله الاكبر، فأوحى الله عز وجل إلى الريح أنت جندي الاكبر[35].
وفي رواية اخرى ان عناصر الخلق تتنازع وتتفاخر فيما بينها، فكما روى عن النبي (ص) انه قال: ما خلق الله عز وجل خلقاً إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه، وذلك أن الله لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الارض فسطحها على ظهرها فذلت، ثم قال: إن الارض فخرت وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها فذلت الارض واستقرت، ثم إن الجبال فخرت على الارض فشمخت واستطالت وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت، ثم إن الحديد فخرت على الجبال وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد، ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت، ثم إن الماء فخر وزخر وقال: أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل الماء، ثم إن الريح فخرت وعصفت وأرخت أذيالها وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الانسان فبنى واحتال واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح، ثم إن الانسان طغى وقال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره فذل الانسان، ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله: لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة وأهل النار ثم لا احييك أبداً[36].
وروى عن الامام الباقر ان الرياح اربعة اصناف، هي الشمال والجنوب والصبا والدبور، وهي أسماء الملائكة الموكلين بها، فإذا أراد الله أن يهب شمالاً أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر، وإذ أراد الله أن يبعث جنوباً أمر الملك الذي أسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله، وإذا أراد الله أن يبعث ريح الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله في البر والبحر، وإذا أراد الله أن يبعث دبوراً أمر الملك الذي أسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر[37]. وفي رواية اخرى عن الباقر ان هناك ريحاً هي ريح العقيم تخرج من تحت الارضين السبع، وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم، فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم، فعتت على الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظاً منها على قوم عاد، فضج الخزان إلى الله من ذلك فقالوا: ربنا إنها قد عتت عن أمرنا إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك، فبعث الله إليها جبرئيل فاستقبلها بجناحيه فردها إلى موضعها وقال لها: اخرجي على ما أمرت به، فخرجت على ما أمرت به وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم[38].
وروى عن الامام علي انه سئل عن السحاب فأجاب بانه يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه، فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحاً فأثارته ووكل به ملائكة يضربون بالمخاريق، وهو البرق، فيرتفع [39].
وفي رواية اخرى سئل علي عن الخلق فقال: خلق الله ألفاً ومائتين في البر، وألفا ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج[40].
وروى عن علي بن الحسين تفسيره للخسوف والكسوف، وهو قوله: إن الله قدر مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب كله على الفلك، ثم وكل بالفلك ملكاً ومعه سبعون ألف ملك، فهم يديرون الفلك، فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها، فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذى عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك اولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه، فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك، فيطمس ضوءها ويتغير لونها، فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف خلقه بالآية وذلك عند انكساف الشمس، وكذلك يفعل بالقمر، فإذا أراد الله أن يجليها أو يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك إلى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها، فتخرج من الماء وهي كدرة، والقمر مثل ذلك[41].
وروى عن الصادق تفسيره للحر والبرد فقال: إن المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد، فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع، فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر، فإذا كان في آخر الصيف وأول الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل وذلك في أول الشتاء وآخر الخريف فلذلك يشتد البرد، وكلما ارتفع هذا هبط هذا، وكلما هبط هذا ارتفع هذا، فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر وإذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس، هذا تقدير العزيز العليم وأنا عبد رب العالمين[42].
وروى عن الصادق انه قال لاحد اصحابه: أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة؟ فأجابه صاحبه: لا والله، قال: أفتدري كم بين الزهرة و بين القمر من دقيقة؟ فأجاب: لا، قال: أفتدري كم بين الشمس وبين السنبلة من دقيقة؟ فأجاب: لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط، قال: أفتدري كم بين السنبلة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ فأجاب: لا والله ما سمعته من منجم قط، عندها قال الصادق: ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون أو سبعون دقيقة[43].
وروى عن ابي الحسن تفسيره لمنشأ الاحلام، وهو قوله: إن الاحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق، لكن بعد ان بعث الله رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته، فسألوا عن الجنة والنار، فوصف لهم ذلك، فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟ فقال: إذا متم، فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً، فأحدث الله فيهم الاحلام، فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا[44].
وروى عن الصادق معنى قول الرجل لاخيه (جزاك الله خيراً) وهو انه قال: إن خيراً نهر في الجنة مخرجه من الكوثر، والكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الاوصياء وشيعتهم، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات، كلما قلعت واحدة نبتت اخرى، سمي بذلك النهر وذلك قوله تعالى: ((فيهن خيرات حسان)) فإذا قال الرجل لصاحبه: جزاك خيراً فإنما يعني تلك المنازل التي أعدها الله لصفوته وخيرته من خلقه[45].
وروى عن الامام الباقر تفسير الرتق والفتق في قوله تعالى: ((أو لم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما)) حيث قال: إن الله لما أهبط آدم إلى الارض، وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً وكانت الارض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله على آدم أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الارض فأنبتت الاشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالانهار، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها[46].
وروى عن الامام الصادق تفسير اختلاف مسالك الناس تبعاً لطبيعة الطينة التي خلقوا منها، حيث عقد باباً في اول الجزء الثاني من اصول الكافي بعنوان (طينة المؤمن والكافر) وذكر فيه عدداً من هذه الروايات، ومن ذلك ما رواه عن عبد الله بن كيسان انه سأل الامام الصادق عن علة ما يراه لدى المعادين لاهل البيت من حسن السمت والخلق وكثرة الأمانة، وعلى خلافهم من كان من اتباع اهل البيت، حيث فيهم سوء الخلق والزعارة وقلة الأمانة؟ فاجاب الامام بقوله: أما علمت يا ابن كيسان أن الله عز وجل أخذ طينةً من الجنة وطينةً من النار فخلطهما جميعاً ثم نزع هذه من هذه وهذه من هذه، فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة فمما مستهم من طينة النار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه[47].
وقد جاءت روايات الطينة في عدد من كتب الحديث، وقيل انها متواترة، رغم ان ظاهرها يدل على الجبر، لذلك تحير فيها العلماء، فبعضهم طرحها جملة معللاً طرحه لها بانها تخالف الكتاب والاجماع، وهو ما ذهب اليه الشريف المرتضى، وبعض اخر عدها من المتشابهات ومن ثم اوصى بالوقوف عندها وتسليم الامر الى الائمة كالذي ذهب اليه ابن ادريس، كما ان هناك عدداً من العلماء حاولوا توجيهها بعدد من التأويلات المختلفة[48].
***
نشير اخيراً الى ان الكثير من هذه الاساطير قد رواها المكثرون من المشايخ المعتمد عليهم، من امثال علي بن ابراهيم ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن الصفار وغيرهم. فاذا كان هذا هو حالهم من الدراية فكيف يثق بهم ويؤخذ عنهم[49]؟! اذ حتى لو علمنا ان العلماء يتقبلون طرح هذه الروايات فان الاشكال يبقى قائماً، ذلك ان طرحها يؤثر على سائر ما يرويه اصحاب تلك الاساطير في الابواب الاخرى التي تعجز مباضع الاختبار ان تطولها، كأبواب الفقه والعقائد. فاغلب هذه الابواب لا تخبر بشيء عن واقع الحياة وامور الطبيعة، وبالتالي ليس بوسع الاختبارات العقلية والحسية والعلمية ان تفعل شيئاً ازاءها. ونفس الحال ينطبق ايضاً على الروايات التي ترويها كتب الصحاح لدى اهل السنة. ومن حيث المنطق الاحتمالي إن لم تجد مثل هذه الروايات شاهداً لها من القرآن فان مآلها في الحكم ينبغي ان يكون تابعاً لغيرها من الروايات التي طالتها يد الاختبار وكانت تعود الى نفس الراوي.
[1] الكافي، ج1، باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة، حديث 1، كذلك: بصائر الدرجات، ج3، باب 14، حديث 3
[2] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وانه لا يخفى عليهم الشيء، حديث 2، وعلى هذه الشاكلة روى الكليني عن الامام الصادق عدداً من الروايات التي تشير بان العلم بالاشياء يأتي من خلال النظر في القرآن، وذلك ضمن باب (الرد الى الكتاب والسنة) .
[3] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم، حديث 1
[4] المصدر السابق، باب مولد الحسن بن علي، حديث 5
[5] المصدر السابق، باب أن الأرض كلها للإمام، حديث 4
[6] المصدر السابق، باب أن الأئمة هم أركان الأرض، حديث 1، ومثله حديث 3 و4
[7] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، حديث 3
[8] أي لو كانت زلزلة القيامة التي ذكرها الله في سورة الزلزلة لاجابتني لقوله تعالى: ((يومئذ تحدث أخبارها)) (روضة الكافي، حديث 366).
[9] روضة الكافي، حديث 507
[10] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب مواليد الأئمة، حديث 8
[11] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب مولد الحسين بن علي، حديث 4
[12] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب مولد النبي (ص) ووفاته، حديث 27
[13] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله (ص) ومتاعه، حديث 9
[14] روضة الكافي، حديث 457
[15] روضة الكافي، حديث 369
[16] روضة الكافي، حديث 542
[17] روضة الكافي، حديث 419
[18] المصدر السابق، حديث 308
[19] المصدر السابق، حديث 301
[20] المصدر السابق، حديث 423
[21] روضة الكافي، حديث 516
[22] الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، باب مولد الحسين بن علي، حديث 4
[23] روضة الكافي، حديث 493
[24] الاصول من الكافي، ج2، كتاب العشرة، باب العطاس والتسميت، حديث 22
[25] روضة الكافي، حديث 305
[26] وعلق على ذلك بعض المعلقين بقوله: في هذا الحديث رموز انما يحلها من كان من اهلها، وذلك لان حديث الائمة صعب مستصعب (روضة الكافي، حديث 55).
[27] روضة الكافي، حديث 365
[28] المصدر السابق، حديث 143
[29] المصدر السابق، حديث 406
[30] المصدر السابق، حديث 489، وحديث 490، وحديث 491
[31] المصدر السابق، حديث 117
[32] المصدر السابق، حديث 332
[33] المصدر السابق، حديث 148
[34] المصدر السابق، حديث 67
[35] المصدر السابق، حديث 68، وحديث 142
[36] المصدر السابق، حديث 129
[37] المصدر السابق، حديث 63
[38] المصدر السابق، حديث 64
[39] المصدر السابق، حديث 268
[40] المصدر السابق، حديث 274
[41] المصدر السابق، حديث 41
[42] المصدر السابق، حديث 474
[43] المصدر السابق، حديث 233
[44] المصدر السابق، حديث 57
[45] المصدر السابق، حديث 298
[46] المصدر السابق، حديث 93
[47] الاصول من الكافي، ج2، كتاب الايمان والكفر، باب طينة المؤمن والكافر، حديث 5
[48] مرتضى بن رضي الدين الموسوي الغروي: اثر الوميض في نفي الجبر والتفويض، طبعة تبريز، ص46
[49] روي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه أن رسول الله (ص) قال: كونوا دراة ولا تكونوا رواة، حديث تعرفون فقهه خير من ألف حديث تروونه (نصيحة أهل الحديث، مصدر سابق).