يحيى محمد
إذا كان التنظير العقلي في حقل الفضاء السني قد اصطدم مع النص وبدرجة رئيسة مع مشكلة الصفات الإلهية، كما وردت في القرآن والحديث، وهو ما أثار الصراع مع الدائرة البيانية ككل، فان التنظير العقلي في حقل الفضاء الشيعي لم تكن تهمه مثل تلك المشكلة، وذلك لأن نصوص الأخبار التي وردت عن أئمة أهل البيت قد غطت على النصوص الواردة في القرآن، باعتبارها تتفق مع مطالب التنزيه العقلي الذي يميل اليه الاتجاه الشيعي في الغالب، كما يلاحظ في الروايات الكثيرة الواردة في كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق، وهو يعد من أهم وأبرز أساتذة الشيخ المفيد، مما يعني أن العقل والنص متفقان اجمالاً بخصوص تلك المسألة، خلافاً لما حصل بالنسبة للتنظير داخل الاتجاه السني.
لكن مع ذلك فهناك مشكلة أخرى رئيسة اصطدم فيها التنظير العقلي الشيعي مع «بيان النص»، فأسفر ذلك عن اعلان التقنين الخاص بعلاقة العقل بالنص كعلاقة محكم بمتشابه، وهي المشكلة التي سُميت بمسألة (العصمة)، الامر الذي يكشف عن خطورة هذه المسألة وأهميتها. فمن الأولويات المعيارية للعقل الشيعي تأسيسه لعصمة الأنبياء والأئمة بنحو مطلق وشامل. وقد جاء هذا التأسيس على حساب «بيان النص»، حيث تحول البيان الى متشابه مورست في حقه عملية التأويل، وأحياناً تعرض النص الى الطرح والرفض إن كان خبراً ورواية1.
دعنا اولاً نتعرف على موارد الاتفاق والخلاف بين المذاهب الاسلامية حول هذه القضية. فقد اتفقت الامة الاسلامية على الاعتقاد بوجوب عصمة الانبياء عن كل ما يناقض مدلول المعجزة وهو صدقهم فيما يبلغون. كما واتفقت على وجوب عصمتهم عن جميع الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة. فبعضهم رأى العقل دالاً على ذلك، وبعض اخر رأى الاجماع هو الدال لا العقل. أما مورد الخلاف فقد كان دائراً حول الصغائر من الذنوب والاخطاء والسهو والنسيان. فبعضهم اجاز عليهم هذه الصغائر، وبعض اخر أنكرها عقلاً، كما أن بعضاً ثالثاً اعترف بعدم قيام الدليل النقلي القطعي على كلا الوجهين، وهو الموقف الذي اتخذه إمام الحرمين الجويني2.
كما هناك خلاف بين المسلمين حول العصمة قبل زمن النبوة، فبعضهم اعتقد بأن الواجب من العصمة، سواء في الصغائر او الكبائر، انما هو في زمن النبوة فحسب، كالذي ذهب اليه أبو هذيل العلاف وأبو علي الجبائي مع أكثر الاشاعرة. وقد أيد القاضي الهمداني هذا الوجوب إلا أنه حدده فيما يخص الرسالة والتبليغ3، ومع ذلك فهو ينفي الكبائر ويجوّز الصغائر طالما لا تستحق الذم، لهذا فسّر إخراج ادم وحواء من الجنة بأمر لا يتعلق بالذم والعقوبة، بل لصلاح يراه الله في ذلك4.
هكذا فمورد الخلاف بين المسلمين لم يكن بصدد تلقي الوحي ولا تبليغ الرسالة ولا حتى الوقوع في الكبائر من الذنوب حال النبوة، فكل ذلك يكون فيه النبي معصوماً، إنما ينحصر الخلاف قبل النبوة او خلالها بما يخص صغائر الذنوب البسيطة غير المنفرة، وكذا الخطأ والسهو والنسيان فيما هو خارج عن التبليغ.
دعنا في البداية نحدد ما كان عليه سلف الامامية من خلاف يخص هذه المسألة، وكيف تم التنظير لها فيما بعد عقلياً، ومن ثم حاول بعض المتأخرين ان يدعم هذا التنظير العقلي بشواهد من نصوص القرآن، كما هو الحال مع العلامة الحلي.
لقد انقسم قدماء الشيعة حول العصمة الى عدد من الطوائف. فالكثير منهم ذهب الى ان الائمة معصومون - تماماً - ويحملون العلم اللدني وانهم لا يختلفون فيما بينهم، رغم ان شواهد البحث في الرواية والرجال لا تؤيد هذا الاعتقاد كما فصلنا الحديث عن ذلك في كتابنا (مشكلة الحديث)5. وفي قبال هؤلاء ذهب جماعة الى ان الائمة هم من كمّل المؤمنين مع نفي العصمة، لكن شاء المغالون والوضاعون ان يدسوا في الإمامة كل ما يريدونه حتى رفعوها الى حد الربوبية عبر ما يطلق عليه (الولاية التكوينية) ربما تأثراً باسقاطات النظام الوجودي6. فقد ذكر الوحيد البهبهاني في (الفوائد الرجالية) ان كثيراً من القدماء لا سيما القميين وابن الغضائري كانوا يعتقدون بان للائمة مكانة لا يجوز تعديها والارتفاع عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعاً وغلواً، فاعتبروا مثل نفي سهو النبي عنهم غلواً، بل وربما جعلوا نسبة مطلق التفويض اليهم او التفويض المختلف فيه او الاغراق في اعظامهم وحكاية المعجزات وخوارق العادات عنهم او المبالغة في تنزيههم عن كثير من النقائص واظهار سعة القدرة واحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء والارض ارتفاعاً وموجباً للتهمة، خصوصاً والغلاة كانوا مخلوطين بهم يتدلسون فيهم. ثم اشار البهبهاني الى ان القدماء كانوا يختلفون في المسائل الاصولية كالفرعية، فربما كان بعض الاعتقادات عند بعضهم كفراً او غلواً او تفويضاً او جبراً او تشبيهاً او نحو ذلك، وعند اخرين مما يجب اعتقاده7.
وسبق للشيخ المفيد أن نقل عن جماعة من القميين انهم يعتقدون بأن الأئمة كانوا لا يعرفون الكثير من الاحكام الدينية حتى يلهمون في قلوبهم، ومنهم من يقول انهم كانوا يلجأون في الأحكام الشرعية الى الرأي والظنون8. وقد كان ابن الجنيد يرى أن الأئمة يجتهدون ويعملون بالرأي، وذلك عندما وجد الأقوال المنقولة عنهم متضاربة، حيث جمع مسائل وكتبها الى اهل مصر وسماها (المسائل المصرية)، ذكر فيها أن أخبار الائمة مختلفة في معانيها لإعتمادهم على الرأي 9. كذلك صرح الشهيد الثاني ان جلّ رواة الائمة وشيعتهم كانوا يعدون الائمة علماء ابرار افترض الله طاعتهم مع عدم الاعتقاد بعصمتهم10.
لقد اقترن إهتمام الشيعة بالمشكل العقلي للعصمة مع نشأة التنظير لديهم. فقد عرّفها الشيخ المفيد بأنها «لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما»11. ودلل عليها ببعض الاعتبارات العقلية، منها أن النبي «لو عهد منه السهو والنسيان لارتفع الوثوق منه عند اخباراته، ولو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة»12. وأضاف البعض الى ذلك بأن وقوع المعصية من النبي يفضي بوجوب نهيه فيسقط شأنه من قلوب الناس13. وبخصوص عصمة الامام ذُكر أنه لو جاز عليه الخطأ لإفتقر الى غيره كي يسدده، ثم الحال يجري مع هذا أيضاً، فإن لم يكن معصوماً هو الآخر فسيفضي الامر بالتسلسل أو يثبت وجود إمام معصوم عن الخطأ. كما وهناك أدلة عقلية أخرى إلا أنها ضعيفة ليست بأقوى مما ذكر .
والاهتمام الذي منحه الشيخ المفيد لتكريس العصمة المطلقة جعلته يطعن باعتقاد استاذه المحدث السلفي الشيخ الصدوق الذي قام بجمع ورواية أخبار كثيرة تفيد بأن النبي (ص) قد تعرض الى حالات من السهو والنسيان وهو يمارس بعض أعماله العبادية من الصلاة، لذلك ردّ عليه الشيخ المفيد ببعض الرسائل كي يثبت هذه العصمة الشاملة للنبي وسائر الأنبياء جميعاً. وقد تحول هذا النزاع بين المفيد واستاذه الصدوق الى نزاع بين الاتجاه العقلي والاتجاه البياني داخل حقل الفضاء الشيعي، حيث غلب على الاتجاه الأول رفض تلك الأخبار والروايات التي تقلل من شأن النبوة، وفي المقابل غلب على الاتجاه الآخر تثبيتها. وقد تجسّد هذا النزاع في مقولتين متعارضتين، إذ كان الشيخ محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد، وهو شيخ الصدوق يقول: «أول درجة الغلو نفي السهو عن النبي»14. فردّ عليه البعض، مثل السيد محمد باقر الداماد، بالقول: «أول درجة انكار النبوة اثبات السهو على النبي»15.
فهذا الصراع بين الاتجاهين يعكس صراع العقل عند العقليين مع البيان لدى المحدثين وعلماء السلف. لذلك فقد قال بعض المتأخرين من أصحاب الاتجاه العقلي وهو بصدد هذه المسألة من سهو النبي: «وأما من جهة أصول الدين: فلا يمكن العمل بالأخبار حتى لو صحت سنداً واتضحت دلالة، إذ ليس المعتبر إلا حكم العقل، والعقل يمنع من صدور أمثال ذلك عن المعصوم المقتدى، وان صدور أمثال ذلك لا يوافق مقام النبوة ومنزلة الامامة، بل هو حط من تلك الكرامة، ونقص من ذلك المنصب الإلهي»16.
وقد أظهر الشيخ المفيد تردداً في موقفه من العصمة المطلقة، فهو في كتابه (النكت الاعتقادية) اعتبر النبي «معصوم من أول عمره الى آخره عن السهو والنسيان والذنوب الصغيرة والكبيرة عمداً وسهواً»17، لكنه في كتاب (أوائل المقالات) صرح بجواز وقوع الصغائر من الأنبياء قبل النبوة فقط ـ وكذا بالنسبة للأئمة أيضاً ـ الا أنه اشترط أن لا يستخف فاعله وأن لا يكون على عمد، وزعم أن هذا هو مذهب جمهور الامامية، كما وجوّز خطأ الامام في الأمور الخاصة بالحكم على القضايا الخارجية ومنها أمور القضاء، فاعتبر أن من الجائز أن يحكم الامام بالظاهر وان كان على خلاف الحقيقة كما في علم الله تعالى18. لكن رغم ذلك فالذي ساد وسط الإمامية انما هو الرأي الأول لا الأخير.
ونعتقد بأن هناك سببين رئيسيين جعلا العصمة الشاملة تثبت لدى الفكر الشيعي، وكلاهما يعتمد على العقل، احدهما يرتبط بفكرة الامامة، والسبب الآخر يرتبط بما أطلق عليه (الإحباط). فلهذين السببين ثبت الرأي الأول للشيخ المفيد دون غيره، رغم ان الخلاف حولها ـ بخصوص الأئمة ـ كان شائعاً لدى قدماء الشيعة ممن عاصر الأئمة. وهو أمر يستدعي البحث كالتالي:
العصمة ونظرية الإحباط
بالرغم من وجود العديد من الآيات والروايات الدالة على إحباط الأعمال للمعاصي والطاعات بعضها للبعض الآخر في الآخرة، وهو ما يسمى بمسألة (الإحباط)، إلا أن التنظير العقلي لدى الشيعة أنكر هذه المسألة، وهو ما خلق فجوة معرفية ومعيارية بين الإتجاهين العقلي والبياني في هذا الوسط. وسبق للشيخ المفيد أن ذكر: «إنه لا تحابط بين المعاصي والطاعات ولا الثواب والعقاب، وهو مذهب جماعة من الإمامية والمرجئة، وبنو نوبخت - وهم من قدماء الإمامية - يذهبون إلى التحابط في ما ذكرناه ويوافقون في ذلك أهل الإعتزال»19.
كما ردّ الشيخ الطوسي على الروايات التي وردت عن الامام الصادق وهي تفيد معنى التحابط بين الطاعات والمعاصي وتلائم ما يذهب اليه أهل الاعتزال، كما جاء في تعقيب الامام الصادق لقوله تعالى: ((وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً))20: «أما والله لقد كانوا يصلون، أما والله لقد كانوا يصومون، ولكن اذا عرض عليهم الحرام أخذوه». كذلك قول الصادق في خبر آخر: «اذا كان يوم القيامة يقدم قوم على الله فلا يجدون لهم حسنات، فيقولون: إلهنا وسيدنا ما فعلتْ حسناتنا؟ فيقول تعالى: أكلتها الغيبة، إن الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب». فقد رفض الطوسي دلالة هذه الأخبار تعويلاً على مسلكه العقلي، وقال: «هذه أخبار آحاد لا ترد لها أدلة العقول الدالة على بطلان التحابط. ولو صحت لتأولناها كما نتأول ظاهر القرآن لتلائم أدلة العقل، فيكون قوله تعالى ((فجعلناه هباءً منثوراً)) معناه حكمهم بذلك لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به فلم يستحقوا عليها ثواباً، لا أنه حصل الثواب ثم زال، ويكون قوله (لقد كانوا يصومون ويصلون) محمولاً على أنهم كانوا يفعلون ذلك على خلاف الوجه المأمور كما يفعله رهبان النصارى وعبّاد اليهود، فلا ينفعهم مع فعلهم ما حرم الله عليهم من تكذيب النبي (ص)، لأنه اذا كان ذلك كفراً دل على أن ما فعلوه لم يكن واقعاً على وجه القربة. والخبر الآخر قوله: (أكلت الغيبة حسناتكم).. المعنى فيه أنه إذا فعل انسان طاعة وذكر أن غيره ليس يفعل ذلك، صار بذلك مغتاباً له وموقعاً لفعله على وجه الرياء، فلذلك لم يستحق عليها الثواب، لا أن الثواب كان حاصلاً فأزالته الغيبة»21.
فهذا التشديد في انكار مسألة الاحباط هو الذي كرس مفهوم الشمول والاطلاق في نظرية العصمة لدى التنظير العقلي الشيعي، وهو موضع الخلاف بين رجال الامامية وبين أهل الاعتزال، كما أشار الى ذلك الشريف المرتضى، إذ ذكر بأن الخلاف بين الفريقين «في تجويزهم الصغائر على الأنبياء (ص) يكاد يسقط عند التحقيق، لأنهم انما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب وانما يكون حظه تنقيص الثواب على اختلافهم أيضاً في ذلك، لأن أبا علي الجبائي يقول ان الصغير يسقط عقابه بغير موازنة، فكأنهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب، وهذه موافقة للشيعة في المعنى لأن الشيعة انما تنفي عن الأنبياء عليهم السلام جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق به فاعله الذم والعقاب لأن الاحباط باطل عندهم، واذا بطل الاحباط فلا معصية الا ويستحق فاعلها الذم والعقاب، فاذا كان استحقاق الذم والعقاب منفياً عن الانبياء (ع) وجب أن ينفى عنهم ساير الذنوب ويصير الخلاف بين الشيعة والمعتزلة متعلقاً بالاحباط، فاذا بطل الاحباط فلا بد من الاتفاق على أن شيئاً من المعاصي لا يقع من الأنبياء (ع) من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب»22.
هكذا تكون مسألة الإحباط محددة لشطر من الصدام بين العقل والنص في التنظير العقلي الشيعي، لا فقط بما تتعارض فيه نصوصها مع العقل، بل وما تتدخل فيه من تقييد عقلي للعصمة بخلاف ما يظهره النص من «بيان»، وذلك اذا ما استثنينا ما يتعلق بمسألة السهو والنسيان، حيث لا علاقة لها بالاحباط. أما الاتجاه البياني الشيعي فقد أظهر نزاعه مع الاتجاه العقلي حول مسألتي الاحباط والسهو والنسيان؛ تعويلاً على أخبار الأئمة وأحاديثهم. في حين لم تكن المسائل الاخرى المتعلقة بالعصمة مورد نزاع في الغالب؛ لأن مصدرها الأساس هو القرآن الكريم، بينما يعوّل أغلب أصحاب هذا الاتجاه على الأخبار، ويجعلون مرد تفسير الآيات الى هذه الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت.
العصمة والإمامة
ذكرنا بأن هناك سبباً آخر عمل على دعم وتثبيت العصمة الشاملة لدى الفكر الشيعي، وهو ما يعود الى فكرة الامامة. فقد اهتم علماء الشيعة، سواء كانوا عقليين أم بيانيين، بنظرية العصمة لارتباطها بفكرة الامامة. فقد نظّر لها العقليون من الناحية العقلية، وقد انعكس ذلك على فهمهم للايات القرآنية الخاصة بسلوك الانبياء. في حين سلّم بها الكثير من البيانيين باستثناء ما دلت عليه نصوص الأئمة، وهم في جميع الاحوال استندوا الى الاخبار الكثيرة التي تارة تشير الى عصمتهم، واخرى الى التخفيف من ذلك، ولم يعول كل من الاتجاهين بما تظهره الايات القرآنية من معاني مخالفة لما آلوا اليه، رغم كثرة هذه الايات التي تصل الى العشرات، وجميعها يفيد معنى مشتركاً واحداً. وسبب ذلك يعود الى ان العصمة هي من أقوى المبررات التي تدعم تلك الفكرة. وعلى ما قاله الشريف المرتضى من أن العصمة هي من اكبر الأصول في الإمامية، لذلك فقد أوجب الإكثار من الاشتغال بتصحيحها لكونها تسدد الكثير من غرض إثبات المسألة المشار اليها سلفاً23.
والواقع انه لولا العصمة ما استطاع علماء الشيعة أن ينظّروا لمسألة الإمامة تنظيرهم العقلي كما هو متعارف عليه، ولإقتصر التنظير لديهم بما ورد من بيان أغلبه متنازع عليه. وكما قال الشيخ الطوسي من أن «صفات الإمام عندنا معلومة بالعقل فلا يدخل النقل فيها، فاما اعيان الأئمة فإنا نعلمهم تارة بالنص والتواتر وتارة بالمعجز»24. وهو في محل أخر ذكر بأن صفات الإمام على ضربين؛ عقلية وشرعية: «فالأول كونه معصوماً أفضل الخلق عالماً بالسياسة، والثاني كونه اعلم الناس بالأحكام الشرعية وأشجع الخلق»25.
وهناك من جسّد الدعوة التي طمح لها الشريف المرتضى، فسعى لتصحيح الإمامة بأكبر عدد ممكن من «البراهين» الخاصة بالعصمة. فهذا ما تحقق لدى العالم المخضرم الكبير جمال الدين بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي وذلك في كتابه (الالفين). وهو كتاب معروف وممدوح في الأوساط الشيعية، حتى نُقل بأنه بعد وفاة الحلي رآه أحد أولاده في المنام وسأله عن حاله في عالم البرزخ، فما كان من الأب الا أن ردّ عليه بالقول الشهير: (لولا كتاب الالفين وزيارة الحسين لقصمت الفتاوى ظهر أبيك نصفين).
وتعود تسمية الكتاب بالألفين إلى محاولة صاحبه ان يضع ألفي دليل عقلي ونقلي على الإمامة. ومع ان ما بلغه هذا الكتاب هو ألف ونيف وثلاثون دليلاً دون أن يبلغ الحد الذي أشار اليه، الا أن اغلب هذه الأدلة تتعلق بعصمة الامام، فهي تقارب أن تكون ألف دليل من المجموع الكلي. ورغم وجود هذا العدد الكبير من الأدلة ورغم ما صرح به من أنها براهين قاطعة26، الا أن هذه الأدلة المدعاة كانت في عمومها «أدلة» بسيطة متهافتة لا ترقى الى اي درجة من درجات الظن، بل احياناً أنها أوقعت صاحبها في التناقض. وإني لأعلم بأن ما ادعيه قد يستفز بعضاً ويفاجىء بعضاً اخر وذلك للشهرة المتخيلة عن الكتاب وقيمته من جهة، وللقداسة العلمية الخاصة بصاحبه من جهة اخرى، حيث انه على رأس النابغين من العلماء الفطاحل.. لكن بيني وما اشرت اليه ما سأذكره من نماذج لتلك الادلة والبراهين المدعاة في الكتاب، وذلك على منوالين: الاول منهما يتعلق بالادلة العقلية، اما الاخر فيخص النقلية منها. ومن الطبيعي اننا سنكتفي بايرادها مع قليل من التعليق باعتبارها واضحة التهافت والبطلان.
الأدلة العقلية
من ضمن ما أفاده العلامة الحلي في أدلته العقلية هو انه حاول ان يثبت بان عدم عصمة الامام يلزم عنه التناقض، فمن جهة يجب اتباعه باعتباره اماماً واجب الطاعة، لكن من جهة اخرى لا يجوز اتباعه لكونه يتبع - في بعض افعاله - خطوات الشيطان فيتناقض الامران مما يقضي بوجوب العصمة27.
وهو استدلال يمكن أن يُردّ عليه باستدلال اخر على شاكلته، وهو ان يقال: طاعة الوالدين واجبة ولكن اتباعهم فيما يمارسونه من معصية منهي عنه، فيتناقض الامران، مما يدل على وجوب عصمة الوالدين، وهو واضح البطلان. والصحيح انه لا يوجد تناقض، اذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ومن ادلته قوله بانه « يستحيل على الله تعالى ان يجعل ما يمكن ان يكون سبباً للضد مقرباً الى الضد، وغير المعصوم يمكن ان يكون سبباً في ضد الفعل المكلف به فيستحيل ان يجعل له الله تعالى سبباً له »28.
مع انه لو صح هذا لصح القياس القائل بان الامام المعصوم لما كان مجعولاً من قبل الله تعالى فانه يصدق عليه ما صدق على الله، اي ان فعله يستحيل ان يكون سبباً ضد الفعل المأمور به، فيقتضي ذلك عصمة كل من ينصبه الامام من ولاة لتتحقق الحجة التامة على الخلق.. وهو واضح البطلان، ولم يقل به سوى بعض من قدماء الامامية كما نقل الشريف المرتضى29.
ومن ادلته تقريره بانه اذا كان الامام غير معصوم فانه يصح للمكلف ان يفحمه ويعتبر قوله ليس حجة طالما يختلف عن اجتهاده الشخصي30. اذ يمكن ان يرد عليه بالقول: «لا يجب عليّ اتباعك حتى اعرف موافقة امرك لامر النبي ولا اعلمه. فينقطع الامام ويفحم وهو نقض الغرض »31. وعلى هذه الشاكلة اعتبر الحلي ان فرضية انتفاء الامام المعصوم تستلزم اضلال الله تعالى لكل من يقترف ذنباً مهما كان صغيراً32. لذلك احال انتفاء المعصوم لجميع العصور كي لا يكون للمكلف على الله تعالى حجة في جهل الاحكام وكل ما يقرب من الواجب ويبعد عن المعصية33.
لكن المشكلة في هذا الدليل هي أنه يستلزم أن يكون عصر الغيبة وعصور الفترة بين الانبياء مما لا يصح فيها التكليف.
كما اعتبر عدم العصمة في التبليغ «يستلزم جواز الاضلال والدعاء الى المعاصي، فلا يبقى وثوق بقوله ولا يحصل للمكلف وثوق بانه لطف »34، كما لا يحصل الجزم بحفظه للشرع، فلا يوثق بقوله، ومن ثم تنتفي فائدته35.
لكن يرد على ذلك بأن العصمة في مجال التبليغ للنبي ومن على شاكلته محفوظة لا نقاش فيها. واذا كان الاشكال متعلقاً بمطلق التبليغ فهو غير صحيح، اذ من المعلوم ضرورة بأن غير المعصوم يشارك في التبليغ، فبدونه لا تقوم للاسلام قائمة. لذا فالناس مأمورون باتباعهم حين احراز الوثوق بهم وبأقوالهم، وهو ما يسلّم به كافة العلماء.
كما حكم الحلي بعدم جواز اتباع غير المعصوم وعدم قبول رأيه وقوله باعتباره مظنون الضرر، وقال بهذا الصدد: « اتباع غير المعصوم جاز ان يكون مهلكاً مضراً، والاحتراز عن الضرر المتوقع واجب، فكلما كان الامام غير معصوم وجب ترك اتباعه وطاعته»36. كما قال: « كلما كان الامام غير معصوم كان اتباعه فيما لا يعلم المكلف صحته وفساده حراماً »، وذلك لأن اتباعه يشتمل على الضرر المظنون فيكون حراماً37. وحكم بأن امتثال قول غير المعصوم يعتبر القاء باليد الى التهلكة لجواز امره بالمعصية والخطأ، وسبحانه يقول: ((ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة))38. وعلّق على قول الله تعالى: ((لمَ تلبسون الحق بالباطل)) فذكر بأنه يقتضي التحرز عن إتباع من يجوز فيه ذلك، وهو يصدق على غير المعصوم. وكذا قول الله تعالى: ((وتكتمون الحق وانتم تعلمون)) فحرم إتباع كل من يجوز عليه امكان حمل تلك الصفة39. كما علّق على قوله: ((ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) فاعتبر الآية تدل على التحذير من إتباع من تجوز فيه تلك الصفة، وهو يصدق على غير المعصوم40. ومثل ذلك الآية: ((يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً مّن دونكم لا يألونكم خبالاً))41، فلم يجوز اتباع غير المعصوم لاحتمال وجود تلك الصفة فيه42.
واستناداً الى هذه الغاية من اثبات العصمة حكم الحلي بحرمة الاجتهاد والتقليد، فاعتبر أنه يلزم عن الاجتهاد تكليف ما لا يطاق، وله حول ذلك العديد من التصريحات، منها قوله: «انه تعالى نهى عن التفرق مطلقاً، فلو لم يكن المعصوم ثابتاً في كل وقت لزم تكليف ما لا يطاق، اذ الاستدلال بالعمومات والأدلة والاجتهاد فيها مما يوجب التفرق، اذ لا يتفق اجتهاد المجتهدين فيما يؤدي اليه اجتهادهم. فلو لم يكن المعصوم ثابتا لزم تكليف ما لا يطاق، واللازم باطل فالملزوم مثله»43.. «أدلة الشرع من الكتاب والسنة لا تدل بنفسها لاحتمالها، ولذلك اختلفوا في معناها مع اتفاقهم في كونها دلالة، فلا بد من مبين عرف معناها اضطراراً من الرسول او من امام »44.. «إن أحكام الله تعالى ليست مفوضة الينا والى اختيارنا، ونحن مكلفون بها في الوقائع اذ لم نخير في واقعة فيها حكم الله تعالى، بل نحن مأمورون بذلك الحكم بعينه، والمجتهد لا يمكنه تحصيل ذلك من الكتاب والسنة فتعين الامام المعصوم اذ غيره لا يفيد»45.. «الله تعالى كلف في كل واقعة بحكم خاص، والكتاب والسنة لا يمكن استخراج كل الاحكام منها، فاما ان يكلف الله تعالى كل مجتهد بما يؤديه اجتهاده اليه فلا يكون له تعالى في الواقعة حكم واحد، وهو خلاف التقدير، واما ان يكلف استخراج ذلك الحكم من الكتاب والسنة مع عدم دلالتهما، اذ هما متناهيان والوقائع غير متناهية، وهو تكليف ما لا يطاق، ولا نبي ولا وحي بعد النبي (ع). فلابد من طريق يرجع المكلف اليه، وليس الا الامام، فان لم يكن معصوماً لم يكن للمكلف دليل الى العلم الا بذلك، اذ قول غير المعصوم قد لا يفيد الظن، ولو افاده فقد لا يقنع المكلف به خصوصاً مع قوله تعالى: ((واجتنبوا كثيراً من الظن))، فبقي ان يكون الامام الحافظ للشرع يجب ان يكون معصوماً»46.. «انه تعالى امتحن عباده بما أتاهم ليثيب من صبر على الامتحان والتزم بالحق وذلك لا يتم الا بامام معصوم لما تقدم تقريره غير مرة فيستحيل خلو الزمان عن امام معصوم. وايضاً أمر الله عباده ان يستبقوا الى الخيرات ولا يلتفتوا الى الشبهات ولا الى معارضات الحق ومخالفاته ولا يتم مع اشتمال النص على المتشابه الا بمن يفيد قوله اليقين ويبين متشابهات النص بحيث لا يكون للمختلفين على الله حجة، اذ المكلف اذا خوطب بالمتشابه ولم يحصل له ما يفيده اليقين حتى ظن خلاف الحق لعدم وقوفه على قرينة او قصور عقله عن تحصل يقين مع عدم ذلك ولا مفسر للمتشابه يفيد قوله اليقين يكون حجة ظاهرة، فلأجل ذلك وجب امام معصوم يعلم المتشابه والظاهر والمؤول يقيناً ويعلمه المكلفين ويدلهم ذلك عليه وهو المطلوب»47.
وليس من الصعب ان نستنتج من هذه الأدلة المدعاة بانها تفضي في الوقت ذاته الى ابطال التكليف في عصر الغيبة، اذ لا سبيل للتعويض عن غيبة الامام الا بالاجتهاد، وحيث ان الاجتهاد محرم فالتكليف ممتنع لا محالة. لذا فقد استدرك الحلي هذا الامر واكتفى بمشروعية العمل بالظن في الاحكام الالهية لهذا العصر، لوجود المرخص الشرعي48.
لكن ما مصدر هذا المرخص؟ سيما ونحن نجد العلماء مختلفين فيما بينهم حول جواز العمل بالظن، فبعضهم أجازه كالذي عليه اغلب الاصوليين، والبعض الاخر حرّمه كما هو الحال مع الشريف المرتضى وابن ادريس الحلي وابن زهرة والاخباريين عموماً. لذا فلو أخذنا بنفس المبدأ الذي عوّل عليه الحلي لكان خلاف العلماء يبرر للناس أن لا يتقيدوا بأقوالهم خشية الضرر المظنون ولإستحالة تكليف ما لا يطاق، وهو ما يجعلنا نعود – مرة أخرى- الى نفس المحذور من انتفاء التكليف في عصر الغيبة.
كما طبقاً للمبدأ الذي اعتمد عليه الحلي، ان عدم اتفاق الكثير من العلماء – بل أغلبهم – مع رأيه السابق، يجعل من هذا الرأي منضوياً تحت عنوان القاعدة التي قررها حول وجوب الاحتراز عن كل ما يثير الخلاف في الرأي لاستحالة تكليف ما لا يطاق وللزوم اجتناب إتّباع الضرر المظنون.
عود على بدء
لكن لو تجاوزنا مقالة الحلي في الدليل العقلي حول العصمة الشاملة، ونظرنا الى ما ذكره غيره من العلماء، فسوف لا نجد أدلة أقوى مما نقلناه عن الشيخ المفيد. لكن هذه الأدلة ساقطة طبقاً لموازين المنطق والواقع. فهي باختصار كالتالي:
1- لو عهد من النبي او الامام السهو والنسيان لارتفع الوثوق به عند تبليغه واخباره.
2 - ولو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة.
3 - وقوع المعصية منه يوجب نهيه فيسقط شأنه من قلوب الناس.
4 - لو جاز عليه الخطأ لافتقر الى غيره كي يسدده، ثم الحال يجري مع هذا ايضاً، فيفضي الامر الى التسلسل او يثبت إمام معصوم عن الخطأ.
ومن السهل الجواب على هذه الأدلة جملة وتفصيلاً. فيجاب عليها جملة بأننا نرى الناس يتبعون علماءهم ويقلدونهم ويقدسونهم مع علمهم بأنهم كسائر البشر ليسوا معصومين، فهم ممن ينتابهم السهو والنسيان والوقوع في الخطأ وبعض المعاصي الصغيرة غير المنفرة، ومع ذلك لم يسقط شأنهم من قلوب الناس. أما تفصيلاً فيجاب على الدليل الاول بأن النبي مسدد ومعصوم في جميع ما يخبر به ويبلّغه عن الوحي. اذ لا مانع من أن يتعامل معه الناس بالثقة والاطمئنان، كتعامل بعضهم مع البعض الاخر عند الاحساس بالصدق والامانة. كما يجاب على الدليل الثاني بإنكار التعميم القائل بأن كل خطيئة منفرة لنفوس الناس وعقولهم، وبالتالي فليس بالضرورة أن تكون الخطايا مخلة بمفاد رسالة النبي وهدفها. فالعصمة المطلوبة هي خارج اطار ما ينفر الناس ويبعدهم، لا من كل ذنب مهما كان صغيراً. كذلك يجاب على الدليل الثالث بأن الأمر لا يحتاج الى نهي النبي عند الذنوب الصغيرة، طالما يتصف بسرعة الالتفات والرجوع الى الاستقامة الدقيقة والخلق العظيم. فهو اولى الناس بأن يصدق عليه قول الله تعالى: ((ان الذين اتقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون))49. أخيراً يجاب على الدليل الرابع بأن الحاجة ثابتة لكل انسان، لكن سعيه وحركته يفضيان الى تقليص هذه الحاجة باستفادته من تجارب الواقع ومما سنّه الله تعالى من احكام وقوانين، فلا إشكال في الأمر.
الأدلة النقلية على العصمة الشمولية
وبخصوص الأدلة النقلية فقد اعتمد الحلي على ما جاء في القرآن الكريم من ايات، منها تلك المتعلقة بذكر الظالمين كقوله تعالى: ((لا ينال عهدي الظالمين))، حيث اعتبرها تشير «الى عهد الامامة والفاسق الظالم»50، مؤكداً اعتبار غير المعصوم ظالماً لصدور الذنب عنه بالفعل51. وعلى هذه الشاكلة الاية التي تقول: ((ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)) معتبراُ الظالم ينطبق على غير المعصوم فلا يتخذه الله شاهداً، مما يعني ان ما يتخذه من شهداء دال على عصمتهم52. كما استشهد على ان غير المعصوم لا يجوز الركون اليه باعتباره ظالماً والله يقول: ((ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار)) مما يدل على ان الامام لابد ان يكون معصوماً والا فهو ظالم لا يجوز الركون اليه53. ومثل هذا استدل بالاية: ((ومن يتعدّ حدود الله فاولئك هم الظالمون)) فذكر ان وجه الاستدلال هو أن كل فاعل ذنب يكون متجاوزاً لحد من حدود الله تعالى، وكل متجاوز لحدود الله فهو ظالم، فينتج عن ذلك: كل فاعل ذنب ظالم لا يجوز الركون اليه بشهادة الاية المذكورة54. كما استدل بالاية القائلة: ((وما للظالمين من انصار)) معتبراً بأن غير المعصوم لا ناصر له باعتباره ظالماً، ومن ثم لا تصح امامته فتثبت بذلك الامامة المعصومة55. واستدل ايضاً على العصمة بقوله تعالى: ((فاتبعوني يحببكم الله)) حيث ان غير المعصوم لا يحبه الله تعالى لانه ظالم كما تدل عليه الاية : ((والله لا يحب الظالمين))56. وكذلك الحال مع الايات الدالة على هداية المؤمنين، فبرأيه ان غير المعصوم لا يهديه الله تعالى باعتباره ظالماً، وذلك لقوله عز وجل: ((والله لا يهدي القوم الظالمين))57.
وعلى نفس هذا المنوال من الاستدلال اعتبر غير المعصوم ضالاً ومعتدياً بلا تقوى ولا اتباع للنبي (ص). واستشهد على ذلك ببعض الايات، كقوله تعالى : ((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) معتبراً ان غير المعصوم ضال مما يعني ان هذه الايات تشير برأيه الى العصمة58. كما سلّم بعدم تقوى غير المعصوم، مما يعني ان ما ذكره القرآن الكريم من ايات بشأن المتقين يقتصر أمرها على المعصومين دون غيرهم، كما في قوله تعالى: ((ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين.. اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون))59، وقوله: ((ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ)) (الأعراف/156ـ157). فمن وجهة نظر الحلي ان كل من يصدر عنه ذنب فهو غير تقي ولا متبع للنبي60. وقوله أيضاً: ((ان الله لا يحب المعتدين)) معتبراً ان غير المعصوم معتد بالفعل فلا يحبه الله تعالى. وكذا قوله تعالى ((ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلاً عظيماً)) معتبراً ذلك مما يصدق على غير المعصوم. وبذلك يصبح خطاب القرآن موجهاً الى المعصومين لا الى عموم المؤمنين. اذ ليس في قاموس (الألفين) الا المعصوم او ما يناقضه من المعتدين الفاسقين الضالين المبعدين عن رحمة الله61.
وبذلك فالحلي يحول معنى الايات الى فهم بعيد عن الفهم العرفي للألفاظ، مع ان لغة الخطاب الديني نزلت بصيغة ما تعارف عليه الناس من مواضعات عرفية62. ورغم هذا وقع في بعض التناقضات، فمن ذلك ما استدل به من قوله تعالى : ((يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة)) اذ اعتبر بأن مفاد الاية ينطبق على غير المعصوم من حيث افتتانه بالشيطان63، مع ان ذلك يصدق على النبي آدم بصريح الاية.
والأهم من ذلك تناقضه عندما استدل على عصمة الامام بالآيات القرآنية، مع انه حرّم مطلق الاستدلال بالآيات ما لم يتم الرجوع في ذلك الى الامام المعصوم، وهو ما جعله يصادر على ما يريد اثباته ويوقعه في الدور الباطل. فهو يصرح بانه لا يعلم تفصيل الكتاب «بالحقيقة والتحقيق في كل الاحكام الا المعصوم، لأن مجملاته كثيرة والاجتهاد لا يفيد الا الظن، ولا يحصل اليقين في دلالته على كل حكم الا المعصوم لانه العالم بما يراد بالمجمل منه حقيقة»64. ونجد هذه الدلالة مكررة وهو بصدد ذكر قوله تعالى: ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب))، اذ عدّ الكثير من الايات والاحاديث مجملة، وقد اختلفت الاراء فيها، وليس تقليد احد المجتهدين بأولى من اخر، والجمع بين الكل محال، كذلك فإن الترك يستلزم العقاب. وعليه استنتج انه لا بد من شخص يفيد قوله اليقين، ولا يفيد اليقين الا قول المعصوم65.
مع ان هذا الاستدلال - وكما عرفنا - يصادر كل ما بناه من أدلة ويوقعه في التناقض. فقد استدل على العصمة بالآيات القرآنية دون الرجوع إلى قول الإمام المعصوم، مع أنه نهى عن ذلك وأبطله مبدئياً كما عرفنا قبل قليل. يضاف إلى أن الكثير من العلماء يختلفون في الرأي مع الحلي، ولو عوّلنا على النهج الذي حمله الأخير لما جاز لنا الإلتزام برأيه وإتّباعه، وهو دليل على تهافت محاولاته الاستدلالية وتناقضها.
وعموماً لم تنجح جميع المحاولات الفكرية التي استهدفت إثبات العصمة وخلعها على الحكم السياسي. وهو ذاته الذي حرم الشيعة من توفير الأرضية الصلبة لإقامة الحكم الإسلامي قروناً عديدة طيلة الغيبة الكبرى. إذ حرمهم من التنظير الفقهي للحكم السياسي، كما حرمهم من المطالبة بهذا الحكم حتى مع ظهور وشيوع فكرة نيابة الإمام العامة.. إلى أن حلّ عصرنا الحاضر فقلب الكثير من التصورات والأحكام رأساً على عقب.
منهج الاستقراء وعلاقته بتحديد مصير العصمة
لا شك ان الاقرار المعرفي بالعصمة يختلف حالاً وقيمة فيما لو اخضعناها تحت كل من حكم العقل القبلي والبعدي. فمن الناحية القبلية إنه كلما اتخذ الإقرار المعرفي بالعصمة صورة شمولية مطلقة؛ كلما قل وضعف الإحساس الوجداني بها، قياساً مع الأشكال المحدودة لها. وهو أمر منطقي، فالحكم على الجزء ضمن الكل أكثر دقة من الحكم على الكل. وقد نحكم على الجزء بالقطع واليقين لاعتبارات معينة؛ كالتجربة والاختبار، لكن ذلك لا يخولنا بالضرورة ان نحكم على الكل بنفس الحكم السابق، اذ لو كانت بقية اجزاء الكل غير مختبرة - مثلاً - فان من الصعب تعميم الحكم عليها. او ان الحكم على الكل سيكون أقل قوة واضعف درجة من الحكم على الجزء. مع هذا فيمكن القول ان الحكم على العصمة المطلقة او الشاملة رغم انها اضعف درجة من الحكم على العصمة المحدودة، الا انها من الامور المظنونة الحدس من الناحية الوجدانية القبلية. فمن الناحية القبلية يميل الانسان ان يكون المرسل عن الله معصوماً تماماً كالملائكة، لكن هذا الميل لا يصل الى درجة القطع واليقين.
وبعبارة اخرى يقطع الوجدان العقلي بضرورة العصمة على الفرض الخاص بتبليغ الأحكام، لكن ذلك يختلف فيما يتعلق بفرض شمول العصمة واطلاقها. اذ لا يحكم الوجدان بقطعيتها رغم ميله الى الظن المؤكد. مما يعني ان الاقرار المعرفي للاحساس الوجداني يضعف ويقل كلما لبست العصمة لباس فرض الشمول والاطلاق . في حين ان هذا الاقرار يقوى ويتعاظم كلما فرض انها محدودة غير شاملة حتى يصل الامر الى القطع عند النقطة التي يتوقف عليها امر تبليغ الرسالة واتباعها.
هذا من الناحية القبلية، اما من الناحية البعدية فنلاحظ ان اتباع منهج الاستقراء يعطينا نتيجة مغايرة. فكما ان لهذا المنطق دوره في اثبات اغلب المعارف البشرية على صعيد علوم الكون والطبيعة، فكذلك ان له دوره في معرفة العديد من القضايا الميتافيزيقية كما اشار الى ذلك المفكر الكبير محمد باقر الصدر في كتابه (الاسس المنطقية للاستقراء) و(المرسل/الرسول/ الرسالة). يضاف الى دوره الهام في الكشف عن معارف الخطاب الديني، والتي منها المبادىءوالمقاصد الكلية التي سبق للشاطبي ان نظّر لها اعتماداً على هذا المنهج من المعرفة كما في كتابه (الموافقات). ومن الممكن تطبيقه على القضايا النظرية العامة التي تتعرض لها نصوص الشريعة بشكل شواهد وجزيئات مختلفة من هنا وهناك، كما هو الحال مع قضية العصمة التي نحن بصدد بحثها.
إذ كلما استطاع النسق أن يحقق أعظم قدر من القرائن الاستقرائية المستمدة من ظواهر الخطاب نحو تفسير متسق لمحور مشترك، كان له القدرة على أن يكون أكثر فاعلية في القرب من الموافقة والقبول. إذ أن كثرة الشواهد الدالة على المحور المشترك تزيد من احتمالات التوافق، خصوصاً إذا لم يكن هناك في القبال شواهد معارضة تتجمع نحو محور مشترك منافس. كما يلاحظ من الدلالات المتجمعة من ظواهر الخطاب على كل من الجبر والاختيار، وكذلك الدلالات المتعاضدة باتجاه محور نفي الشمول في عصمة الأنبياء. ذلك أنه ما لم يؤخذ بالقيم الاحتمالية المتجمعة باتجاه المحور المشترك، حيث يكون فيها التعامل مع نص الخطاب تعاملاً كلياً، فأن تفسير جزئيات هذا النص يخضع الى حكم «المصادفة»، باعتباره لا يجد تعليلاً موحداً ومشتركاً يربط بين وجود هذه الجزئيات أو ظواهرها كما هو الحال في المعاملة الكلية القائمة على الدليل الاستقرائي. فعلى سبيل المثال لو إنّا وجدنا ورقة عليها كتابة منتظمة ومفهومة المعنى، وأردنا أن نعرف إن كان مصدر كتابتها يعود الى شخص عاقل يعرف الكتابة أم لا. ففي هذه الحالة نجد التفسير طبقاً للافتراض الأخير يقوم على أساس تجمع المصادفات، إذ ارتباط الأحرف ببعضها على ذلك الشكل لا يفسر الا بتجمع المصادفات العشوائية، اذ لا علة مشتركة تجمع بين الحرف الأول مع الحرف الثاني ثم مع الثالث وهكذا... وبالتالي فانها جميعاً قد اجتمعت بصورة عشوائية. في حين أن التفسير طبقاً للافتراض الأول يجعل من وجود ارتباط الأحرف بهيئتها المنظمة معللاً بوجود محور مشترك يفسرها جميعاً، وهو افتراض وجود شخص يعرف الكتابة. ولا شك أن هذا الافتراض يحظى بقيمة احتمالية كبيرة جداً تتحول من الناحية العملية الى اليقين والقطع، بخلاف ما هو الحال في الافتراض الأول القائم على حكم المصادفات العشوائية، حيث أنه يكسب قيمة احتمالية متناهية الضآلة تتحول من الناحية العملية الى الصفر أو النفي. كذلك هو الحال فيما يتعلق بدلالات جزئيات الخطاب التي تتجه نحو محور مشترك من غير منافس، فوجود عشرات الشواهد الدالة على محور نفي الشمول والاطلاق في العصمة لا يمكن اغفاله أو تجاهله66، وبالتالي فأن أي تعامل تجزيئي لفهم تلك الشواهد بعيداً عن المحور الكلي المشترك كممارسات التأويل لنصوص مثل تلك القضية انما يعرض جزئيات الخطاب الى أن يكون حضورها بدلالاتها الظاهرة على أنه حضور صدفوي مثلما هو الحال في الحضور الصدفوي لوجود الأحرف المنتظمة بحسب أحد الفرضين الآنفي الذكر، وهو مما لا يتقبله منطق الاحتمالات بحسب الدليل الاستقرائي. لذا لم يكن أمامنا من تفسير إلا بالعمل على تجميع قيم الاحتمالات التي تدل على المحور الكلي المشترك، باعتباره يحظى بتعليل وجود الكثرة من الدلالات الظاهرة من غير منافس.
وبغير ذلك تصبح جزيئات الخطاب كلها رموزاً وألغازاً لا تحل الا بالطريقة التي تثيرها الباطنية، وهو ما يبرر عدم الالتزام بالأحكام والضرورات الدينية الذي لا يبرر الالتزام بأي حكم وضرورة دينية كالصلاة والصيام والحج والجهاد وغيرها. اذ انها تكون بحسب ذلك المنهج قابلة للطعن في الدلالة بتحويلها مما هي عليه من الظهور الى نوع من الرموز والألغاز. ألا ترى ان الكثير من العلماء حكموا على الفلاسفة بالكفر بسبب تأويلاتهم للمعاد الجسماني والخلود في العذاب؟! مع ان ما ورد بهذا الصدد من نصوص الخطاب قليلة جداً لا تقاس بما ورد بخصوص مسألة العصمة.
لكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن نفي العصمة المطلقة للأنبياء لا يستفاد منه شمولية هذا الحكم لجميع هؤلاء فرداً فرداً، بل انه يشير الى الحكم الاجمالي المتعلق بمن ذكرته الآيات القرآنية بشيء من الظهور المنافي للعصمة. بمعنى أن هناك حداً أدنى لعدم هذه العصمة تلوح عدداً غير محدد من الأنبياء، وهو الحد المقطوع به في المسألة، أما خارج هذا الحد فهو في دائرة الاحتمال دون تعيين.
ومما يؤكد عدم شمولية العصمة واطلاقها؛ ما ورد في السيرة النبوية حول ذلك، ومنها ما كشف عنه القرآن الكريم، كعتاب الله تعالى للنبي (ص) في قضية اسرى بدر: ((ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الأرض))، ومثلها قضية الأعراب: ((عفا الله عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)).
كما ورد في سيرة الامام علي ما ينافي ذلك ايضاً، مثل توليته لبعض ممن تبيّن له فيما بعد خيانته وعدم صلاحيته، كزياد بين أبيه وعبد الله بن عباس. وجاء في نهج البلاغة ما يدعم ذلك، كما في قول الامام: (لا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ، ولا ألتماس أعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فأنه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه.. فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل فأني لست بنفسي بفوق ان اخطىء، ولا آمن ذلك من فعلي الا ان يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني..). كذلك وصيته التي كتبها لولده الحسن عند انصرافه من صفين، والتي جاء فيها قوله: (اي بني اني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني ازداد وهناً بادرت بوصيتي اليك، واوردت خصالاً منها قبل ان يعجل بي اجلي دون ان افضي اليك بما في نفسي، او انقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني اليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور. وانما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته. فبادرتك بالادب قبل ان يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك اهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه).
ثمرة البحث
تجدر الاشارة أخيراً الى أن الاعتماد على الخطاب الديني في نفيه للعصمة المطلقة يفضي الى توليد ثمرتين:
إحداهماأنهذاالنفييشكلقرينةعلىصدقالنبوة. إذليسمنالمعقولأنيقوممدعيالنبوةبإضفاءبعضصفاتالذموالخطأعلىنفسهمالميكنصادقاً،سيماأنهيستهدفبدعوتهإتّباعالناسله. بللمنعهدمثلهذاالحاللدىالرؤساءوالزعماءباستثناءأتباعالأنبياء. لذاليسمنالصحيحالقولبأنإثباتالذنبوالخطأ يعتبر أمارةعلىنفيالنبوةوتكذيبها،بلالعكسهوالصحيح،بدلالةكثرةماأبداهالقرآنالكريممنالإشارةإلىذلك،ولايعقلأنيكونهذاالتأكيدلعشراتالآياتفيالوقتالذييوحيإلىنفيالنبوةوتكذيبها. أما الثمرة الثانية فهي تشير إلى صحة الإجتهاد في جميع الممارسات السلوكية غير المرتبطة بالوحي المباشر. فما يقع للأنبياء من أخطاء دال على إجتهادهم، ومن الأولى أن يتسع هذا الحال لغيرهم، مما يعني جواز إعمال الجدل بين العقل والواقع دون التقيد بحرفية الممارسة النبوية، وإن كان الاسترشاد بها يعد أمراً مطلوباً لا غنى عنه، ناهيك عن وجوب أن تكون هذه الممارسة متظللة بالمبادىء الدينية والمقاصد الكلية العامة، كالذي فصلنا الحديث عنه في (جدلية الخطاب والواقع) و(فهم الدين والواقع).
1يراجع بهذا الصدد كلا من المصادر التالية: الشريف المرتضى: الامالي، مكتبة اية الله العظمى المرشعي النجفي في قم 1403هـ، ج2، ص 125-126. وتنزيه الانبياء، منشورات الشريف الرضى في قم، ص14 و24 و93. ومجموعة رسائل المرتضى، نشر دار القرآن الكريم ج1، ص121 و56 . والطوسي، ابو جعفر : الاقتصاد في الاعتقاد، منشورات مكتبة جامع جهلستون في طهران، ص162. والرسائل العشر، تقديم محمد واعظ زادة الخراساني، مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين بقم، ص325 .
.
2الجويني: الارشاد،نشر مكتبة الخانجي بمصدر ص356.
3 عبد الكريم عثمان: نظرية التكليف، مؤسسة الرسالة ببيروت 1971ـ1391هـ، ص97.
4 الهمداني، القاضي عبد الجبار: شرح اصول الخمسة،تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، الطبعة الاولى ص575. تنزيه القرآن عن المطاعن، دار النهضة الحديثة ببيروت، ص23. والمغني في ابواب التوحيد والعدل، تحقيق ابي العلا عفيفي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ج15، ص303 و309.
5 مشكلة الحديث، الفصل ؟؟؟.
6 لاحظ حول ذلك الفصل الخامس من كتابنا: الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الاولى، 2008م. كذلك دراستنا: حقيقة النبوة في الفكر الفلسفي العرفاني، مجلة المنهاج، العدد 33، 2004م.
7 الوحيد البهبهاني: الفوائد الرجالية، ص38. كذلك: عدة الرجال، ج1، ص155.
8 المفيد: تصحيح الاعتقاد، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، عدد (5) ص135ـ136.
9 المفيد: المسائل السروية، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد (7) ص75.
10 بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص220.
11 النكت الاعتقادية للمفيد، ص29. كذلك: ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين لجمال الدين السيوري الحلي، ص301ـ302، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي بقم، 1405هـ.
12 النكت الاعتقادية، ص30. وارشاد الطالبين، ص300. أيضاً: الرسائل العشر للشيخ الطوسي، ص302.
13 ارشاد الطالبين، ص302.
14 من لا يحضره الفقيه للصدوق، ج1، ص250، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ ـ1986م. كذلك: الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري، ج4، ص131 و33ـ40.
15 المير محمد باقر الداماد: الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الامامية، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1405هـ، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص86. علماً بأنه ليس بالضرورة من ينفي السهو والنسيان عن النبي أنه ينفيه نفياً مطلقاً حتى في الأمور الخاصة التي تخرج عن حدود التكاليف والأوامر الشرعية. فالشريف المرتضى يحدد ذلك بقوله أن النبي «لا يجوز عليه النسيان في ما يؤديه عن الله تعالى أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه، فأما في ما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان» (تنزيه الأنبياء، ص84 ).
16 علم الامام لمحمد حسين المظفر، ص 9 4 ـ 0 5، المطبعة الحيدرية في النجف، الطبعة الأولى، 1384هـ ـ1965م.
17 النكت الاعتقادية، ص29، طبعة طهران.
18 أوائل المقالات للمفيد، ص68ـ69 و74، مكتبة الداوري بقم.
19أوائلالمقالات،ص96.
20 الفرقان/23.
21 الرسائل العشر، ص625 ـ 326، تقديم محمد واعظ زادة الخراساني، مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين بقم. كذلك: الاقتصاد للطوسي، ص162، منشورات مكتبة جامع چهلستون في طهران.
22 تنزيه الأنبياء، ص3 ـ 4، منشورات الشريف الرضي في قم.
23 رسائل المرتضى، ج3، ص145.
24 الطوسي، ابو جعفر: تمهيد الاصول في علم الكلام، انتشارات دانشكاه طهران، ص353.
25 المصدر السابق، ص359.
26 انظر مقدمة وخاتمة كتاب الالفين، ص11 و445، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ببيروت، الطبعة الثالثة 1982م ـ1402هـ.
27 الالفين، ص396، وشبيه به ما ذكره الطباطباىي في كتابه الميزان في تفسير القرآن،منشورات جامعة المدرسين ج2 ص137.
28 الالفين، ص239.
29 رسائل المرتضى، ج1، ص89.
30 الالفين، ص403.
31 الالفين، ص342.
32 المصدر السابق، ص383.
33 المصدر السابق، ص89.
34 المصدر السابق ص270.
35 المصدر السابق، ص207.
36 المصدر السابق، ص233.
37 المصدر السابق، ص233.
38 المصدر السابق، ص82.
39 المصدر السابق، ص146.
40 المصدر السابق، ص148.
41 آل عمران/118.
42 المصدر السابق، ص154.
43 المصدر السابق، ص150.
44 المصدر السابق، ص200.
45 المصدر السابق، ص180.
46 المصدر السابق، ص284.
47 المصدر السابق ص375ـ376.
48 المصدر السابق، ص404-405.
49 الاعراف\201.
50 الالفين، ص61.
51 المصدر السابق، ص78.
52 المصدر السابق، ص109.
53 المصدر السابق، ص373.
54 المصدر السابق، ص401.
55 المصدر السابق، ص388.
56 المصدر السابق، ص101 و145ـ146 و155.
57 المصدر السابق، ص149
58 المصدر السابق، ص66 و67.
59 المصدر السابق ص80-81.
60 المصدر السابق ص80-81 و398 و433.
61 المصدر السابق، ص398 و424 و443 و75 و6-77 و79-80.
62 نجد هذا الفهم يتسلل احياناً الى بعض العلماء المعتدلين من المعاصرين من امثال محمد حسين الطباطبائي وهو يحاول جهده ان يستنبط العصمة من امثال ما سبق ان اشرنا اليه من ايات قرآنية ( الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص135-137.).
63 الالفين، ص379.
64 المصدر السابق ص405
65 المصدر السابق ص388.
66هناك أشكال مختلفة كثيرة للنصوص القرآنية ـ فضلاً عن الأحاديث ـ تظهر بمظهر «البيان» في نفي صورة الإطلاق والشمول للعصمة، منها قوله تعالى في حق الأنبياء: ((وعصى آدم ربّه فغوى، ثم اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى)) طه/121ـ122.. ((وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه.. فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، انه هو التواب الرحيم)) البقرة/35ـ37.. ((فوسوس لهما الشيطان ليبديَ لهما ما وري عنهما من سوءاتهما.. وناداهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين)) الأعراف/20ـ23.. ((قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلْن ما ليس لك به علم اني اعظك أن تكون من الجاهلين. قال ربِّ اني أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين))هود/46ـ47.. ((والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)) الشعراء/28.. ((ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين)) يوسف/24.. ((وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين)) الأنبياء/87.. ((فالتقمه الحوت وهو مليم)) الصافات/124.. ((فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم. لولا أن تداركه نعمة من ربه لنُبذ بالعراء وهو مذموم)) القلم/48ـ49.. ((ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربِّ أرني انظر اليك، قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً، فلما أفاق قال سبحانك تبتُ اليك وأنا أول المؤمنين)) الأعراف/143.. ((يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون، إلا من ظلم ثم بدّل حُسْنا بعد سوء فاني غفور رحيم)) النمل/10ـ11.. ((قال ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم)) القصص/16.. ((..وظنّ داود انما فتنّاه فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب فغفرنا له ذلك..)) ص/24ـ25.. ((يا أيها النبي اتقِ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ان الله كان عليماً حكيماً، واتبع ما يُوحى اليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيراً)) الأحزاب/1ـ2.. ((يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم)) التحريم/1.. ((واذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتُخفي في نفسك ما الله مبديه وتخش الناس والله أحقُّ أن تخشاه)) الأحزاب/37.. ((ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلّوك..)) النساء/113.. ((عفا الله عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)) التوبة/43.. ((وكذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا..)) الشورى/52.. ((سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى)) الأعلى/6ـ7 ((ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم)) الأنفال/67.. ((ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)) الفتح/2 ..الخ.